ماجستيرتاريخ المجتمع المغربي في العصر الوسيط - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

ماجستيرتاريخ المجتمع المغربي في العصر الوسيط

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-10-10, 11:56   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
محمد جديدي التبسي
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية محمد جديدي التبسي
 

 

 
الأوسمة
وسام الوفاء 
إحصائية العضو










B1 ماجستيرتاريخ المجتمع المغربي في العصر الوسيط

مقدمة لدراسة الملابس المغربية ـ الأندلسية
في العصر الإسلامي من خلال المصادر التاريخية والأثرية

الدكتور صالح يوسف بن قربة
قسم الآثار بكلية العلوم الإنسانية جامعة الجزائر

تمهيد
يعتبر موضوع الملابس أو الأزياء المغربية الإسلامية، بنوعيها المدني والعسكري، من الموضوعات الأثرية الهامة في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية، جدة وطرافة في هذا المجال، لأن الملابس عامة تشكل عنصراً تراثياً هاماً من بين عناصر تراثنا المادي والفني، لا يقل أهمية عن بحث ودراسة أي أثر تراثي آخر مهما بلغت قيمته الفنية والفكرية معا.
ودراسة الملابس الإسلامية من ناحيتي الزمان والمكان تمثل مصدراً أثرياً أصيلاً يميط اللثام عن جوانب اجتماعية وثقافية مفيدة نذكر من بينها على سبيل المثال لا الحصر تطور الذوق الاجتماعي، والأصناف والميول الفردية، وكذا الفروق الاجتماعية والمادية في المجتمع الإسلامي في جده وهزله، في فترات ازدهاره وذبوله واضمحلاله. هذا، فضلاً عن أن الملابس نفسها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالعادات والتقاليد، خصوصاً أوقات المناسبات والأعياد والاحتفالات المختلفة، التي تحدد لنا طريقة ارتدائها، وتنوع ألوانها واختلافها. ومع ذلك، وبالرغم من أهميتها القصوى، فإنها لم تلق العناية اللاّئقة بها من قبل الباحثين والمؤرخين وعلماء الآثار والمشتغلين بالدراسات الاجتماعية الأخرى باستثناء بعض البحوث والدراسات القليلة المتفرقة هنا وهناك.
ومما لاشك فيه أنّ معلوماتنا عن الملابس عامة، والعسكرية منها على الخصوص، لا تزال في بدايتها. فمادتها متناثرة في المصادر التاريخية وكتب الرحالة والجغرافيين العرب، وهي لا تسعف الباحث في هذا المجال، لذلك نلجأ إلى الدراسات الأثرية التي تعد الحجر الأساسيّ في كشف أشكال الثقافة المادية، حيث تمكن الباحثون والعلماء بفضل الدراسات الدقيقة من استخلاص أشكال ومضامين شفاهية غير مسجلة من عادات الإنسان وتقاليده منذ العصور القديمة، وهو ما نبه الأثريين إلى تطبيق الدراسات الأثرية على التراث في جانبيه التاريخي والفني.
والمصادر الأثرية متنوعة يأتي في مقدمتها المخطوطات المزوقة([1])، والخزف والنسيج والجص والعاج وغيرها لاستكمال النقص وبالتالي رسم صورة واقعية عن الملبوسات. وباعتبار أن هذا التراث ما هو إلاّ نِتَاجٌ حضاري معاصر للفترة أو الحقبة التي أنجز فيها، وبالنظر إلى كونه يفيد في معرفة التواصل الحضاري في مجال التراث المادي، ورغبة منا في خدمة هذا الموضوع، ارتأينا أن نساهم بهذه الدراسة المتواضعة عن الملابس والأزياء المغربية في العصر الإسلامي من الناحية التاريخية والاجتماعية والحربية (العسكرية)، وذلك حسبما يتوافر لدينا من أدوات البحث المتعلقة بهذا الجانب الهام.
وانطلاقاً من هذا المفهوم، سوف نتناول دراسة الملابس المغربية من جانبين رئيسين هما:
1 ـ جانب نظري.
2 ـ جانب عملي تطبيقي.
أما الجانب النظري، فيهتم بالناحية التاريخية لإثبات أصالة الملبوسات المغربية، وبالتالي يحاول اكتشاف المادة التراثية وتفحصها ومقارنتها، ثم ملاحظة توظيفها في المجتمع الإسلامي آنذاك.
أما الجانب العملي التطبيقي، فيأخذ في الاعتبار كل ما تيسر من مواد الملابس والأزياء في بلاد المغرب ومخلفاتها وموادها الخام، إذا أمكن الحصول عليها. هذا، فضلاً عن مصادرها كتجارة الأقمشة والخيوط لبيان المؤثرات عليها. ويخلص هذا الجانب إلى تقسيم الملابس إلى مجموعات حسب طريقة استعمالاتها، ولا سيما الناحية الاجتماعية لاقتصارها على وظيفة معينة أو فترة محددة.
وتهدف الدراسة الميدانية إلى بيان أصالتها وتتبع جذورها من حيث كونها ملابس مغربية إسلامية متوارثة ترجع في أصولها وتقاليدها إلى القرون الأولى للهجرة. وهنا لابد من الإشارة إلى أن هذا الاتجاه لا يتحقق إلا بالقيام بدراسة مقارنة تستند إلى الأدلة الأثرية والنصوص التاريخية، والتي تستحق التحليل الدقيق المقارن لمضامينها، علماً بأن المصادر التاريخية من جهة وكتب الجغرافية والرحلات والفقه والنوازل والمعاجم اللغوية من جهة ثانية، كلها تحتوي على العديد من الألفاظ والأسماء والصفات لمختلف أنواع الأزياء. ومن الأمثلة على ذلك ما نكتشفه في كتب التراث مثل كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني و"مروج الذهب" للمسعودي و"العقد الفريد" لابن عبد ربه و"البيان" لابن عذاري و"المعجب" لعبد الواحد المراكشي و"الإحاطة في أخبار غرناطة" للسان الدين بن الخطيب و"الحلة السيراء" لابن الأبار. وبالإضافة إلى ذلك، فهناك كتب المسالك والممالك مثل كتاب "المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب" للبكري و"نوازل" ابن رشد.
أما المعاجم اللغوية، فقد أمدتنا بالكثير من المعلومات القيمة التي يتطلبها البحث، خصوصاً فيما يتعلق بأصول المفردات واشتقاق المصطلحات. وهنا لابد من الإشارة إلى أن استعمالنا لاصطلاح اللباس أو الزي العسكري للدلالة على عدة الجيش (الجند) وفي طليعته الخليفة أو الأمير والقائد والجندي المقاتل في المغرب الإسلامي شيء مبالغ فيه إلى حد ما، بل هو غير وارد تاريخياً البتة، لأن المغاربة المسلمين في مرحلة الفتح وصدر الإسلام وردحٍ من العصر الأموي، لم يعرفوا الجيش المنظم الدائم بمفهومه العسكري؛ كما أن المؤسسة العسكرية الإسلامية لم تتبلور وتأخذ أبعادها وسماتها الحقيقية إلا في العصر العباسي([2]) في حالة المشرق، والعصر الفاطمي في حالة المغرب. وحين جاء الإسلام، غدت الأمة كلها مقاتلة، وهذا يعني أن كل القادرين على حمل السلاح من الرجال ينفرون للحرب عند الحاجة([3]).
وهكذا، حين بدأت حركة الفتح العربي الإسلامي، اشترك فيها المقاتلة من مختلف القبائل. ومع ذلك، فهؤلاء المقاتلة لم يشكلوا جيشاً نظامياً بمعنى الكلمة، وبالتالي لم تكن هناك شارة أو لباس يميزهم، بل ظلوا على أزيائهم العادية ولباسهم الفضفاض الذي لا يعوق حركة أجسامهم ولا يقلقها عند الالتحام: »خفاف بسيطة وسراويل فوقها البرانس وجباب الصوف«([4]).
ومع ذلك، فإننا غالباً ما نجد أزياءهم متعددة الألوان، ولكن لم تكن للألبسة شارة أو رمز معين. وهذا يدل فعلاً على أن المسلمين في هذه الفترة المبكرة من تاريخ الإسلام تميزوا بالبساطة. فالمسلمون جميعاً مجاهدون في سبيل الله يلبون النداء، ويركبون إلى الغزو بلباسهم العادي وأسلحتهم التي كانت بحوزتهم، واستعملوا بالإضافة إلى ذلك أغطية الرأس مثل العمائم.
ويمكن القـول ـ في ضـوء ما سبـق ـ بأن بحث ودراسـة الملابس (الأزياء) العسكرية المغربية والأندلسية في العصر الإسلامي، يطرح إشكالية معالجتها ودراستها دراسة تحليلية مقارنة كما وردت في المصادر التاريخية والأثرية، لندرة ما وصلنا بشأنها. ومما يزيد في صعوبة البحث أننا كلما حاولنا جمع شتات المادة التاريخية، نجد أنفسنا في بحر لجي بسبب ندرة الأخبار والأوصاف المتعلقة بها كما سبق أن ذكرنا؛ وحتى إن وجدت، فهي قليلة وشحيحة جداً لا تدلنا على شكل ثابت لها. ومن ثم فهي لا تسعف الباحثين المتخصصين في هذا المجال. وهذا لا يعني بطبيعـة الحال خلو المصادر التاريخية من المادة نفسها فحسب، بل هي قليلة جداً لا تعدو مجرد إشارات وتلميحات متناثرة هنا وهناك. وبالرغم من قلتها، فهي مهمة لما تضمنته من معلومات دقيقة، ولا سيما فيما يخص أنواع الملبوسات، وكذا التسميات التي عرفت بها وطريقة ارتدائها وطرزها وتنوع أصنافها. هذا، فضلاً عن المناسبات التي استعملت فيها آنذاك، حيث تميز كل فصل من فصول السنة بزي خاص.

وانطلاقاً من المعلومات التي تضمنتها، فهي تفيد في دراسة الملبوسات العامة والخاصة التي ارتبطت بفئات وطبقات معينة في المجتمع المدني؛ كما تساعد أيضاً في التعرف بشكل صحيح على المواد الخام التي صنعت منها تلك الملبوسات. نذكر من بينها ما حفلت به مؤلفات الإدريسي([5])وابن حيان([6]) والمقري([7]) من أخبار عن أهل قرطبة حاضرة الخلافة الأموية، الذين اشتهروا بحسن الزي في الملابس والمراكب([8]).
ويأتي في مقدمة هؤلاء المؤرخين الرحالة والجغرافي العربي ابن حوقل الذي تحدث عن أنواع الملابس المفضلة عند أهل الأندلس، فذكر منها »اللبود المغربية الثمينة والحرير، وما يؤثرونه من ألوان الخز والقز«([9]).

[وكان] يجلب منها الديباج ولم يساومهم في أعمال لبودهم أهل بلد على وجه الأرض. وربما عمل لسلطانهم لبود ثلاثية، يقوم اللبد منها بالخمسين والستين ديناراً... فهي من محاسن الفرش، ويعمل عندهم من الخز السكب والسفيق ما يزيد ما استعمل منه للسلطان على ما بالعراق ويكون منه المشمع فيمنع المطر من أن يصل إلى لابسه ([10]).

يتبين من كلام ابن حوقل الذي لم يحدد فيه منطقة أو جهة معينة أنه قصد مدينة قرطبة نفسها، ولا نستبعد أن تكون الملابس نفسها قد استعملها أهل المغرب بحكم عامل التأثير والتأثر والامتزاج الحضاري.
ونستخلص مما أورده المقري في مؤلفه "نفح الطيب" نقلاً عن ابن سعيد المغربي من أن ما كان يجري بالأندلس، كان يجري بقرطبة([11]). والغالب على سكانها ترك العمائم وانهم كثيراً ما كانوا يرتدون غفائر الصوف الحمر والخضر. أما الغفائر الصفر، فكانت "مخصوصة لليهود"، وأكثرهم لا يمشي »دون طيلسان، إلا أنه لا يضعه على رأسه منهم إلا الأشياخ المعظمون« ([12]).
أما عن ابن عذاري المراكشي، فيلقي أضواء كاشفة حول الملابس الأندلسية بشكل خاص، فيعطينا ثبتاً كاملاً بأصناف الملبوسات الممتازة وتسمياتها، التي شاع استعمالها من قبل الأندلسيين خلال القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي ـ كما يفهم من عبارته التي يشير فيها إلى أنه من بين أصناف الأكسية: »... الخز الطرازي، وصوف البحر والكساء العنبري، والسقلاطون، والمريشات وأنماط الديباج، والديباج الرومي والفروي الفنك«([13]).
ومما يؤثر على أهل الأندلس ما سنه الفنان زرياب لسكان قرطبة من لبس البياض وترك الملابس الملونة في فصل الصيف، بينما يعودون إليها »ويلبسون بقية السنة الثياب الملونة«. وجعلهم يلبسون في الفصل الذي بين الحر والبرد »جباب الخز والملحم والمحرر والدراريع التي لا بطائن لها«([14]).
أما في بداية الفصل الذي بين البرد والحر، وهو ما يطلق عليه المقري اسم الخريف، فكانوا يلبسون فيه »المحاشي والمروية والثياب المصمتة وما شاكلها من خفائف الثياب الملونة ذوات الحشو والبطائن الكثيفة«. وفي فصل الشتاء، فقد نصحهم زرياب أن يستظهروا من تحت ثيابهم »صوف الفراء«([15]).
وإذا كانت هذه حال الملابس الأندلسية كما كشفت عنها أوصاف المؤرخين والجغرافيين العرب، فماذا عن الملابس المغربية خلال العصر الإسلامي؟ فهل نالت هي أيضاً عناية واهتمام هؤلاء الكتاب والمؤرخين أو أنها ظلت بعيدة عن ذلك؟ والغريب أن ما ذكره المؤرخون بخصوص هذا الموضوع أكدت جزءاً كبيراً منه الآثار الإسلامية.
ومهما يكن من أمر، فالذي لا جدال فيه أن ما نملكه من نصوص تاريخية عن أصناف الملابس المغربية قليل لا يفي بالمطلوب ولا يسعف الباحث في هذا الحقل من الدراسات الأثرية.
ومع ذلك، فاستناداً إلى الإشارات المقتضبة التي وردت عنها في كتب المؤرخين والجغرافيين، نستطيع رسم صورة حقيقية عنها. من ذلك مثلاً ما ذكره المقدسي حول »الرساتيق ـ الأقاليم ـ كانوا يرتدون أكسية« وأن عامة سكان المغرب من البربر الذين أطلق عليهم السوقة، كانوا يرتدون المناديل، والمنديـل ـ كما هو معروف ـ لباس من صوف يغطي الرأس ويتدلى على الكتفين والظهر، وليس ببعيد أن يكون هذا المنديل بمثابة عمامة أو زناراً يتمنطقون به، كما يستشف من الأخبار التاريخية أن لبس الجبة كان من الصوف، فهذا اللباس البسيط انتشر بشكل خاص في مدينة تاهرت حاضرة الدولة الرستمية في المغرب الأوسط، وهو ما أكده ابن الصغير في معرض كلامه عن عبد الرحمن بن رستم الذي كان يكثر من شراء هذا النوع من الملبوسات، »فاشترى أكسية صوفاً وجباباً صوفاً وفراء«([16]).
ويتضح من عبارة ابن الصغير أن الصوف والفراء كانا يشكلان أهم الأقمشة التي لقيت إقبالاً شديداً بين الناس. هذا، بالإضافة إلى أن الجبة أو الجباب اعتبرت أيضاً من الأزياء المحببة لدى الأمراء. ومع ذلك، فالغموض وشحة الوثائق لدى المؤرخين القدامى قد امتدت عدواها إلى الباحثين المحدثين، فجاءت كتاباتهم وأبحاثهم في هذا الصدد مختلفة وغير ثابتة على حد تعبير أحد الباحثين العرب الذين اشتغلوا بموضوع الملابس([17]).
ومهما يكن من شيء، فالذي لاشك فيه أن لباس الصوف كان يعد لباساً عاماً شاع استعماله في بلاد المغربين الأدنى والأوسط حيث ارتداه الزعماء والقادة والخلفاء والأمراء. يدل على ذلك أن أبا يزيد مخلد بن كيداد حين فجر ثورته في وجه الفاطميين الشيعة كان لباسه الصوف([18]).
وفي ضوء المعطيات السابقة، يمكن القول إن لبس الجبة كان يشكل أيضاً لباساً رسمياً عند الخلفاء الفاطميين الذين كانوا يظهرون البساطة والتقشف في حياتهم السياسية. فقد روي عن الخليفة المعز لدين الله أنه استدعى ذات يوم أشياخاً من كتامة في يوم شتاء بارد، فدخلوا عليه في مجلس قد »فرش باللبود، وعليه جبة« ([19]).
والجبـة ـ كما هـو معـروف من أوصاف المعاجم اللغوية ـ كانت عبارة عن لباس طويل تتدلى إلى الركبة، وقد تزيد، لأنها تستر ما تحتها.
والحقيقة أن دراسة هذا النوع من الملابس الإسلامية ما زال يكتنفه الغموض، بسبب ندرة المعلومات من جهة، وقلة الرسوم والصور التي حفظتها الآثار من جهة أخرى.




البرنس
استعمل أهل المغرب، في العصرين القديم والإسلامي، البرنس ثوباً خارجياً. والبرنس كما عرفه ابن سيدة هو »كل ثوب رأسه منه متصل به سواء أكان دراعة أم ممطراً أو جبة«([20]).
وحسب المقدسي، فإن سكان هذه البلاد من البربر كانوا جميعاً يرتدون البرانس البيضاء والسوداء على حد سواء. وكما هو معروف، فالبرنس لباسٌ صوفي كان يستعمل في فصل الشتاء للوقاية من البرد والمطر، كما استعمل في بعض المناطق في كل الفصول أو على مدار السنة.
ومن المرجـح جداً أن لبس البرنـس في القديم كان يعد شارة أو علامة مميزة لطوائف من البربر، عرفوا تبعاً لذلك باسم "البرانس"، كانوا يمتهنون التجارة والزراعة، وتشربوا لثقافة اللاتينية. فهؤلاء تميزوا عن جيرانهم بلبس برنسٍ له غطاء رأس، بينما عرف الصنف الآخر من البربر باسم "البتر"، لارتدائهم برنساً مبتور الرأس، أي دون غطاء الرأس، وهؤلاء كانوا بدواً بعيدين عن تأثير الثقافة اللاّتينية.
وأما تفسير "البتر" بأنهم سموا كذلك لتجردهم من زي معين يعرف بالبرنس([21])، فهو تفسير لغوي لا يستند إلى أساس علمي قوي([22]). وعلى الرغم من تسليمنا بعدم صحة هذا التقسيم لسكان المغرب، فإن البرنس لباس خارجيّ كان يشكل زياً شعبياً منذ القديم في بلاد المغرب توارثته الأجيال وتواصل لبسه حتى اليوم.
ولعل لباس البرنس هذا هو الذي أشار إليه ابن الصغير في معرض حديثه عن عبد الرحمن بن رستم حينما قال: »... اشترى أكسية صوفاً«([23]) ووزعها على المحتاجين من أهل مملكته؛ ومن المحتمل جداً أنها كانت ألبسة صوفية غير مفصلة يلتحف بها كالحايك دون غطاء الرأس. وفي هذا الصدد يقول دوزي: »إن كلمة البرنس قد عنيت في الأزمنة القديمة طاقية، إلا أنها تشير إشارة في العصور الحديثة إلى معطف ضخم له قلنسوة«([24]).
والجدير بالملاحظة أن لبس البرنس لم يقتصر على سكان المغرب فحسب، بل امتد وانتشر إلى حد ما في المشرق في العصر العباسي، حيث اتخذ لباساً مميزاً للذين يشهرون بهم من الخارجين على الدولة. وجرت العادة في مثل هذه الحالة أن يلبسوا الخوارج برانس، ويطوفوا بهم على هذه الشاكلة في الشوارع والدروب([25]).
وبالإضافة إلى ما سبق، كان البرنس أيضاَ يشكل لباساً خاصاً عند اليهود وأطلق عليه اسم "براطيل"، كما شاع لبسه من قبل النصارى حسبما ذكره متز([26]).
وأكد المسعودي ظاهرة استعمال البرنس في العصر العباسي بقوله: »... ودخل المعتضد وبدر الكبير مدينة السلام، وبين أيديهما وصيف الخادم على جمل فالج وعليه دراعة ديباج وبرنس وخلفه جماعته وقد لبسوا الدراريع من الحرير الأحمر وعلى رؤوسهم البرانس« ([27]).
والمتأمل في النصوص السابقة يلاحظ أن وصف البرنس لا يدل على أنها متصلة بالرأس بلباس آخر مثل الدراعة، وإنما تدل على أنه غطاء للرأس فحسب. والبرنس المشرقي بهذه الكيفية يختلف تمام الاختلاف عمّا عرفناه عن البرنس الإفريقي أو المغربي الذي يتميز بمواصفات خاصة.
ولا يزال البرنس يستعمل في بلدان المغرب العربي حتى اليوم؛ ويحمل الاسم نفسه، ولكننا حينما نحاول البحث عن صورته التاريخية في الآثار الإسلامية المغربية، فإنه يكون صعب المنال، بسبب زوال معظم الفنون التطبيقية التي كانت تحمل صوراً حية من المجتمع المغربي في العصر الإسلامي. وفيما يخص البرنس المشرقي، فالأمر يختلف تماماً من هذه الناحية، حيث لا تزال بعض الآثار تحتفظ بصوره. من ذلك مثلاً نذكر أن أقدم صورة ما زالت تحتفظ بشكل البرنس على الآثار المشرقية، تلك التصويرة الواردة في مخطوط كتاب "كليلة ودمنة"([28])، وهي تمثل قصة "الناسك وابن الثعبان"، حيث نشاهد الناسك في الصورة وقد أسند ظهره إلى عمود داخل البيت، بينما وقف أمامه ابنه. ويظهر الناسك في برنس مؤلف من قطعة واحدة يغطي الجسم والرأس معاً، والجزء الذي يغطي البدن أقرب ما يكون إلى الدراعة، وهو متصل من أعلى بغطاء للرأس على شكل قلنسوة عالية([29]).
ونحب الإشارة هنا إلى أن البرنس، سواء كان مصنوعاً من الصوف أو الوبر، يعتبر من أهم الأزياء المحلية في المغرب الإسلامي.
ومما لاشك فيه أن الصوف كانت تشكل المادة الأولية في لباس القادة والخلفاء والأمراء. ويؤثر عن زعيم الموحدين الروحي المهدي ابن تومرت أنه يظهر التقشف والبساطة في لباسه، حيث اقتصر على لبس »ثياب الصوف من قميص ومن سراويل ومن جبة تواضعاً« ([30]).
وأصبح "البرنس" ولبسه من الأمور التي تحرص عليها كل طوائف المجتمع المغربي في العصر الإسلامي، يستوي في ذلك الرجل العادي والجندي والفقيه والعالم والسلطان، ولكن بدرجات متباينة يراعى فيها اللون والشكل والمادة، وهو ما أشار إليه القلقشندي في كلامه عن »لبس السلطان بالمغرب«، خصوصاً يوم الاحتفال أو يوم التمييز وهو: »يوم عرضهم (الجند) على السلطان، ويختص السلطان بلبس البرنس الأبيض الرفيع لا يلبسه ذو سيف غيره«([31]). ومنذ ذلك الوقت صار هذا العمل تقليداً متبعاً في كل بلدان المغرب الإسلامي.
أما الفقهاء، فقد لبسوا البرنس الأبيض شأنهم في هذا شأن السلطان، على حين كان »العلماء وأهل الصلاح لا حرج عليهم في ذلك، ولا حرج في غير الملون مثل الأبيض من البرانس«([32]).
ويستشف من الإشارات التاريخية أن البرنس المغربي كان يعد من الأشياء الثمينة التي تهدى للملوك والسلاطين بالمشرق. فقد أهدى السلطان أبو الحسن المريني لدولة المماليك بمصر »الحلل المرقومة المذهبة والأنساق والقنع والمحررات المختمة والبرانس المصنوعة من الحرير المشفف وأحاريم الصدف«([33]).
يتبين من الأوصاف السابقة المتعلقة بهذا النوع من الملابس الشعبية أننا نستطيع أن نتمثل صورته الواضحة. وقد ارتداه السلطان المريني والزياني وغيرهما من القادة والجند، إذ لا غنى لأحد عنه لأهميته التاريخية في المناسبات والاحتفالات الرسمية والحياة اليومية([34]).


السروال
إن المعلومات التي انتهت إلينا بخصوص هذا اللباس ضئيلة جداً. ويبدو أن سبب إحجام الكتاب والمؤرخين عن ذكره يرجع بالدرجة الأولى إلى عدم شيوعه بين الناس من جهة، وإلى كونه لباساً محدود الاستعمال من جهة ثانية([35]).
ونحب، قبل أن نفصل القول في هذا اللباس، أن نشير إلى أصل السروال اللغوي والتاريخي، لأن ذلك يساعدنا على فهم أهميته باعتباره لباس البدن الداخلي.
وعليه، فالسروال مؤنثة، وتجمع على سراويل وسراويلات([36]). وإذا كانت الكلمة عربية، فإن السروال في الأصـل ليس عربيـاً. ومن المرجـح أنه انتقل إلى العرب من بـلاد فارس، وهي مشتقـة من الفارسية القديمة "زرد أرد"([37]).
وتحدث الجاحـظ عن القميص والسروال في عهده، فقال([38]): »إن القميص والسروال هما الشعار، وسائر الثياب الدثار«.
أما عن شكل السروال، فيتألف من حجرة وساقين([39]). وتتميز بأنها تستر من الجسم أسفله، وتكون مفصلة ومخيطة. وهي على أنواع، منها سراويل أسماط، أي غير محشوة([40])، وسراويل مخرفجة ومفرسخة، وهي السراويل الواسعة([41]).
كان السروال من ملابس المجتمع المغربي القديم، كما كان لباساً مهماً شاع بين طبقات المجتمع المغربي في العصر الإسلامي من الخلفاء والسلاطين والحكام. ويعتبر السروال بالإضافة إلى ذلك من لباس الكتاب([42]) والفقهاء والقضاة وقادة الجيش والجند.
وكان الأغنياء من التجار يلبسون القمصان والأردية فوق السراويل([43]). ولما كان السروال لباساً عاماً، لبسه أعاظم الناس وأصاغرهم. وهي لذلك، لابد أنها كانت تختلف في شكلها ونوعها ولونها من فئة إلى أخرى، لأنها اتخذت من قِبَلِ مختلف الطبقات التي تتفاوت في المركز الاجتماعي والمادي. من ذلك مثلاً أن سراويل الإمام يعقوب بن أفلح الرستمي كانت تمتاز بعرضها الفضفاض حتى بلغت »حجرة سراويله في جنبه«([44]).
وكانت السراويل تتخذ من القماش، أي الكتان([45]). ويبدو أنها كانت أيضاً من طبقة الأثرياء. فقد ذكر الغبريني في ترجمته للتجيـبـي([46]):

أنه كان يوماً يسير إلى باب البحر (ببجاية) ومعه بعض خواصه، وإذا بشخص يتمايل سكراً، فألقى يده الشيخ فقال له: يا سيدي ارفع ما أتم به هذه السكرة. فانتهره الناس، فقال لهم: لا عليكم، دعوه! فتركوه. فأخذ سرواله ودفعه إليه لأنه لم يكن عنده، فانفصل الرجل والسروال بيده.

كان السروال في بلاد المغرب الإسلامي ذا أهمية خاصة عندما أصبح يشكل زياً رسمياً لرجال الدولة، بالإضافة إلى أزياء أخرى استعملت معه. ومع ذلك، فينبغي أن نأخذ في الاعتبار أن كل طبقة من الطبقات التي سبقت الإشارة إليها كانت تختلف سراويلها من حيث شكلها ولونها ومناسبات لبسها. فقد جرت العادة في بلاد المغرب على أن الجند المقاتل وخصوصاً فرقة المشاة، كانوا يرتدون "جبا دولي" الأحمر أو الأخضر، ومن لباسهم أيضاً السروال الأزرق، والصدرية والعمامة أو الطربوش وكلاهما أحمر([47]). أما سراويل الجند والفرسان، فالمعلومات والإشارات الواردة بشأنها ضئيلة جداً ومقتضبة وغامضة، وأحياناً متناقضة؛ كما أن المصادر التي نستقي منها معلوماتنا عن الملبوسات المغربية قلما تذكر طول الملبوس وطريقة تفصيله وخياطته أو طريقة ارتدائه أو الألبسة التي تلبس مجتمعة معا([48]).
وفي هذه الحالة، نلجأ إلى المصادر المادية الأثرية، والتي لا يزال بعضها يحتفظ برسومها أو صورها. ومن الأمثلة على ذلك، نذكر أن السروال المصور على الآثار المغربية والأندلسية، جاءت بأشكال وأنماط متباينة في تفصيلها وخياطتها تبعاً للمناسبة التي اتخذت فيها. وفضلاً عن ذلك، فإننا نستدل على صورة هذه السراويل من العلب العاجية التي كانت تصنع في الأندلس. وقد وصلت إلينا مجموعة طيبة من صناديق مستطيلة الشكل غطاؤها على هيئة هرم مسطح وعلب أسطوانية الشكل، وجميعها كانت تتخذ لحفظ العطور والعنبر والمسك([49]).
تبين من رسوم هذه العلب أن الفرسان من الصيادين يرتدون سراويل تصل حتى الأقدام وتكاد تلتصق بالسيقان بحيث تبدو كما لو كانت جوارب([50]).

ومن المرجح جداً أن تلك السراويل هي اللباس نفسه الذي أطلق عليه المقري اسم:
»الأشكر لاط« ([51]). وعلى العموم، ومهما يكن من شكل هذه السراويل، فليس بين أيدينا في الحقيقة رسم مصور واضح للسروال الأندلسي بعد القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر ميلادي.
وفيما يخص بلاد المغرب الإسلامي، فالإشكال يظل مطروحاً بسبب إحجام المؤرخين من جهة، وغياب الفنون والصنائع التي قد تساهم برسومها في حل هذا الإشكال من جهة ثانية؛ وحتى إن وجدت، فنادراً ما تحمل بين زخارفها رسوماً آدمية.


([1]) يأتي في طليعة المصادر الأثرية: مقامات الحريري التي رسمها الواسطي والمحفوظة بالمكتبة الأهلية بباريس.

([2]) فاروق عمر فوزي، »الجند الأموي والجيش العباسي ـ دراسة في تطور المؤسسات العسكرية في العصرين الأموي والعباسي«، مجلة المورد، عدد خاص، المجلد الثامن، العدد 4، 1979 م، ص. 234.

([3]) المقال نفسه، ص. 234.

([4]) المسعودي، مروج الذهب، على هامش الكامل في التاريخ لابن الأثير، ج 5، ص. 127.

([5]) كتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق.

([6]) المقتبس من تاريخ الأندلس.

([7]) نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب.

([8]) د. أحمد فكري، قرطبة في العصر الإسلامي.

([9]) أطلق المسلمون على الحرير كلمة "القز" قبل غزله، ولكنه عندما يخلط مع الصوف يسمونه "الخز". (انظر ابن سيدة، المخصص).

([10]) ابن حوقل، صورة الأرض، القسم الأول، ص ص. 110 ـ 114.

([11]) د. أحمد فكري، قرطبة في العصر الإسلا مي، ص. 259.

([12]) المقري، نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، ج 1، ص ص. 207 ـ 208.

([13]) ابن عذاري، البيان المغرب، ج 1، ص. 297.

([14]) المقري، نفح الطيب، ج 1، ص ص. 207 ـ 208.

([15]) المصدر نفسه، ص. 208.

([16]) ابن الصغير، أخبار الأئمة الرستميين، تحقيق محمد ناصر وإبراهيم بحاز، بيروت، ط. دار الغرب الإسلامي، 1986 ، ص. 4.

([17]) د. صلاح العبيدي، الملابس العربية الإسلامية في العصر العباسي، ط. دار الرشيد للنشر، بغداد، 1980، ص. 91.

([18]) ابن أبي الضياف، إتحاف أهل الزمان، تونس، الدار التونسية للنشر، 1976 م، ص. 157.

([19]) المرجع نفسه، ص. 159.

([20]) ابن سيدة، المخصص، ج 4، ص. 81.

([21]) انظر عبد الحميد العبادي، المجمل في تاريخ الأندلس، القاهرة، 1958 م، ص. 32.

([22]) د. عبد العزيز سالم، المغرب الكبير في العصر الإسلامي، ج 2، القاهرة، الدار القومية للطباعة والنشر، 1966 م، ص. 136.

([23]) ابن الصغير، أخبار الأئمة الرستميين، ص. 41.

([24]) دوزي، المعجم المفصل بأسماء الملابس عند العرب، ترجمة د. أكرم فاضل، بغداد، طبعة وزارة الإعلام العراقية، 1971 م، ص. 66.

([25]) د. صلاح العبيدي، الملابس العربية الإسلامية، ص. 234.

([26]) آدم متز، الحضارة الإسلامية، ج 1، ص. 94.

([27]) المسعودي، مروج الذهب، ج 4، ص ص. 267 ـ 268.

([28]) د. خالد الجادر، المخطوطات العراقية المرسومة في العصر العباسي، بغداد، طبعة وزارة الإعلام، 1972 م، ص ص. 38 ـ 39.

([29]) د. صلاح العبيدي، الملابس العربية، ص ص. 235 ـ 236.

([30]) ابن القطان، نظم الجمان، تحقيق محمود علي مكي، طبعة تطوان، ص. 132.

([31]) القـلقشنـدي، صبـح الأعشـى في صناعـة الإنشـا، القاهـرة، الطـبعة الأميريــة، 1915 م، ج 5، ص. 204.

([32]) المصدر والصفحة نفسهما.

([33]) ابن مرزوق، المسند الصحيح الحسن، ص ص. 452 ـ 453.

([34]) أشار الإدريسي في معرض كلامه عن مدينة "نول لمطة" المغربية إلى شهرتها ببيع الأكسية المسماة »بالسفسارية والبرانس التي يساوي الزوج منها خمسين درهماً ديناراً وأقل وأكثر«. (المغرب العربي من كتاب نزهة المشتاق، تحقيق وتعجيم محمد حاج صادق، الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، 1983، ص. 75).

([35]) د. صلاح حسين العبيدي، الملابس العربية، ص ص. 195 ـ 196.

([36]) أبو هلال العسكري، كتاب التلخيص في معرفة أسماء الأشياء، تحقيق د. عزت حسن، دمشق، مطبوعات مجمع اللغة العربية، 1389 هـ، ج 1، ص. 214.

([37]) ابن سيدة، المخصص، ج 4، ص. 83، ويعرف في الفارسية الحديثة باسم "شلوار".

([38]) الجاحظ، التاج في أخلاق الملوك، تحقيق أحمد زكي، 1914 م، ص. 154.

([39]) ابن منظور، لسان العرب، ج 10، ص. 152.

([40]) ابن سيدة، المصدر السابق، ج 4، ص. 83.

([41]) المصدر والصفحة نفسهما.

([42]) الخالديان، التحف والهدايا، تحقيق سامي الدهان، القاهرة، طبعة دار المعارف بمصر، 1956 م، ص. 157.

([43]) القرطبي، صلة تاريخ الطبري، أبريل 1897، ص. 79.

([44]) ابن الصغير، سيرة الأئمة...، ص. 113. ويروي في هذا الشأن عن الإمام نفسه أنه »كانت له أخلاق في لباسه وركوبه يخرج عن طبع البشر، حجرة سراويله في جنبه«.

([45]) وكانت السراويل تتخذ من القماش الأبيض والأسود والأزرق.

([46]) الغبريني، عنوان الدراية، تحقيق رابح بونار، الجزائر، ط. الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، 1970 م، ص. 152.

([47]) عبد العزيز بنعبد الله، مظاهر الحضارة المغربية، القسم الثالث، الرباط، نشر دار المسلمين، 1958 م، ص. 43.

([48]) صبيحة رشيد رشدي، الملابس العربية وتطورها في العهود الإسلامية، بغداد، نشر مؤسسة المعاهد الفنية، ط 1، 1980 م، ص. 5.

([49]) عن هذه الرسوم وأوصافها، انظر:
José Ferrandis, Marfiles Arabes de occidente, Tomo 1 - 2, Madrid, 1935,
T. 2, Figure 26, pp. 26-27.

([50]) د. محمد عبد العزيز مرزوق، الفنون الزخرفية الإسلامية في المغرب والأندلس، بيروت، طبعة دار الثقافة، دون تاريخ، ص ص. 179 ـ 192.

([51]) المقري، نفح الطيب، ج 1، ص. 207.








 


قديم 2011-10-10, 11:58   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
محمد جديدي التبسي
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية محمد جديدي التبسي
 

 

 
الأوسمة
وسام الوفاء 
إحصائية العضو










افتراضي

دراسة اجتماعية لسكان بلاد المغرب

سكان منطقة إفريقيه، منذ عصر مبكر، هم عنصر الامازيغ والأفارقة فضلا عمن طرأ بعد ذلك من الروم، وبهمنا بنوع خاص التعرض للأفارقة والامازيغ الذين لهم صلة بالمنطقة، فالأفارقة خليط جنسي، فيهم من تجري عروق الدماء السامية القرطاجية ومنهم من انتسب إلى السلالة الآرية-الروم الايطاليين-وعن هؤلاء اخذ الامازيغ المسيحية وبعض مظاهر الحضارة الرومانية، كما أطلق الرومان على سكان شمال إفريقيا كلمة بربر وتعني الشعوب الغريبة عن حضارتهم،أما عن طباع الامازيغ فهم أهل بداوة يعتمدون على المرعى الخصيب والماء وهم أهل العزة والغلبة يكرمون الضيف ويحمون الضعيف، ومن أشهر قبائلهم مصمودة وأربه وأزداجة وكتامة وصنهاجة، أما بالنسبة للدين فمنهم من عبد المظاهر الطبيعية كالإله آمون ومنهم من عبد الكبش ومنهم من كان على اليهودية ومنهم ن تأثر بالنصرانية، وهذا على حد قول ابن خلدون " المغلوب مولع بتقليد الغالب"، كل هذه الأوضاع نتناولها بالشرح والتفصيل في النقاط الثلاث الآتية:
التسمية والسكان
المغرب تعبير يدل على الجهة التي تغرب فيها الشمس، ثم أصبح يدل على المنطقة الواقعة غرب العاصمة لجهة مغرب الشمس ، وأول من استعمل هذا المعنى الإمام على بن أبي طالب رضي الله عنه، إذ خاطب الخوارج قبل معركة النهروان بعد أن قتلوا رسوله إليهم الحارث بن مرة " أن ابعثوا إلى بقتلة إخواني فأقتلهم ثم أتارككم إلى أن أفرع من قتال أهل المغرب ..... " ثم تحدد بالمنطقة الواقعة غرب مصر من طرابلس شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا ومن البحر المتوسط شمالا إلى الصحراء الكبرى جنوبا.
يشتمل المغرب ثلاث مناطق طبيعية وهذا التقسيم يرجع إلى قرب وبعد المنطقة عن بلاد العرب الحجاز المنطقة الأولى عرفت بالمغرب الأدنى أو افريقية، وهذه الأخيرة اختلف المؤرخون حول أصل تسميتها لكن الذي غلب لدى المؤرخين المسلمين أنها مستمدة من افريقش بن قيس بن صيف اليمني الحميري الذي جاء واستقر على هذه الأرض تمتد هذه المنطقة من برقة إلى نفوسه.
ويلي افريقية المغرب الأوسط ويمتد من بجاية شرقا إلى وهران غربا، وأطلق ابن عذارى اسم الزاب على هذه المنطقة وذكر أنها تمتد من طرابلس شرقا إلى مدينة تيهرت غربا2 .
أما المنطقة الثالثة فهي المغرب الأقصى أبعد أجزاء المغرب عن الحجاز، يمتد المغرب الأقصى من البحر المتوسط شمالا إلى جبال درن جنوبا، ومن وادي ملوية وممر تازا شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا حتى مدينة آسفى3.
وحسب الحقائق المتوفرة عن سكان شمال إفريقيا، فقد أطلق عليهم اسم "بربر " وهو يعني حسب المفهوم اليوناني والمفهوم الروماني إنسان أجنبي لا يتكلم اللغة اليونانية ونفس الكلمة استعملها الرومان عندما تغلبوا على اليونانيين حيث أطلقوا اسم البربر على جميع السكان الذين لا يتكلمون لغتهم ولا ينتمون إلى سلالتهم أوعرقهم، وهو نفس التعبير الذي استخدمه ابن خلدون في كتابه " العبر" حين تعرض لفرق البربر وأنسابهم ومواطنهم ويذكر ابن خلدون أن سبب تسميتهم بربر بسبب إلى افريقش بن قيس بن صيفي "من ملوك التابعة الذي غزا المغرب وافريقية وبني بها المدن والأمصار، وأن إفريقيه سميت باسمه، وأنه سمع السكان الأصليين يتكلمون بأصوات مختلفة فقال لهم افريقش :" ما أكثر بربرتكم ؛ أي كلامكم غير المفهوم فسموا البربر " .
وقال الفيروزبادي صاحب " القاموس المحيط ط أن البربرة كثرة الكلام والجلبة والصياح والفعل هو بربر نفهم من هذا أن مصطلح بربر ليس مفهوما اثنيا ولكنه مفهوم لغوي.
رغم الخلاف حول أصل البربر ونسبهم والمكان الذي قدموا منه في الأصل، فإن معظم الباحثين بأنهم ينتمون إلى الجنس السامي ومن أبناء " مازيغ " ابن كنعان، وقد أكد هذه الحقيقة العلامة ابن خلدون الذي قال حول هذا الموضوع:" والحق الذي لا ينبغي التعويل على غيره في شأنها أنهم من ولد كنعان بن حام بن نوح ...وأن اسم أبيهم مازيغ ...." ونفسا الحقيقة أكدها وفد من سكان شمال إفريقيا حين صرح أعضاؤه أمام الخليفة عمر بن الخطاب بعد فتح مصر إذ اعتبروا أنفسهم أمازيغ ولم يقولوا أنهم بربر وكلمة مازيغ " الرجل الحر " كما أن البربر تربطهم صلة قرابة عرب وليسوا غرباء عنهم، ويؤكد معظم المؤرخين وعلى رأسهم ابن خلدون أن البربر ينتمون إلى قيس بن عيلان بن مضر من جزيرة العرب وهناك أمثلة عديدة فقبيلة لواته المغربية من حمير اليمن وهوارة من كنده في قبل الجزيرة العربية وزناته من التابعة أو من العمالقة وكلهم قبائل عربية.
أخلاق البربر وطباعهم
في هذا السياق يجذبنا وصف ابن خلدون لهم وقد كان وصفا رائعا حيث جاء في كتابه " العبر" قوله : " ...وأما تخلقهم بالفضائل الإنسانية وتنافسهم في الخلال الحميدة وما جبلوا عليه من الخلق الكريم، من عز الجوار وحماية النزيل ورعى الأدمة والوسائل والوفاء بالقول والعهد والصبر على المكاره والثبات في الشدائد وحسن الملكة والإغضاء عن العيوب والتجافي عن الانتقام والرحمة بالمسكين وبر الكبير وتوقير أهل العلم وحمل الكل وتهيئة الكسب للمعدوم وقرى الضيف والإعانة على النوائب وعلوا الهمة وآباء الضيم ومقارعة الخطوب وغلاب الملك .
بالإضافة إلى البربر كان هناك أقليات تعيش على أرض المغرب أهمها على الإطلاق اليهود والرومان، فبالنسبة لليهود، فتاريخ وجودهم بمنطقة الشمال الإفريقي يعود إلى عهد نختصر ملك الآشوريين أي إلى سنة 586 ق.م وكانوا يعتبرون جالية مستقلة لأنهم تجنبوا دوما الاختلاط مع السكان واهتموا فقط بخدمة مصالحهم الاقتصادية.
أما الرومان فقد سيطروا على معظم الشريط الساحلي لشمال إفريقيا وذلك ابتداء من سنة 576م وعملوا على نشر عقيدة المسيحية بين السكان وإيصال الحضارة لهم وأثارهم التي مازالت قابعة في معظم مناطق الشمال الإفريقي برهان على ذلك، لكن تأثيرهم لم ينفذ الى قلب الشمال الافريقي ونقصد به منطقة الصحراء الكبرى ، فلما دخل الفاتحون العرب الى هذه المناطق وجدوا سكان تلك المناطق متمسكين بثقافتهم وعاداتهم القبلية .
الديــــــــن
كان سكان الشمال الإفريقي من قديم الزمان يدينون بالمجوسية وكانوا أحيانا يدينون بدين من غلب عليهم من الأمم ، أمثال البيزنطيتين الذين نجحوا في تمسيح أعداد هائلة من السكان ، ومن أشهر الديانات للبربر دين وثنى جاءوا به من المشرق وكانوا يعتقدون بوجود اله يدير هذا الكون ، ولكن لا ذات له ترى وإنما تجلى لهم في المظاهر التي تروعهم بقوتها وبجمالها أو بغرابتها فلذلك يعبدون تلك المظاهر وهذا الإله الذي يعتقدون أنه مصدر حياة الكون اسمه " أمون" ومظاهره هي الكبش الاقرن القوي وبعض الحيوانات الأخرى مثل الطاووس ، وكانوا يعتقدون أن قتل هذا الحيوانات أو ضربها يلحق بهم عاهات كبيرة كالجنون والشلل ..الخ .
المطلب الثاني :الأوضاع الاقتصادية والسياسية قبيل الفتح الإسلامي : (602-647م )
يميز النسابة العرب بين جذمين كبيرين للامازيغ يختلفان في نوع الحياة الاجتماعية والاقتصادية، الجذم الأول وتسمى قبائله البرانس والجذم الثاني وتسمى قبائله البتر، ويفترض هؤلاء النسابة أن البرانس من نسل برنس بن بربر بن مازيغ، وان البتر من ولد مادغيس الابتربن بر بن مازيغ على حد رأي السلاوي، وتميزت شعوب البرانس عموما بالاستقرار في القرى الساحلية والتلية والجبلية للزراعة وتربية المواشي فهم فريق من المستضعفين على حد تعبير ابن خلدون، أما البتر فغلب عليهم طابع البداوة والرعي فهم أهل العز والغلبة، وقد استولى البيزنطيون على الأراضي الخصبة في الساحل وطردوا منها سكانها الأصليين وفرضوا عليهم الضرائب الثقيلة، وأما هذه السياسة البيزنطية تأسست في المناطق الداخلية لافريقية ممالك مغربية ظلت تقاوم الوجود البيزنطي إلى غاية مجيء الفتح الإسلامي، ومما يلفت النظر أن الامازيغ الذين طالما استبسلوا في الدفاع عن الوطن وقارعوا الرومان والوندال و البيزنطيين سرعان ما ارتاحوا للعرب المسلمين، فتبادلا الاحترام والإعجاب، ثم انضم الامازيغ إلى الحركة الإنسانية الجديدة بترحيب منهم ورضا، نتناول بالشرح والتفصيل هذا المطلب في النقطتين التاليتين:
الدراسة الاقتصادية
كان النشاط الاقتصادي لسكان شمال افريقيا هي الزراعة في المقام الأول ، نظرا لوفرة الزرع وتنوعه فكان معظم البربر فلاحين وكانت أرضهم هي مورد رزقهم الأساسي ، لكن أوضاعهم تغيرت مع مجيء الرومان ، حيث قام بالاستيلاء على الأراضي الخصبة التي يملكها ملوك البربر أو الشعب وقد كانت سياسة الرومان واضحة في هذا الشأن إذ وما تبقى يحتفظ به السكان الأصلين ولكن مع دفع الضرائب (ضريبة على الفرد ، ضريبة على المبادلات التجارية، ضريبة لتغطية تكاليف رجال الأمن ) وهناك موظفون مكلفون بجمع هذه الضرائب وهم من البربر ويعرفون بـالعشارين .
وننوه هنا إلى حقيقة لابد من إبرازها ، وهي أن منطقة الشمال الإفريقي عرفت انتعاشا اقتصاديا في أواخر الحكم البيزنطي بالمنطقة ، وهذا بفضل الإمبراطور جريجوريس الذي حكم سنة 641 م وقد نجح في جلب تأييد سكان شمال إفريقيا ومنهم سكان برقة وطرابلس.
" أما بخصوص اليهود ، فنشاطهم لهم يختلف منذ ظهورهم على سطح هذه الأرض ، فقد اعتمدوا على التجارة والمعاملات الاقتصادية من قروض و رهون إلى جانب بعض الصناعات كالخياطة والصياغة وهذه الأخيرة كان لها الحظ الأوفر نظرا لتوفر معدن الذهب بشمال أفريقيا بالخصوص في منطقة المغرب الأدنى (قرطاجنة ) والمغرب الأقصى ."
الأوضاع السياسية قبيل الفتح الإسلامي : (602-647م)
كانت منطقية ساحل افريقية الشمالي خاضعة للنفوذ الروم ، وعاصمتهم آنذاك قرطاجنة وكانت تحكمهما حاميات رومانية يرأسها حاكم عام يعينه الإمبراطور وفي السنوات القليلة التي سبقت الفتح الإسلامي عين الإمبراطور موريس ، البطريق هرقل القائد الأعلى على المغرب سنة 600م ، هذا الأخير الذي أعلن معارضته للإمبراطور الجديد فوكاس لذي أعتلى العرش سنة 602م خلفا للمغرور به موريس ، وبرز ذلك بوضوح عندما أراد أن يفصل منطقة افريقية من الإمبراطورية ، وقد نجح في جمع وكسب تأييد سكان القسطنطينية وكل روما ضد ذلك الإمبراطور الغاشم إلى جانب ذلك ساعده موقف سكان شمال إفريقيا من البربر الذين أيدوه نظرا لحكمة العادل مقارنة مع باقي الحكام السابقين إلا أن هرقل كان طاعنا في السن فاقترح ابنه هرقل الشاب ورفعه إلى مرتبة الإمبراطور ، فأعد جيشا من البربر بقيادة ميسيتاس ابن أخيه الذي تمكن من الاستيلاء عل الإسكندرية فيما بين سنتي (608-609م) ، في الوقت الذي كان فيه هرقل الصغير يقود أحد الأساطيل الحربية بقصد الاستيلاء على القسطنطينية والإطاحة بحكم الإمبراطور فوكاس .
نفهم من ذلك ، أن منطقة شمال افريقية كانت قاعدة ومنطلق لحركات المعارضة للحكم الروماني في القسطنطينية في أواخر حكمها قبل الفتح الإسلامي ، وأنه كان للبربر دور بارز في تلك الحركات ، وبالفعل فقد نجح هرقل الإمبراطور الجديد من القضاء عل فوكاس سنة 610م وأصبح إمبراطورا على الدولة البيزنطية وأصبحت افريقية مركزا لاهتمامه ومحط أمال الإمبراطورية في أشد فترات حياتها ، فعندما احتل الفرس أرمينيا وحاصروا الإسكندرية بقصد منع تزويد القسطنطينية بالرجال والمؤمن تولت افريقية أمر المؤمن وكانت تزود القسطنطينية بالجنود والأساطيل .
وعلى عكس الفترات السابقة من الحكم الروماني في شمال إفريقيه الذي كان يتميز بالشدة والعنف ، من تمييز عنصري وسفك للدماء وفرض للضرائب الباهظة على السكان والاستحواذ على الأراضي الشاسعة الخصبة. إلا أن افريقية شهدت في أيام الإمبراطور هرقل عصرا من السلام لم تشهده من قبل وتمتع البربر وهم الأكثرية في المنطقة بالكثير من الحرية والاطمئنان، وفي خلال هذه الفترة انتشرت حركة التبشير المسيحي ودخل العديد من السكان البربر في المسيحية وصار ممثلوها من القساوسة والرهبان هم الحكام الفعليين في المنطقة وأصبح البابا القطب الذي يتوجه اله السكان يطلبون حمايته من مظالم الإدارة البيزنطية وقد ازداد نفوذه في البلاد وصاد يتدخل في الشؤون الإدارية .
وقد صار البطريك جريجوريويس (جرجير) حاكما عاما على افريقية وأعلن عن رغبته عن فصل إقليمي برقة وطرابلس عن الإمبراطورية البيزنطية وقد أيد سكانها من البربر خاصة بعد ظهور مذهب المونوثيلية (monothelisme) الذي أو وجده بطريك القسطنطينية سيرجيوس ويقر هذا المذهب أن المسيح جاء بصفة اله وليس كما يقر معظم الكاثوليك أنه أظهر كل من طبيعته بإرادة واحدة إلهيه وبشرية في أن واحد. فسرجيوس ينكر صفة البشرية في المسيح عيسى عليه السلام ، ومما زاد في تأزم الأوضاع أن الإمبراطور هرقل أيد هذا المذهب ، هذا ما أثار غضب واستنكار قساوسة افريقية وعلى رأسهم جريجوريوس الذي أعلن سنة 646م استقلاله عن الإمبراطورية البيزنطية وتلقب بموافقة الشعب المغربي –إمبراطورا – ولقد ضرب جريجوريوس العملات باسمه وجعل قرطاجنة عاصمة حكمة ،غير انه عندما بدأت حملات المسلمين تصل إلى افريقية وخصوصا بعد سقوط حكم الرومان بمصر ، قرر جريجوريوس نقل عاصمته إلى سبيطلة في وسط افريقية.
هذا فيما يخص منطلقة ساحل افريقية ، أما فيما عاداها من الصحاري والمزارع والى غاية الجنوب في منطقة السوس الأدنى (السودان) والسوس الأقصى (مراكش )، فالحكم كان بيد البربر .
ويصفهم ابن خلدون بأنهم كانوا في دور البداوة عند الفتح العربي الإسلامي ، وكانوا لا تجمعهم أمه بل يعيشون في حياة قبلية.


يقول الوزان في وصف إفريقيا : "إن الأفارقة الذين يسكنون مدن بلاد الأمازيغ، ولاسيما مدن ساحل البحر المتوسط، يهتمون كثيرا بالتعلم ويتعاطون الدراسة بكامل العناية، وفي طليعة ما يدرسون الآداب والكلام والفقه. وكان من عاداتهم في القديم أن يدرسوا الرياضيات والفلسفة وحتى علم الفلك، غير أنه منذ أربعمائة سنة خلت منعهم فقهاؤهم وملوكهم من تعاطي معظم هذه العلوم" .


الخصائص الاجتماعية والدينية للشمال الإفريقي

أهم ما يميز منطقة الشمال الأفريقي من الناحية الاجتماعية –وذلك بحسب الدراسات الاجتماعية القديمة والحديثة - ، هو أن العزلة الطبيعية التي أشرت إليها أسهمت في حدوث العزلة الاجتماعية وافتقاد التواصل بين التجمعات السكانية المختلفة، بل إن الظروف الطبيعية الصعبة التي يعيشها سكان الشمال الأفريقي أسهمت في نشوب صراعات اجتماعية كثيرة ومن الغريب أن آثار هذا الصراع ما زالت قائمة إلى اليوم رغم ضعف حدتها في العصر الحديث بفضل مشاريع الإنماء المخنلفة التي انطلقت في الشمال الأفريقي، إذ مسته في ذلك بعض آثار الثورة الاقتصادية العالمية التي اجتاحت العالم ولو بنسبة قليلة غير كافية مقارنة بالعالم المتمدن.
الخصائص الدينية.
إنّ التنافر الطبيعي والتنافر الاجتماعي في الشمال الأفريقي أوجدا تنافرا من قبيل آخر وهو التناف الديني ، ولقد عمل الإسلام على امتداد وجوده في الشمال الأفريقي على توحيد شعوب هذه المنطقة ، وهي حقيقة تاريخية لا مناص من الاعتراف بها ، يقول ألفرد بل :"...والإسلام نفسه – الذي ربما كان على طول التطور التاريخي لهذه البلاد- أهم عامل في توحيد شعوب الشمال الأفريقي وذلك بتقديمه لهم عقيدة دينية مشتركة وتشريعا مدنيا واحدا لم يستطع رغم ذلك أن يصب كل جماعاتهم في كتلة متجانسة ، ولا يزال يحدث حتى اليوم أن تنبذ بعض الجماعات البربرية المسلمة الشريعة الإسلامية المدنية وتحتفظ بقانونها العرفي القديم وغالبية هؤلاء البربر أضافوا
في ميدان الدين شيئا من الإسلام متفاوت المقدار إلى المعتقدات القديمة والأعراف السحرية الدينية التي ورثوها عن أجدادهم البعيدين([5]).
إن كلام( ألفرد بل) عن الإسلام من حيث هو عامل توحيد لشعوب الشمال الأفريقي ،قد تخلله كثير من الدس والغلو الفكري والديني ، الناتج عن قلة اطلاع بطبيعة الشريعة الإسلامية فالإسلام لا يريد إيجاد كتلة بشرية متجانسة وإنما كنلة بشرية متنوعة تتنوع في مذاهبها وميولاتها الفكرية مع الإبقاء على الرباط الجامع والحبل الواصل بينها جميعا، وهي بلا شك عرى الإسلام المتمثلة في أحكامه التشريعية والعقيدية ، ويفهم في هذا السياق من كلام (ألفرد بل) أنه ربما يحمل(بتشديد الميم )الإسلام مسؤولية بغض الارتدادات الدينية التي حدثت في الشمال الأفريقي والتي ترجع حسبه إلى عدم قدرة شريعة الإسلام على احتواء المظاهر الد ينية المتنافرة ،وهذا التصور يعتريه قصور ظاهر ،ذلك أن نبذ بعض الجماعات البربرية كما سماها (ألفرد بل) للشريعة الإسلامية لم يكن بسبب قصور هذه الشريعة ولكن بسبب بعض الإملاءات والوصايات الدينية التي تفرض على سكان الشمال الأفريقي وأفريقيا عموما والتي يتولى كبرها لفيف من المبشرين الذين يبذلون قصارى جهودهم لإبعاد شعوب الشمال الأفريقي عن الإسلام ، وإدخالهم في المسيحية أو إرجاعهم إلى الديانة الوثنية التي كانوا عليها ، وهذا الأمر لم يعد سرا بعد أن أفصح عنه كثير من عتاة ودعاة التبشير في الشمال الأفريقي والذي مثل قطبا فكريا ودينيا أساسيا في قرارات مؤتمر كولورادو عام1978للميلاد.










قديم 2011-10-10, 12:23   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
بيان 5
عضو محترف
 
الصورة الرمزية بيان 5
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك










قديم 2011-10-10, 15:57   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
kamel55
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد جديدي التبسي مشاهدة المشاركة
دراسة اجتماعية لسكان بلاد المغرب

سكان منطقة إفريقيه، منذ عصر مبكر، هم عنصر الامازيغ والأفارقة فضلا عمن طرأ بعد ذلك من الروم، وبهمنا بنوع خاص التعرض للأفارقة والامازيغ الذين لهم صلة بالمنطقة، فالأفارقة خليط جنسي، فيهم من تجري عروق الدماء السامية القرطاجية ومنهم من انتسب إلى السلالة الآرية-الروم الايطاليين-وعن هؤلاء اخذ الامازيغ المسيحية وبعض مظاهر الحضارة الرومانية، كما أطلق الرومان على سكان شمال إفريقيا كلمة بربر وتعني الشعوب الغريبة عن حضارتهم،أما عن طباع الامازيغ فهم أهل بداوة يعتمدون على المرعى الخصيب والماء وهم أهل العزة والغلبة يكرمون الضيف ويحمون الضعيف، ومن أشهر قبائلهم مصمودة وأربه وأزداجة وكتامة وصنهاجة، أما بالنسبة للدين فمنهم من عبد المظاهر الطبيعية كالإله آمون ومنهم من عبد الكبش ومنهم من كان على اليهودية ومنهم ن تأثر بالنصرانية، وهذا على حد قول ابن خلدون " المغلوب مولع بتقليد الغالب"، كل هذه الأوضاع نتناولها بالشرح والتفصيل في النقاط الثلاث الآتية:
التسمية والسكان
المغرب تعبير يدل على الجهة التي تغرب فيها الشمس، ثم أصبح يدل على المنطقة الواقعة غرب العاصمة لجهة مغرب الشمس ، وأول من استعمل هذا المعنى الإمام على بن أبي طالب رضي الله عنه، إذ خاطب الخوارج قبل معركة النهروان بعد أن قتلوا رسوله إليهم الحارث بن مرة " أن ابعثوا إلى بقتلة إخواني فأقتلهم ثم أتارككم إلى أن أفرع من قتال أهل المغرب ..... " ثم تحدد بالمنطقة الواقعة غرب مصر من طرابلس شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا ومن البحر المتوسط شمالا إلى الصحراء الكبرى جنوبا.
يشتمل المغرب ثلاث مناطق طبيعية وهذا التقسيم يرجع إلى قرب وبعد المنطقة عن بلاد العرب الحجاز المنطقة الأولى عرفت بالمغرب الأدنى أو افريقية، وهذه الأخيرة اختلف المؤرخون حول أصل تسميتها لكن الذي غلب لدى المؤرخين المسلمين أنها مستمدة من افريقش بن قيس بن صيف اليمني الحميري الذي جاء واستقر على هذه الأرض تمتد هذه المنطقة من برقة إلى نفوسه.
ويلي افريقية المغرب الأوسط ويمتد من بجاية شرقا إلى وهران غربا، وأطلق ابن عذارى اسم الزاب على هذه المنطقة وذكر أنها تمتد من طرابلس شرقا إلى مدينة تيهرت غربا2 .
أما المنطقة الثالثة فهي المغرب الأقصى أبعد أجزاء المغرب عن الحجاز، يمتد المغرب الأقصى من البحر المتوسط شمالا إلى جبال درن جنوبا، ومن وادي ملوية وممر تازا شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا حتى مدينة آسفى3.
وحسب الحقائق المتوفرة عن سكان شمال إفريقيا، فقد أطلق عليهم اسم "بربر " وهو يعني حسب المفهوم اليوناني والمفهوم الروماني إنسان أجنبي لا يتكلم اللغة اليونانية ونفس الكلمة استعملها الرومان عندما تغلبوا على اليونانيين حيث أطلقوا اسم البربر على جميع السكان الذين لا يتكلمون لغتهم ولا ينتمون إلى سلالتهم أوعرقهم، وهو نفس التعبير الذي استخدمه ابن خلدون في كتابه " العبر" حين تعرض لفرق البربر وأنسابهم ومواطنهم ويذكر ابن خلدون أن سبب تسميتهم بربر بسبب إلى افريقش بن قيس بن صيفي "من ملوك التابعة الذي غزا المغرب وافريقية وبني بها المدن والأمصار، وأن إفريقيه سميت باسمه، وأنه سمع السكان الأصليين يتكلمون بأصوات مختلفة فقال لهم افريقش :" ما أكثر بربرتكم ؛ أي كلامكم غير المفهوم فسموا البربر " .
وقال الفيروزبادي صاحب " القاموس المحيط ط أن البربرة كثرة الكلام والجلبة والصياح والفعل هو بربر نفهم من هذا أن مصطلح بربر ليس مفهوما اثنيا ولكنه مفهوم لغوي.
رغم الخلاف حول أصل البربر ونسبهم والمكان الذي قدموا منه في الأصل، فإن معظم الباحثين بأنهم ينتمون إلى الجنس السامي ومن أبناء " مازيغ " ابن كنعان، وقد أكد هذه الحقيقة العلامة ابن خلدون الذي قال حول هذا الموضوع:" والحق الذي لا ينبغي التعويل على غيره في شأنها أنهم من ولد كنعان بن حام بن نوح ...وأن اسم أبيهم مازيغ ...." ونفسا الحقيقة أكدها وفد من سكان شمال إفريقيا حين صرح أعضاؤه أمام الخليفة عمر بن الخطاب بعد فتح مصر إذ اعتبروا أنفسهم أمازيغ ولم يقولوا أنهم بربر وكلمة مازيغ " الرجل الحر " كما أن البربر تربطهم صلة قرابة عرب وليسوا غرباء عنهم، ويؤكد معظم المؤرخين وعلى رأسهم ابن خلدون أن البربر ينتمون إلى قيس بن عيلان بن مضر من جزيرة العرب وهناك أمثلة عديدة فقبيلة لواته المغربية من حمير اليمن وهوارة من كنده في قبل الجزيرة العربية وزناته من التابعة أو من العمالقة وكلهم قبائل عربية.
أخلاق البربر وطباعهم
في هذا السياق يجذبنا وصف ابن خلدون لهم وقد كان وصفا رائعا حيث جاء في كتابه " العبر" قوله : " ...وأما تخلقهم بالفضائل الإنسانية وتنافسهم في الخلال الحميدة وما جبلوا عليه من الخلق الكريم، من عز الجوار وحماية النزيل ورعى الأدمة والوسائل والوفاء بالقول والعهد والصبر على المكاره والثبات في الشدائد وحسن الملكة والإغضاء عن العيوب والتجافي عن الانتقام والرحمة بالمسكين وبر الكبير وتوقير أهل العلم وحمل الكل وتهيئة الكسب للمعدوم وقرى الضيف والإعانة على النوائب وعلوا الهمة وآباء الضيم ومقارعة الخطوب وغلاب الملك .
بالإضافة إلى البربر كان هناك أقليات تعيش على أرض المغرب أهمها على الإطلاق اليهود والرومان، فبالنسبة لليهود، فتاريخ وجودهم بمنطقة الشمال الإفريقي يعود إلى عهد نختصر ملك الآشوريين أي إلى سنة 586 ق.م وكانوا يعتبرون جالية مستقلة لأنهم تجنبوا دوما الاختلاط مع السكان واهتموا فقط بخدمة مصالحهم الاقتصادية.
أما الرومان فقد سيطروا على معظم الشريط الساحلي لشمال إفريقيا وذلك ابتداء من سنة 576م وعملوا على نشر عقيدة المسيحية بين السكان وإيصال الحضارة لهم وأثارهم التي مازالت قابعة في معظم مناطق الشمال الإفريقي برهان على ذلك، لكن تأثيرهم لم ينفذ الى قلب الشمال الافريقي ونقصد به منطقة الصحراء الكبرى ، فلما دخل الفاتحون العرب الى هذه المناطق وجدوا سكان تلك المناطق متمسكين بثقافتهم وعاداتهم القبلية .
الديــــــــن
كان سكان الشمال الإفريقي من قديم الزمان يدينون بالمجوسية وكانوا أحيانا يدينون بدين من غلب عليهم من الأمم ، أمثال البيزنطيتين الذين نجحوا في تمسيح أعداد هائلة من السكان ، ومن أشهر الديانات للبربر دين وثنى جاءوا به من المشرق وكانوا يعتقدون بوجود اله يدير هذا الكون ، ولكن لا ذات له ترى وإنما تجلى لهم في المظاهر التي تروعهم بقوتها وبجمالها أو بغرابتها فلذلك يعبدون تلك المظاهر وهذا الإله الذي يعتقدون أنه مصدر حياة الكون اسمه " أمون" ومظاهره هي الكبش الاقرن القوي وبعض الحيوانات الأخرى مثل الطاووس ، وكانوا يعتقدون أن قتل هذا الحيوانات أو ضربها يلحق بهم عاهات كبيرة كالجنون والشلل ..الخ .
المطلب الثاني :الأوضاع الاقتصادية والسياسية قبيل الفتح الإسلامي : (602-647م )
يميز النسابة العرب بين جذمين كبيرين للامازيغ يختلفان في نوع الحياة الاجتماعية والاقتصادية، الجذم الأول وتسمى قبائله البرانس والجذم الثاني وتسمى قبائله البتر، ويفترض هؤلاء النسابة أن البرانس من نسل برنس بن بربر بن مازيغ، وان البتر من ولد مادغيس الابتربن بر بن مازيغ على حد رأي السلاوي، وتميزت شعوب البرانس عموما بالاستقرار في القرى الساحلية والتلية والجبلية للزراعة وتربية المواشي فهم فريق من المستضعفين على حد تعبير ابن خلدون، أما البتر فغلب عليهم طابع البداوة والرعي فهم أهل العز والغلبة، وقد استولى البيزنطيون على الأراضي الخصبة في الساحل وطردوا منها سكانها الأصليين وفرضوا عليهم الضرائب الثقيلة، وأما هذه السياسة البيزنطية تأسست في المناطق الداخلية لافريقية ممالك مغربية ظلت تقاوم الوجود البيزنطي إلى غاية مجيء الفتح الإسلامي، ومما يلفت النظر أن الامازيغ الذين طالما استبسلوا في الدفاع عن الوطن وقارعوا الرومان والوندال و البيزنطيين سرعان ما ارتاحوا للعرب المسلمين، فتبادلا الاحترام والإعجاب، ثم انضم الامازيغ إلى الحركة الإنسانية الجديدة بترحيب منهم ورضا، نتناول بالشرح والتفصيل هذا المطلب في النقطتين التاليتين:
الدراسة الاقتصادية
كان النشاط الاقتصادي لسكان شمال افريقيا هي الزراعة في المقام الأول ، نظرا لوفرة الزرع وتنوعه فكان معظم البربر فلاحين وكانت أرضهم هي مورد رزقهم الأساسي ، لكن أوضاعهم تغيرت مع مجيء الرومان ، حيث قام بالاستيلاء على الأراضي الخصبة التي يملكها ملوك البربر أو الشعب وقد كانت سياسة الرومان واضحة في هذا الشأن إذ وما تبقى يحتفظ به السكان الأصلين ولكن مع دفع الضرائب (ضريبة على الفرد ، ضريبة على المبادلات التجارية، ضريبة لتغطية تكاليف رجال الأمن ) وهناك موظفون مكلفون بجمع هذه الضرائب وهم من البربر ويعرفون بـالعشارين .
وننوه هنا إلى حقيقة لابد من إبرازها ، وهي أن منطقة الشمال الإفريقي عرفت انتعاشا اقتصاديا في أواخر الحكم البيزنطي بالمنطقة ، وهذا بفضل الإمبراطور جريجوريس الذي حكم سنة 641 م وقد نجح في جلب تأييد سكان شمال إفريقيا ومنهم سكان برقة وطرابلس.
" أما بخصوص اليهود ، فنشاطهم لهم يختلف منذ ظهورهم على سطح هذه الأرض ، فقد اعتمدوا على التجارة والمعاملات الاقتصادية من قروض و رهون إلى جانب بعض الصناعات كالخياطة والصياغة وهذه الأخيرة كان لها الحظ الأوفر نظرا لتوفر معدن الذهب بشمال أفريقيا بالخصوص في منطقة المغرب الأدنى (قرطاجنة ) والمغرب الأقصى ."
الأوضاع السياسية قبيل الفتح الإسلامي : (602-647م)
كانت منطقية ساحل افريقية الشمالي خاضعة للنفوذ الروم ، وعاصمتهم آنذاك قرطاجنة وكانت تحكمهما حاميات رومانية يرأسها حاكم عام يعينه الإمبراطور وفي السنوات القليلة التي سبقت الفتح الإسلامي عين الإمبراطور موريس ، البطريق هرقل القائد الأعلى على المغرب سنة 600م ، هذا الأخير الذي أعلن معارضته للإمبراطور الجديد فوكاس لذي أعتلى العرش سنة 602م خلفا للمغرور به موريس ، وبرز ذلك بوضوح عندما أراد أن يفصل منطقة افريقية من الإمبراطورية ، وقد نجح في جمع وكسب تأييد سكان القسطنطينية وكل روما ضد ذلك الإمبراطور الغاشم إلى جانب ذلك ساعده موقف سكان شمال إفريقيا من البربر الذين أيدوه نظرا لحكمة العادل مقارنة مع باقي الحكام السابقين إلا أن هرقل كان طاعنا في السن فاقترح ابنه هرقل الشاب ورفعه إلى مرتبة الإمبراطور ، فأعد جيشا من البربر بقيادة ميسيتاس ابن أخيه الذي تمكن من الاستيلاء عل الإسكندرية فيما بين سنتي (608-609م) ، في الوقت الذي كان فيه هرقل الصغير يقود أحد الأساطيل الحربية بقصد الاستيلاء على القسطنطينية والإطاحة بحكم الإمبراطور فوكاس .
نفهم من ذلك ، أن منطقة شمال افريقية كانت قاعدة ومنطلق لحركات المعارضة للحكم الروماني في القسطنطينية في أواخر حكمها قبل الفتح الإسلامي ، وأنه كان للبربر دور بارز في تلك الحركات ، وبالفعل فقد نجح هرقل الإمبراطور الجديد من القضاء عل فوكاس سنة 610م وأصبح إمبراطورا على الدولة البيزنطية وأصبحت افريقية مركزا لاهتمامه ومحط أمال الإمبراطورية في أشد فترات حياتها ، فعندما احتل الفرس أرمينيا وحاصروا الإسكندرية بقصد منع تزويد القسطنطينية بالرجال والمؤمن تولت افريقية أمر المؤمن وكانت تزود القسطنطينية بالجنود والأساطيل .
وعلى عكس الفترات السابقة من الحكم الروماني في شمال إفريقيه الذي كان يتميز بالشدة والعنف ، من تمييز عنصري وسفك للدماء وفرض للضرائب الباهظة على السكان والاستحواذ على الأراضي الشاسعة الخصبة. إلا أن افريقية شهدت في أيام الإمبراطور هرقل عصرا من السلام لم تشهده من قبل وتمتع البربر وهم الأكثرية في المنطقة بالكثير من الحرية والاطمئنان، وفي خلال هذه الفترة انتشرت حركة التبشير المسيحي ودخل العديد من السكان البربر في المسيحية وصار ممثلوها من القساوسة والرهبان هم الحكام الفعليين في المنطقة وأصبح البابا القطب الذي يتوجه اله السكان يطلبون حمايته من مظالم الإدارة البيزنطية وقد ازداد نفوذه في البلاد وصاد يتدخل في الشؤون الإدارية .
وقد صار البطريك جريجوريويس (جرجير) حاكما عاما على افريقية وأعلن عن رغبته عن فصل إقليمي برقة وطرابلس عن الإمبراطورية البيزنطية وقد أيد سكانها من البربر خاصة بعد ظهور مذهب المونوثيلية (monothelisme) الذي أو وجده بطريك القسطنطينية سيرجيوس ويقر هذا المذهب أن المسيح جاء بصفة اله وليس كما يقر معظم الكاثوليك أنه أظهر كل من طبيعته بإرادة واحدة إلهيه وبشرية في أن واحد. فسرجيوس ينكر صفة البشرية في المسيح عيسى عليه السلام ، ومما زاد في تأزم الأوضاع أن الإمبراطور هرقل أيد هذا المذهب ، هذا ما أثار غضب واستنكار قساوسة افريقية وعلى رأسهم جريجوريوس الذي أعلن سنة 646م استقلاله عن الإمبراطورية البيزنطية وتلقب بموافقة الشعب المغربي –إمبراطورا – ولقد ضرب جريجوريوس العملات باسمه وجعل قرطاجنة عاصمة حكمة ،غير انه عندما بدأت حملات المسلمين تصل إلى افريقية وخصوصا بعد سقوط حكم الرومان بمصر ، قرر جريجوريوس نقل عاصمته إلى سبيطلة في وسط افريقية.
هذا فيما يخص منطلقة ساحل افريقية ، أما فيما عاداها من الصحاري والمزارع والى غاية الجنوب في منطقة السوس الأدنى (السودان) والسوس الأقصى (مراكش )، فالحكم كان بيد البربر .
ويصفهم ابن خلدون بأنهم كانوا في دور البداوة عند الفتح العربي الإسلامي ، وكانوا لا تجمعهم أمه بل يعيشون في حياة قبلية.


يقول الوزان في وصف إفريقيا : "إن الأفارقة الذين يسكنون مدن بلاد الأمازيغ، ولاسيما مدن ساحل البحر المتوسط، يهتمون كثيرا بالتعلم ويتعاطون الدراسة بكامل العناية، وفي طليعة ما يدرسون الآداب والكلام والفقه. وكان من عاداتهم في القديم أن يدرسوا الرياضيات والفلسفة وحتى علم الفلك، غير أنه منذ أربعمائة سنة خلت منعهم فقهاؤهم وملوكهم من تعاطي معظم هذه العلوم" .


الخصائص الاجتماعية والدينية للشمال الإفريقي

أهم ما يميز منطقة الشمال الأفريقي من الناحية الاجتماعية –وذلك بحسب الدراسات الاجتماعية القديمة والحديثة - ، هو أن العزلة الطبيعية التي أشرت إليها أسهمت في حدوث العزلة الاجتماعية وافتقاد التواصل بين التجمعات السكانية المختلفة، بل إن الظروف الطبيعية الصعبة التي يعيشها سكان الشمال الأفريقي أسهمت في نشوب صراعات اجتماعية كثيرة ومن الغريب أن آثار هذا الصراع ما زالت قائمة إلى اليوم رغم ضعف حدتها في العصر الحديث بفضل مشاريع الإنماء المخنلفة التي انطلقت في الشمال الأفريقي، إذ مسته في ذلك بعض آثار الثورة الاقتصادية العالمية التي اجتاحت العالم ولو بنسبة قليلة غير كافية مقارنة بالعالم المتمدن.
الخصائص الدينية.
إنّ التنافر الطبيعي والتنافر الاجتماعي في الشمال الأفريقي أوجدا تنافرا من قبيل آخر وهو التناف الديني ، ولقد عمل الإسلام على امتداد وجوده في الشمال الأفريقي على توحيد شعوب هذه المنطقة ، وهي حقيقة تاريخية لا مناص من الاعتراف بها ، يقول ألفرد بل :"...والإسلام نفسه – الذي ربما كان على طول التطور التاريخي لهذه البلاد- أهم عامل في توحيد شعوب الشمال الأفريقي وذلك بتقديمه لهم عقيدة دينية مشتركة وتشريعا مدنيا واحدا لم يستطع رغم ذلك أن يصب كل جماعاتهم في كتلة متجانسة ، ولا يزال يحدث حتى اليوم أن تنبذ بعض الجماعات البربرية المسلمة الشريعة الإسلامية المدنية وتحتفظ بقانونها العرفي القديم وغالبية هؤلاء البربر أضافوا
في ميدان الدين شيئا من الإسلام متفاوت المقدار إلى المعتقدات القديمة والأعراف السحرية الدينية التي ورثوها عن أجدادهم البعيدين([5]).
إن كلام( ألفرد بل) عن الإسلام من حيث هو عامل توحيد لشعوب الشمال الأفريقي ،قد تخلله كثير من الدس والغلو الفكري والديني ، الناتج عن قلة اطلاع بطبيعة الشريعة الإسلامية فالإسلام لا يريد إيجاد كتلة بشرية متجانسة وإنما كنلة بشرية متنوعة تتنوع في مذاهبها وميولاتها الفكرية مع الإبقاء على الرباط الجامع والحبل الواصل بينها جميعا، وهي بلا شك عرى الإسلام المتمثلة في أحكامه التشريعية والعقيدية ، ويفهم في هذا السياق من كلام (ألفرد بل) أنه ربما يحمل(بتشديد الميم )الإسلام مسؤولية بغض الارتدادات الدينية التي حدثت في الشمال الأفريقي والتي ترجع حسبه إلى عدم قدرة شريعة الإسلام على احتواء المظاهر الد ينية المتنافرة ،وهذا التصور يعتريه قصور ظاهر ،ذلك أن نبذ بعض الجماعات البربرية كما سماها (ألفرد بل) للشريعة الإسلامية لم يكن بسبب قصور هذه الشريعة ولكن بسبب بعض الإملاءات والوصايات الدينية التي تفرض على سكان الشمال الأفريقي وأفريقيا عموما والتي يتولى كبرها لفيف من المبشرين الذين يبذلون قصارى جهودهم لإبعاد شعوب الشمال الأفريقي عن الإسلام ، وإدخالهم في المسيحية أو إرجاعهم إلى الديانة الوثنية التي كانوا عليها ، وهذا الأمر لم يعد سرا بعد أن أفصح عنه كثير من عتاة ودعاة التبشير في الشمال الأفريقي والذي مثل قطبا فكريا ودينيا أساسيا في قرارات مؤتمر كولورادو عام1978للميلاد.
شكرا أخي محمد، ولكن أريد مصدر هذا المقال ...و شكرا









قديم 2011-10-10, 16:27   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
محمد جديدي التبسي
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية محمد جديدي التبسي
 

 

 
الأوسمة
وسام الوفاء 
إحصائية العضو










افتراضي

لقد جمعته من أكثر من موقع وليس من كتاب معين أخي كمال
وفي معظمها مقالات مطولة اقتطعت منها الجانب الاجتماعي فقط باعتباره مجال الدراسة










قديم 2011-10-10, 16:35   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
kamel55
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك أخي محمد،فعلا مواضيع هامة .....شكرا.....
أخي محمد بالنسبة للمقال التاريخي .هل نكتب خطة الاجابة؟










قديم 2011-10-10, 16:52   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
محمد جديدي التبسي
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية محمد جديدي التبسي
 

 

 
الأوسمة
وسام الوفاء 
إحصائية العضو










افتراضي

الذي أعرفه أنه لا يلزم ذلك
يعني تعمل خطة في ورق جانبي تسير عليها في الاجابة لكن لا يلزمك كتابتها في ورقة الاجابة
وذلك من خلال مقال يتميز بالتسلسل في الموضوع وطرقه من جميع جوانبه مع الاشارة الى المصادر والمراجع المعتمدة وكذا ذكر شواهد تاريخية تدل على ذلك وهو ما نسميه المنهج التاريخي الذي نسلكه للوصول الى الحقيقة التاريخية التي هي الغاية
بالتوفيق
أخي










قديم 2011-10-10, 16:55   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
kamel55
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك أخي الكريم،أسأل الله لك التوفيق










قديم 2011-10-10, 21:31   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
استاذة التاريخ
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية استاذة التاريخ
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك اخي موضوع شامل وكامل هنيتنا ربي يحفظك وينجحك ويوفقك










قديم 2011-10-11, 21:11   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
محمد جديدي التبسي
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية محمد جديدي التبسي
 

 

 
الأوسمة
وسام الوفاء 
إحصائية العضو










افتراضي

المجتمع المغربي في القرنين الخامس والسادس الهجريين

تاريخ المجتمع الإسلامي في منطقة الغرب الإسلامي خلال النصف الأول من القرن
6 ﻫ يتطلب الاعتماد على المصادر التي تناولت الحياة اليومية في المنطقة. والبحث عن هذا الجانب في المصادر المتداولة عملية صعبة جدا ومن هنا يفرض العمل العودة إلى نوع مغمور من المصادر، وهي مصادر التشريع والمؤلفات القانونية التي تعرف في العالم الإسلامي بكتب النوازل (الفتاوى)، وهي أساسا عبارة عن آراء فقهاء المرحلة التاريخية التي سنعالجها في القضايا المطروحة عليهم من أجل إبداء الحكم الشرعي فيها سواء كانت أحوالا شخصية أي قضايا اجتماعية أو غيرها أو كانت معاملات تجارية أو زراعية أو غير ذلك؛ بمعنى أن مادة التاريخ الاجتماعي في العالم الإسلامي ومن ضمنه منطقة "الغرب الإسلامي" تحتضنها وتتضمنها مؤلفات الفقهاء سواء كانت"كتب أحكام" أو "كتب نوازل" التي تعالج في مجموعها العام أحكام الشريعة الإسلامية ونظام الحياة اليومية وآراء الفقهاء والنخبة العلمية في حل القضايا الاجتماعية اليومية على تنوعها واختلافها من البادية إلى المدينة.
هذه المصادر يمكن أن نختار من بينها في مرحلتنا التاريخية مصدرين:
أولاً: نوازل ابن رشد الجد([1])المتوفى سنة 520 ﻫ في عهد علي بن يوسف بن تاشفين، وكان قاضي الجماعة بقرطبة. وليس معنى هذا أننا نعتمد على نوازل أندلسية لنحلل مجتمعا إفريقيا بل يتضمن قضايا المجتمع كله في منطقة الغرب الإسلامي من عواصم الأندلس الكبرى ومن عواصم إفريقيا الغربية آنذاك (أي لم تصله النوازل من السنغال أو من مناجم الذهب...ولكن وصلته أسئلة من التجار المغاربة بالأندلس والمغرب والصحراء الإفريقية) بمعنى نجد أسئلة وأجوبة تهم الحياة التجارية والعلاقات بين الحوض الغربي للأبيض المتوسط ومناطق ما وراء الصحراء، مع العلم أن هناك تفاصيل خاصة بسكان المدن أكثر من غيرهم.
ثانياً: نوازل القاضي عياض السبتي اليحصبي المتوفى سنة 554 ﻫ والتي وصلتنا برواية ولده عبد الله([2]).
أما قراءة التاريخ الاجتماعي للغرب الإسلامي في النصف الأول من القرن 6 ﻫ لا تعتمد فقط على هذين المصدرين لإصدار الأحكام وإنما لإعطاء بعض الأضواء على الواقع. إذا كيف كان هذا الواقع خلال المرحلة المحددة بالاعتماد أيضا على المصادر الأخرى أندلسية ومغربية؟.


مجتمع المغرب الكبير في القرنين 5 و6
إن تاريخ المجتمع المغربي بمعناه العام من القضايا التاريخية التي مازالت في بدايتها، والمصادر المتوفرة على قلتها لا تهتم بصورة مباشرة بتاريخ المجتمع بقدر ما تهتم بقضايا السلطة العليا وما ارتبط بها من صنوف العلاقات البشرية، وإذا أشارت عرضا لظاهرة اجتماعية فإن ذلك يرجع لأمر يهتم ويرتبط بقضايا السلطة مثل الاهتمام بالضرائب وصراعات القبائل في البادية وموقف الدولة منها، وكل ذلك لا يبرر إغفال دراسة "المجتمع المغربي" في الغرب الإسلامي لأن التفسير الحقيقي للتاريخ المغربي الوسيط يجب أن ينطلق من البناء الداخلي ومعرفة الميكانيزمات الداخلية لدراسة أوضاع المجتمع ومعرفة المتغيرات بين السلطة والمحكومين في داخل البلاد.
وفي القرن 6 ﻫ وعلى وجه الخصوص من حوالي 479 ﻫ إلى حوالي 591 ﻫ/ 1195 م، ونعني بذلك المرحلة الممتدة من معركة الزلاقة إلى معركة الأرك، يمكن أن نلمس أو على الأصح نتلمس ملامح عامة بـأوضاع مجتمعنا المغربي الوسيط وعلى تعدد تلك الملامح سنميز من بينها ما له فعالية في تشكيل هذه المرحلة التاريخية بمعنى ما له ارتباط بالفعل السياسي والمجتمعي الذي طبع المرحلة، وبذلك ننتقل إلى طرح السؤال الآتي:

كيف كانت البنية الداخلية للمجتمع المغربي الكبير في العصر الوسيط؟
في إطار الجواب يجب أن نميز بين مسألتين: مسألة الحياة اليومية (VieQuotidienne) سواء في البوادي أو في الحواضر، ومسألة ارتباط المجموعات البشرية بالعمل السياسي خلال هذه المرحلة. فبالنسبة للمسألة الأولى أي التنظيم الشعبي للعلاقات المجتمعية اليومية لا نجد في المصادر إجابة شافية ومستفيضة ولكن عندما نعود إلى ما أخفته لنا المرحلة من مادة فقهية وعرفية وإلى ما خلفته لنا الحوليات يمكن أن نقرر الظواهر الكبرى الآتية:

1 - نظام مجتمع المدن.
2 - نظام مجتمع البوادي.

وكل من النظامين يخضعان لمسألة هامة جدا وهي توجيه الفقهاء وعلماء الشريعة لهذين التنظيمين حسب ما يسمونه بالمناطق التي تنالها أحكام السلطان والمناطق التي لا تنالها أحكام السلطان([10])، ويعني هذا التمييز بين المناطق التي تطبق فيها القواعد الشرعية الإسلامية والمناطق التي يضعف فيها هذا التطبيق (بمعنى سيادة التطبيق العرفي)، سواء كان مقبولا في داخل الشريعة أو خارجا عنها.
وباستنطاق النصوص يمكن أن نميز في هذا الموضوع كله أنواعا من الأعراف تختلف باختلاف الجماعات البشرية التي أفرزتها الحياة اليومية في المنطقة المتنوعة تضاريسيا ومناخيا وإقليميا من الجبال إلى السهول ومن مناطق الغابات إلى أقاليم الصحراء والمراعي الإستبسية، وبذلك نعود إلى العناصر المكونة للمجتمع ثم إلى التنظيمات المختلفة باختلاف هذه العناصر. فما هي إذن هذه العناصر البشرية في المغرب كله ؟
ففي القرن 6 ﻫ نميز في التركيب الديموغرافي للمغرب الكبير تنوعا وتفاوتا في القوة البشرية المتعايشة في المنطقة من بدو وحضر، فقد ظهرت نسبة البدو أقوى من نسبة سكان المدن يحبث تميل كفة أهل البادية على كفة أهل الحضر. والدليل التاريخي على هذا الافتراض هو أن جيش الدولة والحملات العسكرية التي تقوم بها كانت تتكون من الهيئات القبلية وبالتالي من البدو، أما أهل الحواضر فكانوا لا يمثلون إلا أطرا أو شبه أطر لهذه الحملات العسكرية، وهكذا نرى أن هذه الديموغرافية أي سكان بلاد المغرب الكبير في هذا الإقليم الممتد من المحيط غربا إلى برقة شرقا ومن البحر الأبيض المتوسط شمالا إلى بداية رمال الصحراء الإفريقية الكبرى نجدهم في هذا المجال متعايشين ومتآلفين ومتنافسين ومُتألِّبين. فهم يتكونون من العناصر الكبرى الآتية:

1 -البربر أو الأمازيغ([11])
وهم الأغلبية المطلقة في هذه المرحلة التاريخية ويمكن أن نصنفهم مرحليا حسب تقديم النصوص المعاصرة للمرحلة المدروسة إلى ثلاثة أحلاف وتجمعات كبرى: هي صنهاجة، مصمودة، زناتة وكل صنف من هذه العناصر الثلاثة يُكَوِّنُ عصبيات قبلية من شأنها أن تتميز في التنظيم الداخلي وفي الارتباط الدموي وفي الطموح السياسي؛ لكن يجب أن ننتبه إلى قضية استحكمت في تحركاتهم نحو أي هدف وهي قضية البيئة الطبيعية والعلاقات النمطية التي كانت توجههم نحو تحقيق ما يمكن أن نسميه "دولة الأسر البربرية" في مغرب العصور الإسلامية الوسطى؛ ولكن بالمعنى الأول لمفهوم الدولة أي بمعنى سلطة القبيلة الممثلة في إرادة زعمائها ومشايخها ويعني المعنى الأولي نظام الحكم الشفوي في المجتمع البربري (العرف السياسي)، بمعنى تعارف الجماعة على نظام مجتمعي شامل، وعند تعارض الأعراف وتعارض المصالح يحدث التضارب والخلاف القبلي، وهذا ما يفسر تنازع القوات الثلاث الكبرى ولا يعني ذلك استقلال كل فئة من هذه المجموعات الثلاث بأرض معينة دون غيرها، بمعنى أن بلاد البربر مجال حيوي لكل هذه القوات الثلاث، فليست هناك ملكية خاصة بكل جماعة من مجموعة الأحلاف الثلاثة المذكورة، وهذا ما يبرر حرية الحركة للقبائل في هجرتها الداخلية وفي استيطانها المحلي.
وقد لعبت عدة عوامل في تحقيق هذه الحرية، عامل الظروف الطبيعية والمناخية ونمط أسلوب الحياة من نمط رعوي إلى نمط زراعي مستقر أو شبه مستقر بالإضافة إلى عامل حركة القوافل التجارية الرابطة بين أقاليم ومدن بلاد البربر أو بين غرب إفريقيا جنوب الصحراء أو المشرق مهد الإسلام([12]). ويعني هذا أن هذه الجماعات بحكم انزواء بعضها في مناطق معينة حدث فيها التشكل التنظيمي الثلاثي؛ فأهل الجبال تميزوا في النصف الأول من القرن 6 ﻫ بطابعهم التقشفي الانعزالي ولكنه في جميع الحالات يطمح إلى البروز وتحقيق نفوذ سياسي، وهذا ما حققه مصامدة الجبال في المرحلة الموحدية.
أما بربر المناطق شبه الجبلية أو المناطق السهلية أو على الأصح مناطق (الإستيب) الرعوية فقد عمرها العنصر الزناتي الذي تحرك خلال العهد الوسيط من أجل المشروع السياسي الذي حققه بطريقة جزئية قبل القرن 5([13])، وحققه بطريقة كلية في القرن 7 و8 ﻫ (ميلاد الدولة المرينية). أما العنصر الصنهاجي الذي كان مجاله الحيوي في المناطق شبه الصحراوية والصحراوية فهو الذي مثله المرابطون([14]).
وفي إطار التنظيمات الداخلية لهذه العناصر يمكن أن نقرر شيئا واحدا وهو الاحتفاظ باللهجات اللغوية التي تنوعت بتنوع الانعزال البيئي وليس بحكم الاستقلال اللغوي بين هذه الفصائل الثلاث فكل منها يتحدث لغة ذات أصل واحد وإن حاول المختصون في اللهجات البربرية تصنيفها إلى ثلاث: أمازيغية، شلحاوية، وبربرية. وقد تميزت العناصر البربرية في لحمتها العصبية في إطار تكتلات وأحلاف كبرى على المستوى القبلي التضامني بما هو معروف بهذه المرحلة التاريخية: مصمودة، صنهاجة، زناتة. وهذه التقسيمات شملت كل برابرة المغرب الكبير من إفريقية شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا، وتميزت هذه المجموعات بتحركاتها السياسية الطموحة إلى تكوين الدولة بمعناها السلطوي الوسطوي الذي كان سائدا في النظام القبلي المغربي العام.
والذي يكون مفهوم الدولة-القبيلة، أو دولة القبيلة، يعني معنى عشائريا أكثر مما يعني مضمونا سياسيا منظما كما شرحه الماوردي في كتابه "الأحكام السلطانية"، ولكن التطور الذي حصل في الدولة المغربية والمجتمع المغربي ابتداء من العصر المرابطي إلى ما بعده أي إلى نهاية بني مرين كانت له أصول مؤثرة من عناصر أخرى أضيفت إلى سكان بلاد المغرب منذ القرن 5 ﻫ. وهذه العناصر هي التي ستكون العنصر السكاني الثاني الهام في البنية البشرية السكانية لبلاد المغرب الكبير.


2 -العرب
نقصد بهم الجموع البشرية التي انتقلت من المشرق إلى المغرب في العهد الوسطوي، ويمكن أن نميز في عملية الانتقال العربي إلى بلاد المغرب عنصرين متميزين:

أ -العرب المُؤطرون للحكم والنفوذ الإسلامي في بلاد المغرب الكبير.
ب- العرب البدو (الأعراب حسب ابن خلدون).

ملاحظة: للذهاب إلى المصدر اضغط على اي رقم من الارقام المبينة باللون الأزرق













قديم 2011-10-12, 10:30   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
محمد جديدي التبسي
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية محمد جديدي التبسي
 

 

 
الأوسمة
وسام الوفاء 
إحصائية العضو










افتراضي

لماذا أهمل التاريخ الاجتماعي لبلاد المغرب في العصر الوسيط

إشكالية "العامة" في الكتابات التاريخية:
المغرب والأندلس خلال العصر الوسيط نموذجا
حسن كشاحي
إن الدارس لتاريخ المغرب والأندلس منذ فترته الوسيطية على الأقل، لا يمكنه إلا أن يستشف أن الكثير من قضاياه لازالت قائمة لم يحسم فيها بعد، وتزداد المشكلة تعاظما كلما تعلق الأمر بالتاريخ الاجتماعي الذي لم ينل حيزا مناسبا من اهتمامات المؤرخين العرب والأجانب على السواء.
وهكذا ما أن يقتحم الباحث تاريخ الغرب الإسلامي إبان الحقبة الوسيطية حتى يجد نفسه أمام فراغ مهول كلما حاول النبش في هذا الحقل البكر، رغم الخانة الهامة التي أمسى يحتلها في خريطة المناهج التاريخية المعاصرة، ولا يساورنا شك في أن الفئات الاجتماعية الدنيا ظلت منذ العصر الوسيط مجرد ما بين قوسين يقفز عليها المؤرخ ويتحاشى تناولها لائذا بالصمت والتكتم تجاهها، اللهم إذا استثنينا بعض الإشارات الشاحبة والشذرات المبعثرة في ثنايا الحوليات التاريخية، وفي استقراء هذه الأخيرة ما لا يدع مجالا للريب في مدى التهميش والإهمال الذي تعرضت له العامة. إذ بقيت تقبع خارج دائرة الأدبيات التاريخية.
على أي، رغم أهمية الإنتاج التاريخي المتعلق بالفترة الوسيطية فإننا نصطدم بحقيقة أكثر مرارة مؤداها أن المؤرخ التقليدي يعتبر الحديث عن العامة من الطابوهات التي ينبغي تفادي إثارتها أو محاولة مقاربتها حتى لا يعتقد من يقتصر في دراساته على بعض الكتب التي اهتمت بالتاريخ الرسمي أن تاريخ الغرب الإسلامي الوسيط محدود في رجالات البلاط وأولي نعمتهم من الشرائح المتنفذة إلى حد التملق الرخيص ومجازفة الحقائق.
وبالنسبة لأهل القلم المحدثين، لم يتورعوا قيد أنملة عن اللهث وراء التفنن والتلذذ بالأسر الحاكمة مقابل صمت يكاد يكون مطبقا حول بسطاء الناس بالمغرب والأندلس رغم فعاليتهم في صنع أحداث المنطقة. حيث لا نجد لهم أثرا إلا نادرا وفي كلمات عابرة وخجولة. وبالتالي فإن الكتابات الرسمية والآداب السلطانية تعكس جليا النظرة النخبوية التقزيمية في ميدان البحث التاريخي، وحسبنا قرينة أن جل المؤرخين أداروا ظهرهم لتاريخ العوام فجعلوا التاريخ المغربي-الأندلسي الوسيط يمشي على رأسه عوض قدميه، مما ينهض دليلا على رجاحة ما ذهب إليه أحد الدارسين[1] بأن "الحكومات إذا دخلت إلى أمر أفسدته".
وعلى الرغم من البصمات الواضحة التي تزخر بها بعض الدراسات الغربية الحديثة، فإن الكتابات الأجنبية عموما لم تول تاريخ العوام ما يستحقه من عناية واهتمام مقتصرة على الإشارة إليه بتلميحات محتشمة لا تتناسب البتة ومكانة العامة داخل المجتمعين المغربي والأندلسي إبان العصر الوسيط، مصداق ذلك ما ذكره بعض الباحثين[2] من "أن الإنتاج الأجنبي عمد –عن قصد- إلى تهميش هذه الفئة وطمس دورها، لارتباط المد الشعبي بحركة التحرر فضلا عن اقتصاره إبان المرحلة الاستعمارية على ما يخدم مصالح التوجهات الكوليانية".
من سياق ما ورد، يتضح أن الكتابات التاريخية العربية والغربية حول المغرب والأندلس خلال العصر الوسيط انجرفت مع تيار التاريخ السياسي الحدثي فاتنة بسحره حتى قتلته بحثا، في ذات الآن أسدلت ستار الطمس والتهميش على تاريخ الفئات المستضعفة. فما هي الأسباب الكامنة وراء ذلك؟
قد يعزى إهمال تاريخ العامة من قبل الدارسين والمهتمين بتاريخ الغرب الإسلامي الوسيط إلى نضوب المادة التاريخية التي يمكن الركون إليها، "إذ أن المؤرخين القدامى ضربوا صفحا عن الموضوع ولم يلمحوا إليه إلا عبر إشارات مقتضبة ومتفرقة وردت بكيفية عرضية في بعض مصنفاتهم"[3]. وحسبنا أن الحقبة المرابطية الموحدية تعد بشهادة كل من سبر أغوارها وعارك أحداثها من أتعس الفترات الوسيطية وأكثرها إبهاما وغموضا من ناحية النصوص التاريخية التي عبثت بها أيادي القدر، أو تم طمسها تحت تأثير حزازات سياسية أو خلافات مذهبية أو نعرات إيديولوجية أو سخائم قبلية. الأمر الذي لا يسمح بتكوين تصور عام وشامل يشفي الغليل حول الموضوع.
وإلى جانب شحة الثروة المصدرية، فإن الشواهد التاريخية العائدة إلى نفس العهد قد عفا الدهر عن معظمها فولت بذلك الإشارات العفوية التي قد تسعف في تبديد الغيوم التي تكتنف تاريخ الفئات الاجتماعية المغمورة، بل حتى المصادر التي صمدت في وجه أعاصير الضياع ووصلت إلينا لنستقي منها معلوماتنا، لم تحفل في الغالب الأعم سوى بالوقائع العسكرية والأحداث السياسية المدوية[4].
من هذا المنطلق يبدو أن نقص المعلومات في هذا الحقل الخصب، إنما ناتج، بالإضافة إلى ما سلف ذكره، عن شكل المعالجة التي تبناها مؤرخو تاريخ الغرب الإسلامي الوسيط سيما أنهم ركزوا اهتمامهم على التاريخ السياسي وهمشوا التاريخ الاجتماعي.
وإذا كانت هذه المعضلة من المسلمات التي اعترف بها كل من عارك هذا الميدان، فإنها تتفاقم حدة أمام عدم ترك العوام لتراث تاريخي نستعين به لاستجلاء أوضاعهم وبالتالي التأريخ لهم، دون أن يغيب عن أذهاننا أن إشكالية التهميش لهذه الطبقة تعود أيضا إلى "الخلط في الدراسات التاريخية لدى استعمال مقاييس التصنيف الاجتماعي بين المضمون الإثني-الطائفي والديني والمضمون الطبقي" حسب البعض[5]. بينما يرى آخرون[6] أن هذه المشكلة "تعزى أساسا إلى عجز مؤرخي العصر الوسيط عن الرؤية الواقعية لمسار حركة التاريخ الاجتماعي، والنظر إلى التاريخ عموما على أنه تراكمات حديثة للعصور والأشخاص والدول".
نخلص إلى القول إن إشكالية تهميش تاريخ العوام نتاج شبكة معقدة من العوامل المتداخلة فيما بينها، ترتب عنها بقاء الفئات الدنيا خارج حلبة تاريخ المغرب والأندلس في العصر الوسيط، وهذا ما يسوقنا إلى التساؤل عن كيفية ترميم مثل هذه الثغرات والكشف عن الجانب المقبور من تاريخنا؟
أمام ندرة المصادر وجفاف الوثائق المتعلقة بتاريخ العوام، بات الباحث مجبرا لتجاوز هذه الثغرة على الحفر في التراث المخطوط بصبر وأناة والتنقيب بدقة عن النصوص التائهة بين أمهات الكتب الصفراء ولم شتاتها من مظانها الأصلية ثم وضعها في سياقها التاريخي العام، وهنا يأتي دور المصادر الغميسة في إعطاء التاريخ الاجتماعي صورته الحقيقية ونفض الغبار عن مناحيه المنسية، مع اتخاذ الحيطة والحذر من المصنفات الرسمية. وعليه فالأمل يبرق "في توسيع دائرة المصادر لتشمل مختلف كتابات العصر الوسيط ما يمكن من سد الثغرات الواسعة في الحوليات التاريخية"[7]، للإحاطة والإمساك بخيوط تاريخ طبقة العامة.
وبنفس الحجم، فإن حل معضلة التأريخ للعامة يكمن في تمشيط أرضية المادة المصدرية لتاريخ الغرب الإسلامي الوسيط من ألغام الكتابات الرسمية والتمرد على "العلاقات السياسية التي أطنب حوليو العصر الوسيط وحفدتهم في العصور اللاحقة في وصفها إلى حد التخمة"[8]. ومن ثمة أضحى البحث والتمحيص في تراث العوام إحدى المعاول القمينة بهدم التاريخ الذي يغيب الفئات الاجتماعية التي صنعت وحركت عجلة التاريخ وبالتالي إعادة كتابة تاريخ الغرب الإسلامي الوسيط وفق نظرة موضوعية ومنهجية رهينة بالانطلاقا من أن "الشعوب –لا الأبطال- هي صانعة التاريخ. وتلك حقيقة لا يمارئ فيها سوى أعداء الشعوب وعباد العباد"[9]، ولذلك فلا ينبغي اجترار المعلومات الواردة في طيات الحوليات التاريخية المهتمة بتاريخ المغرب والأندلس خلال العصر الوسيط بل يجب العمل على تطويعها وترويضها وغربلتها بطريقة موضوعية بناء على أسس علمية متينة وصلبة قصد تلقيح تاريخ الفئات الغابرة في أعماق النسيان وزوايا الكتمان بدماء جديدة بعد هدم الهدم والبناء من جديد لوضع القطار على سكته الصحيحة.
حصاد ما سلف إذا، هو أن تاريخ العامة بالغرب الإسلامي الوسيط لازال مادة بكرة قابلة للتبلور انطلاقا من قراءة علمية مكينة وفي ضوء رؤية شمولية قائمة على أساس الغوص في أغواره العميقة لانتشال جوانبه المنسية وإشكالياته الغابرة التي تنتظر إنصاف أهل القلم المهتمين بتاريخ المغرب والأندلس إبان العصر الوسيطn


[1] - رؤوف عباس، (التاريخ العربي بين القومية والإقليمية)، الملحق الثقافي لجريدة الاتحاد الاشتراكي، الأحد 12 يونيو 1988، عدد230، ص5، عم3.

[2] - د.إبراهيم القادري بوتشيش، (العوام في مراكش خلال عصري المرابطين والموحدين)، بحث نشر ضمن أعمال ندوة مراكش من التأسيس إلى آخر العصر الموحدي، البيضاء، 1989، مطبعة فضالة بالمحمدية، ط1، ص118.

[3] - د.إ.ق.بوتشيش، المغرب والأندلس في عصر المرابطين والموحدين المجتمع، الذهنيات، الأولياء، بيروت، 1983، دار الطليعة، ط1، ص5.

[4] - ذ.عبد الجليل الحمنات، التصوف المغربي في القرن السادس الهجري، مقدمة لدراسة تاريخ التصوف بالمغرب، رسالة جامعية لنيل دبلوم الدراسات العليا في التاريخ، نوقشت بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس الرباط، 1989-1990، مرقونة، ص38.

[5] - د.أحمد الطاهري، دراسات ومباحث في تاريخ الأندلس- عصري الخلافة والطوائف، البيضاء، 1993، دار النجاح الجديدة، ط1، ص13.

[6] - د.إ.ق.بوتشيش، (أوضاع الفئات المستضعفة في العصر الإسلامي الوسيط – نموذج من الأندلس)، مكناسة، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس، ع1، 1986، ص38.

[7] - د.أ.الطاهري، م.س، ص12.

[8] - ذ.الحسين بوالقطيب، (قراءة في كتاب المغرب والأندلس في عصر المرابطين والموحدين – المجتمع، الذهنيات، الأولياء)، للدكتور إ.ق.بوتشيش، الملحق الثقافي لجريدة الاتحاد الاشتراكي، الأحد 3 أكتوبر 1993، ع376، ص1، عم1.

[9] - د.محمود إسماعيل، مقالات في الفكر والتاريخ، الدار البيضاء، 1979، دار الرشاد الحديثة، ط1، ص20.









قديم 2011-10-12, 10:45   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
محمد جديدي التبسي
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية محمد جديدي التبسي
 

 

 
الأوسمة
وسام الوفاء 
إحصائية العضو










B18

مصطلح التاريخ الاجتماعي

التاريخ الاجتماعي هو مجال الدراسة التاريخيةالذي يتناول تاريخ تطور وتشكل التشكيلات الاجتماعية في مجتمع الدولة أو المنطقة الجغرافية التي تتناولها الدراسة أو الشعب أو الأمة. يعتبر من قبل البعض أحد فروع العلوم الاجتماعيةالتي تحاول إظهار تأكيد تاريخي من وجهة نظر مدارس اجتماعية تتطور حديثا. من وجهة النظر هذه قد يتضمن التاريخ الاجتماعي التاريخ الاقتصادي والتاريخ القانوني legal history وتحليل مناحي متعددة من التاريخ المدني civil society الذي يظهر تطور التشكلات والتنظيمات الاجتماعية. يميز عن التاريخ السياسي والتاريخ العسكري وتاريخ الإنسان العظيم. غالبا ما يوصف التاريخ الاجتماعي بأنه التاريخ من الأسفل history from below أو تاريخ الجذور 'Grass- roots history' لأنه يتعامل مع الحياة اليومية للبشر والتكتلات البشرية والانسان العادي وليس الساسة والقادة والزعماء.

بعض قضايا التاريخ الاجتماعي المغربي تطور و اتجاهات الكتابة التاريخية المغربية و قضايا التاريخ الاجتماعيإعداد : عــامـــــر كنبـــــــور
تقــديــم :
إن الخطاب التاريخي الأكاديمي الذي تضمنته أطروحات الدولة و دبلوم الدراسات العليا لا يمكن فصله عن الظروف العامة التي رافقت ذلك الخطاب ، سواء تعلق الأمر بالحماس الذي طبع عهد استعادة الاستقلال السياسي و الرغبة في إعادة اكتشاف الذات وتصفية الاستعمار في مختلف الميادين بما فيها ساحة الخطاب التاريخي، أو تعلق الأمر بالتطورات السياسية الداخلية و علاقة ذلك بمختلف الإيديولوجيات الحزبية بالجامعة المغربية وتمثيليتها في صفو ف الطلبة و مؤطري البحث.

بعض القضايا العامة في التاريخ الاجتماعي المغربي :

التاريخ الإجتماعي:
1- و هو ذلك الصنف الذي يحاول أصحابه تناول تاريخ المغرب من زاوية تطور المجتمع دون أن ينسى أو يتناسى أن ذلك المجتمع نتاج تفاعلات سياسية واقتصادية وفكرية.
فهو يتناول البنى الاجتماعية و الاقتصادية بدل الاهتمام بالتنظيمات السياسية. ويمكن الجزم أن هذا النهج الذي اتبعه هذا الصنف من الباحثين هو منهج مستوحى من كتابات مفكري المدارس الوضعية الأوروبية التي انتشرت في أواخر القرن 19 و مستوحى بالخصوص من مؤرخي مدرسة الحوليات ( Annales ) الفرنسية وارثة المادية التاريخية و بنسبة أقل من التاريخالأنتروبولوجي الأمريكي و التاريخالاقتصادي الجديد الإنجليزي.
فقد وضع الباحثون في التاريخ الاجتماعي نصب أعينهم دحض عدد من الأطروحات التي تقدم من طرف الأجانب لوصف بعض الظواهر أو الآليات . ومن أجل ذلك اضطر الباحثون بهذا الصدد إلى استعمال كثير من مصطلحات و مفاهيم علم الاجتماع بقصد وصف البنى أو إدراك حركيتها من خلال النصوص المتوفرة. فجاء هذا النوع من الدراسات على شكل مونوعرافيات في معظم الأحيان باعتبار أن الدراسات المجهرية بدقتها و تركيزها تعتبر منطلقا ضروريا لكتابة التاريخالشمولي، لأن الدراسات العامة لا تشبع الفهم. ولقد اهتمت هذه الدراسات بالفئات و الترتيبات الاجتماعية، فنجد أبحاثا عن الإسم و الأعيان و عن المدن و تنظيماتها و علاقاتها بأريافها و عن الموالي و العبيد و اليد العاملة و عن التنظيمات ذات الوظائف الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية الخطيرة في التاريخكالزوايا الصوفية. ولم يفتها أن تتناول اليهود ودورهم في المجتمع المغربي سواء قبل تأسيس الرابطة الإسرائلية العالمية في القرن 19 أو بعده، وتطرقت دراسات أخرى لتاريخ الأويئة و المجاعات

2- ويحظى التاريخ الاجتماعي عامة و القروي خاصة بأهمية بالغة في أوروبا في الوقت الراهن، لكونه من الحقول المعرفية التي جدد فيها البحث التاريخي نفسه، سواء على مستوى المضامين أو المناهج أو الأدوات.
* فعلى مستوى المضامين، أصبح البحث التاريخي يبحث في تطور البنيات الاقتصادية و الاجتماعية و الثوابت السياسية، و يتعقب مظاهر الاستمرار و الانقطاع في تلك البنى، عوض البحث في التاريخالسياسي الحدثي ( تعاقب الملوك و السر، توالي الحروب و الهدن …). و بمعنى آخر انتقل البحث التاريخي في المجال السياسي و العسكري و الدبلوماسي إلى البحث في المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و الدينية.
Porteuse d’une ambition globalisante, l’HISTOIRE SOCIALE:

- s’efforce désormais d’analyser les sociétés autrement que par l’évolution de leurs institutions et la personnalité irréductible de leurs «grands hommes»;*- يحاول البحث في المجتمعات بالابتعاد عن تطور المؤسسات و شخصية " رجالاتها الكبيرة " . - elle fait de tous les groupes sociaux et des masses anonymes l’objet de sa recherché et de sa reflexion, de préférence dans le cadre régional pour mieux saisir singularités et différences, et les «réalités de l’existence provinciale, la transformation de la vie sociale» (L. Febvre, 1911).*- جعل من مختلف الفئات الاجتماعية و القواعد المجهولة موضوع البحث و التأمل، و خاصة في إطار جهوي/إقليمي من أجل المسك بالخصوصيات و الاختلافات و الواقع الإقليمـــــــي و تحولات الحياةالاجتماعية.
- Elle tend à s’instituer comme histoire «totale»; son projet est de saisir les sociétés dans la diversité de leur vie, dans leur totalité, en restituant aussi bien l’environnement naturel (climatique, biologique, épidémiologique) que le milieu idéologique.*- ينحو لكي يكون تاريخا شموليان مشروعه هو المسك بالمجتمعات في تنوع أنماط عيشها في شموليتها و ربط ذلك بالبيئة الطبيعية ( المناخية و البيولوجيةو الأوبئة ) و ليس بالوسط الإيديولوجي.
- il n’est pas étonnant qu’une très grande partie des travaux historiques de ces dernières années se réclame de son patronage et mette en chantier des recherches pionnières qui révèlent des pans entiers de société jusqu’alors pudiquement tenus à l’écart des préoccupations historiques (marginaux, pauvres, prostituées…). *- وليس بغريب أن نجد جزءا كبيرا من الأبحاث التاريخية ، خلال السنوات الأخيرة، تتناول مواضيع اجتماعية لم تشكل أبدا هاجسا للبحث التاريخي في السابق بالنسبة للمدرسة الوضعانية، مثل : المهمشون، الفقراء، بائعات الهوى
- Les masses paysannes ont été l’objet des grandes thèses rurales, qui ont en partie fondé la réputation de l’école historique française, et où se sont illustrés, entre autres, Pierre Goubert, Emmanuel Le Roy Ladurie, Abel Poitrineau.
*- كما شكلت ساكنة البوادي و القرى موضوعا لأكبر الأطروحات القروية التي اسست لشهرة المدرسة التاريخية الفرنسية والتي برز فيها رواد من أمثال : بيير كوبير، إيمانويل لادوري، أبيل بواترينو
- Les marginaux, pauvres et délaissés, saltimbanques et bohémiens, truands et vagabonds, au Moyen آge, dans l’Europe classique, au temps de la révolution industrielle, font à leur tour une entrée fracassante sur la scène historique dans des études, dont beaucoup sont encore en chantier, qui instituent en héros de l’histoire tous les exclus, les oubliés, tout un Tiers Monde de la recherche.*- كما شكل المهمشون و الفقراء المتخلى عنهم و المشردون…، من العصر الوسيط إلى زمن الثورة الصناعية ورشا كبيرا للتاريخ الاجتماعي، الأمر الذي جعل منه تاريخ المقصيين و المنسيين ( عالم الثالث للأبحاث ).
*- هذا فضلا عن الاهتمام بسكان المدن: تعقد البنيات و تنوع الثقافات ومشكل الأقليات و مشكل الذعارة و النخب مما ساعد على إعادة النظر في مختلف التأويلات و التحليلات التي قاربيت النبلاء و البورجوازية و بالتالي اقتراح تفسيرات جديدة ومتجددة للثورة الفرنسية. - les masses urbaines, que les problématiques originales des thèses de Jean-Claude Perrot, Maurice Garden, Albert Soboul ont permis d’appréhender dans toute la complexité de leurs structures et de leurs cultures, aussi bien que les groupes minoritaires ou réprouvés, comme les prostituées étudiées par Alain Corbin, sont devenues des sujets privilégiés de l’histoire sociale et ont permis de réviser bien des conceptions jusqu’alors admises comme des évidences et sans discussion……. la réflexion sur les élites a remis en cause bien des certitudes, renouvelé toute l’interprétation traditionnelle sur les noblesses et les bourgeoisies et, en conséquence, proposé une explication novatrice de la Révolution française.
* وعلى مستوى المنهج، فقد تطلب هذا التوجه الجديد انفتاح التاريخعلى علوم إنسانية أخرى و استيعاب نتائجها و الاستفادة من إشكالياتها. وهكذا ، استفاد البحث التاريخي من الجغرافيا و علم البيئة و علم الاقتصاد و علم الاجتماع و الأنتروبولوجيا، وكذا اللسانيات و الحفريات و علم النفس…خاصة وأن هذه الحقول المعرفية جعلت من المجال الاجتماعيو القروي إطارا لأبحاثها.
- …… Depuis que toutes les sciences sociales, et parfois les sciences de la nature et la biologie, sont venues au secours de l’histoire pour en faire une discipline complexe, l’histoire s’est diversifiée en options autonomes. On a pu ainsi instituer une histoire économique, une histoire démographique, une histoire des idées et des idéologies, une histoire sociale.*- منذ أن هرعت العلوم الاجتماعية و أحيانا العلوم الطبيعية و البيولوجية لنجدة التاريخلجعله مادة معقدة، تنوع التاريخو تعددت تخصصاته: تاريخ اقتصادي و تاريخ ديموغرافي و تاريخ الأفكار و تاريخ الإيديولوجيات و تاريخ اجتماعي
- L’histoire sociale tend à devenir toute l’histoire en s’enrichissant de tout ce que lui apportent – méthodes et hypothèses de travail – la sociologie, l’ethnographie, la psychanalyse, qui lui permettent d’élargir et d’approfondir le champ de son enquête.*- أصبح التاريخ الاجتماعي ينحو لكي يصبح كل التاريخو ذلك باغتناءه بكل ما تقدمه له العوم الاجتماعية والإتنوغرافيا و علم النفس و غيرها من العلوم من مناهج و فرضيات العمل.
- l’histoire sociale fait appel à toutes les méthodes des sciences sociales et s’annexe l’éventail de toutes les sciences historiques.*- يستعين التاريخ الاجتماعي بكل مناهج و طرائق و أدوات البحث في العلوم الاجتماعية و يرتبط بشكل واسع بباقي العلوم التاريخية.

* أما على مستوى الأدوات، فقد تم استغلال جميع أشكال الوثائق المكتوبة و الشفوية أو الآثار المادية و الأدبية و التاريخية، بل لم تعد الوثيقة فقط إخبارية و لكن ما تمثله كإنتاج للمرحلة المدروسة . ولم يقتصر الأمر على هذا الحد بل فرض التوجه الجديد تعدد مستويات قراءة هذه الوثائق.
- Grande mangeuse d’archives – celles que l’histoire traditionnelle avait délaissées, l’histoire sociale est aussi dévoreuse de méthodes: empruntant, adaptant, elle affine constamment ses analyses au contact des diverses sciences humaines qui assurent son rajeunissement et son essor. *- يلتهم التاريخ الاجتماعي و بشراهة كل انواع الوثائق و كل المناهج: يستعيرها و يكيفها و يوظفها في تحليلاته مما يجعله يحافظ على شبابه و تطوره كحقل تاريخي بامتياز.

Peut-il encore exister une histoire qui ne soit pas d’abord, au sens le plus large, une histoire sociale?
.
3- مسألة المصادر التقليدية في التاريخ الاجتماعي المغربي :
ü … إن مؤرخ المجتمع المغربي في اعتماده على النصوص التقليدية سوف يتخذ مسافة نقدية مضاعفة عند بناء التاريخو تركيبه :
- فالكتب الإخبارية تقتصر على ما يجري في دائرة الحكام؛
- و التراجم تؤرخ لمشاهير الرجال،
- أما كتب المناقب و إن كانت أقرب إلى قاعدة المجتمع، فإن أسلوبها يضع القارئ في مناخ الكرامات و الخوارق،

- و كتب الأنساب هي مجرد لوائح مملة من الأسماء، وضعت لمجاملة بعض البيوتات و بقصد تخليد ذكراها. و هي امتداد للوثيقة القانونية أي امتداد للرسم العدلي.
و لا يتقدم التاريخ الاجتماعي إلا بتجاوزه لهذا الإنتاج، و باعتماده على المصادر غير الإرادية، أي ما لم يوضع بغرض التأريخ.
فمثلا، يمكن للمؤرخ إن يؤرخ لمجتمع مدينة من خلال حوالات الأحباس و سجلات المستفادات و مختلف المستندات العائلية. وهكذا يستطيع البحث أن يتجاوز مستوى الانطباعات، و تصبح مختلف الظواهر قابلة للقياس و الإحصاء.
كما يمكن أن تشكل كتب الأنساب مصدرا من المصادر المهمة في التاريخ الاجتماعي(كتب ارتبط تأليفها بشكل عام بتقاطع رغبتين : رغبة السلطة المخزنية في إحصاء الشرفاء نظرا لما يترتب عن ظاهرة الشرف من إعفاءات و امتيازات، ثم رغبة الشرفاء في تأكيد الأصول و الإحتماء من الدخلاء) فما هو مضمون النص النسبي ؟
إن النسابة يتبرك بذكر السلالة النبوية،وهو يرتب " الشجرة " و يحصي الفروع و الأشخاص. كما أنه يترجم لعدد من رجال البيوتات المذكورة.
وتفيدنا كتب الأنساب في معرفة الانتماء المهنيالاجتماعي للأسر التي تكون موضوع الإحصاء و التقريض، فهي لا تخلو من إشارات سريعة إلى المواقع المهنية ( تجار، حرارون، فقهاء…). كما يفيدنا المؤلف في اصطياد بعض المؤشرات الاجتماعية: الظرفيات الاقتصادية ( الأهوال ، المجاعات ، الكوارث…)، الاضطرابات الاجتماعية، البورجوازية التجارية في القرن 19
ü كما يمكن لنصوص " الرحلة الحجية" أن تقدم بعض العناصر للإجابة عن أسئلة تخص المجال الاقتصادي/ الاجتماعي لمغرب ما قبل القرن 19، والتي غالبا ما يستعصي الجواب عنها انطلاقا من أنواع أخرى من النصوص التقليدية. لقد كانت قوافل الحج تقطع مسافات كبيرة يستغرق زهاء سنة ونصف بين الانطلاق و الرجوع.سفر شاق يتعرض فيه الحجاج لشتى أنواع المخاطر، سواء من جراء عناصر الطبيعة كالحر و البرد و الجفاف…أو من جراء قلة أمن الطريق..أو من جراء انتشار أخطار الأمراض و الأويئة…إلخ.هذه التجربة الطويلة الممتدة تعطي للحجاج فرصة الاحتكاك بسكان الأراضي التي يعبرونها، فتأتي أوصافهم حول أولئك السكان ذات فوائد جمة.
و الرحلة الحجازية من أنواع الكتابة التي عرفت ازدهارا واسعا في المغرب منذ القرن 12، أي منذ ابن جبير وابن بطوطة. فالرحالة يدون رحلته بوصفه المصاعب التي لاقاها في طريقه إلى الحج، ثم ذكر مناسك الحج و المناظرات الفقهية التي حضرها و النوازل التي تكون قد عرضت عليه…كما يتخذ النص صبغة المرشد السياحي حينا والاجتماعيو الاقتصادي حينا آخر. وقد ترتقي الأوصاف عند بعض الرحالة إلى درجة تسجيل عادات المجتمعات التي يمرون منها و مقارنتها بعادات الجهة التي ينتمون إليها ( وصف عناصر التضاريس و المناخ، كيفية تعامل الإنسان مع مصاعب بيئته،، وصف الحياة الزراعية و أنواع الثمور، القوافل التجارية و السلع التي تجلبها..). فالمعطيات المتعلقة بالحياة الاجتماعية و الاقتصادية تتوفر في الرحلات الحجية بكيفية هامة أحيانا، لكنها متداخلة وممتزجة مع التحليلات الدينية و القضايا الفقهية التي تبدو طاغية على هذا النوع من الكتابة.

إعـداد : عــامـر كنبـور









قديم 2011-10-12, 11:38   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
محمد جديدي التبسي
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية محمد جديدي التبسي
 

 

 
الأوسمة
وسام الوفاء 
إحصائية العضو










افتراضي

واحات بلاد المغرب خلال العصر الوسيط /الدكتور سعيد بنحمادة

المتتبع للدراسات التاريخية المعاصرة المهتمة بالمرحلة الوسيطية لا يجد عناء في ملاحظة تركيزها على المجال الحضري، وأنها قلما تنبهت للبادية، إما بدعوى قلة المادة المصدرية، أو تأثرا ببعض الأطروحات المروجة لمثل مقولة "القرون المظلمة".

وقد حاول بعض الباحثين تجاوز هذه الثغرات، ومن ذلك أطروحة "واحات بلاد المغرب من القرن 4هـ/10م إلى القرن 8هـ/14م" للدكتور لحسن حافظي علوي.

وردا على اختيار المجال والمرحلة أحد المؤلف اقتناعه بصعوبة الفصل بين مكونات هذا المجال الواسع وحقبه الممتدة على مدى أربعة قرون، ما دام أن الطرح الإشكالي للموضوع يجمع قضايا تاريخية بخصوصياتها المحلية وامتدادها الزماني، وأن القواسم المشتركة لواحات بلاد المغرب تفرض نفسها في الدراسة الأكاديمية حتى يمكن تجنب "الاختصار المبني على التخفيف" حسب تعبير الباحث (ج1 ص2).

وتعود أهمية الموضوع، في تقدير صاحبه، إلى ما قامت به بلاد الواحات من أدوار للتواصل الحضاري بين بلاد السودان الغربي والغرب الإسلامي، وخاصة بعد تأسيس مدن الضفتين الشمالية والجنوبية للصحراء الكبرى، وهو ما جعل الإمارات والدول المغربية الوسيطية تولي عناية لهذا المجال لتأمين المحاور التجارية، مما أثر إيجابا على هذا المجال الصحراوي.

غير أن تناول موضوع بلاد الواحات لا يخلو من مصاعب معرفية ومنهجية، مرتبط بعضها بحدود المجال المذكور، لأن بلاد الواحات في الكتابات التاريخية الوسيطية ظلت مرتبطة بتاريخ بلاد المغرب. من ثم انبنى التحديد الجغرافي لهذه المناطق على بعدين: سياسي جعل المجال المذكور يتسع ويضيق حسب اندماجه أو استقلاله عن الدول المجاورة، وبشري بفعل الترحال الذي ميز المنطقة. ويضاف إلى المعيارين المذكورين المناخي والتضاريسي المدرجين للمجال المعني بالدراسة ضمن "الدواخل"، وهي المناطق البعيدة عن البحر الأربيض المتوسط والمحيط الأطلسي، في مقابل "السواحل"؛ فكانت الصحراء في تعريفهم هي ذلك ((المجال الشاسع الذي يتخذ موقعا وسطا بين بلاد الجريد في الشمال وبلاد السودان في الجنوب)) (ج1 ص2).

وقد نجم عن ذلك غموض في الحدود التاريخية لبلاد الواحات من جهة الشمال والجنوب، وعدم استقرار بسبب التغيرات المناخية والترحال البشري؛ ((فموقع الصحراء بين مجالين متميزين من الناحية السياسية ببلاد المغرب في الجوف والسودان الغربي في القبلة، جعل أمر تصنيف بعض مناطقها -في تبعيتها السياسية- من المواضيع التاريخية التي تحتاج إلى البحث والتقصي؛ إذ ((تبدو مدن الحافة الجنوبية للصحراء الكبرى سودانية في ولائها، مغربية في أغلب ساكنتها وطباع أهلها وأشكال هندستها المعمارية)) (ج1 ص3).

إن الموقع الجغرافي لبلاد الواحات جعلها تتحول إلى صلة وصل لعبور البضائع والأفكار ما بين بلاد السودان والغرب الإسلامي، فازدهرت المحطات التجارية الواقعة على المحاور الصحراوية.

أما عن اختيار المرحلة الزمنية لموضوع الأطروحة، والمتعلقة بالفترة ما بين القرنين 4هـ/10م و8هـ/14م، فمرده، في نظر الباحث، إلى ما عرفه تاريخ المغرب من تحولات، من قبيل قيام كيانات سياسية امتد نفوذها ليشمل ربط علاقات تجارية مع بلاد السودان وأوربا، مما جعل التجارة الصحراوية الغربية تنتعش على حساب نظيرتها الشرقية في القرنين 4 و5هـ/10 و11م، قبل انحراف الطرق التجارية الصحراوية من جديد نحو المشرق خلال القرن 8هـ/14م.

ولما كانت الصعوبة المركزية التي طالما عانى منها الباحثون تتعلق بشح المصادر، فقد تسلح الباحث -لتجاوز ذلك- بجملة من المتون المعرفية وفحصها، متحريا مضامينها، بعيدا عن كل إطلاقية أو القول باستنتاجات قطعية لا تنسجم مع شروط الكتابة التاريخية؛ فجاء اعتماده على المصادر المؤرخة لبلاد القبلة والقفر على قلتها، ككتب التاريخ مثل المصادر الإباضية والشيعية والسنية والمصادر المشرقية أو التي ألفت بالمشرق وبعض النقول عن الكتب المفقودة، وكتب الجغرافيا، والرحلات الأووربية، وكتب الأنساب، وكتب التراجم والسير، وكتب النوازل، وكتب الوثائق والأحكام، وكتب الفقه، وكتب الفلاحة والنبات، وكتب الطب، وكتب الطواعين والأوبئة، وكتب العطارة والصيدلة، وكتب الطبيخ.

وكان المخرج مما يبدو من تنافر بين طبيعة هذه المصادر في نوعها ومجالها الزمني هو اعتماد المنهج الشمولي المدمج لمتونها ومادتها، والزمن الطويل المستقصي للعمق التاريخي للحدث، مع أصالة التوضيف المنهجي لتلك الاستطغرافيا عن طريق الاستفادة منها من المشرق إلى المغرب جريا على عادة القدماء في الابتداء بالمشرق، لأنه مبتدأ حركة الفلك.

وقد قسم الباحث أطروحته إلى أربعة أقسام، تناول في الأول "مصادر التأريخ لبلاد القبلة" (صص: 5- 56)، وفي الثاني تعرض لـ"بلاد القبلة في المجال" (صص: 57- 99)، من حيث معاني بلاد القبلة والصحراء والقفر، ولفظ الواحة، وحدود صحراء بلاد المغرب الشرقية والجنوبية والشمالية، وأقاليم بلاد المغرب الثلاثة. أما القسم الثالث فيَهمُّ "التطورات السياسية بالبلاد الواحية من القرن 4هـ/10م إلى القرن 8هـ/14م" (صص: 100- 304)؛ بدءا بانتقال الإباضية إلى وركلان، وحملة عبد الله الشيعي على سجلماسة، وثورات الزناتيين على الفاطميين، وحملات العبيديين على مصر، وبني واسول وبني خزرون بسجلماسة، وثورة أبي يزيد مخلد بن كيداد، وثورة أبي خزر وأبي نوح ونهاية الظهور السياسي للخوارج، ومنطقة الزاب في أواخر المائة الرابعة، وبني خزرون بطرابلس، وثورة أبي ركوة ببرقة، والصراع السني الشيعي بإفريقية. أما خلال القرن 5هـ/11م فقد وقف الباحث على الصراع الزيري الفاطمي ودخول بني هلال إلى المغرب؛ حيث درس أوضاع بلاد الجريد في عهد الزيريين، والقطيعة بين الزيريين والفاطميين، وما نعته بإمارات الاستعلاء ويقصد بها بني مليل بصفاقس وبني جامع بقابس وبني الرند بقفصة وبني مطروح بطرابلس وبني حماد بالزاب. كما تناول بالتحليل قيام دولة المرابطين، حيث درس ممالك صنهاجة قبل قيام دولة المرابطين، والدعوة المرابطية، والخروج من الصحراء، والقضاء على البجلية، والتقسيم الإداري للواحات زمن يوسف بن تاشفين. بعد ذلك تطرق إلى البلاد الواحية في العهد الموحدي خلال القرن 6هـ/12م، وثورات بلاد القبلة على الدولة المصمودية، وعلاقة الموحدين بالأعراب، والموحدين والإباضية، وسجلماسة في عهد أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن، وبني غانية وصراعهم ضد المنصور الموحدين (وقعة عمرة، وقعة الحمة)، وبعده الناصر وحربه ضد أبي إسحاق بن غانية، وأبي محمد عبد الواحد بن أبي حفص وخلفائه ضد أبي إسحاق بن غانية، وثورات العباس بن مناد بن العباس أمير بني توجين، ومسعود بن زمام البلط، ومحمد بن عبد الكريم الرجراجي، وقراقوش الأرميني، وثورة الأشل بالزاب، وثورة أبي قصبة بالسوس، وثورة الفاطمي بسجلماسة. أما خلال القرن 7هـ/13م فقد كشف الباحث النقاب عن بلاد القبلة في مرحلة الضعف الموحدي، مستهلا ذلك بتتبع أوضاع سجلماسة في عهد الرشيد، واستقلال الهزرجي بالمدينة، والصراع المريني الزياني حولها واستبداد القطراني بها، وتبعية سجلماسة للزيانيين، وسيطرة المرينيين عليها وانتزاعها من أيدي بني عبد الواد، وحركة بني يدر بالسوس.

وتكملة للأوضاع السياسية والعسكرية للقرن 7هـ/13م تتبعت الأطروحة مظاهر اعتزاز الأعراب على الدول؛ حيث جاء الحديث مسهبا عن سيطرة الدواودة على الزاب، وثورة أبي حمارة على المستنصر بالزاب، وثورة محمد بن القالون بقفصة، والدعي ابن أبي عمارة سلطان دباب، والحفصيين والعكوب، والزيانيين والعرب، ومواجهة المرينيين للأعراب بدرعة والسوس، وحركة أبي الحسن المريني وأبي عنان إلى إفريقية، ومشيخات الزاب وبلاد الجريد، والحركات الإصلاحية في صفوف الأعراب، وثورة أبي علي عمر بن السلطان أبي سعيد عثمان بسجلماسة، وانتزاء أبي عبد الله بن خديجة الكومي أحد أحفاد عبد المؤمن بن علي الكومي، واستقلال أبناء وحفدة أبي علي عمر بسجلماسة، وسطلنة عبد الحليم بن أبي علي عمر بالمدينة نفسها، وبعده عبد المؤمن بن أبي علي عمر ومحمد بن عبد الحليم. وتكملة للتحولات السياسية للقرن 8هـ/14م وقف المؤلف على ملوك الصحراء من البربر.

ويتعلق القسم الرابع بـ"الوسط الطبيعي والاقتصادي الفلاحي" (صص: 305- 575)، من حيث المناخ، والتساقطات، والرياح، ومصادر المياه وطرق استنباطها ووسائل قودها والاستدلال على وجودها، ووسائل رفع الماء، وطرق استغلاله، وكيفية قسمته. أما أنواع التربة بالبلاد الواحية والصحراوية فتمثلت في التربة الرملة، والأرض السبخة.

ورغم هذا التنوع المناخي والتضاريسي فالملاحظ أن المجال لا يفي بحاجات الأهالي، لذلك اعتمد هؤلاء تقنيات لمحاربة العوائق الزراعية في الوسط الواحي، كالقليب، وتسميد الأرض بمختلف أنواع الزبل، والحرث. في حين اتسم الغطاء النباتي بالتنوع، من قبيل الأشجار البرية والبستانية، مثل النخل، وما تتطلبه من تقاويم لغرسها وعلاجها وجنيها وتخزين المحصول ومنافعه وزكاته، والنباتات الرعوية، والعلفية، والحبوب، والبقول، والخضر، والتوابل، والرياحين، والنباتات الصناعية والصباغية. وفي صلة بذلك تميز المجال الواحي بثروة حيوانية متنوعة جعلت الباحث يتتبع أحكام الرعي، والرعي بالدولة وأنواع الماشية بالبلاد الصحراوية والواحية، والقنص بالمنطقة.

وبموازاة مع ذلك تميزت بلاد الواحات بالمعادن والمصنوعات، وهو ما يشكل القسم الخامس من الأطروحة (صص: 576- 605)، ومن بينها النحاس والحديد والذهب والفضة، والمنسوجات والدباغة والصباغة والزجاج والأرحية، والتي أسهمت في النشاط التجاري عبر المسالك الصحراوية، الذي خصصه له الباحث القسم السادس (صص: 606- 681)، سواء منها الطرق الساحلية أو الداخلية، والتي تعرضت طيلة العصر الوسيط لانتعاش وتراجع، جعلها تميل نحو الغرب قبل انحرافها من جديد نحو الشرق في القرن 8هـ/14م، بسبب جملة من العوامل من بينها تدهور العلاقات السياسية بين المرينيين وملوك مالي في بعض الفترات، والتي لم تؤثر على السفارات بين الدول المغربية والسودانية، وحضور التجار المصريين في الأسواق السودانية وترسيخ الإسلام في بلاد السودان (حجة منسى موسى).

وطالما أحدقت المخاطر بالقوافل التجارية الصحراوية، إما بفعل الجهل بأخبار الصحراء وما نسج حولها من معتقدات ومتخيل أسطوري أحيانا، أو عدم وضوح معالم الطريق، أو قلة الماء، والعواصف الرملية، والحر، والحشرات والزواحف. لذا كان لا بد للقوافل من تنظيم لضمان سلامة الرحلة من بلاد المغرب إلى بلاد السودان كالتزود بالطعام، واختيار وقت السفر، تحت إمرة المشرفين على القافلة كالقائد والدليل والتكشيف والمنادي والسماسرة، والمكلفين بخفارة القافلة بأجرة. مع ضرورة مراعاة حمولة الجمل حتى تسير القوافل بمعدل سير يومي كان يتراوح ما بين 25 و30 كلم، وقد تصل أحيانا إلى 60 كلم.

ونظرا لأهمية التجارية الصحراوية فقد شهدت المرحلة مدار الدارسة شركات تجارية كشركة المقريين وأخرى لعائلات تلمسانية مثل عائلة العقباني وعائلة المرازقة. أما المعاملات فكانت تتم أحيانا بالصكوك أو السفتجة.

وزيادة في إبراز دور النشاط التجاري ببلاد الواحات تم تخصيص القسم السابع من الأطروحة لـ"التجارة" (صص: 682- 814)؛ وقد فضل الباحث توظيف لفظ التجارة الصحراوية بدل التجارة القافلية أو التجارة القوافلية، لأن القافلة في اللغة تعني القافلة إذا كانت راجعة لا غير. وعليه فإن التجارة القافلية، في تقدير المؤلف، هي التجارة العائدة لا الذاهبة إلى بلاد السودان؛ فالتجارة الصحراوية في نظر المؤلف هي التي تتم عبر طريق سيار بين ضفتي الصحراء الكبرى، والتي كانت تنقل سلعا متنوعة؛ فقد كان يجلب من بلاد السودان الذهب والعبيد والشب والعنبر والعاج والأبنوس والجلود والسلع الصيدلية والسراقيات والببغاء وريش النعام والقسي والمسك والسم وحجارة السحر والصمغ. أما بلاد المغرب فكانت تصدر إلى بلاد السودان الملح والمصطكى (العلك الرومي) والبخور (تاسْرْغينْت) والقرنفل والأحجار الكريمة والخزف والسلع الأوربية. أما التجارة الداخلية بين بلاد الواحات فكان يغلب عليها رواج المواد الغذائية. وكانت هذه السلع تتم بأوزان ومكاييل، وعملات محلية ومغربية اختفلت باختلاف الفترة الوسيطية، لوم تسلم من بعض مظاهر الغش.

وفي القسم الثامن تعرض المؤلف لـ"الجباية" (صص: 814- 847) من حيث أنواعها بالمغرب في العصر الوسيط، والضرائب المفروضة على القوافل، والضرائب التي فرضتها القبائل القوية على الضعفاء، وتلك التي فرضتها الدولة على الأعراب في فترات القوة، والجباية في عهد الدول التي تعاقبت على حكم بلاد المغرب.

أما القسم التاسع فيتعلق بـ"السكن" (صص: 848- 919)؛ وتعرض فيه المؤلف إلى مدن فزان، وبلاد الجريد، والقصور القديمة. أما "السكان" فكانوا موضوع القسم العاشر (صص: 920- 1019)، ويهمُّ البربر، والأفارق، والروم، والمولدين، والعرب، واليهود.

وفي القسم الحادي عشر جاء الحديث مفصلا عن "التغذية" (صص: 1020- 1072)، كاللحوم، والقديد، والجراد، والسمك، والخبز، والنباتات، والأكلات الصحراوية، والتمر، والأشربة.

أما القسم الثاني عشر فتناول "المجاعات والأوبئة" (صص: 1073- 1101)، عبر جداول تتابع الكوارث الطبيعية كرونولوجيا حسب القرون، والأمراض والأوبئة التي عرفتها المنطقة خلال الفترة المذكورة، وطرق علاجها. في حين خصص القسم الثالث عشر لـ"اللباس" (صص: 1102- 1120)، مثل اشتمال الصَّمَّاء، ولباس أهل البلاد الواحية والصحراوية، والتأثر والتأثير المتبادل في لباس أهل الصحراء والسودان، ولباس الشرفاء، والنساء، والعبيد، وأهل الذمة.

أما الخاتمة فقد أوجز فيها الباحث ما جاء مفصلا في ثنايا الأطروحة، من قبيل مكانة الموضوع في المصادر الوسيطية؛ حيث لاحظ قلة المعلومات في المتون التاريخية والجغرافية والأدبية مقابل غزارتها في كتب الفلاحة والطب والنوازل والأحكام الفقهية. أما العلاقات السياسية بين بلاد الواحات وبلاد المغرب فقد تراوحت بين تبعية الأولى للثانية في مرحلة القوة واستقلال إبان ضعف الدولة المغربية، متأثرة بذلك بالترحال والصراع القبلي. كما أن صعوبة الجغرافيا التاريخية للمنطقة حتمت ابتكار تقنيات لتدبير الماء أفادت التجربة الإنسانية إلى الوقت الراهن، وأفادت المجال المعني بالدراسة نفسه حينئذ، وأثرت إيجابا على خدمة الأرض؛ فتم تخصيب التربة، وتنوعت المحاصيل، وازدهرت التجارة الصحراوية بفضل ذلك، وما أضيف إليه من سلع. أما ساكنة المنطقة فقد تباينت أصولها، وأدوارها التاريخية، مع تأكيد دور الأعراب في اختلال الأمن.

وقد ذيلت الأطروحة بملاحق تتسم بالجدة والطرافة، وهي عبارة عن نصوص وجداول وخرائط مستمدة من مخطوطات ومصادر متنوعة. إضافة إلى قائمة المصادر المراجع بلغ المخطوط منها 168 مصدرا.

والمتأمل للأطروحة لا بد وأن تثيره جملة من الملاحظات؛ أن العمل يعبر عن التراكم المعرفي والمنهجي الذي حققته المدرسة التاريخية المغربية، التي يعد الباحث الدكتور لحسن حافظي علوي في طليعة جيلها الثاني؛ فكل ما في هذا العمل الأكاديمي ينبأ بالجدة والتجديد، لا من حيث مفهوم الحدث التاريخي، ولا فيما يخص الوثيقة، ولا ما يتعلق بالرؤية والمنهج؛ فالوقائع لم تعد هي تلك الأحداث العسكرية المتتالية التي ترتبط بقيام الدول وسقوطها، بل الأمر هو دور العامل السياسيي في تشكيل البنى الحضارية ببلاد الواحات.

وقد استفاد الباحث في ذلك من توظيف الزمن الطويل، لأنه تناول بيئة جغرافية متسمة بالتموجات الطبيعية والبشرية جعلت الظاهرة التاريخية تتسمت بطول النفس والتجذر العميق اللذين لا يناسبهما إلا الزمن الاجتماعي والثقافي المذكور. وجعل الزمن التاريخي، في الأطروحة، لم يعد ذلك الزمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي والذهني البسيط، بل أضحى تطوريا، وإذا ما استعملنا التحليل الخلدوني، تدرج في المخالفة وانتهاء إلى المباينة وتعبير عن انقلاب الأحوال الذي مس بلاد الواحات ما بين القرنين 4 و8هـ/10 و14م. ومن ثم فإن التحقيب المعتمد من قبل الباحث لم يقتصر على التمثل البسيط لخط بياني في اتجاه معين، أو اختزاله في ثنائية متضادة، وإنما هو تشريح لبنى المجتمع والاقتصاد والثقافة.

وأما الوثيقة التاريخية المستند إليها من قبل الباحث فقد تجاوزت المفهوم التقليدي إلى معنى مفارق وبديل، جعلت الأطروحة توظف كل أنواع المصادر الدفينة وتفجير متونها وفق آلية مندمجة وتكاملية من غير تعسف أوابتسار.وأما بخصوص الرؤية والمنهج فقد تلافى المؤلف التفسير الأحادي للظواهر لفائدة النظرة الشمولية، التي تجعل العوامل والأسباب تتداخل في أفق تعميم موضوعي للأحداث. وبذلك فإن مثل هذا العمل الأكاديمي من شأنه أن يعيد النظر في ما كان يدخل إلى وقت قريب ضمن المسلمات في الكتابة التاريخية، من قبيل "القرون المظلمة"، أو لازمة "قلة المادة المصدرية" التي طالما رددتها بعض الدراسات التاريخية.










قديم 2011-10-12, 12:57   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
kamel55
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي

و الله أخي محمد لقد كفيتنا ،و أشفيت غليلنا فبارك الله فيك و جعلك إنشاء الله من الناجحين....امين










قديم 2011-10-12, 18:55   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
محمد جديدي التبسي
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية محمد جديدي التبسي
 

 

 
الأوسمة
وسام الوفاء 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة kamel55 مشاهدة المشاركة
و الله أخي محمد لقد كفيتنا ،و أشفيت غليلنا فبارك الله فيك و جعلك إنشاء الله من الناجحين....امين
بارك الله فيك أخي كمال وجزاك الله خير وبالتوفيق لك وإن شاء الله نفرحوا جميعا بالنجاح هذا العام









 

الكلمات الدلالية (Tags)
ماجستيرتاريخ, المجتمع, المغربي, العصر, الوسيط

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 00:03

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc