موضوع مميز (( شــروط مشروعيــة الرقيــة )) - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الرقية الشرعية

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

(( شــروط مشروعيــة الرقيــة ))

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2016-01-01, 22:07   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
ابو اكرام فتحون
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ابو اكرام فتحون
 

 

 
الأوسمة
أحسن مشرف العضو المميز 1 
إحصائية العضو










B11 (( شــروط مشروعيــة الرقيــة ))





الفتوى رقم: 1147
الصنف: فتاوى طبِّية

في شروط مشروعية الرقية
للشيخ فركوس حفظه الله

السؤال:
نرجو مِنْ شيخنا أبي عبد المعزِّ حفظه الله
أَنْ يُبيِّنَ لنا بعضَ شروط الرقية الشرعية؟
وجزاكم الله خيرًا.

الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فمشروعيةُ الرقيةِ تَسْتوجِبُ تحقيقَ مَعاييرَ معلومةٍ تظهر في الوجوه الآتية:
الوجه الأوَّل: تجريد الرقية مِنَ الشركيات، ويدلُّ عليه عمومُ الآيات والأحاديثِ الناهية عن الشرك بمُخْتَلَفِ مَظاهِرِه، فضلًا عن حديثِ
عوفِ بن مالكٍ الأشجعيِّ رضي الله عنه قال: «كُنَّا نَرْقِي فِي الجَاهِلِيَّةِ فَقُلْنَا: «يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ؟» فَقَالَ:
«اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ، لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شِرْكٌ»»(1).

والعُلَماءُ يَتَّفقون على أنَّ الشرك لا يجوز التداوي به، وإِنْ تَنازَعوا في جوازِ التداوي بالمحرَّمات كالخمر والمَيْتة والخنزير؛ ذلك
لأنَّ الشِّرْكَ محرَّمٌ في كُلِّ حالٍ، ولا يصحُّ القياسُ على التكلُّم به عند الإكراه كما في قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنۡ أُكۡرِهَ وَقَلۡبُهُۥ مُطۡمَئِنُّۢ بِٱلۡإِيمَٰنِ﴾
[النحل: 106] لظهورِ الفَرْقِ بينهما؛ إذِ المَقِيسُ عليه إنما جازَ للمُكْرَهِ المُضْطَرِّ على القول مع اطمئنانِ قلبه بالإيمان، أي:
أنَّ كلامه صَدَرَ منه وهو غيرُ راضٍ به؛ ولذلك عُفِيَ عنه ولم يُؤَاخَذْ به في أحكام الدنيا والآخرة؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «وُضِعَ
عَنْ أُمَّتِي الخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ»(2).

وليس في أَمْرِ العلاجِ بالرقية الشِّركيةِ ضرورةُ إكراهٍ، وعلى فرضِ التسليم فهو إكراهٌ على القول والفعل، أمَّا القولُ فلو لم يكن في
قَلْبِه زيغٌ لَمَا صارَ إليها؛ إذ إنَّ في الحقِّ ما يُغْني عن الباطل، وأمَّا الفعلُ فمُؤاخَذٌ به.

قال ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ: «والفرقُ بين الأقوال والأفعال في الإكراه: أنَّ الأفعال إذا وقَعَتْ لم ترتفع مَفْسَدَتُها، بل مَفْسَدَتُها معها
بخلافِ الأقوال فإنها يمكن إلغاؤها وجَعْلُها بمنزلةِ أقوال النائم والمجنون؛ فمفسدةُ الفعلِ الذي لا يُباحُ بالإكراهِ ثابتةٌ بخلافِ
مَفْسَدَةِ القول؛ فإنها إنما تَثْبُتُ إذا كان قائلُه عالِمًا به مختارًا له»(3).

ويَقْدَحُ في القياس السابق ـ مِنْ جهةٍ أخرى ـ مُقابَلتُه للإجماع على عدَمِ جوازِ التداوي بالشرك كما تَقدَّمَ، و«كُلُّ قِيَاسٍ فِي مُقَابَلَةِ نَصٍّ
أَوْ إِجْمَاعٍ فَاسِدُ الاعْتِبَارِ
» كما هو مُقرَّرٌ في القواعد.

الوجه الثاني: خُلُوُّ المُمارِس للرقية ـ الراقي ـ مِنَ الصفات القادحةِ في الدِّين والعدالة؛ فلا يجوز طَلَبُ الرقية مِنْ ساحرٍ أو كاهنٍ أو
عَرَّافٍ أو مُنجِّمٍ أو رمَّالٍ أو نحوِهم ممَّنْ يَدَّعُونَ عِلْمَ شيءٍ مِنَ المغيَّبات؛ لِما في ذلك مِنَ المُشابَهة لحال الجاهلية، ولو قُدِّرَ أَنَّ
عندهم رقيةً صحيحةً؛ إلَّا أنه لا يُؤْمَنُ أَنْ يخلطها بشيءٍ مِنَ السحر والكهانة والشعوذة؛ فيُمْنَعُ سدًّا للذريعة إلى المحرَّم، و«الأَحْكَامُ
الشَّرْعِيَّةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى النَّظَرِ إِلَى المَآلِ
»، ووسائلُ المحظورِ تُفْضي إليه.

وعَمَلُ السحرِ حرامٌ، وهو مِنَ الكبائر بالإجماع(4)؛ لقوله تعالى: ﴿وَلَٰكِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحۡرَ وَمَآ أُنزِلَ عَلَى
ٱلۡمَلَكَيۡنِ بِبَابِلَ هَٰرُوتَ وَمَٰرُوتَ﴾ [البقرة: 102]، وقولِه تعالى: ﴿وَلَا يُفۡلِحُ ٱلسَّاحِرُ حَيۡثُ أَتَىٰ 69﴾ [طه].

فلو كانَتْ في رقية الساحر منفعةٌ للناس لَما أَمَرَ الشارعُ بقتلِ الساحرِ ولَما عَدَّ السِّحْرَ مِنَ المُوبِقاتِ في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم:
«اجْتَنِبُوا المُوبِقَاتِ: الشِّرْكُ بِاللهِ وَالسِّحْرُ..»(5) الحديث.

ولَمَّا كان محرَّمًا لم يجعلِ اللهُ شفاءَ أمَّتِه فيما حرَّم عليها بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «يَا عِبَادَ اللهِ، تَدَاوَوْا؛ فَإِنَّ اللهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ
لَهُ شِفَاءً»(6)، وقولِه صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ اللهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ، وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً؛ فَتَدَاوَوْا وَلَا تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ»(7)
وفي حديثٍ: «إِنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِي حَرَامٍ»(8).

ويدخل في النهي عن إتيانه للرقية كُلٌّ مِنَ: الكُهَّان والعرَّافين؛ ففي الحديث: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَطَيَّرَ أَوْ تُطُيِّرَ لَهُ، أَوْ تَكَهَّنَ أَوْ تُكُهِّنَ لَهُ
أَوْ سَحَرَ أَوْ سُحِرَ لَهُ»(9).

وقد أَوْضَحَ ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ أنَّ الكَهَنَةَ رُسُلُ الشيطانِ حقيقةً، وأنَّ الناسَ قسمان: أتباعُ الكَهَنَة، وأتباعُ رُسُلِ الله؛ فلا يجتمع في
العبد أَنْ يكون مِنْ هؤلاء وهؤلاء، بل يَبْعُدُ عن الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم بقَدْرِ قُرْبِه مِنَ الكاهن، ويُكَذِّبُ الرسولَ صلَّى الله
عليه وسلَّم بقَدْرِ تصديقه للكاهن.

وَلَمَّا كان بين النوعين أَعْظَمُ التضادِّ قال الرسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ
عَلَى مُحَمَّدٍ»(10).

ويُلْحَقُ بهم كُلُّ مُشارِكٍ لهم في المعنى ممَّنْ أَتَاهُمْ فصدَّقهم فيما يقولون.
فالحاصل: أنَّ على الراقي أَنْ يكون معروفًا بسلامةِ عقيدته، ولا تُلازِمه صفاتٌ قبيحةٌ شرعًا، وأَنْ يكون مُلْتَزِمًا في الظاهر بالأمور
الشرعية، وحتَّى تكون الرقيةُ ناجعةً ينبغي أَنْ يكون مُسْتَجْمِعًا لشرائطِ الدعاء، مع الحرص على الأكل الحلال، والحذرِ مِنَ
المال الحرام أو المُشْتَبَهِ فيه؛ لأنَّ طِيبَ المَطْعَمِ مِنْ أسباب قَبولِ الدعاء، وقد ذَكَرَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ
أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالحَرَامِ؛ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ
لِذَلِكَ»(12)، ضِمْنَ توجُّهٍ قلبيٍّ قويٍّ إلى الله تعالى مَليءٍ بالتقوى والتوكُّل والإخلاص.

وحقيقٌ بالتنبيه: أنَّ الراقيَ إذا كان مشغولًا بعلاجه للعليل، ولا يُسْتغنى عن تَعاوُنِه في الحال، أو يَخافُ زيادةَ المرضِ أو بُطْأَهُ
وتأخيرَه؛ فهو معدودٌ في حكمِ المريض الذي يَشُقُّ عليه حضورُ صلاةِ الجماعة؛ ففي الحديث أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال:
«الجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلَّا أَرْبَعَةً: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوِ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ»(13).

الوجه الثالث: وضوحُ الرقيةِ في عباراتها ومَعانيها، وفي هيئاتها، أي: أَنْ تكون صافيةً مِنْ كُلِّ العبارات المَنْهِيِّ عنها؛ فلا تُشْرَعُ
الرقيةُ بعباراتٍ غيرِ مفهومةٍ أو غيرِ معقولةِ المعنى خشيةَ تَلبُّسِها واختلاطِها بكلامِ أهلِ الباطل، والوقوعِ في مَظِنَّةِ الشِّركِ وشَرَكِه
الشيطانية؛ فإنَّ مِثْلَ هذا يفتح البابَ واسعًا لتسويغِ أعمالِ أهل الباطل مِنَ السَّحَرَةِ والكَهَنَةِ والعرَّافين وأشباهِهم.

وقد نَقَلَ ابنُ حجرٍ ـ رحمه الله ـ إجماعَ العُلَماءِ على جوازِ الرُّقَى
عند تَحقُّقِ اجتماعِ ثلاثةِ شروطٍ:

أ) أَنْ تكون بكلام الله أو بأسمائه وصِفَاتِه.
ب) أَنْ تكون باللسان العربيِّ أو بما يُعْرَفُ معناهُ مِنْ غيره.
ج) أَنْ يعتقد أنَّ الرقية لا تُؤثِّرُ بذاتها، بل بتقدير الله تعالى(14).
فمِنْ صفاءِ الرقية في عباراتها: أَنْ تكون خاليةً مِنَ الكلام الشِّركيِّ والألفاظِ القبيحة الجارحة التي يَتعرَّضُ فيها الراقي لأعراضِ
المسلمين بالقَدْحِ واللعن والسبِّ والشتم ونحوِها، سواءٌ كان مقصودُه الطعنَ في الجِنِّيِّ المتلبِّسِ أو استعمالَها بغرضِ العلاج؛ لأنَّ مِثْلَ
هذا يُعَدُّ مِنَ التداوي المنهيِّ عنه بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» الحديث(15)
والتداوي بالمنهيِّ عنه غيرُ جائزٍ كما تَقَدَّمَ.

وينبغي أَنْ تكون هيئاتُها مُباحةً، أي: لا يجوز أَنْ يَرْقِيَ على وضعيةٍ منهيٍّ عنها يَتقصَّدُها، أو هيئةٍ مُحرَّمةٍ يأتي بها؛ فإنَّ ذلك يُمْنَعُ سدًّا
لذريعةِ الشرك وأعمالِ الدَّجَّالين والمُشَعْوِذين وإخوانِهم، مثل مَنْ يُخصِّصُ الرقيةَ عند مكانٍ يُنْهَى عن الصلاةِ فيه كالمقبرة والحمَّام
أو يَترصَّدُ زمنًا مُعَيَّنًا كبروز القمر والنجوم على حالةٍ ما ليَرْقِيَ فيها المريضَ، أو يُلطِّخُ ذاتَه أو ذاتَ المسترقي بالنجاسات، أو يَفْرِشُ
أتربةَ أضرحةِ القبورِ قَصْدَ الرقيةِ عليها.

قال ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما في أُناسٍ يكتبون أَبَاجَادَ وينظرون في النجوم: «مَا أَدْرِي مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَهُ عِنْدَ اللهِ مِنْ خَلَاقٍ!»(16).
أو على هيئةٍ تُكْشَفُ فيها العوراتُ، أو يضع يدَه على الأجنبيات ـ ولو مِنْ وراءِ حائلٍ أو سِتارٍ ـ فيما لا تدعو الحاجةُ إليه في الأصل
ذلك لأنَّ الرقية بالمُعوِّذاتِ وغيرِها مِنْ أسماءِ الله تعالى هي الطِّبُّ الروحانيُّ؛ فلا يُتطلَّبُ فيه لحصول الشفاءِ ـ بإذن الله ـ سوى صدقِ
توجُّهِ المُداوي، وقُوَّةِ قلبِه بالتقوى والتوكُّلِ وسلامةِ القصد مِنَ العِلَلِ، على ما أفادَتْه قصَّةُ المرأةِ السوداء رضي الله عنها التي كانَتْ
تُصْرَعُ وتَتكشَّفُ؛ فسألَتِ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَنْ يدعوَ لها، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الجَنَّةُ
وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُعَافِيَكِ»؛ فَقَالَتْ: «أَصْبِرُ»، فَقَالَتْ: «إِنِّي أَتَكَشَّفُ؛ فَادْعُ اللهَ لِي أَلَّا أَتَكَشَّفَ»، فَدَعَا لَهَا(17).

الوجه الرابع: اعتقادُ عدَمِ تأثيرِ الرقية بذاتها استقلالًا في رَفْعِ البلاء ودَفْعِ المَضارِّ، والشفاءِ مِنَ الأسقام، وإنما يكون تأثيرُها بتقديرِ الله
تعالى؛ لتَتخلَّصَ مِنَ الشرك، وتَقَعَ على وجهِ التوحيد الخالص. ولا يَقْدَحُ تَعاطِيهَا في التوكُّل إذا كان الاعتمادُ على الله تعالى لا على
السبب، بل حقيقةُ التوحيد إنما تتمُّ بمُباشَرةِ الأسبابِ التي نَصَبَها اللهُ تعالى مُقْتَضِياتٍ لمسبَّباتٍ قَدَرًا أو شرعًا، وإلَّا عُدَّ مُعَطِّلًا للشرع
وحكمتِه القائمةِ على ما ينفع العبدَ في دينِه ودنياهُ ودَفْعِ ما يضرُّه فيهما؛ اعتمادًا على تحصيلها مِنَ الله عزَّ وجلَّ، حتَّى لا يكون
عجزُه توكُّلًا وتوكُّلُه عجزًا، على ما أفادَهُ ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ(18).

والجديرُ بالذِّكْر: أنَّ على المُسترقَى له المريضِ أَنْ يكون مِنْ أهل الإيمان والاستقامةِ على الدِّين؛ إذ لا تُؤثِّرُ الرقيةُ غالبًا في
أهل المعاصي وأهل التكبُّر والخُيَلاء، كما أنَّ عليه أَنْ يَجْزِمَ بأنَّ الآياتِ والأدعيةَ وغيرَها مِنَ الكَلِم الطيِّب نافعةٌ حقًّا بإذن الله تعالى
وأنها شفاءٌ ورحمةٌ كما أخبر اللهُ تعالى في قوله: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٞ وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارٗا 82﴾
[الإسراء]، وقولِه: ﴿قُلۡ هُوَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ هُدٗى وَشِفَآءٞۚ وَٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ فِيٓ ءَاذَانِهِمۡ وَقۡرٞ وَهُوَ عَلَيۡهِمۡ عَمًى﴾ [فُصِّلَتْ: 44]
ولا يجوز له أَنْ يتردَّدَ في أَمْرِها، أو يُجْرِيَها كتجربةٍ إِنْ نَفَعَتْ وإلَّا لم تَضُرَّ.

هذا ولا يُشْتَرَطُ في الرقية رِضَا المسترقَى له، بل تجوز رقيتُه ولو مع امتناعِه إِنْ غَلَبَ على الظنِّ أنه مطبوبٌ بسحرٍ أو عليلٌ يحتاج إلى
مُعالَجةٍ، وخاصَّةً إِنْ كان غيرَ واعٍ بما يفعله وغيرَ مُدْرِكٍ لِما ينفعه نتيجةَ العلَّةِ المُقْتَرِنةِ به.

بل قد تجب أو تُنْدَبُ الرقيةُ بحَسَبِ اختلافِ الأحوال؛ لِما في ذلك مِنْ دَفْعِ الأذى عنه وعدَمِ تركِه مع مَنْ يُؤْذِيهِ أو فيما يُؤْذِيهِ، أي:
أنه لَا يُسْلِمُهُ، بل يَحْمِيه مِنْ عَدُوِّه وينصرُه ويدفعُ عنه(19).

وفي الحديث: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا»(20).
وفي آخَرَ: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ(21)»(22).
وفي ثالثٍ: «المُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ: يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا»
وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ(23).

والعلمُ عند الله تعالى، وآخِرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالمين
وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين
وسلَّم تسليمًا.

الجزائر في: 05 جمادى الأولى 1418ه
الموافق ل: 07 سبتمبر 1997م

(1) أخرجه مسلمٌ في «السلام» (2200) مِنْ حديثِ عوف بنِ مالكٍ الأشجعيِّ رضي الله عنه.
(2) أخرجه البيهقيُّ في «الكبرى» (11454) مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (7110).
(3) «زاد المَعاد» (5/ 205، 206).
(4) انظر نَقْلَ الإجماع في: «الفتح» لابن حجر (10/ 224).
(5) أخرجه البخاريُّ في «الطبِّ» باب: الشرك والسحر مِنَ المُوبِقات (5764)، ومسلمٌ في «الإيمان» (89)، مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
(6) أخرجه أبو داود في «الطبِّ» بابٌ في الرجل يتداوى (3855)، والترمذيُّ في «الطبِّ» بابُ ما جاء في الدواء والحثِّ عليه (2038)، وابنُ ماجه في «الطبِّ» بابُ: ما أنزل الله داءً إلَّا أَنْزَلَ له شفاءً (3436)، مِنْ حديثِ أسامة بنِ شريكٍ رضي الله عنه. قال الترمذيُّ: «هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ»، وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع» (2930)، وروى البخاريُّ طَرَفًا منه في «الطبِّ» باب: ما أنزل الله داءً إلَّا أنزل له شفاءً (5678) بلفظ: «مَا أَنْزَلَ اللهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً» مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
(7) أخرجه أبو داود في «الطبِّ» بابٌ في الأدوية المكروهة (3874)، مِنْ حديثِ أبي الدرداء رضي الله عنه، وانظر: «السلسلة الصحيحة» للألباني (1633).
(8) أخرجه ابنُ حبَّان في «صحيحه» (1391) مِنْ حديثِ أمِّ سَلَمَة رضي الله عنها، وبمعناهُ عند البخاريِّ في «الأشربة» بابُ شرابِ الحلواء والعَسَل، موقوفًا على ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه. وحسَّنه الألبانيُّ لغيره في «التعليقات الحسان» (1388).
(9) رواهُ البزَّار في «مسنده» (3578)، وذَكَرَهُ الهيثميُّ في «المَجْمَع» (5/ 117) وقال: «رواهُ البزَّار، ورجالُه رجالُ الصحيح، خلا إسحاقَ بنَ ربيعٍ، وهو ثِقَةٌ»، وذَكَرَهُ المنذريُّ مِنْ حديثِ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه (4/ 52)، وله شاهدٌ مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما يرتقي به إلى درجة الحسن. [انظر: «السلسلة الصحيحة» للألباني (2195)].
(10) أخرجه أحمد في «مسنده» (9536) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه. وصحَّحه الألبانيُّ في «صحيح الجامع الصغير» (5939).
(11) انظر: «إغاثة اللهفان» لابن القيِّم (1/ 197).
(12) أخرجه مسلمٌ في «الزكاة» (1015) مِنْ حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه.
(13) أخرجه أبو داود في «الصلاة» باب الجمعة للمملوك والمرأة (1067) مِنْ حديثِ طارق بنِ شهابٍ رضي الله عنه، والحاكم في «مستدركه» (1062) مِنْ حديثِ طارق بنِ شهابٍ عن أبي موسى رضي الله عنهما. وصحَّح إسنادَه النوويُّ، وقال الحافظ في «التلخيص» (2/ 63): «ورجالُه ثِقاتٌ»، وصحَّحه الألبانيُّ في «الإرواء» (592).
(14) «فتح الباري» لابن حجر (10/ 195).
(15) أخرجه البخاريُّ في «الحجِّ» بابُ الخُطْبة أيَّامَ مِنًى (1739) مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما. ومسلمٌ في «القَسامة» (1679) مِنْ حديثِ أبي بَكْرَة رضي الله عنه.
(16) أخرجه البيهقيُّ في «السنن الكبرى» (16514).
(17) أخرجه البخاريُّ في «المرضى» بابُ فضلِ مَنْ يُصْرَعُ مِنَ الريح (5652)، ومسلمٌ في «البرِّ والصِّلَة والآداب» (2576)، مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما.
(18) انظر: «تيسير العزيز الحميد» (111).
(19) انظر: «فتح الباري» لابن حجر (5/ 97).
(20) أخرجه البخاريُّ في «المَظالِمِ والغصب» باب: أَعِنْ أخاك ظالمًا أو مظلومًا (2443) مِنْ حديثِ أنس بنِ مالكٍ رضي الله عنه.
(21) قال ابنُ الأثير في «النهاية» (2/ 394): «أَسْلَمَ فلانٌ فلانًا إذا أَلْقاهُ إلى الهَلَكة ولَمْ يَحْمِهِ مِنْ عَدُوِّه».
(22) أخرجه البخاريُّ في «المَظالِمِ والغصب» باب: لا يظلم المسلمُ المسلمَ ولا يُسْلِمُه (2442)، ومسلمٌ في «البرِّ والصِّلَة» (2580)، مِنْ حديثِ ابنِ عمر رضي الله عنهما.
(23) أخرجه البخاريُّ في «المَظالِمِ والغصب» بابُ نصرِ المظلوم (2446)، ومسلمٌ في «البرِّ والصِّلَة» (2585)، مِنْ حديثِ أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه.

الموقع الرسمي للشيخ فركوس حفظه الله








 


آخر تعديل أبو همام الجزائري 2016-01-04 في 18:17.
رد مع اقتباس
قديم 2016-01-27, 19:29   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
islem310
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاكم الله خيرا










رد مع اقتباس
قديم 2016-02-03, 22:33   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
amirrs
محظور
 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاك الله خيراااااا










رد مع اقتباس
قديم 2016-02-20, 23:48   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
رجائي فيك
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية رجائي فيك
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاك الله كل الخير










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مشروعيــة, الرقيــة, شــروط


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 20:34

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc