أنشدكم العدل في سيد قطب - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم خاص لطلبة العلم لمناقشة المسائل العلمية

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

أنشدكم العدل في سيد قطب

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-10-30, 17:47   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
أبو عمار
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي أنشدكم العدل في سيد قطب

أنشدكم العدل في سيد قطب

بسم الله الرحمن الرحيم

لا أدعي أني سآتي بجديد ولست من هواته, ولكن علِّي أن أدلو بشيء يسهم في إحقاق العدل والإنصاف في وقت عز فيه ذلك, ويحفز لإيقاظ الغيرة في نفوس المحبين للحق الذين ينشدونه, ويدأبون لإحقاقه في كل شؤون الحياة, ويأتي منها ما كان في جناب العقيدة والثوابت الإسلامية في المقام الأول .
فأقول وبالله رب العالمين أستعين : إنه من المقرر الثابت لدى دعاة الحق وأهله الأصل المستفيض شهرة عن الإمام مالك بن أنس ـ رحمه الله ـ ( ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر ـ صلى الله عليه وسلم ـ) وهو مروي بهذا المعنى عن جماعة من السلف, وكلام العلماء في هذا المعنى كثير .
ولا يستعظم الرد على المخالف إلا من ليس له أدنى حظ من العلم بطريقة السلف الصالح ـ رحمهم الله ـ, وقد هيأ الله ـ جل وعلا ـ لهذا الشأن خواص أهل الملة من فحول العلماء في كل زمان من الصدر الأول إلى حيننا, لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك, وادخر لهم الفضيلة العلية والمراتب السنية فهم علية القوم وغيرهم لهم تبع .
ولولا تسخير الله الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر في هذا الباب لنقضت عرى الإسلام عروة عروة, ولانفرط عقد نظامه, وانتقص كماله واختل قوامه . والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .

ومنذ فترة موغلة في القدم في بدايات الإسلام ومع سطوع شمسه وانتشار ضوئه, وتوسع رقعته, ودخول من في أنفسهم الحنق والحقد على الإسلام فيه, والذين أضمروا الشر للإسلام وأهله الذين بددوا غياهب الشرك بنور التوحيد, وحرروا الناس من عبودية العباد إلى عبودية رب العباد, وحملوا الرسالة العظمى, التي أضاءت العالم بعد ظلمه, وآنسته بعد وحشة, ونشرت في أكنافه وأرجائه حقيقة التوحيد, وكمال الإيمان , والعدالة بين البشرية, والأخوة بين المؤمنين والرحمة.
هؤلاء المندسون الذين يحملون موروثا ثقيلا من شرك اليهودية والنصرانية, وشيطنة المجوسية الفارسية , ووثنية الجاهلية العربية المنتنة, ليس لهم من الإسلام إلا إسلام ابن أبي وشيعته, الذين يتربصون بالإسلام والمسلمين الدوائر, فعاثوا فسادا بما روجوا من فساد المعتقدات والأقوال والأفعال .
ومن عظيم لطف الله ـ جل وعلا ـ أن خروج هؤلاء الخلوف كان في زمن سلفنا الصالح من الصحابة وأتباعهم, حتى كان الرد عليهم من هذه الثلة المباركة السابقة للإيمان, فكانت الحجة أبلغ والقدوة أمثل. والله ذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون.
ولكل قوم وارث فأهل الباطل يتوارثون باطلهم جيلا بعد جيل, ومن الباطل الظاهر أن يقال: إن الفرق وأصحاب المقالات انقرضوا!! وقد سمعته مباشرة من أحد حملة شهادات الزور المتبجحين بباطلهم دون حياء ولا خجل.
وفي عصرنا ومن زمن ليس ببعيد سرت أفكار هدامة, ومعتقدات باطلة, ومقولات آثمة في أوساط أهل السنة والجماعة هي أجنبية عنهم, ومذهب السلف منها براء كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب ـ عليهما وعلى نبينا السلام ـ سرت بين المسلمين وبالأخص الشباب منهم سريان النار في الهشيم وجريان الماء في المنحدرات, حتى نخرت فيهم نخر الآكلة في المصاب, وأكل الأرضة في الأخشاب.
وأفرزت هذه الأفكار توجها دخيلا عاتيا مستعصيا على جلة أهل العلم وعليتهم؛ لأنها قائمة على نزع الثقة من العلماء, وعقدها فيمن يزعمون أنهم أهل الفكر والقيادة, ووجد هذا الفكر الذي طال ثوابت أهل السنة والجماعة دعما سخيا وترويجا قويا مستغلا كل الظروف المواتية لإضعاف الحق وحملته, وأضفوا الهالة الإعلامية الضخمة التي صورت رموز هذا الفكر كعلماء ومجاهدين وشهداء, فأوقعوا في شباكهم الغر من أبناء المسلمين, وأضحوا ضحية لرواسب هذا الفكر الغالي المنحرف, فخرج من أبناء المسلمين من يكفر المجتمعات الإسلامية ويبحث عن طوق النجاة في شهادة مفصلة لجهاد مزعوم لا يمت للجهاد الشرعي بصلة, وكيف يكون ودعاته رؤوس الجهل, وأقطابه لم يرحوا رائحة العلم ولم يلتمسوا طرقه, وغاية ما عندهم الشبهات والتلبيسات التي قذف بها رؤوس الشياطين عليهم, والتي تصادف العماية وقلة الحصانة العلمية, أو انعدامها لدى المنصاعين لهم .
وكان كل من يتجرأ من أهل العلم والصدق للتصدي لهذا العدوان قابلته القوة الخفية والمعلنة بكل عنف وشراسة, مستخدمة كل الوسائل في حربه, متجردة عن كل ضمير إسلامي, وغيرة شرعية لثوابت المسلمين, وإنما ينطلقون من أهداف فكرهم وحزبهم لا من ثوابت الإسلام وقيمه, خالعين ثوب الحياء والاستحياء متجردين عن العدل والإنصاف.
فلا عجب حينئذ عندما نرى احتفاء الرافضة الاثني عشرية بسيد قطب وبكتاباته وفكره, فهاهم يطبعون كتبه ويحرصون على تلقيبه بالشهيد, وهم خصوم السنة من قديم.
ومن المناسب هنا أن أذكر السبب الباعث لكتابة هذا المقال في هذا التوقيت, مع علمي أن البعض قد يقول هذا تحصيل حاصل وهو مقرر لدى أهل السنة ـ أي مباينة سيد قطب للسنة ـ فأقول إني أتناول الأمر من حيث خلط فيه بعض المحسوبين على السنة ممن يدعون العدل والإنصاف, حتى قالوا وبئس ما قالوا: إن سيد قطب بولغ في نقده, وإن إنصافه لا بد منه, وإنه معذور بجهله, ويستفاد مما في كتبه من خير, وتكرار مسألة قتله ووصفها بأنها شهادة, وأنه في الجنة مع سيد الشهداء, والأحسن حالا منهم من يذكر بعض أخطائه على استحياء ووجل, إلا أنه يعقب ذلك بإكثار الشفقة عليه في مقام لا يحتمل هذا .
ويكثرون من تقرير مسألة العذر بالجهل وأن الحجة لم تبلغه وأنه لم يبلغ مقام العلماء, ناسين أو متناسين أن باب العذر بالجهل في مسائل الاعتقاد له ضوابطه وروابطه عند من يقول به من أهل السنة, وأن الأمر ليس على إطلاقه كما يصوره هؤلاء .

وإني لأكاد أقطع بيقين لا يخالطه شك أن شروط العذر بالجهل المعتبرة عند من قال بذلك من أهل العلم منتفية في حق الرجل, ولاسيما أنه من أهل الاطلاع والقراءة, مع وفرة العلماء في زمنه وبلده, وتوفر المصادر السلفية المجتمعة في بلده حينها بحيث لا يقاربه بلد إسلامي في ذلك .
ناهيك عن مناصحة المعاصرين له والذين قابل نصحهم بكل غرور وعتو وتسلط واستهزاء, وإصرار عجيب على الباطل والمماراة فيه, وهو ما سأبينه لاحقا وهو من المقاصد الرئيسة للمقال
.
أكتب هذا حتى يكف وينزجر من فيه بقية خير, وغيرة على عقيدة أهل السنة, ومنها حب الصحابة وإجلالهم وتوقيرهم, عن تمريض أمر نقد سيد قطب, وغيره من أهل الباطل, وعليه أن يبارك جهود العلماء وطلبة العلم ويدعو لهم ؛ إذ رفعوا عنه فرضا لولا قيامهم به لكانت الأمة في حرج .
وبهذه الأساليب التمريضية لمبدأ النقد الشرعي للمخالف, والتي يصدرها بعض من يعول عليهم في نصرة الحق, مدعين العدل والإنصاف مع المخالفين, وأن مصلحة الدعوة في ذلك, يخلص إلى شباب الأمة, وترقق البدع ودعاتها في نفوسهم, ولا طب بعد هذا لهؤلاء المساكين ـ إلا أن يشاء الله ـ الذين قضوا ضحية تأخير البيان عن وقت الحاجة.
ومن المعلوم أن الفتن قد تخبوا ولكن النار من تحت الرماد, هذا وقد نشأت ناشئة من صغار الشباب وقد وضعت معركة السلفيين مع القطبيين أوزارها, فلم يدركوا حقيقة القوم, ومدى خطرهم, وتساهلوا بمخالطة أهل الباطل, لما يجدوه من تهوين وترقيق لأمر البدع ودعاتها من بعض من قدمت وصفهم, فانجروا مخدوعين إلى باطل مفضوح, وعوار مكشوف وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولهذا يستحسن عدم إهمال التعرض للأفكار الهدامة القديمة والمعاصرة, تحت دعوى أن أمرها منتهي, وأن الأمر واضح, بل الحق أنها متجددة وحملتها لا يفترون, ويستغلون غفلة الشباب, وحداثة عهدهم, وقلة معرفتهم بالعلماء ودعاة الحق, هذا إن لم تكن منعدمة.
ولست وأنا أكتب في هذا الشأن أدعو إلى الفوضى في النقد, بل النقد له أهله وأساطينه والناس لهم تبع وهم متوافرون ومتفاضلون كذلك, وكلا وعد الله الحسنى.
كما أن للنقد ضوابطه, ومعالمه, وحدوده التي لا تخفى, والدعي في هذا كذلك لا يخفى, وأمره منكشف وبضاعته لا تروج, وهو وهي في كساد منذ كان وكانت.
ومما يشغب به أهل الأهواء على أهل السنة أن عندهم فوضى في النقد فأقول متمثلا بقول أبي ذؤيب الهذلي وتلك شَكاةٌ ظاهرٌ عنكِ عارُها ) وهذا أنين المخالفين ونحيبهم من أهل السنة منذ كانوا, كما أن وجود الخلل في النقد عند البعض لا يقره أهل السنة سواء صدر ممن يحسب عليهم, أو من غيرهم, فهم قوامون بالقسط شهداء لله ولو على أنفسهم .
وليس من نافلة القول وأنا في صدد الحديث عن سيد قطب أن أعرج على ذكر جهود شيخنا الوالد العلامة المحدث الفقيه ربيع بن هادي المدخلي ـ حفظه الله ـ وهو الذي تحمل عبئ البيان وثقله ولم يثن عزمه أو يفت عضده قوة الخصم وجبروت حزبه وما يملكه من إعلام ودعاية مخيفة, انبرى شيخنا ولم يرض بثوب الخوف الذي تدثر به البعض وطالما كان عائقا في طريق الصدع بالحق, معرضا عن المثبطين له والمشفقين عليه, ولسان حاله يقول قول خبيب الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ كما في صحيح البخاري - (3 / 1108) :
ولست أبالي حين أقتل مسلما على أي شق كان لله مصرعي
فتجرد للبيان منتصرا للحق ولحملته من الأنبياء والصحابة ومن نهج نهجهم, مبطلا لقواعد الضلال وتقريرات الباطل, التي طفحت بها كتب سيد قطب, وكانت من قبل حمى لا يحام حوله إلا على وجل, حتى غدت لدعاة الباطل مصدر الإلهام والنور المشع, حتى قال عائض القرني عن كتابه المسمى بالظلال : الظلال كتاب كأنه أخرج من الجنة!.
فلا عجب إذن أن يكون شيخنا ـ حفظه الله وأمتعنا بحياته ـ الهدف المعلن والحمى المستباح لدعاة الفتنة والتحزب والبدع بأنواعها, والغلاة, ودعاة العدل والإنصاف والوسطية المزعومة الملتصقين كذبا وزورا بأهل السنة, وقد ركبوا مطيتها حينا من الدهر, وهم يخبئون الغوائل ويتربصون الدوائر بالسنة, من أمثال أبي الحسن المصري, وعلي الحلبي ومن حام حومهم ودار في فلكهم والطابور كبير, فاتسعت رقعة المعركة وانكشفت الأقنعة عن كثير من الوجوه , كلما انكشف وجه أعقبه آخر في تسلسل ونظام ونسق عجيب .
وإني لأذكر في هذا المقام كلمة قالها صاحب الفضيلة العلامة الفقيه شيخنا محمد بن عبدالله السبيل عضو هيئة كبار العلماء, وإمام وخطيب المسجد الحرام, والرئيس العام لشؤون الحرمين سابقا ـ حفظه الله وأحسن الله لنا وله الخاتمة ـ وكنت مقدما له في محاضرة في أحد مواسم الحج وألقيت عليه سؤالا مفاده عن شيخنا ربيع ـ حفظه الله ـ ففاجأ الجميع بجواب لم يتوقعه أحد حيث قال : ( الشيخ ربيع شجاع, رفع عن أهل العلم الفرض الكفائي وإلا لكانوا جميعا في حرج, ونحن جبنا عن ذلك ) .
هكذا قالها ـ حفظه الله ـ وإني لأقول : وأنت والله يا شيخنا الجليل لشجاع وبطل إذ قلت هذا في حق أخيك ومحبك الشيخ ربيع ـ حفظه الله ـ وأطلقتها كلمة حق في صماخ الباطل.
وأحب أن أذكر هنا ـ عرضا لا قصدا ـ أن شيخنا ـ حفظه الله ـ لم يجد خصومه عليه مدخلا على كثرتهم, وكثرة ما جندوا, وعلى وفرة إنتاجه العلمي؛ وما ذاك إلا لصفاء مشربه ونقاء مسلكه, وعدم تكلفه, وهو مع هذا شديد الحرص والترحيب بكل من يوجه له بيان لخطأ أو تصحيح لمقولة أو تصويب لرأي, وهذا غاية ما ينشده من خصومه الذين ليس عندهم إلا الحشف وسوء الكيل . وكل من دنى منه أو قرب عرف هذا عنه, وأنه لا يستنكف عن قبول الحق والرجوع إليه, وقد ضرب في ذلك أروع الأمثلة لخصومه ومحبيه, وإن قلت إن هذا من أميز ما يميزه فلا أبعد, وإن كانت مزاياه جمة.
وغاية ما عند مخالفيه نبزة قديمة كانت شعارا في القديم لأهل الباطل المعاندين لأهل الحديث الذين هم حماة الدين, وهي رميهم بالتشدد والغلو, وهذه شنشنة قديمة معروفة, مستغلين وجود الغلو عند بعض اللصقاء بالسنة وأهلها, وهذا غير خاف على المشتغلين بالدعوة, كما أن جهاد شيخنا ـ حفظه الله ـ لهؤلاء اللصقاء لا ينكره إلا مكابر, وهل تكسرت رؤوس الغلاة وتبين عوارهم , وزيف ادعائهم إلا بما قام به من نصح وبيان وكشف للحقائق دون مجاملة أو محاباة.ولا يعرف لعالم معاصر جاهد الغلاة المحسوبين على السنة بقلمه ولسانه وجاهه مثله.
والمهم من هذا أن نعلم أن أهل الباطل في كل زمان وآن لهم نبزة خاصة ينبزون بها دعاة الحق وقد تتكرر, ففي القديم رموا أهل الحديث بالتشدد في المعاملات وأطلقوا عليهم لقب المجسمة في العقائد, مع وجود المجسمة الحقيقيين؛ ليلبسوا على الناس دينهم , وليتم لهم ما أرادوا من تنفير الناس عن حملة الحق, فلا نعجب إن رأينا عقبهم وورثتهم الآن يكيلوا التهم جزافا على شيخنا ـ حفظه الله ـ ودعاة الحق, ويكررون ماضي أسلافهم, وكما قيل لكل قوم وارث.
كما أن هناك فئة تتستر غلبها الحنق على شيخنا ـ حفظه الله ـ لم تسلم نفوسهم ولم تطب خواطرهم؛ لأنهم لم يظفروا بما يريدون, هذه الفئة لا تبارح مكانها تنتظر الفرصة المواتية, ليصبوا جام غضبهم كما فعل أشياعهم من قبل, ويظهر الله ـ جل وعلا ـ من فلتات ألسنتهم ما تكن صدورهم, ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله.

إن العرانين تلقاها محسدة ولن ترى للئام الناس حسادا
ولست في صدد تفصيل ما قام به شيخنا الوالد ربيع بن هادي ـ حفظه الله ـ في هذا المقام, وما يناله في سبيل الذب عن حياض السنة وهو غير خاف, ولكن قلمي جرى لما ذكرت من مناسبة, وأراد الذهاب بي أبعد من ذلك وحق له, ولكني خشيت معه أن يطول الفصل عن المقصود الرئيس . ولعلِّى أطلق له العنان في فرصة سانحة من غير ما أوفي له حقه فيها؛ عجزا مني وتقصيرا, لا ضنا وتخذيلا والعياذ بالله من ذلك.
أعود إلى أصل الموضوع فأقول إن ما خطه سيد قطب ببنانه وعقده بجَنانه في حق الصحابة الكرام ـ رضي الله عنهم ـ وسود به كتبه الدنية لاسيما منها المسمى ظلما وعدوانا بالعدالة الاجتماعية, والذي حقه أن تبدل المهملتان من العدالة, الأولى بنون مشددة والثانية بذال معجمة؛ حتى يوافق الخَبَر الخُبْر, وعلى رسلك أخي القارئ لست بالطائش العجل, ولا تستغربن مني قولا دفعني إليه ما ستقف عليه من إصرار وإيغال في الباطل, وعتو في بطر الحق وغمط أهله, حينها ستلتمس لي العذر إن كنت سلفيا غيورا, هذا إن لم تصفني بالتقصير.
وما به عنيت في هذا المقال بيان ما خلط فيه بعض المحسوبين على السنة ممن يدعون العدل والإنصاف ومن أن سيد قطب بولغ في نقده, وأن إنصافه لا بد منه, والذي ينبني على هذا أن يقال يستفاد مما في كتبه من خير, وتكرار ذكر حادثة قتله, ووصفها بأنها شهادة, وأنه في الجنة مع سيد الشهداء, كما أسلفت.
وقد قدمت أن باب العذر بالجهل في مسائل الاعتقاد له ضوابطه وروابطه عند من يقول به من أهل السنة, وأن الأمر ليس على إطلاقه كما يصوره هؤلاء .
وبينت أن الرجل في بيئة ينتفي معها العذر بالجهل ولاسيما أنه من أهل الاطلاع والقراءة, مع وفرة العلماء في زمنه وبلده, وتوفر المصادر السلفية المجتمعة في بلده حينها بحيث لا يقاربه بلد إسلامي في ذلك .

وما وعدت فيه في صدر المقال من ذكر مناصحة المعاصرين له والذين قابل نصحهم بكل غرور وعتو وتسلط واستهزاء, وإصرار عجيب على الباطل والمماراة فيه.
والتي من خلالها يتبين الوجه الآخر لسيد قطب الذي لا يعرفه عنه كثير من المولعين به, والمغرمين بكتاباته, والذين نسجوا, أو نسج لهم لسيد صورة الكمال الإنساني المضطهد.
سأذكر هذه المناصحة العالقة في التاريخ والتي طالما حاول أتباعه طمسها , وإخفاءها بغية المحافظة على الصورة الخيالية التي توهموها وصارت حقيقة لديهم, ككذبات أشعب التي يكذبها ويصدقها, ولكن التأريخ الصحيح لا يظلم أحدا .
ومنها يتبين أن ما يدعيه أهل الباطل من سلامة صدر وعفة لسان وسمو أخلاق ليست سوى قناع ينكشف زيفه وتظهر حقيقته عند التمحيص, أوهي أخلاق لا يعاملون بها أهل السنة, وفي ذات الأمر يصمون أهل السنة بتجردهم عنها, ألا ساء ما يحكمون .
وهكذا يظهر زيف التدين وما اعوج من الأخلاق, وطيش العقول, ناهيك عن عظم التيه والعدوان بالباطل, وهكذا عندما تكون الأخلاق مصطنعة متكلفة :
فقولا لهذا اللائمي اليوم أعفني وإن أنت لم تسطع فعض الأصابعا
وهل ما ترون اليوم إلا طبيعـة وكيف بتركي يا ابن أم الطبائعـا!
جاء في مقال نشر في ( المسلمون العدد الثالث سنة 1371هـ ) للعلامة المحقق والبحاثة المدقق الأديب الأريب محمود محمد شاكر بعنوان ( لا تسبوا أصحابي ) تعرض فيه لطعون سيد قطب في الصحب الكرام ـ رضي الله عنهم ـ من تلك النصوص ما نصه ( وجاء معاوية فعاونه العصبة التي شاكلته وعلى رأسها عمرو بن العاص قوم تجمعهم المطامع والمآرب وتدفعهم المطامح والرغائب ولا يمسكهم خلق ولا دين ولا ضمير ) ونقل كذلك عن سيد في حق أبي سفيان بن حرب ـ رضي الله عنه ـ قال أبو سفيان هو ذلك الرجل الذي لقي الإسلام منه والمسلمون ما حفلت به صفحات التاريخ, والذي لم يُسلم إلا وقد تقررت غلبة الإسلام, فهو إسلام الشفة واللسان لا إيمان القلب والوجدان, وما نفذ الإسلام إلى قلب ذلك الرجل فلقد ظل يتمنى هزيمة المسلمين ويتبشر لها في يوم حنين, بينما يتظاهر بالإسلام ولقد ظلت العصبية الجاهلية تسيطر على فؤاده .... ).
ومن الطعون الفجة المنكرة التي وقع بها على بني أمية وهم بنو عمومة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ يلتقون معه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عبد مناف وهو الجد الثالث لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وله تنسب قبيلة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من قريش, فقبيلة عبد مناف مفرعة على أربعة بيوت : بنو هاشم وهم بيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ , وبنو المطلب ومنهم عبيدة بن الحارث المطلبي شهيد بدرـ رضي الله عنه ـ وهو حينها رأس بني عبد مناف, ومنهم الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ, وبنو أمية ومنهم ذو النورين عثمان وأبو حذيفة بن عتبة وأم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان, ومن هنا قيل إنها أقرب نسائه له نسبا ـ رضي الله عنهم جميعا ـ, وبنو نوفل ومنهم الجبير بن مطعم ـ رضي الله عنه ـ ولهذا لما أراد حسان بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ أن يجيب شعرا على من هجا رسول الله فقال له رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- : «فكيف بِنَسَبي ؟ فقال حسانُ: لأسلَّنَّكَ منهم كما تُسَلُّ الشَّعرَةُ من العجين» هذا في الصحيحين.
وفي رواية لمسلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرسل إلى حسان بن ثابت ، فلما دخل عليه قال حسانُ : قد آن لكم أن تُرْسِلوا إلى هذا الأسدِ الضَّاربِ بِذَنَبِهِ ، ثم أدْلَعَ لسانه ، فجعل يُحرِّكُه ، فقال : والذي بعثك بالحق ، لأفرينَّهُمْ بلساني فرْيَ الأديم ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : لا تَعْجلْ فإن أَبا بكر أعلمُ قريش بأَنسابها ، وإن لي فيهم نَسَبا ، حتى يُلَخِّصَ لك نسَبي ، فأتاه حسان ، ثم رجع ، فقال : والذي بعثك بالحق ، لأسُلَّنَّكَ منهم كما تُسَلُّ الشعرة من العجين ، قالت عائشة : فسمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول لحسان إن رُوحَ القُدُس لا يزال يُويِّدُكَ ما نَافحتَ عن الله ورسوله ، وقالت عائشة : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : يقول : هَجاهُم حسان ، فشَفى واشْتَفى .

قال سيد قطب عن بني أمية ـ والذين تبين لنا من هم ـ كما نقله العلامة محمود شاكر في مقاله الناصح ( أمية بصفة عامة لم يعمر الإيمان قلوبها وما كان الإسلام لها إلا رداء تخلعه وتلبسه حسب المصالح والملابسات ) وقال عنها ( أسرة لم تعمر روح الإسلام نفوسها فآمنت على حرف حين غلب الإسلام وظلت تحلم بالملك الموروث العضوض حتى نالته فسارت بالأمر سيرة لا يعرفها الإسلام ) , فهذه نقولات نقلها منتقدا لها العلامة محمود شاكر مناصحا لصاحبها لعله يتذكر أو يخشى , أو يذكر فتنفعه الذكرى فيصحح ما حبره بالسواد قلمه, وأبرمه بنانه, وعقده جنانه, ولهج به لسانه .
فماذا عسى أن يكون جزاء الإحسان إلا كما قال الله ـ جل وعلا ـ إلا الإحسان, ولكن الشأن مع سيد قطب آخر, فهو الذي لا يطاله نقد!, كان الجواب التهكم والسخرية والاستهزاء والتعالي, بينما الواجب عليه شرعا التسليم والتوبة والإعلان عنها؛ ولاسيما أن الأمر متعلق بمسلمات عقدية وثوابت شرعية ظلت وستظل حدا فاصلا بين الحق وحملته وبين الباطل ودعاته.
قال سيد قطب رادا على العلامة محمود شاكر ـ رحمه الله ـ كما في مجلة الرسالة العدد 977 بتاريخ 24/3/1952 ( ... ذلك أنني لم أستشعر في هذا الصخب الصاخب أثرا من صفاء نية, ولا رغبة في تجلية حقيقة ... ) . ثم قال : ( ولو كانت الحقائق هي المقصودة لما احتاج الكاتب الفاضل إلى اصطناع مثل هذا الأسلوب الصاخب المفرقع ) إلى أن قال ( وما كان لي بعد هذا وأنا مالك زمام أعصابي مطمئن إلى الحق الذي أحاوله أن ألقي بالا إلى صخب مفتعل وتشنج مصطنع, وما كان لي إلا أن أدعو الله لصديقنا شاكر بالشفاء والعافية والراحة مما يعاني والله لطيف بعباده الأشقياء ).
لن أعلق بأكثر من أن أقول : هل يجادل أحد في أن هذا الجواب القطبي هو عين الكبر الدال عليه وصف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحديث ( الكبر بطر الحق وغمط الناس ) . وبطر الحق دفعه ورده, وغمط الناس احتقارهم وازدراؤهم .
ويظهر بكل جلاء من الإصرار على الباطل مدى توغل الرجل فيه وأنه مطمئن إليه كما نص عليه, وظهور لغة التعالي, مع مافيه من تعريض للناصح بأنه من الإشقياء كما في آخر دعائه, وتنكشف لنا حقيقة معادن القوم, ومستوى أخلاقياتهم في معاملة أهل الحق .

فحسبكموا هذا التفاوت بيننا وكل إناء بالذي فيه ينضح

فأين الأدب والسمو يا من ادعيتم ذلك وأين الإنصاف يا أدعياء الإنصاف, هذا وقد روى البيهقي ـ رحمه الله ـ بسنده في مناقب الإمام الشافعي عنه قال : ( من أحب أن يفتح الله قلبه ويرزقه الحكمة فعليه بالخلوة, وقلة الأكل, وترك مخالطة السفهاء, وبغض أهل العلم الذين ليس معهم إنصاف ولا أدب ) .
ولم أتعرض لبوائق الرجل الأخرى ومن أراد الاستزادة فعليه بما كتبه شيخنا الربيع ـ حفظه الله ـ في بابه, فالناس بعده عيال عليه, فإنما مرادي عرض هذه المناصحة لهذا المعاصر له حتى لا تمرض قضية التحذير, وحتى لا يبقى متعلق لمن يقول الحجة لم تقم عليه, وأنه معذور, إلى غير ذلك من الطرق المهونة والمقللة من خطورة الرجل وفكره.
وإن أهل السنة بقيامهم بواجب التحذير من أهل الباطل والمخالفات, لهم في ذلك أنفع وأرحم بهؤلاء المردود عليهم ممن يغلو فيهم ويتبعهم على باطلهم؛ إذ يمنعون الناس عن متابعتهم على الباطل فتلحقهم أوزارهم وأوزار الذين يتبعونهم .

ومن أجمل ما جاء في هذا المعنى ما ذكره الذهبي في السير في ترجمة الحسن بن صالح ابن حي ( 7 / 364 ):

( قال أبو صالح الفراء: حكيت ليوسف بن أسباط عن وكيع شيئا من أمر الفتن، فقال: ذاك يشبه أستاذه - يعني الحسن بن حي - فقلت ليوسف: أما تخاف أن تكون هذه غيبة ؟ فقال: لم يا أحمق ؟ أنا خير لهؤلاء من آبائهم وأمهاتهم، أنا أنهى الناس أن يعملوا بما أحدثوا فتتبعهم أوزارهم، ومن أطراهم، كان أضر عليهم ) اهـ. وكان الحسن بن صالح يرى السيف أي الخروج على ولاة الأمور, فلما روى وكيع عنه أحاديث الفتن خشي الإمام يوسف بن أسباط ـ رحمه الله ـ أن يكون داخله شيء من فكر شيخه .
والحسن بن صالح بن حي من العباد ومن رواة الحديث, ولما تلبس بهذه البدعة أنكرها عليه علماء السلف ولم يتأخروا, ولم يغتروا بعبادته, حتى إذا ذكر لهم صعقه من الخوف لقراءة القرآن, قالوا تبسم سفيان أحب إلينا من صعق الحس بن صالح, ولك أن تراجع ترجمته لترى سلفنا الصالح كيف أنهم لا يغتروا بتنسك النساك, والذي أصبح مطية لخداع الدهماء من الناس , وشبكة يصطاد بها المساكين .
هذا وقد قال سيد قطب بمقالة الحسن بن صالح بن حي في السيف, وصوب الثائرين على ذي النورين عثمان ـ رضي الله عنه ـ, ووصف ثورتهم أنها من روح الإسلام, إلى غير ذلك من الطوام, ومع هذا نجد من يجد حرجا في كشف حاله والتحذير منه من المنتسبين لأهل السنة, إلى هؤلاء والمخدوعين حتى الآن ممن حسنت مقاصدهم وسلمت عقائدهم ويراد بهم غير ذلك, كتبت لهم : أنشدكم العدلَ في سيد قطب.

كتبه / هانئ بن علي بن بريك



الأحد 26/6/1432هـ








 


رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أوصيكم, العدل


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 13:41

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc