هذه قصة تضرب المثل الأعظم في الصبر، وعدم اليأس من رحمة الله تلك الفضيلة التي تظهر ساعة المحن وكما يقال فإن الصبر "مطية لاتكبو" ونبي الله أيوب يضرب به المثل في الصبر، عندما تعرض لبلاء شديد، فأعطى درسا عظيما في الصبر والاحتساب والرضاء بقضاء الله تعالى، ليصفه المولى عز وجل بقوله: "إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب".
أيوب عليه السلام كان يعيش مع زوجته في نعيم مقيم في بلاد الشام، وكان كما يقول علماء التفسير والتاريخ كثير المال، بر تقي رحيم، يحسن إلى المساكين ويكفل الأيتام والأرامل ويكرم الضيف، ويشكر الله تعالى على نعمائه ويؤدي حق الله في ماله: كانت زوجته ترفل في هذا النعيم شاكرة المولى عز وجل فيما رزقها من البنين والبنات وعلى ما أوسع على زوجها من رزق.
وجاءت بداية الابتلاء بأن مات كل أهله إلا زوجته، وابتلي في جسده بأنواع عدة من الأمراض ولم يبق منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه يذكر بهما المولى عز وجل، وهو في ذلك كله صابر محتسب، يذكر الخالق في ليله ونهاره وصبحه ومسائه، ثم طال مرضه وانقطع عن الناس، ولم يبق أحد يحنو عليه سوى زوجته التي ضعف حالها وقل مالها، حتى باتت تخدم في البيوت بالأجر لتطعم زوجها المريض، تفعل ذلك زهي الزوجة الصابرة المحتسبة، وكلما زاد الألم بأيوب زاد صبره وحمد الله وشكره على قضائه.
أما الزوجة الوفية فقد عاشت مع زوجها محنته طوال ثمانية عشر عاما، فكانت مثالا للمرأة البارة بزوجها الحانية عليه.
وهكذا ورغم المرض الشديد و الابتلاء القاسي الذي تعرض له نبي الله أيوب عليه السلام، إلا أنه كان ذو قلب راض وصابر، ولم يسخط لحظة واحدة، ولذلك وصفه المولى عز وجل بقوله :: (إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب) .. أي تواب رجاع مطيع، وسئل سفيان الثوري عن عبدين ابتلي أحدهما فصبر وأنعم على الآخر فشكر، فقال: كلاهما سواء لأن الله تعالى أثنى على عبدين أحدهما صابر والآخر شاكر ثناء واحدا، فقال في وصف أيوب :: (نعم العبد أنه أواب) .. وقال في وصف سليمان :: (نعم العبد أنه أواب).
وبعد كل هذه المعاناة توجه أيوب إلى ربه بالدعاء، يطلب منه كشف ما به من بلاء :: (أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) .. و (أني مسني الشيطان بنصب وعذاب).
واستجاب الله دعاءه، وكشف عنه بلاءه، بقدرته سبحانه التي لا حدود لها، الذي يقول للشيء كن فيكون، عندئذ جاء الفرج الإلهي بوصفة ربانية بقوله تعالى :: (اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب) فلقد أمر الله سبحانه وتعالى نبيه أن يضرب برجله الأرض، التي نبع منها الماء العذب، فشرب منه ليشفى من كل الأمراض التي في بطنه، ثم اغتسل فشفاه الله من كل ما كان يعانيه من ظاهر جسده.
رجع أيوب إلى زوجته على قدميه يمشي، وهو في حالة من الصحة والنشاط، فلما رأته زوجته الصابرة لم تعرفه، رغم أنها رأت فيه شبها لزوجها قبل أن يفتك به المرض، فسألته: هل رأى زوجها الرجل المريض المبتلى؟ وذكرت له ما لاحظته من شبه بينهما أيام كان صحيحا، فقال لها نبي الله إنه أيوب، وأن الله شفاه من كل ما أصابه ثم أفاض الله عليه من نعمائه بقوله تعالى :: (ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب) فأرغد الله سبحانه وتعالى على أهله العيش فزاد نسلهم حتى زاد عددهم عدد من مضى، فكان له ضعف ما كان، وكما رد الله عليه صحته وعافيته رد عليه ضعفي ماله الذي فقد، وضعفي ما كان عنده من الأولاد.
فانظر أيها اليائس وتفكر هل أصابك من الضر مثل ما أصاب أيوب عليه السلام؟
هل لبثت في الابتلاء سنين وراء سنين صابرا محتسبا مثل أيوب؟
أما آن لك أيها البائس اليائس أن ترفع يديك بالدعاء إلى ربك أن يعفو عنك حين قنطت من رحمته ويئست من فرجه ويسره ....؟!
"ارفع عينيك إلى السماء وقل يارب، امنحني الأمل وفرج كربي فأنت وحدك القادر على ذلك ..
وقل كما قال أيوب عليه السلام :: (أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين).