إلجام العوام عن علم الكلام - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم العقيدة و التوحيد

قسم العقيدة و التوحيد تعرض فيه مواضيع الإيمان و التوحيد على منهج أهل السنة و الجماعة ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

إلجام العوام عن علم الكلام

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2013-11-06, 16:59   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
كلمات مبعثرة
عضو محترف
 
الصورة الرمزية كلمات مبعثرة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي إلجام العوام عن علم الكلام

إلجام العوام عن علم الكلام للامام الغزالي رحمه الله

خطبة الرسالة

الحمد لله الذي تجلى لكآفة عباده بصفاته و أسمائه و تاهت[عقول] الطالبين في بيداء كبريائه ، و قص أجنحة [الأفكار] دون حمى عزته و تعالى بجلاله عن أن تدرك الأفهام كنه حقيقته ، و [استوفى] قلوب أوليائه و خاصته و استغرق أرواحهم حتى احترقوا بنار محبته و بهتوا فى اشراق أنوار عظمته ، و خرست ألسنتهم عن الثناء على جمال حضرته إلا بما أسمعهم من أسمائه و صفاته و أنبأهم على لسان رسوله محمد، صلى الله عليه و سلم، خير خلقيته و على أصحابه و عترته.

أما بعد :

فقد سألتني أرشدك الله عن الأخبار الموهمة للتشبيه عند الرعاع و الجهال من الحشوية الضلال حيث اعتقدوا فى الله ، وصفاته ما يتعالى و يتقدس عنه من الصورة و اليد و القدم و النزول و الإنتقال و الجلوس على العرش و الإستقرار ، و ما يجري مجراه مما أخذوه من ظواهر الأخبار و صورها ، و أنهم زعموا أن معتقدهم فيه معتقد السلف ، و أردت أن أشرح لك اعتقاد السلف ، و أن أبين ما يجب على عموم الخلق أن يعتقدوه فى هذه الأخبار ، و أكشف فيه الغطاء عن الحق ، و أميز ما يجب البحث عنه عما يجب الإمساك و الكف عن الخوض فيه ، فأجبتك إلى طلبتك متقربا إلى الله سبحانه و تعالى بإظهار الحق الصريح من غير مداهنة و مراقبة جانب و محافظة على تعصب لمذهب دون مذهب ، فالحق أولى بالمراقبة ، و الصدق و الإنصاف أولى بالمحافظة عليه ، و أسأل الله التسديد و التوفيق و هو بإجابة داعية حقيق ،


و ها أنا أرتب الكتاب على ثلاثة أبواب :

باب : فى بيان حقيقة مذهب السلف فى هذه الأخبار.
باب : فى البرهان على أن الحق فى مذهب السلف وأن من خالفهم فهو مبتدع.
باب : فى فصول متفرقة نافعة فى هذا الفن.


الباب الأول

فى شرح اعتقاد السلف فى هذه الأخبار .

إعلم : أن الحق الصريح الذى لا مراء فيه عند أهل البصائر هو مذهب السلف أعني مذهب الصحابة و التابعين و ها أنا أورد بيانه و بيان برهانه .

فأقول :-

حقيقة مذهب السلف و هو الحق عندنا أن كل من بلغه حديث من هذه الأحاديث من عوام الخلق يجب عليه فيه سبعة أمور : التقديس ، ثم التصديق ، ثم الإعتراف بالعجز ، ثم السكوت ، ثم الإمساك ، ثم الكف ، ثم التسليم لأهل المعرفة .

أما التقديس : فأعني به تنزيه الرب تعالى عن الجسمية و توابعها .
وأما التصديق : فهو الإيمان بما قاله صلى الله عليه و سلم و أن ما ذكره حق وهو فيما قاله صادق و أنه حق على الوجه الذى قاله و أراده .
و أما الاعتراف بالعجز : فهو أن يقر بأن معرفة مراده ليست على قدر طاقته وأ ن ذلك ليس من شأنه وحرفته .
و أما السكوت: فأن لا يسأل عن معناه و لا يخوض فيه و يعلم أن سؤاله عنه بدعة ، و أنه فى خوضه فيه مخاطر بدينه ، و أنه يوشك أن يكفر لو خاض فيه من حيث لا يشعر .
و أما الإمساك: فأن لا يتصرف فى تلك الألفاظ بالتصريف والتبديل بلغة أخرى و الزيادة فيه و النقصان منه و الجمع و التفريق بل لا ينطق إلا بذلك اللفظ وعلى ذلك الوجه من الإيراد و الإعراب و التصرف و الصيغة .
و أما الكف : فأن يكف باطنه عن البحث عنه و التفكر فيه .
و أما التسليم لأهله : فأن لا يعتقد أن ذلك إن خفي عليه لعجزه فقد خفي على رسول الله صلى الله عليه و سلم أو على الأنبياء أو على الصديقين و الأولياء .

فهذه سبع وظائف اعتقد كافة السلف وجوبها على كل العوام لا ينبغي أن يظن بالسلف الخلاف فى شىء منها ، فلنشرحها وظيفة وظيفة إن شاء الله تعالى :




الوظيفة الأولى

التقديس

و معناه أنه إذا سمع اليد و الإصبع و قوله صلى الله عليه و سلم "إن الله خمر طينة آدم بيديه" و "إن قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن" ، فينبغي أن يعلم أن اليد تطلق لمعنيين أحدهما و هو الموضع الأصلي و هو مركب من لحم و عصب و اللحم و العظم و العصب جسم مخصوص و صفات مخصوصة أعني بالجسم عبارة عن مقدار له طول و عرض و عمق يمنع غيره من أن يوجد بحيث هو إلا بأن يتنحى عن ذلك المكان ، ( و قد يستعار هذا اللفظ ) أعني اليد لمعنى آخر ليس ذلك المعني بجسم أصلا كما يقال : البلدة فى يد الأمير و إن كان الأمير مقطوع اليد مثلا فعلى العامي و غير العامي أن يتحقق قطعا أن الرسول صلى الله عليه و سلم لم يرد بذلك جسما هو عضو مركب من لحم و دم و عظم ، و أن ذلك فى حق الله تعالى محال و هو عنه مقدس ، فإن خطر بباله أن الله جسم مركب من أعضائه فهو عابد صنم فإن كل جسم فهو مخلوق ، و عبادة المخلوق كفر ، و عبادة الصنم كانت كفرا لأنه مخلوق ، و كان مخلوقا لأنه جسم .. فمن عبد جسما فهو كافر بإجماع الأئمة السلف منهم و الخلف ، سواء كان ذلك الجسم كثيفا كالجبال الصم الصلاب أو لطيفا كالهواء و الماء ، و سواء كان [مظلما] كالأرض أو مشرقا كالشمس و القمر و الكواكب . أو مشفا لا لون له كالهواء ، أو عظيما كالعرش و الكرسي و السماء أو صغيرا كالذرة و الهباء أو جمادا كالحجارة أو حيوانا كالإنسان . فالجسم صنم فإن يقدر حسنه و جماله أو عظمه أو صغره أو صلابته و بقاؤه لا يخرج عن كونه صنما ، و من نفى الجسمية عنه و عن يده و إصبعه فقد نفى العضوية و اللحم و العصب و قدس الرب جل جلاله عما يوجب الحدوث ، و ليعتقد بعده أنه عبارة عن معنى من المعاني ليس بجسم و لا عرض فى جسم .. يليق ذلك المعنى بالله ، فإن كان لا يدري ذلك المعنى و لا يفهم كنه حقيقته فليس عليه فى ذلك تكليف أصلا فمعرفة تأويله و معناه ليس بواجب عليه بل واجب عليه أن لايخوض فيه كما سيأتي .
مثال آخر :

إذا سمع الصورة فى قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن الله خلق آدم على صورته ) (إني رأيت ربي فى أحسن صورة ) فينبغي أن يعلم أن الصورة اسم مشترك قد يطلق و يراد به الهيئة الحاصلة فى أجسام مؤلفة مرتبة ترتيبا مخصوصا مثل الأنف و العين و الفم و الخد التى هى أجسام و هي لحوم و عظام ، و قد يطلق و يراد به ما ليس بجسم و لا هيئة فى جسم و لا هي ترتيب فى أجسام . كقولك عرف صورته و ما يجرى مجراه ، فليتحقق كل مؤمن أن الصورة فى حق الله لم تطلق لإرادة المعنى الأول الذى هو جسم لحمي و عظمي مركب من أنف و فم و خد ، فإن جميع ذلك أجسام و هيئات فى أجسام ، و خالق الأجسام و الهيئات كلها منزه عن مشابهتها و صفاتها ، و إذا علم هذا يقينا فهو مؤمن .. فإن خطر له أنه لم يرد هذا المعنى .. فمالذى أراده فينبغي أن يعلم أن ذلك لم يؤمر به بل أمر بأن لا يخوض فيه فإنه ليس على قدر طآقته ، لكن ينبغي أن يعتقد أنه أريد به معنى يليق بجلال الله و عظمته بما ليس بجسم و لا عرض فى جسم .



مثال آخر :

إذا قرع سمعه النزول فى قوله صلى الله عليه وسلم : (( وينزل فى كل ليلة إلى السماء الدنيا )) : فالواجب عليه أن يعلم أن النزول اسم مشترك قد يطلق إطلاقا يفتقر فيه إلى ثلاثة أجسام : جسم عال هو مكان لساكنه ، و جسم سافل كذلك ، و جسم متنقل من السافل إلى العالي و من العالي [إلى] السافل ، فإن كان من أسفل إلى علو سمي صعودا و عروجا و رقيا ، و إن كان من علو إلى أسفل سمي نزولا و هبوطا ، و قد يطلق على معنى آخر و لا يفتقر فيه [إلى] تقدير انتقال و حركة فى جسم ، كما قال تعالى (( و أنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج ) (الزمر 6) و ما رئي البعير و البقر نازلا من السماء بالإنتقال بل هى مخلوقه فى الأرحام و لإنزالها معنى لا محالة ، كما قال الشافعي رضي الله عنه : "دخلت مصر فلم يقيموا كلامي ، فنزلت ثم نزلت ثم نزلت" فلم يرد به انتقال جسده إلى أسفل فتحقق [المؤمن] قطعا أن النزول فى حق الله تعالى ليس بالمعنى الأول و هو انتقال شخص و جسد من علو إلى أسفل ، فإن الشخص وا لجسد أجسام و الرب جل جلاله ليس بجسم فإن خطر له أنه لم يرد هذا المعنى [فما] الذى أراد فيقال له : "أنت إذا عجزت عن فهم نزول البعير من السماء فأنت عن فهم نزول الله تعالى أعجز ، فليس هذا بعشك فادرجي ، و اشتغل بعبادتك أو حرفتك و اسكت ، و اعلم أنه أريد به معنى من المعاني التى يجوز أن يراد بالنزول فى لغة العرب ، ويليق ذلك المعنى بجلال الله تعالى عظمته وإن كنت لاتعلم حقيقته و كيفيته .

و مثال آخر :

إذا سمع لفظ الفوق فى قوله تعالى : ( وهو القاهر فوق عباده ) الأنعام 18 و فى قوله تعالى (يخافون ربهم من فوقهم ) النحل 50 فليعلم أن الفوق اسم مشترك يطلق لمعنيين:

أحدهما : نسبة جسم إلى جسم بأن يكون أحدهما أعلى و الآخر أسفل يعني أن الأعلى من جانب رأس الأسفل ، وقد يطلق لفوقية الرتبة ، و يقال : الخليفة فوق السلطان و السلطان فوق الوزير ، و كما يقال العلم فوق العلم ، و الأول يستدعي جسما ينسب [إلى] جسيم .

و الثاني : لا يستدعيه فليعتقد المؤمن قطعا أن الأول غير مراد و أنه على الله تعالى محال ، فإنه من لوازم الأجسام أو لوازم أعراض الأجسام ، و إذا عرف نفى هذا المحال فلا عليه إن لم يعرف أنه لماذا أطلق وماذا أريد فقس على ما ذكرناه مالم نذكره .



الوظيفة الثانية

الإيمان و التصديق

و هو أنه يعلم قطعا أن هذه الألفاظ أريد بها معنى يليق بجلال الله وعظمته ، و أن رسول الله صلى الله عليه و سلم صادق فى وصف الله تعالى به ، فليؤمن بذلك و ليوقن بأن ما قاله صدق و ما أخبر عنه حق لا ريب فيه ، و ليقل آمنا و صدقنا و أن ما وصف الله تعالى به نفسه أو وصفه به رسول الله صلى الله عليه و سلم فهو كما وصفه و حق بالمعنى الذي أراده و على الوجه الذى قاله ، و إن كنت لا تقف على حقيقته

فإن قلت التصديق إنما يكون بعد التصور ، و الإيمان إنما يكون بعد التفهم ، فهذه الألفاظ إذا لم يفهم معانيها كيف يعتقد صدق قائلها فيها ؟

فجوابك أن التصديق بالأمور الجمليه ليس بمحال و كل عاقل يعلم أنه أريد بهذه الألفاظ معان ، و أن كل اسم فله مسمى إذا نطق به من اراد مخاطبة قوم قصد ذلك المسمى فيمكنه أن يعتقد كونه صادقا مخبرا عنه على ما هو عليه ، فهذا معقول على سبيل الإجمال ، بل يمكن أن يفهم من هذه الألفاظ أمور جملية غير مفصلة ، و يمكن التصديق كما إذا قال فى البيت حيوان أمكن أن يصدق دون أن يعرف أنه انسان أو فرس أو غيره ، بل لو قال فيه شىء أمكن تصديقه و إن لم يعرف ما ذلك الشىء ، فكذلك من سمع الإستواء على العرش فهم على الجملة أنه أريد بذلك نسبة خاصه إلى العرش فيمكنه التصديق قبل أن يعرف أن تلك النسبة هى نسبة الإستقرار عليه أو الإقبال على خلقه أو الإستيلاء عليه بالقهر أو معنى آخر من معاني النسبة فأمكن التصديق به

و إن قلت فأي فائدة فى مخاطبة الخلق بما لا يفهمونه ؟؟
و جوابك أنه قصد بهذا الخطاب تفهيم أهله و هم الأولياء و الراسخون فى العلم و قد فهموما ، و ليس من شرط من خاطب العقلاء بكلام أن يخاطبهم بما يفهم الصبيان و العوام بالإضافة إلى العارفين كالصبيان بالإضافة إلى البالغين ، و لكن على الصبيان أن يسألوا البالغين عما يفهمونه ، و على البالغين أن يجيبوا الصبيان بأن هذا ليس من شأنكم و لستم من أهله فخوضوا فى حديث غيره فقد قيل للجاهل ( فاسألوا أهل الذكر ) النحل 43 فإن كانوا يطيقون فهموهم و إلا قالوا لهم ( و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) الإسراء 85 فلا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم و لهذا السؤال هذه معان الإيمان بها واجب وا لكيفية مجهولة أى لكم ، و السؤال عنها بدعة كما قال مالك : الإستواء معلوم و الكيفية مجهولة و الإيمان به واجب.

فإذن الإيمان بالجمليات التى ليست مفصلة فى الذهن ممكن و لكن تقديسه الذى هو نفي للمحال عنه ينبغي أن يكون مفصلا فإن المنفي هى الجسمية و لوازمها و نعني بالجسم ههنا الشخص المقدر الطويل العريض العميق الذى يمنع غيره من أن يوجد بحيث هو الذى يدفع ما يطلب مكانه إن كان قويا و يندفع و يتنحى عن مكانه بقوة دافعة إن كام ضعيفا و إنما شرحنا هذا اللفظ مع ظهوره لأن العامي ربما لا يفهم المراد به .


الوظيفة الثالثة

الإعتراف بالعجز

و يجب على كل من لا يقف على كنه هذه المعاني و حقيقتها و لم يعرف تأويلها و المعنى المراد به أن يقر بالعجز ، فإن التصديق واجب وهو عن دركه عاجز ، فإن ادعى المعرفة فقد كذب و هذا معنى قول مالك : الكيفية مجهولة يعنى تفصيل المراد به غير معلوم ، بل الراسخون فى العلم و العارفون من الأولياء إن جاوزوا فى المعرفة حدود العوام و جالوا فى ميدان المعرفة و قطعوا من بواديها أميالا كثيرة فما بقي لهم مما لم يبلغوه بين أيديهم أكثر بل لا نسبة لما طوي عنهم إلى ماكشف لهم لكثرة المطوي و قلة المكشوف بالإضافة إليه و الإضافة إلى المطوي المستور ، قال سيد االأنبياء صلوات الله عليه : (لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) و بالإضافة إلى المكشوف ، قال صلوات الله عليه : (أعرفكم بالله أخوفكم وأنا أعرفكم بالله) .. و لأجل كون العجز و القصور ضروريا فى آخر الأمر بالإضافة إلى منتهى الحال قال سيد الصديقين أبو بكر : ( العجز عن درك الإدراك إدراك ) فأوائل حقائق هذه المعاني بالإضافة إلى عوام الخلق كأواخرها بالإضافة إلى خواص الخلق ، فكيف لا يجب عليه الإعتراف بالعجز .


الوظيفة الرابعة :

السكوت عن السؤال

و ذلك واجب على العوام لأنه بالسؤال متعرض لما لا يطيقه و خائض فيما ليس أهلا له ، فإن سأل جاهلا زاده جوابه جهلا و ربما ورطه فى الكفر من حيث لا يشعر ، و إن سأل عارفا عجز العارف عن تفهيمه بل عجز ( الوالد ) عن تفهيم ولده مصلحته فى خروجه إلى المكتب ، بل عجز ( الصائغ ) عن تفهيم ( النجار ) دقائق صناعته ، فإن النجار وإن كان بصيرا بصناعته فهو عاجز عن دقائق [الصِّيَّاغة] لأنه إنما يعلم دقائق النجر لإستغراقه العمر فى تعلمه و ممارسته ، فكذلك يفهم الصائغ الصياغة أيضا لصرف العمر إلى تعلمه و ممارسته و قبل ذلك لا يفهمه .. فالمشغولون بالدنيا و بالعلوم التى ليست من قبيل معرفة الله عاجزون عن معرفة الأمور الأهية عجز كافة المعرضين عن الصناعات عن فهمها ، بل عجز الصبي الرضيع عن الإعتذار بالخبز و اللحم لقصور فى فطرته لا لعدم الخبز و [اللحم] و لا لأنه قاصر على تغذية الأقوياء ، لكن طبع الضعفاء قاصر عن التغذي به فمن أطعم الصبي الضعيف اللحم و الخبز و أمكنه من تناوله فقد أهلكه ، و كذلك العوام إذا طلبوا بالسؤال هذه المعاني يجب زجرهم و منعهم و ضربهم بالدرة كما كان يفعله عمر رضى الله عنه بكل من سأل عن الآيات المتشابهات ، و كما فعله رسول الله صلى الله عليه و سلم فى الإنكار على قوم خاضوا فى مسألة القدر و سألوا عنه ، فقال صلى الله عليه وسلم : "فبهذا أمرتم" و قال:" إنما هلك من كان قبلكم بكثرة السؤال" أو لفظ هذا معناه كما اشتهر فى الخبر ، و لهذا أقول يحرم على الوعاظ على رؤوس المنابر الجواب عن هذه الأسئلة بالخوض فى التأويل و التفصيل ، بل الواجب عليهم الإقتصار على ما ذكرناه و ذكره السلف ، و هو المبالغة فى التقديس و نفي التشبيه و أنه تعالى منزه عن الجسمية و عوارضها و له المبالغة فى هذا بما أراد حتى يقول : "كل ماخطر ببالكم وهجس فى ضميركم و تصور فى خاطركم فإنه تعالى خالقها وهو منزه عنها وعن مشابهتها وأن ليس المراد بالأخبار شيئا من ذلك ، وأما حقيقة المراد فلستم من أهل معرفتها والسؤال عنها ، فاشتغلوا بالتقوى فما أمركم الله تعالى به فافعلوه وما نهاكم عنه فاجتنبوه و هذا قد نهيتم عنه فلا تسألوا عنه و مهما سمعتم شيئا من ذلك فاسكتوا و قولوا آمنا و صدقنا و ما أوتينا من العلم إلا قليلا و ليس هذا من جملة ما أوتيناه .



الوظيفة الخامسة :

الإمساك عن التصرف فى ألفاظ واردة

يجب على عموم الخلق الجمود على ألفاظ هذه الأخبار و الإمساك عن التصرف فيها من ستة أوجه :
التفسير و التأويل و التصريف و التفريع و الجمع و التفريق .

الأول : التفسير

و أعني به تبديل اللفظ بلغة أخرى يقوم مقامها فى العربية أو معناها بالفارسية أو التركية بل لا يجوز النطق إلا باللفظ الوارد لأن من ألفاظ اللغة العربية ما لا يوجد لها فارسية تطابقها .

و منها ما يوجد لها فارسية تطابقها لكن ما جرت عادة الفرس باستعاراتها للمعاني التى جرت عادة العرب باستعاراتها منها .

ومنها ما يكون مشتركا فى العربية ولا يكون فى العجمية كذلك .

أما الأول : مثاله لفظ الإستواء فإنه ليس له فى الفارسية لفظ مطابق يؤدي بين الفرس من المعنى الذى يؤدية لفظ الإستواء بين العرب بحيث لا يشتمل على مزيد إيهام .. إذ فارسيته أن يقال راستا باستان وهذان لفظان : الأول ينبىء عن انتصاب و استقامة فيما يتصور أن ينحني و يعوج .

الثاني : ينبىء عن سكون و ثبات فيما يتصور أن يتحرك و يضطرب و إشعاره بهذه االمعاني و إشارته إليها فى العجمية أظهر من إشعار لفظ الإٍستواء و إشارته إليها ، فإذا تفاوت فى الدلالة و الإشعار لم يكن هذا مثل الأول و إنما تجوز تبديل اللفظ بمثله المرادف له الذى لا يخالفه بوجه من الوجوه لا يباينه أو يخالفه و لو بأدنى شىء و أدقه و أخفاه .
ومثال الثاني : أن الأصبع يستعار فى لسان العرب للنعمة يقال لفلان عندي أصبع أى نعمة و معناها بالفارسية انكشفت و ما جرت عادة العجم بهذه الإستعارة ، و توسع العرب فى التجوز و الإستعارة أكثر من توسع العجم بل لا نسبة لتوسع العرب إلى جمود العجم فإذا أحسن إرادة المعنى المستعار له فى العرب و سمج ذلك فى العرب نفر القلب عما سمج ومج السمع و لم يمل إليه ، فإذا تفاوتا لم يكن التفسير تبديلا بالمثل بل بالخلاف و لا يجوز التبديل إلا بالمثل .

مثال الثالث : العين فإن من فسره فإنما يفسره بأظهر معانيه فيقول هو جسم وهو مشترك فى لغة العرب بين العضو الناصر و بين الماء و الذهب والفضة ، فليس اللفظ اسم وهو مشترك هذا الإشتراك ، و كذلك لفظ الجنب و الوجه يقرب منه ...
فلإجل هذا نرى المنع من التبديل و الإقتصار على العربية

فإن قيل : هذا التفاوت إن ادعيتموه فى جميع الألفاظ فهو غير صحيح إذ لا فرق بين قولك خبز و نان وبين قولك لحم و كوشت ، و إن اعترف بأن ذلك فى البعض فامنع من التبديل عند التفاوت لا عند التماثل ، فالجواب الحق أن التفاوت فى البعض لا فى الكل فلعل لفظ اليد و لفظ دست يتساويان فى اللغتين ، و فى الإشتراك و الإستعارة و سائر الأمور ، و لكن إذا انقسم إلى ما يجوز و إلى ما لا يجوز و ليس إدراك التمييز بينهما و الوقوف على دقائق التفاوت جليا و سهلا يسيرا على كافة الخلق بل يكثر فيه الإشكال و لا يتميز محل التفاوت عن محل التعادل ، فنحن بين أن نحسم الباب احتياطا إذ لا حاجه ولا ضرورة إلى التبديل و بين أن نفتح الباب و نقحم عموم الخلق ورطة الخطر ، فليت شعري أى الأمرين أعزم و أحوط و المنظور فيه ذات الإله و صفاته و ما عندي أى عاقلا متدينا لا يقر هذا الأمر مخطر ، فإن الخطر فى الصفات الألهية يجب اجتنابه .. كيف وقد أوجب الشرع على الموطوءة العدة لبراءة الرحم وللحذر من خلط [الأنساب] احتياطا لحكم الولاية و الوراثة وما يترتب على النسب ، فقالوا مع ذلك تجب العدة على العقيم و الآيسة و الصغيرة وعند العزل ، لأن باطن الأرحام إنما يطلع عليها علام الغيوب فإنه يعلم ما في الأرحام ، فلو فتحنا باب التفصيل كنا راكبين متن الخطر فإيجاب العدة حيث لا علوق أهون من ركوب هذا الخطر ، فكما أن إيجاب العدة حكم شرعي فتحريم تبديل العربية حكم شرعي عن ثبت الإجتهاد وترجيح طريق الأول ويعلم أن الإحتياط فى الخبر عن الله وصفاته وعما أراده بألفاظ القرآن أهم وأولى من الإحتياط فى العدة وكل مااحتاط الفقهاء من هذا القبيل .[/right]








 


قديم 2013-11-06, 17:00   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
كلمات مبعثرة
عضو محترف
 
الصورة الرمزية كلمات مبعثرة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

التصرف الثاني :

التأويل



وهو بيان معناه بعد إزالة ظاهره وهذا إما يقع من العامي نفسه ، أو من العارف مع العامي ، أو من العارف مع نفسه وبينه وبين ربه فهذه ثلاثة مواضع .


الأول :


تأويل العامي على سبيل الإشتغال بنفسه وهو حرام يشبه الخوض فى البحر المغرق ممن لايحسن السباحة . ولاشك فى تحريم ذلك ، وبحر معرفة الله أبعد غورا وأكثر معاطب ومهالك من بحر الماء ، لأن هلاك هذا البحر لاحياة بعده وهلاك بحر الدنيا لايزيل إلا الحياة الفانية وذلك يزيل الحياة الأبدية فشتان بين الخطرين .

الموضع الثاني :


أن يكون ذلك من العالم مع العامي وهو أيضا ممنوع ، مثاله : أن يجر السباح الغواص فى البحر مع نفسه عاجزا عن السباحة مضطرب القلب والبدن وذلك حرام لأنه عرضه لخطر الهلاك فإنه لايقوى على حفظه فى لجة البحر ، وإن قدر على حفظه فى القرب من الساحل ولو أمره بالوقوف بقرب الساحل لايطيعه ، وإن أمره بالسكون عند إلتطام الأمواج وإقبال التماسيح وقد فغرت فاها للإنتقام اضطرب قلبه وبدنه ولم يكن على حسب مراده لقصور طآقته ، وهذا هو المثال الحق للعالم إذا فتح للعامي باب التأويلات والتصرف فى خلاف الظواهر ، وفى معنى العوام الأديب والنحوي والمحدث والمفسر والفقيه والمتكلم بل كل عالم سوى المتجردين لتعلم السباحة فى بحار المعرفة القاصرين أعمارهم عليه الصارفين وجوههم عن الدنيا والشهوات ، المعرضين عن المال والجاه والخلق وسائر الملذات المخلصين لله تعالى فى العلوم والأعمال ، العاملين بجميع حدود الشريعة وآدابها فى القيام بالطاعات وترك المنكرات ، المفرغين قلوبهم بالجملة عن غير الله تعالى لله ، المستحقرين للدنيا بل الآخرة والفردوس الأعلى فى جنب محبة الله تعالى ، فهؤلاء هم أهل الغوص فى بحر المعرفة وهم مع ذلك كله على خطر عظيم يهلك من العشرة تسعة إلى أن يسعد واحد بالدر المكنون والسر المخزون ، أولئك الذين سبقت لهم من الحسنى فهم الفائزون : ( وربك يعلم ماتكن صدورهم ومايعلنون ) القصص 69

الموضع الثالث :


تأويل العارف مع نفسه فى سر قلبه بينه وبين ربه وهو على ثلاثة أوجه ، فإن انقدح فى سره أن المراد من لفظ الإستواء والفوق مثلا إما أن يكون مقطوعا به أو مشكوكا فيه أو مظنونا ظنا غالبا ، فإن كان قطعيا فليعتقده وإن كان مشكوكا فليجتنبه ولايحكمن على مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من كلامه باحتمال يعارضه مثله من غير ترجيح ، بل الواجب على الشاك التوقف ، وإن كان مظنونا فاعلم أن للظن متعلقين :

أحدهما : أن المعنى الذى انقدح عنده هل هو جائز فى حق الله أم هو محال ؟
والثاني : أن يعلم قطعا جوازه لكن تردد فى أنه هل هو مراده أم لا ؟؟

مثال الأول : تأويل لفظ الفوق بالعلو المعنوي الذى هو المراد بقولنا : السلطان فوق الأمير ، فإنا لانشك فى ثبوت معناها لله تعالى لكنا ربما نتردد فى أن لفظ الفوق فى قوله تعالى ( يخافون ربهم من فوقهم ) النحل 50 . هل أريد به العلو المعنوي أم أريد به معنى آخر يليق بجلال الله تعالى دون العلو بالمكان الذى هو محال على ماليس بجسم ولا هو صفة فى جسم .
ومثال الثاني : تأويل لفظ الإستواء على العرش ، بأنه أراد به النسبة الخآصة التي للعرش ونسبته أن الله تعالى يتصرف فى جميع العالم ويدبر الأمر من السماء إلى الأرض بواسطة العرش فإنه لايحدث فى العالم صورة مالم يحدثه فى العرش ، كما لايحدث النقاش والكاتب صورة وكلمة على البياض مالم يحدثه فى الدماغ ، بل لايحدث البناء صورة الأبنية مالم يحدث صورتها فى الدماغ فبواسطة الدماغ يدبر القلب أمر عالمه الذي هو بدنه .. فربما نتردد فى اثبات هذه النسبة للعرش إلى الله تعالى هل هو جائز ؟؟ إما لوجوبه فى نفسه أو لأنه أجرى به سنته وعادته وإن لم يكن خلافه محالا كما أجرى عادته فى حق قلب الإنسان بأن لايمكنه التدبير إلا بواسطة الدماغ ، وإن كان فى قدرة الله تعالى تمكينه منه دون الدماغ لو سبقت به إرادته الأزلية وحقت به الكلمة القديمة التي هى علمه فصار خلافه ممتنعا لا لقصور فى ذات القدرة ولكن لإستحالة مايخالف الإرادة القديمة والعلم السابق الأزلي ، ولذلك قال ( ولن تجد لسنة الله تبديلا ) الأحزاب62 والفتح 23 وإنما لاتتبدل لوجوبها وإنما وجوبها لصدورها عن إرادة أزلية واجبة ، ونتيجة الواجب واجبه ونقيضها محال وإن لم يكن محالا فى ذاته ، ولكنه محال لغيره وهو افضاؤه إلى أن ينقلب العلم الأولي جهلا ويمنع نفوذ المشيئة الأزلية .

فإذا اثبات هذه النسبة لله تعالى مع العرش فى تدبير المملكة بواسطته إن كان جائزا عقلا ، فهل واقع وجودا .. هذا مما قد يتردد الناظر وربما يظن وجوده هذا مثال الظن فى نفس المعنى ، والأول مثال الظن فى كون المعنى مرادا من الظنين إذا انقدح فى النفس وحاك فى الصدر فلايدخل تحت الإختيار دفعه عن النفس ولايمكنه أن لايظن فإن الظن اسباب ضرورية لايمكن دفعها ولايكلف الله نفسا إلا وسعها لكن عليه وظيفتان :

إحادهما : أن لايدع نفسه تطمئن إليه جزما من غير شعور بإمكان الغلط فيه ولاينبغي أن يحكم من نفسه بموجب ظنه حكما جازما .

والثانية : أنه إن ذكره لم يطلق القول بأن المراد بأن الإستواء كذا أو المراد بالفوق كذا لأنه حكم بمالايعلم ، وقد قال الله تعالى : ( ولاتقف ماليس لك به علم ) الإسراء لكن يقول : أنا أظن أنه كذا فيكون صادقا فى خبره عن نفسه وعن ضميره ولايكون حكما على صفة الله ولا على مراده بكلامه ، بل حكما على نفسه ونبأ عن ضميره ، فإن قيل : وهل يجوز ذكر هذا الظن مع كآفة الخلق والتحدث به كما اشتمل عليه ضميره وكذلك لو كان قاطعا ، فهل له أن يتحدث به ؟ قلنا : تحدثه به إنما يكون على أربعة أوجه :

فإما أن يكون مع نفسه أو مع من مثله فى الإستبصار أو مع من هو مستعد للإستبصار بذكائه وفطنته وتجرده لطلب معرفة الله تعالى ، أو مع العامي .

فإن كان قاطعا فله أن يحدث نفسه به ويحدث من هو مثله فى الإستبصار أو من هو متجرد لطلب المعرفة مستعد له خال عن الميل إلى الدنيا والشهوات والتعصبات للمذاهب وطلب المباهاة بالمعارف والتظاهر بذكرها مع العوام ، فمن اتصف بهذه الصفات فلا بأس بالتحدث معه لأن الفطن المتعطش إلى المعرفة للمعرفة لالغرض آخر يحيك فى صدره اشكال الظواهر وربما يلقيه فى تأويلات فاسدة لشدة شرهه على الفرار من مقتضى الظواهر ومنع العلم أهله – علم – كبته إلى غير أهله .


وأما العامي فلا ينبغي أن يحدث به وفى معنى العامي كل من لايتصف بالصفات المذكورة بل مثاله ماذكرناه من إطعام الرضيع الأطعمة القوية التى لايطيقها ، وأما المظنون فتحدثه مع نفسه اضطرار فإن ماينطوي عليه الذهن من ظن وشك وقطع لازالت النفس تتحدث به ولاقدرة على الخلاص منه ، فلا منع منه ولاشك فى منع التحدث به مع العوام ، بل هو أولى بالمنع من المقطوع ، أما من تحدثه مع من هو فى مثل درجته فى المعرفة أو مع المستعد له ففيه نظر .. فيحتمل أن يقال هو جائز ولايزيد على أن يقول أظن كذا وهو صادق ، ويحتمل المنع لأنه قادر على تركه وهو بذكره متصرف بالظن فى صفة الله تعالى أو فى مراده من كلامه وفيه خطر وإباحته تعرف بنص أو إجماع أو قياس على منصوص ولم يرد شىء من ذلك بل ورد قوله تعالى : ( ولاتقف ماليس لك به علم ) الإسراء 36 فإن قيل يدل على الجواز .. ثلاثة أمور :

فالأول : الدليل الذي دل على إباحة الصدق وهو صادق ، فإنه ليس بخبر إلا عن ظنه وهو ظان .

والثاني : أقاويل المفسرين فى القرآن بالحدس والظن ، إذ كل ماقالوه غير مسموع عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، بل مستبط بالإجتهاد ولذلك كثرت الأقاويل وتعارضت .

الثالث : إجماع التابعين على نقل الأخبار المتشابهه التى نقلها آحاد الصحابة ولم تتواتر ، ومااشتمل عليه الصحيح الذى نقله العدل عن العدل فإنهم جوزوا روايته ولايحصل بقول العدل إلا الظن .

والجواب عن الأول : أن المباح صدق لايخشى منه ضرر ، وبث هذه الظنون لايخلو عن ضرر فقد يسمعه من يسكن إليه ويعتقده جزما فيحكم فى صفات الله تعالى بغير علم وهو خطر والنفوس نافرة عن أشكال الظواهر ، فإذا وجد مستروحا من المعنى ولو كان مظنونا سكن إلأيه واعتقد جزما ، وربما يكون غلطا فيكون قد اعتقد فى صفات الله تعالى ماهو الباطل أو حكم عليه بمالم يرد به .

وأما الثاني : وهو أقاويل المفسرين بالظن فلايسلم ذلك فيما هو من صفات الله تعالى كالإستواء والفوق وغيره ، بـل لعل ذلك فى االأحكام الفقهية أو في حكايات أحوال الأنبياء والكفار والمواعظ والأمثال ومالايعظم الخطأ فيه .

وأما الثالث : فقد قال قائلون لايجوز أن يعتمده فى هذا الباب إلآ ماورد في القرآن الكريم أو تواتر عن الرسول صلى الله عليه وسلم تواترا يفيد العلم . فأما أخبار الآحاد ، فلايقبل فيه ولانشتغل بتأويله عند من يميل إلأى التأويل ، ولابروايته عند من يقتصر على الرواية لأن ذلك حكم بالمظنون واعتماد عليه ، وماذكروه ليس ببعيد لكنه مخالف لظواهر مادرج عليه السلف ، فإنهم قبلوا هذه الأخبار من العدول ورووها وصححوها فالجواب من وجهين :

أحدهما : أن التابعين كانوا قد عرفوا من أدلة الشرع أنه لايجوز اتهام العدل بالكذب لاسيما فى صفات الله تعالى ، فإذا روى الصديق رضي الله عنه خبرا ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كذا فرد روايته تكذيب له ونسبة له إلى الوضع أو إلى السهو فقبلوه وقالوا : قال أبو بكر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا في التابعين ، فالآن إذا ثبت عندهم بأدلة الشرع أنه لاسبيل إلى اتهام العدل التقي من الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، فمن أين يجب أن لايتهم ظنون الآحاد وأن ينزل الظن منزله نقل العدل مع أن بعض الظن أثم ، فإذا قال الشارع : ماأخبركم به العدل فصدقوه واقبلوه وانقلوه واظهروه فلايلزم من هذا أن يقال ماحدثتكم به نقوسكم من ظنونكم فاقبلوه واظهروه وارووا عن ظنونكم وضمائركم ونفوسكم ماقالته ، فليس هذا فى معنى النصوص ، ولهذا نقول مارواه غير العدل من هذا الجنس ينبغي أن يعرض عنه ولايروى ويحتاط فيه أكثر مما يحتاط فى المواعظ والأمثال ومايجري مجراها .


والجواب الثاني : أن تلك الأخبار روتها الصحابة لأنهم سمعوه يقينا فما نقلوا إلا ما تيقنوه والتابعين قبلوه ورووه ، وماقالوا :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا ، بل قالوا قال فلان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكانوا صادقين ، وماأهملوا روايته لإشتمال كل حديث على فوائد سوى اللفظ الموهم عند العارف معنى حقيقيا يفهمه منه ليس ذلك ظنيا فى حقه مثاله رواية الصحابي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : (( ينزل الله تعالى كل ليله إلى السماء الدنيا فيقول هل من داع فأستجيب له ، هل من مستغفر فأغفر له )) الحديث فهذا الحديث سيق لنهاية الترغيب فى قيام الليل وله تأثير عظيم فى تحريك الدواعي للتهجد الذى هو أفضل العبادات . فلو ترك هذا الحديث لبطلت هذه الفائدة العظيمة ولاسبيل إلى إهمالها وليس فيه إلا ايهام لفظ النزول عند الصبي والعامي الجاري مجرى الصبي ، وماأهون على البصير أن يغرس فى قلب العامي التنزيه والتقديس عن صورة النزول بأن يقول له : إن كان له : إن كان نزوله إلى السماء الدنيا ليسمعنا نداءه وقوله فما أسمعنا فأي فائدة فى نزوله ، ولقد كان يمكنه أن ينادينا كذلك وهو على العرش أو السماءالعليا

فهذا القدر يعرف العامي أن ظاهر النزول باطل بل مثاله أن يريد من فى المشرق إسماع شخص فى المغرب ومناداته ، فيتقدم إلى المغرب بأقدام معدودة زأخذ يناديه وهو يعلم أنه لايسمع ، فيكون نقله الأقدام عملاباطلا وفعلا كفعل المجانين ، فكيف يستقر مثل هذا فى قلب عاقل ، بل يضطر بهذ القدر كل عامي إلى أن يتيقن نفي صورة النزول ، وكيف وقد علم استحالة الجسمية عليه واستحالة الإنتقال على غير الأجسام كاستحالة النزول من غير انتقال ، فّالفائدة فى نقل هذه الأخبار عظيمة والضرر يسير ، فأنى يساوي هذا حكاية الظنون المنقدحة فى االأنفس ، فهذا سبل تجاذب طرق االإجتهاد فى إباحة ذكر التأويل والمظنون أو المنع ، ولايبعد ذكر وجه ثالث وهو أن ينظر إلى قرائن حال السائل والمستمع ، فإن علم أنه ينتفع به ذكره وإن علم أنه يتضرر تركه وإن ظن أحد الأمرين كان ظنه كالعلم فى إباحة الذكر ، وكم من انسان لاتتحرك داعيته باطنا إلى معرفة هذه المعاني ولايحيك فى نفسه إشكال ظواهرها ، فذكر التأويل معه مشوش وكم من انسان يحيك فى نفسه إشكال الظاهر حتى يكاد يسوء اعتقادده فى الرسول صلى الله عليه وسلم وينكر قوله الموهم ، فمثل هذا لو ذكر معه الإحتمال المظنون بل مجرد الإحتمال الذي ينبو عنه اللفظ انتفع به ولابأس بذكره معه فإنه دواء لدائه ، وإن كان داء فى غيره ، ولكن لاينبغي أن يذكر على رؤوس المنابر لأن ذلك يحرك الدواعي الساكنة من أكثر المستمعين ، وقد كانوا عنه غافلين وعن إشكاله منفكين ، ولما كان زمان السلف الأول زمان سكون القلب بالغوا فى الكف عن التأويل خيفة من تحريك الدواعي وتشويش القلوب ، فمن خالفهم فى ذلك الزمان فهو الذي حرك الفتنة وألقى هذه الشكوك فى القلوب ، مع الإستغناء عنه فباء بالإثم . أما الآ، وقد فشا ذلك فى بعض البلاد فالعذر فى إظهار شىء من ذلك رجاء لإماطة الأوهام الباطله عن القلوب أظهر واللوم عن قائله أقل

فإن قيل فقد فرقتم بين التأويل المقطوع و المظنون فبماذا يحصل القطع بصحة بصحة التأويل ؟

قلنا بأمرين :
أحدهما : أن يكون المعنى مقطوعا ثبوته لله تعالى كفوقية المرتبة .

الثاني : أن لايكون اللفظ محتملا إلا لأمرين وقد بطل أحدهما وتعين الثاني مثاله قوله تعالى ( وهو القاهر فوق عباده ) الأنعام 18 فإنه إن ظهر فى وضع اللسان أن الفوق لايحتمل إلا فوقية المكان أو فوقية الرتبة ، وقد بطل فوقية المكان لمعرفة التقديس لم يبق إلآ فوقية الرتبة كما يقال : السيد فوق العبد ، والزوج فوق الزوجة ، والسلطان فوق الوزير .فالله فوق عباده بهذا المعنى وهذا كالمقطوع به فى لفظ الفوق وأنه لايستعمل لسان العرب إلا فى هذين المعنيين ، أما لفظ الإستواء إلى السماء وعلى العرش ربما لاينحصر مفهومه فى اللغة هذا الإنحصار ، وإذا تردد بين ثلاثة معان معنيان جائزان على الله تعالى ومعنى واحد وهو الباطل ، فتنزيله على أحد المعنيين الجائزيين أن يكون بالظن وبالإحتمال المجرد وهذا تمام النظر فى الكف عن التأويل .


ما زلنا مع الوظيفة الخامسة من الوظائف السبعة التي يرى الإمام الغزالي رحمه الله ضرورة أن يسلكها و يتمسك بها المسلم العامي و من هو فى حكمه تجاه جملة الآيات و الأحاديث الموهمة للتجسيد و التشبيه .. وهى الوظيفة التى يرى فيها الغزالي رحمه الله ضرورة الإمساك عن التصرف فى هذه الألفاظ الواردة فى تلك الآيات و الأحاديث الموهمة للشبيه و التجسيد و ذلك من ستة أوجه .. نقلنا منها الإمساك عن تفسير هذه الآيات بتبديل اللفظ بلغة أخرى يقوم مقامها فى العربية و معناها بالفارسية و التركية و سائر اللغات .. و نقلنا كذلك ضرورة الإمساك عن التأويل و نعني به بيان معنى الآيات بعد إزالة ظاهرها .. هذا مع ضرورة استصحاب تقديس الله عز و جل فى كل ذلك و تنزيهه عن الجسمية و الحلول و الإنتقال .. ثم نتحدث الآن عن التصرف الثالث والذى يجب على المسلم العامي أن يمسك عنه فى تناوله لتلك الأخبار .. وهى الإمساك عن التصريف .. ثم ننقل بعد ذلك التصرف الرابع وهو ضرورة الإمسك عن القياس والتفريع فى تلك الأخبار الموهمة للتشبيه والتجسيد والآن اتركم مع الإمام الغزالي رحمه الله .









قديم 2013-11-06, 17:04   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
كلمات مبعثرة
عضو محترف
 
الصورة الرمزية كلمات مبعثرة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


التصرف الثالث : الذى يجب الإمساك عنه


التصريف


ومعناه أنه إذا ورد قوله تعالى ( استوى على العرش ) فلاينبغي أن يقال مستو ويستوي ، لأن المعنى يجوز أن يختلف لأن دلالة قوله هو مستو على العرش على الإستقرار أظهر من قوله ( رفع السموات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش ) الرعد 2 ، بل هو كقوله ( خلق لكم مافى الأرض جميعا ثم ااستوى إلى السمآء ) البقرة 29 فإن هذا يدل على استواء قد انقضى من إقبال على خلقه أو على تدبير المملكة بواسطته ، ففي تغيير التصاريف مايوقع فى تغيير الدلالات والإحتمالات ، فليجتنب التصريف كما يجتنب الزيادة فإن تحت التصريف الزيادة والنقصان .



التصرف الرابع :


الذى يجب الإمساك عنه القياس والتفريع مثل : أن يرد للفظ اليد فلايجوز إثبات الساعد والعضد والكف مصيرا إلى أن هذا من لوازم اليد ، وإذا ورد الأصبع لم يجز ذكر الأنملة كمالايجوز ذكر اللحم والعظم والعصب ، وإن كانت اليد المشهورة لاتنفك عنه ، وأبعد من هذه الزيادات اثبات الرجل عند ورود اليد ، واثبات الفم عند ورود العين أو عند ورود الضحك ، واثبات الأذن والعين عند ورود السمع والبصر وكل ذلك محال ، وكذب وزيادة ، وقد يتجاسر بعض الحمقى من المشبهه الحشوية فلذلك ذكرناه .




الآن نختم الحديث عن المسلك الخامس من المسالك السبعة التى ينبغي على المسلم أن يسلكها فى قراءته وفهمه للأخبار الموهمة للتجسيد والتشبيه .. وهو الخآص بضرورة الإمساك عن التصرف في ألفاظ آيات الأخبار والنعوت الإضافية .. مثل قوله تعالى يد الله فوق أيديهم .. وقوله تعالى الرحمن على العرش استوى .. وحديث نزول المولى عزوجل فى الثلث الأخير من الليل إلأى آخره .. وذلك من ستة وجوه : التفسير والتأويل والتصريف والتفريع والجمع والتفريق .. وقد نقلنا مايتعلق بضرورة الإمساك عن التفسير والتأويل والتصريف .. وبقي الآن الحديث عن الجمع والتفريق .. وهو من أهم النقاط التى وردت فى كتاب الغزالي إلجام العوام عن علم الكلام .. وبقي لما قبل أن نفتح باب النقاش حول منهج الغزالي فى الأسماءوالصفات .. أن ننقل لحضراتكم فى المرات القادمة بعون الله تعالى مايتعلق بالمسلك السادس وهو الكف بعد الإمساك .. ثم التسليم لأهل المعرفة .






التصرف الخامس
لايجمع بين متفرق

لايجمع بين متفرق ولقد بعد عن التوفيق من صنف كتابا في جمع الأخبار خآصة ورسم في كل عضو بابا فقال : باب اثبات الرأس وباب فى اليد إلى غير ذلك ، وسماه كتاب الصفات .فإن هذه كلمات متفرقة صدرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أوقات متفرقة متباعدة إعتمادا على قرائن مختلفة تفهم السامعين معاني صحيحة . فإذا ذكرت مجموعة على مثال خلق الإنسان صار جمع تلك المتتفرقات فى السمع دفعة واحدة عظيمة فى تأكيد الظاهر وإيهام التشبيه وصار الإشكال فى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نطق بما يوهم خلاف الحق أعظم فى النفس وأوقع ، بل الكلمة الواحدة يتطرق إلأيها افحتمال ، فإذا اتصل بها ثانية وثالثة ورابعة من جنس واحد صار متواليا يضعف الإحتمال بالإضافة إلى الجملة .
ولذلك يحصل من الظن بقول المخبرين وثلاثة مالايحصل بقول الواحد ، بل يحصل من العلم القطعي بخبر التواتر مالايحصل بالاحاد ويحصل من العلم القطعي باجتماع التواتر مالايحصل بالآحاد وكل ذلك نتيجة الإجتماع إإذ يتطرق الإحتمال إلى قول كل عدل وإلأى كل واحدة من القرائن ، فإذا انقطع الإحتمال أو ضعف فلذلك لايجوز جمع المتفرقات .



التصرف السادس
التفريق بين المجتمعات

التفريق بين المجتمعات فكما لايجمع بين متفرقة فلا يفرق بين مجتمعه ، فإن كل كلمة سابقة على كلمة أو لاحقة لها مؤثرة فى تفهم معناه مطلقا ومرجحة الإحتمال الضعيف فيه ، فإذا فرقت وفصلت سقطت دلالتها مثال قوله تعالى : ( وهو القاهر فوق عباده ) الأنعام 18 لاتسلط على أن يقول القائل هو فوق ، لأنه إذا ذكر القاهر قبله ظهر دلالة الفوق على الفوقية التى للقاهر مع المقهور وهي فوقية الرتبة ولفظ القاهر يدل عليه بل لايجوز أن يقول وهو القاهر فوق غيره ، بل ينبغي أن يقول فوق عباده لأن ذكر العبودية فى وصفه في الله فوقه يؤكد احتمال فوقية السيادة إذ لايحسن أن يقال زيد فوق عمر ، قبل أن يتبين تعاونهما فى معنى السيادة والعبودية أو غلبة القهر أو نفوذ الأمر يالسلطة أو الأبوة أو بالزوجية ، فهذه الأمور يغفل عنها العلماء فضلا عن العوام فكيف يسلط العوام فى مثل ذلك على التصرف بالجمع والتفريقوالتأويل والتفسير وأنواع التغيير ، ولأجل هذه الدقائق بالغ السلف فى الجمود والإقتصار على موارد التوقيف كما ورد على الوجه الذى ورد وباللفظ الذى ورد والحق ماقالوه والصواب مارأوه ، فأهم المواضع بالإحتياط ماهو تصرف فى ذات الله وصفاته وأحق المواضع بإلجام اللسان وتقييده عن الجريان فيما يعظم فيه الخطر وأي خطر أعظم من الكفر .



هكذا نكون قد قاربنا على الإنتهاء من الباب الأول من كتاب الغزالي رحمه الله ( إلجام العوام عن علم الكلام ) وهو الباب الأهم الذى يرسم فيه الغزالي رحمه الله منهجا قرآنيا متكاملا ينبغي أن يلتزمه المسلمون جميعا فى فهم آيات الأخبار والنعوت الإضافية مثل قوله تعالى يد الله فوق ايديهم .. وقوله تعالى الرحمن على العرش استوى ومثل حديث النزول فى الثلث الأخير من الليل إلى آخره .. والآن نقرأ سويا الوظيفة السادسة أو المسلك السادس والذى يجب فيه على المسلم أن يكف فكره عن التفكر فى ذات الله ومعرفة كنهه .. بل يجب عليه أن يدفع هذه الوساس والظنون عن ذهنه .. ولايستجلبها اصلا ولا يستمع إلى أولئك النفر من المجسمة الذين يرسمون لله صورة ذهنية تشبه صورة البشر ولايغرنك قولهم بلا تشبيه ولاتمثيل فقد حصل التشبيه والتمثيل فى عباراتهم المبتدعة .. إلى غير ذلك مما سنوضحه عند الإنتهاء من هذا الباب .. وفتح باب المناقشة فى موضوع مستقل لكشف الأخطاء والأضاليل التى يروج لها هذه أدعياء السلفية فى كتبهم .. ويزعمون انهم على طريق السلف سائرون .. بينما هم سائرون على طريق سلفهم الطالح من المجسمة والمشبهه .. ويتبقى معنا وظيفة سابعة ننقلها لكن قريبا إن شاء الله لنبدأ المناقشة بعون الله تعالى .





الوظيفة السادسة

فى الكف بعد الإمساك

وأعني بالكف كف الباطن عن التفكر فى هذه الأمور ، فذلك واجب عليه .. كما وجب عليه إمساك اللسان عن السؤال والتصرف ، وهذا أثقل الوظائف وأشدها وهو واجب كما هو على العاجز الزمن أن لايخوض غمرة البحار ، وإن كان يتقاضاه طبعه أن بغوص فى البحار ويخرج دررها وجواهرها ، ولكن لاينبغي أن تغره نفاسة جواهرها مع عجزه عن نيلها ، بل ينبغي أن ينظر إلى عجزه وكثرة معاطبها ومهالكها ويتفكر أنه إن فات نفائس البحار فمافته إلآ زيادات وتوسعات في المعيشة وهو مستغن عنها ، فإن غرق أو التقمه تمساح فإته أصل الحياة .


فإن قلت : إن لم ينصرف قلبه من التفكر والتشوف إلى البحث فما طريقه ؟ قلت طريقه أن يشغل نفسه بعبادة الله والصلاة وقراءة القرآن والذكر ، فإن لم يقدر فبعلم آخر لايناسب هذا الجنس من لغة أونحو أوخط أو طب أو فقه ، فإن لم يمكنه فبحرفة أو صناعة ولو الحراثة ةالحياكة ، فإن لم يقدر فبلعبولهو وكل ذلك خير له من الخوض فى هذا البحر البعيد غوره وعمقه .. العظيم خطره وضرره .. بل لو اشتغل العامي بالمعاصي البدينة ربما كان أسلم له من أن يخوض فى البحث عن معرفة الله تعالى ، فإن ذلك غايته الفسقوهذا عاقبته الشرك : ( إن الله لايغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء ) النساء116


فإن قلت العامي إذا لم تكن نفسه إلى الإعتقادات الدينية إلا بدليل .. فهل يجوز أن يكون له الدليل فإذا جوزت ذلك فقد رخصت له فى التفكر والنظر ، وأي فرق بينه وبين غيره ؟؟


الجواب : أني أجوز له أن يسمع الدليل على معرفة الخالق ووحدانيته وعلى صدق الرسول وعلى اليوم الآخر ولكن بشرطين :
أحدهما : أن لايزاد معه على الأدلة التي فى القرآن .
والآخر : أن لايماري فيه إلا مراء ظاهرا ولايتفكر فيه إلا تفكرا سهلا جليا ولايمعن فى التفكر ولايوغل الإيغال فى البحث ، وأدلة هذه الأمور الأربعة ماذكر فى القرآن .


أما الدليل على معرفة الخالق فمثل قوله تعالى : ( قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله ) يونس 31 وقوله : ( أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها من فروج والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج تبصرة وذكرى لكل عبد منيب ونزلنا من السماء مآء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد ) ق 6-10 وكقوله : ( فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماءصبا ثم شققنا الأرضشقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا ) عبس24-31 وقوله : ( ألم نجعل الأرضمهادا والجبال أوتادا ) إلى قوله ( وجنات وألفافا ) النبأ 6-16 وأمثال ذلك هي قريب من خمسمآئة آيه جمعناها فى كتاب جواهر القرآن بها ينبغي أن يعرف الخلق جلال الله الخالق وعظمته لابقول المتكلمين أن الأعراض حادثة ، وأن الجواهر لاتخلو عن الأعراض الحادثة فهيحادثة ثم الحادث يفتقر إلى محدث فإن تلك التقسيمات والمقدمات واثباتها بأدلتها الرسمية يشوش قلوب العوام والدلالات الظاهرة القريبة من الأفهام على مافي القرآن تنفعهم وتسكن قلوبهم وتغرس فى قلوبهم الإعتقادات الجازمة .

وأما الدليل على الوحدانية فيقنع فيه بما فى القرآن من قوله تعالى : ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) الأنبياء22 ، فإن اجتماع المدبرين سبب فى افساد التدبير ، وبمثل قوله : ( لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لأبتغوا إلى ذى العرش سبيلا ) الإسراء 42 وقوله تعالى : ( مااتخذ الله من ولد وماكان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض ) المؤمنون 91 .


وأما صدق الرسول فيستدل عليه بقوله تعالى ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لايأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ) الإسراء 88 وبقوله : ( فأتوا بسورة من مثله ) البقرة 23 وقوله : ( قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات ) هود 13 وأمثاله .

وأما اليوم الآخر : فيستدل عليه بقوله تعالى : ( قال من يحي العظام وهيرميم قل يحييها الذى أنشأها أول مرة ) يس 78 -79 وبقوله تعالى ( أيحسب الإنسان أن يترك سدى ألم يك نطفة من مني يمنى ) القيامة إلى قوله تعالى : ( أليسذلك بقادر على أن يحيي الموتى ) القيامة 36-40
وبقوله : ( يأيها الناس إن كنتم فى ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ) إلى قوله ( فإذا أنزلنا عليها المآء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ) الحج . وأمثال ذلك كثير فى القرآن فلاينبغي أن يزاد عليه .



فإن قيل : فهذه الأدلة التي اعتمدها المتكلمون وقرروا وجه دلالتها ، فمابالهم يمتنعون عن تقرير هذه الأدلة لايمتنعون عنها ، وكل ذلك مدرك بنظر العقل وتأمله فإن فتح للعامي النظر فليفتح مطلقا أو ليسد عليه طريق النظر رأسا وليكلف التقليد من غير دليل .

الجواب : أن الدلاله تنقسم إلى مايحتاج فيه تفكر وتدقيق خارج عن طآقة العامي وقدرته ، وإلى ماهو جلي سابق إلى الأفهام ببادىء الرأي من أول النظر مما يدركه كآفة الناس بسهوله ، فهذا لاخطر فيه ، وما يفتقر إلى التدقيق فليس على حد وسعه فأدلة القرآن مثل الغذاء ينتفع به كل انسان وأدلة المتكلمين مثل الدواء ينتفع به آحاد الناس وتستضر به الأكثرون ، بل أدلة القرآن كالماء الذي ينتفع به الصبي الرضيع والرجل القوي وسائر الأدلة كالأطعمة التي ينتفع بها الأقوياء مرة ويمرضون بها أخرى ولاينتفع بها الصبيان أصلا .

ولهذا قلنا أدلة القرآن أيضا ينبغي أن يصغى إليها إصغاء إلى كلام جلي ولايمارى فيه إلا مراء ظاهرا ، ولايكلف نفسه تدقيق الفكر وتحقيق النظر فمن الجلي أن من قدر على الإبتداء فهو على الإعادة أقدر ، كما قال : ( وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ) الروم 27
وأن التدبير لاينتظم فى دار واحدة بمدبرين فكيف ينتظم العالم ؟؟ وأن من خلق علم كما قال تعالى ( ألا تعلم من خلق ) الملك .


فهذه الأدلة تجري للعوام مجرى الماءالذي جعل الله منه كل شىء حي، وماأخذه المتكلمون وراءذلك من تنقير وسؤال وتوجيه اشكال ثم اشتغال بحله فهو بدعة وضرره فى حق أكثر الخلق ظاهر ، فهو الذي ينبغي أن يتوقى والدليل على تضرر الخلق به المشاهدة والعيان والتجربة وماثار من الشر منذ نبغ المتكلمون وفشت صناعة الكلام مع سلامة العصر الأول من الصحابة من مثل ذلك ، ويدل عليه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة أجمعين ماسلكوا فى المحاجة مسلك المتكلمين فى تقسيماتهم وتدقيقاتهم لا لعجز منهم عن ذلك ، فلو علموا أن ذلك نافع لاطنبوا فيه ولخاضوا فى تحرير الأدلة خوضا يزيد على خوضهم فى مسائل الفرائض .

فإن قيل : إنما أمسكوا عنه لقلة الحآجة ، فإن البدع إنما نبغت بعدهم فعظم حآجة المتأخرين ، وعلم الكلام راجع إلى علم معالجة المرضى بالبدع ، فلما قلت فى زمانهم أمراض البدع قلت عنايتهم بجميع طرق المعالجة فالجواب من وجهين :

أحدهما : أنهم فى مسائل الفروض مااقتصروا على بيان حكم الوقائع ، بل وضعوا المسائل وفرضوا فيها ماتنقضي الدهور ولايقع مثله لأن ذلك مما أمكن وقوعه فصفوا علمه ورتبوه قبل وقوعه إذ علموا أنه لاضرر فى الخوض فيه وفى بيان حكم الواقعة قبل وقوعها ، والعناية بإزالة البدع ونزعها عن الفوس أهم فلم يتخذوا ذلك صناعة لأنهم عرفوا أن الإستضرار بالخوض فيه أكثر من الإنتفاع ، ولولا أنهم كانوا قد حذروا من ذلك وفهموا تحريم الخوض لخاضوا فيه .


والجواب الثاني : أنهم كانوا محتاجين إلى محآجة اليهود والنصارى فى اثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وإلى اثبات البحث مع منكريه ثم مازادوا فى هذه القواعد التي هيامهات العقائد على أدلة القرآن ، فمن أقنعه ذلك قبلوه ، ومن لم يقنع قتلوه وعدلوا إلى السيف والسنان بعد افشاء أدلة القرآن وماركبوا ظهر اللجاج فى وضع المقاييس العقلية وترتيب المقدمات وتحريم طريق المجادلة وتذليل طرقها ومنهاجها ، كل ذلك لعلمهم بأن ذلك مثار الفتن ومنبع التشويش ومن لايقنعه أدلة القرآن لايقمعه إلا السيف والسنان ، فما بعد بيان الله بيان
على أننا لاننكر أن حآجة المعالجة تزيد بزيادة المرض وأن لطول الزمان وبعد العهد عن عصر النبوة تأثيرا فى إثارة الإشكالات

وأن للعلاج طريقين :

أحدهما : الخوض فى البيان والبرهان إلى أن يصلح واحد فيفسد اثنان ، فإن صلاحه بالإضافة إلى الأكياس وفساده بالإضافة إلى البله وماأقل الأكياس وماأكثر البله والعناية بالأكثرين أولى .

والطريق الثاني : طريق السلف فى الكف والسكوت والعدول إلى الدرة والسوط والسيف ، وذلك مما يقنع الأكثرين وإن كان لايقنع الأقلين وآيه إقناعه أن من يسترق من الكفار من العبيد والإماء تراهم يسلمون تحت ظلال السيوف ثم يستمرون عليه حتى يصير طوعا ماكان فى البداية كرها ويصير اعتقادا جزما ماكان فى الإبتداء مراء وشكا وذلك بمشاهدة أهل التدين والمؤانسة بهم وسماع كلام الله ورؤية الصالحين وخبرهم .. وقرائن من هذا الجنس تناسب طباعهم مناسبة أشد من مناسبة الجدل والدليل ، فإذا كان واحد من العلاجين يناسب قوما دون قوم وجب ترجيح الأنفع فى الأكثر فالمعاصرون للطبيب الأول المؤيد بروح القدس المكاشف من الحضرة الإلهية الموحى إليه من الخبير البصير بأسرار عباده و بواطنهم أعرف بالأصوب و الأصلح قطعا ، فسلوك سبيلهم لا محالة أولى .









قديم 2013-11-12, 23:16   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
ابو الفداء الجلفي
محظور
 
إحصائية العضو










Icon24

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة كلمات مبعثرة مشاهدة المشاركة

التصرف الثالث : الذى يجب الإمساك عنه


التصريف


ومعناه أنه إذا ورد قوله تعالى ( استوى على العرش ) فلاينبغي أن يقال مستو ويستوي ، لأن المعنى يجوز أن يختلف لأن دلالة قوله هو مستو على العرش على الإستقرار أظهر من قوله ( رفع السموات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش ) الرعد 2 ، بل هو كقوله ( خلق لكم مافى الأرض جميعا ثم ااستوى إلى السمآء ) البقرة 29 فإن هذا يدل على استواء قد انقضى من إقبال على خلقه أو على تدبير المملكة بواسطته ، ففي تغيير التصاريف مايوقع فى تغيير الدلالات والإحتمالات ، فليجتنب التصريف كما يجتنب الزيادة فإن تحت التصريف الزيادة والنقصان .



التصرف الرابع :


الذى يجب الإمساك عنه القياس والتفريع مثل : أن يرد للفظ اليد فلايجوز إثبات الساعد والعضد والكف مصيرا إلى أن هذا من لوازم اليد ، وإذا ورد الأصبع لم يجز ذكر الأنملة كمالايجوز ذكر اللحم والعظم والعصب ، وإن كانت اليد المشهورة لاتنفك عنه ، وأبعد من هذه الزيادات اثبات الرجل عند ورود اليد ، واثبات الفم عند ورود العين أو عند ورود الضحك ، واثبات الأذن والعين عند ورود السمع والبصر وكل ذلك محال ، وكذب وزيادة ، وقد يتجاسر بعض الحمقى من المشبهه الحشوية فلذلك ذكرناه .




الآن نختم الحديث عن المسلك الخامس من المسالك السبعة التى ينبغي على المسلم أن يسلكها فى قراءته وفهمه للأخبار الموهمة للتجسيد والتشبيه .. وهو الخآص بضرورة الإمساك عن التصرف في ألفاظ آيات الأخبار والنعوت الإضافية .. مثل قوله تعالى يد الله فوق أيديهم .. وقوله تعالى الرحمن على العرش استوى .. وحديث نزول المولى عزوجل فى الثلث الأخير من الليل إلأى آخره .. وذلك من ستة وجوه : التفسير والتأويل والتصريف والتفريع والجمع والتفريق .. وقد نقلنا مايتعلق بضرورة الإمساك عن التفسير والتأويل والتصريف .. وبقي الآن الحديث عن الجمع والتفريق .. وهو من أهم النقاط التى وردت فى كتاب الغزالي إلجام العوام عن علم الكلام .. وبقي لما قبل أن نفتح باب النقاش حول منهج الغزالي فى الأسماءوالصفات .. أن ننقل لحضراتكم فى المرات القادمة بعون الله تعالى مايتعلق بالمسلك السادس وهو الكف بعد الإمساك .. ثم التسليم لأهل المعرفة .






التصرف الخامس
لايجمع بين متفرق

لايجمع بين متفرق ولقد بعد عن التوفيق من صنف كتابا في جمع الأخبار خآصة ورسم في كل عضو بابا فقال : باب اثبات الرأس وباب فى اليد إلى غير ذلك ، وسماه كتاب الصفات .فإن هذه كلمات متفرقة صدرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أوقات متفرقة متباعدة إعتمادا على قرائن مختلفة تفهم السامعين معاني صحيحة . فإذا ذكرت مجموعة على مثال خلق الإنسان صار جمع تلك المتتفرقات فى السمع دفعة واحدة عظيمة فى تأكيد الظاهر وإيهام التشبيه وصار الإشكال فى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نطق بما يوهم خلاف الحق أعظم فى النفس وأوقع ، بل الكلمة الواحدة يتطرق إلأيها افحتمال ، فإذا اتصل بها ثانية وثالثة ورابعة من جنس واحد صار متواليا يضعف الإحتمال بالإضافة إلى الجملة .
ولذلك يحصل من الظن بقول المخبرين وثلاثة مالايحصل بقول الواحد ، بل يحصل من العلم القطعي بخبر التواتر مالايحصل بالاحاد ويحصل من العلم القطعي باجتماع التواتر مالايحصل بالآحاد وكل ذلك نتيجة الإجتماع إإذ يتطرق الإحتمال إلى قول كل عدل وإلأى كل واحدة من القرائن ، فإذا انقطع الإحتمال أو ضعف فلذلك لايجوز جمع المتفرقات .



التصرف السادس
التفريق بين المجتمعات

التفريق بين المجتمعات فكما لايجمع بين متفرقة فلا يفرق بين مجتمعه ، فإن كل كلمة سابقة على كلمة أو لاحقة لها مؤثرة فى تفهم معناه مطلقا ومرجحة الإحتمال الضعيف فيه ، فإذا فرقت وفصلت سقطت دلالتها مثال قوله تعالى : ( وهو القاهر فوق عباده ) الأنعام 18 لاتسلط على أن يقول القائل هو فوق ، لأنه إذا ذكر القاهر قبله ظهر دلالة الفوق على الفوقية التى للقاهر مع المقهور وهي فوقية الرتبة ولفظ القاهر يدل عليه بل لايجوز أن يقول وهو القاهر فوق غيره ، بل ينبغي أن يقول فوق عباده لأن ذكر العبودية فى وصفه في الله فوقه يؤكد احتمال فوقية السيادة إذ لايحسن أن يقال زيد فوق عمر ، قبل أن يتبين تعاونهما فى معنى السيادة والعبودية أو غلبة القهر أو نفوذ الأمر يالسلطة أو الأبوة أو بالزوجية ، فهذه الأمور يغفل عنها العلماء فضلا عن العوام فكيف يسلط العوام فى مثل ذلك على التصرف بالجمع والتفريقوالتأويل والتفسير وأنواع التغيير ، ولأجل هذه الدقائق بالغ السلف فى الجمود والإقتصار على موارد التوقيف كما ورد على الوجه الذى ورد وباللفظ الذى ورد والحق ماقالوه والصواب مارأوه ، فأهم المواضع بالإحتياط ماهو تصرف فى ذات الله وصفاته وأحق المواضع بإلجام اللسان وتقييده عن الجريان فيما يعظم فيه الخطر وأي خطر أعظم من الكفر .



هكذا نكون قد قاربنا على الإنتهاء من الباب الأول من كتاب الغزالي رحمه الله ( إلجام العوام عن علم الكلام ) وهو الباب الأهم الذى يرسم فيه الغزالي رحمه الله منهجا قرآنيا متكاملا ينبغي أن يلتزمه المسلمون جميعا فى فهم آيات الأخبار والنعوت الإضافية مثل قوله تعالى يد الله فوق ايديهم .. وقوله تعالى الرحمن على العرش استوى ومثل حديث النزول فى الثلث الأخير من الليل إلى آخره .. والآن نقرأ سويا الوظيفة السادسة أو المسلك السادس والذى يجب فيه على المسلم أن يكف فكره عن التفكر فى ذات الله ومعرفة كنهه .. بل يجب عليه أن يدفع هذه الوساس والظنون عن ذهنه .. ولايستجلبها اصلا ولا يستمع إلى أولئك النفر من المجسمة الذين يرسمون لله صورة ذهنية تشبه صورة البشر ولايغرنك قولهم بلا تشبيه ولاتمثيل فقد حصل التشبيه والتمثيل فى عباراتهم المبتدعة .. إلى غير ذلك مما سنوضحه عند الإنتهاء من هذا الباب .. وفتح باب المناقشة فى موضوع مستقل لكشف الأخطاء والأضاليل التى يروج لها هذه أدعياء السلفية فى كتبهم .. ويزعمون انهم على طريق السلف سائرون .. بينما هم سائرون على طريق سلفهم الطالح من المجسمة والمشبهه .. ويتبقى معنا وظيفة سابعة ننقلها لكن قريبا إن شاء الله لنبدأ المناقشة بعون الله تعالى .





الوظيفة السادسة

فى الكف بعد الإمساك

وأعني بالكف كف الباطن عن التفكر فى هذه الأمور ، فذلك واجب عليه .. كما وجب عليه إمساك اللسان عن السؤال والتصرف ، وهذا أثقل الوظائف وأشدها وهو واجب كما هو على العاجز الزمن أن لايخوض غمرة البحار ، وإن كان يتقاضاه طبعه أن بغوص فى البحار ويخرج دررها وجواهرها ، ولكن لاينبغي أن تغره نفاسة جواهرها مع عجزه عن نيلها ، بل ينبغي أن ينظر إلى عجزه وكثرة معاطبها ومهالكها ويتفكر أنه إن فات نفائس البحار فمافته إلآ زيادات وتوسعات في المعيشة وهو مستغن عنها ، فإن غرق أو التقمه تمساح فإته أصل الحياة .


فإن قلت : إن لم ينصرف قلبه من التفكر والتشوف إلى البحث فما طريقه ؟ قلت طريقه أن يشغل نفسه بعبادة الله والصلاة وقراءة القرآن والذكر ، فإن لم يقدر فبعلم آخر لايناسب هذا الجنس من لغة أونحو أوخط أو طب أو فقه ، فإن لم يمكنه فبحرفة أو صناعة ولو الحراثة ةالحياكة ، فإن لم يقدر فبلعبولهو وكل ذلك خير له من الخوض فى هذا البحر البعيد غوره وعمقه .. العظيم خطره وضرره .. بل لو اشتغل العامي بالمعاصي البدينة ربما كان أسلم له من أن يخوض فى البحث عن معرفة الله تعالى ، فإن ذلك غايته الفسقوهذا عاقبته الشرك : ( إن الله لايغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء ) النساء116


فإن قلت العامي إذا لم تكن نفسه إلى الإعتقادات الدينية إلا بدليل .. فهل يجوز أن يكون له الدليل فإذا جوزت ذلك فقد رخصت له فى التفكر والنظر ، وأي فرق بينه وبين غيره ؟؟


الجواب : أني أجوز له أن يسمع الدليل على معرفة الخالق ووحدانيته وعلى صدق الرسول وعلى اليوم الآخر ولكن بشرطين :
أحدهما : أن لايزاد معه على الأدلة التي فى القرآن .
والآخر : أن لايماري فيه إلا مراء ظاهرا ولايتفكر فيه إلا تفكرا سهلا جليا ولايمعن فى التفكر ولايوغل الإيغال فى البحث ، وأدلة هذه الأمور الأربعة ماذكر فى القرآن .


أما الدليل على معرفة الخالق فمثل قوله تعالى : ( قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله ) يونس 31 وقوله : ( أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ومالها من فروج والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج تبصرة وذكرى لكل عبد منيب ونزلنا من السماء مآء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد ) ق 6-10 وكقوله : ( فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماءصبا ثم شققنا الأرضشقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا ) عبس24-31 وقوله : ( ألم نجعل الأرضمهادا والجبال أوتادا ) إلى قوله ( وجنات وألفافا ) النبأ 6-16 وأمثال ذلك هي قريب من خمسمآئة آيه جمعناها فى كتاب جواهر القرآن بها ينبغي أن يعرف الخلق جلال الله الخالق وعظمته لابقول المتكلمين أن الأعراض حادثة ، وأن الجواهر لاتخلو عن الأعراض الحادثة فهيحادثة ثم الحادث يفتقر إلى محدث فإن تلك التقسيمات والمقدمات واثباتها بأدلتها الرسمية يشوش قلوب العوام والدلالات الظاهرة القريبة من الأفهام على مافي القرآن تنفعهم وتسكن قلوبهم وتغرس فى قلوبهم الإعتقادات الجازمة .

وأما الدليل على الوحدانية فيقنع فيه بما فى القرآن من قوله تعالى : ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) الأنبياء22 ، فإن اجتماع المدبرين سبب فى افساد التدبير ، وبمثل قوله : ( لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لأبتغوا إلى ذى العرش سبيلا ) الإسراء 42 وقوله تعالى : ( مااتخذ الله من ولد وماكان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض ) المؤمنون 91 .


وأما صدق الرسول فيستدل عليه بقوله تعالى ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لايأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ) الإسراء 88 وبقوله : ( فأتوا بسورة من مثله ) البقرة 23 وقوله : ( قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات ) هود 13 وأمثاله .

وأما اليوم الآخر : فيستدل عليه بقوله تعالى : ( قال من يحي العظام وهيرميم قل يحييها الذى أنشأها أول مرة ) يس 78 -79 وبقوله تعالى ( أيحسب الإنسان أن يترك سدى ألم يك نطفة من مني يمنى ) القيامة إلى قوله تعالى : ( أليسذلك بقادر على أن يحيي الموتى ) القيامة 36-40
وبقوله : ( يأيها الناس إن كنتم فى ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ) إلى قوله ( فإذا أنزلنا عليها المآء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ) الحج . وأمثال ذلك كثير فى القرآن فلاينبغي أن يزاد عليه .



فإن قيل : فهذه الأدلة التي اعتمدها المتكلمون وقرروا وجه دلالتها ، فمابالهم يمتنعون عن تقرير هذه الأدلة لايمتنعون عنها ، وكل ذلك مدرك بنظر العقل وتأمله فإن فتح للعامي النظر فليفتح مطلقا أو ليسد عليه طريق النظر رأسا وليكلف التقليد من غير دليل .

الجواب : أن الدلاله تنقسم إلى مايحتاج فيه تفكر وتدقيق خارج عن طآقة العامي وقدرته ، وإلى ماهو جلي سابق إلى الأفهام ببادىء الرأي من أول النظر مما يدركه كآفة الناس بسهوله ، فهذا لاخطر فيه ، وما يفتقر إلى التدقيق فليس على حد وسعه فأدلة القرآن مثل الغذاء ينتفع به كل انسان وأدلة المتكلمين مثل الدواء ينتفع به آحاد الناس وتستضر به الأكثرون ، بل أدلة القرآن كالماء الذي ينتفع به الصبي الرضيع والرجل القوي وسائر الأدلة كالأطعمة التي ينتفع بها الأقوياء مرة ويمرضون بها أخرى ولاينتفع بها الصبيان أصلا .

ولهذا قلنا أدلة القرآن أيضا ينبغي أن يصغى إليها إصغاء إلى كلام جلي ولايمارى فيه إلا مراء ظاهرا ، ولايكلف نفسه تدقيق الفكر وتحقيق النظر فمن الجلي أن من قدر على الإبتداء فهو على الإعادة أقدر ، كما قال : ( وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ) الروم 27
وأن التدبير لاينتظم فى دار واحدة بمدبرين فكيف ينتظم العالم ؟؟ وأن من خلق علم كما قال تعالى ( ألا تعلم من خلق ) الملك .


فهذه الأدلة تجري للعوام مجرى الماءالذي جعل الله منه كل شىء حي، وماأخذه المتكلمون وراءذلك من تنقير وسؤال وتوجيه اشكال ثم اشتغال بحله فهو بدعة وضرره فى حق أكثر الخلق ظاهر ، فهو الذي ينبغي أن يتوقى والدليل على تضرر الخلق به المشاهدة والعيان والتجربة وماثار من الشر منذ نبغ المتكلمون وفشت صناعة الكلام مع سلامة العصر الأول من الصحابة من مثل ذلك ، ويدل عليه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة أجمعين ماسلكوا فى المحاجة مسلك المتكلمين فى تقسيماتهم وتدقيقاتهم لا لعجز منهم عن ذلك ، فلو علموا أن ذلك نافع لاطنبوا فيه ولخاضوا فى تحرير الأدلة خوضا يزيد على خوضهم فى مسائل الفرائض .

فإن قيل : إنما أمسكوا عنه لقلة الحآجة ، فإن البدع إنما نبغت بعدهم فعظم حآجة المتأخرين ، وعلم الكلام راجع إلى علم معالجة المرضى بالبدع ، فلما قلت فى زمانهم أمراض البدع قلت عنايتهم بجميع طرق المعالجة فالجواب من وجهين :

أحدهما : أنهم فى مسائل الفروض مااقتصروا على بيان حكم الوقائع ، بل وضعوا المسائل وفرضوا فيها ماتنقضي الدهور ولايقع مثله لأن ذلك مما أمكن وقوعه فصفوا علمه ورتبوه قبل وقوعه إذ علموا أنه لاضرر فى الخوض فيه وفى بيان حكم الواقعة قبل وقوعها ، والعناية بإزالة البدع ونزعها عن الفوس أهم فلم يتخذوا ذلك صناعة لأنهم عرفوا أن الإستضرار بالخوض فيه أكثر من الإنتفاع ، ولولا أنهم كانوا قد حذروا من ذلك وفهموا تحريم الخوض لخاضوا فيه .


والجواب الثاني : أنهم كانوا محتاجين إلى محآجة اليهود والنصارى فى اثبات نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وإلى اثبات البحث مع منكريه ثم مازادوا فى هذه القواعد التي هيامهات العقائد على أدلة القرآن ، فمن أقنعه ذلك قبلوه ، ومن لم يقنع قتلوه وعدلوا إلى السيف والسنان بعد افشاء أدلة القرآن وماركبوا ظهر اللجاج فى وضع المقاييس العقلية وترتيب المقدمات وتحريم طريق المجادلة وتذليل طرقها ومنهاجها ، كل ذلك لعلمهم بأن ذلك مثار الفتن ومنبع التشويش ومن لايقنعه أدلة القرآن لايقمعه إلا السيف والسنان ، فما بعد بيان الله بيان
على أننا لاننكر أن حآجة المعالجة تزيد بزيادة المرض وأن لطول الزمان وبعد العهد عن عصر النبوة تأثيرا فى إثارة الإشكالات

وأن للعلاج طريقين :

أحدهما : الخوض فى البيان والبرهان إلى أن يصلح واحد فيفسد اثنان ، فإن صلاحه بالإضافة إلى الأكياس وفساده بالإضافة إلى البله وماأقل الأكياس وماأكثر البله والعناية بالأكثرين أولى .

والطريق الثاني : طريق السلف فى الكف والسكوت والعدول إلى الدرة والسوط والسيف ، وذلك مما يقنع الأكثرين وإن كان لايقنع الأقلين وآيه إقناعه أن من يسترق من الكفار من العبيد والإماء تراهم يسلمون تحت ظلال السيوف ثم يستمرون عليه حتى يصير طوعا ماكان فى البداية كرها ويصير اعتقادا جزما ماكان فى الإبتداء مراء وشكا وذلك بمشاهدة أهل التدين والمؤانسة بهم وسماع كلام الله ورؤية الصالحين وخبرهم .. وقرائن من هذا الجنس تناسب طباعهم مناسبة أشد من مناسبة الجدل والدليل ، فإذا كان واحد من العلاجين يناسب قوما دون قوم وجب ترجيح الأنفع فى الأكثر فالمعاصرون للطبيب الأول المؤيد بروح القدس المكاشف من الحضرة الإلهية الموحى إليه من الخبير البصير بأسرار عباده و بواطنهم أعرف بالأصوب و الأصلح قطعا ، فسلوك سبيلهم لا محالة أولى .
انت على الحق ايتها الاخت ، هذا المعتقد الحق الذي لا يقول لك اتركي عقلك ، هذا معتقد السلف رضوان الله عليهم









 

الكلمات الدلالية (Tags)
الغناء, الكلام, إلجام


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 14:52

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc