القواعد الذهبية للعلاقات الزوجية في ضوء القرآن الكريم - الصفحة 2 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > القسم الاسلامي العام

القسم الاسلامي العام للمواضيع الإسلامية العامة كالآداب و الأخلاق الاسلامية ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

القواعد الذهبية للعلاقات الزوجية في ضوء القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2015-08-29, 11:15   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

"لينفق ذو سعة من سعته"




المال عصب الحياة، وبه ينهض الإنسان، ويؤدي دوره في هذه الحياة، كما قال تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا}([1]).


والمال من أعظم أركان الحياة الزوجية الهانئة، وغالباً ما يكون فقده سبباً لمشاكل زوجية، وضعفاً في قوامة الرجل، إذا إن من أسباب إسناد القوامة له تكفله بالمهر والنفقة، كما قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ}([2]).


ولعل في الفقرات التالية ما يوضح المقصود من هذه القاعدة:


أولًا: - الاعتدال في النفقة:


يربى الإسلام أتباعه على الاعتدال في الإنفاق، فلا إسراف يصل إلى حد التبذير، ولا إمساك يصل إلى حد البخل والتقتير، والقاعدة في هذا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}([3]) وقوله تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا}([4]) مع قوله تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}([5]).


ومما يؤسف له أن كثيرًا من المسلمين - ولاسيما الشباب، وحديثو العهد بالزواج - يخلِّون بهذه التعاليم الربانية، فيقعون في أحد طرفي الذم، فتسوء العشرة الزوجية، بسبب التقتير، أو بسبب الفقر، وتراكم الديون، نتيجة الإسراف والتبذير.


إن على الزوجين العاقلين أن يُنظِّما حياتهما الاقتصادية، وأن يضعا ميزانية الأسرة، يحددا فيها منافذ الصرف، ويجعلا نصيبًا للادخار، والطوارئ، ومستقبل الأسرة، والأولاد، وأن يشرك الرجل امرأته، والعقلاء من أولاده في هذا التنظيم، مع الصدق والصراحة في المقدرة المالية، إن كان من ذوي الدخل المحدود، والبعد عن المظهرية الجوفاء، وفي الحديث: "المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور"([6])، وبهذا تحسم موارد إشكالات كثيرة، ونزاعات أسرية، ويعيش الجميع أحباء أصفياء، لا يوصف المعيل بالبخل، ولا العائل بالطمع، أو السفه، أو الإسراف.


ثانيًا: - عدم النفقة بيبح الفسخ:


وجملة ذلك أن الله تعالى قال: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}([7]).


وليس من المعروف الإمساك مع عدم النفقة([8])، ولعدم نفقة الزوج على امرأته أحوال هي([9]):


1- أن يمتنع عن الإنفاق لعسرته، وعدم وجود ما ينفقه، فالمرأة حينئذ مخيرة بين الصبر عليه، وبين فراقه، وقد ثبت عن عمر t أنه كتب إلى أمراء الأجناد، في رجال غابوا عن نسائهم، فأمرهم بأن ينفقوا أو يطلقوا"([10]) وقال ابن أبي الزناد: "سألت سعيد بن المسيب عن رجل لا يجد ما ينفقه على امرأته، أيفرق بينهما؟ قال: نعم، قلت: سنّة؟ قال سنّة"([11])، قال ابن قدامه: (وهذا ينصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم)([12]).


2- أن يمتنع عن الإنفاق مع يساره، لبخله، أو غيبته، أو مضارّته، فإن قدِرت على أخذ نفقتها أخذتها، ولا خيار لها؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلمامرأة أبي سفيان بذلك([13])، ولم يرشدها إلى الفسخ.


3- أن يمتنع عن الإنفاق، مع عجزها عن أخذ النفقة، وعجز الحاكم عن ذلك، فحينئذ يثبت لها الخيار في الفسخ، لكن كل موضع ثبت لها الفسخ لأجل النفقة، لم يجز الفسخ إلا بحكم حاكم([14]).


ثالثًا: - فضل صبر المرأة على فقر زوجها:


لا شك أن فقر الزوج مصيبة للزوجة، فإن صبرت واحتسبت فلها أجر الصابرين، الوارد في الكتاب والسنة، مثل قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}([15]) وفي الحديث: «ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه، حتى الشوكة يشاكها»([16]).


ولقد كان من هدي أمهات المؤمنين، والصالحات من نساء المسلمين، الصبر على فقر أزواجهن، وتدبير أمور المعيشة بحكمة وحنكة، بل وتقديم العون على قدر الاستطاعة، حتى تحمي زوجها من مد يده لغيره، فعن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت لعروة بن الزبير: "يا ابن أختي! إنا كنا لننظر إلى الهلال، ثلاثة أهلة في شهري، وما أوقدت في أبيات رسول الله نار!. فقلت: يا خالة ما كان يعيشكم؟! قالت: الأسودان التمر والماء"([17]).


وعن أبي هريرة t قال: "ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من طعام ثلاثة أيام حتى قبض"([18]) وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "وإن كنا لنرفع الكراع - عظم تحت الكعب([19]) - فنأكله بعد خمس عشرة، قيل ما اضطركم إليه؟! فضحكت، فقالت: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلممن خبز بر مأدوم، ثلاثة أيام حتى لحق بالله"([20]) وعنها قالت: "ما أكل آل محمد صلى الله عليه وسلم أكلتين في يوم إلا إحداهما تمر"([21]).


وها هي فاطمة الزهراء - رضي الله عنها - تأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى، وبلغها أنه جاءه رقيق، لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرشدها وعليًا فقال: "ألا أعلمكما خيرًا مما سألتماني؟ إذا أخذتما مضاجعكما، تسبحا ثلاثا وثلاثين، وتحمدا ثلاثا وثلاثين، وتكبرا أربعًا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم"([22]).


وإن في قصة أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها - عبرة لكل من ابتليت بزوج فقير، قالت أسماء: "تزوجني الزبير وماله في الأرض من مال، ولا مملوك ولا شيء، غير ناضح - جمل يُسقى عليه - وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه، واستقي الماء، وأخرز غربه - دلوه - وأعجن... وكنت أنقل النوى من أرض الزبير، التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي، وهي مني على ثلثي فرسخ([23])... قالت: "حتى أرسل إليَّ أبو بكر بعد ذلك بخادم، يكفيني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني"([24]).


هذه نماذج يسيرة، لصبر النساء المؤمنات على فقر أزواجهن والوقوف بجانبهم، حتى يقضي الله أمراً كان مفعولًا، وكم من فقراء حسبوا أن الفقر ضربة لازب، ثم تتبدل أحوالهم، ويرزقون من حيث لا يحتسبون.

([1]) سورة النساء، الآية: 5.

([2]) سورة النساء، الآية: 34.

([3]) سورة الفرقان، الآية: 67.

([4]) سورة الإسراء، الآية: 27.

([5]) سورة الحشر، الآية: 9.

([6]) رواه البخاري، كتاب النكاح، ح (148) (7/61) مسلم كتاب اللباس، ح (2129) (3/ 1681).

([7]) سورة البقرة، الآية: 229.

([8]) انظر: المغني (11/ 361) وحاشية الروض المربع (7/ 124).

([9]) انظر : المغني (11/ 361- 365).

([10]) رواه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب النفقات (7/ 369) وعبد الرزاق في المصنف، كتاب الطلاق (7/ 93).

([11]) رواه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب النفقات (7/469).

([12]) المغني (11/ 361).

([13]) سبق تخريجه، انظر، ص: 34.

([14]) انظر : المغني (11/ 365).

([15]) سورة البقرة، الآيات 155- 157.

([16]) رواه البخاري، كتاب المرضى، ح (1) (7/ 208) ومسلم كتاب البر، ح (2572) (4/ 1991).

([17]) رواه البخاري، كتاب الرقاق، ح (46) (8/ 175).

([18]) رواه البخاري، كتاب الأطعمة، ح (2) (7/ 121).

([19]) انظر: لسان العرب (كرع) (8/ 306).

([20]) رواه البخاري، كتاب الأطعمة، ح (49) (7/ 137).

([21]) رواه البخاري، كتاب الرقاق، ح (42) (174).

([22]) رواه البخاري، كتاب المناقب، ح (201) (5/ 89).

([23]) الفرسخ: ثلاثة أميال أو ستة، انظر: لسان العرب (فرسخ) (3/44). والميل المعروف: كيلو وستمائة متر. انظر: الشرح الممتع (4/ 351).

([24]) رواه البخاري، كتاب النكاح، ح (153) (7/ 63).









 


رد مع اقتباس
قديم 2015-08-29, 11:18   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

"ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل"




جعل الإسلام للمرأة شخصية اعتبارية، مستقلة عن زوجها، فلها ذمة منفردة، بها تملك وتبيع، وتهب وتتصدق، وإن لم يرض زوجها، وهذا من أعظم صور تكريم الإسلام للمرأة، ومخالفته للأنظمة الجاهلية التي تزدري المرأة، وتحرمها من التملك، أو تمنعها من التصرف في مالها إلا بإذن وليها، ويكفي شاهدًا على ذلك أن جاهلية العرب كانوا يحرمون المرأة من الميراث، ويقولون لا نعطي إلا من قاتل وحاز الغنيمة([1]).


وكذلك جاهلية النصارى، يقول برنارد شو الأديب الإنجليزي المشهور: (في اللحظة التي تتزوج فيها المرأة، تصبح جميع ممتلكاتها ملكًا لزوجها، بمقتضى القانون الإنجليزي) ثم يذكر طرقًا من التحايل على القانون([2])، أما في فرنسا فنص المادة السابعة عشرة بعد المائتين من القانون: (إن المرأة المتزوجة - حتى لو كان زواجها قائمًا على أساس الفصل بين ملكيتها وملكية زوجها - لا يجوز لها أن تهب، ولا أن تنقل ملكيتها، ولا أن ترهن، ولا أن تملك بعوض، أو من غير عوض، بدون اشتراك زوجها في العقد، أو موافقته عليه موافقة كتابية) ومع ما أدخل على هذه المادة من قيود وتعديلات فيما بعد، فإن كثيرًا من آثارها لا يزال ملازمًا لوضع المرأة الفرنسية المتزوجة من الناحية القانونية في الوقت الحاضر([3]).


وقد حمى الإسلام حقوق المرأة المالية، وحرّم على الأقوياء، من الزوج والأولياء الاعتداء عليها في ذلك، وجعل الاعتداء على الأقرباء، من ذكور وإناث، أعظم جرماً، وأشد إثماً، كما قال تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُم}([4]) وإذا أراد الزوج أن يسعد في زواجه، فليستعفف عما حرم الله عليه، ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه، ولعل الفقرات التالية توضح جوانب هذه القاعدة الزوجية المهمة:


أولًا: - أثر اغتصاب مال الزوجة على العلاقة بينهما:


إن الرجل قد يحاصر امرأته من جوانب شتى، فعاطفتها معلّقة به، ورضاه مهم بالنسبة لها، ودرء سخطه مطلب أساسي، ثم إنه قد يُخيِّل إليها أن ثروته إنما هي لها، ولأولادها، فإذا أضيف إلى ذلك الضعف البشري العام، وضعف المرأة على وجه الخصوص، فإن الرجل قد يستطيع الاستيلاء على مال امرأته، أو على بعضه، بغير وجه حق، وتبقى المرأة بين خيارين عسيرين: إما أن تغامر بما قد يهدم بيتها، ويحطم أسرتها، ويشتت ذريتها، وإما أن تبقى أسيرة ظلم الزوج، وطمعه، وجشعه، ولاشك أن هذا التصرف المشين يزلزل كيان الأسرة، ويوشك أن يقتلعها من جذورها، فهو يجعل الأسرة غير مستقرة نفسيًا، وقد تتراكم أحزان المرأة، ثم تنفجر محطمة كل شيء، وحينئذ لا تنفع الزوج تصرفاته الهوجاء، التي قاده إليها شحه وطمعه، وتطلعه إلى ما في يد غيره، ولو اتقى الله، وقنع برزق الله، واعتبر مال امرأته ذخرًا للأسرة، وملاذًا عند الحاجة، برضى المرأة، وطيب نفسها، لعاش حياته الزوجية بهناءة وراحة بال: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}([5]).

([1]) انظر تفسير الطبري (7/ 598) طبعة شاكر، ومعالم التنزيل (2/ 169).

([2]) الإسلام وبناء المجتمع، د/ أحمد العسال: ص: 160، نقلًا عن كتاب: دراسة في فكر منحل: ص: 34.

([3]) المصدر السابق، الموضع نفسه، نقلًا عن: الأسرة والمجتمع: ص: 144.

([4]) سورة محمد الآيتان: 22، 23.

([5]) سورة الطلاق، الآيتان: 2، 3.










رد مع اقتباس
قديم 2015-08-29, 11:21   رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

ثانيًا: - تحريم ظلم المرأة في مالها:


إن على الزوج أن يعلم أن جميع النصوص الواردة في تحريم الظلم، والنهي عن الاعتداء على حق الغير، وتحريم أكل مال الآخرين بالباطل، كلها دالة على تحريم الاعتداء على مال الزوجة، والاستيلاء عليه بغير وجه حق، فالزوجة كسائر الأجانب، لا يجوز أخذ شيء من مالها إلا برضاها، وطيب نفسها، كما قال تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}([1]) فلا يجوز الاستحلال، ولا التحايل، ولا الإكراه، ولا استخدام سيف الحياء، قال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}([2]) وقال تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ}([3]).


وفي الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا»([4]) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره... كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه»([5]).


ولو تدبرنا آيتين من كتاب الله، لبان لنا كيف حمى الإسلام حقوق المرأة، وشدد في الدفاع عنه، وهما قوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}([6]).


فقد ذكرت هذه الآيات تسعة أمور، تؤكد تحريم أخذ الزوج شيئًا دفعه لامرأته، وتُبين قبح ذلك، وشناعته عند الله:
الأول: النهي الصريح عن ذلك بقوله: {فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} والتعبير بلفظ "منه شيئًا" دون: فلا تأخذوه، للدلالة على تحريم أخذ اليسير، فمن باب أولى أخذ الكثير([7]).


الثاني: الإنكار على من فعل ذلك وتوبيخه بقوله تعالى: {أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}.


الثالث: وصف الأخذ بالبهتان، وهو الكذب الذي يُبهِت سامعه لشناعته([8])؛ لأن الزوج قد يدعى أن له حقًا في ذلك، وهذا عين الكذب، فمتى ما تم العقد، وسمي المهر، فقد استقر للمرأة نصف المهر، فإن دخل بها ملكت المهر كله.


الرابع: وصفه بالإثم المبين، فلا يفعله إلا من ضعف إيمانه، وانتفى تأثمه وتحرجه من أكل مال غيره بالباطل.


الخامس: أسلوب التعجب، والإنكار بعد الإنكار على من أقدم على ذلك، مما يدل على بشاعة الإقدام، وقبح الفعلة، وذلك في قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ}.


السادس: بيان أن إفضاء الزوجين بعضهما إلى بعض مانع من الاعتداء على ذلك الحق.


السابع: بيان أن عقد النكاح ميثاق غليظ، فهو أقوى العقود، وأعظمها، وأشدها أثرًا في الحال، والمآل، لما يترتب عليه من استحلال الفروج، وثبوت النسب، والميراث، وسواها من الأحكام الكثيرة المعروفة، ومثل هذا الميثاق الغليظ يمنع من تسلط الزوج على مهر زوجته.


الثامن: وصف المرأة بالثراء الفاحش، وبيان أن أصل هذه الثروة من الزوج:{وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} والقنطار المال الكثير العظيم([9])، وقدره بعضهم بأنه ملء جلد الثور ذهبًا([10])، فإذا منع الزوج من أخذ شيء من مال امرأته الثرية، فالفقيرة من باب أولى، وإذا منع من الاعتداء على المهر وله فيه شبهة، إذ يجوز أخذه في بعض الأحوال، كنشوز المرأة، أو بيان عيب فيها، أو رغبتها في المخالعة، فمنعه من الاعتداء على المال الذي لا شبهة له فيه أولى وأحرى.


التاسع: ذكر حالة هي مظنة حاجة الرجل للمال، وهي المذكورة في قوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} فالزواج الجديد سبب للحاجة للمال، والحاجة الملحة تطمس بصيرة من ضعف إيمانه، وقلّ تذكُّره ليوم الحساب.

([1]) سورة النساء، الآية: 4.

([2]) سورة البقرة، الآية: 188.

([3]) سورة الشورى، الآية: 43.

([4]) رواه مسلم، كتاب البر، ح (2577) (4/ 1994).

([5]) رواه مسلم، كتاب البر، ح (2564) (4/ 1986).

([6]) سورة النساء، الآيتان: 20، 21.

([7]) انظر: محاسن التأويل (5/ 1167).

([8]) انظر: المفردات للراغب (بهت)، ص: 63.

([9]) انظر الكشاف: (1/ 258).

([10]) انظر: المفردات في غريب القرآن (قطر) (ص: 407).










رد مع اقتباس
قديم 2015-08-29, 14:51   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
hb4u2
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا جزيلا










رد مع اقتباس
قديم 2015-08-30, 11:58   رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

ثالثًا: - حكم أخذ شيء من راتب الزوجة:

في كثير من الأحيان يكون راتب الزوجة عامل شقاء، ومصدر نزاع وشقاق، ما لم يتفق الزوجان على أمر سواء، ويسيرا على خطة رشد.


وراتب الزوجة ملك لها، فإن منحت الزوج شيئًا منه برضاها فله ذلك، وإن أبت، أو رفضت الإنفاق على نفسها، أو على ولدها، حرم إجبارها على ذلك([1])؛ لعموم قوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ}([2])، فلا يحل مال الزوجة إلا برضاها، وطيب نفسها.


وثمت ملحوظات ينبغي التفطن لها، ومراعاتها:

1- يحق للزوج الغني المنفق منع امرأته من العمل، ما لم تشترط ذلك عند العقد، فإن شرطت ذلك وجب الوفاء بشرطها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «إن أحق الشروط أن توفوا به، ما استحللتم به الفروج»([3]) متفق عليه. ولقوله: صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم»([4]) وقال عمر t لمن أبى أن ينفذ ما شرط لامرأته: "إن مقاطع الحقوق، عند الشروط، ولها ما اشترطت"([5]).


2- إذا أعسر الزوج، ولم يقدر على النفقة، ولم تختر المرأة الفسخ، فليس له منعها من عمل لا يمس كرامتها، ولا يخدش عرضها، قال الشافعي - رحمه الله -: (وإذا لم يجدها - يعني النفقة - لم يؤجل أكثر من ثلاث، ولا يمنع المرأة في الثلاث من أن تخرج فتعمل أو تسأل)([6]).


وقال النووي: (يجوز لها الخروج في مدة الإمهال لتحصيل النفقة، بكسب، أو تجارة، أو سؤال، وليس له منعها من الخروج، وقيل: له منعها، وقيل: إن قدرت على الإنفاق بمالها، أو كسب في بيتها، كالخياطة والغزل، فله منعها وإلا فلا، والصحيح المنصوص أنه ليس له منعها مطلقًا؛ لأنه إذا لم يوف ما عليه لا يملك الحجر)([7]).


وقال الإمام ابن قدامة (وعليه - يعني المعسر - تخلية سبيلها، لتكسب لها، وتحصّل ماتنفقه على نفسها؛ لأن في حبسها بغير نفقة إضرار بها، ولو كانت موسرة لم يكن له حبسها، لأنه إنما يملك حبسها إذا كفاها المؤونة، وأغناها عما لابد لها منه)([8]).


3- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أول ما تفتقدون من دينكم الأمانة»([9])، وفي رواية: «إن أول ما يرفع من الناس الأمانة، وآخر ما يبقى الصلاة، ورب مصل لا خير فيه»([10]) وقال صلى الله عليه وسلم في حديث نزع الأمانة: «فيصبح الناس يتبايعون فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة»([11]) متفق عليه.




والجدير بالتنبيه عدم الربط بين الأمانة وصلاح الظاهر، فكم من صالح الظاهر، لكنه قليل الديانة، ضعيف الأمانة، سريع الخيانة، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه"لا يغرنكم صلاة ولا صيام، ولكن إذا حدث صدق، وإذا ائتمن أدى، وإذا أشفى([12]) ورع"([13]).


وعلى الزوجة الموظفة أن تعتبر بهذه الأحاديث، وأن تعلم أن الأمانة تنزع في آخر الزمان، فلا تأمن على مالها أحدًا، ولا تخالط زوجها في ماله، إلا أن تكون هبة طيبة بها نفسها، وصلة ترجو ثوابها في الآخرة، أو بتوثيق وصكوك، وشهادات إثبات، تضمن بها مالها عند التنازع، فإن أبت فلتوطن نفسها لهبوب العاصفة، ولتتذكر أن الزوج، والأسرة، والأولاد أغلى من الدنيا وما فيها.






([1]) انظر: دور المرأة في المجتمع، ص: 54.

([2]) سورة النساء، الآية: 4.

([3]) رواه البخاري، كتاب الشروط، ح (9) (4/ 31) ومسلم، كتاب النكاح، ح (1418) (3/ 1035).

([4]) رواه الترمذي، كتاب الأحكام، ح (1352) (3/ 625) والحاكم، كتاب البيوع (2/ 94) وصححه، وكذلك صححه الألباني، انظر: صحيح الجامع الصغير، ح (6714) (2/ 1138).

([5]) رواه البخاري بنحوه معلقًا، كتاب الشروط (4/ 31) وانظره موصولًا بهذا اللفظ في فتح الباري (19/ 217).

([6]) الأم (5/ 132).

([7]) روضة الطالبين (9/ 78).

([8]) المغني (11/ 366).

([9]) رواه البيهقي في شعب الإيمان ح (5273) (4/ 325) وصححه الألباني، انظر: صحيح الجامع الصغير، ح (2570) (1/ 502).

([10]) رواه البيهقي في شعب الإيمان، ح (5274) (4/ 325) وحسنه الألباني، انظر: صحيح الجامع الصغير، ح (2575) (1/ 503).

([11]) رواه البخاري، كتاب الرقاق، ح (84) (8/ 186) ومسلم كتاب الإيمان، ح (230) (1/ 126).

([12]) أشفى: أي إذا أشرف على شيء تورع عنه، أو أشرف على الدنيا، وأقبلت عليه. انظر النهاية في غريب الحديث (2/ 498).

([13]) رواه البيهقي في شعب الإيمان، ح (5281) (4/ 327).










رد مع اقتباس
قديم 2015-08-30, 12:02   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

الحذر من الاختلاط والخلوة بالمرأة الأجنبية



جعل الله بين الذكر والأنثى تجاذبًا طبيعيًّا، وميلًا فطريًّا، تعسر مقاومته، ويستحيل اقتلاعه من جذوره، وما الدين والأخلاق، والعادات والحياء، وضغوط الأسرة والمجتمع، إلا عوامل ردع لما وراء هذا الميل والانجذاب، ومتى ما توارت هذه العوامل أو ضعفت، ظهر المخبوء، وبان المستور.


وإذا أراد الزوجان أن يهنآ في حياتهما الزوجية، ويعيشا حياة الأمن والاستقرار، ويسْلما من بلاء الشك، وعذاب الغيرة، فليبتعدا عن الاختلاط المريب، وليحذرا من الخلوة المحرمة.


ولعل في الفقرات التالية ما يشفي العليل، ويروي الغليل، ويقتلع جذور البلاء، الذي ابتليت به أمتنا، تقليدًا ومحاكاة لأمم لها مقاييس وأخلاق، وعادات وحضارة، تصادم ما عليه الإسلام وأهله، بل وتضاد الفطرة السليمة، ومقتضى العقول الرشيدة:


أولًا: مفهوم الإسلام لعلاقة الرجل بالمرأة:


من أعظم الغرائز التي فطر عليها الإنسان، غريزة بقاء النوع، وقد فطر الله الذكر والأنثى على التجاذب والميل، لتحقيق هذه الغريزة، لكن إطلاق هذه الغريزة من غير ضوابط يضر بالإنسان، ويدمر حياته الاجتماعية، أشبه بما لو أبيحت السرقة، أو ألغيت الملكية الفردية.


وثمت مفهومان لعلاقة الرجل بالمرأة علاقة جنسية:


1- المفهوم الغربي، القائم على أن الصلة بين الذكر والأنثى إنما هي للجنس أولًا، ولذلك تعمدوا إيجاد الواقع المادي المثير، والفكر الجنسي الفج، وكل ما يلهب غريزة بقاء النوع، وأمام نظر الرجل والمرأة على حد سواء، ثم دأبوا على إشباع هذه الغريزة، وإرواء العطش المتكرر، ووضعوا لذلك فلسفات، ونظريات، تخدم هذا المفهوم، كنظرية الكبت القائلة: إن الإنسان إذا ثار جنسيًا، ولم يُشبع هذه الرغبة، أصيب بكبت يضره جسديًا، ونفسيًا، وعقليًا، ونحو ذلك من نظريات، ألبست لبوس العلم والتجربة، وراجت في الأذهان، وتغلغلت في العقول.


ولذا نجد المجتمع الغربي، المسيّر بهذا المفهوم، يتعمد الإثارة الجنسية، ويتساهل في إشباعها، ويستزيد من الأفكار التي تخدم هذا الغرض، في القصص، والشعر، والمسرح، وغيرها، كما يحبذ الاختلاط بين الرجل والمرأة في البيوت، والمنتزهات، والطرقات، وفي الرياضة، والسباحة، وما شاكل ذلك؛ لأنهم يعتبرون هذا أمرًا ضروريًا، ويتعمدون إيجاده، وهو جزء من تنظيم حياتهم، وطراز معيشتهم([1]).


2- المفهوم الإسلامي، القائم على أن الصلة بين الذكر والأنثى في هذا الشأن إنما هي لبقاء النوع، وما عدا هذا الغرض من اللذة والتمتع، متمم للحياة الزوجية، وتابع لهذا المفهوم، لا موجه له([2])، ويكفي لتحقيق هذا الغرض صلة الرجل بزوجته، أو ما ملكت يمينه، ولهذا جاءت تعاليم الإسلام بمنع الإثارة الجنسية، خارج نطاق الحياة الزوجية، واعتبار ذلك نوعًا من الفساد، وضربًا من المنكر.


أما الإثارة الجنسية بين الزوجين، وقضاء الوطر، والتمتع بالنعمة، فنوع عبادة، ووسيلة قربة، وطاعة لله ولرسوله، كما قال تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}([3]) وقال سبحانه: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}([4]) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«وفي بضع أحدكم صدقة»([5]).

([1]) انظر: حقوق المرأة المسلمة في القرآن والسنة، د/ محمد فريحة: ص 16.

([2]) انظر: المصدر السابق.

([3]) سورة النساء، الآية: 3.

([4]) سورة البقرة ، الآية: 223.

([5]) رواه مسلم، كتاب الزكاة، ح (1006) (2/ 697).










رد مع اقتباس
قديم 2015-08-30, 12:07   رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

ثانيًا: وسائل الإسلام في منع الإثارة الجنسية:


غريزة الجنس في حالة خمود ما لم تثر، فإذا ثارت تطلبت إشباعًا، والذي يثير هذه الغريزة أمران:


أحدهما: الواقع المادي الملموس.
الثاني: الأفكار وتداعي المعاني، وتذكر صور وتجارب سابقة.
وقد حرص الإسلام - وهو يغرس مبادئ الطهر، والعفاف، والتقوى - على إبعاد الواقع المادي المثير، وإقصاء الفكر الجنسي، وتنظيف الحياة العامة من كل ما يثير الغريزة، ويؤجج الشهوة، حتى يظل الذكر والأنثى في طمأنينة، وراحة بال، وبعدٍ عن قلق الشهوة المثارة خارج نطاق الزوجية.


وإليك بعض تعاليم الإسلام التي تحقق هذا الغرض:


1- غض البصر، فيجب على الرجل والمرأة غض البصر عما لا يحل النظر إليه، قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}([1]).


ولا يخفى أن متابعة النظرة بعد النظرة، والتملق في المحاسن، سبب لثوران الشهوة؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا تتبع النظرة، فإن لك الأولى، وليست لك الآخرة»([2]).


2- الاستئذان قبل دخول البيوت، فلا حل لمسلم أن يلج بيت أخيه حتى يستأذن، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ}([3]).


وقد اهتم الإسلام بحفظ العورات، وإقصاء التهييج الجنسي، فأوجب على الطوافين في البيوت، من الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم، والمماليك، ونحوهم من الخدم الاستئذان ساعات وضع الثياب، وخلوة الزوجين قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ}([4]).


3- عدم إبداء المرأة زينتها لغير محارمها، قال الله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ}([5]).




4- الحجاب، فبدن المرأة كله عورة، ويجب ستره عن الأجانب، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ}([6]) قال البغوي مفسرًا الجلباب: هو الملاءة التي تشتمل بها المرأة فوق الدرع والخمار، وقال ابن عباس، وأبو عبيدة: "أمر نساء المؤمنين أن يغطين رؤوسهن ووجوههن بالجلاليب إلا عيناً واحدة")([7]).


وبما أن بعض فتياتنا شغفن بتقاليد المرأة الغربية، فإنه يحسن نقل مقال الصحفية الأمريكية الشهيرة هيلسيان ستانسبري، وقد نشر في صحيفة "الجمهورية" المصرية، ولخص المقال الشيخ محمد مهدي، ومما جاء فيه: (إن المجتمع العربي مجتمع كامل وسليم، ومن الخليق بهذا المجتمع أن يتمسك بتقاليده، التي تقيد الفتاة والشاب في حدود المعقول، فعندكم تقاليد تحتم عدم الإباحية الغربية، التي تهدد اليوم المجتمع، والأسرة في أوربا، وأمريكا... ولهذا أنصح بأن تتمسكوا بتقاليدكم، وأخلاقكم، وامنعوا الاختلاط، وقيدوا حرية الفتاة...


لقد أصبح المجتمع الأمريكي مجتمعًا معقدًا، مليئًا بكل صور الإباحية، والخلاعة، وإن ضحايا الاختلاط والحرية قبل سن العشرين تملأ السجون، والأرصفة، والحانات، والبيوت السرية!.


إن الحرية التي أعطيناها لفتياتنا، وأبنائنا الصغار، قد جعلت منهم عصابات أحداث، وعصابات "جيمس دين"، وعصابات للمخدرات، والرقيق الأبيض.


إن الاختلاط، والإباحية، والحرية في المجتمع الأوربي والأمريكي، هددت الأسر، وزلزلت القيم والأخلاق)([8]).


5- تحريم الخلوة بالأجنبية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم»([9])، وقوله: «إياكم والدخول على النساء، فقال رجل من الأنصار:أفرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت»([10])، والحمو قريب الزوج.


وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان» قالها ثلاثاً([11]).


6- تحريم التعطر عند الخروج من المنزل، والمرور على أجانب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«أيما امرأة استعطرت ثم خرجت، فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية، وكل عين زانية»([12])، وقال صلى الله عليه وسلم : «أيما امرأة تطيبت للمسجد، لم يقبل لها صلاة، حتى تغسله عنها اغتسالها من الجنابة»([13]).


7- تحريم الخضوع بالقول، وتليين الكلام عند خطاب الرجال، قال تعالى: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا}([14])، قال القرطبي: (أمرهن الله أن يكون قولهن جزلًا، وكلامهن فصلًا، ولا يكون على وجه يظهر في القلب علاقة بما يظهر عليه من اللين)([15]).


8- القرار في البيوت، وعدم الخروج منها إلا لحاجة ملحة، قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}([16]) وقال صلى الله عليه وسلم: «المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان»([17]).


9- تحرم السفر بدون محرم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا معها محرم»([18]) متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم : «لا تسافر المرأة بريدًا إلا ومعها ذو محرم»([19]). والبريد: أثنا عشر ميلًا، والميل كيلو وستمائة متر([20])، فالبريد تسعة عشر كيلو مترًا تقريبًا.
10- الفصل بي
ن الذكور والإناث، فتعاليم الإسلام صريحة في هذا الفصل، ففي المساجد لهن مؤخرة الصفوف، وفي الطرق لهن حواف الطريق، وفي التعليم يكن بمعزل عن الرجال، وفي صحيح البخاري، باب هل يُجعل للنساء يوم على حدة في العلم، ثم ذكر حديث أبي سعيد قال: قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم «غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يومًا من نفسك، فوعدهن يومًا لقيهن فيه، فوعظهن، وأمرهن»([21]).


وعن ابن عباس قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه بلال، فظن أنه لم يسمع النساء، فوعظهن"([22])، وهذا دليل على بعد النساء عن الرجال.


وبهذه التعاليم الإسلامية، وحرْص الإسلام على تزكية النفوس، وتهذيب الطباع، وحفظ الفروج عن الحرام، تكون علاقة الرجل بالمرأة الأجنبية علاقة معاملة وعمل، بعيدة عن النظرة الجنسية، واشتياق الذكورة، ومن شذّ استهجن من المجتمع، وقد يشعر بالإثم والحرج، وتأنيب الضمير.

([1]) سورة النور، الآيتان: 30، 31.

([2]) رواه أحمد (5/ 351) والترمذي، كتاب الادب ح(2777) (5/ 101) وسنده حسن، انظر: صحيح الجامع الصغير ح (7953) (2/ 1316).

([3]) سورة النور، الآيتان: 27، 28.

([4]) سورة النور، الآية: 58.

([5]) سورة النور، الآية: 31.

([6]) سورة الأحزاب، الآية: 59.

([7]) معالم التنزيل (6/ 376).

([8]) تحفة العروس، ص: 339.

([9]) رواه البخاري، كتاب النكاح، ح (162) (7/ 66) ومسلم كتاب الحج، ح (1341) (2/ 978).

([10]) رواه البخاري، كتاب النكاح، ح (161) (7/ 66) ومسلم كتاب السلام، ح (2172) (4/ 1711).

([11]) رواه أحمد (3/ 446) والحاكم في المستدرك (1/ 114) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني، صحيح الجامع الصغير، ح (2546) (1/ 498).

([12]) رواه أحمد (4/ 400) والنسائي، كتاب الزينة، باب ما يكره للنساء من الطيب (8/ 153) وإسناده حسن، انظر: صحيح الجامع الصغير، ح (2701) (1/ 525).

([13]) رواه أحمد (2/ 365) وابن ماجة، كتاب الفتن، ح (4002) (2/ 1326) وصححه الألباني، صحيح الجامع الصغير ح (2703).

([14]) سورة الأحزاب، الآية: 32.

([15]) الجامع لأحكام القرآن (14/ 177).

([16]) الأحزاب، الآية: 33.

([17]) وراه الترمذي، كتاب الرضاع، ح (1173) (3/ 467) وحسنه، وصححه الألباني، انظر: صحيح الجامع الصغير ح (6690) (2/ 1134).

([18]) رواه البخاري، باب حج النساء، ح (433) (3/ 47) ومسلم كتاب الحج ح (1341) (2/ 978).

([19]) رواه أبو داود، كتاب المناسك، ح (1725) والحاكم في المستدرك، كتاب المناسك (1/ 442) وقال صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.

([20]) انظر: الشرح الممتع (4/ 351).

([21]) صحيح البخاري، كتاب العلم، ح (42) (1/ 61).

([22]) صحيح البخاريي، كتاب العلم، ح (39) (1/ 59).










رد مع اقتباس
قديم 2015-08-30, 12:23   رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
الـدال على الخير
عضو مجتهـد
 
الصورة الرمزية الـدال على الخير
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاك الله خيرا










رد مع اقتباس
قديم 2015-08-30, 12:43   رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
B.fayçal
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية B.fayçal
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

جزااااك الله خيرا.. على هذا المجهود الرائــع..
بــارك الله فيــك على الموضـــوع ..










رد مع اقتباس
قديم 2015-08-31, 11:14   رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

ثالثًا: عمل المرأة بين السلب والإيجاب:


المرأة نصف المجتمع، وهي مربية الأجيال، وصانعة الأبطال، ومزودة الأمة بالرجال، وقد أعلى الإسلام شأنها، ورفع قدرها، وهيأ لها كل وسيلة لتقوم بدورها، واعتبرها درة، ينبغي أن تحفظ وتصان، فهي أغلى من الذهب والجواهر، وسائر الأعراض الثمينة، التي تحفظ في مكان أمين، وحرز مكين.


وقد ثارت زوبعة حول عمل المرأة، هدفها الرئيس إخراج المرأة من بيتها، وإضعاف ولاية الرجل عليها، باستقلالها اقتصاديًا، واستغنائها عنه.










رد مع اقتباس
قديم 2015-08-31, 11:18   رقم المشاركة : 26
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

ولعل النقاط التالية تكشف بعض ما ينبغي رعايته في هذا المجال:


1- قرار المرأة في البيت.


الزعم بأن قرار المرأة في بيتها تعطيل لنصف المجتمع زعم باطل، ودعوى كاذبة، ومغالطة مكشوفة، لأن عمل المرأة في بيتها، وتربية أطفالها، وإسعاد نفسها وزوجها، أشرف من كل عمل، وهل إنتاج الحديد والأسمنت، وسائر مظاهر الحضارة، يضارع إنتاج البشر، وتنمية العقول، وتربية الأنفس، وتهيئة أجواء السعادة.


إن على الأمة الإسلامية أن تبتعد عن النظر بمنظار الرأسمالية، التي لا يعنيها سوى كمية الإنتاج، ومقدار الدخل، ولو شقي الإنسان، وتحطمت آماله، وتهدمت أسرته.


وعلى الأمة أيضًا أن تعي سرّ كثير من الضوائق الاقتصادية، وزيادة معدلات التضخم، وهو حمل البشرية جمعاء، ذكورًا وإناثًا، على أن يكونوا عمالًا مضطهدين، لإدارة ترسانة الرأسمالية الحاطمة.


2 - الإسلام لا يمنع المرأة من العمل:


من حيث المبدأ لا يمنع الإسلام المرأة من العمل، وليس الخلاف هل تعمل المرأة أو لا تعمل؟ فالمرأة عاملة منذ هبطت إلى الأرض، ولم تُعرف أمة، ولا حضارة، لا تعمل نساؤها، سوى الفئة المترفة الشاذة، وإنما الخلاف:


أ‌- هل تعمل المرأة كأجيرة عند رجل أجنبي يتخلي بها، أو تكون تحت تسلطه، أو تحت تأثيره بإغواء إغراء؟!


ب‌- هل تعمل المرأة بما يتعارض مع وظيفتها الأساسية كأم، وزوجة، ومربية أولاد، وراعية أسرة؟!


ج - هل تعمل المرأة في مجال يتعارض مع أنوثتها، وحيائها، وتعاليم دينها، في الخفر والستر، وصيانة العرض، وبعدها عن الخشونة والترجل؟!. وبناءً على ذلك فإن هناك شروطًا في خروج المرأة للعمل هي:



أ - أن يكون هناك حاجة ماسة للعمل، تدعو إلى مخالفة الأصل، وهو القرار في البيت، فلا ينبغي أن يكون عمل المرأة ترفيهًا، أو زيادة دخل للأسرة، فإن المخاطر المترتبة على ذلك كبيرة وخطيرة، في أغلب الأحوال، والعاقل من يصون عرضه بماله:


أصون عرضي بمالي لا أدنسه



لا بارك الله بعد العرض في المال([1])



ت‌- أن لا يستنزف العمل جهد المرأة، ووقتها، أو يتعارض مع وظيفتها الأساسية([2])، في رعاية الأسرة، وتربية النشء، وتلطيف أجواء الحياة الزوجية.


ج - أن لا يتعارض العمل مع أنوثتها([3])، أو يقضي على حيائها، أو يقتضي ترجلها، أو لا يتوافق مع كيان المرأة النفسي والجسدي.
د - تجنب الاختلاط بالرجال، وتحقق السلامة من الخلوة المحرمة.


هـ - أن تخرج لعملها كإنسانة، لا كأنثى، فتبتعد عن التبرج([4])، والتعطر، والتزين.


وعلى ضوء ذلك يتبين أنه لابد من حصر عمل المرأة في مجالات معينة، تتحقق فيها تلك الشروط، أما إطلاق العنان للمرأة بأن تدخل كل مجالات الأعمال، كأن تكون مهندسة، أو طيارة، أو جندية، أو عاملة صيانة، أو مصنع، أو سائقة شاحنة، أو عاملة نظافة، أو موظفة في الإدارات الحكومية، أو المؤسسات الأهلية، مع الاختلاط والخلوة بالرجال، كما هو الشأن في المجتمعات الغربية، ويسعى إليه المفتونون بها في مجتمعاتنا الإسلامية، فهذا مما لا يبيحه إسلام، ولا تقره مروءة، ولا تسمح به غيرة أولياء تلك المرأة!.


إن هذا الانفتاح من أعظم أسباب قلق المجتمع، وضياع أسره، وتشتت ناشئته، وتفكك روابطه، وتخلخل ثوابته.


وها هي بعض شهادات العقلاء من الغربيين، بعد أن ذاقوا ويلات عبث الرأسمالية، يقول العلامة الإنجليزي «صامويل سمايلس»: «إن النظام الذي يقضي بتشغيل المرأة في المعامل، مهما نشأ عنه من الثروة، فإن نتيجته كانت هادمة لبناء الحياة الزوجية، لأنه هاجم هيكل المنزل، وقوض أركان الأسرة»([5]).


ويقول الفيلسوف «برانزاندرسل»: «إن الأسرة انحلت باستخدام المرأة في الأعمال العامة، وأظهر الاختبار أن المرأة تتمرد على تقاليد الأخلاق المألوفة، وتأبى أن تظل أمينة لرجل واحد، إذا تحررت اقتصادياً»([6]).


وتأمل خطورة الاختلاط بين الجنسين، والتعري، وانتشار صور الفتيات العارية، في شهادة الدكتور«جون كيشلر» أحد علماء النفس الأمريكيين، في مدينة شيكاغو، حيث قال: «إن 90% من الأمريكيات مصابات بالبرود الجنسي، وإن 40% من الرجال مصابون بالعقم» ثم ذكر أن تعري الفتيات، خاصة في الإعلانات، سبب في هبوط المستوى الجنسي للشعب الأمريكي([7]).


بل أن النساء أنفسهن اكتشفن الوهدة التي سقطن فيها، بسبب موضة العمل، فقد أجري استفتاء عام، في جميع الأوساط في الولايات المتحدة، لمعرفة رأي النساء العاملات في العمل، وكانت النتيجة كالأتي: «إن المرأة متعبة الآن، ويفضل 65% من نساء أمريكا العودة إلى منازلهم، كانت المرأة تتوهم أنها بلغت أمنية العمل، أما اليوم - وقد أدمت عثرات الطريق قدمها، واستنزفت الجهود قواها - فإنها تود الرجوع إلى عشها، والتفرغ لاحتضان أفراخها»([8]) ولكن هيهات! وقد تخلص الرجل من عبئها، وحملها همومها وهموم ذريتها.


وأسوق إلى العقلاء من قومي مقتطفات من توصية القاضية السويدية «بريجيت أوف هامر» التي كلفتها الأمم المتحدة بزيارة بعض الدول الغربية، لدراسة مشاكلها، وأوضاعها الاجتماعية، وقد أشارت القاضية إلى أن السويد - أرقى البلاد الغربية تمدنًا حسب اصطلاحهم - تعيش في مأساة، ثم قالت: «إن المرأة السويدية فجأة اكتشفت وهمًا هائلًا هو الحرية، بثمن مفزع هو سعادتها الحقيقية وهي تحن إلى حياة الاستقرار العائلية، المتوازنة جنسيًا، وعاطفيًا، ونفسيًا، فهي تريد أن تتنازل عن معظم حريتها في سبيل كل سعادتها» ثم تقول: «إن النتيجة على مستوى الأمة مذهلة حقًا» ثم ذكرت نسبًا مروعة للمرضى النفسيين، والمصابين عقليًا والمصابين بالأمراض الجنسية، نتيجة للاختلاط، وعمل المرأة فيما لا يليق بها([9]).


3 - أضرار التوسع في عمل المرأة:


إن الحكمة تقتضي قصر أعمال المرأة في مجالات معينة، تلائم طبيعتها كأنثى، وتحفظ دينها وأخلاقها، وتفرغها لمد المجتمع ببناته، وصانعي حضارته، ويمكن إجمال الأضرار التي تنجك عن التوسع في عمل المرأة، واقتحامها كل الميادين بما يلي:


أ‌- تفكك الأسرة، وانحلال أخلاقها، فإن اقتحام المرأة جميع الميادين يقتضي اختلاطها بغير زوجها، واختلاط زوجها بغيرها، وكل طرف يجد من الملاطفة، والملاينة من زملاء العمل، ما لا يجده عند زوجه، فتنهار الأسرة، وتدمر الأخلاق([10]).


ب‌- شقاء المرأة وتعاستها، فهي ضعيفة الخلقة، وتعتريها ظواهر تزيد ضعفها، كالدورة الشهرية، والحمل والولادة([11])، وانشغال البال بالأطفال، ورب العمل لا يعنيه إلا أداء عملها الذي تأخذ عليه أجرًا.


إن من فظائع الرأسمالية وقبائحها الزج بالمرأة في معترك العمل، وحملها على اقتحام صعاب الحياة، دون مراعاة لحالتها النفسية والصحية، ودون تحمل شيء من وظائفها الأساسية، فحملت المرأة وظيفة العمل مع وظيفتها الأصلية، المتمثلة في الأمومة والزوجية، وتصريف شؤون البيت، وفرغ الرجل - وهو القوي الأشد - لوظيفته الأساسية وهي الكد والكدح، ولم يحمل شيئًا من وظائف المرأة.


ج‌- ضياع الأولاد، وسوء التربية، وما يترتب على ذلك من جنوح الأحداث، والشذوذ، والأمراض السرية([12])، والغلو والإرهاب، والتأثر بأعداء الدين والبلاد.


د - تأخير الزواج، أو العزوف عنه بالكلية، تخوفًا من عواقبه، وانشغالًا بالعمل، واكتفاء بما يدر من مال.


هـ - تعمد عدم الإنجاب، أو التقليل من الأولاد، ولا يخفى ما في ذلك من خطر على الأمة والمجتمع.
و - انتشار الزنا، وكثرة اللقطاء، والإيذان بهلاك المجتمع، وفق مقتضى السنن الربانية، قال تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}([13])


ز - مزاحمة الرجال، وتعطيلهم عن العمل، ففي أغلب الأحوال تكون مجالات الأعمال محدودة، وتوسيع دائرة أعمال المرأة تضييق لدائرة أعمال الرجل، وهذا خلاف الحكمة، إذ تتعطل الرجال عن أعمالهم، وتنتشر بين الشباب البطالة([14])، وكذلك تتعطل النساء عن وظائفهن الأساسية في البيوت، ومقتضى العقل والحكمة ومصلحة المجتمع، تضييق دائرة عمل المرأة لتفريغها لمهمتها الكبرى، ووظيفتها العظمى، كأم وزوجة ومربية، ومستقر مودة ورحمة، وموطن أنس وسكن.

([1]) البيت الحسان بن ثابت، انظر شرح ديوانه للأستاذ عبد أ. مهنا، ص192.

([2]) انظر: الإسلام وبناء المجتمع، أ.د حسن أبو غدة وآخرين ص: 94.

([3]) انظر: دور المرأة في المجتمع، توفيق وهبه ص: 186

([4]) انظر: النظام الاجتماعي والخلقي في الإسلام، ص: 275.

([5]) المرأة بين الفقه والقانون، د/مصطفي السباعي ص: 252.

([6]) المرجع السابق(2/92).

([7]) انظر: حصوننا مهدده من داخلها، د/محمد محمد حسين ص: 75.

([8]) المرجع السابق، ص: 259.

([9]) انظر: دور المرأة في المجتمع الإسلامي، ص: 22. وللتوسع في هذا الموضوع انظر: النظام الاجتماعي والخلقي في الإسلام، ص: 27، وحقوق المرأة المسلمة، ص: 55، والإسلام وبناء المجتمع لأبي غدة وآخرين، ص: 94.

([10]) انظر: المرأة في ظل الحضارة الغربية، د. محسن عبد الحميد: ص: 7،6،والنظام الاجتماعي والخلقي في الإسلام، ص: 278.

([11]) انظر: الإسلام وبناء المجتمع، أ.د حسن أبو غدة وآخرين ص: 94.

([12]) انظر: النظام الاجتماعي والخلقي في الإسلام، ص: 278.

([13]) سورة الإسراء، الآية: 16.

([14]) انظر: المصدر السابق.









رد مع اقتباس
قديم 2015-08-31, 11:20   رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

الخاتمة

الحمد لله ابتداءً وانتهاء، وأصلي وأسلم على إمام المصلحين، وسيد المرسلين، من به خرجنا من الظلمات إلى النور، ومن الشقاء إلى الحبور، وبعد:


فقد تم استعراض هذه الجوانب، من شؤون الأسرة المسلمة، وبانت بجلاء الصورة المشرقة، التي يرديها الإسلام لأتباعه، تحقيقًا لسعادتهم العاجلة والآجلة، ويمكن إيجاز أبرز نتائج هذا البحث في النقاط التالية:



1- أهمية دراسة القضايا التي لها مساس بواقع الناس، دراسة موضوعية، وربطها بالكتاب والسنة، وإيجاد العلاج الذي يتعبد الناس به، فيسهل قيادهم، ويحقق علاجهم.


2- القرآن العظيم حوى كنوزًا عظيمة، وقواعد متينة، هي كفيلة بإنشاء أسرة مستقرة سعيدة، ترفرف عليها أعلام الهدى، وتتوازن فيها عملية الأخذ والعطاء، والحق والواجب، فلا نزاع بين الأطراف إلا لماماً، لمعرفة كل طرف ماله وما عليه، ثم إذا وقع النزاع سارع كل طرف إلى امتثال قول الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ}([1]).


وعلى ضوء هذه العلاقة التي نظمها الإسلام، تكون الأسرة المسلمة متميزة، بل فريدة، إذ لا يوجد على ظهر الأرض نظام غيره، حف الأسرة بتعاليم راشدة، وأحكام عادلة، وأخلاق سامية، مع اعتبار ذلك عبادة وقربة، فيراقب الفرد ربه، ويزعه ضميره.


3- الإسلام أنصف المرأة، وأعطاها حقوقها كاملة، ولم يصل إلى مستواه أي دين، أو قانون، فهو يرعاها بنتًا، وزوجة، وأمًا، صغيرة، أو كبيرة، جميلة، أو دميمة، وضمن لها النفقة، والرعاية، ومطالب الحياة، وفرغها لمهمتها العظمى، ورسالتها الكبرى، من ولادة وتربية، ورعاية زوج، وتجميل حياة.


4- من العار والجهل كون المرأة المسلمة، التي كرمها الله بأعظم دين، وتنتسب إلى أعظم حضارة عرفتها البشرية، تتخذ المرأة الغربية قدوة لها، وهي التي عبث بفكرها شياطين الإنس، وطلاب المتاع الرخيص، ووافق ذلك هوى أساطين الرأسمالية، الذين وجدوا فيها يدًا عاملة رخيصة غير مشاغبة.


5- الأسرة الصالحة ضرورة اجتماعية، وحاجة إنسانية، ومطلب ديني، يثاب المسلم على الوفاء به، ويعاقب على التقصير فيه، وقد تفطن أعداء البشر، وأعداء الأنبياء، إلى أثر الأسرة، وأهميتها في غرس الدين والأخلاق، فها هو دور كايم اليهودي، حامل لواء نظرية فرويد، والأستاذ في جامعة السربون الفرنسية، يزعم أن الأسرة عادة اجتماعية ينبغي أن تتطور وتلغى، وإشباع الغريزة الجنسية يكون عن طريق المتعة المتبادلة، بعيدًا عن قيد الزواج، وللأطفال الملاجئ([2]).


6- تفريغ المرأة لبيتها وذريتها مطلب ملح، وعلى الأمة المسلمة أن لا تقع ضحية حضارة زائفة، وإعلام مضلل، وزخرف من القول يغر ويخدع، فتخرج المرأة من عشها، وتبتعد عن نشئها، فتكون العاقبة سلبيات مؤثرة، على المرأة، والرجل، والناشئة، والمجتمع، ويفقد الجميع ما ينشدون من سعادة، وينطبق عليهم قول الحق جلب جلاله -: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}([3]).


7- ليست السعادة بكثرة الدخل، وزيادة المال بين يدي الزوجين، بل السعادة في طمأنينة النفس، وراحة البال، وسلامة الضمير من الشكوك والأوهام، مع صفاء المودة، وجمال الروح، وما يحف الأسرة من رحمة، وتفاهم، وتآلف، وعزة رجولة، وصدق أنوثة، ثم توجه كل فرد لما خلق له، من غير مصادمة للفطرة، أو مضادة لسنن الله في خلقه.


8- على فتيات الإسلام أن لا ينخدعن بنظرية المساواة بين الجنسين، فإن الخاسر الأول في هذه القضية هي المرأة، إذ ستحمل بموجب هذه النظرية مسؤولية جديدة، مساوية لما يحمله الرجل، مع أنه لن يحمل من وظائف الأنثى الأساسية شيئًا، ولذا يمكن القول: إن هذه النظرية هي أعظم حيلة انطلت على الأنثى، فالرجل تخفف من مؤونة المرأة، وتخلص - في أحيان كثيرة - من عبء ذريتها، مع تيسر الاستمتاع بها.


9- دلالة الشرع، مع العقل والمنطق والمصلحة، ومقتضى الفطرة، تؤكد على وجوب كون القوامة بيد الرجل، والإخلال بذلك يعني انهيار الأسرة، أو ضعف تماسكها، وسوء نتاجها، والمرأة العاقلة الرشيدة، لا تهدم بيتها بيدها، رغبة في الظهور، أو حبًا للسيطرة، أو مجاراة لقوم لا خلاق لهم.


وفي الختام أسأل الله أن يمن على الأسرة المسلمة، بعودة صداقة إلى تدبر كتابه، والتمعن في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وصدق الامتثال للنصوص، مع الشعور بالعزة الإسلامية، والتخلص من ذلة التبعية، حتى تسعد في دنياها، وتفلح في أخراها. و صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.


([1]) سورة النساء، الآية: 59.

([2]) انظر: تحفة العروس: ص: 473

([3]) سورة الكهف، الآيتان 104،103.









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
للعلاقات, الذهبية, الزوجية, القرآن, القواعد, الكريم


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 02:55

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc