|
القسم الاسلامي العام للمواضيع الإسلامية العامة كالآداب و الأخلاق الاسلامية ... |
في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
2014-05-24, 21:07 | رقم المشاركة : 1 | ||||
|
موانع طلب العلم للإمام الماوردي -رحمه الله - [ لاَ تـَكُونَنَّ لِلْأُمُورِ هَيُوبًا.. فَإِلَى خَيْبَةٍ يَصِيرُ الْهَيُوب
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته قال الماوردي في كتابه القيِّم -أدبُ الدُّنيا والدِّين-: وَرُبَّمَا امْتَنَعَ الإنْسَانُ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ لِكِبَرِ سِنِّهِ وَاسْتِحْيَائِهِ مِنْ تَقْصِيرِهِ فِي صِغَرِهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ فِي كِبْرِهِ، فَرَضِيَ بِالْجَهْلِ أَنْ يَكُونَ مَوْسُومًا بِهِ وَآثَرَهُ عَلَى الْعِلْمِ أَنْ يَصِيرَ مُبْتَدِئًا بِهِ. وَهَذَا مِنْ خِدَعِ الْجَهْلِ وَغُرُورِ الْكَسَلِ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ إذَا كَانَ فَضِيلَةً فَرَغْبَةُ ذَوِي الأسْنَانِ فِيهِ أَوْلَى. وَالابْتِدَاءُ بِالْفَضِيلَةِ فَضِيلَةٌ. وَلأنْ يَكُونَ شَيْخًاً مُتَعَلِّمًا أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ شَيْخًاً جَاهِلاً. حُكِيَ أَنَّ بَعْضَ الْحُكَمَاءِ رَأَى شَيْخًا كَبِيرًا يُحِبُّ النَّظَرَ فِي الْعِلْمِ وَيَسْتَحِي فَقَالَ لَهُ: يَا هَذَا أَتَسْتَحِي أَنْ تَكُونَ فِي آخِرِ عُمُرِك أَفْضَلَ مِمَّا كُنْتَ فِي أَوَّلِهِ، وَذُكِرَ أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ الْمَهْدِيِّ دَخَلَ عَلَى الْمَأْمُونِ وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ يَتَكَلَّمُونَ فِي الْفِقْهِ فَقَالَ: يَا عَمِّ مَا عِنْدَك فِيمَا يَقُولُ هَؤُلاَءِ: فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ شَغَلُونَا فِي الصِّغَرِ وَاشْتَغَلْنَا فِي الْكِبَرِ. فَقَالَ: لِمَ لاَ نَتَعَلَّمُهُ الْيَوْمَ ؟ قَالَ: أَوْ يَحْسُنُ بِمِثْلِي طَلَبُ الْعِلْمِ ؟ قَالَ: نَعَمْ. وَاَللَّهِ لاَنْ تَمُوتَ طَالِبًا لِلْعِلْمِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَعِيشَ قَانِعًا بِالْجَهْلِ. قَالَ: وَإِلَى مَتَى يَحْسُنُ بِي طَلَبُ الْعِلْمِ ؟ قَالَ: مَا حَسُنَتْ بِك الْحَيَاةُ؛ وَلِأَنَّ الصَّغِيرَ أَعَذْرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْجَهْلِ عُذْرٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَطُلْ بِهِ مُدَّةُ التَّفْرِيطِ وَلاَ اسْتَمَرَّتْ عَلَيْهِ أَيَّامُ الإهْمَالِ. وَقَدْ قِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: جَهْلُ الصَّغِيرِ مَعْذُورٌ، وَعِلْمُهُ مَحْقُورٌ، فَأَمَّا الْكَبِيرُ فَالْجَهْلُ بِهِ أَقْبَحُ، وَنَقْصُهُ عَلَيْهِ أَفْضَحُ؛ لِأَنَّ عُلُوَّ السِّنِّ إذَا لَمْ يُكْسِبْهُ فَضْلاً وَلَمْ يُفِدْهُ عِلْمًا وَكَانَتْ أَيَّامُهُ فِي الْجَهْلِ مَاضِيَةً، وَمِنْ الْفَضْلِ خَالِيَةً، كَانَ الصَّغِيرُ أَفْضَلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الرَّجَاءَ لَهُ أَكْثَرُ، وَالأمَلَ فِيهِ أَظْهَرُ، وَحَسْبُك نَقْصًا فِي رَجُلٍ يَكُونُ الصَّغِيرُ الْمُسَاوِي لَهُ فِي الْجَهْلِ أَفْضَلَ مِنْهُ. وَأَنْشَدْت لِبَعْضِ أَهْلِ الأدَبِ: إذَا لَمْ يَكُنْ مَرُّ السِّنِينَ مُتَرْجِمًا عَنْ الْفَضْلِ فِي الإنْسَانِ سَمَّيْته طِفْلاَ وَمَا تَنْفَعُ الأيّـَامُ حِينَ يَعـُدُّهَا وَلَمْ يَسْتَفِدْ فِـيهِنَّ عِـلْمًا وَلاَ فَضْلاَ أَرَى الدَّهْرَ مِنْ سُوءِ التَّصَرُّفِ مَائِلاً إلَى كُلِّ ذِي جَهْلٍ كَأَنَّ بِهِ جَهْلاَ. وَرُبَّمَا امْتَنَعَ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ لِتَعَذُّرِ الْمَادَّةِ وَشَغَلَهُ اكْتِسَابُهَا عَنْ الْتِمَاسِ الْعِلْمِ. وَهَذَا، وَإِنْ كَانَ أَعْذَرَ مِنْ غَيْرِهِ مَعَ أَنَّهُ قَلَّ مَا يَكُونُ ذَلِكَ إلا عِنْدَ ذِي شَرَهٍ وَعَيْبٍ وَشَهْوَةٍ مُسْتَعْبِدَةٍ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَصْرِفَ إلَى الْعِلْمِ حَظًّا مِنْ زَمَانِهِ. فَلَيْسَ كُلُّ الزَّمَانِ زَمَانَ اكْتِسَابٍ. وَلاَ بُدَّ لِلْمُكْتَسِبِ مِنْ أَوْقَاتِ اسْتِرَاحَةٍ، وَأَيَّامِ عُطْلَةٍ. وَمَنْ صَرَفَ كُلَّ نَفْسِهِ إلَى الْكَسْبِ حَتَّى لَمْ يَتْرُكْ لَهَا فَرَاغًا إلَى غَيْرِهِ، فَهُوَ مِنْ عَبِيدِ الدُّنْيَا، وَأُسَرَاءِ الْحِرْصِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {لِكُلِّ شَيْءٍ فَتْرَةٌ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إلَى الْعِلْمِ فَقَدْ نَجَا}. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {كُونُوا عُلَمَاءَ صَالِحِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا عُلَمَاءَ صَالِحِينَ فَجَالِسُوا الْعُلَمَاءَ وَاسْمَعُوا عِلْمًا يَدُلُّكُمْ عَلَى الْهُدَى، وَيَرُدُّكُمْ عَنْ الرَّدَى}. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: مَنْ أَحَبَّ الْعِلْمَ أَحَاطَتْ بِهِ فَضَائِلُهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: مَنْ صَاحَبَ الْعُلَمَاءِ وُقِّرَ، وَمَنْ جَالَسَ السُّفَهَاءَ حُقِّرَ. وَرُبَّمَا مَنَعَهُ مِنْ طَلَبِ الْعِلْمِ مَا يَظُنُّهُ مِنْ صُعُوبَتِهِ، وَبُعْدِ غَايَتِهِ، وَيَخْشَى مِنْ قِلَّةِ ذِهْنِهِ وَبُعْدِ فِطْنَتِهِ. وَهَذَا الظَّنُّ اعْتِذَارُ ذَوِي النَّقْصِ وَخِيفَةُ أَهْلِ الْعَجْزِ؛ لِأَنَّ الإخْبَارَ قَبْلَ الاخْتِبَارِ جَهْلٌ، وَالْخَشْيَةَ قَبْلَ الابْتِلاَءِ عَجْزٌ. وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ: لاَ تـَكُونَنَّ لِلْأُمُورِ هَيُوبًا فَإِلَى خَيْبَةٍ يَصِيرُ الْهَيُوبُ وَقَالَ رَجُلٌ لِأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أُرِيدُ أَنْ أَتَعَلَّمَ الْعِلْمَ، وَأَخَافُ أَنْ أُضَيِّعَهُ. فَقَالَ: كَفَى بِتَرْكِ الْعِلْمِ إضَاعَةٌ. وَلَيْسَ، وَإِنْ تَفَاضَلَتْ الأذْهَانُ وَتَفَاوَتَتْ الْفَطِنُ، يَنْبَغِي لِمَنْ قَلَّ مِنْهَا حَظُّهُ أَنْ يَيْأَسَ مِنْ نَيْلِ الْقَلِيلِ وَإِدْرَاكِ الْيَسِيرِ الَّذِي يَخْرُجُ بِهِ مِنْ حَدِّ الْجَهَالَةِ إلَى أَدْنَى مَرَاتِبِ التَّخْصِيصِ. فَإِنَّ الْمَاءَ مَعَ لِينِهِ يُؤَثِّرُ فِي صَمِّ الصُّخُورِ فَكَيْفَ لاَ يُؤَثِّرُ الْعِلْمُ الزَّكِيُّ فِي نَفْسِ رَاغِبٍ شَهِيٍّ، وَطَالِبٍ خَلِيٍّ، لاَ سِيَّمَا وَطَالِبُ الْعِلْمِ مُعَانٌ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: {إنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ}. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: أَخْبَثُ النَّاسِ الْمُسَاوِي بَيْنَ الْمَحَاسِنِ وَالْمَسَاوِئِ؛ وَعِلَّةُ هَذَا أَنَّهُمْ رُبَّمَا رَأَوْا عَاقِلاً غَيْرَ مَحْظُوظٍ، وَعَالِمًا غَيْرَ مَرْزُوقٍ، فَظَنُّوا أَنَّ الْعِلْمَ وَالْعَقْلَ هُمَا السَّبَبُ فِي قِلَّةِ حَظِّهِ وَرِزْقِهِ. وَقَدْ انْصَرَفَتْ عُيُونُهُمْ عَنْ حِرْمَانِ أَكْثَرِ النَّوْكَى وَإِدْبَارِ أَكْثَرِ الْجُهَّالِ؛ لِأَنَّ فِي الْعُقَلاَءِ وَالْعُلَمَاءِ قِلَّةً وَعَلَيْهِمْ مِنْ فَضْلِهِمْ سِمَةٌ. وَلِذَلِكَ قِيلَ: الْعُلَمَاءُ غُرَبَاءُ لِكَثْرَةِ الْجُهَّالِ. فَإِذَا ظَهَرَتْ سِمَةُ فَضْلِهِمْ وَصَادَفَ ذَلِكَ قِلَّةَ حَظِّ بَعْضِهِمْ تَنَوَّهُوا بِالتَّمْيِيزِ وَاشْتُهِرُوا بِالتَّعْيِينِ، فَصَارُوا مَقْصُودِينَ بِإِشَارَةِ الْمُتَعَنِّتِينَ، مَلْحُوظِينَ بِإِيمَاءِ الشَّامِتِينَ. وَالْجُهَّالُ وَالْحَمْقَى لَمَّا كَثُرُوا وَلَمْ يَتَخَصَّصُوا انْصَرَفَتْ عَنْهُمْ النُّفُوسُ فَلَمْ يَلْحَظْ الْمَحْرُومُ مِنْهُمْ بِطَرَفِ شَامِتٍ، وَلاَ قَصَدَ الْمَجْدُودُ مِنْهُمْ بِإِشَارَةِ عَائِبٍ. فَلِذَلِكَ ظَنَّ الْجَاهِلُ الْمَرْزُوقُ أَنَّ الْفَقْرَ وَالضِّيقَ مُخْتَصٌّ بِالْعِلْمِ، وَالْعَقْلَ دُونَ الْجَهْلِ وَالْحُمْقِ وَلَوْ فَتَّشَتْ أَحْوَالَ الْعُلَمَاءِ وَالْعُقَلاَءِ، مَعَ قِلَّتِهِمْ، لَوَجَدْت الإقْبَالَ فِي أَكْثَرِهِمْ. وَلَوْ اخْتَبَرْت أُمُورَ الْجُهَّالِ وَالْحَمْقَى، مَعَ كَثْرَتِهِمْ، لَوَجَدَتْ الْحِرْمَانَ فِي أَكْثَرِهِمْ. وَإِنَّمَا يَصِيرُ ذُو الْحَالِ الْوَاسِعَةِ مِنْهُمْ مَلْحُوظًا مُشْتَهِرًا؛ لِأَنَّ حَظَّهُ عَجِيبٌ وَإِقْبَالَهُ مُسْتَغْرَبٌ. كَمَا أَنَّ حِرْمَانَ الْعَاقِلِ الْعَالِمِ غَرِيبٌ وَإِقْلاَلَهُ عَجِيبٌ. وَلَمْ تَزَلْ النَّاسُ عَلَى سَالِفِ الدُّهُورِ مِنْ ذَلِكَ مُتَعَجِّبِينَ وَبِهِ مُعْتَبِرِينَ حَتَّى قِيلَ لِبَزَرْجَمْهَرَ: مَا أَعْجَبُ الأشْيَاءِ ؟ فَقَالَ: نُجْحُ الْجَاهِلِ وَإِكْدَاءُ الْعَاقِلِ. لَكِنَّ الرِّزْقَ بِالْحَظِّ وَالْجَدِّ، لاَ بِالْعِلْمِ وَالْعَقْلِ، حِكْمَةً مِنْهُ تَعَالَى يَدُلُّ بِهَا عَلَى قُدْرَتِهِ وَإِجْرَاءِ الأمُورِ عَلَى مَشِيئَتِهِ. وَقَدْ قَالَتْ الْحُكَمَاءُ: لَوْ جَرَتْ الأقْسَامُ عَلَى قَدْرِ الْعُقُولِ لَمْ تَعِشْ الْبَهَائِمُ. فَنَظَمَهُ أَبُو تَمَّامٍ فَقَالَ: يَنَالُ الْفَتَى مِنْ عَيْـشِهِ وَهُوَ جَـاهِلُ وَيُكْدِي الْفَتَى مِنْ دَهْرِهِ وَهُوَ عَالِمُ وَلَوْ كَانَتْ الأرْزَاقُ تَجْرِي عَلَى الْحِجَا هَـلَكْنَ إذَنْ مـِنْ جَـهْلِهِنَّ الْبَهَائِمُ وَقَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرِ بْنُ أَبِي سُلْمَى: لَوْ كُنْت أَعْجَبُ مِنْ شَيْءِ لأعْجَبَنِي سَعْيُ الْفَتَى وَهُوَ مَخْبُوءٌ لَهُ الْقَدَرُ يَسْعَى الْفَتَى لِأُمُورٍ لَيْسَ يُدْرِكُهَا وَالنَّفـْسُ وَاحِـدَةٌ وَالـْهَمُّ مُنْتَشِرُ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ وَالْعَقْلَ سَعَادَةٌ وَإِقْبَالٌ، وَإِنْ قَلَّ مَعَهُمَا الْمَالُ، وَضَاقَتْ مَعَهُمَا الْحَالُ. وَالْجَهْلَ وَالْحُمْقَ حِرْمَانٌ وَإِدْبَارٌ وَإِنْ كَثُرَ مَعَهُمَا الْمَالُ، وَاتَّسَعَتْ فِيهِمَا الْحَالُ؛ لِأَنَّ السَّعَادَةَ لَيْسَتْ بِكَثْرَةِ الْمَالِ فَكَمْ مِنْ مُكْثِرٍ شَقِيٌّ وَمُقِلٍّ سَعِيدٌ. وَكَيْفَ يَكُونُ الْجَاهِلُ الْغَنِيُّ سَعِيدًا وَالْجَهْلُ يَضَعُهُ. أَمْ كَيْفَ يَكُونُ الْعَالِمُ الْفَقِيرُ شَقِيًّا وَالْعِلْمُ يَرْفَعُهُ ؟ وَقَدْ قِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: كَمْ مِنْ ذَلِيلٍ أَعَزَّهُ عِلْمُهُ، وَمِنْ عَزِيزٍ أَذَلَّهُ جَهْلُهُ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَزِّ: الْجَاهِلُ كَرَوْضَةٍ عَلَى مَزْبَلَةٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: كُلَّمَا حَسُنَتْ نِعْمَةُ الْجَاهِلِ ازْدَادَ قُبْحًا. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لِبَنِيهِ: يَا بَنِيَّ تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ فَإِنْ لَمْ تَنَالُوا بِهِ مِنْ الدُّنْيَا حَظًّا فَلاَنْ يُذَمَّ الزَّمَانُ لَكُمْ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يُذَمَّ الزَّمَانُ بِكُمْ. وَقَالَ بَعْضُ الادَبَاءِ: مَنْ لَمْ يَفِدْ بِالْعِلْمِ مَالاً كَسَبَ بِهِ جَمَالاً، وَأَنْشَدَ بَعْضُ أَهْلِ الأدَبِ لِابْنِ طَبَاطَبَا: حَسُودٌ مَرِيضُ الْقَلْبِ يُخْفِي أَنِينَهُ وَيَضْحَى كَئِيبَ الْبَالِ عِنْدِي حَزِينَهُ يَلُومُ عَلَيَّ أَنْ رُحْت لِلْعِلْمِ طَالِبًا أَجْمَعُ مِنْ عِـنْدِ الـرُّوَاةِ فـَنُونَهُ فَأَعْرِفُ أَبْكـَارَ الْكَلاَمِ وَعُـوْنَهُ وَأَحْـفَظُ مِمَّـا أَسْتَفِـيدُ عُيـُونَهُ وَيَزْعُمُ أَنَّ الْعِلْمَ لاَ يُكْسِبُ الْغِنَى وَيُحْسِنُ بِالْجَـهْلِ الذَّمِيـمِ ظُنُونَهُ فَيَا لاَئِمِي دَعْنِي أُغَالِي بِقِيمَتِي فَقِيمَةُ كُـلِّ النـَّاسِ مَا يُحْسِنُونَهُ وَأَنَا أَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ مِنْ خِدَعِ الْجَهْلِ الْمُذِلَّةِ، وَبَوَادِرِ الْحُمْقِ الْمُضِلَّةِ. وَأَسْأَلُهُ السَّعَادَةَ بِعَقْلٍ رَادِعٍ يَسْتَقِيمُ بِهِ مَنْ زَلَّ، وَعِلْمٍ نَافِعٍ يَسْتَهْدِي بِهِ مَنْ ضَلَّ. فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: إذَا اسْتَرْذَلَ اللَّهُ عَبْدًا حَظَرَ عَلَيْهِ الْعِلْمَ. فَيَنْبَغِي لِمَنْ زَهِدَ فِي الْعِلْمِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ رَاغِبًا وَلِمَنْ رَغِبَ فِيهِ أَنْ يَكُونَ لَهُ طَالِبًا، وَلِمَنْ طَلَبَهُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ مُسْتَكْثَرًا، وَلِمَنْ اسْتَكْثَرَ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ بِهِ عَامِلاً، وَلاَ يَطْلُبُ لِتَرْكِهِ احْتِجَاجًا وَلاَ لِلتَّقْصِيرِ فِيهِ عُذْرًا. وَقَدْ قَالَ الشَّاعِرُ: فَلاَ تَعْذِرَانِي فِي الإسَاءَةِ ~~~ إنَّهُ شِرَارُ الرِّجَالِ مَنْ يُسِيءُ فَيُعْذَرُ وَقَالَ الشَّاعِرُ: نَرُوحُ وَنَغْدُو لِحَاجَاتِنَا وَحَاجَةُ مَنْ عَاشَ لاَ تَنْقَضِي تَمُوتُ مَعَ الْمَرْءِ حَاجَاتُهُ وَتَبْقَى لَهُ حَـاجَةٌ مـَا بَقِيَ وَيَقْصِدُ طَلَبَ الْعِلْمِ وَاثِقًا بِتَيْسِيرِ اللَّهِ قَاصِدًا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى بِنِيَّةٍ خَالِصَةٍ وَعَزِيمَةٍ صَادِقَةٍ. فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا لِغَيْرِ اللَّهِ وَأَرَادَ بِهِ غَيْرَ اللَّهِ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ}. وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: {تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ، وَرَفْعُهُ ذَهَابُ أَهْلِهِ. فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَ يَدْرِي مَتَى يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَوْ مَتَى يَحْتَاجُ إلَى مَا عِنْدَهُ}. وَلْيَحْذَرْ أَنْ يَطْلُبَهُ لِمِرَاءٍ أَوْ رِيَاءٍ فَإِنَّ الْمُمَارِيَ بِهِ مَهْجُورٌ لاَ يَنْتَفِعُ، وَالْمُرَائِيَ بِهِ مَحْقُورٌ لاَ يَرْتَفِعُ. وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {لاَ تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ، وَلاَ تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُجَادِلُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَالنَّارُ مَثْوَاهُ}. وَلَيْسَ الْمُمَارِي بِهِ هُوَ الْمُنَاظِرُ فِيهِ طَلَبًا لِلصَّوَابِ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ الْقَاصِدُ لِدَفْعِ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ فَاسِدٍ أَوْ صَحِيحٍ. وَفِيهِمْ جَاءَتْ السُّنَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {لاَ يُجَادِلُ إلا مُنَافِقٌ أَوْ مُرْتَابٌ}. وَقَالَ الأوْزَاعِيُّ: إذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ شَرًّا أَعْطَاهُمْ الْجَدَلَ، وَمَنَعَهُمْ الْعَمَلَ. وَأَنْشَدَ الرِّيَاشِيُّ لِمُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أُجَادِلُ كُلَّ مُعْتَرِضٍ ظَـنِينِ وَأَجْعَلُ دِينَـهُ غَرَضًا لِدِينـِي وَأَتْرُكُ مَا عَمِلْتُ لِرَأْيِ غَيْرِي وَلَيْسَ الرَّأْيُ كَـالْعِلْمِ الْيَقِينِ وَمَا أَنَا وَالْخُصُومَةُ وَهِيَ شَيْء يُصْرَفُ فِي الشِّمَالِ وَفِي الْيَمِين ِ فَأَمّـَا مـَا عَلِمـْت فَقَدْ كَفَانِي وَأَمَّـا مَـا جَهِـلْت فَجـَنِّبُونِي وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ: لاَ يَمْنَعَنَّكَ حَذَرُ الْمِرَاءِ مِنْ حُسْنِ الْمُنَاظَرَةِ، فَإِنَّ الْمُمَارِيَ هُوَ الَّذِي لاَ يُرِيدُ أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنْهُ أَحَدٌ وَلاَ يَرْجُو أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنْ أَحَدٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ لِكُلِّ مَطْلُوبٍ بَاعِثًا. وَالْبَاعِثُ عَلَى الْمَطْلُوبِ شَيْئَانِ: رَغْبَةٌ أَوْ رَهْبَةٌ، فَلْيَكُنْ طَالِبُ الْعِلْمِ رَاغِبًا رَاهِبًا. أَمَّا الرَّغْبَةُ فَفِي ثَوَابِ اللَّهِ تَعَالَى لِطَالِبِي مَرْضَاتِهِ، وَحَافِظِي مُفْتَرَضَاتِهِ. وَأَمَّا الرَّهْبَةُفَمِنْ عِقَابِ اللَّهِ تَعَالَى لِتَارِكِي أَوَامِرِهِ، وَمُهْمَلِي زَوَاجِرِهِ. فَإِذَا اجْتَمَعَتْ الرَّغْبَةُ وَالرَّهْبَةُ أَدَّيَا إلَى كُنْهِ الْعِلْمِ وَحَقِيقَةِ الزُّهْدِ؛ لِأَنَّ الرَّغْبَةَ أَقْوَى الْبَاعِثَيْنِ عَلَى الْعِلْمِ، وَالرَّهْبَةَ أَقْوَى السَّبَبَيْنِ فِي الزُّهْدِ. وَقَدْ قَالَتْ الْحُكَمَاءُ: أَصْلُ الْعِلْمِ الرَّغْبَةُ وَثَمَرَتُهُ السَّعَادَةُ، وَأَصْلُ الزُّهْدِ الرَّهْبَةُ وَثَمَرَتُهُ الْعِبَادَةُ فَإِذَا اقْتَرَنَ الزُّهْدُ وَالْعِلْمُ فَقَدْ تَمَّتْ السَّعَادَةُ وَعَمَّتْ الْفَضِيلَةُ، وَإِنْ افْتَرَقَا فَيَا وَيْحَ مُفْتَرَقَيْنِ مَا أَضَرَّ افْتِرَاقَهُمَا، وَأَقْبَحَ انْفِرَادَهُمَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: {مَنْ ازْدَادَ فِي الْعِلْمِ رُشْدًا، فَلَمْ يَزْدَدْ فِي الدُّنْيَا زُهْدًا، لَمْ يَزْدَدْ مِنْ اللَّهِ إلا بُعْدًا}. وَقَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: مَنْ لَمْ يُؤْتَ مِنْ الْعِلْمِ مَا يَقْمَعُهُ، فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ لاَ يَنْفَعُهُ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الْفَقِيهُ بِغَيْرِ وَرَعٍ كَالسِّرَاجِ يُضِيءُ الْبَيْتَ وَيُحْرِقُ نَفْسَهُ. انتهى منقول للفائدة
|
||||
2014-05-27, 19:23 | رقم المشاركة : 2 | |||
|
بارك الله فيك اخية واثابك على مقولك ومنقولك الجنة
شكرا لك تعانق كبد الدعاء ان يحفظك الخالق ويرزقك حسن الخاتمة |
|||
2014-05-27, 20:13 | رقم المشاركة : 3 | |||
|
لاَ تـَكُونَنَّ لِلْأُمُورِ هَيُوبًا ... فَإِلَى خَيْبَةٍ يَصِيرُ الْهَيُوبُ
جزاااكِ الله خيرا مشكورة على حُسن الإنتقاء.. وفقك الله لمراضيه .. |
|||
2014-05-27, 21:14 | رقم المشاركة : 4 | |||
|
بوركتم وجزاكم الله خيرا على المرور الطيّب |
|||
2014-07-11, 04:59 | رقم المشاركة : 5 | |||
|
جزاك الله خيرا ووفقنا وأعاننا علي أنفسنا
,,, رعاك الله ,, |
|||
2014-07-29, 12:18 | رقم المشاركة : 6 | ||||
|
اقتباس:
... اللهم آميين يارب بوركتِ وحفظكِ الله |
||||
الكلمات الدلالية (Tags) |
موانع, الماوردي, العلم |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc