علا قة الفلسفة بالدين عندابن خلدون - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

علا قة الفلسفة بالدين عندابن خلدون

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2013-01-03, 13:10   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
musta emo
عضو مجتهـد
 
الصورة الرمزية musta emo
 

 

 
إحصائية العضو










B18 علا قة الفلسفة بالدين عندابن خلدون

المقدمة:
من اهم الموضوعات واخطرها هو علاقة الفلسفة بالدين وخلاصة ما يجب اعتقاده فى هذه المسألة ان الدين امران عقائد ومعاملات اما العقائد فهى مثل الا عتقاد فى وجود ذات الهية مقدسة وصفاتها وكونها واحدة ولا تتغير ومثل الاعتقاد بأن هناك يوم اخر وثواب وعقاب اما المعاملات فتشمل اخلاقك وافعالك وعلاقاتك بالناس وتحريم افعال واباحة افعال وحقوق الناس عليك الى اخر ما يذكر فى الفقه والاخلاق. واى دين لابد وان يتكون من هذين الامرين عقائد ومعاملات سواء اكان دينا سماويا او دينا من وضع البشر.
اما الفلسفة فلا معنى لها الا ترك كل ما يعتقد فيه الناس جملة وتفصيلا والا عتماد على العقل وحده فى معرفة حقيقة الوجود كله كما هو فلا تقليد ولا قبول لرأى او اعتقاد الا بعد البرهان مع قيام البرهان على استحالة خطأ البرهان. ولذلك فان الفيلسوف يتجه نحو الوجود ذاته ليستخبره عن حقيقته دون ايمان مسبق بأى قضية
يرددها الناس او يعتنقها المجتمع.وموضوع الفيلسوف هو الوجود كله دون تجزئ او تقسيم بل ينظر اليه كشئ واحد الا ان الوجود له الينا نسبتان نسبة نظرية ونسبة عملية وغاية الفيلسوف هو ان يعرف حقيقة الوجود نظريا وعمليا وهذا هو بعينه ما تعرضه علينا الاديان فاى دين هو مجموعة من القضايا تعبر عن الوجود نظريا وعمليا وهدف الفيلسوف هو ان ينظر فى الوجود ذاته ليعرف حقيقته نظريا وعمليا فاذا وصل لهذه المعرفة ورأها مطابقة لما جاء به دين ما فانه يصدقه ويؤمن به ويصير عقيدته اما ان لم تطابق معرفته دين ما عرف وقتها ان هذا الدين كاذب ومن جملة الخرافات










الخطـــــــــــــــــة
1. المقدمة
2. نبذة تاريخية عن ابن خلدون
3. علاقة الفلسفة بالدين عند ابن خلدون
4. إبطال ابن خلدون للفلسفة
• أسباب إبطال ابن خلدون للفلسفة
• القضايا الفلسفية التي اتجه ابن خلدون لنقدها
5. فشل المحولات التوفيق بين الدين والفلسفة
6. الخاتمة













عبدالرحمن ابن خلدون :
أبو زيد، عبد الرحمن ابن خلدون ذلك العالم المسلم العربي العبقري الفذ، كيف لا وقد اعتبره علماء الاجتماع المحدثون أستاذهم ومؤسس علمهم , ويعتبر عبد الرحمن ابن خلدون من الشخصيات الإسلامية الفذة ، وهو مغربي الميلاد والنشأة والثقافة ، فقد ولد في تونس سنة 732هـ (1332م)، وأقام في المغرب حتى عام 784هـ ، حيث انتقل إلى مصر ، ومكث بها ما يناهز ربع قرن ( 784 -808هـ)، حيث توفي ودفن في مقابرها سنة 1406م.لقد كانت شخصية ابن خلدون ولا تزال جذابة من كل جوانبها ، ولكن جانبيْن اثنيْن منها قد جذبا أنظار القدامى والمحدثين من الباحثين ، وهما الجانب الفكري والثقافي ، والجانب السياسي. وتتميز نظرياته بأنَّها مستقاة من القرآن الكريم، والأحاديث النبوية الشريفة، فهذا المؤرخ العلامة حفظ أول ما حفظ القرآن الكريم ثُمَّ الحديث النبوي الشريف ، ودرس التفسير والفقه ، واللغة العربية والأدب، ثُمَّ غاص في أعماق معاني القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة ، واستقى منهما نظرياته في العمران ، والدولة والاقتصاد ، والتاريخ ، والتربية ، وعلم الاجتماع.
إن الاهتمام الذي يحظى به ابن خلدون في العالم اجمع والتقدير الكبير الذي يتمتع به لدى عدد كثير من العلماء المؤرخين وعلماء الاجتماع منذ أكثر من قرن يمكن اعتبارهما برهانا كافيا على شهرته الواسعة .
لقد قُدر لابن خلدون أن يعيش في خضم أحداث غيرت العالم الإسلامي فمن الناحية السياسية كان القرن الذي عاش فيه ابن خلدون قرناً تفككت فيه القوى السياسية الكبرى فالدولة العباسية أصبحت أثرا بعد عين والدولة الموحدية بدورها تلاشت واضمحلت , والحروب بين الدويلات و الامارات لا تهدأ , والضغط المسيحي في الأندلس وكذا في شواطئ أفريقيا يزداد تركيزاً, والمطالبة بالمُلك لم تعد تستند على أساس نظري أو ديني , وإنما على القوة فقط . وعلى الشوكة والأتباع , وبتعبير ابن خلدون على "العصبية " وحدها .وإذن فالطابع العام الذي ساد على البلاد الإسلامية وبلاد المغرب العربي خاصة خلال هذا القرن هو الفوضى وعدم الاستقرار , وما ينتج عن ذلك من تدهور الأوضاع الاقتصادية






علاقة الفلسفة بالدين عند ابن خلدون:
يبدو ابن خلدون معادياً في الظاهر للفلسفة، خصوصاً عندما كتب «إبطال الفلسفة وفساد منتحليها»، لكن، في ضوء فلسفته الاجتماعية والتاريخية يمكن اعتباره من أوائل المفكرين الذين أنزلوا الفلسفة من السماء إلى أرض الواقع من أجل فهم العالم المعاش وتنوير حياة الإنسان، وحاول إبطال الفلسفة الميتافيزيقية كي تحل محلها الفلسفة المجتمعية، التي يتعامل معها عقل الإنسان بيسر وسهولة وواقعية. ويبقى النهج العقلاني الواقعي الذي اختطه ابن خلدون سارياً في مختلف تفاصيل «المقدمة»، ووظفه من أجل محاربة الأوهام والأساطير كافة، لذلك يعتبر الكثير من الدارسين والباحثين أن ابن خلدون قدم مدرسة عقلية صلبة في مقدمته الشهيرة.أن هجوم ابن خلدون على الفلسفة لا يشمل كل أقسام الفلسفة، بل يتعلق بالقسم الإلهي فقط، وهو يقرّ بأن العمران يزدهر عندما تنشر العلوم العقلية جملة، التي هي في كنهها فلسفية، وكأنه يسلم بالترابط الموجود فيما بينهما. ثم إنه يقرّ بأن العلوم العقلية مشتركة بين كل الثقافات، باعتبارها صنفاً طبيعياً، في مقابل الصنف النقلي الذي يخص كل ثقافة على حدة، حيث الصنف الطبيعي «هو العلوم الحكمية الفلسفية، وهي التي يمكن أن يقف عليها الإنسان بطبيعة فكره، ويهتدي بمداركه البشرية إلى موضوعاتها ومسائلها وأنحاء براهينها ووجوه تعليمها». وعليه، فإنه ليس من المبالغة في شيء القول بأن هناك في المتن الخلدوني فلسفة هادئة مبثوثة، تطرح أسئلة فلسفية عن التاريخ والعمران والمجتمع، وتخوض في مسائل وجودية، مع التسليم بالأجوبة الدينية. وتتجلى هذه الفلسفة الهادئة والعميقة، أكثر من فلسفة معظم الفلاسفة، في انتقاده طرق التعليم ومضامينه في زمانه. ويمكن القول إن ابن خلدون يظهر بصفته عدواً لنظرية الفلاسفة فيما بعد الطبيعة بحيث يعارضها بنظرية الذريين، ونصيراً للحل «الإيماني» بخصوص المعرفة الماورائية.ويبرّر بعض الباحثين موقف ابن خلدون من الفلسفة بالضرر الكبير الذي تلحقه بالدين، كونها تعتمد في إدراكها للعلم الإلهي على العقل وحده، ولا تعترف في تقرير العقائد الإيمانية إلا على النظر الفكري، والقياس العقلي. وبناء عليه، ارتكز نقد ابن خلدون للفلسفة على مواطن الخلاف بينها وبين الدين، ولا سيما في مسألتي، العلم الإلهي ووسيلة إدراكه بالعقل المجرد. وهناك من يرى بأن الغيرة على الدين ليست وحدها من دفع ابن خلدون إلى نقد الفلسفة ومحاولة إبطالها، بل هناك الجانب «الأيديولوجي» في فكر ابن خلدون، والمتمثل في تأييده نظرية الدولة الإسلامية في الحكم، وللشريعة الإسلامية في تسيير المجتمع، وانحيازه إلى المذهب المالكي،
أسباب إبطال ابن خلدون للفلسفة:
الأسباب التي دفعت ابن خلدون، إلى إبطال الفلسفة، فيمكن استقراؤها من الفصل الذي كتبه في هذا الغرض، والفصول التي لها صلة مباشرة به مثل: (علم الكلام) و(أصناف العلوم) و(العلوم العقلية) و(المنطق) و(التصوف). ومن أهم هذه الأسباب:
السبب الأول: خطر الفلسفة على الدين:
يرى ابن خلدون “أنَّ علوم الفلسفة، والحكمة، ضررها في الدين كبير، فوجب أن يُصدع بشأنها، ويُكشف عن المعتقد الحق فيها، وذلك أن قوماً من عقلاء النوع الإنساني، زعموا أن الوجود كله؛ الحسي منه، وما وراء الحس، تدرك أدواته، وأحواله بأسبابها، وعللها، بالأنظار الفكرية، وأن تصحيح العقائد الإيمانية، من قبل النظر، لا من جهة السمع.” ونستنتج من هذه الفقرة أنَّ ابن خلدون قد اتخذ موقفاً معادياً للفلسفة، نظراً للضرر الكبير الذي تلحقه بالدين، فهي تعتمد في إدراكها لما وراء الحس، أي (العلم الإلهي)، على العقل دون سواه، ومن ثم فهي لا تعترف بالوحي في تقرير العقائد الإيمانية، إنما مصدرها الوحيد في ذلك، النظر الفكري، والقياس العقلي. ولذا لا بدّ من الإصداع بالرأي في شأنها، وكشف المعتقد الحق فيها، وإبطال شبهات منتحليها كالفارابي، وابن سينا، وغيرهما. وبناء على ذلك، ركز ابن خلدون في نقده للفلسفة، على مواطن الخلاف بينها، وبين الدين، ولا سيما في مسألتي: العلم الإلهي، ووسيلة إدراكه بالعقل المجرد. ولكن هل الغيرة على الدين وحدها، هي التي دفعت ابن خلدون، إلى معاداة الفلسفة، وإبطالها؟ يرى أركون أن الجانب الإيديولوجي في فكر ابن خلدون، والمتمثل في تأييده لنظرية الدولة الإسلامية في الحكم، وللشريعة الإسلامية في تسيير المجتمع، وانحيازه إلى المذهب المالكي، واعتناقه المذهب الأشعري، قد دفعه إلى اتخاذ موقف، ضد سائر المذاهب المشهورة في الفكر الإسلامي. ومعنى ذلك أن النـزعة الإيديولوجية عند ابن خلدون، هي التي جعلته يعادي الفلسفة، ويسعى إلى إبطالها.وهذا التفسير الأنثروبولوجي لأركون له أهميته، ولكن لا يمكن أن نعدّه الدافع الوحيد لنقد الفلسفة عند ابن خلدون، بحكم التزامه بالدين، وأحكامه، فقد كان منطلقه في إبطال الفلسفة منطلقاً دينياً محضاً، فنحن لا نجد رأياً واحداً سواء في (المقدمة) أم في غيرها من المؤلفات، يخالف تعاليم الإسلام، فضلاً عن أنه لا يمكن أن نتجاوز عمّا عبّر عنه ابن خلدون، منطوقاً، ومفهوماً، من أن ضرر الفلسفة على الدين كبير.
.السبب الثاني: تناقص العمران:
وهناك سبب آخر ذكره ابن خلدون، في مناسبات عديدة، وهو أن معالم الحضارة قد اندرست في بلاد المغرب، وسند العلم قد انقطع، وأصبحت البداوة غالبة على أهله، ومعنى ذلك: أنَّ تناقص العمران، لا بدّ من أن يؤدي إلى تناقص العلوم -حسب القانون الخلدوني- ومن ثم صار الإجهاز على الفلسفة أمراً حتمياً. ولكن ابن خلدون لم يحاول عدّ هذا السبب من بين الأسباب التي دفعته إلى إبطال الفلسفة، وكأنه أراد من ذلك تركيزه على العامل الديني فقط.
العنصر الثاني: القضايا الفلسفية التي اتجه إلى نقدها:
.نجد ابن خلدون يرفض السببية، بوصفها قانوناً طبيعياً صارماً، عند حديثه عن العقائد الإيمانية، فهو يرى أنَّ نهي الشارع عن النظر إلى الأسباب في المسائل العقدية، والوقوف معها هو عين الحكمة، والصواب؛ لأنَّ البحث في ذلك عبارة عن وادٍ يهيم فيه الفكر، ولا يحصل منه بطائل، ولذلك قال تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ ۗ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِمُوسَىٰ نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ ۖ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا ۖ وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلَاآبَاؤُكُمْ ۖ قُلِ اللَّهُ ۖ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ سورة الأنعام » الآية 91 ويسعى ابن خلدون إلى الاستدلال على صحة رأيه في هذه المسألة فيقول: “فوجه تأثير هذه الأسباب في الكثير من مسبباتها مجهول؛ لأنها إنما يوقف عليها في العادة لاقتران الشاهد بالاستناد إلى الظاهر، وحقيقة التأثير، وكيفيته مجهولة، قال تعالى: ويَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (الإسراء: 85) فلذلك أُمرنا بقطع النظر عنها، وإلغائها، والتوجه إلى مسبب الأسباب كلها، وفاعلها، وموجدها، لترسخ صفة التوحيد في النفس على ما علّمنا الشارع الذي هو أعرف بمصالح ديننا، وطرق سعادتنا.”
ولكنه يقول بالحتمية، والضرورة بين الأسباب والمسببات، عند حديثه عن العمران البشري، والاجتماع الإنساني، فقد ذكر في مقدمة (المقدمة) أثناء حديثه عن فنِّ التاريخ “أن التاريخ ليس مجرد سرد للأخبار، أو جمع لتواريخ الأمم، والدول، وإنَّما هو نظر وتحقيق، وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق.”
ثم يتحدث عن موضوع (المقدمة) فيقول: “…وشرحت فيه من أحوال العمران والتمدن، وما يعرض في الاجتماع الإنساني من العوارض الذاتية ما يمتلك بعلل الكوائن وأسبابها.” وفي بيانه لترتيب الكتب والفصول في (المقدمة) يقول: “الكتاب الأول في العمران البشري وذكر ما يعرض فيه من العوارض الذاتية من الملك والسلطان والكسب والمعاش والصنائع والعلوم، ولما لذلك من العلل والأسباب” وهكذا فقد نفى ابن خلدون السببية في المسائل العقدية، والتزم بها أثناء حديثه عن العمران والتمدن.
المسألة الثانية اعتماد الفلاسفة على العقل، بوصفه مصدراً وحيداً للمعرفة :
.أما ابن خلدون، فقد نقد العقل، بوصفه المصدر الوحيد للمعرفة عند الفلاسفة، سواء فيما يتعلق بمعرفة الطبيعة أو بما وراءها، أي (العلم الإلهي)، وعمل على تفنيد هذا الرأي بشتى الأدلة؛ العقلية منها والنقلية. ومن بين هذه الأدلة:
-1 إنَّ العقل لا يمكنه أن يكون الأداة الوحيدة لدراسة الطبيعة، ومعرفة أسرارها، وقوانينها؛ لأنَّ الوجود أوسع نطاقاً من مدارك العقل، ولا يستطيع عقل بشري أن يحيط به، سواء الحسي منه، أو ما وراء الحس، فخَلْق الله أكبر من خَلْق الإنسان، قال تعالى: فهو يقول: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم (النحل: 18) فهو يقول: “واعلم أن الوجود عند كل مدرك في بادئ رأيه، منحصر في مداركه لا يعدوها، والأمر في نفسه بخلاف ذلك، والحق من ورائه، ألا ترى الأصم كيف ينحصر الوجود عنده في المحسوسات الأربع، والمعقولات، وتسقط من الوجود عنده المسموعات، وكذلك الأعمى أيضاً يسقط عنده صنف المرئيات.”
ثم يزيد المسألة توضيحاً فيقول: “إنَّ اقتصار الفلاسفة على إثبات العقل فقط، وعدم اعترافهم بمصادر المعرفة الأخرى، هم بمثابة الطبيعيين الذين اقتصروا على إثبات الحس فقط، وأعرضوا عن النقل والعقل، واعتقدوا أنَّه لا يوجد شيء وراء المدركات الحسية.” وهذا خطأ واضح لا لَبس فيه.
-2إن المعرفة في نظر ابن خلدون ليست فطرية في النفس، كما ذهب إلى ذلك أفلاطون، من أنَّ الأفكار فطرية في النفس، اعتماداً على وجود النفس في عالم المُثُل، وجوداً سابقاً على دخولها الجسد. أو كما زعم أرسطو، ومن اتبعه من الفلاسفة الإسلاميين، من أن العقل ملكة سامية بعيدة عن كل تجربة حسية. وإنما العقل صفحة بيضاء، والإنسان يكتشف المعارف بعد احتكاكه بالواقع، قال تعالى: { وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }النحل 78
فالمعرفة -في نظر ابن خلدون- يحصل عليها الإنسان بمداركه الجسمانية، أي بوساطة آلات الجسم من الدماغ والحواس، ومن ثم فمصادر المعرفة عنده هي: الحس، والتجربة، والعقل، وأن البراهين العقلية من جملة المدارك الجسمانية.
وهكذا فقد أخطأ الفلاسفة في نظر ابن خلدون في اعتمادهم على العقل وحده، وإعطائه السلطة المطلقة لمعرفة أسرار الكون، وكشف خفايا الوجود، وإنما هناك مصادر معرفية أخرى، إلى جانب العقل، وهي: الحس، والتجربة، والإلهام، وفوقهم جميعاً الوحي.
3-إن البراهين المنطقية التي يستخدمها الفلاسفة للوصول إلى الحقيقة، ويعتدّون بصحتها، ويقينيتها، تعد -في نظر ابن خلدون- قاصرة وغير وافية بالغرض، سواء في الموجودات الحسية أي (العلم الطبيعي) أم في الموجودات غير الحسية، وهي الروحانيات أي (العلم الإلهي). ويظهر القصور في الموجودات الحسية، في أن المطابقة بين تلك النتائج الذهنية التي تستخرج بالحدود، والأقيسة من جهة، وما في الخارج من جهة أخرى أمر غير يقيني؛ لأنَّ تلك أحكام ذهنية كلية عامة، والموجودات الخارجية متشخصة بموادها، وهو ما يمنع مطابقة الذهني الكلي للخارجي الشخصي؛ لأنَّ دليلَه شهودُه لا تلك البراهين.
وبناء على ذلك: فإنَّ المنطق -في نظر ابن خلدون- لا يولّد معرفة ولا يكتشف حقيقة، وإنَّما يساعد على الوصول إلى المعرفة، وبهذا الاعتبار فليس له ذلك الشأن الكبير الذي أضفاه الفلاسفة عليه، وإنما يستطيع فحول النظار الاستغناء عنه في جميع فروع العلم. غير أنَّ ابن خلدون يعترف بأنَّ للمنطق ثمرةً واحدة، وهي شحذ الذهن في ترتيب الأدلة، والحِجاج لتحصيل ملكة الجودة، والصواب في البراهين.
وأما وجه القصور في العلم الإلهي “فإنَّ ذواتها مجهولة رأساً، ولا يمكن التوصل إليها، والبرهان عليها؛ لأنَّ تجريد المعقولات من الموجودات الخارجية الشخصية، إنما هو ممكن فيما هو مدرَك لنا، ونحن لا ندرك الذوات الروحانية حتى نجرد منها ماهيات أخرى، لحِجاب الحس بيننا وبينها… وقد صرّح بذلك محققوهم، حيث ذهبوا إلى أنَّ ما لا مادة له لا يمكن البرهان عليه.”
4-إنَّ قولهم: بأنَّ تصحيح العقائد الإيمانية من قبل النظر، لا من جهة السمع قولٌ باطل، ومتهافت. وذلك لأنَّ هذه العقائد متلقاة من الوحي الإلهي، كما نقلها السلف من غير رجوع فيها إلى العقل، وتعويل عليه، فإذا هدانا الشارع إلى حقيقة من الحقائق، فينبغي أن نسلّم بذلك، ونعتقد في صحتها، اعتقاداً جازماً، ولا نعتمد على العقل في تصحيحها، ولو بدا لنا أن هناك تعارضاً بين الوحي، والعقل. وإنما علينا أن نؤمن بها كما جاء بها الشارع، ونسكت عمّا عجزنا عن إدراكه، ونفوّض الأمر إلى الله تعالى؛ لأن مدارك صاحب الشريعة، أوسع نطاقاً، وأكثر إحاطة من الأنظار العقلية، فهي فوقها، ومحيطة بها.
وهنا يفصح ابن خلدون عن معتقده السلفي، الذي أخذه عن الإمام مالك، عندما سئل عن مسألة الاستواء على العرش فقال قولته المشهورة: “الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة” كما أكد من خلال قوله بعزل العقل عن الشرع، وعدم التعويل عليه، أو الرجوع إليه في تقرير العقائد الإيمانية، أنه أشعري قلباً وقالباً.
فشل محاولات التوفيق بين الدين والفلسفة:
لقد حاول العديد من الفلاسفة الإسلاميين، في المشرق، والمغرب، التوفيق بين الدين والفلسفة، لتخفيف حدة هذا الصراع، وإيجاد تعايش سلمي بين الطرفين المتنازعين، ولكن هذه المحاولات –مع كل أسف- باءت بالفشل، بسبب مهاجمة كثير من المحدّثين والفقهاء لكل بحث عقلي لايتقيد في نتائجه بالعقيدة المقررة سابقاً، ويتبع هذا، اضطهاد السلطة والعامة لكل مفكر حر، وفي كثير من الأحيان، تكون دوافع الاضطهاد، لا علاقة لها بالدين أصلاً. وبذلك كانت السمة المميزة للعلاقة بين الفقهاء والمحدثين، من جهة، وأنصار الفكر الحر من المعتزلة، والفلاسفة، من جهة ثانية، الاقصاء، والاضطهاد في معظم فترات التاريخ الإسلامي، مشرقاً، ومغرباً.








الخــــــــــاتمة:
إن ابن خلدون، فيلسوف لا يقل شأناً، عن بقية الفلاسفة الإسلاميين، وهو صاحب نسق فلسفي، عالج من خلاله، قضايا فلسفية معقدة، كالقضية المعرفية، والعملية، والقيمية، والوجودية، معالجة متقدمة جداً، حتى عدّه البعض رائداً من رواد الحداثة. وقد كان نقد ابن خلدون للفلسفة نابعاً من غيرته على الدين، وتمسكه الشديد بتعاليم الإسلام، ولذلك فإبطاله للفلسفة، كان بالدرجة الأولى، من أجل الدين، ودرء الخطر عنه


المرجع ابطال الفلسفة و فساد منتحلها- من ( مقدمة إبن خلدون )









 


آخر تعديل .صفاء. 2013-02-14 في 05:57.
قديم 2013-01-25, 08:05   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
.صفاء.
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية .صفاء.
 

 

 
الأوسمة
افضل تقرير ديكوري مميزي الأقسام وسام التقدير لسنة 2013 النشاط 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا جزيلا و بارك الله فيك .....هل يمكنك ذكر المرجع










قديم 2013-01-28, 22:16   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
chedni
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية chedni
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك على مجهوداتك.










قديم 2013-02-06, 14:13   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
hocine juve
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية hocine juve
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

مشكورررررر

ممكن تعطينا المراجع










قديم 2013-02-06, 15:49   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
لمين شوشة
عضو مبـدع
 
الصورة الرمزية لمين شوشة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الخاتمة قصيييرة نوعا ما ...................










قديم 2013-02-13, 10:43   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
musta emo
عضو مجتهـد
 
الصورة الرمزية musta emo
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

المرجع ابطال الفلسفة و فساد منتحلها- من ( مقدمة إبن خلدون )










 

الكلمات الدلالية (Tags)
الفلسفة, بالدخو, خلدون, عندابن


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 08:06

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc