لماذا فشل المشروع الوطني ونجح المشروع الإسلامي في تونس ؟؟؟
في تونس ومنذ إستقلالها عن الإستعمار الفرنسي سنة 1956 هناك ثلاث مشاريع تتصارع في ساحاتها وميادينها .... تتصادم وتتقارب .... تتجاذب أحيانا وتتنافر أحيانا أخرى .
- المشروع الإسلامي بقيادة التيارات الإسلامية وعلى رأسها حركة النهضة (حزب إخواني) وهي من أقدم الأحزاب المعارضة ما بعد الإستقلال .
وهناك التيار العلماني التغريبي (نسبة إلى الغرب) الذي بدأ مع أب الإستقلال في تونس الرئيس الراحل " الحبيب بورقيبة " والذي تم تحجيمه في الإنقلاب الأبيض سنة 1987 من وزير الداخلية أنذاك الرئيس الراحل " زين العابدين " الذي تنحى عن الحكم إثرى أحداث دامية سنة 2011 بعد انتحار " البوعزيزي" تاجر العربة المتجول حرقا ، والذي بقي في تونس كمشروع وليس كقيادات وأشخاص ونخب بعد عزل وموت " بورقيبة " وهو اليوم موجود في أتباع حزب " نداء تونس " وفي عهد الرئيس الراحل " الباجي قائد السبسي " والذي يعبر عنه النخبة الملتفة حول " نبيل القروي " .
وهناك التيار اليساري والتيار الشيوعي الذي يمثله إتحاد الشغل التونسي والذي كان من رموزه القوية الراحلين شكري بلعيد والبراهمي .
لماذا نجح التيار الإســـــــلامي في تونس ؟؟؟
نجح التيار الإسلامي في تونس عندما ضاق الشعب التونسي العروبي المسلم ذرعا بالتغريبيين (دعاة تطبيق القيم الغربية في البلاد العربية) والعلمانيين ، من مثل : مسألة "التضايق/ الإنزعاج " من سماع صوت الآذان ... والدعوة إلى تحرر المرأة إلى أبعد الحدود ... وقضية نكاح المرأة دون ولي ... وقضية المساواة في الميراث بين المرأة والرجل (تلكم المقدمات) ...إلخ .
ولعل الأحداث التي جاءت إثرى حرق " البوعزيزي " لنفسه عجلت بنهاية هذا التيار التغريبي العلماني المتطرف الذي كان يؤرق التونسيين .... وفي ظل غياب بديل أو مشروع وطني نابع من البيئة والخصوصية التونسية بالحفاظ على ثوابت تونس : العروبة والعربية والإسلام ... كا الذي هو موجود الآن في سوريا أو مصر على سبيل المثال رغم الضربات العنيفة التي تعرضا لهما المشروعان بعد 2011 .... هذا المشروع الذي يجمع بين الثوابت الدينية وما تعلق بالهوية وبين الحداثة والإنخراط في التطور الحاصل في العالم .
إن غياب مشروع وطني ليس إسلاميا ولا علمانيا ولا تغريبيا ولا شيوعيا ولا يساريا في تونس هو الذي دفع بالشعب التونسي للإرتماء في أحضان المشروع الإسلامي (المتاح) لأنه في إعتقاده يحقق له هدف الحفاظ على معتقداته وبعض من ثوابته رغم إحتمال تضييع فرصة الإستفادة من الحداثة والتطور الحاصلة في العالم التي قد يهملها هذا الفصيل بسبب إنغلاقه على الموروث فقط وحساسيته المفرطة من " البدع " المتتالية الحاصلة في العالم ... لكن الشعب التونسي يبقى يقاوم ويرفض الوصاية الثيوقراطية والعقلية الدوغماتية التي يعبر عنها هذا التيار .
إن ما هو مؤكد من كل ما ذكرناه أنه لن يكتب النجاح لأي من هذه المشاريع ، سواء التغريبية في ظل حرب الإسلاميين لهم بواسطة تعبئة العامة والغوغاء والدهماء بواسطة الخطابات الدينية ...كما أن اليساريين والشيوعيين وحتى العلمانيين لن يكتب لهم النجاح في ظل تمسك الشعب التونسي بثوابته وهويته ...كما أن النموذج الإسلامي الذي يعبر عنه الإخوان المسلمين لن يكتب له النجاح في ظل إستهداف التغريبيين والعلمانيين والشيوعيين واليساريين على قلب رجل واحد له دون رحمة أو هوادة .
يبقى النموذج أو المشروع الوطني الجامع على شاكلة ما هو موجود في مصر أو سوريا رغم العثرات والمطبات والعراقيل وما هو موجود اليوم في الجزائر وموريتانيا ...إلخ كفيل لوحده بإنقاذ تونس والخروج بها إلى بر الأمان من التيه السياسي والإقتصادي والأمني والوجودي والإجتماعي والثقافي والهوياتي والديني التي ترزح تحته منذ بداية أحداث ما يسمى غربيا " بالربيع العربي " أو " الثورات الملونة " ... وربما قبل ذلك بكثير أي بعيد إستقلال تونس سنة 1956 من نير الإستعمار الفرنسي الغاشم وسيطرة دعاة المشروع التغريبي (العلماني) في بلاد لا تريد أن تكون إسلاماوية ولا شيوعية ولا يسارية ولا علمانية تغريبية ولكن وطنية في ظل الثوابت والهوية : العروبة والعربية والإسلام التي لا يجب المساس بها مهما كانت الظروف والأحوال .