المشاركة الأصلية كتبت بواسطة miloud8484
اللسانيات التطبيقية و تعليم اللغات
تكوين أساتذة التعليم الأساسي عن بعد في اللغة العربية و آدابها
محاضرات في اللسانيات التطبيقية للسنة الثانية
حضرها و أعدّها الأستاذ/ بكّار امحمد
أستاذ بالمدرسة العليا للأساتذة للآداب و العلوم الإنسانية
ببوزريعة – الجزائر
تطـرقنا أخي المربي في المحاضرات الثلاث الأولى إلى نظـريات اكتساب اللغـة و تعلّمها, و اطّلعنا على مختلف القضايا العلمية و المعرفية التي أثيرت حول اكتساب اللغة و تعلمها عند الطفل. و ها نحن في هذه المحاضرة و المحاضرة التي تليها نواصل الحديث عن موضـوع اكتساب اللغـة و تعلّمها بالتركيز هذه المـرة على تعليم اللغـة و الإجراءات العملية التي تقتضيها عملية التعليم و التعلّم.
و تمهيدا لهذا الموضوع, سنتطرق بالدرس إلى علاقة اللسانيات العامة و التطبيقية خاصة بنظرية تعليم اللغات أو تعليمية اللغات التي تعتبر كما سبق أن أشرنا إلى ذلك من أهم موضوعات اللسانيات التطبيقية على الإطلاق .
1/تعليمية اللغات:
إنّ التعليمية عامّة و تعليمية اللغات خاصة أصبحت في الفكر اللساني المعاصر, من حيث أنّها المجال المتوخى لتطبيق الحصيلة المعرفية للنظرية اللسانية, و ذلك باستغلال النتائج العلمية و المعرفية المحققة في مجال البحث اللساني النظري في ترقية طرائق تعليم اللغات للناطقين بها و لغير الناطقين بها(1) .
و ما يثير الانتباه حقيقة هو أنّ الوعي بأهمية البحث في منهجية تعليمية اللغات قد تطوّر بشكل كبير في السنوات الأخيرة, حيث انصرفت الأذهان لدى الدارسين على اختلاف توجهاتهم العلمية و تباين المدارس اللسانيـة التي ينتمون إليها إلى تكثيف الجهود من أجل
- 1-
تطوير النظرة البيداغوجية الساعية إلى ترقية الأداءات الإجرائية في حقل التعليمية, ممّا جعلها تكتسب الشرعية العلمية لتصبح فرعا من مباحث اللسانيات من جهة, و علم النفس من جهة أخرى, فاحتلت مكانتها بجدارة بين العلوم الإنسانية(2).
يعود ظهور مصطلح التعليمية ( DIDACTIQUE )في الفكر اللساني المعاصر إلى ماكاي
M.F. MAKEYالذي بعـث من جديـد المصطلح القديـم(DIDACTIQUE) للحديث عـن المنوال التعليمي, و هنا تساءل أحد الدارسين قائلا: "(( لماذا لا نتحـدث نحـن أيضا عـن تعليميـة اللغات ( LA DIDACTIQUE DES LANGUES )بدلا مـن اللسـانيات التطبيقيـة ( LALINGUISTIQUE APPLIQUEE ), فهذا العمل سيزيل الكثيـر من الغموض و اللبس و يعطي لتعليمية اللغات المكانة التي تستحقها ))"(3).
فالحديث عن التطبيقات اللسانية في ميدان تعليمية اللغات يقتضي بالضرورة المنهجية الحديث عن المباديء الأساسية للعلم الذي يمكن له أن ينعت باللسانيات التطبيقية في تعليم اللغات, و ليست اللسانيات التطبيقية فحسب, لأنّ التطبيقات اللسانية متعددة, و لذلك فإنّ هذه المباديء التي نحن بشأن الحديث عنها يمكن تلخيصها فيما يلي(4):
ـ المبدأ الأول:
يتمثّل هذا المبدأ في إعطاء الأولوية للجانب المنطوق من اللغة, و ذلك بالتركيز على الخطاب الشفوي, و هذا بإقرار البحث اللساني نفسه الذي يقوم في وصفه و تحليله للظاهرة اللغوية على مبدأ الفصل بين نظامين مختلفين, نظام اللغة المنطوقة و نظام اللغة المكتوبة. و هذا ما يؤكده أيضا علماء النفس في مباحثهم المتعلقة بأمراض اللغة, إذ يجمعون على أنّ نظام اللغة المنطوقة و نظام اللغة المكتوبة نظامان متباينان(5), و مبرر ذلك هو أنّ الظاهرة اللغوية في حقيقتها أصوات منطوقة قبل أن تكون حروفا مكتوبة. فالخط تابع للّفظ و ملحق به, و لهذا السبب بالذات يجب الاهتمام أولاً بالأداء المنطوق قبل اهتمامنا بالأداء المكتوب, إذ أنّ تعليمية اللغات تهدف إلى إكساب المتعلـم مهارة التعبير
الشفوي, لأنّه هو الطاغي على ما سواه في الممارسة الفعليـة للحدث اللغوي. و ما يجب
- 2-
ذكره هنا, هو أنّ الكفاية اللغوية تظهر في مهارتين, مهارة شفوية ترتكز أساسًا على الأداء المنطوق, و مهارة كتابية تقوم أساسا على العادات الكتابية للغة معيّنة.
و لهذا فإنّ فصل الخطاب المنطوق عن الخطاب المكتوب هو تسهيل لعملية الارتقاء لدى المتعلم, حينما نبدأ بالمنطوق يعني ذلك أنّنا التزمنا بالترتيب الطبيعي و التاريخي للغة, فاللغة عبر مسارها التحوّلي كانت منطوقة قبل أن تكون مكتوبة.
ـ المبدأالثاني:
يتمثّل في الدور الذي تقوم به اللغة بوصفها وسيلة اتصال يستخدمها أفراد المجتمع البشري لتحقيق عملية التواصل فيما بينهم. فهي تحقق الرغبة في الاشتراك داخل الحياة الاجتماعية, و من هنا فمتعلم اللغة يسهل عليه اكتساب المهارات اللغوية المختلفة باندامجه في الوسط اللغوي, و هذه ضرورة بيداغوجية لابدّ من توافرها لتحقيق النجاح المتوخى من تعلّم اللغة عامة و اللغة الأجنبية خاصة.
ـ المبدأ الثالث:
يتعلق هذا المبدأ بشمولية الأداء الفعلي للكلام, حيث أنّ جميع مظاهر الجسم لدى المتكلم تتدخل لتحقيق الممارسة الفعلية للحدث اللغوي, و هذا ما يؤكده جميع الدارسين اللسانيين و علماء النفس المهتمين بالظاهرة اللغوية الذين يقرّون بأنّ استعمال اللغة يشمل مظاهر الفرد المتكلم-المستمع, فمن الناحية الفيزيولوجية مثلا, فإنّ حاستي السمع و النطق معنيتان بالدرجة الأولى, و لذلك فإنّ أغلب الطرائق التعليمية هي طرائق سمعية بصرية, و بعض الجوانب الحركية العضلية أيضا لها دخل في تحقيق التواصل اللغوي كاليد التي لها علاقة مباشرة بمهارة الكتابـة, و عضلات الوجـه و الجسم(بالإضافة إلى الإيماءات و الإشارات و الحركات )تتدخل أثناء الخطاب الشفوي لتعزيز الدلالة المقصودة من الأداء الفعلي للكلام. و من ثمّة يظهر بوضوح أنّ كل جوانب شخصية الفرد لها حضور دائم و بفعّالية في دعم العملية التواصلية بين الأفراد.
ـ المبدأ الرابع:
- 3 -
يتمثّل هذا المبدأ في الطابع الاستقلالي لكل نظام لساني وفق اعتباطيته المتميّزة التي تجعله ينفرد بخصائص صوتية و دلالية و تركيبية تتميّز بها من سائر الأنظمة اللسانية الأخرى, و لذلك فإنّ العملية التعليمية الناجحة تقتضي إدماج المتعلم مباشرة في الوسط الاجتماعي للغة المراد تعليمها, مع الحرص الشديد على عدم اتخاذ لغة الأم وسيطا لتعلم اللغة الثانية أو الأجنبية حتى وإن كانت اللغتان متقاربتين جدا, لأن ذلك سوف يؤدي إلى الإحباط في امتلاك النظام القواعدي للغة الثانية.
2/ تعليم اللغة:
إنّ التعلّم عمليـة دينامكية قائمـة أساسا على ما يقدم للمتعلم من معارف ومعلومات و مهارات, و على ما يقوم به المتعلم نفسه من أجل اكتساب هذه المعارف وتعزيزها وتحسينها باستمرار. و هناك بعض التساؤلات يجب أخذها بعين الاعتبار, من أهمها(6):
- كيف يمكن لنا أن نكوّن مجموعة العناصر اللسانية بشكل يناسب المعلم والمتعلم ؟
- ما هي الأساليب والطرائق البيداغوجية الناجعة ؟
- و على أي مرتكز لساني نعوّل في تحقيق الغاية من العملية التعليمية ؟
هذه التساؤلات لابد من أخذها بعين الاعتبار, لأنّ تعليم اللغة ليس معناه حشو ذاكرة المتعلم بقواعد وضوابط ثابتة للغة معينة, وإنّما يجب أن نجعل الطالب يشارك ويتفاعل إيجابيا مع المادة التعليمية هو الهدف, لأنّ تعليم اللغة لا يهدف إلى وضع لائحة مفتوحة من الكلمات ولكن إكسابه المهارات المناسبة ليسهم هو نفسه في ترقية العملية التعليمية وتحسينها. فالمعرفة كما يقول نورمان ماكنري: "((هي تكوين طرائق وأساليب وليست اختزان معلومات, فالمتعلم يزداد تعلّما بفن التعلّم والمعلم هو صانع تقدمه ))"(7).
حينئذ يمكن لنا أن نقول أن اللسانيات تصبح وسيلة معرفية ومنهجية ضرورية لتحديد المجال الإجرائي للعملية التعليمية, و ذلك بتوضيح الغايات والأهداف البيداغوجية من جهـة وتذليل الصعوبات والعوائق من جهـة خرى. لأنّـه بدون لجوء معلم اللغـة إلى
- 4 -
النظريات اللسانية المختلفة سوف يعسر عليه إدراك العملية التلفظية للغة عند المتعلم, ويعسر عليه أيضا تحديد العناصر اللسانية التي تكوّن نظام اللغة المراد تعليمها.
للسانيات وظيفة أساسية في تحليل العملية التعليمية وترقيتها, ومن ثمة فإن معلم اللغة يصطدم منهجيا بمجموعة من التساؤلات العلمية و البيداغوجية, وبدونها سوف يتعذر عليه إدراك حقيقة ما يعلّم ؟ و من يعلّم ؟ و من هذه التساؤلات: ماذا نعلّم ؟ ما هي الحاجات التعلمية لدى المتعلّم ؟ أيّة نظرية لسانية نعتمدها لتحقيق الغاية البيداغوجية ؟
و لذلك فإن تطبيق النظرية اللسانية في مجال تعليم اللغة دون الاهتمام بتحديد الحاجات البيداغوجية يسيء حتما إلى عملية التعلم, و لتفادي ذلك لابد من الفصل أولا بين القواعد اللسانية العلمية والقواعد اللسانية البيداغوجية و التعليمية. و هذا يقتضي بالضرورة التمييز بين تعليم مسائل اللغة, و بين كيفية استعمال اللغة(8).
يسعى معلم اللغة حينئذ إلى جعل القواعد البيداغوجية وسيلة مساعدة في انتقاء المادة التعليمية بالاستناد إلى ما تقدمه القواعد اللسانية, و يعود نجاحه في ضبط الغايات البيداغوجية التي يسعى إلى تحقيقها أساسا إلى قدراته الذاتية التي تخوّل له الاضطلاع بمهمة تعليم لغة معينة. ولهذا لابد أن تتوافر في أستاذ اللغة ثلاثة شروط (9):
1-الكفاية اللغوية التي تسمح له باستعمال اللغة التي يراد تعليمها استعمالا صحيحا.
2-الإلمام بمجال بحثه: بحيث يكون أستاذ اللغة على دراية بالتطور الحاصل في مجال البحث اللساني.
3-مهارة تعليم اللغة: ولا يتحقق ذلك إلاّ بالاعتماد على الشرطين السابقين من جهة, وبالممارسة الفعلية للعملية التعليمية والاطّلاع على النتائج اللاحقة في مجال البحث اللساني والتربوي من جهة أخرى.
و هذه الشروط ضرورية لنجاح العمليـة التعليميـة التي ترتكز أساسا على ثلاثـة عناصر: المتعلم, المعلم, و الطريقة التعليمية.
ـ المتعلم:
- 5 -
للمتعلم قدرات واهتمامات وعادات وانشغالات, فهـو يهيأ سلفا للانتباه و الاستيعاب, و لاكتساب المهارات و العادات اللغوية التي يسعى الأستاذ لتعليمها له, و دور الأستاذ أن يحرص كل الحرص على التدعيم المستمر لاهتماماته, وتعزيزها ليتم تقدمه وارتقاؤه الطبيعي الذي يقتضيه استعداده للتعلم(10).
و عليه, فالمتعلم حتى يستفيد من تعليم الأستاذ ومن الجهد الذي يبذله في تحقيق غاية تعليمه يجب أن تتوفر شروط التعلم التي ذكرناها في المحاضرة الثالثة في موضوع التعلم كالنضج والاستعداد والفهم.
ـ أستاذ اللغة:
هو الركن الأساسي والمهم في عملية التعليم والتعلم, ولهذه المكانة في عملية التعليم والتعلم, وجب عليه أن يكون مهيأ للقيام بهذه المهمة الشاقة و النبيلة, حتى يكون في مستوى الأمانة الملقاة على عاتقه. فالمفروض أن يكون مهيأ علميا وبيداغوجيا, قادرا على التحكم في آلية الخطاب التعليمي, و يمتلك القدرة الذاتية في اختيار المضامين وطرائق تعليمها, كما يجب أن يحسن استغلال الوسائل التعليمية المساعدة على التبليغ الجيد والتام استغلالا جيدا .
فأستاذ اللغة مطالب بالخصوص بامتلاكه للكفاية المعرفية الصحيحة للغة التي يعلمها وهذا شرط أساسي, ومن هنا فهو ملزم بأن يتلقى تكوينا في اللسانيات, حتى يكون على دراية ببعض النظريات والمفاهيم و الاصطلاحات والإجراءات التطبيقية التي تساعده على فهم أسرار اللغة التي يعلمها و معرفة آلياتها معرفة ثابتة تامّة تنير له سبيله, و تمكنه من التوفيق في تعليمه. و في هذا الصدد يقول الأستاذ الحاج صالح: "((أن يكون معلم اللغة قد تمّ إكسابه للملكة اللغوية الأساسية التي سيكلف بإيصالها إلى تلاميذته, و المفروض أن يكون قد تمّ له ذلك قبل دخوله إلى طور التخصص(11), و أن يكون له تصوّر سليم للغة حتى يحكم تعليمها, و لا يمكـن أن يحصل له ذلك إلاّ إذا اطّلع على أهـم ما أثبتته اللسانيات العامة و اللسانيات العربية بالخصوص ))" (12) .
ـ المادة التعليمية :
- 6 -
المادة التعليمية أو المادة اللغوية المستهدفة بالتعليم هي تلك المحتويات اللغوية التي تتكوّن في الغالب من المفردات اللغويـة ( الجانب المعجمي ), و الأداءات و التمثلاب الأدائيـة ( الجانب الصوتي ), و البنى و التراكيب و الصيّغ المختلفة ( الجانب التركيبي ), المعارف اللغوية المختلفة التي يتعرض إليها بعض الأساتذة في تعليمهم للغـة, و التي يمكن أن نسميها بالثقافة اللغويـة. و هذه المحتويات محددة مسبقا في شكل برامج و مقررات موضوعة من قبل مختصين و خبراء في شؤون التعليم, موزعة على كل سنة من سنوات أطوار التعليم في المدارس النظامية.
ـ الطريقة التعليمية:
أو المنهج هي مجموعة إجراءات وخطوات عملية تهدف إلى تحقيق الأهداف البيداغوجية لعملية التعلم والتعليم, و هي وسيلة تواصلية وتبليغية هامة. فاختيار الطرائق الناجحة من مهام أستاذ اللغة, فكلما اهتدى الأستاذ إلى طريقة تعليمية ناجحة كانت نتائج تعليمه جيدة إن لم نقل باهرة.
و الحديث عن أهمية الطريقة التعليمية في نظرية تعليم اللغات يعدّ من أهم الموضوعات لما تجلبه الطريقة التعليميـة الناجحـة لعمليـة التعليم و التعلّم من نجاعـة و فعّالية تسمحان للدرس اللغوي من تحقيق أغراضه التعلمية التعليمية. و نظرا لأهميتها هذه رأى البرنامج أنّه من باب تعميم الفائدة تخصيص المحاضرة القادمة للحديث عنها بشيء من التفصيل.
انتهت المحاضرة
الهوامش:
01/ أحمد حساني, " دراسات في اللسانيات التطبيقية: حقل تعليمية اللغات ", ط/1, ديوان المطبوعات الجامعية, الجزائر, 2000, ص 130.
- 7 –
02/ المرجع نفسه, الصفحة نفسها.
Denis Gérard. Linguistique Appliquée et Didactique des Langues. Paris, Armand03/ Colin, p 09. 04/ أحمد حساني, المرجع السابق, ص 131.
05/ دونيس جيرار, المرجع السابق, ص 17.
06/ أحمد حساني, المرجع السابق, ص 139.
07/نورمان ماكنري, " فن التعليم و فن التعلم", ترجمة أحمد القادري, مطبعة جامعة دمشق, 1973.
08/أحمد حساني, المرجع السابق, ص 141.
09/ أحمد حساني المرجع نفسه, ص 141.
10/ أحمد حساني, المرجع نفسه, ص 142.
11/ عبد الرحمن الحاج صالح, " أثر اللسانيات في النهوض بمستوى مدرسي اللغة العربية", مجلة اللسانيات, العدد الرابع, جامعة الجزائر, 1973, ص 41.
12/ عبد الرحمن الحاج صالح, المرجع نفسه, ص 41.
|