*«•¨*•.¸¸.»منتدى طلبة اللغة العربية و آدابها «•¨*•.¸¸.»* - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > منتدى العلوم الإجتماعية و الانسانية > قسم الآدب و اللغات

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

*«•¨*•.¸¸.»منتدى طلبة اللغة العربية و آدابها «•¨*•.¸¸.»*

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2012-02-08, 16:06   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 *«•¨*•.¸¸.»منتدى طلبة اللغة العربية و آدابها «•¨*•.¸¸.»*

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



سيكون هنا بحول الله كلُّ ما يخص طلبة اللُّغةِ العربيةِ وآدابهَا بكِلاَ نِظاميها *كلاسيك *و*آل م د* واضافة لطلبة الدراسات العليا

سنحاول معا باذن الله ان نساعد بعضنا ونحاول تجميع اكبر قدر من الكتب والمقالات والبحوث والدراسات النقدية ومذكرات التخرج ورسائل الماجستير والدكتوراه الخاصة بالأدب العربي ومقايسه

وللجميع مطلق الحرية في اضافة اي موضوع خاص بمجالنا

والله المستعان

شكرااااااااا











 


رد مع اقتباس
قديم 2012-02-11, 13:44   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

مراجع عن الشعر الجاهلي
الشعر الجاهلي


ما هو الشعرالجاهلي ؟!
الشعر عند العرب هو الأثر العظيم الذي حفظ لناحياة العرب في جاهليتهم، وإذا كانت الأمم الأخرى تخلد مآثرها بالبنيان والحصون فإنالعرب يعولون على الشعر في حفظ تلك المآثر ونقلها إلى الأجيال القادمة. يقول ابنسلام: "وكان الشعر في الجَاهلية عند العرب ديوان علمهم ومنتهى حكمهم به يأخذونوإليه يصيرون" [1]. فالشعر عند العرب له منزلة عظيمة تفوق منزلة تلك الأبنية .
وقد احببت ان اكتب عن الشعر الجاهلي لأن في حياتنا المعاصرة ندرك الكثير منوسائل الاعلام و اصبحنا ندرك خطرها فقد تحولت لاداة ضغط،و تشويه مختلفة عن تلك التيشهدت نهضة واضحة في خضم تفاعل لغتنا العربية و مبدعينا العرب، حيث كان الشعر هوالواجهة العربية التي تبرز قوة وشجاعة و نبل أخلاقنا العربية تمثلت بابداع شعرائنافي العصر الجاهلي، و مما زاد في ازدهار لغتنا الغناء في تلك الفترة ان الكلمة كانتهي الطريقة الاولى للاعلام ، وتواجد الكثير من الشعراء المبدعين ، حيث كان الشعر فيالعصر الجاهلي يعطي الصورة الادق و الاجمل و قادر على الوصول بسهولة و يسر إلىمبتغاه .ولكننا نرى الآن بعض من التخاذل عن هذا الشعر الرائع وقد اكدت الآيةالكريمة ما آل إليه الشعر قال تعالى :
"
والشعراء يتبعهم الغاوون * ألم تر أنهمفي كل واد يهيمون * وأنهم يقولون ما لا يفعلون "[2]

أما بعد ؛ فإني أرغببتقديم تقريري هذا راجية من الله ان اوفي حق الشعر والشعراء
وقد أردت أن أعرضفيه كل من : قيمة الشعر الجاهلي ، خصائص الشعر الجاهلي ، النثر الجاهلي ، أسلوبالشعر الجاهلي ، أغراض الشعر الجاهلي ، من أبرز شعراء العصر الجاهلي.
الموضوع :
قيمةالشعر الجاهلي:
1- القيمة الفنية: وتشمل المعاني والعاطفة والموسيقى الشعرية ،حيث نظم الشاعر الجاهلي اكثر شعره على اوزان طويلة التفاعيل .
2-
القيمةالتاريخية: كان الشعر وسيلة نقل معاناة الناس وشكواها الى السلطة ، فالشعر الجاهلييعتبر وثيقة تاريخية بما يخص احوال الجزيرة واحوال العرب الاجتماعية .
خصائصالشعر الجاهلي:
_1 الصدق: كان الشاعر يعبر عما يشعر به حقيقة مما يختلج في نفسهبالرغم من انه كان فيه المبالغة _2 البساطة: ان الحياة الفطرية والبدوية تجعلالشخصية الانسانية بسيطة ، كذلك كان اثر ذلك على الشعر الجاهلي .
_3
ذكر المرأة : جعل الشاعر للمرأة سمو الكواكب وبهاءها، ونضارة النبات وألوانه وأريح العطر،وخصوبة الأرض، وأصبحت المرأة فردوسة فى تلك الصحراء الواسعة وقد صنع الشاعر هذاالفردوس أو العالم الجميل وفق هواه، فجمع فيه بين الجمال والجلال والنفع والمتعة. وقد حاولت الكشف عما وجدته من ظواهر تتصل بهذه الموضوعات في الشعر الجاهلي، وحاولتمن ناحية أخرى الكشف عما وراءه هذه الظواهر وهي محاولة محفوفة بالصعوبة، لبعد الشقةبيننا وبين ذلك العصر، ولخصوصية ذلك الشعر وطبيعته التى تجعل من الدراسة نوعاً منالإبحار فى عالم كلما ازددنا معرفة به ازدادت أبعادة عمقاً وتعدداً[3]
_4
القولالجامع: كان البيت الواحد من الشعر يجمع معاني تامة ، فمثلا قالوا في امرئ القيسبقصيدته «قفا نبك‏» انه وقف واستوقف وبكى واستبكى وذكر الحبيب والمنزل في بيت واحد[3] .
_5
الاطالة: كان يحمد الشاعر الجاهلي ان يكون طويل النفس ، اي يطيلالقصائد واحيانا كان يخرج عن الموضوع الاساسي ، وهذا يسمى الاستطراد .
_6
الخيال: هو ان اتساع افق الصحراء قد يؤدي الى اتساع خيال الشاعر الجاهلي .
النثر الجاهلي:
النثر هو كلام اختيرت ألفاظه وانتقيت تراكيبهوأحسنت صياغة عباراته بحيث يؤثر في المستمع عن طريق جودة صنعته. فهو يختلف عنالكلام العادي الذي يتكلم به الناس في شؤونهم العادية. وأنواع النثر الجاهلي هي: الخطابة والأمثال والحكم والقصص وسجع الكهان. وسجع الكهان يتصف بقصر جمله وكثرةغريبه والتوازن في عباراته، ويحرص الكاهن على إخفاء كلامه باتباع هذا الأسلوب،والخطابة من أبرز أنواع النثر في العصر الجاهلي، وتتلوها من ناحية الأهمية: الأمثال؛ لسيرورتها بين عامة الناس وخاصتهم .

أسلوب الشعرالجاهلي:
ينتقل الشاعر الجاهلي إلى وصف الطريق الذي يقطعه بما فيه من وحشة، ثميصف ناقته، وبعد ذلك يصل إلى غرضه من مدح أو غيره، وهذا هو المنهج والأسلوب الذيينتهجه الجاهليون في معظم قصائدهم ولا يشذ عن ذلك إلا القليل من الشعر.
وإذاأردنا أن نقف على أسلوب الشعر الجاهلي فلابد لنا من النظر في الألفاظ والتراكيبالتي يتكون منها ذلك الشعر ، فألفاظ الشعر الجاهلي قوية صلبة في مواقف الحروبوالحماسة والمدح والفخر، لينة في مواقف الغزل، فمعظم شعر النابغة الذبياني وعنترةالعبسي وعمرو بن كلثوم من النوع الذي يتصف بقوة الألفاظ ،وهناك نوع من الألفاظ يتصفبالعذوبة؛ لأنه خفيف على السمع ومن ذلك قول امرىء القيس:
وما ذَرَفت عيناكِ إلالِتَضْرِبِي بسَهْميك في أعشار قَلْبٍ مُقَتل

اغراض الشعرالجاهلي:
أغراض الشعر الجاهلي هي الموضوعات التي نظم فيها شعراء الجاهلية شعرهم؛فإذا كان قصد الشاعر وغرضه من الشعر الاعتزاز بنفسه أو قبيلته فشعره فخر، وإذا كانقصد الشاعر التعبير عن الإعجاب بشخص ما في كرمه أو شجاعته أو غير ذلك فشعره مدح،وإذا كان قصده وغرضه النيل من شخص ما وتحقيره فذلك الهجاء :
)
لَيَأتِيَنّـكَمنِّي مَنْـطِقٌ قَـذعٌ باقٍ كما دَنَّسَ القَبْـطِيَّة الوَدكُ(
وإذا كانالشاعر يهدف إلى إظهار الحزن والأسى فذلك الرثاء :
)
أَيَّتُهَا النّفْسُأَجْمـِلِي جَزَعـَا إنّ الذي تَحْذَرين قد وَقَـع(
وإذا حَلَّقَ الشاعر فيالخيال فرسم صوراً بديعة فذلك الوصف :
(فلما علا مَتْنَتَيْهِ الغُـلامُ وسَكَّنمن آلهِ أن يُطـَارا)
وإذا عَبَّر عن حديثه مع النساء فذلك الشعر هو الغزل :
(أفاطِمُ قبْلَ بَينِكِ مَتَّعـيني ومَنْعُكِ مَا سَألتُ كأنتَبِيني)
وإذا استعطف بشعره أميراً أو غيره فهو الاعتذار:
(ما قُلْتُ منسَيء مِمّا اُتِيْتَ بِه إذاً فَلاَ رَفَعَتْ سَوْطِي إلَيَّ يَدِي(
وإذانظر في الكون وحياة الناس فتلك الحكمة:
)
ومَنْ هَابَ أسْبَابَ المَنَايَايَنَلْنَهُ ولَوْ رامَ أَسْبَابَ السمَاَءِ بِسُلَّم(
وأغراض الشعر الجاهليالتي نريد بسط القول فيها هي:
"
المدح، الهجاء، الرثاء، الفخر، الوصف، الغزل،الاعتذار، الحكمة "
مع أن القصيدة العربية الواحدة تشمل عدداً من الأغراض؛ فهيتبدأ بالغزل ثم يصف الشاعر الصحراء التي قطعها ويتبع ذلك بوصف ناقته، ثم يشرع فيالغرض الذي أنشأ القصيدة من أجله من فخر أو حماسة أو مدح أو رثاء أو اعتذار، ويأتيبالحكمة في ثنايا شعره فهو لا يخصص لها جزءاً من القصيدة.
المنتخبات العامة:
لأن هذه المنتخبات هي أقدم وأهم مصادر الشعرالجاهلي ،اسمحوا لي أن أفصل الحديث عنها قليلاً..
المعلقات: يقال بأن أول منرواها مجموعة في ديوان خاص بها هو حمّاد الرواية وهي عنده سبع معلقات .
المفضليات: نسبة للمفضل الضبي أوثق رواة الكوفة، وشرحها بن الأنباري وهي مائةوست وعشرون قصيدة لسبعة وستين شاعراً وهي من أوثق مصادر الشعر الجاهلي.
الأصمعيات: نسبة للأصمعي روايها، وعدد قصائدها مقطعاتها اثنتين وتسعين موزعةعلى واحد وسبعين شاعراً منهم أربعون جاهلياً، ولم تصل إلينا مشروحة ولم تشتمل علىقصائد كاملة وإنما مختارات منها.

إضافة :
ولم يتوقف مبدأ أخذ الشعراء منبعضهم ، على المعاني فقط بل تعدى إلى الالفاظ والابيات والصور الجمالية والمواقفالانسانية ، وقد سجل بعضهم هذه الحقيقة في شعرهم مثل امرؤ القيس قوله :
"
عُوجاًعلى الطَّلل المحُيل لأننا نبكى الديار كما بكى ابنُ خِذامِ "[4]

أبرز شعراءالعصر الجاهلي :
امريء القيس بن الحارث الكندي توفي عام 74 قبل الهجر
طرفة بنالعبد البكري توفي سنة 70 قبل الهجرة
زهير بن أبي سلمى المزني توفي سنة 14 قبلالهجرة
لبيد بن ربيعة العامري وهو صحابي توفي سنة 40 هـ
عمرو بن كلثومالتغلبي توفي سنة 52 قبل الهجرة
عنترة بن شداد العبسي توفي سنة 22 قبل الهجرة
الحارث بن حلزة اليشكري توفي سنة 52 قبل الهجرة
الأعشى ميمون البكري توفيسنة 7 هـ ولم يسلم
النابغة الذبياني توفي سنة 18 قبل الهجرة
عبيد بن الأبرصالأسدي توفي سنة 17 قبل الهجرة
ــــــــــــــ
[4]
ديوان امرؤ القيس (طبع دارالممعارف)

**************************

العصر الجاهلي دراسة وتحليلا



اتفق الناس تسمية على تسمية العصور التي سبقت الإسلام بالعصر الجاهلي وهو في الحقيقة حقبة طويلة من الزمن قد يكون من الممكن تسميتها بالعصور الجاهلية(وليس عصرا واحدا)وسنتحدث عن هذا العصر وعن الشعر متناولة الأدب في تلك الحقبة وخصائص هذا الأدب وقيمته ثم سأعرج على شعراء هذ العصر وبعض من قصائدهم.
وكانت للعرب أسواق تجارية معروفة كسوق عكاظ لها مواسم معروفة يتوافد إليها الشعراء من كل فج ليطرحوا مالديهم من أبيات وقصائد وليستمعوا للقصائد الأجرين وكان يحدث في هذا التجمع الكثير من المسابقات والحوارات الهادفة وكثير مايحدث تحدي بين شاعرين ومباهاه وفخر .

قيمة الشعر الجاهلي:
1- القيمة الفنية: وتشمل المعاني والأخيلة والعاطفة والموسيقى الشعرية ، حيث نظم الشاعر الجاهلي أكثر شعره على أوزان طويلة التفاعيل .
2-
القيمة التاريخية: كان الشعر وسيلة نقل معاناة الناس وشكواها إلى السلطة ، فالشعر الجاهلي يعتبر وثيقة تاريخية بما يخص أحوال الجزيرة وأحوال العرب الاجتماعية.
القيمة الفنية: وتشمل المعاني والأخيلة والعاطفة والموسيقى الشعرية ، حيث نظم الشاعر الجاهلي أكثر شعره على أوزان طويلة التفاعيل .

2-
القيمة التاريخية: كان الشعر وسيلة نقل معاناة الناس وشكواها الى السلطة ، فالشعر الجاهلي يعتبر وثيقة تاريخية بما يخص احوال الجزيرة واحوال العرب الاجتماعية .

الوزن و القافية:
الوزن: هو التفعيلات الشعرية الموسيقية الرتيبة التي تتكون منها الابيات ، وتسمى البحور الشعرية .

القافية: وهي ما ياتي به الشاعر في نهاية. كل بيت من ابيات القصيدة ، وابرزها الحرف الاخير الذي يختم به البيت وضبطه النطقي


أنواع الشعر
الشعر العمودي والشعر التقليدي: لقد احتفظ بخاصيته التقليدية بالالتزام بنظام الاوزان والقافية .

2
- الشعر المرسل: احتفظ بنظام الاوزان في الشعر وتحرر من نظام القافية الموحدة .

3- الشعر الحر: وهو الشعر الذي تحرر من نظام الاوزان والقوافي معا .

طبقات الشعراء:1-

الشعراء الجاهليون: وهم الذين لم يدركوا الاسلام كامرئ القيس .

2-
الشعراء المخضرمون: وهم ادركوا الجاهلية والاسلام حسان بن ثابت .

3-
الشعراء الاسلاميون: وهم الذين عاشوا في صدر الاسلام وعهد بني امية .

4-
الشعراء المولدون او المحدثون: وهم من جاءوا بعد ذاك كبشار بن برد وابي نؤاس




خصائص الشعر الجاهلي:

1- الصدق: كان الشاعر يعبر عما يشعر به حقيقة مما يختلج في نفسه بالرغم من انه كان فيه المبالغة ، مثل قول عمرو بن كلثوم .

2-
البساطة: ان الحياة الفطرية والبدوية تجعل الشخصية الانسانية بسيطة ، كذلك كان اثر ذلك على الشعر الجاهلي .

3-
القول الجامع: كان البيت الواحد من الشعر يجمع معاني تامة ، فمثلا قالوا في امرئ القيس بقصيدته «قفا نبك‏» انه وقف واستوقف وبكى واستبكى وذكر الحبيب والمنزل في بيت واحد .

4-
الاطالة: كان يحمد الشاعر الجاهلي ان يكون طويل النفس ، اي يطيل القصائد واحيانا كان يخرج عن الموضوع الاساسي ، وهذا يسمى الاستطراد .

5-
الخيال: هو ان اتساع افق الصحراء قد يؤدي الى اتساع خيال الشاعر الجاهلي .
شكل القصيدة الجاهلية:

تبدأ القصيدة الجاهلية بذكر الأطلال ثم وصف الخمر وبعدها ذكر الحبيبة، ثم ينتقل الشاعر إلى الحماسة

حتى ما ثبت من الشعر الجاهلي .
__________________
أغراض الشعر العربي الجاهلي:
أولاً: الوصف:

لقد أحاط الشاعر الجاهلي في أوصافه بجميع مظاهر البيئة، فوصف كل ما يخطر على باله وما يتراءى أمامه من مولدات شعورية، فحين يصف "عميرة بن جُعل" ديار الحبيبة الداثرة يبدع فيقول:

قِفارٌ مَروراةٌ يَحَارُ بهـا القطـا

يظلّ بها السبعـان يعتركـان

يثيران من نسج التراب عليهما

قميصيـن أسماطًا ويرتديـان

وبالشَّرف الأعلى وحوش كأنها

على جانب الأرجاء عُوذُ هجان


ثانيًا: الغزل:

وقد اختص الشاعر قصائد بعينها وأوقفها على الغزل وذكر النساء، وفي أحيان أخرى كان يجعل الغزل في مقدمة القصيدة بمثابة الموسيقى التمهيدية للأغنية، توقظ مشاعر المبدع والسامع فتلهب الأحاسيس، وتؤجج العواطف، ورغم السمة العامة للغزل وهو الغزل الصريح المكشوف الذي يسعى للغريزة أول ما يسعى، فإن المثير أن يعجب بعض الشعراء الصعاليك (الشنفرى) بحسن أدب المرأة وأخلاقها العالية فيصفونها:

"لقد أعجبتني لا سقوطًا قناعهـا * إذا ذكرت ولا بذات تلفت

كأن لها في الأرض نسيًا تقصه * على أمها وإن تكلمك تبلَّت

تبيت بُعيد النوم تهدي غبوقهـا * لجارتها إذا الهدية قلت

تحل بمنجـاة من اللـوم بيتهـا * إذا ما بيوت بالمذمة حلت

ثالثـًا: الرثاء:

وعاطفة الشاعر البدوية الفطرية كانت شديدة التوهج، فإن أحب هام وصرَّح وما عرف للصبر سبيلاً، وإن حزن فبكاء ونحيب حتى يملأ الدنيا عويلاً، وكلما جفت الدموع من عينيه استحثها لتسح وتفيض.

ومضرب المثل في الرثاء صخر أخو الخنساء الذي رثته أبياتًا، وبكته أدمعًا ودماءً، تقول الخنساء:

أعيني جـودا ولا تجمـدا ألا تبكيان لصخر الندى؟

ألا تبكيان الجريء الجميل؟ ألا تبكيان الفتى السيـدا؟


وهي ترجو (صخرًا) ألا يشعر بألم تجاه عينيها الذابلتين من البكاء وتلتمس لهما العذر:

ألا يا صخر إن بكَّيت عينـي لقد أضحكتني زمنًا طويـلاً

دَفَعْتُ بك الخطوب وأنت حي فمن ذا يدفع الخطب الجليلا؟

إذا قبح البكـاء علـى قتيـل رأيت بكاءك الحسن الجميلا


رابعًا: الفخر:

كان الجاهلي إذا فخر فجر … هكذا قالوا…

فانتماء الجاهلي لعشيرته وعائلته أمر مقدس، وعوامل ذلك متعددة منها: طبيعة الحياة القاسية التي عاناها العربي مما جعله يعتصم بقوة أكبر منه ويتحد معها؛ ليتحصن من صراع الحياة البدائية المريرة، مما جعل عمرو بن كلثوم يقول بملء فيه:

وأنـا المنعمون إذا قدرنا وأنا المهلكون إذا أتينا

وأنـا الحاكمون بما أردنا وأنا النازلون بحيث شينا

وأنـا النازلـون بكل ثغـر يخاف النازلون به المنونا

ونشرب إن وردنا الماء صفوًا ويشرب غيرنا كدرًا وطينًا

ألا لا يجلهن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا

ملأنا البر حتى ضاق عنا كذاك البحر نملؤه سفينًا

إذا بلغ الرضيع لنا فطامًا تخر له الجبابر ساجدينا

لنا الدنيا وما أمسى علينا ونبطش حين نبطش قادرينا


خامسًا: الهجاء:

والهجاء المقذع عندهم يزكم الأنوف، ويعشو العيون، ولكنَّ لهم هجاء طريفًا ومنه التهديد والوعيد بقول الشعر الذي تتناقله العرب، فيتأذى منه المهجو أكثر من التهديد بالقتل، وكان الهجاء سلاحًا ماضيًا في قلوب الأعداء فهم يخافون القوافي والأوزان أكثر من الرماح والسنان.



يقول مزرد بن ضرار:

فمن أرمه منها ببيت يَلُح به كشامة وجه، ليس للشام غاسلُ

كذاك جزائي في الهدى وإن أقل فلا البحر منزوح ولا الصوت صاحل


سادسًا: المدح:

ومن رواده زهير بن أبي سلمى وكان لا يمدح إلا بالحق، وكذا النابغة الذبياني الذي تخصص في مدح العظماء والملوك راغبًا في العطاء السخي، ومنهم "الأعشى" وكان سكيرًا مغرمًا بالنساء لا يهمه من يمدح ما دام يعطيه، وقد أنفق كل ما أعطى على خمره ونسائه.

قال زهير في مدح حصن بن حذيفة:

وأبيض فياض يداه غمامـة على معتفيه ما تغب فواضـله

أخي ثقة لا تتلف الخمر ماله ولكنه قد يهلك المال نائلــه

تراه إذا ما جئتـه متهلـلاً كأنك تعطيه الذي أنت سائله

ظهور الشعر الجاهلي:و يشمل:

1- شعراء الفرسان .

2- شعراء الصعاليك .

3- شعراء آخرون .

1- شعراء الفرسان: نحن نعلم بان شاعر القبيلة هو لسانها الناطق وعقلها المفكر والمشير بالحق والناهي الى المنكر ، فكيف اذا جمع له الشعر والفروسية فهو صورة صادقة لتلك الحياة البدوية ، حيث كان يتدرب على ركوب الخيل ، ويشهر سيفه ، ويلوح برمحه ، فمن هؤلاء الشعراء:

- المهلهل .

- عبد يغوث .

- حاتم الطائي .

- الفند الزماني (فارس ربيعة) .



المهلهل
هو عدي بن ربيعة التغلبي ، خال امرؤ القيس ، وجد عمرو بن كلثوم . قيل أنه من أقدم الشعراء الذين وصلت الينا أبارهم واشعارهم ، وأنه أل من هلهل الشعر ولذلك قيل له المهلهل .

كان له أ اسمه كليب رئيس جيش بكر وتغلب . كليب قتل ناقة البسوس ثم قتل كليب ، ونشبت‏ حرب البسوس بين بكر وتغلب، دامت اربعين سنة .

المختار من شعره: واكثر شعر المهلهل هو في رثاء أخيه كليب، حيث‏يقول:

كليب لا خير في الدنيا و من فيها

ان انت‏خليتها في من يخليها

نعى النعاة كليبا لي فقلت لهم

سالت‏بنا الارض او زالت رواسيها

ليت السماء على من تحتها وقعت

وحالت الارض فانجابت‏بمن فيها

ومن مراثيه المشهورة في اخيه:

اهاج قذاء عيني الادكار

هدوءا فالدموع لها انحدار

و صار الليل مشتملا علينا

كان الليل ليس له نهار

دعوتك يا كليب فلم تجبني

و كيف يجيبني البلد القفار

وانك كنت تحلم عن رجال

وتعفو عنهم ولك اقتدار

توفي المهلهل عام 92 ق . ه / 530م .
الفند الزماني

اسمه شهل بن شيبان ، احد فرسان ربيعة المشهورين ، شعره قليل ، سهل ، عذب ، واكثره في الحماسة التي يتخللها شي‏ء من الحكمة ، وحينما اضطر الى الخوض في حرب البسوس ، قال:

صفحنا عن بني ذهل

وقلنا القوم اخوان

عسى الايام ان يرجعن

اقواما كما كانوا

فلما صرح الشر

وامسى وهو عريان

ولم يبق سوى العدوان

دنا لهم كما دانوا

وفي الشر نجاة حين

لا ينجيك احسان
توفي الفندالزماني سنة 92ق .

2- شعراء الصعاليك: جمع صعلوك ، وهو - لغة - الفقير الذي لا مال له . اما الصعاليك في عرف التاريخ الادبي فهم جماعة من شواذ العرب وذؤبانها ، كانوا يغيرون على البدو والحضر ، فيسرعون في النهب; لذلك يتردد في شعرهم صيحات الجزع والفقر والثورة ، ويمتازون بالشجاعة والصبر وسرعة العدو ، وحين نرجع الى اخبار الصعاليك نجدها حافلة بالحديث عن الفقر ، فكل الصعاليك فقراء لا نستثني منهم احدا حتى عروة بن الورد سيد الصعاليك الذين كانوا يلجئون اليه كلما قست عليهم الحياة ليجدوا ماوى حتى يستغنوا ، فالرواة يذكرون انه كان صعلوكا فقيرا مثلهم ، ومن هؤلاء:

- الشنفري الازدي .

- تابط شرا .

- عروة بن الورد .



‘، الشنفري ،‘،
? - 70 ق. هـ / ? - 554 م


شاعر جاهلي ، يماني ، من فحول الطبقة الثانية وكان من فتاك العرب وعدائيهم ، وهو أحد الخلعاء الذين تبرأت منهم عشائرهم . قتلهُ بنو سلامان ، وقيست قفزاته ليلة مقتلهِ فكان الواحدة منها قريباً من عشرين خطوة، وفي الأمثال ( أعدى من الشنفري ) . وهو صاحب لامية العرب ، شرحها الزمخشري في أعجب العجب المطبوع مع شرح آخر منسوب إلى المبرَّد ويظن أنه لأحد تلاميذ ثعلب .وللمستشرق الإنكليزي ردهوس المتوفي سنة 1892م رسالة بالانكليزية ترجم فيها قصيدة الشنفري وعلق عليها شرحاً وجيزاً .


لامية العرب : للشنفري
أَقِيمُـوا بَنِـي أُمِّـي صُـدُورَ مَطِيِّـكُمْ
فَإنِّـي إلى قَـوْمٍ سِـوَاكُمْ لَأَمْيَـلُ

فَقَدْ حُمَّتِ الحَاجَاتُ وَاللَّيْـلُ مُقْمِـرٌ
وَشُـدَّتْ لِطِيّـاتٍ مَطَايَـا وَأرْحُلُ

وفي الأَرْضِ مَنْـأَى لِلْكَرِيـمِ عَنِ الأَذَى
وَفِيهَا لِمَنْ خَافَ القِلَـى مُتَعَـزَّلُ

لَعَمْـرُكَ مَا بِالأَرْضِ ضِيـقٌ على امْرِىءٍ
سَرَى رَاغِبَـاً أَوْ رَاهِبَـاً وَهْوَ يَعْقِـلُ

وَلِي دُونَكُمْ أَهْلُـون : سِيـدٌ عَمَلَّـسٌ
وَأَرْقَطُ زُهْلُـولٌ وَعَرْفَـاءُ جَيْـأََلُ

هُـمُ الأَهْلُ لا مُسْتَودَعُ السِّـرِّ ذَائِـعٌ
لَدَيْهِمْ وَلاَ الجَانِي بِمَا جَرَّ يُخْـذَلُ

وَكُـلٌّ أَبِـيٌّ بَاسِـلٌ غَيْـرَ أنَّنِـي إذا
عَرَضَتْ أُولَى الطَرَائِـدِ أبْسَـلُ

وَإنْ مُـدَّتِ الأيْدِي إلى الزَّادِ لَمْ أكُـنْ
بَأَعْجَلِهِـمْ إذْ أَجْشَعُ القَوْمِ أَعْجَلُ



تابط شرا
اسمه ثابت‏بن جابر . وسبب لقبه انه اخذ ذات يوم سيفا تحت ابطه وخرج ، وكان تابط شرا من الصعاليك حاد البصر والسمع يلحق بالخيل ، ويغزو على رجليه ، وانه مات قتيلا .

واكثر شعره في الحماسة والفخر ، ومن شعره في الفخر:

يا عبد ما لك من شوق وايراق
ومر طيف على الاهوال طراق

لا شي‏ء اسرع مني ليس ذا عذر

وذا جناح بجنب‏الريد خفاق


توفي الشاعر تابط شرا عام 530 للميلاد .

عروة بن الورد



عروة بن الورد من بني عبس ، وكان من فرسان العرب ، كان كريم الاخلاق عفيفا صادقا وفيا بالعهود ، وقد فضله
عروة بن الورد بن زيد العبسي ، من غطفان . من شعراء الجاهلية و فرسانها و أجوادها . كان يلقب بعروة الصعاليك لجمعه إياهم ، وقيامه بأمرهم إذا أخفقوا في غزواتهم . قال عبد الملك بن مروان:
من قال إن حاتماً أسمح الناس فقد ظلم عروة بن الورد . شرح ديوانه ابن السكيت .


أبيات متفرقة له

إِذا المَرءُ لَم يَطلُب مَعاشاً لِنَفسِـهِ
شَكا الفَقرَ أَو لامَ الصَديقَ فَأَكثَـرا

وَصارَ عَلى الأَدنَينَ كَلّاً وَأَوشَكَت
صِلاتُ ذَوي القُربى لَهُ أَن تَنَكَّرا

وَما طالِبُ الحاجاتِ مِن كُلِّ وِجهَةٍ
مِنَ الناسِ إِلّا مَن أَجَـدَّ وَشَمَّـرا

فَسِر في بِلادِ اللَهِ وَاِلتَمِسِ الغِنـى
تَعِش ذا يَسارٍ أَو تَموتَ فَتُعـذَرا


# #

أَعَيَّرتُمونـي أَنَّ أُمّـي تَريـعَـةٌ
وَهَل يُنجِبَن في القَومِ غَيرُ التَرائِعِ

وَما طالِبُ الأَوتارِ إِلّا اِبـنُ حُـرَّةٍ
طَويلُ نَجادِ السَيفِ عاري الأَشاجِعِ

******
أَبلِغ لَدَيـكَ عامِـراً إِن لَقيتَهـا
فَقَد بَلَغَت دارُ الحِفاظِ قَرارَهـا

رَحَلنا مِنَ الأَجبالِ أَجبالِ طَيِّءِ
نَسوقُ النِساءَ عوذَها وَعِشارَها

تَرى كُلَّ بَيضاءِ العَوارِضِ طَفلَةٍ
تُفَرّي إِذا شالَ السِماكُ صِدارَها

وَقَد عَلِمَت أَن لا اِنقِلابَ لِرَحلِها
إِذا تَرَكَت مِن آخِرِ اللَيلِ دارَها

توفي ابن الورد سنة 596 للميلاد .

3- شعراء آخرون: وهناك افراد من الشعراء في يثرب وغيرها من مدن الحجاز والجزيرة العربية اعتنقوا اليهودية كالسموال بن عاديا ، او النصرانية كقس بن ساعدة .

السموال




، السَمَوأل ،‘،
? - 64 ق. هـ / ? - 560 م


السموأل بن غريض بن عادياء الأزدي . و اسمه معرب من الاسم العبري "شمويل" (שְׁמוּאֵל)
وهو شاعر جاهلي يهودي حكيم من سكان خيبر في شمالي المدينة ، كان يتنقل بينها وبين حصن له سماه الأبلق. أشهر شعره لاميته وهي من أجود الشعر ، والتي مطلعها :


إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه - فكل رداء يرتديه جميلُ

وفي علماء الأدب من ينسبها لعبد الملك بن عبدالرحيم الحارثي . وهو الذي تنسب اٍليه قصة الوفاء مع امرئ القيس .ومختصر القصة أن امرئ القيس ترك عند السموأل أهله وأدراعَه أمانة حتى يعود من رحلته إلى ملك الروم ، وقد حاول الملك الحارث بين ظالم أن يغري السموأل بتسليم أمانة امرئ القيس إليه فأبى ، ثم هدَّده بقتل ابنه إذا لم يعطه ذلك فأصرَّ السموأل على موقفه مضحياً بابنه الذي قتله الحارث بن ظالم .

لامية السمؤال


إذ المرء لم يدنس من اللؤم عرضه
فـكـل رداء يرتديـه جمـيـل

وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها
فليس إلى حسن الثناء سـبيل

تـعـيرنا أنـا قـليـل عـديـدنـا
فقلـت لهـا إن الكرام قليل

ومـا قل من كانـت بقايـاه مثلنا
شـباب تسـامى لـلـعلا وكهول

ومـا ضرنـا أنـا قـليل وجـارنـا
عـزيز وجـار الأكثريـن ذليل

لنـا جـبـل يـحتـلـه مـن نـجيره
منيع يرد الـطـرف وهو كليل

رسـا أصـلـه تحـت الثرى وسما به
إلى النجم فرع لا ينال طويل

هو الأبلق الفردالذي شاع ذكره
يعز على من رامه ويطول

وإنـا لـقـوم مـا نرى القتل سبة
إذا مـا رأتـه عامر وسـلول

يـقرب حـب المـوت آجـالـنا لـنا
وتـكـرهه آجـالـهم فتـطـول

ومـا مـات مـنا سـيد حـتف أنـفه
ولا طل مـنـا حيث كـان قتيل

تسـيل عـلى حـد الـظبات نفوسـنا
وليست على غير الظبات تسيل

صـفونا فـلم نـكدر وأخـلص سـرنا
إنـاث أطـابـت حـملنا وفحول

عـلـونـا إلـى خير الظهور وحطنا
لوقت إلى خير البطـون نزول

فنحن كماء المزن مـا في نـصابنا
كـهام ولا فـينا يـعد بـخيل

وتـنكر إن شئنا على الناس قولهم
ولا ينكرون القول حين نقول

إذا سـيـد مـنـا خـلا قـام سـيـد
قؤول لما قال الكرام فـعول

ومـا أخـمدت نـار لنا دون طارق
ولا ذمنا في الـنازلين نزيل

وأيـامنا مشـهـورة فـي عـدونـا
لـها غـرر مـعلـومـة وحجول


توفي ابن عاديا سنة 560ه . ق .

قس بن ساعدة الاياديهو اسقف نجران ، وكان خطيبها البارع وحكيمها ، ويتصف بالزهد في الدنيا ، وكان يحضر سوق عكاظ ويلقي الشعر .

يروى ان النبي صلى الله عليه وآله راى قس في سوق عكاظ على جمل احمر وهو يقول :

«ايها الناس ، اسمعوا وعوا انه من عاش مات ، ومن مات فات ، وكل ما هو آت آت . . . آيات محكمات: مطر ونبات وآباء وامهات ، وذاهب وآت ، ضوء وظلام ، وبر وآثام ، لباس ومركب ، ومطعم ومشرب ، ونجوم تمور ، وبحور لا تغور) ، وسقف مرفوع ، وليل داج ، وسماء ذات‏ابراج ، ما لي ارى الناس يموتون ولا يرجعون . . . يا معشر اياد اين ثمود وعاد ؟ واين الآباء والاجداد ؟

ومن نوادر شعره:
وفي الذاهبين الاولين

من القرن لنا بصائر

لما رايت مواردا

للموت ليس لها مصادر

ورايت قومي نحوها

يمضي الاصاغر والاكابر

لا يرجع الماضي ولا

يبقى من الباقين غابر
ايقنت اني لا محالة

حيث صار القوم صائر توفي ابن ساعدة سنة 600 للميلاد .

‘، الأعشى ،‘،? - 7 هـ - ? - 628 م
ميمون بن قيس بن جندل من بني قيس بن ثعلبة الوائلي ، أبو بصير ، المعروف بأعشى قيس ،
ويقال له أعشى بكر بن وائل و الأعشى الكبير . من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية وأحد أصحاب المعلقات . كان كثير الوفود على الملوك من العرب، والفرس، غزير الشعر، يسلك فيه كلَّ مسلك، وليس أحدٌ ممن عرف قبله أكثر شعراً منه . وكان يُغنّي بشعره فسمّي (صناجة العرب) و كانت أشهر أبياته :

هريرة َ ودعها ، وإنْ لامَ لائمُ ، غداة َ غدٍ أمْ أنتَ للبينِ واجمُ

قال البغدادي: كان يفد على الملوك ولا سيما ملوك فارس فكثرت الألفاظ الفارسية في شعره .
عاش عمراً طويلاً وأدرك الإسلام ولم يسلم ، ولقب بالأعشى لضعف بصره ، وعمي في أواخر عمره. مولده ووفاته في قرية (منفوحة) باليمامة قرب مدينة الرياض وفيها داره وبها قبره .



قصيدة :
هريرة َ ودعها ، وإنْ لامَ لائمُ


هريرة َ ودعها، وإنْ لامَ لائمُ،
غداة َ غدٍ أمْ أنتَ للبينِ واجمُ


لَقَدْ كَانَ في حَوْلٍ ثَوَاءٍ ثَوَيْتَهُ،
تقضّي لبناتٍ، ويسأمُ سائمُ


مبتَّلة ٌ هيفاءُ رودٌ شبابها،
لَهَا مُقْلَتَا رِئْمٍ وَأسْوَدُ فَاحِمُ


وَوَجْهٌ نَقِيُّ اللّوْنِ صَافٍ يَزينُهُ
معَ الحليِ لباتٌ لها ومعاصمُ


وَتَضْحَكُ عَنْ غُرّ الثّنَايَا، كأنّهُ
ذُرَى أُقْحُوَانٍ نَبْتُهُ مُتَنَاعِمُ


هيَ الهَمّ لا تَدْنُو، وَلا يَسْتَطِيعُها
منَ العيسِ إلاّ النّجياتُ الرّواسمُ


رَأَيْتُ بَني شَيْبَانَ يَظْهَرُ مِنْهُمُ
لقوميَ عمداً نغصة ٌ ومظالمُ


فإنْ تصبحوا أدنى العدوّ فقبلكمْ
مِنَ الدّهْرِ عَادَتْنَا الرِّبابُ وَدارِمُ


وسعدٌ وكعبٌ والعبادُ وطيءٌّ،
ودودانُ في ألفافها والأراقمُ


فما فَضّنا من صَانعٍ بَعْدَ عَهْدِكُمْ
فيطمعَ فينا زاهرٌ والأصارمُ


ولنْ تنتهوا حتى تكسّرَ بيننا
رِمَاحٌ بِأيْدِي شُجْعَة ٍ وَقَوَائمُ


وحتى يبيتَ القومُ في الصّفّ ليلة ً
يقولونَ نوّرْ صبحُ، واللّيلُ عاتمُ


وقوفاً وراءَ الطّعنِ، والخيلُ تحتهمْ،
تشدّ على أكتافهنّ القوادم


إذا ما سمعنَ الزّجرَ يمّمنَ مقدماً
عَلَيها أُسُودُ الزّارَتَينِ الضّرَاغِمُ


أبَا ثَابِتٍ أوْ تَنْتَمُونَ، فإنّمَا
يَهِيمُ لِعَيْنَيْهِ مِنَ الشرّ هَائِمُ


متى تلقنا، والخيلُ تحملُ يزّنا،
خناذيذَ منها جلّة ٌ وصلادمُ


فَتَلْقَ أُنَاساً لا يَخِيمُ سِلاحُهُمْ،
إذا كَانَ حمّاً للصّفِيحِ الجَماجمُ


وَإنّا أُنَاسٌ يَعْتَدِي البأس خَلفُنَا،
كمَا يَعتَدي المَاءَ الظماءُ الحَوَائِمُ


فَهَانَ عَلَيْنَا مَا يَقُولُ ابنُ مُسهِرٍ
برغمكَ إذْ حلّتْ علينا اللّهازمُ


يزيدُ يغضّ الطّرفَ دوني كأنّما
زَوَى بَينَ عَيْنَيْهِ عَليّ المَحَاجِمُ


فلا يَنبَسِطْ من بينِ عَينَيكَ ما انزَوَى،
وَلا تَلْقَني إلا وَأنْفُكَ رَاغِمُ


فأقسمُ باللهِ الّذي أنا عبدهُ،
لتصطفقنْ يوماً عليكَ المآتمُ


يَقُلْنَ حَرَامٌ مَا أُحِلّ بِرَبّنَا
وتتركُ أمولاً عليها الخواتمُ


أبَا ثَابِتٍ لا تَعْلَقَنْكَ رِمَاحُنَا،
أبَا ثَابِتٍ اقْعُدْ وَعِرْضُكَ سَالِمُ


أفي كُلّ عَامٍ تَقْتُلُونَ ونَتّدِي،
فتلكَ التّي تبيضّ منها المقادمُ


وَذَرْنَا وَقَوْماً إنْ هُمُ عَمَدوا لَنَا
أبَا ثَابِتٍ، وَاجْلِسْ فَإنّكَ نَاعِمُ


طَعامُ العِرَاقِ المُستَفيضُ الذي تَرى،
وفي كلّ عامٍ حلّة ٌ ودراهمُ


أتَأمُرُ سَيّاراً بِقَتْلِ سَرَاتِنَا،
وتزعمُ بعدَ القتلِ أنّكَ سالمُ

أبَا ثَابِتٍ! إنّا إذَا تَسْبِقُنّنا،
سيرعدُ سرحٌ أوْ ينبَّهُ نائمُ

بمُشْعِلَة ٍ يَغْشَى الفِرَاش رَشاشُهَا،
يبيتُ لها ضوءٌ منَ النّارِ جاحمُ


تَقَرُّ بِهِ عَيْنُ الّذي كَانَ شَامِتاً،
وَتَبْتَلُّ مِنْهَا سُرّة ٌ وَمَآكِمُ


وتلقى حصانٌ تخدمُ ابنة َعمّها،
كما كانَ يلقى النّصفاتُ الخوادمُ

إذا اتّصلتْ قالتْ: أبكرَ بنَ وائلٍ،
وبكرٌ سبتها، والأنوفُ رواغمُ



، الحارث بن حلزة ،‘،
? - 54 ق. هـ / ? - 570 م

الحارث بن حِلِّزَة بن مكروه بن يزيد اليشكري الوائلي . شاعر جاهلي من أهل بادية العراق ، وهو أحد أصحاب المعلقات . كان أبرص فخوراً، ارتجل معلقته بين يدي عمرو بن هند الملك بالحيرة، جمع بها كثيراً من أخبار العرب ووقائعهم حتى صار مضرب المثل في الافتخار ، فقيل: أفخر من الحارث بن حلّزة .


معلقة :
الحارث بن حِلِّزَة اليشكري


آذَنَتْـنَـا بِبَيْنِهَـا أَسْمَـاءُ
رُبَّ ثَاوٍ يُمَـلُّ مِنْـهُ الثَّـوَاءُ

بَعْدَ عَهْـدٍ لَنَـا بِبُرْقَـةِ شَمَّـاءَ
فَأَدْنَـى دِيَارِهَـا الخَلْصَاءُ

فَالمُحَيَّـاةُ فَالصِّفَـاحُ فَأَعْنَـاقُ
فِتَـاقٍ فَعاذِبٌ فَالْوَفَـاءُ

فَرِيَـاضُ الْقَطَـا فَأَوْدِيَـةُ الشُّرْبُبِ
فَالشُّعْبَتَـانِ فَالأَبْـلاءُ

لا أَرَى مَنْ عَهِدْتُ فِيهَا فَأَبْكِي الــيَوْمَ
دَلْهَاً وَمَا يُحِيرُ البُكَاءُ

وَبِعَيْنَيْكَ أَوْقَـدَتْ هِنْـدٌ النَّـارَ
أَخِيرَاً تُلْـوِي بِهَـا العَلْيَاءُ

فَتَنَوَّرْتُ نَارَهَـا مِـنْ بَعِيـدٍ
بِخَزَازَى هَيْهَاتَ مِنْكَ الصِّلاءُ

أوْقَدَتْهَا بَيْنَ العَقِيـقِ فَشَخْصَيْــنِ
بِعُودٍ كَمَا يَلُوحُ الضِّيَاءُ

غَيْرَ أَنِّي قَدْ أَسْتَعِينُ عَلَى الْهَـمِّ
إذَا خَـفَّ بِالثَّـوِيِّ النَّجَاءُ

بِزَفُـوفٍ كَأَنَّـهَـا هِقْلَـةٌ أُمُّ
رِئَـالٍ دَوِّيَّـةٌ سَقْفَـاءُ

آنَسَـتْ نَبْـأَةً وَأَفزَعَهَـا القُــنَّاصُ
عَصْرَاً وَقَدْ دَنَا الإِمْسَاءُ

فَتَرَى خَلْفَهَا مِنَ الرَّجْـعِ وَالْوَقْــعِ
مَنِينَـاً كَأَنَّـهُ إِهْبَاءُ

وَطِرَاقَاً مِنْ خَلْفِهِـنَّ طِـرَاقٌ
سَاقِطَاتٌ أَلْوَتْ بِهَا الصَّحْرَاءُ

أَتَلَهَّـى بِهَا الْهَوَاجِرَ إِذْ كُلُّ ابْــنِ
هَـمٍّ بَلِيَّـةٌ عَمْيَـاءُ

وَأَتَانَا مِنَ الْحَـوَادِثِ وَالأَنْبَـاءِ
خَطْـبٌ نُعْنَـى بِهِ وَنُسَاءُ

إِنَّ إِخْوَانَنَـا الأَرَاقِـمَ يَغْلُـونَ
عَلَيْنَا فِي قِيلِهِـمْ إِحْفَـاءُ

يَخْلِطُونَ البَرِيءَ مِنَّا بِذِي الذَّنْــبِ
وَلا يَنْفَعُ الْخَلِيَّ الْخَلاءُ


زَعَمَوا أَنَّ كُلَّ مَنْ ضَرَبَ الْعَيْــرَ
مُـوَالٍ لَنَا وَأَنَّـا الوَلاءُ

أَجْمَعُوا أمْرَهُـمْ عِشَاءً فلَمَّـا
أَصْبَحُوا أَصْبَحَتْ لَهُمْ ضَوْضَاءُ

مِنْ مُنَادٍ وَمِنْ مُجِيبٍ وَمِنْ تَصْـهَالِ
خَيْلٍ خِلالَ ذَاكَ رُغَاءُ

أَيُّهَا النَّاطِـقُ الْمُرَقِّـشُ عَنَّـا
عِنْدَ عَمْـرٍو وَهَلْ لِذَاكَ بَقَاءُ

لا تَخَلْنَـا عَلَـى غَرَاتِـكَ إنَّـا
قَبْلُ مَا قَدْ وَشَى بِنَا الأَعْدَاءُ

فَبَقِينَـا عَلَى الشَّنَـاءَةِ تَنْمِيــنَا
حُصُـونٌ وَعِـزَّةٌ قَعْسَاءُ

قَبْلَ مَا الْيَوْمِ بَيَّضَتْ بِعُيُونِ
النَّــاسِ فِيهَا تَغَيُّـظٌ وَإِبَـاءُ

وَكَأَنَّ الْمَنُـونَ تَـرْدِي بِنَا أَرْعَنَ
جَوْناً يَنْجَابُ عَنْهُ الْعَمَاءُ

مُكْفَهِـرَّاً عَلَى الْحَـوَادِثِ لا تَرْتُوهُ
لِلدَّهْرِ مُـؤْيِدٌ صَمَّـاءُ

إِرَمِـيٌّ بِمِثْلِـهِ جَالَـتِ الْخَيْــلُ
وَتَأْبَى لِخَصْمِهَا الإِجْلاءُ

مَلِكٌ مُقْسِطٌ وَأَفْضَلُ مَنْ يَمـْـشِي
وَمِنْ دُونِ مَا لَدَيْهِ الثَّنَاءُ

أَيُّمَا خُطَّـةٍ أَرَدْتُـمْ فَأَدُّوهَــا
إِلَيْنَا تُشْفَى بِهَا الأَمْلاءُ

إِنْ نَبَشْتُمْ مَا بَيْنَ مِلْحَةَ فَالصَّاقِبِ
فِيهِ الأَمْوَاتُ وَالأَحْيَـاءُ




النابغة الذبياني ،‘،
؟؟ -18 ق .هـ - ؟؟ -605 م


هو زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني الغطفاني المضري ، أبو أمامة . شاعر جاهلي نصراني من الطبقة الأولى . له قصيدة يعدها البعض من المعلقات ، ومطلعها:



يا دار مية بالعلياء فالسند - أقوت وطال عليها سالف الأبد





‘، الأعشى ،‘،? - 7 هـ - ? - 628 م
ميمون بن قيس بن جندل من بني قيس بن ثعلبة الوائلي ، أبو بصير ، المعروف بأعشى قيس ،
ويقال له أعشى بكر بن وائل و الأعشى الكبير . من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية وأحد أصحاب المعلقات . كان كثير الوفود على الملوك من العرب، والفرس، غزير الشعر، يسلك فيه كلَّ مسلك، وليس أحدٌ ممن عرف قبله أكثر شعراً منه . وكان يُغنّي بشعره فسمّي (صناجة العرب) و كانت أشهر أبياته :

هريرة َ ودعها ، وإنْ لامَ لائمُ ، غداة َ غدٍ أمْ أنتَ للبينِ واجمُ

قال البغدادي: كان يفد على الملوك ولا سيما ملوك فارس فكثرت الألفاظ الفارسية في شعره .
عاش عمراً طويلاً وأدرك الإسلام ولم يسلم ، ولقب بالأعشى لضعف بصره ، وعمي في أواخر عمره. مولده ووفاته في قرية (منفوحة) باليمامة قرب مدينة الرياض وفيها داره وبها قبره .



قصيدة : هريرة َ ودعها ، وإنْ لامَ لائمُ


هريرة َ ودعها، وإنْ لامَ لائمُ،
غداة َ غدٍ أمْ أنتَ للبينِ واجمُ


لَقَدْ كَانَ في حَوْلٍ ثَوَاءٍ ثَوَيْتَهُ،
تقضّي لبناتٍ، ويسأمُ سائمُ


مبتَّلة ٌ هيفاءُ رودٌ شبابها،
لَهَا مُقْلَتَا رِئْمٍ وَأسْوَدُ فَاحِمُ


وَوَجْهٌ نَقِيُّ اللّوْنِ صَافٍ يَزينُهُ
معَ الحليِ لباتٌ لها ومعاصمُ


وَتَضْحَكُ عَنْ غُرّ الثّنَايَا، كأنّهُ
ذُرَى أُقْحُوَانٍ نَبْتُهُ مُتَنَاعِمُ


هيَ الهَمّ لا تَدْنُو، وَلا يَسْتَطِيعُها
منَ العيسِ إلاّ النّجياتُ الرّواسمُ


رَأَيْتُ بَني شَيْبَانَ يَظْهَرُ مِنْهُمُ
لقوميَ عمداً نغصة ٌ ومظالمُ


فإنْ تصبحوا أدنى العدوّ فقبلكمْ
مِنَ الدّهْرِ عَادَتْنَا الرِّبابُ وَدارِمُ


وسعدٌ وكعبٌ والعبادُ وطيءٌّ،
ودودانُ في ألفافها والأراقمُ


فما فَضّنا من صَانعٍ بَعْدَ عَهْدِكُمْ
فيطمعَ فينا زاهرٌ والأصارمُ


ولنْ تنتهوا حتى تكسّرَ بيننا
رِمَاحٌ بِأيْدِي شُجْعَة ٍ وَقَوَائمُ


وحتى يبيتَ القومُ في الصّفّ ليلة ً
يقولونَ نوّرْ صبحُ، واللّيلُ عاتمُ


وقوفاً وراءَ الطّعنِ، والخيلُ تحتهمْ،
تشدّ على أكتافهنّ القوادم


إذا ما سمعنَ الزّجرَ يمّمنَ مقدماً
عَلَيها أُسُودُ الزّارَتَينِ الضّرَاغِمُ


أبَا ثَابِتٍ أوْ تَنْتَمُونَ، فإنّمَا
يَهِيمُ لِعَيْنَيْهِ مِنَ الشرّ هَائِمُ


متى تلقنا، والخيلُ تحملُ يزّنا،
خناذيذَ منها جلّة ٌ وصلادمُ


فَتَلْقَ أُنَاساً لا يَخِيمُ سِلاحُهُمْ،
إذا كَانَ حمّاً للصّفِيحِ الجَماجمُ


وَإنّا أُنَاسٌ يَعْتَدِي البأس خَلفُنَا،
كمَا يَعتَدي المَاءَ الظماءُ الحَوَائِمُ


فَهَانَ عَلَيْنَا مَا يَقُولُ ابنُ مُسهِرٍ
برغمكَ إذْ حلّتْ علينا اللّهازمُ


يزيدُ يغضّ الطّرفَ دوني كأنّما
زَوَى بَينَ عَيْنَيْهِ عَليّ المَحَاجِمُ


فلا يَنبَسِطْ من بينِ عَينَيكَ ما انزَوَى،
وَلا تَلْقَني إلا وَأنْفُكَ رَاغِمُ


فأقسمُ باللهِ الّذي أنا عبدهُ،
لتصطفقنْ يوماً عليكَ المآتمُ


يَقُلْنَ حَرَامٌ مَا أُحِلّ بِرَبّنَا
وتتركُ أمولاً عليها الخواتمُ


أبَا ثَابِتٍ لا تَعْلَقَنْكَ رِمَاحُنَا،
أبَا ثَابِتٍ اقْعُدْ وَعِرْضُكَ سَالِمُ


أفي كُلّ عَامٍ تَقْتُلُونَ ونَتّدِي،
فتلكَ التّي تبيضّ منها المقادمُ


وَذَرْنَا وَقَوْماً إنْ هُمُ عَمَدوا لَنَا
أبَا ثَابِتٍ، وَاجْلِسْ فَإنّكَ نَاعِمُ


طَعامُ العِرَاقِ المُستَفيضُ الذي تَرى،
وفي كلّ عامٍ حلّة ٌ ودراهمُ


أتَأمُرُ سَيّاراً بِقَتْلِ سَرَاتِنَا،
وتزعمُ بعدَ القتلِ أنّكَ سالمُ

أبَا ثَابِتٍ! إنّا إذَا تَسْبِقُنّنا،
سيرعدُ سرحٌ أوْ ينبَّهُ نائمُ

بمُشْعِلَة ٍ يَغْشَى الفِرَاش رَشاشُهَا،
يبيتُ لها ضوءٌ منَ النّارِ جاحمُ


تَقَرُّ بِهِ عَيْنُ الّذي كَانَ شَامِتاً،
وَتَبْتَلُّ مِنْهَا سُرّة ٌ وَمَآكِمُ


وتلقى حصانٌ تخدمُ ابنة َعمّها،
كما كانَ يلقى النّصفاتُ الخوادمُ

إذا اتّصلتْ قالتْ: أبكرَ بنَ وائلٍ،
وبكرٌ سبتها، والأنوفُ رواغمُ



، الحارث بن حلزة ،‘،
? - 54 ق. هـ / ? - 570 م

الحارث بن حِلِّزَة بن مكروه بن يزيد اليشكري الوائلي . شاعر جاهلي من أهل بادية العراق ، وهو أحد أصحاب المعلقات . كان أبرص فخوراً، ارتجل معلقته بين يدي عمرو بن هند الملك بالحيرة، جمع بها كثيراً من أخبار العرب ووقائعهم حتى صار مضرب المثل في الافتخار ، فقيل: أفخر من الحارث بن حلّزة .


معلقة : الحارث بن حِلِّزَة اليشكري


آذَنَتْـنَـا بِبَيْنِهَـا أَسْمَـاءُ
رُبَّ ثَاوٍ يُمَـلُّ مِنْـهُ الثَّـوَاءُ

بَعْدَ عَهْـدٍ لَنَـا بِبُرْقَـةِ شَمَّـاءَ
فَأَدْنَـى دِيَارِهَـا الخَلْصَاءُ

فَالمُحَيَّـاةُ فَالصِّفَـاحُ فَأَعْنَـاقُ
فِتَـاقٍ فَعاذِبٌ فَالْوَفَـاءُ

فَرِيَـاضُ الْقَطَـا فَأَوْدِيَـةُ الشُّرْبُبِ
فَالشُّعْبَتَـانِ فَالأَبْـلاءُ

لا أَرَى مَنْ عَهِدْتُ فِيهَا فَأَبْكِي الــيَوْمَ
دَلْهَاً وَمَا يُحِيرُ البُكَاءُ

وَبِعَيْنَيْكَ أَوْقَـدَتْ هِنْـدٌ النَّـارَ
أَخِيرَاً تُلْـوِي بِهَـا العَلْيَاءُ

فَتَنَوَّرْتُ نَارَهَـا مِـنْ بَعِيـدٍ
بِخَزَازَى هَيْهَاتَ مِنْكَ الصِّلاءُ

أوْقَدَتْهَا بَيْنَ العَقِيـقِ فَشَخْصَيْــنِ
بِعُودٍ كَمَا يَلُوحُ الضِّيَاءُ

غَيْرَ أَنِّي قَدْ أَسْتَعِينُ عَلَى الْهَـمِّ
إذَا خَـفَّ بِالثَّـوِيِّ النَّجَاءُ

بِزَفُـوفٍ كَأَنَّـهَـا هِقْلَـةٌ أُمُّ
رِئَـالٍ دَوِّيَّـةٌ سَقْفَـاءُ

آنَسَـتْ نَبْـأَةً وَأَفزَعَهَـا القُــنَّاصُ
عَصْرَاً وَقَدْ دَنَا الإِمْسَاءُ

فَتَرَى خَلْفَهَا مِنَ الرَّجْـعِ وَالْوَقْــعِ
مَنِينَـاً كَأَنَّـهُ إِهْبَاءُ

وَطِرَاقَاً مِنْ خَلْفِهِـنَّ طِـرَاقٌ
سَاقِطَاتٌ أَلْوَتْ بِهَا الصَّحْرَاءُ

أَتَلَهَّـى بِهَا الْهَوَاجِرَ إِذْ كُلُّ ابْــنِ
هَـمٍّ بَلِيَّـةٌ عَمْيَـاءُ

وَأَتَانَا مِنَ الْحَـوَادِثِ وَالأَنْبَـاءِ
خَطْـبٌ نُعْنَـى بِهِ وَنُسَاءُ

إِنَّ إِخْوَانَنَـا الأَرَاقِـمَ يَغْلُـونَ
عَلَيْنَا فِي قِيلِهِـمْ إِحْفَـاءُ

يَخْلِطُونَ البَرِيءَ مِنَّا بِذِي الذَّنْــبِ
وَلا يَنْفَعُ الْخَلِيَّ الْخَلاءُ


زَعَمَوا أَنَّ كُلَّ مَنْ ضَرَبَ الْعَيْــرَ
مُـوَالٍ لَنَا وَأَنَّـا الوَلاءُ

أَجْمَعُوا أمْرَهُـمْ عِشَاءً فلَمَّـا
أَصْبَحُوا أَصْبَحَتْ لَهُمْ ضَوْضَاءُ

مِنْ مُنَادٍ وَمِنْ مُجِيبٍ وَمِنْ تَصْـهَالِ
خَيْلٍ خِلالَ ذَاكَ رُغَاءُ

أَيُّهَا النَّاطِـقُ الْمُرَقِّـشُ عَنَّـا
عِنْدَ عَمْـرٍو وَهَلْ لِذَاكَ بَقَاءُ

لا تَخَلْنَـا عَلَـى غَرَاتِـكَ إنَّـا
قَبْلُ مَا قَدْ وَشَى بِنَا الأَعْدَاءُ

فَبَقِينَـا عَلَى الشَّنَـاءَةِ تَنْمِيــنَا
حُصُـونٌ وَعِـزَّةٌ قَعْسَاءُ

قَبْلَ مَا الْيَوْمِ بَيَّضَتْ بِعُيُونِ
النَّــاسِ فِيهَا تَغَيُّـظٌ وَإِبَـاءُ

وَكَأَنَّ الْمَنُـونَ تَـرْدِي بِنَا أَرْعَنَ
جَوْناً يَنْجَابُ عَنْهُ الْعَمَاءُ

مُكْفَهِـرَّاً عَلَى الْحَـوَادِثِ لا تَرْتُوهُ
لِلدَّهْرِ مُـؤْيِدٌ صَمَّـاءُ

إِرَمِـيٌّ بِمِثْلِـهِ جَالَـتِ الْخَيْــلُ
وَتَأْبَى لِخَصْمِهَا الإِجْلاءُ

مَلِكٌ مُقْسِطٌ وَأَفْضَلُ مَنْ يَمـْـشِي
وَمِنْ دُونِ مَا لَدَيْهِ الثَّنَاءُ

أَيُّمَا خُطَّـةٍ أَرَدْتُـمْ فَأَدُّوهَــا
إِلَيْنَا تُشْفَى بِهَا الأَمْلاءُ

إِنْ نَبَشْتُمْ مَا بَيْنَ مِلْحَةَ فَالصَّاقِبِ
فِيهِ الأَمْوَاتُ وَالأَحْيَـاءُ




النابغة الذبياني ،‘،
؟؟ -18 ق .هـ - ؟؟ -605 م


هو زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني الغطفاني المضري ، أبو أمامة . شاعر جاهلي نصراني من الطبقة الأولى . له قصيدة يعدها البعض من المعلقات ، ومطلعها:



يا دار مية بالعلياء فالسند - أقوت وطال عليها سالف الأبد


لقب بالنابغة لأنه نبغ في الشعر بعد أن كبر وتقدمت به السن , وقيل بل لأنه قال: ( فقد نبغت لنا منهم شئون) . أما الدكتور يوسف خليف الذي كتب عنه وعن عصره في كتاب " الروائع من الأدب العربي" فيغلب عليه الظن بأنه لقب به لنبوغه في الشعر وتفوقه فيه . بل هو في رأيه قمة شامخة من قمم مدرسة الصنعة الجاهلية التي سمي أربابها بعبيد الشعر ـ لعكوفهم الطويل على تجويد شعرهم و نخله و تهذيبه ـ شأنه شأن زهير بن أبي سلمى و لبيد بن ربيعة و عبيد بن الأبرص . حتى لقد ارتضاه شعراء عصره حكما بينهم في سوق عكاظ (حيث كانت تضرب له قبة حمراء متميزة , ويأتيه الشعراء من شتى القبائل ليعرضوا عليه شعرهم) .وهو الذي حكم بتفضيل الخنساء على حسان بن ثابت في قصة له مأثورة.




معلقة : النابغة الذبياني



يَـا دَارَ مَيَّـةَ بالعَليْـاءِ ، فالسَّـنَـدِ
أَقْوَتْ ، وطَالَ عَلَيهَـا سَالِـفُ الأَبَـدِ

وقَفـتُ فِيهَـا أُصَيـلا كـي أُسائِلُهـا
عَيَّتْ جَوَاباً ، ومَا بالرَّبعِ مِـنْ أَحَـدِ

إلاَّ الأَوَارِيَّ لأْيــاً مَــا أُبَيِّنُـهَـا
والنُّؤي كَالحَوْضِ بالمَظلومـةِ الجَلَـدِ

رَدَّتْ عَلـيَـهِ أقَاصِـيـهِ ، ولـبّـدَهُ
ضَرْبُ الوَلِيدَةِ بالمِسحَـاةِ فِـي الثَّـأَدِ

خَلَّـتْ سَبِيـلَ أَتِـيٍّ كَـانَ يَحْبِسُـهُ
ورفَّعَتْـهُ إلـى السَّجْفَيـنِ ، فالنَّضَـدِ


أضحتْ خَلاءً ، وأَضحى أَهلُهَا احْتَمَلُوا
أَخْنَى عَليهَا الَّذِي أَخْنَـى عَلَـى لُبَـدِ

فَعَدِّ عَمَّا تَـرَى ، إِذْ لاَ ارتِجَـاعَ لَـهُ
وانْـمِ القُتُـودَ عَلَـى عَيْرانَـةٍ أُجُـدِ


مَقذوفَةٍ بِدَخِيـسِ النَّحـضِ ، بَازِلُهَـا
لَهُ صَريفٌ ، صَريفُ القَعْـوِ بالمَسَـدِ

كَأَنَّ رَحْلِي ، وَقَـدْ زَالَ النَّهَـارُ بِنَـا
يَومَ الجليلِ ، عَلَـى مُستأنِـسٍ وحِـدِ


مِنْ وَحشِ وَجْرَةَ ، مَوْشِـيٍّ أَكَارِعُـهُ
طَاوي المَصِيرِ ، كَسَيفِ الصَّيقل الفَرَدِ

سَرتْ عَلَيهِ ، مِنَ الجَوزَاءِ ، سَارِيَـةٌ
تُزجِي الشَّمَالُ عَلَيـهِ جَامِـدَ البَـرَدِ


فَارتَاعَ مِنْ صَوتِ كَلاَّبٍ ، فَبَاتَ لَـهُ
طَوعَ الشَّوَامتِ مِنْ خَوفٍ ومِنْ صَرَدِ

فبَثّهُـنَّ عَلَـيـهِ ، واستَـمَـرَّ بِــهِ
صُمْعُ الكُعُوبِ بَرِيئَـاتٌ مِـنَ الحَـرَدِ

وكَانَ ضُمْرانُ مِنـهُ حَيـثُ يُوزِعُـهُ
طَعْنَ المُعارِكِ عِندَ المُحْجَـرِ النَّجُـدِ

شَكَّ الفَريصـةَ بالمِـدْرَى ، فَأنفَذَهَـا
شك المُبَيطِرِ ، إِذْ يَشفِي مِـنَ العَضَـدِ

كَأَنَّه ، خَارجَا مِـنْ جَنـبِ صَفْحَتِـهِ



، أوس بن حَجَر ،‘،
95 - 2 ق. هـ / 530 - 620 م

أوس بن حجر بن مالك التميمي أبو شريح.شاعر تميم في الجاهلية، أو من كبار شعرائها، أبوه حجر هو زوج أم زهير بن أبي سلمى ، كان كثير الأسفار ، وأكثر إقامته عند عمرو بن هند في الحيرة. عمّر طويلاً ولم يدرك الإسلام. في شعره حكمة و رقة ، وكانت تميم تقدمه على سائر الشعراء العرب . وكان غزلاً مغرماً بالنساء.



قصيدة : ودّعْ لميسَ وداعَ الصّـارمِ اللاحِـي

ودّعْ لميسَ وداعَ الصّـارمِ اللاحِـي
إذْ فنّكتْ في فسـادٍ بعـدَ إصْـلاحِ

إذْ تستبيـكَ بمصقـولٍ عوارضُـهُ
حمشِ اللّثاتِ عذابٍ غيـرِ ممـلاحِ

وقدْ لهـوتُ بمثـلِ الرّثـمِ آنسـة ٍ
تُصْبي الحليمَ عَرُوبٍ غير مِكْـلاحِ

كأنّ رِيقَتَها بعـد الكَـرَى اغْتَبَقَـتْ
من ماءِ أصْهَبَ في الحانوتِ نَضّاحِ

أوْ مـنْ معتّقـة ٍ ورهـاءَ نشوتُهـا
أوْ مـنْ أنابيـبِ رمّـانٍ وتـفّـاحِ

هبّتْ تلومُ وليستْ ساعـة َ اللاحـي
هلاّ انتظرتِ بهذا اللّـومِ إصباحـي

إنْ أشْرَبِ الخَمْرَ أوْ أُرْزَأ لها ثمَنـاً
فلا محالَـة َ يومـاً أنّنـي صاحـي

ولا محالَـة َ مـنْ قبـرٍ بمحنـيـة
ٍ وكفـنٍ كسـرَاة ِ الثـورِ وضّـاحِ

دَعِ العَجوزَيْـنِ لا تسمـعْ لِقِيلهمـا
وَاعْمَدْ إلى سيّدٍ في الحيّ جَحْجـاحِ

كـانَ الشّبـابُ يلهِّينـا ويعجبُـنَـا
فَمَـا وَهَبْنـا ولا بِعْنـا بِـأرْبَـاحِ

إنّي أرقتُ ولمْ تأرقْ معِي صاحـي
لمستكـفٍّ بعيـدَ الـنّـومِ لــوّاحِ

قد نمتَ عنّي وباتَ البرقَ يُسهرنـي
كما استْتَضـاءَ يَهـوديٌّ بِمِصْبـاحِ

يا منْ لبـرقٍ أبيـتُ اللّيـلَ أرقبُـهُ
في عارِضٍ كمضيءِ الصُّبحِ لمّـاحِ

دانٍ مُسِـفٍّ فوَيـقَ الأرْضِ هَيْدبُـهُ
يَكـادُ يَدفَعُـهُ مَـن قـامَ بِالـرّاحِ



الخاتمة:









رد مع اقتباس
قديم 2012-02-11, 13:51   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

، حاتَم الطائي ،‘،
? - 46 ق. هـ / ? - 577 م


حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج الطائي القحطاني ، أبوعدي . شاعر جاهلي ، من قبيلة طيء فارس جواد يضرب المثل بجوده . كان من أهل نجد ، وزار الشام فتزوج من ماوية بنت حجر الغسانية ، ومات في عوارض (جبل في بلاد طيء) يعتبر أشهر العرب بالكرم و الشهامة ويعد مضرب المثل في الجود و الكرم. كان يدين بالمسيحية ، سكن وقومه في بلاد الجبلين ( أجا و سلمى ) التي تسمى الآن منطقة حائل ، وتقع شمال السعودية . توجد بقايا أطلال قصره وقبره في بلدة توارن في حائل .



قصيدة : مهلاً نـوار، اقلـي اللـوم والعـذلا،


مهلاً نـوار، اقلـي اللـوم والعـذلا،
ولا تقولي، لشيء فات، مـا فعـلا؟

ولا تقولـي لمـال، كنـت مهلكـه،

مهلاً، وإن كنت أعطي الجن والخبـلا

يرى البخيل سيـل المـال واحـدة ،
إن الجواد يرى ، فـي مالـه، سيـلا

إن البخيـلَ، إذا مـا مـات، يتبعـه

سُوءُ الثّناءِ، ويحوي الـوارِثُ الإبِـلا

فاصدقْ حديثـك، إن المـرء يتبعـه
ما كان يَبني، إذا مـا نَعْشُـهُ حُمِـلا

لَيـتَ البخيـلَ يـراهُ النّـاسُ كُلُّهُـمُ
كما يراهم، فـلا يقـرى ، إذا نـزلا

لا تعذليني على مـال وصلـت بـهِ
رحماً، وخير سبيل المال مـا وصـلا

يَسعى الفتى ، وحِمامُ الموْتِ يُدرِكُـه
ُ وكلُّ يوْمٍ يُدَنّـي، للفتـى ، الأجَـلا

إني لأعلـم أنـي سـوف يدركنـي
يومي، أصبح، عن دنيـاي، مشتغـلا

فليتَ شعري، وليـتٌ غيـرُ مُدرِكـة
ٍ لأيّ حالٍ بهـا أضْحَـى بنُـو ثُعَـلا

أبلـغْ بنـي ثعـل عنـي مغلغلـة ،
جهد الرسالـة لا محكـاً، ولا بطـلا

أغزوا بني ثعـل، فالغـزو حظكـم،
عُدّوا الرّوابي ولا تبكوا لمـن نكَـلا

ويهـاً فداؤكـم أمـي ومـا ولـدتْ،
حامُوا على مجدِكم، واكفوا من اتّكـلا




، زُهَير بن أبي سُلمَى ،‘،
? - 13 ق. هـ / ? - 609
م


زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رباح المزني ، من مُضَر . حكيم الشعراء في الجاهلية و في أئمة الأدب من يفضّله على شعراء العرب كافة . قال ابن الأعرابي : كان لزهير من الشعر ما لم يكن لغيره . كان أبوه شاعراً، وخاله شاعراً، وأخته سلمى شاعرة، وابناه كعب و بجير شاعرين ، وأخته الخنساء شاعرة . ولد في بلاد مُزَينة بنواحي المدينة وكان يقيم في الحاجر (من ديار نجد) ، واستمر بنوه فيه بعد الإسلام . قيل: كان ينظم القصيدة في شهر وينقحها ويهذبها في سنة فكانت قصائده تسمّى (الحوليات)، أشهر شعره معلقته .



معلقة : زهير بن أبي سلمى

أَمِـنْ أُمِّ أَوْفَـى دِمْنَـةٌ لَـمْ تَكَـلَّـمِ
بِحَوْمَـانَـةِ الــدُّرَّاجِ فَالمُتَـثَـلَّـمِ

وَدَارٌ لَـهَـا بِالرَّقْمَتَـيْـنِ كَأَنَّـهَـا
مَرَاجِيْعُ وَشْمٍ فِـي نَوَاشِـرِ مِعْصَـمِ

بِهَـا العِيْـنُ وَالأَرْآمُ يَمْشِيـنَ خِلْفَـةً
وَأَطْلاؤُهَا يَنْهَضْنَ مِـنْ كُـلِّ مَجْثَـمِ

وَقَفْتُ بِهَا مِنْ بَعْـدِ عِشْرِيـنَ حِجَّـةً
فَلأيَـاً عَرَفْـتُ الـدَّارَ بَعْـدَ تَوَهُّـمِ

أَثَافِيَ سُفْعـاً فِـي مُعَـرَّسِ مِرْجَـلِ
وَنُؤْيـاً كَجِـذْمِ الحَـوْضِ لَـمْ يَتَثَلَّـمِ

فَلَمَّا عَرَفْـتُ الـدَّارَ قُلْـتُ لِرَبْعِهَـا
أَلاَ أَنْعِمْ صَبَاحاً أَيُّهَـا الرَّبْـعُ وَاسْلَـمِ

تَبَصَّرْ خَلِيْلِي هَلْ تَرَى مِـنْ ظَعَائِـنٍ
تَحَمَّلْنَ بِالْعَلْيَـاءِ مِـنْ فَـوْقِ جُرْثُـمِ

جَعَلْنَ القَنَـانَ عَـنْ يَمِيـنٍ وَحَزْنَـهُ
وَكَمْ بِالقَنَـانِ مِـنْ مُحِـلٍّ وَمُحْـرِمِ

عَلَـوْنَ بِأَنْمَـاطٍ عِـتَـاقٍ وكِـلَّـةٍ
وِرَادٍ حَوَاشِيْهَـا مُشَاكِـهَـةُ الــدَّمِ

وَوَرَّكْنَ فِي السُّوبَـانِ يَعْلُـوْنَ مَتْنَـهُ
عَلَيْـهِـنَّ دَلُّ النَّـاعِـمِ المُتَـنَـعِّـمِ

بَكَرْنَ بُكُـورًا وَاسْتَحْـرَنَ بِسُحْـرَةٍ
فَهُـنَّ وَوَادِي الـرَّسِّ كَالْيَـدِ لِلْـفَـمِ

وَفِيْهِـنَّ مَلْهَـىً لِلَّطِيْـفِ وَمَنْـظَـرٌ
أَنِيْـقٌ لِعَيْـنِ النَّـاظِـرِ المُتَـوَسِّـمِ

كَأَنَّ فُتَاتَ العِهْـنِ فِـي كُـلِّ مَنْـزِلٍ
نَزَلْنَ بِـهِ حَـبُّ الفَنَـا لَـمْ يُحَطَّـمِ

فَلَمَّـا وَرَدْنَ المَـاءَ زُرْقـاً جِمَامُـهُ
وَضَعْنَ عِصِـيَّ الحَاضِـرِ المُتَخَيِّـمِ

المصدر: من عدة مصادر










رد مع اقتباس
قديم 2012-02-11, 14:00   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

دراسات في الشعر الجاهلي
ليوسف خليف
************************************************** ***
الفصل الأول

الشعر الجاهلي بين الرواية والتدوين



القضية التي يبدو انها اصبحت لا تقبل جدلا حولها

هي ان العرب في العصر الجاهلي كانوا يعرفون الكتابة

وهي قضية ثابتة بشهادة الواقع التاريخي من ناحية

وشهادة النصوص الادبية من ناحية اخرى

فالجزيرة العربية لم تكن متخلفة حضاريا ولم تكن بمعزل عن الحضارات المجاورة لها

كما صورها الباحثون القدماء ..



والنقطة الحاسمة في الموضوع ان مجتمع الجزيرة العربية

كان يعرف اسلوبين مختلفين من الحياة الاجتماعية:

احدهما مجتمع البادية وكانت وحدة الحياة فيه القبيلة المتنقلة

والاخر مجتمع المدن وكانت وحدة الحياة فيه القبيلة المستقرة

ومما لا شك فيه ان الكتابة كانت معروفة في مجتمع المدن

وبخاصة المدن التجارية..

ففي مثل هذه المدن تكون الكتابة امرا حيويا لابد منه لقيام حياة

اقتصادية منظمة بها..



وهذه المسألة اصبحت مقررة بين الباحثين ولم تعد موضع نظر بينهم

وانما المشكلة تتركز في مجتمع البادية والى اي مدة كانت الكتابة منتشرة فيه

وقد حاول بعض الباحثين امثال كرنكو و بلاشير

ان يثبتوا انتشار الكتابة في مجتمع البادية

ولكن الادلة التي جاءوا بها كانت هزيلة

وانه من النادر حتى في ايامنا هذه ان نجد بين البدو من يعرف القراءة والكتابة



وحتى في المدن التي انتشرت فيها الكتابة

لم تكن الكتابة تستخدم الا في مجالات محدودة

وذلك لانها لم تأخذ شكل ظاهرة حضارية بقدر ما اخذت شكل ظاهرة حيوية

فقد كانت ضرورة حيوية ظهرت في المجتمع لتفي ببعض احتياجاته الاساسية

وعلى وجه التحديد فقد استخدمت الكتابة في:

تسجيل الديون و تدوين الصكوك و قيد المعاملات المالية

و اثبات حسابات البيع و الشراء وفوائد الربا




وقد وقف ناصر الدين الاسد طويلا امام هذه المسألة وحاول ان يستقصي

المجالات التي كانت تستخدم فيها الكتابة في العصر الجاهلي

ونحن لا ننكر عليه محاولاته ولا نختلف معه فيما انتهى اليه من نتائج

وانما موضوع الخلاف يتركز حول ما ذهب اليه من محاولة

لاثبات ان الكتابة كانت تستخدم لتدوين الشعر في هذا العصر ..

نستكمل الفصل الاول ..


ونحن لا ننكر ان من الشعراء الجاهليين من عرفوا الكتابة

ولكن هذا لا يعني مطلقا ان العرب دونوا الشعر في ذلك العصر

وشغلوا بتدوينه او حتى فكروا في ذلك

وذلك لأن مثل هذا العمل يستلزم مستوى حضاريا معينا

تكون فيه الكتابة ظاهرة حضارية وليست مجرد ظاهرة حيوية

وهذا مالم يكن متوفرا في العصر الجاهلي..



ومن هنا كنا لانطمئن الى قصة كتابة المعلقات وتعليقها على استار الكعبة

وهذا الخبر مصدره ابن عبد ربه في القرن الرابع الهجري

ولم يقل به احد قبله

فأين كان الرواة الذين جمعوا الشعر الجاهلي و اخباره؟

وكيف اغفلوا ذكرها

ولم يذكرها حماد وهو الذي قام بجمع هذه المعلقات؟

واين كانت هذه المعلقات حين دخل النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة ؟

وكيف كان مصيرها؟؟

نستكمل الفصل الاول ...


لم تكن الكتابة اذن وسيلة لتدوين الشعر في العصر الجاهلي

وان تكن قد استخدمت في ظروف معينة لتدوين بعض قصائد ومقطوعات منه

وهي قصائد ومقطوعات لا نملك دليلا على انها وصلت الى عصر التدوين مكتوبة

اما الاغلبية المطلقة من نصوص هذا الشعر فقد احتفظ بها الرواة في ذاكرتهم

وتناقلوها عبر الاجيال عن طريق الرواية الشفوية

وهي حقيقة تجد تأييدا لها فيما يقرره ابن سلام


كانت الرواية الشفوية اذن الوسيلة الاساسية لحفظ الشعر الجاهلي

وكان لكل شاعر راوٍ أو رواة يلازمونه ويأخذون عنه شعره

ثم يتولون اذاعته بين الناس

وكان هؤلاء الرواة عادة من ناشئة الشعراء الذين يلازمون كبارهم

لا من اجل الرواية فحسب وانما من اجل تعلم الشعر

وهم غالبا من اسرة الشاعر او قبيلته

واحيانا هم غرباء عن القبيلة ...



والواقع أن دور الراوي كان خطيرا

فهو الذي ينقلنا من حالة انتشار فوضوية الى حالة جمع مرتب للاثار الشعرية

كما يقول بلاشير

وكانت مهمته الاساسية معاونة الشاعر على نشر قصائده بين الجماهير

ولكنه في بعض الاحيان كان يعينه على انشائها

ويصحح ما بها من خطأ ويقوم ما اعوج منها

فإذا ما ودع الشاعر الحياة اصبح الراوي الامين على تراثه الفني

والمسئول لا عن نشره واذاعته بين الناس فحسب

وانما ايضا عن جمعه واعلان الظروف والمناسبات التي أوحت به ...



ومعنى هذا ان مهمة الراوي لم تكن تنتهي بانتهاء حياة شاعره

بل كانت تزداد اهمية وخطرا

اذ يصبح مسئولا امام التاريخ الادبي عن حمل امانة الكلمة والحفاظ عليها

وتسليمها للأجيال التالية سليمة كاملة كما سلمها صاحبها اليه










رد مع اقتباس
قديم 2012-02-11, 14:02   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

دراسة في الشعر الجاهلي \ بقلم فالح الحجية


طبقات الشعراء الجاهليين)


الشعراء الجاهليون اجمالا يمكن حصر امكاناتهم ونتاجاتهم ومكانتهم في عصرهم في ثلاث طبقات الاولى اولئك الذين كرسوا حياتهم في قول الشعر

واتخذوه حرفة لهم فهم يتغنون فيه وبكل ماجاؤا به من قصائد رائعة التنسيق والحبك والبلاغة وقد ملىء شعرهم بالصور الشعرية والاخيلة فهم قادرون على التعبير بمتا يختلج في انفسهم من عاطفة جياشة وفي قومهم باصدق تعبير ومنهم من صاغ الحكمة شعرا باحسن اسلوب وامتن عبارة واصدق احساس فهم الشعراء الفحول واصحاب المعلقات ومن شاكلهم
اما الطبقة الثانية فهم الذين لا يقولون الشعر الا عابرا او عن قلة فهم يقولون القصيدة مترجمين ما في نفوسهم من احساس او عاطفة قوية فيهم او اثر حادثة او حالة المت بهم ويغلب على شعر هؤلاء صفة السرد او الخبر الا انه لا يخلو من مقطوعات شعرية قيمة جدا
اما الطبقة الثالثة فهي طبقة الشعراء الصعاليك وهو طبقة نشاءت بين الطبقيتين وسموا بالصعاليك لفقرهم – لاحظ كتابي في الادب والفن -- المراءة في الشعر الجاهلي – وقد عاش الصعاليك على الغزو وتحدي المصاعب وحب المغامرة وكانوا يمقتون الاغنياء البخلاء ويستبيحون اموالهم ويقسمونها بينهم
وهؤلاء الصعاليك يفخرون بكبريائهم ويمتازون يخفة حركاتهم وتنقلهم وعدم مبالاتهم في حهم للمال فهم يسيرون على نهج – كل يوم له رزقه - فلا يدخرون مالا ولا يحسبون لغد حساب فان لم يجدوا طعاما لهم في يوم من الايام اخذوه بالاغارة والقتال



مكانة الشعراء الجاهليين
-------------
الشاعر العربي يتميز بمكانته العالية المرموقة في قومه وعند قبيلته او القبائل الاخرى تبعا لقوة شاعريته واشتهاره بين القبائل فكما كان يقال فلان فارس القبيلة الفلانية يقال فلان شاعرها واذا نبغ في القبيلة شاعر او ابدع في القصيد كان ذلك مدعاة للفرح والابتهاج به واقامة الحفلات والتكريم له فيما تتقدم القبائل الاخرى للتهنئة لقبيلته وذلك لان الشاعر بمثابة الفارس حا مي الاعراض فهو لسان قومه الذي يتكلم عنهم في المجتمعات والوفود وفي المناظرات والمواسم والاسواق حيث كانت اسواق الشعر قائمة ورائجة مثل سوق عكاظ وسوق المربد خيرشاهد على ذلك و هومقوي عزيمة قومه في الحرب وناقل الاخبار ويمكن القول بان الشاعر في الجاهلية بمثابة الصحيفة هذا اليوم تنشر كل خبر يقع وتنتصرلوجهة نظر محرريها اواحزابهم والعاملين فيها اوما انشئت لاجله .

خصائص الشعر العربي
----------------------
اختص الشعر العربي الجاهلي بتمثيل الحياة في الجزيرة العربية التي قيل فيها و يمثل صورة صادقة واضحة المعالم والملامح لحياة المجتمع البدوي في صور نابعة من حياة العربي ذاته فنلاحظ في الشعرالجاهلي الخيام والاطلال والحلو الترحال والابل والصحراء المجدبة والرمال المحرقة وما يعتريها اثناء جريان الرياح وفيه تتجسد معالم عادات القوم من غزو وحب وثأر وشجاعة وحفظ للجوار فالشعر تجسيد حي لمشاعرالشاعر في قومه وما يعتمل في نفسه من عاطفة وحب وكره وبغض وحكمة ورثاء ووصف لما تقع عينه عليه اويؤثر في نفسيته مثل وصف لحيوان او مكان او اطلال
ويمتاز الشعر العربي بانه يمثل صورا جلية واضحة لاعمال القوم ويمتاز بمتانة شعرية عالية وباسلوب قوي تظهر البداوة فيه جلية الا ما ندر حيث شعراء الحاضرة وبالاضافةالى ذلك فهو ديوان العرب ففيه تاريخ العرب وانسابهم ووقائعهم وحكمهم وادابهم
وقد تحدى الشعر الجاهلي عواقب ونوائب الزمن وطول المدى فهو خالد على مرور الدهر وما زالت هذه الاشعار والقصائد حية بكل معاني الحياة وتعبر في بعض الاحيان عن حالة الانسان في هذا القرن وعاطفته لحد الان وستبقى تمثل نفسية الانسان العربي ونوازعه وما يعتمل في قلبه من عواطف ومشاعرواحاسيس.











رد مع اقتباس
قديم 2012-02-11, 14:47   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

جذور (جينالوجيا) الشعر الجاهلي دراسة في نقد النقد - د. محمد بلوحي*
إن بداية ظهور الفن بعامة والشعر بخاصة عند الإنسان قضية موغلة في القدم، لا يمكن الجزم فيها بحكم، ولا سيما أن الأدلة المادية قليلة، أو منعدمة في بعض المواطن، فإذا أراد الباحث أن يقارب تراثاً شعرياً كتراثنا الجاهلي – اعتمد في الحفاظ عليه على الرواية الشفهية التي تنازعتها الأهواء والعصبيات – فإنه سيصطدم أول ما يصطدم بتباين الآراء والقراءات وتضاربها، وكل قراءة تدعي لنفسها ملك حقيقة الفصل في قضية بداية ظهور الشعر الجاهلي.

اختلف القدماء من الرواة والمدونين والنقاد في أولية الشعر الجاهلي، وألقت هذه القضية بثقلها على القراءات الحديثة، بل وجدت فيها كثيراً من الأقلام ميداناً يجب التمحيص فيه والتدقيق، بالعودة إلى المصنفات التراثية، بل وإلى الكتب المقدسة علّها تجد نصوصاً تقوي بها حجتها وتدعم بها مذهبها.

يرجع اختلاف القدماء في هذه المسألة بالأساس إلى الزخم الذي واكب عملية التدوين في العصر العباسي، والتي كان يهدف من ورائها دارسو الشعر الجاهلي إلى تدوين أكبر قدر ممكن من الأخبار والأشعار قبل اندثارها بذهاب حامليها من الرواة، وكان هدفهم الجمع أولاً ثم التمحيص ثانياً، وذلك بخلاف تدوين الحديث النبوي الشريف الذي راعى فيه المحدثون مقاييس جنبت كثيراً تدوين ما وضع على رسول الله كذباً وذلك من أجل المحافظة على المصدر الثاني من مصادر الشريعة الإسلامية. كان القصد من وراء تدوين أخبار شعراء الجاهلية وشعرهم المحافظة على اللغة الصحيحة لوضع قواعدها، وضبط أحكامها، وكان هذا الاهتمام بالتدوين يقع في الدرجة الثانية إذا ما قورن بمسألة الحديث النبوي التي تتعلق بالشريعة، بل كان بعض الرواة والمدونين يرون أنّ تدوين أخبار الشعراء الجاهليين وأشعارهم لا يرقى إلى مسألة تدوين الحديث النبوي الشريف.

لقد فصل بعض القدماء في مسألة أولية الشعر العربي، فذهبوا إلى أن عمره يمتد بين القرن والقرنين قبل ظهور الإسلام على أكثر تقدير، إذ نجد الجاحظ يقرر أن عمر الشعر العربي قصير بالمقارنة مع عمر الإنسانية السحيق، فهو "حديث الميلاد، صغير السن، أول من نهج سبيله، وسهل الطريق إليه، امرؤ القيس بن حجر، ومهلهل بن ربيعة.. فإذا استظهرنا الشعر، وجدنا له إلى أن جاء الله بالإسلام – خمسين مئة عام – وإذا استظهرنا بغاية الاستظهار فمئتي عام"(1)، أما ابن سلام الجمحي فيروي عن عمر بن شبة أنه ليس "للشعر والشعراء أول يوقف عليه، وقد اختلف في ذلك العلماء، وادعت القبائل كل قبيلة لشاعرها أنه الأول.. فادعت اليمانية لامرئ القيس، وبنو أسد لعبيد بن الأبرص، وتغلب لملهل، وبكر لعمرو بن قميئة والمرقش الأكبر، وإياد لأبي دواد.. وزعم بعضهم أن الأفوه الأودي من أقدم هؤلاء، وأنه أول من قصد القصيد، قال: وهؤلاء النفر المدعى لهم التقدم في الشعر متقاربون، لعل أقدمهم لا يسبق الهجرة بمئة سنة أو نحوها"(2)، ولم تقتصر الإشارة إلى هذه المسألة عند هذين العلمين، بل نجد أن جل الرواة قد ألمحوا إليها في مصنفاتهم ضمن أخبارهم أو تعاليقهم، ولكنهم أشاروا إلى المسألة دون الخوض والتمحيص فيها والتقليب في مضمونها.

يدرك المتأمل في هذه الروايات والأخبار أن جلها يتفق على فترة التأريخ لعمر الشعر الجاهلي ما بين القرن والقرنين كبداية للشعر العربي، وهذا ما جعل المستشرق كارل نارلينو ينتصر لقول الجاحظ ومن ذهب مذهبه من "العلماء العرب الذين قالوا بمدة مئة وخمسين سنة تقريباً للشعر الجاهلي، لم يبعدوا عن الصواب إذا فرضنا أنهم أرادوا بذلك ما وصل إلينا من الأشعار القديمة" 3-إن هذه الإشارة الأخيرة في النص يقرن فيها فرضية هذا المنحى بفرض أن هذا الاتجاه صائب إذا أراد به أصحابه ما وصل إلينا من الأشعار القديمة، أما إذا أخذنا بما لم يصل إلينا، فذاك ما يفتح باب القول بأن المدة التي أشارت إليها المصنفات القديمة والتي ذكرنا بعضها فيما سبق غير دقيقة وغير معبرة عن أوليات الشعر العربي القديم.

فالتضارب الذي وسم مواقف الكثير من القدماء من إشكالية أولية الشعر العربي هو الذي فتح المجال أمام الكثير من المستشرقين لإبداء تحفظ كبير حيال الجزم في هذه الإشكالية، والقول بأنه "ليس من الواضح متى بدأ العرب في نظم الشعر، فبعضهم يرجعه إلى آدم، والبعض يدعي تقديم قصائد من عهد إسماعيل وعلى الرغم من أن ملوك جنوب الجزيرة العربية ألّفوا نقوشهم بلغاتهم ولهجاتهم، فإن الأشعار التي اهتموا بنظمها، حسبما يقول الأثريون المسلمون، إنما كتبت بالعربية التي كتب بها القرآن، لكن يبدو أن الرأي العام يقرر أن الشعر العربي- على الشكل الذي استقر عليه فيما بعد – بدأ قبل ظهور الإسلام ببضعة أجيال قليله"(4) فالشك هو المقياس الأساس الذي تبناه المستشرقون منذ البداية في التعامل مع هذه الإشكالية التي اعتمدت جل أطروحاتها على موروث استعان في نقله له بالرواية الشفهية التي لا ترقى إلى مقام الدليل الموثق سندا، أو ماديا بواسطة الكشوف الحفرية أو المخطوطات الموثقة.

إذا كانت بعض الدراسات العربية الحديثة تسعى جاهدة إلى القول بأن جذور الشعر العربي موغلة في القدم، فإن كثيراً من المستشرقين وبخاصة مرجوليوث على وجه الخصوص حاولوا إثبات أن البداية الحقيقية للشعر العربي إنما ظهرت بعد الإسلام لا قبله "والكمية الهائلة من النقوش التي ترجع إلى ما قبل الإسلام والتي نملكها الآن مكتوبة بعدة لهجات، ليس فيها شيء من الشعر.. ولا يمكن أن تستنتج من النقوش العربية أنه كانت لدى العرب أية فكرة عن النظم أو القافية، على الرغم من أن حضارتهم في بعض النواحي كانت متقدمة جداً.. فإن كان القرآن يتحدث عن الشعر على أنه شيء يحتاج إلى تعلم، فمن المعقول أن نفترض أنه يشير إلى تلك الصنعة التي تستلزم العلم بالأبجدية، لأن القافية العربية تقوم في تكرار نفس المجموعة من الحروف الساكنة، والعلم بنظام نحوي، لأن النظم يتوقف على الفارق بين المقاطع الطويلة والقصيرة، وارتباط بعض النهايات ببعض المعاني، فيمكن إذن أن يكون ما يشهد عليه القرآن هو أنه قبل ظهوره كان بين العرب الكهان المعروفين بأنهم شعراء، ومن المحتمل أن لغتهم كانت غامضة، كما هي الحال لأي ألوان الوحي"(5) وهذا الاستنتاج يقوم على قاعدة فيلولوجية طبقها المستشرقون في دراستهم للشعر العربي القديم.

فمفهوم الشعر والشعراء في الجاهلية والملتبس بكلام وتعاويذ الكهان، وما كان يصدر عنهم من كلام مسجوع مبني على نغم موسيقي متجانس وإيقاع متناغم يتداخل في كثير من الصفات مع الإيقاع الشعري الجاهلي هو الذي خَيّل لمرجوليوث وجعله يقرّ ويؤكد أن الذي نَصّ عليه القرآن من شعر ما هو إلا سجع الكهان، وشتان بين ما هو شعر وما هو سجع الكهان، وأنهما جنسان وإن التقيا في بعض الخصوصيات التعبيرية فإنهما يختلفان في الكثير منها، لذلك فإن مذهب مرجوليوث يحتاج إلى سند علمي يؤكده، وإلا كان الحكم مبنياً على فرضيات تخمينية لا تجد من النصوص ما تشد به عضدها.

إن إشارة المستشرق كارل نالينو فتحت الباب أمام القراءة العربية الحديثة لتتجاوز الروايات والأخبار القديمة، وتؤسس لقراءة تذهب إلى أن أولية الشعر العربي القديم موغلة في القدم، بل القول أن أول شاعر عربي كان نبياً، وذلك إشارة إلى سيدنا إسماعيل عليه السلام، فنجد نجيب محمد البهبيتي يعنون الفصل التاسع من مؤلفه 6 بأن أبا الشعر العربي الأول نَبيّ وهو "إسماعيل أبو الشعر العربي نشأ بعمله في العاربة، واتخذ أول أشكاله على صورة أناشيد يتغنى بها المصلون في صلاتهم بالمعبد، ينظمها لهم إمامهم الديني الذي تولى قيادتهم الدينية بعد أن ترك أبوه له رعايتهم وتعليمهم دين التوحيد الجديد.. ولذا وجد إسماعيل نفسه مسؤولاً عن الصغيرة والكبيرة فيه فهو الإمام، وهو ناظم الأناشيد، وهو مرتلها، والمصلون من ورائه يرددون، والصلاة في المعابد الأولى كلها كانت أناشيد منظومة، تُغنى وتصحبها الموسيقى وإسماعيل هو الموجه لهذا كله، وهو القائم به وعليه. وقد أكسب هذا الماضي الأول الشعر قدسية النبي التي لزمته حتى آخر العهد الجاهلي حتى إن العرب الذين لقنوا هذا المعنى في تاريخهم كله لما تقدم إليهم النبي بالقرآن باعتباره وحيا من الله قالوا له: بل هو شعر مثل الذي كان يُوحى من قبله للشعراء، فشأنه فيما أوحي إليه شأن غيره من الشعراء فيما يوحى إليهم: أي يدافعونه عن ملك ظنوه طالبه" وهي قراءة تنطلق من فرضية تحتاج إلى أدلة موثقة تعضد به ما تذهب إليه، لأن مسألة نسبة بداية الشعر العربي القديم إلى إسماعيل عليه السلام تحتاج إلى ترو وتمحيص دقيق حتى لا نبني أحكاماً علمية بهذه الأهمية على فرضيات غير مؤسسة.

يربط البهيبتي قدسية الشعر عند العرب بالاعتقاد الذي كانت العرب تعتقده من أن الشاعر كان يقوم في قومه مقام النبي، ويحتج بقول أبي عمرو بن العلاء الذي يرويه أبو حاتم الرازي في الزينة بحيث "كان الشعراء في الجاهلية يقومون من العرب مقام الأنبياء في غيرهم"(7)، ويبني عليه البهبيتي حكماً يلتبس حكماً يلتبس فيه عليه بين ما هو شعر وما هو وحي، وحجته في ذلك قراءة رواية أبي عمرو بن العلاء دون المساس من دلالتها الأساسية أو جوهرها بشيء، وبذلك يذهب (إلى القول بأن الذين كانوا يقومون في العرب مقام الأنبياء في الجاهلية كانوا ينورون لهم طريقهم، ويوسعون لهم آفاقهم بالشعر الذي كان العرب –شأنهم في هذا شأن العالم القديم- يرونه إلهاماً يتنزل على الشاعر من وحي قوي قدسية تختار الشاعر من بين الناس لتهب له من العلم ما تصطفيه به دونهم. فهو كيان مقدس يلتف على قوة مقدسة تتحكم فيه، وتعتلج بقلبه، وتفور به، فيهيج على لسانه قولاً منسجماً مستوياً مواجا، ينتقل أثره إلى قلب سامعه، فيتجاوب القلبان بالأصل ورجع صداه ويمتزج النفسان بمعنى واحد، وكأنهما كيان واحد"(8) وتلك موازنة عجيبة من البهبيتي بين ما هو وحي وما هو شعر، وكأننا به لا يفرق بين مصدر كل واحد منهما، بل ويجعل كليهما من مصدر بشري، وذاك ما يدعو إليه الاستقراء، لأن مصدر كل منهما معروف لدى العام والخاص، ولا حاجة لنا بالتفصيل فيه، فالنبي موحى إليه لا دخل له في ما يوحى إليه إلا من جهة التبليغ، أما الشاعر فهو المبدع الخلاق لما يقوله، أما إذا كان يصطلح ويستعمل لفظي النبوة والوحي على غير ظاهر معناهما، بل على دلالة أدبية تنزاح فيها اللفظة عن معناها الأصلي إلى معنى ثان يراد به الإلهام والتفرد قياساً لما ورد في قول النبي (صلى الله عليه وسلم) لما سمع قول الشاعر الجاهلي:

سَتُبْدِي لَكَ الأيّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلاً

*** ويأْتيكَ بالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوّد

فقال: "هذا من كلام النبوة" (9) فذاك رأي مؤسس، لأن اللفظة تأخذ دلالاتها بحسب المعنى الذي يقصد إليه.

يحاول البهبيتي أن يؤسس لرأيه القائل بأن الشعر العربي منبعه إسماعيل عليه السلام، ويورد ما أورده ابن رشيق في العمدة "حكى أبو عبد الرحمن محمد بن الحسين النيسابوري أن كعب الأحبار قال له عمر بن الخطاب وقد ذكر الشعر: يا كعب هل تجد للشعراء ذكراً في التوراة؟ فقال كعب: أجد في التوراة قوماً من ولد إسماعيل، أناجيلهم في صدورهم ينطقون بالحكمة، ويضربون الأمثال، لا نعلمهم إلا العرب"(10)، وانطلاقاً من هذا النص يصبو البهبيتي إلى التأسيس لطرحه السابق، وبعد قراءة نص ابن رشيق ومناقشته مستفيضة يخلص في النهاية إلى أن (الشعر العربي الأول نشأ في حضن المعبد، وكان نبعه إسماعيل، وهذا هو سر ارتفاع الشعر في معيار القيمة حتى يمس القدسية باعتباره فتحا من فتوح إسماعيل، وهو سر ارتقاء الشعراء إلى منزلة تضعهم في العرب موضع الأنبياء في غيرهم من الأمم، وتصير أشعارهم في صدورهم بمنزلة أناجيل الأنبياء في أسفارهم"(11)، وهي نتيجة تبرر علو منزلة الشعر والشعراء عند العرب في الجاهلية، وتفصح عن جانب من سر اهتمامهم بهذا الفن من القول حتى سموا ما جاد منه بالمعلقات، فعلقت في صدورهم ورووها أباً عن جدّ حتى وصلت إلينا، لكن الذي ينقص رأي البهبيتي النصوص الموثقة التي يعتمد عليها في مثل هذا الطرح، حتى يرقى إلى درجة الطرح العلمي المؤسس، وإلا بقي مجرد افتراض يجد الآخذ به نفسه في نهاية الأمر كمن يجري وراء سراب بقيعة يحسبه ماء حتى إذا وصل إليه لم يجد شيئاً.

نحن لا ننفي نشأة الشعر عموماً وعند العرب خاصة نشأة دينية، ونرى في هذا الرأي جانباً من الصحة، ولكنه لا يرقى إلى درجة اليقين، ولاسيما وأننا نبحث في مسألة لا نملك عليها من الأدلة الموثقة الشيء الكثير، بل ما زالت ميداناً خصباً للبحث والتنقيب، معتمدين في ذلك على العلوم الحفرية، علنا نجد ما يفسر كثيراً من جوانب مسألة أولية الفن عامة عند العرب والشعر خاصة، وهذا ما جعل بروكلمان يقر بصعوبة الفصل في مسألة أولية الشعر عند العرب، فشعر العرب كان –حسب تصوره- "فنا مستوفيا لأسباب النضج والكمال، منذ ظهر العرب على صفحة التاريخ، ولا تستطيع رواية مأثورة أن تقدم لنا خبراً صحيحاً عن أولية الشعر، وإذا فلا يسعنا إلا أن نستخلص من الملابسات المشابهة عند شعوب بدائية أخرى نتائج معينة يمكن تطبيقها أيضاً على العرب، إذا قدمت الأحوال الممكن التعرف عليها عند هؤلاء نقاطاً يعتمد عليها في ذلك"(12).

بذلك يأخذ بروكلمان بمنهج تطبيق الملابسات المشابهة التي وجدت عند الأمم البدائية الأخرى لاستخلاص فرضية حول أولية الشعر عند العرب، مشيراً إلى صعوبة الفصل في هذه المسألة لانعدام الرواية المأثورة التي تقدم الخبر الصحيح الذي يفصل في القضية، وبذلك يؤكد لنا أن أي قول يذهب إليه أي باحث في هذه المسألة هو قول احتمالي لا يقيني، خاضع لمبدأ الأخذ والرد، ولكن على الرغم من هذه الإشارة المبكرة لبروكلمان إلا أن كثيراً من القراءات العربية الحديثة خاضت في هذه المسألة محاولة في بعض الأحيان القول فيها بلغة الجزم، وفي بعض الأحيان الأخرى بلغة الاحتمال.

إن ارتباط الشعر بالحياة العامة للعرب منذ القدم جعل بعض القراءات تربط أولية الشعر الجاهلي بالكثير من المحطات الهامة في حياة الأمة العربية في سيرورة تاريخها الطويل، ولاسيما وأنها كانت أمة تقطن في موطن لزمته الكثير من الظواهر الطبيعية وما ينتج عنها من آثار أخلاقية واجتماعية وسياسية، كان على العربي الاهتمام بها أيما اهتمام حتى يوفر لنفسه أسباب البقاء، ومن أهمها الماء والكلأ وخصوبة الأرض، والدفاع عن النفس والحياض.

يشير جواد عليّ إلى أن أولية الجاهلي لا يمكن أن نقر ببدايتها بنحو قرن أو قرنين قبل ظهور الإسلام كما ذهبت إلى ذلك رواية الجاحظ وغيره، ويصف ذلك بالخطل في الرأي، والفساد في الحكم، إذ يؤكد أن "الشعر أقدم من هذا العهد بكثير، وقد أشار المؤرخ (سوزيموس)Zosimus إلى وجود الشعر عند العرب، وهو من رجال القرن الخامس للميلاد، إلى تغني العرب بأشعارهم، وترنيمهم في غزواتهم بها، وفي إشارته إلى الشعر عند العرب دلالة على قدم وجوده عندهم، واشتهاره شهرة بلغت مسامع الأعاجم، فذكره في تاريخه. في سيرة القديس (نيلوس) Nilus المتوفى حوالي سنة 430 بعد الميلاد، أن أعراب طور سيناء كانوا يغنون أغاني وهم يستقون الماء من البئر،… والأشعار المروية في كتب التواريخ والأدب عن حفر آبار مكة وغيرها من هذا القبيل، فقد روي أن (عبد المطلب) لما حفر بئر (زمزم)، قالت (خالدة بنت هاشم):

في تُرْبَة ذَاتِ غَذَاةٍ سَهْلَه

*** نَحْنُ وَهَبْنَا لِعَدِيٍّ سَجْلَه

تُرْوِي الحَجِيجَ زَعْلَةً فَزَعْلَه

وأن عبد شمس قال:

حَفَرْتُ خَمَّا وَحَفَرْتُ رَمَّا

*** حَتَّى أَرَى المَجْدَ لَنَا قَدْ تَمَّا.(13)

كما يورد نصوصاً كثيرة في التغني بالماء وحفر الآبار. والماء من المصادر الأساسية التي ألبسها العربي القديم لبوس القدسية لما لحياته وحياة الخلق من حوله من ارتباط بوجودها، من هنا يمكن ترجيح الرأي الذي ينتصر إلى ربط أولية الشعر عند العرب بحفر الآبار واستخراج الماء، لذا "نجد في كتب السير شعراً قيل في حفر بئر زمزم، وفي آبار أخرى، مما يدل على أن العرب كانوا قبل هذا العهد، إذا حفروا بئراً، قالوا شعراً فيها، وهو شعر يمكن أن نسميه شعر الآبار، وهو يعود ولاشك إلى عرف قديم، قد يتقدم على الميلاد بكثير، وهو يجب أن يكون من أقدم ما قيل من شعر، لما للبئر من أهمية في حياة العرب"(14)، وبذلك يفصل جواد علي في ربط مسألة أولية الشعر الجاهلي بالبحث عن الماء، فيذهب –بخلاف البهبيتي- إلى إرجاع أولية الشعر عند العرب إلى التغني بالماء وبوجوده، لما للماء ومصادره من أهمية بالغة في حياة العربي في صحراء قاحلة وجود الماء فيها أهم من العبادة والمعابد، وهو رأي تؤسس له النصوص الشعرية المأثورة والتي أورد البعض منها اعتماداً على ما ورد في فتوح البلدان والروض الأنف وسيرة ابن هشام وغيرها من المصادر التراثية التي اهتمت بالموضوع وما ورد فيها من أشعار مأثورة، وإن كانت لا تشكل قصائد مطولة وإنما البيت أو البيتين، لأن العربي في ذلك الوقت لم يكن مهيأ لقول القصائد الطوال، ولكن على الرغم من هذه الأبيات الشعرية القليلة التي تظهر وكأنها نتف شعرية، إلا أنها تشكل نصوصاً مؤسسة يمكن الاعتماد عليها في التأريخ لأولية الشعر العربي.

لم تقصر القراءة الحديثة القول في البحث عن أولية الشعر الجاهلي وبخاصة عند جواد عليّ على ما ورد في الماء من أشعار بل ذهبت إلى القول بأن أولية الشعر عند العرب ارتبطت بالحياة اليومية في سلمها وحربها، ومعاشها ومعادها، إذ لم يقتصر التغني بالشعر على حفر الآبار وحدها، وإنما تغنى به عند بنائهم بناء أو حفرهم خندقاً، أو إقامتهم سوراً، أو قيامهم بزرع أو حصاد، وفي أعمال أخرى يناط القيام بها إلى جماعة في الغالب، وكذلك في الغارات وفي الحروب… ورووا أن من الشعراء الجاهليين من كان يتغنى بشعره، وأن حسان بن ثابت أشارَ إلى التغني بالشعر بقوله:

تَغَنَّ بِالشِّعْرِ إِمَّا كُنْتَ قَائِلَهُ

*** إِنَّ الغِنَاءَ لِهَذَا الشِّعْرِ مِضْمَارُ

ولابد أن تكون في الأهازيج وفي أشعار الحج، أنغام يرنم على وقعها الشعر، الذي هو شعر الغناء. فإننا نجد من النتف الباقية من الجمل التي يقولها الحجاج في أثناء حجهم، آثار شعر كان مقروناً بالغناء. ونظراً لوجود تماس مباشر بين هذا الشعر وبين الحياة العامة، فإن في استطاعتنا القول إنه قد يكون من أقدم أنواع الشعر عند العرب، وهو شعر لم ينبع من ألسنة الشعراء المحترفين، وإنما خرج على كل لسان، وساهم فيه كل شخص: رجل وامرأة، مثقف وجاهل، حكيم وسوقي. وهو بعد نابع من صميم الحياة، ومن باطن القلب، للترفيه عن النفس، ولتخفيف التعب، ومازال الناس يتغنون عند وقوع مثل هذه الأمور لهم، وهو غناء لم يحظ ويا للأسف بالرعاية والعناية، لذلك لا نجد له ذكراً في الكتب إلا في المناسبات(15)، وهي قراءة نجد أصولها فيما يذهب إليه كارل بوخر K. Bucher في مؤلفه العمل والنغم والذي أشار إليه كارل بروكلمان فأورد فيه خلاصة رأي بوخار الذي يذهب فيه إلى "أن حركات العمل الطبيعية المنتظمة، لاسيما حركات العمل الجماعي، كانت تحث من تلقاء نفسها على التغني بأغان موزونة مصاحبة للعمل وميسرة له تيسيراً نفسياً. وقد رويت لنا عن العرب أيضاً مثل هذه الأغاني التي تصحب العمل"(16). وهو ربط لأولية الشعر عند العرب بالثقافة الشعبية والأصول الأنثروبولوجية.

تمثل الثقافة الشعبية عند الكثير من الدارسين-وبخاصة عند المهتمين بالدراسات الشعبية والأنثرولوجية- المهد الأول للفن بعامة والشعر بخاصة، لاسيما عند أمة كالأمة العربية وعمق ارتباطها بالشعر كفن قولي، لأنه كان المناسب لأمة ترتحل أكثر مما تستقر، وهي قراءة تحمل الكثير من الجوانب التي تؤسس لمذهبها إّا ما راعينا إيغال القضية في القدم، وقلة الأدلة المادية التي تقطع دابر الشك باليقين، وبذلك لا يجد الدارس لمثل هذه القضايا إلا الافتراض والبناء على بعض الأدلة الشفوية بخاصة ما تعلق منها بالعادات والتقاليد المأثورة عن الأمة العربية والتي توارثتها الأجيال أباً عن جَدٍّ مشافهة، وتعلق بها العام والخاص، المثقف والجاهل، الحكيم والسوقي، الرجل والمرأة، فأصبحت ممارسة يومية للترويح عن النفس من عناء الحياة ومتاعبها.

فالقول بشعبية أولية الشعر العربي قول يرتاح له الباحث باعتبار أن الفن عامة والشعر خاصة لم يولد متكاملاً في بنيته الخارجية والداخلية كما وصل إلينا في معلقاته وإنما سبقته محاولات متكررة انفرادية وجماعية حتى استوى على عوده بالشكل الذي وصل إلينا في معلقاته وغيرها من القصائد والمقطوعات التي زخرت بها المصنفات الأدبية القديمة.

إن ربط جواد علي أولية الشعر العربي بالأناشيد والغناء المتصل بالحياة اليومية للعربي، جعله يلمّح إلى إمكانية ربط أولية هذا الشعر بالطقوس السحرية كما يربط ذلك الغربيون، لأن "بين الشعر والسحر صلة كبيرة، بل رأى البعض منهم أن الغرض الذي قصد إليه من الشعر في الأصل هو السحر، ودليل ذلك أن الغناء عند الشعوب البدائية، ليس متسقاً مع نغم العمل وإيقاع اليد العاملة، فنجد الغناء عند البناء أو الجر أو الحفر، أو الزرع لا يتسق مع نوع حركة العمل، وإنما كان يسلي العمال ويسعفهم بقوى سحرية، وهو الغرض من جميع فن القول عند البدائيين، أي تشجيع العمل بطريق سحري"(17)، وهي قراءة تستمد أصولها من القراءة التي ذهب إليها (برويس) Preuss في كتابه الحضارة العقلية عند الشعوب البدائية- والتي أوردها بروكلمان في مؤلفه السالف الذكر كذلك- إذ يرى أنه "افتراض لا يقوى على النهوض أمام الحقائق الثابتة في علم الأجناس البشرية، وليس بمقنع لتفسير ما وجده الباحثون عند الأمم البدائية، فإن آثار الغناء المصاحب لحركات العمل الإيقاعية المنتظمة قليلة نادرة، على حين تصاحب الأغاني في كل مكان من الأرض أعمالاً غير مرتبطة بنظم الإيقاع، كالغزل والحياكة، والجدل، مما لا يمكن أن يشتمل على وحدة إيقاعية؛ فلم يكن الغناء في مثل هذه الأحوال متسقاً مع نغم العمل تسهيلاً له كما تقدم، وإنما كان الغناء يسلي العمال ويسعفهم بقوى سحرية. وإذاً فلابد أن يكون الغرض الذي قصد إليه الشعر في الأصل، ما دام لم يكن مقصوداً منه مجرد المسامرة، هو الغرض من جميع فن القول عند البدائيين، وتشجيع العمل بطريق سحري"(18)، حتى يجعل من العامل عاملاً منتجاً.

يرى بروكلمان أن المنحى السحري للشعر عند العرب لم يتجل في كل الأغراض الشعرية، بل ظهر في غرض الهجاء دون سواه "فمن قبل أن ينحدر الهجاء إلى شعر السخرية والاستهزاء، كان في يد الشاعر سحر يقصد به تعطيل قوى الخصم بتأثير سحري. ومن ثم كان الشاعر، إذا تهيأ لإطلاق مثل ذلك اللعن، يلبس زيا خاصاً شبيهاً بزي الكاهن. ومن هنا أيضاً تسميته بالشاعر، أي العالم، لا بمعنى أنه كان عالماً بخصائص فن أو صناعة معينة، بل بمعنى كان شاعراً بقوة شعره السحرية، كما أن القصيدة كانت هي القالب المادي لذلك الشعر"(19)، وبذلك نجد بروكلمان يقصر ارتباط أولية الشعر عند العرب بالسحر في غرض الهجاء، وفي المرحلة الأولى لظهور هذا الغرض عند العرب، أما جواد علي فيعمم ذلك على الشعر الذي كان يصاحب العمل، وبذلك ينتصر لرأي (برويس) Preuss.

أما مرجليوث فينفي وجود الشعر عند العرب ولو كان موجوداً لأُثّر في "الكمية الهائلة من النقوش التي ترجع إلى ما قبل الإسلام والتي نملكها الآن مكتوبة بعدة لهجات، ليس فيها شيء من الشعر… ولا يمكن أن نستنتج من النقوش العربية أنه كانت لدى العرب أية فكرة عن النظم أو القافية، على الرغم من أن حضارتهم في بعض النواحي كانت متقدمة جداً… فإن كان القرآن يتحدث عن الشعر على أنه شيء يحتاج إلى تعلم، فمن المعقول أن نفترض أنه يشير إلى تلك الصنعة التي تستلزم العلم بالأبجدية، لأن القافية العربية تقوم في تكرار نفس المجموعة من الحروف الساكنة، والعلم بنظام نحوي، لأن النظم يتوقف على الفارق بين المقاطع الطويلة والقصيرة، وارتباط بعض النهايات ببعض المعاني. فيمكن إذن أن يكون ما يشهد عليه القرآن هو أنه قبل ظهوره كان بين العرب الكهان المعروفين بأنهم"شعراء"؛ ومن المحتمل أن لغتهم كانت غامضة، كما هي الحال في ألوان الوحي"(20)، وهو طرح معروف يكاد ينفرد به مرجليوث حول أصل الشعر العربي القديم ومدى صحته، فالعرب لم يعرفوا الشعر ولم ينظموه وأن ما عرف عنهم ما هو إلا ضرب من سجع الكهان وما شابهه من الكلام ذي الإيقاع المتجانس، وأن اسم الشاعر اختلط عند العرب باسم الكاهن، وهو رأي فيه من الغلو الذي لا يصمد أمام الشعر الوافر الذي وصل إلينا من الفترة العربية قبل الإسلام، وإن داخله بعض النحل بفعل الرواية الشفهية.

إن الاختلاف في الطرح حول أولية الشعر الجاهلي هو السمة الرئيسة التي تميزت بها جلّ الدراسات التي تعرضت لهذا الموضوع، وهذا ما حدا بيوسف خليف في مؤلفه (دراسات في الشعر الجاهلي) إلى الوقوف على هذه الحقيقة، لأن "الباحثين مختلفون حول طبيعة هذه التجارب والمحاولات التي بدأ بها الشعر العربي قبل حرب البسوس. وبين أيدينا نظريتان أساسيتان: نظرية قديمة ذهب إليها العلماء العرب منذ عصر التدوين، ونظرية حديثة يذهب إليها بعض المستشرقين، ويتابعهم فيها بعض الباحثين المحدثين"(21)، و..؟.. أن النظرية القديمة تذهب إلى أن أول نشأة الشعر العربي كانت عبارة عن مقطوعات قصيرة أو أبيات قليلة العدد، يرتجلها الشاعر في مناسبات طارئة ليعبر بها عن انطباعات سريعة مؤقتة، ثم أخذ الشعراء يطيلون في مقطوعاتهم، ويزيدون من عدد أبياتهم، خاضعين في ذلك لسُنَّة التطور الحتمية وقانون النشوء والارتقاء الطبيعي، حتى تكاملت لهم القصيدة العربية الطويلة في صورتها المعروفة على يد المهلهل في أيام حرب البسوس.

فالمهلهل أخو كليب أول من قصد القصائد الطوال وضمنها الغزل، وذاك ما تذهب إليه بعض الروايات في المصادر القديمة مثل الأغاني، كما تؤكد بعض الروايات في المصدر نفسه أن أول شاعر هو امرؤ القيس، وهو المتأخر زماناً بقليل عن زمن المهلهل، وهذا ما حدا بالمستشرق مرجوليوت إلى القول بأن "الدعوة الخاصة بالمهلهل إنما تستند إلى اسمه، فمعناه: "صانع النسيج الرقيق" والمراد هنا "النسيج الشعري"، بينما تفسير الاسم بمعنى "الصانع" أدى إلى هذه الفكرة العجيبة وهي أنه كان أول شاعر انحرف عن جادة الصدق"(22)، وهي تخمينات وتأويلات لا ترقى إلى مصاف الحجج العلمية الدامغة التي تستند إلى براهين مادية ذات طابع علمي.

فإذا كان البحث في أولية الشعر الجاهلي ينسب للمهلهل أم لامرئ القيس- وهما المتأخران زمنياً- أمراً يجد فيه الباحث صعوبة، فما بالنا بالرأي الذي يذهب إلى أن أولية الشعر العربي تعود إلى آدم أو إسماعيل عليهما السلام أو عاد وثمود، علماً أننا لا نقيم في النسب ما فوق عدنان، ولا نجد لأولية العرب المعروفين شعراً، فكيف بعاد وثمود؟… ما لسان حمير وأقاصي اليمن اليوم بلساننا، ولا عربيتهم بعربيتنا، فكيف على عهد عاد وثمود.(23)

إن مسألة اللسان الذي كتب به الشعر الجاهلي الأول جعلت القراءة الحديثة تثير قضية تطور اللغة العربية في حد ذاتها والمراحل التي مرت بها حتى وصلت إلينا كما هو الحال عليه في النص الشعري الجاهلي، مستوية موحدة في لغة قريش، لأن "لغة الشعر الجاهلي وهي التي يقال لها اللغة العربية الفصحى-والتي نزل بها القرآن الكريم- هي فرع من مجموعة من اللغات عرفت عند المستشرقين باسم "اللغات السامية"؛ وقد انكبت على دراستها منذ قرنين من الزمان على الأقل مجموعة كبيرة من علماء الغرب يبحثون أصولها وقواعدها وعلاقاتها بعضها ببعض معتمدين في دراساتهم على ما اكتشف من نقوش وكتابات ومخربشات لهذه اللغات في الجزيرة العربية وجنوبي العراق وفي الشام وسيناء"(24). إن هذه اللغات السامية التي تتألف من قسمين: لغات سامية شمالية تمركزت في العراق مثل البابلية والآشورية والكلدانية، وأخرى تمركزت في الشام مثل الكنعانية والفينقية والآرامية والعبرية والأوجاريتية والسريالية والنبطية وغيرها، وثانية سامية جنوبية من اللهجات العربية المختلفة: ويقصد بها: عربية قريش واللهجات الصفوية والثمودية واللحيانية، وهي لهجات عربية شمالية، وجنوبية مثل المعينية والسبئية والقتبانية والأوسانية والحضرمية والحميرية(25). فمسألة أولية الشعر العربي تفضي إلى طرح السؤال طرحاً حاداً: بأي لغة كتب أول نص شعري جاهلي؟، وكيف استوى عبر المراحل حتى وصل إلى لغة قريش فوصلنا بها في المقطوعات والقصائد التي حوتها مدونات الشعر العربي القديم؟.

إن الخوض في مسألة اللغات السامية بين شمالية وجنوبية، والتطورات التي لحقت بنظام اللسان حتى استوى على تكوينه الأخير من اسم وفعل وحرف وأيهما الأول الفعل أم الحرف أم الاسم، ومسألة النطق والكتابة وتطور الكتابة العربية حتى مراحل نضجها الأخير مسائل في غاية الصعوبة والتعقيد والفصل فيها يحتاج إلى دراسة معمقة لا يسمح بها المقام ها هنا بالإضافة إلى أسانيد علمية قوية موثقة.

وهذا ما يصعب على أي قراءة الفصل فيه، مما يبرهن على أن الفصل في أولية الشعر العربي مسألة محفوفة بالمخاطر والقول في أن أول شاعر عربي كان نبياً-كما ذهب إلى ذلك البهبيتي- أو عاد وثمود مسألة تحتاج إلى تدقيق نظر و"أن الجهود التي بذلت عن أولية الشعر العربي لم تتعد نتائجها مرحلة الفروض التي لم يثبت منها فرض بصورة علمية حتى الآن"(26)، وهذا ما يؤكده بروكلمان إذ قال27) "لا تستطيع رواية مأثورة أن تقدم لنا خبراً صحيحاً عن أولية الشعر-عند العرب- وإذاً لا يسعنا أن نستخلص من الدراسات المشابهة عند شعوب بدائية أخرى نتائج معينة يمكن تطبيقها أيضاً على العرب"، فالبحث العلمي اليوم بوسائله المتميزة من حفريات واجتماعيات وعلم مقارنة اللغات السامية يمكن له أن ينير طريق البحث في أولية الشعر العربي إذا توفرت له الوسائل الكفيلة بذلك، وإلا بقى البحث في هذه المسألة ضرباً من الافتراضات التي لا تستند إلى سند مادي عتيد.

إن التأريخ لأولية الشعر العربي بعصر المهلهل وامرئ القيس، أي بخمسين ومئة عام أو مئتي عام قبل ظهور الإسلام-كما ذهب إلى ذلك الجاحظ- مذهب لم تستغه القراءة الحديثة معتمدة في ذلك على أن الشعر العربي الذي استوى على هذه الدرجة الفنية الراقية والصنعة المتميزة والموسيقى المبدعة يبرهن على أن هناك مراحل متقدمة تعد بالقرون كانت فترة اختمار وتبلور واستواء قبل أن ينضج بهذا الشكل المتميز عند أقدم شاعرين وصل إلينا شعرهما كالمهلهل وامرئ القيس.

تؤكد القراءة الحديثة في مسألة أولية الشعر العربي أن اللغات السامية ترجع في كتاباتها إلى نوعين من الخطوط، الخط المسند، وهو الخط الذي دونت به اللهجات العربية الجنوبية، ثم الخط المشتق من الخط الآرامي المتأخر وخط النبط وبه كتبت اللغات السامية، والخط المسند أقدم عهداً من الخط المشتق وهو خط العرب الأول، وهناك خط ثان مأخوذ من الخط النبطي والذي يعرف عند المستشرقين بالخط العربي الشمالي، فهو الذي شاع بين ذلك وخاصة على أيدي اليهود والنصارى الذين كانوا يكتبون به حتى كاد يهيمن على الخط المسند، وكان خط العرب عند ظهور الإسلام (28).

أما بأية لغة كتبت النصوص الأولى من الشعر العربي فتلك مسألة وقفت أمامها القراءة الحديثة وقفة حذر نظرا لقلة الأدلة المادية التي تسند عليها فرضياتها مادام (أن كل النصوص التي وصلتنا كانت لهجات عربية أخرى، منها ما هو بعيد عن العربية الفصحى، ومنها ما هو قريب منها وخاصة نقش النمارة النبطي) (29). فالعربية التي وصلنا بها الشعر الجاهلي هي لغة قريش وبها نزل القرآن الكريم، مما جعل القراءة الحديثة تحاول الوقوف عند التعليل الذي يمكن أن تنتهجه لمعرفة كيفية توحد اللهجات العربية تحت راية قريش واتخاذها لغة رسمية، خاصة، وأن اللهجة (تشتمل على ألفاظ وعناصر بعضها قديم جداً يعود عهدها إلى أقدم اللهجات السامية، وبعضها يمثل التطور الذي مرَّ على اللهجات في جزيرة العرب في بادية الشام وأطراف العراق، هذا المتأخر ما يشير إلى ابتعاد معناه عن معنى الكلمة الأم، ووروده في معان جديدة تولدت من ذلك التطور)(30).

ولما كان النظر إلى هذه المسألة صعباً بسطت القراءة الحديثة أطروحات وفرضيات حاول فيها الباحثون من أمثال علي جواد في المفصل وشوقي ضيف في العصر الجاهلي، ومن قبلهم المستشرقون نولدكة وجويدي وفيشر وبلاشير تتبع المسألة والميل إلى (الرأي الذي يقول: إن القبائل العربية الشمالية اصطلحت فيما بينها على لهجة أدبية فصحى كان الشعراء على اختلاف قبائلهم وتباعدهم وتقاربها ينظمون فيها شعرهم، فالشاعر حين ينظم شعره يرتفع عن لهجة قبيلته المحلية إلى هذه اللهجة الأدبية العامة، ومن ثم اختفت جملة الخصائص التي تميزت بها كل قبيلة في لهجتها، فلم تتضح في شعر شعرائهم إلا قليلاً جداً" (31)، واختلف هؤلاء الباحثون في أي لهجة وقع عليها الاتفاق لجعلها اللغة الأدبية ذات الطابع الفصيح، وهل كان هذا الاتفاق بدافع العامل السياسي أو الثقافي، باعتبار أن الجزيرة العربية شهدت تحولات عديدة كبرى مروراً ببروز قبائل في نظم الشعر على قبائل أخرى،مما أهل لغتها لأن تكون لغة أدبية وذلك ما يذهب إليه المستشرق نالينو حيث (جمع اللغويون والنحاة منها مادتهم اللغوية، وهي قبائل مَعْد التي وحد ملوك كندة كلمتها تحت حكمهم قبل منتصف القرن الخامس الميلادي، وفي رأيه أنها تولدت من إحدى اللهجات النجدية وتهذبت في زمن مملكة كندة، وصارت لغة أدبية بين العرب)(32)، أما بروكلمان فكان يرى أن (الفصحى كانت لغة فنية قائمة فوق اللهجات وإن غذتها جميعاً)(33). وكلها قراءات تقوم على فرضيات تحاول من خلالها التأسيس لتأويلات مختلفة.

هذه الفرضيات والقراءات هي التي حاول حنفي حسنين أن يتتبعها، وهي التي جعلته ينتهي إلى (أنها جميعاً تمثل فروضاً علمية لم يثبتها أي باحث منهم، وإنما هي حدس يختلفون فيه، وبه كثير من التعميم) (34). مما جعله يؤكد أن عوامل دينية وسياسية واقتصادية، ساعدت لهجة قريش على السيادة خلال القرن السادس الميلادي فأصبحت لغة الشعر، وأن قبيلة (قريش استطاعت أن تدمغ هذه اللغة الأدبية الموحدة بطابعها الخاص، وبلهجتها المستقلة، نتيجة لمركز القوة الديني والاقتصادي الذي كانت تحتله خلال القرن السادس الميلادي، وقبيل ظهور الإسلام، حتى إِذا نزل القرآن الكريم وجد البيئة اللغوية التي تفهمه دون عناء على الرغم من اختلاف اللهجات، فقبله كان الشعر الجاهلي، يجوب آفاق الجزيرة يحمل مشعل اللهجة الواحدة، فيجد الآذان العربية كلها تطرب له وتتحمس لاستقباله) (35). وبذلك ندرك أن الشعر الذي سبق توحيد اللهجة لم تحفظه العرب، ولم تروه لأنه قيل بلهجات متفرقة استعصى على العرب الحفاظ عليها وعلى شعرها، ولو بحث الدارسون في التراث الشعبي كالأغاني والأناشيد والأهازيج لوجدوا بواكير الشعر العربي في هذه الألوان من الأشعار نظراً للارتباط العميق بالنفس في المرحلة الأولى لتبلور الحس الشعري لدى العربي، هذا الحس الذي ولد مقاطع الغناء والأناشيد والأهازيج الحماسية نظراً لارتباطها بحياته الوجدانية والمعاشية والسياسية وكان الرجز السيد الغالب على هذه المقاطع الغنائية لبساطة موسيقاه وقربها من النثرية المسجوعة ذات الإيقاع المؤثر كالمقطوعة التي أنشدتها هند بنت عتبة ونسوة من قريش في غزوة أحد لتحميس فرسان قريش من المشركين لمجابهة جيش المسلمين، والتي يروى أنها من إنشاد أعرابيات في يوم قار لتحميس الفرسان المقاتلين:

إِنْ تُقْبِلُوا نُعَانِق

*** وَنَفْرِشِ النَّمَارِق

أَوْ تُدْبِرُوا نُفَارِق

*** فِرَاق غَيْر وَامِق (36).

وبذلك تحاول هذه الأطروحات أن تذهب إلى أنه في مثل هذه المقطوعة الشعرية تبلورت بواكير الشعر العربي سواء أكان في لهجاته المحلية أم في اللغة الأدبية قبل أن يخطو إلى مرحلة القصيدة ذات المواضيع المتميزة والأخيلة الراقية والموسيقى المتعددة في بحورها المعروفة.

ولئن حاولت القراءة التاريخية أن تفصل في إشكالية أوّلية الشعر الجاهلي، بتبنيها الأطروحات التي فصلنا فيها سلفاً، فإننا ندرك أن المسألة شائكة لا يمكن الفصل فيها بقول: وإنما تبقى المسألة خاضعة للتخمينات والفرضيات التي لا تستند إلى السند العلمي القائم، لأن الإشكالية موغلة في القدم وفرضياتها مبنية على الاحتمال الذي لا يرقى إلى القول الفصل، على الرغم من أن القراءة التاريخية حاولت بكل ما أوتيت أن تبحث في الإشكالية، ويبقى جهدها جهداً يستحق التقدير، كما يعتبر جهداً علمياً أغنى المكتبة العلمية وزودها برؤى لم يكن لها أن تصل إليها لو لم يبذل روادها جهداً من أجل التأسيس لمقاربة إشكالية أولية الشعر الجاهلي، كما لم تقف القراءة للشعر الجاهلي عند هذه الإشكالية بل تعدتها لتبحث في إشكاليات اتصلت مباشرة بما وصل إلينا من نصوص هذا الشعر، فعملت من أجل دراسة وتمحيص مسألة مصادر هذا الشعر وبخاصة ما وصل إلينا عن طريق الرواة.

الإحالات:

(1) الحيوان الجاحظ: تح: عبد السلام هارون دار إحياء العلوم لبنان 1996 1/59.

(2) طبقات فحول الشعراء ابن سلام: تح: محمود محمد شاكر مطبعة المدني المؤسسة السعودية بمصر مصر. ص: 3.

(3) تاريخ الآداب العربية كارلو نالينو: دار المعارف مصر ط:2 1970 ص 68.

(4) نشأة الشعر العربي ديفيد صمويل مرجوليوث: ضمن كتاب: دراسات المستشرقين حول صحة الشعر الجاهلي: تر عبد الرحمن بدوي دار العلم للملايين لبنان ط1/ 1979 ص: 93 – (ويقصد بالأثريين المسلمين: رواة الشعر العربي القديم- هيئة التحرير)

(5) نشأة الشعر العربي ديفيد صمويل مرجوليوث: ضمن كتاب: دراسات المستشرقين حول صحة الشعر الجاهلي: تر عبد الرحمن بدوي دار العلم للملايين لبنان ط1/ 1979 ص: 90 91.

(6) الشعرالعربي في محيطه التاريخي القديم نجيب محمد البهبيتي: دار الثقافة للنشر والتوزيع المغرب ط1/ 1987 ص: 71.

(7) الشعرالعربي في محيطه التاريخي القديم نجيب محمد البهبيتي: ص: 71.

(8) المرجع السابق: ص 72.

(9) العقد الفريد ابن عبد ربه: تح: أحمد أمين وأحمد الزين وإبراهيم الأنباري دار الكتاب لبنان لبنان 5/271.

(10) الشعرالعربي في محيطه التاريخي القديم نجيب محمد البهبيتي: ص:75.

(11) المرجع السابق: ص 79.

(12) تاريخ الأدب العربي كارل بروكلمان: تر: عبد الحليم النجار دار المعارف مصر ط/2 1/44.

(13) المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام جواد علي: دار العلم للملايين لبنان مكتبة النهضة العراق ط2/ 1978 9/410.

(14) المرجع السابق: ص 412.

(15) ينظر المرجع السابق: ص9/412.

(16) تاريخ الأدب العربي كارل بروكلمان: تر عبد الحليم النجار 1/44 45.

(17) المرجع السابق: ص9/414.

(18) نفسه: 1/45.

(19) المرجع السابق: ص 1/46.

(20) نشأة الشعر العربي ديفيد صمويل مرجوليوث من كتاب: دراسات المستشرقين حول صحة الشعر الجاهلي: تر: عبد الرحمن بدوي ص: 90-91.

(21) دراسات في الشعر الجاهلي يوسف خليف: مكتبة غريب مصر د.ت د.ط ص: 41.

(22) نشأة الشعر العربي ديفيد صمويل مرجوليوث دراسات المستشرقين حول صحة الشعر الجاهلي: تر: عبد الرحمن بدوي ص: 95.

(23) ابن سلام: طبقات فحول الشعراء ص: 11.

(24) الشعر الجاهلي مراحله واتجاهاته الفنية (دراسة نصية) سيد حنفي حسنين: ص: 8.

(25) ينظر المرجع السابق: ص 9 10.

(26) الشعر الجاهلي مراحله واتجاهاته الفنية (دراسة نصية) سيد حنفي حسنين: ص: 7.

(27) بروكلمان: تاريخ الأدب العربي 1/44.

(28) ينظر: سيد حنفي حسنين: الشعر الجاهلي مراحله واتجاهاته الفنية (دراسة نصية) ص: 11.

(29) المرجع السابق: ص: 19.

(30) الشعر الجاهلي مراحله واتجاهاته الفنية (دراسة نصية) سيد حنفي حسنين: ص: (20).

(31) المرجع السابق: ص: 20.

(32) الشعر الجاهلي مراحله واتجاهاته الفنية (دراسة نصية) سيد حنفي حسنين: ص:21.

(33) المرجع السابق: ص:21.

(34) نفسه ص: 21.

(35) نفسه ص: 23.

(36) التاريخ الطبري: دار المعارف مصر 2/ 208.

* - كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة سيدي بلعباس- الجزائر

مجلة التراث العربي-مجلة فصلية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب-دمشق العدد 81-82










رد مع اقتباس
قديم 2012-02-11, 15:05   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

إعداد فهرس للحياة العقلية في العصر الجاهلي

مظاهر الحياةالعقلية في العصر الجاهلي
صار من الثابت بين الباحثين أن العصر الجاهلي لايشمل كل ما سبق الإسلام من حقب طوالٍ، ولكنه يقتصر على حقبة لا تزيد على القرنين منالزمان، وهي ما اصطلح الباحثون على تسميتها بالجاهلية الثانية، وفي تلك الحقبة ظهرهذا الإنتاج الغزير الناضج من الشعر والنثر، واكتملت للغة العربية خصائصها التيبرزت من خلال هذا النتاج الأدبي الوفير، كما استقرَّ أيضًا رسم حروفها الألفبائية. فما انتهى إلينا، إذن، من أدب جاهلي هو أدب الجاهلية الثانية، وهو ما نستطيع الحديثعنه ودراسة فنونه وخصائصه، أما أدب ما قبل هذه الحقبة التاريخية فهو أدب ما يسمىبالجاهلية الأولى، وهو أدب لم تتوافر نصوص منه، فالحديث عنه غير ممكن. ومن هنا فإنالأبحاث التي استقصت أولية الشعر العربي أو أولية اللغة العربية تقوم على مجردالحدس والتخمين، أو على نوع من الأخبار الوهمية والخرافات.
على أن اللغةالعربية التي سُجِّلت بها النصوص الأدبية في عصر الجاهلية الثانية هي واحدة منالأسرة السامية التي تشمل: 1- الأكادية والبابلية والآشورية. 2-الآرامية. 3- الكنعانية. 4- الحبشية. 5- ثم العربية بفرعيها: الشمالي والجنوبي.

وإذاكانت الأمية قد شاعت بين العرب، فإن هذا لا يعني قط انعدام القراءة والكتابة لديهم،فلقد انتشرت بينهم القراءة والكتابة بالقدر الذي يسمح لهم بتدوين معاملاتهم وآدابهموإذا كانت الذاكرة العربية التي تميزت بالقوة قد حفظت قدرًا كبيرًا من الأشعار، فإنالتدوين أيضًا كان مساندًا للرواية الشفوية.
أمّا طرح ابن سلام في كتابه طبقاتفحول الشعراء لقضية الانتحال فينبغي أن يؤخذ على أنه دليل على ما بذله الأقدمون منجهود لتنقية الشعر الجاهلي من التزييف، ووضع المعايير العلمية الدقيقة لضمان سلامةالشعر الجاهلي وتوثيقه.
الشعر الجاهلي. أما مراكز الشعر العربي في العصرالجاهلي، فإنه بالإضافة إلى الجزيرة العربية نفسها: نجدًا وحجازًا، فقد عاش الشعرالعربي وازدهر في إمارتين اثنتين هما: إمارة الغساسنة والمناذرة، وقد قامتا فيالأطراف الشمالية من شبه الجزيرة.
أما إمارة الغساسنة، فقد قامت في بلاد الشام،حيث اتخذ الرومان، ثم خلفاؤهم البيزنطيون من بعدهم، من الغساسنة حلفاء لهم ضدأعدائهم التقليديين من الفرس، وحلفائهم من المناذرة في العراق. وقد كان الغساسنةعربًا من الجنوب نزحوا إلى الشمال، وأقاموا إمارتهم العربية تلك في شرق الأردن،وكانوا قد تنصّروا في القرن الرابع الميلادي. وكانت إمارة الغساسنة على جانب كبيرمن الثراء والتحضّر، ومن أهم ملوكهم الحارث الأصغر، ثم ابناه من بعده النعمانوعمرو، والأخير هو الذي قصده النابغة الذبياني، كما قصد حسان بن ثابت النعمان بنالمنذر أيضًا ومدحه في قصائد شهيرة، منها قصيدته التي من أبياتها:
أولاد جَفْنةحول قبر أبيهمُ قبر ابن مارية الكريم المفضِلِ
وكما قامت إمارة الغساسنة فيالشام، فقد قامت إمارة المناذرة في العراق. وكما كان الغساسنة عربًا ذوي أصولٍيمنية، فكذلك كان المناذرة. ومثلما قصد شعراءُ الجزيرة أمراءَ الغساسنة، فكذلكقصدوا أمراءَ المناذرة، الذين كان من أشهرهم المنذر بن ماء السماء حوالي (514 - 554م)، وعمرو بن هند (554 - 569م) الذي ازدهرت الحركة الأدبية في أيّامه، وقد وفدعليه في الحيرة، حاضرة المناذرة، عمرو بن قميئة والمسيَّب بن عَلَس والحارث بنحِلِّزة وعمرو بن كلثوم.كما وفد النابغةُ الذبياني على أبي قابوس النعمان بن المنذرالرابع (580 - 602م)، ووفد عليه أيضًا أوس بن حجر والمنخل اليشكري ولبيد والمثقِّبالعبدي وحجْر بن خالد.
ولا شك أن طبيعة المنافسة السياسية بين المناذرةالتابعين لدولة فارس والغساسنة الموالين للبيزنطيين قد انعكست على الحياة الأدبيةعلى نحوٍ ليس بالقليل.

ازدهر الشعر العربي، إبان الجاهلية، ازدهارًا عظيمًاتمثل في هذا العدد الكبير من الشعراء الذين تزخر المصادر بأسمائهم وأشعارهم، إذنظموا في جاهليتهم الأخيرة قبل الإسلام كثيرًا من الشِّعر. ومع هذا فقد ضاع معظمهذا الشعر، على حد قول أبي عمرو بن العلاء : "ما انتهى إليكم مما قالته العرب إلاأقلُّه، ولو جاءكم وافرًا لجاءكم علمٌ وشعر كثير". وقد اشتهرت في الجاهلية بيوتكاملة بقول الشعر، فالنعمان بن بشير، مثلاً، كان أبوه وعمه شاعرين، وكذلك جده، ثمأولاده من بعده. وكعب بن مالك الصحابي الشاعر كان أبوه وعمه شاعرين، ثم أبناؤهوأحفاده، وكذلك كان أمرُ بيت أبي سُلمى، ومنه زهير وولداه كعب وبُجير، وأخوال كعبشعراء، ومنهم بشامةُ ابن الغدير. ثم هناك حسان بن ثابت الصحابي الشاعر، وقد تسلسلالشعر في بيته لبضعة أجيال.
عرف تاريخ الشعر العربي، في العصر الجاهلي، نساءًشواعر منهنَّ على سبيل المثال: الخنساء وخِرْنَق وكبشة أخت عمرو بن معْدي كَرِبوجليلة بنت مُرَّة امرأة كُليب الفارس المشهور، ولها في كليب مراثٍ من عيون الشعرالعربي، وقيسة بنت جابر امرأة حارثة بن بدر ولها أيضًا مراثٍ في زوجها، وأميمةامرأة ابن الدُّمَيْنة. وقد كان أبو نُواس الشاعر العباسي يروي لستين شاعرة منالعرب.
والناظر في المصادر العربية تهوله تلك الكثرة من الأشعار والشعراء خاصةإذا ضَمّ إليها ما جاء في كتب التاريخ والسير والمغازي والبلدان واللغة والنحووالتفسير، إذ تزخر كلها بكثير من أشعار الجاهليين بما يوحي أن الشعر كان غذاءحياتها، وأن هذه الأمة قد وهبت من الشاعرية الفذة ما يجعل المرء يتوهم أن كل فرد منرجالها ونسائها وعلمائها كان يقول الشعر. وتدلُّ هذه الكثرة من الشعر والشعراء علىأن الشاعرية كانت فطرة فيهم، ثم ساندت هذه الفطرة الشاعرة عواملُ أخرى منها تلكالطبيعة التي عاش العربي الأول كل دقائقها من جبال ووهادٍ ووديان وسماء ونجوموأمطار وسيول وكائنات. لقد كانت الطبيعة كتابًا مفتوحًا أمام بصر الشاعر العربيوبصيرته، ومن هنا استلهمها في أشعاره. ويضاف إلى الطبيعة تلك الحروب التي ألهبتمشاعره بحماسة موّارة، ثم حياة الإنسان العربي في بساطتها وفضائلها، وفي معاناتهوصراعاته ضد الجدب والخوف معًا. ومن ثم جاء هذا الشعر ممثلاً لحياة الجزيرة العربيةفي بيئاتها وأحوالها المختلفة، ولحياة الإنسان العربي في أخلاقه وطباعه وعاداتهوعقائده وبطولاته وأفكاره.
كانت للشاعر العربي في قبيلته منزلة رفيعة. كما كانترموز القبيلة العربية الأساسية ثلاثة، هي: القائد، والفارس والشاعر. وكان الشاعر فيالقبيلة لسانها الناطق والمدافع معًا. بل كان بيت الشعر أحيانًا يرفع من شأن قبيلة،كما يُحكى عن بني أنف الناقة الذين كانوا يعيَّرون بلقبهم، حتى كان الرجل منهميحتال على إخفاء لقبه، فما إن قال فيهم الحطيئة بيته الشهير:
قومٌ هم الأنفوالأذناب غيرُهُمُ ومن يُسوِّي بأنف الناقةِ الذَّنبا
حتى صاروا يباهون بلقبهمونسبهم.
يُعدُّ الشعر العربي الجاهلي سجلاً حقيقيًا للحياة العربية والعقلالعربي في ثقافاته وخبراته الحية والمتنوعة، وقد كان الشِّعر الجاهليّ النموذجوالمثال الذي يحتذيه اللاحقون احتذاءً حفظ على الأمة العربية أصالتها، ولكنه لميحُلْ قَطُّ دون محاولات التطور والتجديد في مختلف العصور. وصار الشعر العربيالجاهلي مع قرينه الإسلامي مصدرًا أساسيًا في حركة التأليف في العلوم العربيةوالإسلامية: لغةً ونحوًا وبلاغةً وتفسيرًا، كما انبثق عنه علم العروض والقوافي، وهوأوثق العلوم صلةً بالشعر، فضلاً عن كتب المختارات الشعرية على اختلاف مناهجها، ثمتلك الشروح التي أضاءت النصَّ الشعري أمام قارئه، وبددت عامل الغرابة اللغوية، وغذتالأذواق، بل وأبقت على قريحة الشاعرية العربية، على تباين في مستوى تلك القرائح: أفرادًا وأقاليم وعصورًا.
واشتهرت في الأدب الجاهلي قصائد عُرفت بالمعلقات هيمن النماذج الرّائعة في الأدب العربي.



مظاهر الحياةالعقلية في العصر الجاهلي
صار من الثابت بين الباحثين أن العصر الجاهلي لايشمل كل ما سبق الإسلام من حقب طوالٍ، ولكنه يقتصر على حقبة لا تزيد على القرنين منالزمان، وهي ما اصطلح الباحثون على تسميتها بالجاهلية الثانية، وفي تلك الحقبة ظهرهذا الإنتاج الغزير الناضج من الشعر والنثر، واكتملت للغة العربية خصائصها التيبرزت من خلال هذا النتاج الأدبي الوفير، كما استقرَّ أيضًا رسم حروفها الألفبائية. فما انتهى إلينا، إذن، من أدب جاهلي هو أدب الجاهلية الثانية، وهو ما نستطيع الحديثعنه ودراسة فنونه وخصائصه، أما أدب ما قبل هذه الحقبة التاريخية فهو أدب ما يسمىبالجاهلية الأولى، وهو أدب لم تتوافر نصوص منه، فالحديث عنه غير ممكن. ومن هنا فإنالأبحاث التي استقصت أولية الشعر العربي أو أولية اللغة العربية تقوم على مجردالحدس والتخمين، أو على نوع من الأخبار الوهمية والخرافات.
على أن اللغةالعربية التي سُجِّلت بها النصوص الأدبية في عصر الجاهلية الثانية هي واحدة منالأسرة السامية التي تشمل: 1- الأكادية والبابلية والآشورية. 2-الآرامية. 3- الكنعانية. 4- الحبشية. 5- ثم العربية بفرعيها: الشمالي والجنوبي.

وإذاكانت الأمية قد شاعت بين العرب، فإن هذا لا يعني قط انعدام القراءة والكتابة لديهم،فلقد انتشرت بينهم القراءة والكتابة بالقدر الذي يسمح لهم بتدوين معاملاتهم وآدابهموإذا كانت الذاكرة العربية التي تميزت بالقوة قد حفظت قدرًا كبيرًا من الأشعار، فإنالتدوين أيضًا كان مساندًا للرواية الشفوية.
أمّا طرح ابن سلام في كتابه طبقاتفحول الشعراء لقضية الانتحال فينبغي أن يؤخذ على أنه دليل على ما بذله الأقدمون منجهود لتنقية الشعر الجاهلي من التزييف، ووضع المعايير العلمية الدقيقة لضمان سلامةالشعر الجاهلي وتوثيقه.
الشعر الجاهلي. أما مراكز الشعر العربي في العصرالجاهلي، فإنه بالإضافة إلى الجزيرة العربية نفسها: نجدًا وحجازًا، فقد عاش الشعرالعربي وازدهر في إمارتين اثنتين هما: إمارة الغساسنة والمناذرة، وقد قامتا فيالأطراف الشمالية من شبه الجزيرة.
أما إمارة الغساسنة، فقد قامت في بلاد الشام،حيث اتخذ الرومان، ثم خلفاؤهم البيزنطيون من بعدهم، من الغساسنة حلفاء لهم ضدأعدائهم التقليديين من الفرس، وحلفائهم من المناذرة في العراق. وقد كان الغساسنةعربًا من الجنوب نزحوا إلى الشمال، وأقاموا إمارتهم العربية تلك في شرق الأردن،وكانوا قد تنصّروا في القرن الرابع الميلادي. وكانت إمارة الغساسنة على جانب كبيرمن الثراء والتحضّر، ومن أهم ملوكهم الحارث الأصغر، ثم ابناه من بعده النعمانوعمرو، والأخير هو الذي قصده النابغة الذبياني، كما قصد حسان بن ثابت النعمان بنالمنذر أيضًا ومدحه في قصائد شهيرة، منها قصيدته التي من أبياتها:
أولاد جَفْنةحول قبر أبيهمُ قبر ابن مارية الكريم المفضِلِ
وكما قامت إمارة الغساسنة فيالشام، فقد قامت إمارة المناذرة في العراق. وكما كان الغساسنة عربًا ذوي أصولٍيمنية، فكذلك كان المناذرة. ومثلما قصد شعراءُ الجزيرة أمراءَ الغساسنة، فكذلكقصدوا أمراءَ المناذرة، الذين كان من أشهرهم المنذر بن ماء السماء حوالي (514 - 554م)، وعمرو بن هند (554 - 569م) الذي ازدهرت الحركة الأدبية في أيّامه، وقد وفدعليه في الحيرة، حاضرة المناذرة، عمرو بن قميئة والمسيَّب بن عَلَس والحارث بنحِلِّزة وعمرو بن كلثوم.كما وفد النابغةُ الذبياني على أبي قابوس النعمان بن المنذرالرابع (580 - 602م)، ووفد عليه أيضًا أوس بن حجر والمنخل اليشكري ولبيد والمثقِّبالعبدي وحجْر بن خالد.
ولا شك أن طبيعة المنافسة السياسية بين المناذرةالتابعين لدولة فارس والغساسنة الموالين للبيزنطيين قد انعكست على الحياة الأدبيةعلى نحوٍ ليس بالقليل.

ازدهر الشعر العربي، إبان الجاهلية، ازدهارًا عظيمًاتمثل في هذا العدد الكبير من الشعراء الذين تزخر المصادر بأسمائهم وأشعارهم، إذنظموا في جاهليتهم الأخيرة قبل الإسلام كثيرًا من الشِّعر. ومع هذا فقد ضاع معظمهذا الشعر، على حد قول أبي عمرو بن العلاء : "ما انتهى إليكم مما قالته العرب إلاأقلُّه، ولو جاءكم وافرًا لجاءكم علمٌ وشعر كثير". وقد اشتهرت في الجاهلية بيوتكاملة بقول الشعر، فالنعمان بن بشير، مثلاً، كان أبوه وعمه شاعرين، وكذلك جده، ثمأولاده من بعده. وكعب بن مالك الصحابي الشاعر كان أبوه وعمه شاعرين، ثم أبناؤهوأحفاده، وكذلك كان أمرُ بيت أبي سُلمى، ومنه زهير وولداه كعب وبُجير، وأخوال كعبشعراء، ومنهم بشامةُ ابن الغدير. ثم هناك حسان بن ثابت الصحابي الشاعر، وقد تسلسلالشعر في بيته لبضعة أجيال.
عرف تاريخ الشعر العربي، في العصر الجاهلي، نساءًشواعر منهنَّ على سبيل المثال: الخنساء وخِرْنَق وكبشة أخت عمرو بن معْدي كَرِبوجليلة بنت مُرَّة امرأة كُليب الفارس المشهور، ولها في كليب مراثٍ من عيون الشعرالعربي، وقيسة بنت جابر امرأة حارثة بن بدر ولها أيضًا مراثٍ في زوجها، وأميمةامرأة ابن الدُّمَيْنة. وقد كان أبو نُواس الشاعر العباسي يروي لستين شاعرة منالعرب.
والناظر في المصادر العربية تهوله تلك الكثرة من الأشعار والشعراء خاصةإذا ضَمّ إليها ما جاء في كتب التاريخ والسير والمغازي والبلدان واللغة والنحووالتفسير، إذ تزخر كلها بكثير من أشعار الجاهليين بما يوحي أن الشعر كان غذاءحياتها، وأن هذه الأمة قد وهبت من الشاعرية الفذة ما يجعل المرء يتوهم أن كل فرد منرجالها ونسائها وعلمائها كان يقول الشعر. وتدلُّ هذه الكثرة من الشعر والشعراء علىأن الشاعرية كانت فطرة فيهم، ثم ساندت هذه الفطرة الشاعرة عواملُ أخرى منها تلكالطبيعة التي عاش العربي الأول كل دقائقها من جبال ووهادٍ ووديان وسماء ونجوموأمطار وسيول وكائنات. لقد كانت الطبيعة كتابًا مفتوحًا أمام بصر الشاعر العربيوبصيرته، ومن هنا استلهمها في أشعاره. ويضاف إلى الطبيعة تلك الحروب التي ألهبتمشاعره بحماسة موّارة، ثم حياة الإنسان العربي في بساطتها وفضائلها، وفي معاناتهوصراعاته ضد الجدب والخوف معًا. ومن ثم جاء هذا الشعر ممثلاً لحياة الجزيرة العربيةفي بيئاتها وأحوالها المختلفة، ولحياة الإنسان العربي في أخلاقه وطباعه وعاداتهوعقائده وبطولاته وأفكاره.
كانت للشاعر العربي في قبيلته منزلة رفيعة. كما كانترموز القبيلة العربية الأساسية ثلاثة، هي: القائد، والفارس والشاعر. وكان الشاعر فيالقبيلة لسانها الناطق والمدافع معًا. بل كان بيت الشعر أحيانًا يرفع من شأن قبيلة،كما يُحكى عن بني أنف الناقة الذين كانوا يعيَّرون بلقبهم، حتى كان الرجل منهميحتال على إخفاء لقبه، فما إن قال فيهم الحطيئة بيته الشهير:
قومٌ هم الأنفوالأذناب غيرُهُمُ ومن يُسوِّي بأنف الناقةِ الذَّنبا
حتى صاروا يباهون بلقبهمونسبهم.
يُعدُّ الشعر العربي الجاهلي سجلاً حقيقيًا للحياة العربية والعقلالعربي في ثقافاته وخبراته الحية والمتنوعة، وقد كان الشِّعر الجاهليّ النموذجوالمثال الذي يحتذيه اللاحقون احتذاءً حفظ على الأمة العربية أصالتها، ولكنه لميحُلْ قَطُّ دون محاولات التطور والتجديد في مختلف العصور. وصار الشعر العربيالجاهلي مع قرينه الإسلامي مصدرًا أساسيًا في حركة التأليف في العلوم العربيةوالإسلامية: لغةً ونحوًا وبلاغةً وتفسيرًا، كما انبثق عنه علم العروض والقوافي، وهوأوثق العلوم صلةً بالشعر، فضلاً عن كتب المختارات الشعرية على اختلاف مناهجها، ثمتلك الشروح التي أضاءت النصَّ الشعري أمام قارئه، وبددت عامل الغرابة اللغوية، وغذتالأذواق، بل وأبقت على قريحة الشاعرية العربية، على تباين في مستوى تلك القرائح: أفرادًا وأقاليم وعصورًا.
واشتهرت في الأدب الجاهلي قصائد عُرفت بالمعلقات هيمن النماذج الرّائعة في الأدب العربي.






الحياة العقلية في العصر الجاهلي
العصر الجاهلي :*

*تمهيد:
*يجدر بنا قبل دراسة بعض نماذج الأدب الجاهلي من(الشعر والنثر)وإن كان النثر قليلا جدا مقارنة بالشعر أن نقدم بهذه اللمحة عن بيئة الأدب،و مظاهر الحياة العربية المختلفة من سياسية، واجتماعية، ودينية وعقلية فالأدب صورة للحياة وللنفس وللبيئة الطبيعية و الاجتماعية.
*ويطلق الأدب الجاهلي على أدب تلك الفترة التي سبقت الإسلام بنحو مائة وثلاثين عام قبل الهجرة.وقد شب هذا الأدب وترعرع في بلاد العرب،يستمد موضوعاته ومعانيه،ويستلهم نظراته وعواطفه من بيئتها الطبيعية والاجتماعية والفكرية،ويحدد لنا بشعره ونثره فكرة صادقة عن تلك البيئة.مما يعين الدارس على فهم أدب ذلك العصر،واستنتاج خصائصه التي تميزه عن سائر العصور الأدبية التي جاءت بعده مع أن الكثير منه مجهول لضياع أثاره ولا نعرف عنه إلا القليل .
*بلاد العرب:
يطلق على بلاد العرب جزيرة العرب أو الجزيرة العربية وتقع في الجنوب الغربي من أسيا، وهي في الواقع شبه جزيرة،لأن الماء لا يحيط بها من جهتها الشمالية،لكن القدماء سموها جزيرة تجوزا،وهي في جملتها صحراء ،بها الكثير من الجبال الجرداء،ويتخللها وديان تجري فيها السيول أحيان، وإلى جانب ذلك: بعض العيون والواحات.
*وتحد جزيرة العرب بنهر الفراة وبادية الشام شمالا،وبالخليج العربي،وبحر عمان شرقا،وبالبحر العربي والمحيط الهندي جنوبا وببحر الأحمر (بحر القلزم)غربا،وتبلغ مساحتها نحو ربع أوروبا،وتتكون الجزيرةالعربية من جزأين كبيرين:
*(ا)أما الحجاز:فسمي بهذه التسمية لأن سلسلة جبال السراة التي يصل ارتفاعها أحيانا إلى 3150م،تمتد من الشمال إلى بلاد اليمن جنوبا،فسمته العرب حجازا،لأنه حجز بين تهامة ونجد.والحجاز أرضه قفر، قليلة المطر شديدة الحرارة،إالا في بعض المناطق كالطائف التي يعتدل جوها ،وتجود أرضها وأشهر مدن الحجاز :مكة،وبها (الكعبة )البيت الحرام ،ويثرب (المدينة المنورة)التي هاجر إليها النبي صلى الله عليه وسلم،وبها لحق بربه.وكان يسكن الحجاز من القبائل العربية (قريش)في مكة،و(الأوس والخزرج)في المدينة ،و(ثقيف)في الطائف.
*(ب)وأما اليمن:فيقع جنوبي الحجاز،وهو أرض منخفضة على شاطئ البحر الأحمر،مرتفعة في الداخل،وقد إشتهر بالثروة والغنى والحضارة،جوه معتدل بسبب إشرافه على المحيط الهندي(البحر العربي)و البحر الأحمر،وأمطاره غزيرة وأرضه خصبة.وأشهر مدن اليمن: نجران التي اشتهرت في الجاهلية بإعتناق أهلهاالنصرانية،وصنعاء في الوسط وهي عاصمة اليمن الحديثة،وفي الشمال الشرقي منها مأرب المعروفة بسدها الذي ورد في القران في قصة سبأ.ومن أكبر القبائل التي كانت تسكن اليمن قبيلة همدان،وقبيلتامذحج ومراد.ومناخ شبه الجزيرة قاري،حار صيفا،بارد شتاء،وليس بها أنهار ولذا يعتمد أهلها على الأمطار.
أصل العرب:
يرجع أصل العرب لإلى شعبين عضيمين كبيرين،تفرعت منهما القباائل العربية،وهما:
*(أ)عرب الشمال أوالحجازيون: وهم من نسل عدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام ويسمون: بالعرب المستعربة،لأن إسماعيل عليه السلام لم تكن لغته الأصلية اللغة العربية،وإنما نطق بها لما رحل مع أبيه إبراهيم إلى الحجاز وأصهلر إلى قبيلة جرهم،وتكلم بلسانهم.
*(ب)عرب الجنوب:وهم من نسل قحطان،ويسمون بالعرب العاربة،لأن العربية في الأصل لغتهم ولسانهم.وكل العدنانيين و القحطانيين ينقسمون إلى فرعين أساسيين،وكل فرع ينقسم إلى قبائل متعددة،والقبيلة هي الوحدة التي أقاموا عليها نظامهم الاجتماعي،ومن أشهر القبائل العدنانية:بكر،وتغلب وهما من فرع ربيعة،قريش وكنانة وأسد وقيس وتميم وهم من فرع مضرومن أشهر قبائل القحطانيين:طيئ وكندة ولخم والأزد وغسان، وهم من فرع كهلان،وقضاعة وجهينة و عذرة وكلب وهم من فرع حمير.
و القبيلة:
أسرة واحدة كبيرة تنتمي إلى أب وأم واحدة،ولها شيخ هو سيد القبيلة،ومن وظائفه الفصل بين المتخاصمين وسيادته مستمدة من احترام وإجلال القبيلة له و علاقة القبائل تقوم غالبا على العداء،فالقبيلة إما مغيرة أو مغار عليها،إلا أن يكون بين بعض القبائل حلف أو مهادنة.ولكل قبيلة شاعر أو أكثر يرفع ذكرها،ويتغنى بمفاخرها،ويهجو أعداءها،وكل فرد في القبيلة متعصب لقبيلته، مادح لمحاسنها،وعلى القبيلة أن تحميه، وتدافع عنه،وتطالب بدمه،فالفرد من القبيلة و إليها،حتى ليقول قائلهم:
وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشد.
لغة العرب:
*اللغة العربية هي إحدى اللغات السامية التي نشأت عن أصل واحد،وهيالاشورية والعبرية والسريانية والحبشية)،وتقتصر اللغات العربية في كتابتها على الحروف دون الحركات،ويزيد حروفها عن اللغات الآرية مع كثرة الاشتقاق في صيغها وقد مرت اللغة العربية بأطوار غابت عنها مراحلها الأولى،ولكن مؤرخي العربية اتفقوا على أن للعرب منذ القديم لغتين:جنوبية أو قحطا نية،ولها حروف تخالف الحروف المعروفة، وشمالية أو عدنانية،وهي أحدث من لغة الجنوب،وكل ما وصلنا من شعر جاهلي فهو بلغة الشمال،لأن الشعراء الذين وصلتنا أشعارهم إما من قبيلة ربيعة أو مضر،وهما منا القبائل العدنانية،أو من قبائل يمنية رحلت إلى الشمال، كطيئ وكندة و تنوخ،وقد تقاربت اللغتان على مر الأيام بسبب الاتصال عن طريق الحروب و التجارة والأسواق الأدبية كسوق عكاظ قرب الطائف،وذي المجاز و مجنة قرب مكة. وبذلك تغلبت اللغة العدنانية على القحطانية،وحين نزل القران الكريم بلغة قريش،تمت السيادة للغة العدنانية،وأصبحت معروفة باللغة الفصحى. وقد كان لنزول القران بها اثر في رقيها وحفظها وإثرائها بكمية هائلة من الألفاظ و التعبيرات و المعاني مما أعان على بسط نفوذها،واستمرار الارتقاء بها في المجالات العلمية والأدبية إلى عصرنا الحالي.
العرب الذين أخذت عنهم اللغة:

*قال (أبو نصر الفارابي) في أول كتابه المسمى بالألفاظ والحروف: *كانت(قريش)أجود العرب انتقاء للأفصح من الألفاظ،وأسهلها على اللسان عند النطق،وأحسنها مسموعا، وأبينها عما في النفس.والذين أخذت عنهم العربية هم (قيس)و(تميم)و(أسد) وعليهم إتكل في الغريب و الأعراب والتصريف،ثم(هذيل)وبعض(كنانة)وبعض(الطائيين) ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر القبائل. وبالجملة فإنه لم يؤخذ عن حضري قط،ولا عن سكان البراري ممن يسكن أطراف بلادهم المجاورة لسائر الأمم الذين حولهم.
*و الذي نقل اللغة واللسان العربي عن هؤلاء وأثبتها في كتاب فصيرها علما و صناعة هم أهل(البصرة) و(الكوفة) فقط من بين أمصار العرب.
*حياة العرب السياسية:
تاريخ العرب في الجاهلية غامض،ولم يدون،لتفشي الأمية بينهم،ومع ذلك فقد كانت هناك حياة سياسية، بعضها متصل بنظام حياتهم الداخلية و بعضها الأخر متصل بعلاقتهم وإتصالهم بمن حولهم:
(أ)أما فيما يتصل بنظمهم الداخلية: فقد قامت في اليمن دولة سبأ،التي كانت عاصمتها (مأرب) ،كما قامت دولة حمير التي كانت عاصمتها (ظفار) وقد حاربت الفرس والأحباش،وفي الشمال نجد العدنانيين الذين تعددت قبائلهم وأكبر فروعهم :ربيعة و مضر وكانت بينهما أحداث كثيرة وحروب طويلة،كحرب البسوس بين بكر وتغلب وحرب داحس والغبراء يبن عبس وذبيان،وكانت مكة أعظم موطن العدنانيين و قد سكنتها كنانة و قريش،وانتهت إليهما ولاية البيت الحرام ثم انحصرت في قريش.
*(ب)وأما فيما يتصل بعلاقة العرب بغيرهم:فقد اتصلوا بمن حولهم عن طريق التجارة،وأشار القران الكريم إلى ذلك وكانت هذه التجارة وسيلة إلى معرفتهم ببعض شؤون الممالك وعمرانها،كما نقلوا عن طريق تلك الرحلات كثيرا من ألفاظ تلك الأمم كالفارسية والرومية و المصرية والحبشية و أدخلوها في لغتهم. *وبالإضافة إلى ذلك فقد أقامت الدولتان الكبيرتان (الفرس و الروم) إمارتين عربيتين على حدودها لدفع غزوات العرب،فكونت (فارس) من القبائل المجاورة لحدودها إمارة الحيرة وكان أميرها يعينه ملك فارس ومن أشهرهم النعمان بن المنذر الذي مدحه النابغة الذبياني و إعتذر إليه كذلك أقام الروم إمارة الغساسنة و كانوا يدينون بالنصرانية،واشتهروا بالكرم وقد مدح حسان بن ثابت وغيره بعض أمرائهم،ونتج عن هذا الاتصال بين العرب وجيرانهم تسرب أنواع من الثقافات إليهم،ظهرت في الألفاظ و القصص و الأخبار.

*حياة العرب الأجتماعية
ينقسم العرب إلى قسمين رئيسيين:
*(أ)سكان البدو: وهم أغلب سكان الجزيرة،وعيشتهم قائمة على الإرتحال و التنقل وراء العشب و الماءومن ثم سكنوا الخيام المصنوعة من الوبر و الشعر والصوف،وقد أكثر الشعراء في وصفها و الوقوف أمام أطلالها (ما بقي من أحجار بعد رحيل سكانها) ،وأكثر طعام أهل البادية: الحليب و التمر،والإبل عماد حياتهم،يأكلون من لحومها،ويشربون من ألبانها،ويكتسبون من أوبارها،ويحملون عليها أثقالهم،ولقد قوموا بها الأشياء،وافتدوا بها أسراهم في الحروب: وقال فيها شعراؤهم القصائد الطويلة،كما كانوا يعنون بالخيل، فاستخدموها في الصيد و السباق والحروب،وكانت متاع المترفين،لذلك ورد فيها أقل مما ورد في الإبل.
*وكانت العلاقة بين القبائل العربية علاقة عداء،فسادت الحروب حياتهم وانبعثت من خلالها صيحات السلام، وظهرت عاطفة الإنتقام و الأخذ بالثأر،وكثر في أشعارهم وصف الوقائع و الفخر بالإنتصار والحرص على الشرف،ومن أجل ذلك سادت الأخلاق الحربية فيهم،وهي الشجاعة والكرم والوفاء،ومارس العرب من متع الحياة الصيد،وتفشت بينهم عادة شرب الخمر و لعب الميسر،وخاصة بين المترفين منهم،وقامت حياة العربي في الصحراء على أساس الاعتماد على النفس،ومواجهة الحياة بخيرها وشرها.وشاركت المرأة الرجل في كثير من شؤون الحياة ،وفي الحروب كن يخرجن لإثارة الحماسة،ومما يدل على مكانتها،أنه لا تكاد تخلو قصيدة من الافتتاح بذكرها والتغزل بها.
*(ب)أماسكان الحضر:فقد سكنوا المدن،وعاشوا في استقرار،واتخذوا الدور والقصور،وكانوا أقل شجاعة وأشد حبا للمال،وكان أهل اليمن أرسخ قدما في الحضارة،وقد نقل المؤرخون كثيرا من أحوالهم،في ثيابهم الفاخرة،وأطباق الذهب والفضة التي يأكلون فيها،وتزيين قصور أغنيائهم بأنواع الزينة،وقد أمدهم بذلك كثرة أموالهم عن طريق التجارة و الزراعة،وكانت (قريش) في مكة أكثر أهل الحجاز تحضرا،فقد أغنتهم التجارة ومن يأوي إليهم من الحجيج،فنعموا بما لم ينعم به غيرهم من سكان الحجاز.
حياة العرب الدينية:
تعددت الأديان بين العرب،وكان أكثرها انتشارا عبادة الأصنام و الأوثان،واتخذوا لها أسماء ورد ذكرها في القران الكريم،مثل: (اللات،والعزى،ومناة) وقد عظمها العرب وقدموا لها الذبائح،وتأثرت حياتهم بها،حتى جاء الإسلام فأزالها وأنقذهم من شرها وكان من العرب من عبدوا الشمس كما في بعض جهات اليمن ،ومن عبدوا القمر كما في كنانة،وقد انتشرت اليهودية في يثرب واليمن وانتشرت النصرانية في ربيعة و غسان و الحيرة ونجران،وهناك طائفة قليلة من العرب لم تؤمن بالأصنام ولا باليهودية ولا بالنصرانية و اتجهت إلى عبادة الله وحده وهؤلاء يسمون بالحنفاء وكان من بينهم زيد بن عمرو بن نفيل،وورقة بن نوفل وعثمان بن الحارث.وهكذا تعددت الأديان بين العرب،و اختلفت المذاهب حتى أشرق نور الإسلام فجمع بينهم،وأقام عقيدة التوحيد على أساس من عبادة الخالق وحده لا شريك له.

*حياة العرب العقلية:
*العلم نتيجة الحضارة،وفي مثل الظروف الاجتماعية التي عاشها العرب،لا يكون علم منظم،ولا علماء يتوافرون على العلم،يدونون قواعده و يوضحون مناهجه إذ أن وسائل العيش لا تتوافر،ولذلك فإن كثيرا منهم لا يجدون من وقتهم ما يمكنهم من التفرع للعلم،والبحث في نظرياته وقضاياه.
*وإذا كانت حياة العرب لم تساعدهم على تحقيق تقدم في مجال الكتب والعمل المنظم،فهناك الطبيعة المفتوحة بين أيديهم،و تجارب الحياة العملية وما يهديهم إليه العقل الفطري،وهذا ما كان في الجاهلية،فقد عرفوا كثيرا من النجوم ومواقعها،والأنواء وأوقاتها،واهتدوا إلى نوع من الطب توارثوه جيلا بعد جيل،وكان لهم سبق في علم الأنساب والفراسة،إلى جانب درايتهم القيافة والكهانة،كما كانت لهم نظرات في الحياة. *أما الفلسفة بمفهومها العلمي المنظم،فلم يصل إليها العرب في جاهليتهم ،وإن كانت لهم خطرات فلسفية لا تتطلب إلا التفات الذهن إلى معنى يتعلق بأصول الكون،من غير بحث منظم وتدليل وتفنيد،من مثل قول زهير:
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم
*واكبر ما يتميز به العرب الذكاء وحضور البديهة وفصاحة القول لذلك كان أكبر مظاهر حياتهم الفكرية: لغتهم وشعرهم وخطبهم ووصاياهم و أمثالهم.

المؤلفات التي تناولت الحياة العقلية في العصر الجاهلي هي:
كتاب للشيخ مصطفى الغلاييني::::::::::::::::::::رجال المعلقات العشر.
كتاب لجورجي زيدان:::::::::::::::::: تاريخ الآداب العربية.
لعبد الرحمان شيبان::::::::::::::::::::::::::الادب الجاهلي.
كتاب لطه حسن:::::::::::::::::::العصر الجاهلي كتاب.










رد مع اقتباس
قديم 2012-02-11, 15:07   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

مظاهر الحياة العقلية في العصر الجاهلي
مقدمة :
لقد وجد في أطراف الجزيرة العربية في الجاهلية شئ من العلم، ففي اليمن كان هنالك شئ من العلم والفن وظهر ذلك في طرق إرواء الأرض وهندسة بناء القصور ، كما عُرف الطب والزراعة وبيطرة الدواب وإن لم يكن ذلك علي درجة كبيرة. وقد جائهم ذلك من الفرس والرومان والحبشة حيث كانت اليمن علي إتصال بتلك الأمم
ونجد أيضا في الحيرة العلوم والفنون وقد بنيت بها القصور كقصري الخور نق والسدير وجائهم ذلك من الفرس واليونان حيث كانت الصلة وثيقة بين الفرس وملوك الحيرة مما عمل علي نقل هذه العلوم والمعارف إلي الحيرة.
وفي الشام وُجدت أيضا بعض العلوم والفنون وقد وصلتهم من الرومان واليونان ولقد فتحت صلة الغساسنة ملوك الشام بالرومان طريق العلم إلي جزء من بلاد العرب
أما في أوساط الجزيرة حيث يقيم البدو فقد انعدم العلم اللهم إلا ما استفاده البدو من التجارب أو ما هدتهم إليه العقول أو ما جائهم فيصورة فردية من الأمم المجاورة كعلوم النجوم ومطالعها والطب حيث كانوا يداوا بعض الأمراض بالكي والنباتات الصحراوية وكذا الفراسة وعلم الأنساب والكهانة والعرافة وبيطرة الخيل والجمال والتاريخ وأعظم مظاهر الحياة العقلية عند العرب تلك اللغة التي وصلتنا بما تحمله في طياتها من أمثال وتجارب وحكم وشعر وأدب.
أخلاق العربي في الجاهلية:
لا شك أن أهل الجاهلية كانت فيهم دنايا ورذائل وأمور ينكرها العقل السليم ويأباها الوجدان، ولكن كانت فيهم من الأخلاق الفاضلة المحمودة ما يروع الإنسان ويفضى به إلى الدهشة والعجب، فمن تلك الأخلاق‏:‏
1 ـ الكرم‏:‏ وكانوا يتبارون في ذلك ويفتخرون به، وقد استنفدوا فيه نصف أشعارهم بين ممتدح به ومُثْنٍ على غيره، كان الرجل يأتيه الضيف في شدة البرد والجوع وليس عنده من المال إلا ناقته التي هي حياته وحياة أسرته، فتأخذه هزة الكرم فيقوم إليها، فيذبحها لضيفه‏.‏ ومن آثار كرمهم أنهم كانوا يتحملون الديات الهائلة والحمالات المدهشة، يكفون بذلك سفك الدماء، وضياع الإنسان، ويمتدحون بها مفتخرين على غيرهم من الرؤساء والسادات‏.‏
2 ـ الوفاء بالعهد‏:‏ فقد كان العهد عندهم دينًا يتمسكون به، ويستهينون في سبيله قتل أولادهم، وتخريب ديارهم، وتكفي في معرفة ذلك قصة هانئ بن مسعود الشيباني، والسَّمَوْأل بن عاديا، وحاجب بن زرارة التميمي‏.‏
3 ـ عزة النفس والإباء عن قبول الخسف والضيم‏:‏ وكان من نتائج هذا فرط الشجاعة وشدة الغيرة، وسرعة الانفعال، فكانوا لا يسمعون كلمة يشمون منها رائحة الذل والهوان إلا قاموا إلى السيف والسنان، وأثاروا الحروب العوان، وكانوا لا يبالون بتضحية أنفسهم في هذا السبيل‏.‏
4 ـ المضي في العزائم‏:‏ فإذا عزموا على شيء يرون فيه المجد والافتخار، لا يصرفهم عنه صارف، بل كانوا يخاطرون بأنفسهم في سبيله‏.‏
5 ـ الحلم، والأناة، والتؤدة‏:‏ كانوا يتمدحون بها إلا أنها كانت فيهم عزيزة الوجود؛ لفرط شجاعتهم وسرعة إقدامهم على القتال‏.‏
6 ـ السذاجة البدوية، وعدم التلوث بلوثات الحضارة ومكائدها‏:‏ وكان من نتائجها الصدق والأمانة، والنفور عن الخداع والغدر‏.‏
‏ حياة العرب الأجتماعية
ينقسم العرب إلى قسمين رئيسيين:
(أ) سكان البدو: وهم أغلب سكان الجزيرة،وعيشتهم قائمة على الإرتحال و التنقل وراء العشب و الماءومن ثم سكنوا الخيام المصنوعة من الوبر و الشعر والصوف،وقد أكثر الشعراء في وصفها و الوقوف أمام أطلالها (ما بقي من أحجار بعد رحيل سكانها) ،وأكثر طعام أهل البادية: الحليب و التمر،والإبل عماد حياتهم،يأكلون من لحومها،ويشربون من ألبانها،ويكتسبون من أوبارها،ويحملون عليها أثقالهم،ولقد قوموا بها الأشياء،وافتدوا بها أسراهم في الحروب: وقال فيها شعراؤهم القصائد الطويلة،كما كانوا يعنون بالخيل، فاستخدموها في الصيد و السباق والحروب،وكانت متاع المترفين،لذلك ورد فيها أقل مما ورد في الإبل.
(ب) أماسكان الحضر: فقد سكنوا المدن،وعاشوا في استقرار،واتخذوا الدور والقصور،وكانوا أقل شجاعة وأشد حبا للمال،وكان أهل اليمن أرسخ قدما في الحضارة،وقد نقل المؤرخون كثيرا من أحوالهم،في ثيابهم الفاخرة،وأطباق الذهب والفضة التي يأكلون فيها،وتزيين قصور أغنيائهم بأنواع الزينة،وقد أمدهم بذلك كثرة أموالهم عن طريق التجارة و الزراعة،وكانت (قريش) في مكة أكثر أهل الحجاز تحضرا،فقد أغنتهم التجارة ومن يأوي إليهم من الحجيج،فنعموا بما لم ينعم به غيرهم من سكان الحجاز.
حياة العرب الدينية:
تعددت الأديان بين العرب،وكان أكثرها انتشارا عبادة الأصنام و الأوثان،واتخذوا لها أسماء ورد ذكرها في القران الكريم،مثل: (اللات،والعزى،ومناة) وقد عظمها العرب وقدموا لها الذبائح،وتأثرت حياتهم بها،حتى جاء الإسلام فأزالها وأنقذهم من شرها وكان من العرب من عبدوا الشمس كما في بعض جهات اليمن ،ومن عبدوا القمر كما في كنانة،وقد انتشرت اليهودية في يثرب واليمن وانتشرت النصرانية في ربيعة و غسان و الحيرة ونجران،وهناك طائفة قليلة من العرب لم تؤمن بالأصنام ولا باليهودية ولا بالنصرانية و اتجهت إلى عبادة الله وحده وهؤلاء يسمون بالحنفاء وكان من بينهم زيد بن عمرو بن نفيل،وورقة بن نوفل وعثمان بن الحارث.وهكذا تعددت الأديان بين العرب،و اختلفت المذاهب حتى أشرق نور الإسلام فجمع بينهم،وأقام عقيدة التوحيد على أساس من عبادة الخالق وحده لا شريك له
الشعر في العصر الجاهلي:
يظل الشعر الجاهلي ثرياً، لا يمكن أنْ تحيط به دراسة، وينطوي الشعر الجاهلي على معضلات تعترض القاريء ، إذ يلتقي بنصوص أدبية، فيها قدر من الصعوبة والغموض، وتشتمل على قدر من الخصائص الفنية والجمالية التي لها أهميتها وقيمتها



أهم الشعراء في العصر الجاهلي:
الأعشى
? - 7 هـ / ? - 628 م
ميمون بن قيس بن جندل من بني قيس بن ثعلبة الوائلي، أبو بصير، المعروف بأعشى قيس، ويقال له أعشى بكر بن وائل والأعشى الكبير.
من شعراء الطبقة الأولى في الجاهلية وأحد أصحاب المعلقات.
فلا تحرِمنّي نداكَ الجزيل
فإنّي أُمرؤ قَبْلكُمْ لم أُهَنْ أبو طالب
85 - 3 ق. هـ / 540 - 619 م
عبد مناف بن عبد المطلب بن هاشم من قريش، أبو طالب والد الإمام علي كرم الله وجهه، وعم النبي صلى اللَه عليه وسلم كافله ومربيه ومناصره كان من أبطال بني هاشم رؤسائهم، ومن الخطباء العقلاء الأباة.
ألا إنَّ خيرَ الناسِ حيّاً وميِّتاً
بِوادي أشِيٍّ غيَّبَتْهُ المقابِر أوس بن حجر
95 - 2 ق. هـ / 530 - 620 م
أوس بن حجر بن مالك التميمي أبو شريح.
شاعر تميم في الجاهلية، أو من كبار شعرائها، أبوه حجر هو زوج أم زهير بن أبي سلمى، كان كثير الأسفار، وأكثر إقامته عند عمرو بن هند في الحيرة
تَنَكَّرتِ مِنّـا بَعـدَ مَعرِفَـةٍ لَمـي وَبَعدَ التَّصَابِي وَالشَّـبَابِ المُكَـرَّمِ
المعلقات العشر:
معلقة عنترة بن شداد معلقة زهير بن أبي سلمى
معلقة طرفة بن العبد معلقة امرئ القيس
معلقة لبيد بن ربيعة العامري معلقة النابغة الذبياني
معلقة عمرو بن كلثوم معلقة الأعشى
معلقة عُبَيد بن الأبرص معلقة الحارث بن حلزة

النثر: النثر هو كلام اختيرت ألفاظه وانتقيت تراكيبه وأحسنت صياغة عباراته بحيث يؤثر في المستمع عن طريق جودة صنعته. فهو يختلف عن الكلام العادي الذي يتكلم به الناس في شؤونهم العادية. وأنواع النثر الجاهلي هي: الخطابة والأمثال والحكم والقصص وسجع الكهان. وسجع الكهان يتصف بقصر جمله وكثرة غريبه والتوازن في عباراته، ويحرص الكاهن على إخفاء كلامه باتباع هذا الأسلوب، والخطابة من أبرز أنواع النثر في العصر الجاهلي، وتتلوها من ناحية الأهمية: الأمثال؛ لسيرورتها بين عامة الناس وخاصتهم ولهذا فسنتناول هذين النوعين بشيء من التفصيل
أبرز كتاب النثر:
قيس بن خارجة بن سنان زهير ابن جناب هاشم بن عبد مناف وابنه عبد المطلب
هانيء بن مسعود الشيبان حاجب بن زرارة الحارث بن عبّاد البكرى
* قس بن ساعدة أكثم بن صيفى

المؤلفات التي تناولت الحياة العقلية في العصر الجاهلي هي:
كتاب للشيخ مصطفى الغلاييني :::::::::::::::::::: رجال المعلقات العشر.
كتاب لجورجي زيدان :::::::::::::::::: تاريخ الآداب العربية.
لعبد الرحمان شيبان ::::::::::::::::::::::::: الادب الجاهلي.
كتاب لطه حسن ::::::::::::::::::: العصر الجاهلي كتاب

مدلول مصطلح الجاهلية :
ونحب أن نصحح بعض المفاهيم الخاطئة عن هذا العصر ، فقد درج أكثر القدماء والمحدثين على تفسير معنى الجاهلية بالأمية، أي عدم معرفة القراءة والكتابة، وَوُصمَ العصرُ الجاهليُّ بالتخلّف الحضاريّ، وأبناء العصر بالتخلّف الثّقافيّ. ولكن النظرة الموضوعية أسهمتْ في إزالة الغبار الذي علق بهذا المصطلح، وقد رأى فيليب حَتي أن الحقيقة خلاف ذلك. فالجاهلية في المعنى الصحيح هي ذلك العصر ، الذي لم يكن لبلاد العرب فيه ناموس وازع، ولا نبيٌّ ملهم، ولا كتاب منـزل . فمن الخطأ أن نصف بالجهل والهمجية هيئة اجتماعية امتازت بما يمتاز به عرب الجنوب من ثقافة ، وحضارة قطعتْ في ميدان التجارة والأشغال شوطاً بعيداً قبل الإسلام بقرون متطاولة “.
وهكذا ينتهي المؤلف إلى تفسير فكرة الجاهلية على أساس ديني محض، فالعرب لم يكونوا أُميين، ووصْفهم بالجاهلية إنما هو تعبير عن أميتهم الدينية. وشبيه بذلك ما ذهب إليه الدكتور ناصر الدين الأسد، حيث يقول نافياً تجهيل الجاهلية :” إن حياة العرب في الجاهلية – فيما بدا لنا- بعيدة كل البعد عما يتوهمه بعض الواهمين ، أو يقع فيه بعض المتسرعين الذين لا يتوقفون، ولا يتثبتون، فيذهبون إلى أن عرب الجاهلية لم يكونوا سوى قوم بدائيين، يحيون حياة بدائية في معزل عن غيرهم من أمم الأرض… ونذهب إلى أن عرب الجاهلية الأخيرة كانوا من الحضارة بمنزلة لا سبيل إلى تجاوزها ، ولا مزيد عليها لمستزيد….
ومن الباحثين من ذهب إلى أن كلمة الجاهلية أُطلقتْ على هذا العصر ، ليست مشتقة من الجهل الذي هو ضد العلم ونقيضه، وإنما هي مشتقة من الجهل بمعنى السفه والغضب ، والنّزق، فالكلمة إذن تنصرف إلى معنى الجهل الذي هو مقابل الحلم، ومن هذا قولُ الشنفرى الأزدي في لاميته:
ولا تزدهي الأجهالُ حِلْمي ولا أُرى سؤولاً بأعقاب الأقاويل أنمل
والى هذا المعنى يذهب عمرو بن كلثوم في معلقته إلى القول:
ألا لا يجهلنْ أحدٌ علينا فنجهلَ فوق جهل الجاهلينا
بُغاةً ظالمين وما ظُلمْنا ولكنّـا سنبـدأ ظالمينـا
وواضح من هذه الأقوال أن الجهل هنا يُقصد به الحمقُ والسّفهُ ، وعدمُ ضبط النفس ، وفقدانُ سيطرة العقل ، وعدمُ السلوك الحكيم.
ولكن ينبغي أن ننبه إلى أن هذا لم يكن حال القوم في مجموعهم، ولم يكن كل من عاش في ذلك العصر متصفاً بهذه الصفات التي تتنافى مع العقل والحكمة، والاتزان، والروية . فقد كان هناك أفراد اشتهروا بالعقل السديد ،والرأي الصائب، وبُعْدِ النظر، كزهير بن أبى سلمى، وأوس بن حجر، وعبيد بن الأبرص، والحارث بن عوف، وهرم بن سنان ، وقيس بن عاصم ، والحارث بن عباد، وعامر بن الظرب العدواني ، والربيع بن زياد العبسي. وكانت سمتهم الظاهرة الحكمة ، حتى أن العرب اتخذوا من أولئك العقلاء حكاماً ، يستشيرونهم في شؤونهم ، ويحكمونهم في دمائهم ومواريثهم، اذكرُ منهم : اكثم بن صيفي ، وضمرة بن ضمرة النهشلي، وربيعة بن مخاشن، وحاجب بن زراة .
والأولى أن تكون كلمة الجاهلية قد أُطلقتْ – حين أطلقت – لتدل على شيوع عبادة الأوثان بينهم، فلا شك أن من بين العرب من كان يركع لصنم، أو ينحر لنصب، أو يتمسح بوثن، تقرباً لله وزلفى. فالجاهلية مصطلح إسلامي يشير إلى أن العرب قبل الإسلام لم تكن ناعمة بزمن الإسلام، وإشراق تعاليمه)، وليس ثمة ما يُسوّغ انصراف مصطلح الجاهلية إلى توحّش العرب ، وجهلهم بعلوم زمانهم
ويمكن ردّ التطرف ضد العرب قبل الإسلام ، ونعتهم بالتوحش ، والجهل المطبق إلى ثلاثة أسباب :
الأول : دينيّ ، ويتضح من خلال الحرص على تبيان أثر الإسلام في المجتمع العربي ، وكأنّ الإسلام قد خلق هؤلاء الذين آمنوا خلقاً جديداً ،لم يكونوا قبله شيئاً يذكر
الثّاني: شعوبي، ومن المعلوم أن الشعوبية تنوء بكراهية العرب، فلم تتركْ عادة قبيحة ، إلا وألصقتْها بالعرب، إذ لم يرُق لهم كونُ العرب أمةً تسعى للمعرفة والخير) .
الثالث : المستشرقون ، وإذا كان بعضهم – ممن اتسم سلوكه بالموضوعية، والأمانة العلمية – قد أفاد مكتبة العصر الجاهلي الأدبية ، سواء أكان ذلك بالأبحاث ، أو تحقيق بعض دواوين الشعراء ، فإن دراسات بعضهم من أمثال مرجوليوث ،ورينان وأوليري ، ” قد أساؤوا إلى العرب وأدبهم وحضارتهم وعقليتهم ” إساءة متعمدة فقد صدروا – فيما كتبوا – عن روح عنصرية يبرأ منها العلم
صورة موهومة شائعة عن حياة العرب قبل الإسلام
شرّ ما تُصابُ به الشّعوبُ ، أن يتحرّى القائمون على ثقافتها مرضاة العوام، بكل ما يسخط الحق ، ويمسخ التاريخ.
يكتب الكاتبون كتباً ومقالات ، ويتحدث الواعظون في مجالسَ وندواتٍ، فلا يكون لهؤلاء ولا لأولئك حديثٌ أحبّ إليهم ، ولا أرضى لعواطفهم من أن يخلعوا على الأمة العربية في عصر ما قبل الإسلام كلّ ما يضع من أحساب العرب، ويغضّ من أقدارهم، ويرمي بهم في مطارح الرذيلة، وكأن الإسلام قد خلق الذين أيدوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم- خلقاً جديداً ، لم يكونوا قبله شيئاً يذكر بفضل أو ينسب إلى كرم.
وحقيقة الأمر ” أن الإسلام لا يمكن أن يكون شجرة منبتة الأصل عن البيئة التي وجدت فيها، لا تمتّ بنسب إلى عقول العرب، وهذا يخالف طبيعة الأشياء”).
ويكفي للدّلالة على خُلق القوم قبل الإسلام ، وعلى ما كانوا يتّصفون به من مُثُل عليا – ما قال الرسول- صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر :” يا أبا بكر ، أيّةُ أخلاق في الجاهلية هذه ، ما أشرفها ! بها يدفع الله عزّ وجلّ بأس بعضهم عن بعض، وبها يتحاجزون فيما بينهم”. وإذا أسبغ الرسول الكريم على العرب في جاهليتهم هذا الشرفَ، وأثنى عليهم، فليس عجيباً أن يروى عن عمرَ بن الخطاب – رضي الله عنه- قولُه:” إني لأعلم متى تهلك العرب، إذا جاوزوا الجاهلية فلم يأخذوا بأخلاقها ، وأدركوا الإسلام فلم يَقُدْهُمُ الورع”
ولستُ أزعم أني سأفتح في هذا الكتاب فتوحاً في التاريخ والاجتماع، ولكني أرجو أن أكشف عن بعض الحقائق.
فقد غبر الناس في وهم عجيب ، وتصوّر أعجب منه للحياة السابقة للإسلام. فعندهم أن العرب قد جاءهم الإسلام ، وهم يعيشون عيش الجماعات البدائية ، التي تبرأ حياتها من النظام، فهم في فرقة أبداً ، وفي حروب لا تنقطع، وليست حروبهم في سبيل غاية سامية، وإنما هي غارات قبلية يشنها قويُّهم على ضعيفهم، وتقوم فيها القبيلة للقبيلة، والطائفة للطائفة في جماعة لا تربط فيها بين الناس إلا تلك الروابطُ الساذجةُ من القرابة أو النّسب، التي تقوم بين أعضاء الأسرة، وأن هذه الروابطَ هي التي تنتهي عندها كلّ العلاقات، وتتكيف على مقتضاها الفضائل والأخلاق.
وأول ما أحبّ أن أقولَه هو أن هذه الصورةَ ليستْ صحيحة، وأن هذا الوهمَ خاطئ، فالعرب يوم جاءهم الإسلام لم تكن تنزل من حياتهم تلك المنزلة الجسيمة هذه الدّواعي التافهة، والعرب لم يكونوا يومئذ جماعة بدائية، يعيش أهلها عيْش السّائمة ، لا تحكمهم فيما بينهم إلا تلك العلاقاتُ ،التي لا تسود الجماعاتِ إلا في الطّور الباكر من تاريخها.
وانك ليسقط عندك هذا الوهمُ، إذا أنت نظرت فوجدت أن هذه الأمة التي تُصور لنا هذا التصوير، هي نفسها التي تتحدث لغة تستطيع ، وأنت مطمئن تمام الاطمئنان، أن تضعها في مقدمة اللغات القديمة والحديثة كلها ، سلامة ،واكتمالاً، وجمالاً ، ووفاء ،وحيوية.
فهذه اللغة موزونة ، يعتمد اللفظ من ألفاظها على بنية موسيقية سليمة … وما كذلك تكون لغات الأمم، إذا كانت عند بداية تكونها الاجتماعي، وعلى عتبة التنبه العقلي والفكري. وإنما تكون عند هذه المرتبة لغة قوم بعد أن تدور في آفاق واسعة من التعبير عن الحاجات والمشاعر ، وتمتد إلى أعماق بعيدة من التحضر لا يمكن أن تتهيأ لأمة من الأمم، إذا كانت عند مطلع التكوين الاجتماعي والقومي. فاللغة العربية لا يمكن أن تكون لغةَ قوم كانت تلك حالهم قبل الإسلام مباشرة.
الجاهلية في اللغة والأصول :
الظاهر أن الجاهلية نسبة إلى الجاهل وهو من لفظ الجهل الذي هو ضد العلم والمعرفة، وهناك رأي يقول إنها ليست من الجهل الذي هو ضد العلم، ولكن من الجهل الذي هو السفه أي ضد الحلم، وهو شدة الأنفة والخفة والغضب.
والواقع أنه لا تعارض بين الاثنين؛ فإن العرب قد أطلقت الجهل على المعنيين كما أن بينهما صلات وروابط، إحداها معرفي والآخر أخلاقي.
وقد استخدمت النصوص الشرعية معنى ثالثًا لهذه اللفظة، بأن جعلت من الجاهلية مذهبًا وطريقة تضاد وتقابل منهج الحياة في الإسلام.
فمن الآيات التي وردت فيها هذه المادة بمعنى العلم قوله تعالى: “للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربًا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف” (البقرة: 273)، ومن الآيات التي وردت فيها بمعنى الطيش والسفه قوله تعالى: “إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليمًا حكيمًا” (النساء: 17).
ويلاحظ أن القرآن الكريم قد أورد مصطلح “الجاهلية” بالمعنى الثالث في سياقين:
الأول: يقابل بين النبوات وأتباعها وبين الجاهلين؛ فهي على المستوى الاعتقادي تتضمن موقفًا من الوحي والغيب بأسسه ومنطلقاته، يرتكز على تصور الخالق بشكل مادي مجسد تدركه الحواس.
الثاني: استخدم الجاهلية كمرجعية تقاس عليها الأشياء فثمة اعتقاد بالله سبحانه وتعالى له آثار سلوكية مختصة بالجاهلية يتباين بشكل كامل عن اعتقاد آخر له آثار سلوكية أخرى يختص بها الإسلام.
وبناء على ذلك، استخدمت لفظة الجاهلية كوصف للاعتقاد (آل عمران: 154، والحكم
أديان العرب في الجاهلية :
كانت لبلاد الحجاز أهميتها من الناحية الدينية، ففيها تلاقت جميع الأديان الوثنية وعبدة الكواكب والنار إلى جانب اليهودية والنصرانية، وقد كان بعض العرب يقدّسون الحيوان ويعبدونه لتحصيل البركة ويتسمّون بأسماء الحيوان، أو بأسماء طيور أو أسماء حيوانات مائية أو بأسماء نباتات أو بأسماء أجزاء من الأرض أو بأسماء حشرات، فهذه الأسماء تدل على تقديس العرب للحيوانات والنبات إلى جانب تفاؤلهم بها، كذلك كانوا يتعمدون تسمية أبنائهم بمكروه الأسماء وتسمية عبيدهم بمحبوب الأسماء، وكانت هذه التسميات تتسم بطابع الحياة التي كان يعيشها المجتمع العربي آنذاك.
ومن اللافت للانتباه أنّ العربي في تلك الحقبة كان يتجنب قتل بعض الحيوانات اعتقاداً منه أنه لو قتله جوزِيَ بقتله، بالإضافة إلى ذلك، فإنه كان يتفاءل ببعض الطيور كالحمام ويتشاءم من بعضها كالغراب، وأكثر من ذلك، فإنه كان يؤمن بوجود قوى خفية روحية مؤثرة في العالم والإنسان، وهذه تكمن في بعض الحيوانات والطيور والنبات والجماد وبعض مظاهر الطبيعة المحيطة به كالكواكب، الأمر الذي أدى به إلى أن يربط بين هذه الكائنات والموجودات وبين القوى الخفية.
ولكن هذه الحالة الاعتقادية ما لبثت أن تطورت ممثلة بالوثنية التي تجاوزت حدود المعقول، وأدت إلى عبادة قطع من الصخور التي كان يستحسن مظهرها وهيئتها، وهذا بدوره أدى إلى نسج الأساطير والقصص بالموجودات التي تحيط به، كالجبال والآبار والأشجار.
ولم يكن تقديسه لهذه المظاهر الطبيعية وعبادته لها باعتبارها تمثل أرباباً، ولكنه كان يشعر تجاهها بنوع من الإجلال والتقدير، وقد تنوّعت طرق تعاطيه معها، فتارة يقدسها، وأخرى يستقسم بها وثالثة يأكلها حين الجوع…
أ ـ عبدة الأصنام والأوثان:
كان العرب في الجاهلية يعبدون الأصنام والأوثان والأنصاب التي تحوّلت كما يبدو إلى أصنام، وكانت الأصنام على أشكال متنوعة، منها ما هو على صورة إنسان أو حيوان أو طير، ومن أشهرها (ود، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسرا، واللات والعزى، ومنآة، وهبل..).
ب ـ عبدة الكواكب والنار:
لم تقتصر الحياة الدينية في شبه الجزيرة العربية على عبادة الأصنام والأوثان، بل وجدت بعض الفئات الأخرى التي انصرفت إلى عبادة الكواكب والنجوم بأشكالها المتعددة كالشمس والقمر والزهرة وعطارد والثريا وغيرها..
وقد عرفت هذه الجماعة بالصابئة التي استمدّت أصولها الاعتقادية كما تدعي بالأخذ من محاسن ديانات العالم وإخراج القبيح منها قولاً وفعلاً، ولهذا سموا بـ”الصابئة”، وقد وجد إلى جانب هؤلاء عبدة النار “المجوسية”، وكانت قد عرفت هذه الديانة عن طريق الفرس في الحيرة واليمن، كما انتشرت الزندقة بين صفوف سكان شبه الجزيرة في الحيرة.
والزنادقة قوم أنكروا الخالق والبعث، ومنهم من أنكر الرسالة وأنكر بعث الأنبياء، وإلى جانب هذه النظرات الاعتقادية وعبادة الأوثان، نجد أنه كان للعرب آراء ومعتقدات خرافية، فمثلاً كانت لهم في الجاهلية مذاهب في النفوس، فمنهم من زعم أنّ النفس هي الدم وأن الروح هي الهواء، وزعمت طائفة أن النفس طائر ينبسط في جسم الإنسان فإذا مات لم يزل مطيفاً به في صورة طائر يصرخ على قبره مستوحشاً ويسمونه “إلهام” و”الواحدة”، كما أنهم كانوا يعتقدون بالوهميات كالغول وغير ذلك…
تأثيرات عرب الجاهلية :
قال المعترضون إنه بما أن محمداً كان قد عزم على إنقاذ العرب وتحريرهم من عبادة الأصنام وهدايتهم إلى عبادة الله، وبما أنه كان يعرف أنهم كانوا في زمن إبراهيم مؤمنين بوحدانية الله، وبما أنهم حافظوا على كثير من العادات والفروض بطريق التوارث عن آبائهم الأتقياء، فإنه لم يُلزِمهم أن يتركوها كلها، بل بذل الجهد في إصلاح ديانتهم، وإبقاء كل عادة قديمة رأى أنها موافقة ومناسبة. فقال: »ومن أحسن ديناً ممَّن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفاً واتخذ الله إبراهيم خليلاً« (سورة النساء 4: 125)، وقال: »قل صدق الله فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين« (سورة آل عمران 3: 95)، وقال: »قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين« (سورة الأنعام 6: 161). وبما أن محمداً ظن أن العرب حافظوا من عصر إبراهيم على جميع عاداتهم وفروضهم، ما عدا عبادة الأصنام والشِرك ووأد البنات والأطفال وما شاكل ذلك من العادات الكريهة، أبقى كثيراً من هذه العادات الدينية والأخلاقية في ديانته وحافظ عليها.
ومعروفٌ أن بعض قبائل جنوب بلاد العرب وشرقيها اختلطوا مع نسل حام بن نوح، وقال ابن هشام والطبري وغيرهما إن كثيرين من سكان جهات بلاد العرب الشمالية والغربية تناسلوا من سام بن نوح، وبعضهم تناسل من قحطان (يقطان)، وبعضهم تناسل من أولاد قطورة زوجة إبراهيم الثانية، وتناسل البعض الآخر (ومنهم قبيلة قريش) من إسماعيل بن إبراهيم. ولا ينكر أحد أن جميع القبائل التي تناسلت من ذرية سام كانوا يؤمنون بوحدانية الله. ولكن مع مرور العصور أخذوا الشرك وعبادة الأصنام من القبائل السورية وسكان الجهات المجاورة لهم، وأفسدوا ديانة أسلافهم، وفسدوا هم أنفسهم. ومع ذلك، لما نسيت جميع الأمم الأخرى (ما عدا اليهود) وحدانية الله، كان سكان الجهات الشمالية والغربية من شبه الجزيرة العربية متمسكين بالوحدانية تمسكاً راسخاً. والأرجح أن دخول عبادة الشمس والقمر والكواكب بين سكان تلك الجهات بدأ في عصر أيوب (أيوب 31: 26-28). وقال هيرودوت، أشهر مؤرخي اليونان (نحو 400 ق م) إن العرب سكان تلك الجهات كانوا يعبدون معبودين فقط، هما »أُرُتال« و»ألإلات« (تاريخ هيرودوت، كتاب 3 فصل . وقصد هيرودوت بالمعبود »أُرُتال« الله، فإن هذا هو اسمه الحقيقي. ومع أن هيرودوت زار بلاد العرب، إلا أنه كان أجنبياً، فلم يتيسَّر له ضبط هذا الاسم، فحرَّفه لجهله باللغة العربية وتهجئتها والنطق بها. ومن الأدلة القوية الدالة على أن هذه التسمية (أي الله) كانت مشهورة ومنتشرة بين العرب قبل زمن محمد، أنه كثيراً ما ذُكر اسم الله في سبع معلَّقات العرب (وهي تأليف مشاهير شعراء العرب قبل مولد محمد، أو على الأقل قبل بعثته) فقد ورد في ديوان النابغة ما نصه:
لهم شيمةٌ لم يعطها اللهُ غيرَهم من الجود والأحلام غير مَوَازِبِ
محلَّتهم ذاتُ الإلهِ ودينُهم قويمٌ فما يَرجون غيرَ العواقبِ
وأيضاً:
ألم ترَ أن اللهَ أعطاك سورةً ترى كل مَلِكٍ دونها يتذبذبُ
أنك شمسٌ والملوكُ كواكبٌ إذا طلعَت لم يبْدُ منهنَّ كوكبُ
وأيضاً:
ونحن لديه نسألُ اللهَ خُلْدَهُ يردُّ لنا مُلكاً وللأرض عامراً
ونحن نزجّي الخُلد إن فاز قِدْحُنا ونرهبُ قِدحَ الموتِ إن جاء قاهراً
وقال لبيد في ديوانه:
لعمرِك ما تدري الضوارب بالحصى ولا زاجراتُ الطيرِ ما اللهُ صانعُ
وقد كانت الكعبة من قديم الأيام أقدس مسجد عند جميع قبائل العرب. قال ثيودور الصقلي، أحد مؤرخي اليونان (نحو 60 ق م) إن العرب كانوا يعتبرون الكعبة في ذلك الوقت مسجداً مقدساً (تاريخ ثيودور الصقلي كتاب 3) وكان يطلق على هذا المقدس »بيت الله«. ويُستدل من دخول أداة التعريف على لفظ الجلالة أن العرب لم ينسوا عقيدة وحدانية الله، وأنه كان عندهم كثير من المعبودات، حتى أطلق عليهم القرآن بسببها اسم »المشركين« لأنهم أشركوا مع الله غيره من المعبودات وعبدوها، وظنوا أنها شريكة معه في الإكرام والعبادة. ولكنهم كانوا يقولون لا نعبد هذه المعبودات الثانوية كما نعبد الله الحي (الذي هو الله) بل بالعكس إنّا نعتبرهم شفعاء، ولنا الرجاء أن بشفاعتهم نستميل الله الحقيقي لإجابة طلباتنا. وقال الشهرستاني: »إن العرب كانوا يقولون الشفيع والوسيلة منّا إلى الله تعالى هم الأصنام المنصوبة، فيعبدون الأصنام التي هي الوسائل« (الملل والنحل ص 109). ومن الأدلة على أن عبَدة الأصنام كانوا يعتقدون بهذا، ما ورد في كتاب »المواهب اللدنية«: »قدِم نفرٌ من مهاجري الحبشة حين قرأ محمد »والنجم إذا هوى« (سورة النجم 53: 1) حتى بلغ »أفرأيتم اللات والعزى، ومناة الثالثة الأخرى« (53: 19 و20) ألقى الشيطان في أمنيته (أي في تلاوته) »تلك الغرانيق العُلى، وإن شفاعتهنَّ لتُرتجي« فلما ختم السورة سجد (ص) وسجد معه المشركون لتوهُّمهم أنه ذكر آلهتهم بخير. وفشى ذلك بالناس وأظهره الشيطان حتى بلغ أرض الحبشة، ومَن بها مِن المسلمين: عثمان بن مظعون وأصحابه، وتحدثوا أن أهل مكة قد أسلموا كلهم وصلوا معه (ص) وقد أمِن المسلمون بمكة، فأقبلوا سِراعاً من الحبشة«.
وذكر ابن إسحق، وابن هشام، والطبري وكثيرون غيرهم من مؤرخي الإسلام هذه الحكاية أيضاً، وأيدها يحيى، وجلال الدين، والبيضاوي في تفاسيرهم لسورة الحج 22: 52 »وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته، فينسخ الله ما يلقي الشيطان«. وقال الشهرستاني بخصوص مذاهب قدماء العرب وعاداتهم: »والعرب الجاهلية أصناف، فصنفٌ أنكروا الخالق والبعث وقالوا بالطبع المحيي والدهر المغني، كما أخبر عنهم التنزيل. وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا. وقوله: »وما يهلكنا إلا الدهر« (سورة الجاثية 45: 23). وصِنفٌ اعترفوا بالخالق وأنكروا البعث، وهم الذين أخبر الله عنهم بقوله: »أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد« (سورة ق 50: 14). وصنفٌ عبدوا الأصنام وكانت أصنامهم مختصة بالقبائل، فكان وُدٌّ لكلب، وهو بدومة الجندل، وسُواع لهذيل، ويغوث لمَذْحَج ولقبائل من اليمن، ونسر لذي الكلاع بأرض حمير، ويَعوق لهمذان، واللات لثقيف بالطائف، والعُزَّى لقريش وبني كنانة، ومناة للأوس والخزرج، وهُبَل أعظم أصنامهم. وكان هُبل على ظهر الكعبة، وكان آساف ونائلة على الصَّفا والمروة. وكان منهم من يميل إلى اليهود، ومنهم من يميل إلى النصرانية، ومنهم من يميل إلى الصابئة، ويعتقد في أنواء المنازل اعتقاد المنجِّمين في الكواكب حتى لا يتحرك إلا بنوء من الأنواء، ويقول أمطرنا بنوء كذا. وكان منهم من يعبد الملائكة، ومنهم من يعبد الجن. وكانت علومهم علم الأنساب، والأنواء، والتواريخ، وتفسير الأحلام، وكان لأبي بكر الصديق فيها يدٌ طولى«.
وكانت الجاهلية تفعل أشياء جاءت شريعة الإسلام بها، فكانوا لا ينكحون الأمهات والبنات، وكان أقبح شيء عندهم الجمع بين الأختين، وكانوا يعيبون المتزوّج بامرأة أبيه ويسمونه »الضيزن«. وكانوا يحجّون البيت ويعتمرون ويحرمون ويطوفون ويسعون ويقفون المواقف كلها ويرمون الجمار، وكانوا يكسبون في كل ثلاثة أعوام شهراً، ويغتسلون من الجنابة. وكانوا يداومون على المضمضة والاستنشاق وفرق الرأس والسواك والاستنجاء وتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة والختان، وكانوا يقطعون يد السارق اليمنى (من كتاب الملل والنحل للشهرستاني).
قال ابن إسحاق وابن هشام إن ذرية إسماعيل كانوا أولاً يعبدون الله الواحد ولا يشركون معه أحداً، ثم سقطوا في عبادة الأصنام. ومع ذلك فقد حافظوا على كثير من العادات والفروض التي كانت في أيام إبراهيم، فلم ينسوا أن الله كان أرفع من معبوداتهم، بل أنه هو الحاكم والمتسلط عليها جميعاً. وذُكر في
سيرة الرسول:
»خلفت الخلوف ونسوا ما كانوا عليه، واستبدلوا بدين إبراهيم وإسمعيل غيره، فعبدوا الأوثان وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم قبلهم من الضلالات. وفيهم على ذلك بقايا من عهد إبراهيم يتمسكون بها، من تعظيم البيت والطواف به والحج والعمرة والوقوف على عرفة والمزدلفة وهدي البدن والإهلال بالحج والعمرة، مع إدخالهم فيه ما ليس منه. فكانت كنانة وقريش إذا أهلوا قالوا: »لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك«. فيوحدونه بالتلبية ثم يُدخلون معه أصنامهم ويجعلون ملكها بيده«.
وذكر في القرآن قوله »إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر، ما من شفيع إلا من بعد إذنه. ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون« (سورة يونس 10: 3). فالواضح من هذا أن العرب في أيام الجاهلية كانوا يعبدون الله بشفاعة العزى ومناة واللات (كما يطلب المسلمون في الوقت الحاضر غفران الخطايا من الله عز وجل بشفاعة الأولياء). وحينئذ يصدق على العرب الوثنيين لا مسلمي هذا الزمان قول القرآن إنهم مشركون. فينتج من ذلك أن سكان بلاد العرب حافظوا على عبادة الله إلى عصر محمد، واعترفوا بوحدانيته. وبناءً على ذلك يقول المعترضون إن محمداً أخذ هذه العقيدة من قومه وتعلمها من جدوده وأسلافه، ويتضح من اسم والده »عبد الله« واسم ابن أخيه »عبيد الله« الوارد فيهما لفظ الجلالة بأداة التعريف (وهي دلالة على الوحدانية) أن هذه العقيدة الشريفة كانت معروفة قبل بعثة محمد، وأن الديانة الإسلامية أخذت عادات الطواف والإهلال والإحرام وغيرها كثيراً من ديانة هذه القبائل القديمة.
وكان الختان من هذه العادات، كما قال الشهرستاني. ويتضح من نبذة صغيرة تسمى »رسالة برنابا« أن الختان لم يكن عند العرب فقط من قديم الزمان، بل كان مرعياً عند أمم كثيرة أيضاً، فإن مؤلف هذه الرسالة (التي كُتبت نحو سنة 200م) قال: »إن كل سوري وعربي، وجميع كهنة الأصنام يختتنون«. وكان الختان مرعياً عند قدماء المصريين أيضاً. ومع أن العرب كانوا يعبدون أصناماً كثيرة في أيام محمد، حتى كان يوجد في الكعبة 360 تمثالاً، إلا أن ابن إسحق وابن هشام قالا إن عمراً بن لحي وهذيل بن مدركة أتيا بعبادة الأصنام منسوريا إلى مكة خمسة عشر جيلاً قبل عصر محمد. ولا يحتاج أحد إلى وحي وإلهام لمعرفة قباحة وبطلان هذه العادة المستحبَّة جداً عند العرب، بحيث لم يتمكن محمد من منعهم عن مزاولتها. وهذا هو سبب تقبيل الحجاج الحجر الأسود إلى يومنا هذا.
واضحٌ أن مصدر الديانة الإسلامية الأول كان تلك الفروض الدينية والعادات والاعتقادات التي كانت متداولة وسائدة في أيام محمد بين قبائل العرب، ولا سيما قريش .
ولم أعرف جواباً يرد به المسلمون على أقوال المعترضين هذه، إلا قولهم إن هذه الفروض والعادات أنزلها الله أولاً على إبراهيم، ثم أمر محمداً أن يبلغها للناس ثانية ليتمسكوا بها تمسكاً راسخاً. ولكن واضحٌ من خمسة أسفار موسى أن الاعتقاد بوحدانية الله، وفرض الختان كان من أركان ديانة إبراهيم، إلا أنه لم يرد في التوراة والإنجيل ذكر لمكة ولا للكعبة ولا للطواف ولا للحجر الأسود ولا للإحرام. ولا شك أن العادات المرتبطة والمتعلقة بهذه الأشياء هي اختراعات عبدة الأصنام، وليس لها أدنى ارتباط ولا علاقة بدين إبراهيم.
وقال المعترضون إن بعض آيات القرآن مقتبسة من القصائد التي كانت منتشرة ومتداولة بين قريش قبل بعثة محمد. وأوردوا بعض قصائد منسوبة إلى امرئ القيس مطبوعة في الكتب باسمه تأييداً لقولهم. ولا شك أنه ورد في هذه القصائد بعض أبيات تشبه آيات القرآن، بل هي عينها، أو تختلف عنها في كلمة أو كلمتين، ولكنها لا تختلف معها في المعنى مطلقاً. وهاك الأبيات التي يوردها المعترضون، وقد أظهرنا العبارات التي اقتبسها القرآن بخط أوضح:
دنت الساعةُ وانشقَّ القمر عن غزالٍ صاد قلبي ونفر
أحور قد حرتُ في أوصافه ناعس الطرف بعينيه حَوَر
مرَّ يوم العيــد في زيـنته فرماني فتعاطى فعقر
بسهامٍ من لِحاظٍ فاتــكِ فتَرَكْني كهشيمِ المُحتظِر
وإذا ما غــاب عني ساعةً كانت الساعةُ أدهى وأمرّ
كُتب الحسنُ على وجنته بسَحيق المِسْك سطراً مُختصَر
عادةُ الأقمارِ تسري في الدجى فرأيتُ الليلَ يسري بالقمر
بالضحى والليلِ من طُرَّته فَرْقه ذا النور كم شيء زَهَر
قلتُ إذ شقَّ العِذارُ خدَّه دنت الساعةُ وانشقَّ القمر
وله أيضاً:
أقبل والعشاقُ من خلفه كأنهم من كل حدبٍ يَنْسلون
وجاء يوم العيد في زينته لمثل ذا فليعملِ العاملون
وقال المؤرخون إنه جرت العادة سابقاً بين العرب أنه إذا نبغ بينهم رجل فصيح بليغ، وألف قصيدة بديعة غراء علَّقها على الكعبة، وأن هذا هو سبب تسمية »المعلقات السبع« بهذا الاسم، لأنها عُلِّقت على الكعبة. غير أن بعض المحققين الثقاة أنكروا أن هذا هو سبب التسمية. إلا أن هذا قليل الأهمية. وقال المفسر الشهير أبو جعفر أحمد بن إسماعيل النحاس (توفي سنة 338 هـ) في هذا الصدد: »اختلفوا في جامع هذه القصائد السبع، وقيل إن أكثر العرب كانوا يجتمعون بعكاظ ويتناشدون الشعر، فإذا استحسن الملك قصيدة قال: علقوها واثبتوها في خزانتي. فأما قول من قال عُلِّقت على الكعبة، فلا يعرفه أحد من الرواة. وأصح ما قيل في هذا إن حماداً الرّاوية، لما رأى زُهد الناس في الشعر، جمع هذه السبع وحضَّهم عليها، وقال لهم: هذه هي المشهورات. فسُمِّيت »القصائد المشهورة« لهذا السبب. وقال السيوطي بالفكرة نفسها، وأضاف إليها أن الأشعار كانت تُعلَّق على الكعبة (كتاب مذكر ج 2 ص 240).
ومن الحكايات المتداولة في عصرنا الحاضر أنه لما كانت فاطمة بنت محمد تتلو آية »اقتربت الساعة وانشق القمر« (سورة القمر 54: 1) سمعتها بنت امرئ القيس وقالت لها: هذه قطعة من قصائد أبي، أخذها أبوك وادعى أن الله أنزلها عليه. ومع أنه يمكن أن تكون هذه الرواية كاذبة، لأن امرء القيس توفي سنة 540م، ولم يولد محمد إلا في سنة الفيل (أي سنة 570 م) إلا أنه لا ينكر أن الأبيات المذكورة واردة في سورة القمر 54: 1 و27 و29؛ وفي سورة الضحى 93: 1 و2؛ وفي سورة الأنبياء 21: 96؛ وفي سورة الصافات 37: 61، مع اختلاف طفيف في اللفظ وليس في المعنى. مثلاً ورد في القرآن »اقتربت« بينما وردت في القصيدة »دنت«. فمن الواضح وجود مشابهة بين هذه الأبيات وبين آيات القرآن. فإذا ثبت أن هذه الأبيات هي لامرئ القيس حقيقةً، فحينئذ يصعب على المسلم توضيح كيفية ورودها في القرآن، لأنه يتعذر على الإنسان أن يصدق أن أبيات وثني كانت مسطورة في اللوح المحفوظ قبل إنشاء العالم.
ولستُ أرى مخرجاً لعلماء الإسلام من هذا الإشكال إلا أن يقيموا الدليل على أن امرء القيس هو الذي اقتبس هذه الآيات من القرآن، أو أنها ليست من نظم إمرئ القيس الذي توفي قبل مولد محمد بثلاثين سنة. ولو أنه سيصعب علينا أن نصدق أن ناظم هذه القصائد بلغ إلى هذا الحد من التهتك والاستخفاف والجراءة، بعد تأسيس مملكة الإسلام حتى يقتبس آياتٍ من القرآن ويستعملها بالكيفية المستعملة في هذه القصائد!
الخاتمة :
لا يبدو أننا نسير على طريق سَويّ رغم ادعاء مرورنا بتاريخ عريض من الرقي والتحضّر بحكم انفتاحنا على حضارات عدة، ولكن يبدو أننا وقفنا على أعتابها فقط متفرّجين دون الاستفادة من مرورنا ذاك فنكصنا إلى مقولتنا الأثيرة “انصر أخاك ظالماً ومظلوماً” لنكرّس حياتنا من جديد لمفاهيم جاهلية في عصر لن يلتفت للوراء أبداً، فمضت كل الشعوب بما اكتسبت في مسيرتها وتأخرنا نحن رغم إرادتنا الكبيرة التي نراهن عليها، وعلى ما يمكن أن تحققه مفاهيم لازلنا نلوكها بتلذذ كالحرية واحترام الإنسان لأخيه الإنسان وعدم توزيع التهم على الآخرين دون حساب رغم كل الاختلافات.
إن أشد ما يؤلم هنا هو استنفار مثقف وشاعر ليستجدي أقلام أصدقائه ضد من يرى أنهم – ربما – اقتبسوا مفردتين أو ثلاثة من قصيدة له ضمنوها قصائد بأسمائهم رغم اختلاف الصورة والبناء والرؤية. وليس هذا بالمهم، فتاريخ الاقتباسات مليء بأكثر من هذا، ولكن المهم حقاً، أو ما ينبغي التوقف عنده أن هذه “الفزعة” كانت من الخطورة بحيث لم يحسب حسابها أصدقاء الشاعر حين نصّبوا من أنفسهم قضاة بعد أن أوجدوا التهمة ثم صاغوا حكمهم بتجريم هذا الشاعر وكل ما في أيديهم أرباع أدلة قد لا تصمد كثيراً بوجه أي تمحيص منصف، فقد غفلوا تماماً في غمرة “فزعتهم” أن مثل هذه الاتهامات والتقريرات المسبقة التمترس من النوع الذي يعاقب عليه القانون الجزائي في أي بلد في العالم إذا ما طالب الشاعر المتهم “جرّهم” إلى المحكمة بادعاء اتهامهم له بقائمة كبيرة من التهم مثل (سطى، سرق، لطش، لص، محتال، سارق).
إن مقولة الغابرين تلك أعمت بصر وبصيرة أصدقاء الشاعر فتخلوا عن مقولاتهم العظيمة في المبادئ والأخلاق والقيم العليا التي يتنافخون بها ضد التمترس و “الإخوانية”، وأثبت هؤلاء أن هذه الشعارات مجرد كلام ليل يمحوه الارتطام على صخرة الجاهلية. وهنا؛ هنا فقط، تختفي أقنعة وتظهر وجوهٌ على حقيقتها.










رد مع اقتباس
قديم 2012-02-11, 15:09   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

مظاهر الحياة العقلية في العصر الجاهلي

إن طبيعة العقل العربي لا تنظر إلى الأشياء نظرة عامة شاملة، وليس في استطاعتها ذلك. فالعربي لم ينظر إلى العلم نظرة عامة شاملة كما فعل اليوناني، كان يطوف فيما حوله؛ فإذا رأى منظرا خاصا أعجبه تحرك له، و جاس بالبيت أو الأبيات من الشعر أو الحكمة أو المثل. "فأما نظرة شاملة وتحليل دقيق لأسسه وعوارضه فذلك ما لا يتفق والعقل العربي.
وفوق هذا هو إذا نظر إلى الشيء الواحد لا يستغرقه بفكره، بل يقف فيه على مواطن خاصة تستثير عجبه، فهو إذا وقف أمام شجرة، لا ينظر إليها ككل، إنما يستوقف نظره شيء خاص فيها، كاستواء ساقها أو جمال أغصانها،
و إذا كان أمام بستان، لا يحيطه بنظره، ولا يلتقطه ذهنه كما تلتقطه "الفوتوغرافيا"، إنما يكون كالنحلة، يطير من زهرة إلى زهرة، فيرتشف من كل رشفة". إلى أن قال: "هذه الخاصة في العقل العربي هي السر الذي يكشف ما ترى في أدب العرب - حتى في العصور الإسلامية - من نقص وما ترى فيه من جمال".
وقد خلص من بحثه، إلى أن هذا النوع من النظر الذي نجده عند العربي، هو طور طبيعي تمر به الأمم جميعاً في أثناء سيرها إلى الكمال،
نشاً من البيئات الطبيعية والاجتماعية التي عاش فيها العرب، وهو ليس إلا وراثة لنتائج هذه البيئات، "ولو كانت هنالك أية أمة أخرى في مثل بيئتهم، لكان لها مثل عقليتهم،
و أكبر دليل على ذلك ما يقرره الباحثون من الشبه القوي في الأخلاق والعقليات بين الأمم التي تعيش في بيئات متشابهة أو متقاربة، وإذ كان العرب سكان صحارى، كان لهم شبه كبير بسكان الصحارى في البقاع الأخرى من حيث العقل والخلق".
أما العوامل التي عملت في تكوين العقلية العربية وفي تكييفها بالشكل الذي ذكره، فهي عاملان قويان. هما: البيئة الطبيعية، وعنى بها ما يحيط بالشعب طبيعيا من جبال وانهار وصحراء وغير ذلك،
والبيئة الاجتماعية، وأراد بها ما يحيط بالأمة من نظم اجتماعية كنظام حكومة ودين وأسرة ونحو ذلك. وليس أحد العاملين وحده هو المؤثر في العقلية.

وحصر أحمد أمين مظاهر الحياة العقلية في الجاهلية في الأمور التالية: اللغة والشعر والأمثال والقصص. وتكلم على كل مظهر من هذه المظاهر وجاء بأمثلة استدل بها ما ذهب إليه.
والحدود التي وضعها أحمد أمين للعقلية العربية الجاهلية، هي حدود عامة، جعلها تنطبق على عقلية أهل الوبر وعقلية أهل المدر، لم يفرق فيها بين عقلية من عقلية الجماعتين.
وقد كونها ورسمها من دراساته لما ورد في المؤلفات الإسلامية من أمور لها صلة بالحياة العقلية ومن مطالعاته لما أورده "أوليري" "وبراون" وأمثالهما عن العقلية العربية،
ومن آرائه وملاحظاته لمشكلات العالم العربي ولوضع العرب في الزمن الحاضر. والحدود المذكورة هي صورة متقاربة مع الصورة التي يرسمها العلماء المشتغلون بالسامية عادة عن العقلية السامية،
وهي مثلها أيضا مستمدة من آراء وملاحظات وأوصاف عامة شاملة، ولم تستند إلى بحوث علمية ودراسات مختبرية، لذا فأنني لا أستطيع أن أقول أكر مما قلته بالنسبة إلى تحديد العقلية الساميّة، من وجوب التريث والاستمرار في البحث ومن ضرورة تجنب التعميم والاستعجال في إعطاء الأحكام.
وتقوم نظرية أحمد أمين في العقلية العربية على أساس إنها حاصل شيئين وخلاصة عاملين، أثرا مجتمعين في العرب وكوّنا فيهما هذه العقلية التي حددها ورسم معالمها في النعوت المذكورة.
والعاملان في رأيه هما: البيئة الطبيعية والبيئة الاجتماعية. وعنى بالبيئة الطبيعية ما يحيط بالشعب طبيعياً من جبال وأنهار وصحراء ونحو ذلك،
وبالبيئة الاجتماعية ما يحيط بالأمة من نظم اجتماعية كنظام حكومة ودين وأسرة ونحو ذلك. وهما معاً مجتمعين غير منفصلين، أثّرا في تلك العقلية. ولهذا رفض أن تكون تلك العقلية حاصل البيئة الطبيعية وحدها، أو حاصل البيئة الاجتماعية وحدها.
وخطاً من أنكر أثر البيئة الطبيعية في تكوين العقلية ومن هنا انتقد "هيكل" "Heagel"، لأنه أنكر ما للبيئة الطبيعية من أثر في تكوين العقلي اليوناني، وحجة "هيكل" أنه لو كان للبيئة الطبيعية أثر في تكوين العقليات،
لبان ذلك في عقلية الأتراك الذين احتلوا أرض اليونان وعاشوا في بلادهم، ولكنهم لم يكتسبوا مع ذلك عقلهم ولم تكن لهم قابليتهم ولا ثقافتهم.

وردّ "أحمد أمين" عليه هو أن "ذلك يكون صحيحاً لو كانت البيئة الطبيعية هي المؤثر الوحيد، إذن لكان مثل العقل اليوناني يوجد حيث يوجد إقليمه،
و ينعدم حيث ينعدم، أما والعقل اليوناني نتيجة عاملين، فوجود جزء العلة لا يستلزم وجود المعلول".
وأثر البيئة الطبيعية في العرب، أنها جعلت بلادهم بقعة صحراوية تصهرها الشمس، ويقل فيها الماء، ويجف الهواء، وهي أمور لم تسمح للنبات أن يكثر، ولا للمزروعات أن تنمو، آلا كَلأً مبعثراً هنا وهناك،
وأنواعاً من الأشجار والنبات مفرقة استطاعت أن تتحمل الصيف القائظ، والجوّ الجاف، فهزلت حيواناتهم، وتحلت أجسامهم، وهي كذلك أضعفت فيها حركة المرور، فلم يستطع السير فيها إلا الجمل،
فصعب على المدنيات المجاورة من فرس وروم أن تستعمر الجزيرة، وتفيض عليها من ثقافتها، اللهم إلا ما تسرب منها في مجار ضيقة معوجة عن طرق مختلفة".
وأثر آخر كان لهذه البيئة الطبيعية في العرب، هو أنها أثرت في النفوس فجعلتها تشعر أنها وحدها تجاه طبيعة قاسية، تقابلها وجهاً لوجه، لا حول لها ولا قوة، لا مزروعات واسعة ولا أشجار باسقة،
تطلع الشمس فلا ظل لها، ويطلع القمر والنجوم فلا حائل، تبعث الشمس أشعتها المحرقة القاسية فتصيب أعماق نخاعه، ويسطع القمر فيرسل أشعته الفضية الوادعة فتبر لبّه، وتتألق النجوم في السماء فتمتلك عليه نفسه، وتعطف الرياح العاتية فتدمر كل ما أتت عليه.
أمام هذه الطبيعة القوية، والطبيعة الجميلة، والطبيعة القاسية، تهرع النفوس الحساسة إلى رحمن رحيم، والى بارئ مصور والى حفيظ مغيث- إلى الله-. ولعل هذا هو السر في الديانات الثلاث التي يدين بها أكثر العالم، وهي اليهودية والنصرانية والإسلام نبعث من صحراء سيناء وفلسطين وصحراء العرب.
والبيئة الطبيعية أيضاً، هي التي أثرت-على رأيه-في طبع العربي فجعلته كثيباُ صارماً يغلب عليه الوجد، موسيقاه ذات نغمة واحدة متكررة عابسة حزينة، ولغته غنية بالألفاظ، إذا كانت تلك الألفاظ من ضروريات الحياة في المعيشة البدوية، وشعره ذو حدود معينة مرسومة، وقوانينه تقاليد القبيلة وعرف الناس، وهي التي جعلته كريماً على فقره، يبذل نفسه في سبيل الدفاع عن حمى قبيلته.
كل هذه وأمثالها من صفات ذكرها وشرحها هي في رأيه من خلق هذه البيئة الطبيعية التي جعلت لجزيرة العرب وضعاً خاصاً ومن أهلها جماعة امتازت عن بقية الناس بالمميزات المذكورة.

وقد استمر "أحمد أمين"، في شرح أثر البيئة الطبيعية في عقلية العرب وفي مظاهر تلك العقلية التي حصرها كما ذكرت في اللغة والشعر والأمثال والقصص، حتى انتهى من الفصول التي خصصها في تلك العقلية،
أما أثر البيئة الاجتماعية التي هي في نظره شريكة للبيئة الطبيعية في عملها وفعلها في العقلية الجاهلية وفي كل عقلية من العقليات، فلم يتحدث عنه ولم يشر إلى فعله،
ولم يتكلم على أنواع تلك البيئة ومقوماتها التي ذكرها في أثناء تعريفه لها، وهي: "ما يحيط بالأمة من نظم اجتماعية كنظام حكومة ودين وأسرة ونحو ذلك"، ثم خلص من بحثه عن العقلية العربية وعن مظاهرها وكأنه نسي ما نسبه إلى العامل الثاني من فعل،
بل الذي رأيته وفهمته من خلال ما كتبه انه أرجع ما يجب إرجاعه إلى عامل البيئة الاجتماعية - على حد قوله - إلى فعل عامل البيئة الطبيعية وأثرها في عقلية العرب الجاهليين. وهكذا صارت البيئة الطبيعية هي العامل الأول الفعال في تكوين تلك العقلية، وحرمنا بذلك من الوقوف على أمثلته لتأثر عامل البيئة الاجتماعية في تكوين عقلية الجاهليين.
وأعتقد إن "أحمد أمين" لو كان قد وقف على ما كتب في الألمانية أو الفرنسية أو الإنكليزية عن تأريخ اليمن القديم المستمد من المسند، ولو كان قد وقف على ترجمات كتابات المسند أو الكتابات الثمودية والصفوية واللحيانية، لما كان قد أهمل الإشارة إلى أصحاب تلك الكتابات، ولعدٌل حتماً في حدود تعريفه للعقلية العربية،
ولأفرز صفحة أو أكثر إلى أثر طبيعة أرض اليمن وحضرموت في عقلية أهل اليمن وفي تكوين حضارتهم وثقافتهم، فإن فيما ذكره في فصوله عن العقلية العربية الجاهلية ما بحب رفعه وحذفه بالنسبة إلى أهل اليمن وأعالي الحجاز.
المظهر الاجتماعي
الشعر الجاهلى
هو الشعر الذى قيل قبل الإسلام بنحو من مائة وخمسين إلى مئتى عام في رأى بعض المحققين الذين أشاروا إلى أن الشعر الناضج يعود إليها وقد اشتمل على شعر عدد كبير من الشعراء على رأسهم شعراء المعلقات مثل عنترة وزهير ولبيد وامرىء القيس كما ضم دواوين عدد من الشعراء والشاعرات الذى وصلنا شعر بعضهم كاملا تقريبا ووصلتنا شذرات من شعر بعضهم ويتميز هذا الشعر بجزالة لفظه ومتانة تراكيبه واحتوائه على معلومات غنية عن البيئة الجاهلية بما فيها من حيوان وطير وجماد كما أنه عبر عن أحداث حياة العرب وتقاليدهم ومعاركهم المشهورة وأماكن معيشة قبائلهم وأسماء آبار مياههم وأسماء فرسانهم المشهورين ومحبوباتهم حتى قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه ( كان الشعر علم قوم لم يكن لديهم علم أصح منه ) واعتبر هذا الشعر سجلا لحياة الأمة العربية قبل ظهور الإسلام كما اعتمد عليه علماء اللغة في وضع قواعد النحو والاستشهاد على صحتها واعتمد عليه مفسرو القرآن في بيان معانى الكلمات ومدى ورودها في لغة العرب
اصل العرب ومساكنهم
كتب كثير من علماء الأنساب والتاريخ في اصل العرب وقد كثرت الأقوال وتضاربت الآراء خصوصا بين القديم والحديث فالاعتماد عند المتقدمين على الكتب المدونة وعند بعض العصريين على الآثار القديمة التي نقب عنها في جوف الأرض وحيث أن أمر التنقيب عقيم في جزيرة العرب وبالأخص لم يجر حتى اليوم في الربع الخالي مع صحراء الأحقاف فاصبح الاعتماد فيما يتعلق بشؤون العرب حتما على الكتب المدونة لأنه لم يكن أمامنا ما ينفي صحتها غيران كتب التاريخ والأنساب المتعلقة بي اصل العرب وتقسيمهم تحتوي على أقوال كثيرة فقد لخصت منها ما يأتي بعد جهد كبير وفحص دقيق
يرجع اصل العرب إلى سام بن نوح عليه السلام وكان مسكنهم قبل أن يسكنوا الجزيرة جهات العراق ثم نزح فريق منهم إلى الجزيرة التي يكون موقعها بالنسبة للعراق غرب جنوبي فسمى بنو سام النازحين منهم إليها (عربا) أي الغربيين لان حرف الغين المعجمة كان مفقودا من اللغة السامية فكانوا ينطقون بالعين المهملة عوضاً عن الغين المعجمة ويضعونها موضعها ومن ذلك الحين أطلق على من نزح من بني سام إلى الجزيرة العربية اسم العرب ، ثم سميت الجزيرة باسمهم .
والذي نزح هم ( عاد ) ومسكنهم الأحقاف المسماة الآن بصحراء الأحقاف الواقعة في القسم الجنوبي من الجزيرة . ( وثمود ) ومسكنهم الحجر ووادي القرى بين الحجاز والشام المسمى الآن بمدائن صالح الواقع في القسم الشمالي من الجزيرة . و ( طسم ) و ( جديس ) ، ومسكنهما اليمامة الواقعة في قلب الجزيرة ، والبحرين المسماة الآن بالأحساء ، الواقعة في القسم الشرقي من الجزيرة على الخليج العربي .

و ( عمليق ) ومسكنهم عمان ، الواقع في القسم الشرقي بجنوب من الجزيرة .
قال الجرجاني : إن بني عمليق ملكوا مصر ، ومنهم فرعون إبراهيم ، وفرعون يوسف ، وفرعون موسى . و ( أميم ) ومسكنهم رمل عالج بين اليمامة والشحر ، والمسمى الآن بالربع الخالي . و( عبيل ) ، ومسكنهم الجحفة بقرب المدينة . و ( عبد ضخيم ) ، ومسكنهم الطائف . و ( حضروا ) ومسكنهم الرس ، وأما الكلدانيون ، قال ابن خلدون في تاريخه : إنهم من الطبقة التي قبل نوح عليه السلام ، فهم من بني آدم ، ولم يكونوا من بني سام بن نوح .
ويحد الجزيرة العربية شرقاً بحر الهند والخليج العربي المسمى بالخليج الفارسي ـ لأن العرب استعمرته وبنت فيه ملاحتها قبل الفرس ـ وبعض العراق إلى الكوفة . وغرباً البحر الأحمر ، على أيلة وهي العقبة ، ثم إلى البلقاء المسماة ( الأردن ) ، وبعض بادية الشام وفلسطين وشمالاً من الكوفة والفرات بالعراق ، إلى عانة وبالس ، من الجزيرة الفراتية ، إلى سلمية وإلى مشارف غوطة دمشق إلى مشارف حوران ، إلي البلقاء من برية الشام وبعض فلسطين . وجنوبا بحر الهند .
وتنقسم الجزيرة إلى خمسة أقسام كبيرة :
الأول : القسم الشرق ، وهو يشتمل على عمان وقطر والأحساء والكويت وما حاذى ذلك من مدن وقرى ، من الجهة الشمالية إلى الكوفة .
الثاني : القسم الغربي ، وهو يشتمل على اليمن وتهامة وعسير والحجاز إلى أيلة وما حاذاها من جهة الشمال إلى البلقاء .
الثالث : القسم الشمالي ، وهو يشتمل على كل ما وقع ما بين الكوفة وحوران والبلقاء إلى أيلة من قرى وبادية
الرابع : القسم الجنوبي ، وهو يشتمل على حضرموت .
الخامس : قلب الجزيرة ، وهو يشتمل على عموم نجد ، بما فيه اليمامة والقصيم وشمر وجبلي سلمى وأجا ، وما جاور ذلك مع الربع الخالي بصحراء الأحقاف ونجران .
المظهر الديني:
ينشأ سؤال، ما هذه المعالِم؟ أو حينما ننظر إلى العرب قبل الإسلام، كيف كانوا يُمارسون شعائرهم وعقائدهم، إلى أن الإسلام جاء وحوَّلهُم من عُبَّاد أصنام وأوثان إلى مُوحّدين يَعْبُدون الله وحده لا شريك له وإلى مسلمين؟
وهذه مِنَّة كُبرى ونعْمَة كُبرى. نجد أن العرب قبل الإسلام مثل غيرهم من الأمم أيضاً، ولا يُظَن أن العرب في العَصْر الجاهلي تفرّدوا بمثل هذه العبادات، ولكن أمّة اليونان، وأمّة الرومان، والمصريون القدماء، والبابليون، والفِينِقيون، والآشوريون، كَثير من الأمم كانوا يتوجهون إلى عبادات مادية وإلى عبادة الكائنات الطَّبيعية.
أولا:فنجد أنّ العرب كانوا يتوجّهون أو بعْض العرب إلى عبادة النباتات والجمادات والطير والحيوان، لأن هذا كان يدور حَولهم فيجدون في شيء منها مصدر القوة فيَعْبدونه.
ثانيا:كانوا يتوجّهون إلى عبادة النجوم والكَواكب، وجاءتهم هذه المظاهِر من الصابِئة وبقايا الكِلدانيِّين.
ثالثا:كانوا يتوجّهون أيضاً، كانوا يتأثّرون بما يُسمَّى التثليث في العِبادة، مظهر التثليث في العبادة؛ بحيث كانوا يجْمَعون بين ثلاث ظواهر من الظواهر الطبيعية، وهي: القَمر، والشَّمس، والزُّهْرة، أو القَمر يقابِل ودّ عندهم، وكان صنماً، والشمس تقابل اللات، والزُّهْرة تُقابل العُزَّى. فالقمر والشمس والزُّهْرة، أو ودّ واللات والعُزَّى، وهذا التثليث كان شائِعاً عند عَرب الجُنوب، كما يروي ابن الكلبي في كتابه "الأصنام". كانوا يَرجِعون بآلهتهم إلى الثالوث المقدس، هو: القمر أو ود، والشمس أو اللات، والزُّهْرة أو العُزَّى.
وأيضاً نراهم يقدسون النار، ويظهر ذلك أو أثر ذلك أو أثر تقْدِيسهم النار، يظهر في إيقادهم للنار عند أحلافِهم، واستمطارهم السماء، وتقديم القرابين إليها. ويقال: إن المَجوسية كانت متفشّية في تَميم، وعُمان، والبحرين، وبعض القبائل العربية. نجد أيضاً إلى جِوار عبادة النباتات والجمادات والطَّير والحَيوان، عِبادة النجوم والكواكب، مظهر التثليث في العبادة، عبادة النار.
وعبادة الأصنام، وهي العبادة الشائعة عند العرب، الأصنام والأوثان، وفَرْقٌ بين الصَّنَم والوََثَن: "الصَّنَم": هو التمثال الذي يصنع على هيئة بَشَر أو نَبَات أو حَيوان أو ما إلى ذلك، هذا هو الصَّنَم.
أمّا "الوَّثَن": فهو حَجَر يأخذه العَربيّ أو البَدوي طبعاً في العَصْر الجاهلي ويتخذ منه رَمْزاً للعِبادة. وكانت عِبادة الأصنام منتشرة بين العرب انتشاراً واسعاً، قد صوَّروها أو نَحتوها رَمزاً لآلهتِهم. وقد يَرون في بعض الأحجار والأشجار والآبار ما يَرمز إليهم. فالعُزَّى كانت لغَطفان، وهي شجرة وقد قَطعها خالد بن الوليد، وكان مِن مأثوراته أنه قال:
منْ هُم المشركون؟ هم الذين كانوا يعبدون الأصنام ويقولون: ما نعبدهم إلاّ ليقرِّبونا إلى الله زلفى، أي: كان منهم فريق يعرف الله ولكن كان يشرك مع الله آلهة أخرى، ولذلك قال الحق -سبحانه وتعالى-: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخرى، ثم يقول سبحانه.. وَلا تَذَرُنَّ وَدّاًوَلا سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً
إذاً، ينْشأ سُؤال: ما أشهر الأصنام التي كان يعبدها العرب؟ وهذا الذي نقوله يظهر في شِعْر الجاهليين أيضاً، ومن لا يدرس حياة العرب الدينية أو الاجتماعية أو الثقافية، دراسة موسعة ومستقْصية، لن يعرف كيف يفكّ رموز الكلمات، أو رموز بعض الإشارات في أبيات الشِعْر الجاهلي. من الأصنام التي كان يعْبدها العرب: "اللات" وكان معْبَدها في الطائف، وكانت عبادة "اللات" شائعة بين العَرب الجَنوبيِّين، وفي الحجاز، ويقال: "إنه كان صَخرة مربّعة بيضاء، بَنَت عليه ثَقيف بيتاً. وكانت قريش وجَميع العرب يعظِّمونه"؛ ولذلك سَمّوْا بـ"وهب اللات" و"عبد شمس" مثلاً.
"مناة" و"العُزَّى". وكانت "مناة" صخرة منصوبة على ساحل البحر بين المدينة ومكة، ولها مكانة. وأيضاً نَجِد "وَد" وكان من الآلهة الجنوبية ويؤلّه مع "اللات" و"العُزَّى". وربما تأثروا في هذه العِبادة بما يشاع عند المَسيحيِّين والنَّصرانيِّين. وكان هذا "وَد" صنمه بدَومة الجَنْدل. أيضاً هناك "سُواع" وهذا كان صنم هُذَيل وكِنانة. وأيضاً "يَغُوث" و"يعوق" و"نسر". وكان هناك أيضاً بعض القبائل وضعت أشكالاً وتماثيل، أشكالاً لهذه الأصنام؛ فكان "ود" على صورة "رجل"، و"سُواع على صورة "امرأة"، و"يَغُوث" على صورة "أسد"، و"يعوق" على صورة "فرس"، و"نسر" على صورة "النسر" من الطير. ومن أصنامهم أيضاً "هُبَل"، وهُبَل كان من عَقيق أحمر على صورة إنسان مكْسور اليد اليُمنى، وقريش جعلتها له من ذهب. ولكن هذه الأصنام كلها بمجيء الإسلام كُسِّرت وأزيحت ولم يَعُد منها قليل. ويقال: كان حول الكعبة في فتح مكة ثلاثمائة وستون صنماً، والمصطفى -صلى الله عليه وسلم- أزاحها وأزالها حين نشر رسالة التوحيد في مكة المكرمة، وفي الجزيرة العربية، بل وفي العالم كلّه. ومن أصنام قريش أيضاً المشهورة: "إساف" و"نائلة"، ولهما قصة تشبه الأسطورة، يقال: إنهما كانا شخصيْن أتيا أعمالاً مُسيئة فمُسِخا حَجَرين، وبعد ذلك عبدهما الناس، ومنها "رضا" و"تيم" و"شمس"، إلى آخر هذا كله. فنجد هذه الأصنام كلها انتشرت عند الجاهليين وكان لها أثر في شِعْرهم وفي نَثْرهم.
المظهر الثقافي:
لا شكّ أن معالِم الحياة الدينية تُعَد معْلَماً ثقافِياً أيضاً، لأنّ العبادات والآلهة والعقائد، رغم أنها مَزعومة وأنها باطلة، ولكنها تدلُّ على بحث أيضاً، وتدلُّ على نَظَر وتأثُر بالأمم الأخرى، وما إلى ذلك.
والحياة الثقافية عند العرب نجد لها أكثر من مِحور:
المحور الاول :هو ما علاقة عرب الشمال بعرب الجنوب، أو حضارة القحطانيِّين وحضارة سبإ، وما تلبَّس بها من معارف ومن حضارة ومن ازدهار بحضارة أهل الشمال. نجِد أن العرب الشماليِّين كانوا على صِلة بالحضارات المجاورة، كما يقول الدكتور شوقي ضيف، وكان تجار مَكة يدخلون في مصر والشام وبلاد فارس. وكان الحيريون يتصلون مباشرة بالفُرس، وبلاد فارس، والفُرس والروم كانت لهم ثقافاتهم ولهم عاداتهم ولهم تقاليدهم، وإن كان التأثير لم يكن عميقاً كما حدث في العصر العباسي مثلاً، وكان الغساسنة يتصلون بالروم وقد تنصروا وشاعت النصرانية في قبائل الشام، والعراق، ونزل بينهم كثير مِن اليهود في الحجاز واليمن.
إذاً هذا المَظهر التأثري، هو التأثر بالناحية العَقدية، فشاعت النصرانية، وشاعت اليهودية، في كَثير من المناطق العربية.
وكل ذلك معناه اتصال العرب الشماليين بالأمم المُجاورة وحضاراتها، ولكن كما قلت: أن ذلك كان في حُدود ضَيقة، وكان في حدود تأثر بالمَظهر التجاري، أو التبادل التجاري، أو المَعارف الضَّيقة، فالعرب كانوا يعْتَزّون بسِماتهم، ويعْتَزون بخصائصهم، ويعْتَزون بتقاليدهم، ويعْتَزون بأعرافهم. والعرب الجنوب يبدو أنهم بعد أن دَالت حضارتهم "حضارة سبإ" هاجروا وانتشروا في بلاد كثيرة، ولم يكن عندهم ثقافة ذات معالم بيِّنة، وحتى من وجْهة التنظيم السياسي كان يعمّهم النظام الإقطاعي، ولذلك حينما ضعُفت دولتهم الأخيرة دولة سبأ، تحولوا سريعاً إلى قبائل، وحدثت هِجْرات كثيرة من الجنوب إلى الشمال، وإلى المناطق العربية.
وهناك كتاب في هذا الشأن يمكن أن يُرجع إليه وهو كتاب: "الثقافة العربية أسبق من ثقافة العبريِّين واليونان" للأستاذ محمود عباس العقاد، وهو يرى أن المنطقة العربية القديمة تشمل الجزيرة العربية، وتشمل الشام، وتشمل العراق، وتشمل حتى مصر، والمغرب العربي، مع أن المنطقة العربية الآن هي المنطقة العربية القديمة، وهذه النظرة التوسعية الشمولية، تجعلنا نعيد كثيراً من الحِسابات والأحكام، لأن كثيراً من الباحثين حينما يتكلّم عن الثقافة العربية القديمة، يحصر كلامه في شِبه الجزيرة العربية فقط، وهذه تكون أحكاماً مسوّرة أو محدودة بقيود كثيرة.
ولكن هنا شُبْهة أثيرت، وهي: شُبْهة تَفوُّق الجِنْس الآري على الجنس السامي، سواء كانوا عرباً أو غير عرب، وهذه الشبهة أثارها المستشرقون الأوربيون وغيرهم، حتى يثبتوا أن الرومان، وأن الجنس الآري، وأن الأوربيِّين بصفة عامة، هُم جِنس مُتَفوّق تفكيراً، وسلوكاً، وحضارةً، وميراثاً، وما إلى ذلك. وهذه الشبهة مَرفوضة، لأنه ليس هناك جِنس مميز من أول التاريخ إلى آخره، وإنما التأثر والتأثير و الصلات بين الحضارات.
نسأل سؤالاً: ما أهم معارف العرب وعُلومهم في العصر الجاهلي؟ العرب لم يكن عندهم عِلْم مُنَظَّم ولكن عندهم معَارف كثيرة.
أولا:عِلْم الأنساب والأيام.
ثانيا:معْرفة العرب بالنجوم ومطالعها وأنوائها، ولذلك نرى رأياً للجاحظ في هذا الكلام وآراء كثيرة. يقول الجاحظ في كتابه "البيان والتبيين": وإنَّ العرب عرفوا الأنواء ونُجوم الاهتداء، لأن من كان بالصحاح الأماليس، -أي: الأرض المستوية التي ليس بها ماء ولا شجر- مضطرّ إلى التماس ما يُنْجيه ويُؤدّيه -أي: يُعْينه- ولحاجته إلى الغَيث وفِراره مِن الجَدب، وضَنه بالحياة، اضطرته الحاجة إلى تَعرُّف شَأن الغَيث، مِن أين يأتي؟ ما هي أحواله؟ ما هي مَواعِيده؟ ولأنه في كل حال يرى السماء وما يجري فيها من كوكب، ويرى التعاقب بينها، والنجوم الثوابت فيها، وما يسير منها مجْتمعاً، وما يسير منها فارِداً، وما يكون منها راجِعاً ومستقيماً؛ كل هذا تأمله في أحوال السموات والكواكب، نشأ من أن الماء يأتيه، كما قال تعالى: {وَفِيالسَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}. فالحاجة دفَعته إلى تأمّل هذه الأشياء، وتُلَخِّص أعرابية هذه المعرفة حين قِيل لها أتعرفين النجوم؟ قالت سبحان الله! أما أعرف أشباحاً وقوفاً عليَّ كلَّ ليلة. وأيضاً هناك أعرابي وصف لبعض أهل الحَاضِرة نجوم الأنواء، ونجوم الاهتداء، ونجوم ساعات الليل، والسُّعُود والنُّحُوس.
وقال قائل لشيخ عبادي: -كان حاضراً- أما ترى هذا الأعرابي يعْرف مِن النجوم ما لا نعْرِف، قال: مَنْ لا يعْرف أجزاع بيته؟ يعني: مَن الذي لا يعرف ما في سقْف بيته، نجد وسيقان النخل تُجْعل سقفاً للخيمة.
إذاً، هناك أيضاً شهادة أخرى يقولها صاعد بن أحمد، المتوفَّى (435هـ): كان للعرب معْرفة بأوقات النجوم ومطالعها ومغايبها. وأيضاً العرب عندهم معارف طبية، والعِيافَة، والتَّنَبؤ، والفِراسَة، والقِيافَة، والحِكَم والأمثال، كل ذلك يدلُّ على رجاحة العقل وعلى النظر الدقيق.
أيضاً، نرى أن معارف العرب كما قلت: هناك معارف طبية ولكنها مبْنية على الملاحظة والخِبرة ومزجت ببعض الخرافات، وأيضاً العِيافَة والتَّنبؤ بملاحظة حَركة الطيور، والفِراسة والقِيافَة. ولكن يهمنا أن نعرف كيف ظهر أثر هذا في أشعارهم؟ نجد أن كتب الأمثال والأدب، تمتلئ بما دار على لسان لقْمان وغيره مِن حكماء الجاهلية من حِكَم، مثل قول أكثم: "مقْتل الرجل بين فكَّيْه"، وقول عامر بن ضرب: "ربّ زارع لنفسه حاصد سواه". وفي الشعر الجاهلي كَثير من هذه الحِكم. وهي تذكر في ثنايا كلامهم، وتدلُّ على ثقافة ومعرفة، ولكنها ثقافة ومعرفة نابعة من التجربة. يقول طرفة في معلّقته:
أرى العيش كنزاً ناقصاً كلّ ليلةٍ
وما تنقص الأيام والدهر ينْفَد
وأيضاً زهير في معلّقته كَثير من الحِكم، وكان شاعراً حكيماً -كما قلنا قبل ذلك-، يقول:
وأعلم ما في اليوم والأمسِقبْله
ولكنني عن عِلْم ما في غدٍعمِ
ومن لا يُصانِعْ في أموركثيرة
يضرَّس بأنياب ويوطَأبمَنْسِمِ
ومَن لا يَذُدْ عن حَوضه بسلاحه
يُهدَّمومن لا يَظلِم الناس يُظْلم
ومن هاب أسباب المناياينلْنَه
ولو رام أسباب السماءبسلَّمِ
ومهما تكن عند امرئ منخَليقةٍ
وإن خَالها تَخْفى على الناستُعْلمِ
هذه الحِكم تدلُّنا أيضاً على معرفة وثقافة وإن كانت ثقافة نَظرية.
تعريف للمعلقات
كان فيما اُثر من أشعار العرب ، ونقل إلينا من تراثهم الأدبي الحافل بضع قصائد من مطوّلات الشعر العربي ، وكانت من أدقّه معنى ، وأبعده خيالاً ، وأبرعه وزناً ، وأصدقه تصويراً للحياة ، التي كان يعيشها العرب في عصرهم قبل الإسلام ، ولهذا كلّه ولغيره عدّها النقّاد والرواة قديماً قمّة الشعر العربي وقد سمّيت بالمطوّلات ، وأمّا تسميتها المشهورة فهي المعلّقات . نتناول نبذةً عنها وعن أصحابها وبعض الأوجه الفنّية فيها :
فالمعلّقات لغةً من العِلْق : وهو المال الذي يكرم عليك ، تضنّ به ، تقول : هذا عِلْقُ مضنَّة . وما عليه علقةٌ إذا لم يكن عليه ثياب فيها خير ، والعِلْقُ هو النفيس من كلّ شيء ، وفي حديث حذيفة : «فما بال هؤلاء الّذين يسرقون أعلاقنا» أي نفائس أموالنا . والعَلَق هو كلّ ما عُلِّق .
وأمّا المعنى الاصطلاحي فالمعلّقات : قصائد جاهليّة بلغ عددها السبع أو العشر ـ على قول ـ برزت فيها خصائص الشعر الجاهلي بوضوح ، حتّى عدّت أفضل ما بلغنا عن الجاهليّين من آثار أدبية4 .
والناظر إلى المعنيين اللغوي والاصطلاحي يجد العلاقة واضحة بينهما ، فهي قصائد نفيسة ذات قيمة كبيرة ، بلغت الذّروة في اللغة ، وفي الخيال والفكر ، وفي الموسيقى وفي نضج التجربة ، وأصالة التعبير ، ولم يصل الشعر العربي إلى ما وصل إليه في عصر المعلّقات من غزل امرئ القيس ، وحماس المهلهل ، وفخر ابن كلثوم ، إلاّ بعد أن مرّ بأدوار ومراحل إعداد وتكوين طويلة .
وفي سبب تسميتها بالمعلّقات هناك أقوال منها :
لأنّهم استحسنوها وكتبوها بماء الذهب وعلّقوها على الكعبة ، وهذا ما ذهب إليه ابن عبد ربّه في العقد الفريد ، وابن رشيق وابن خلدون وغيرهم ، يقول صاحب العقد الفريد : « وقد بلغ من كلف العرب به )أي الشعر) وتفضيلها له أن عمدت إلى سبع قصائد تخيّرتها من الشعر القديم ، فكتبتها بماء الذهب في القباطي المدرجة ، وعلّقتها بين أستار الكعبة ، فمنه يقال : مذهّبة امرئ القيس ، ومذهّبة زهير ، والمذهّبات سبع ، وقد يقال : المعلّقات ، قال بعض المحدّثين قصيدة له ويشبّهها ببعض هذه القصائد التي ذكرت :
برزةٌ تذكَرُ في الحسـ ـنِ من الشعر المعلّقْ
كلّ حرف نـادر منـ ـها له وجـهٌ معشّ
أو لأنّ المراد منها المسمّطات والمقلّدات ، فإنّ من جاء بعدهم من الشعراء قلّدهم في طريقتهم ، وهو رأي الدكتور شوقي ضيف وبعض آخر . أو أن الملك إذا ما استحسنها أمر بتعليقها في خزانته .
هل علّقت على الكعبة؟
سؤال طالما دار حوله الجدل والبحث ، فبعض يثبت التعليق لهذه القصائد على ستار الكعبة ، ويدافع عنه ، بل ويسخّف أقوال معارضيه ، وبعض آخر ينكر الإثبات ، ويفنّد أدلّته ، فيما توقف آخرون فلم تقنعهم أدلّة الإثبات ولا أدلّة النفي ، ولم يعطوا رأياً في ذلك .










رد مع اقتباس
قديم 2012-02-11, 15:13   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

بحث حول العصر الجاهلي تعريفه و لمحة عن حياة العرب * مختصر*

تعريف العصر الجاهلي
هي تلك الفترة التي سبقت بعثة محمد صلى الله عليه وسلم واستمرت قرابة قرن ونصف من الزمان .
" " سبب تسميته بالعصر الجاهلي " "
سمي بذلك لما شاع فيه من الجهل وليس المقصود بالجهل الذي هو ضد العلم بل هو الجهل الذي ضد الحلم .
العوامل التي أثرت في الأدب الجاهلي:
1 طبيعة السلالة العربية .
2 بيئة العرب الجغرافية .
3 حياة العرب الإجتماعية والأخلاقية .
4 حياتهم السياسية .
5 حياتهم الدينية .
6 حياتهم العقلية ونعني بها علومهم ومعارفهم .
7 أسواقهم واقتصادهم .
8 المعلقات كمظهر لاهتمامهم بالبلاغة والشعر.

البيئة الجغرافية للعرب " "
شبه جزيرة العرب صحراوية في معظمها يسود أرضها الجفاف ولكن حين تحظى بمطر أو ينبوع يتحول بعض أجزائها روضات بهيجة تسر الناظرين.
ولاشك أن الإنسان هو ابن الأرض تطبعه بطابعها وتلون أخلاقه ومزاجه وعاداته بلون تضاريسها ومن هنا فقد طبعت الصحراء أخلاق العرب بطابعها فتحلوا بالشهامة والكرم والنجدة وكراهة الخسة والضيم وقد كانت كل هذه الصفات موضوعات خصبة أمدت الأدب العربي بمعظم أفكاره ومعانيه.

حياة العرب الاجتماعية " "
كان عرب الجاهلية فريقيين وهم : حضر وكانوا قلة وبدو وهم الكثرة .
أما الحضر فكانوا يعيشون في بيوت مبنية مستقرة ويعملون في التجارة - الزراعة - الصناعة ويحيون حياة استقرار في المدن والقرى ومن هؤلاء المدن سكان مدن الحجاز : مكة -يثرب - الطائف - سكان مدن اليمن كصنعاء - وكثيرون من رعايا مملكة المناذرة ومملكة الغساسنة .
كما أنه من أشهر حضر الجاهلية سكان مكة وهم قريش أحلافها وعبيدها وكانت قوافلهم آمنة محترمة لأن الناس يحتاجون إلى خدمات قريش أثناء موسم الحج ولهذا ازدهرت تجارة قريش وكانت لها رحلتان تجاريتان رحلة الشتاء إلى اليمن ورحلة الصيف إلى الشام.
وأما أهل البادية فكانت حياتهم حياة ترحال وراء منابت العشب لأنهم يعيشون على ماتنتجه أنعامهم وكانوا يحتقرون الصناعة ويتعصبون للقبيلة ظالمة أو مظلومة .
2- كانت المرأة شريكة مخلصة للرجل في حياته تساعده في حاضرته أوباديته وتتمتع باحترامه حتى لقد اشتهرت بعض النساء في الجاهلية بالرأي السديد.





حياة العرب الأخلاقية " "
كانت لعرب الجاهلية أخلاق كريمة تمم الإسلام مكارمها وأيدها كما كانت لهم أخلاق ذميمة أنكرها الإسلام وعمل على محوها .
فمن أخلاقهم الكريمة: الصدق- الوفاء- النجدة- حماية الذمار- الجرأة والشجاعة- العفاف- احترام الجار- الكرم وهو أشهر فضائلهم وبه مدحهم الشعراء.
" " أما عاداتهم الذميمة " "
الغزو -النهب والسلب- العصبية القبلية - وأد البنات- شرب الخمر - لعب القمار.

حياتهم السياسية " "
كان العرب من حيث حياتهم السياسية ينقسمون إلى قسمين :
1- قسم لهم مسحة سياسية ، وهؤلاء كانوا يعيشون في إمارات مثل: إمارة الحيرة- امارة الغساسنة - إمارة كندة - مكة يمكن اعتبارها من هذا القبيل لأن نظاماً سياسياً كان ينتظمها .
2- قسم ليس لهم وضع سياسي ، وهم من البدو الرحل ينتمون إلى قبيلة معروفة وتخضع كل قبيلة لشيخها .

الحياة الدينية للعرب " "
كان معظم العرب وثنيين يعبدون الأصنام ومن أشهر أصنامهم: هبل- اللات- العزى-مناة كما كانت لهم هناك أصنام خاصة في المنازل.
كما أن من العرب من عبد الشمس والقمر والنجوم ، وكان القليل من العرب يهود أو نصارى لكنهم لم يكونوا على بصيرة وفهم لشريعتهم .
على أن فئة من عقلاء العرب لم تعجبهم سخافات الوثنية وهدتهم فطرتهم الصافية فعدلوا عن عبادة الأصنام وعبدوا الله على ملة ابراهيم عليه السلام وكانوا يسمون الحنفاء .
ومن هؤلاء: قس بن ساعدة - ورقة بن نوفل - أبو بكر الصديق - كما كان محمد صلى الله عليه وسلم يتعبد في الغار على ملة ابراهيم فكان أيضا من الحنفاء .

مظاهر الحياة العقلية عند العرب

*تمهيد:
*يجدر بنا قبل دراسة بعض نماذج الأدب الجاهلي من (الشعر والنثر) وإن كان النثر قليلا جدا مقارنة بالشعر أن نقدم بهذه اللمحة عن بيئة الأدب،و مظاهر الحياة العربية المختلفة من سياسية، واجتماعية، ودينية وعقلية فالأدب صورة للحياة وللنفس وللبيئة الطبيعية و الاجتماعية.
*ويطلق الأدب الجاهلي على أدب تلك الفترة التي سبقت الإسلام بنحو مائة وثلاثين عام قبل الهجرة.وقد شب هذا الأدب وترعرع في بلاد العرب،يستمد موضوعاته ومعانيه،ويستلهم نظراته وعواطفه من بيئتها الطبيعية والاجتماعية والفكرية،ويحدد لنا بشعره ونثره فكرة صادقة عن تلك البيئة.مما يعين الدارس على فهم أدب ذلك العصر،واستنتاج خصائصه التي تميزه عن سائر العصور الأدبية التي جاءت بعده مع أن الكثير منه مجهول لضياع أثاره ولا نعرف عنه إلا القليل.



لغة العرب:

*اللغة العربية هي إحدى اللغات السامية التي نشأت عن أصل واحد،وهيالاشورية والعبرية والسريانية والحبشية)،وتقتصر اللغات العربية في كتابتها على الحروف دون الحركات،ويزيد حروفها عن اللغات الآرية مع كثرة الاشتقاق في صيغها وقد مرت اللغة العربية بأطوار غابت عنها مراحلها الأولى،ولكن مؤرخي العربية اتفقوا على أن للعرب منذ القديم لغتين:جنوبية أو قحطا نية،ولها حروف تخالف الحروف المعروفة، وشمالية أو عدنانية،وهي أحدث من لغة الجنوب،وكل ما وصلنا من شعر جاهلي فهو بلغة الشمال،لأن الشعراء الذين وصلتنا أشعارهم إما من قبيلة ربيعة أو مضر،وهما منا القبائل العدنانية،أو من قبائل يمنية رحلت إلى الشمال، كطيئ وكندة و تنوخ،وقد تقاربت اللغتان على مر الأيام بسبب الاتصال عن طريق الحروب و التجارة والأسواق الأدبية كسوق عكاظ قرب الطائف،وذي المجاز و مجنة قرب مكة. وبذلك تغلبت اللغة العدنانية على القحطانية،وحين نزل القران الكريم بلغة قريش،تمت السيادة للغة العدنانية،وأصبحت معروفة باللغة الفصحى. وقد كان لنزول القران بها اثر في رقيها وحفظها وإثرائها بكمية هائلة من الألفاظ و التعبيرات و المعاني مما أعان على بسط نفوذها،واستمرار الارتقاء بها في المجالات العلمية والأدبية إلى عصرنا الحالي.

*حياة العرب العقلية:

*العلم نتيجة الحضارة،وفي مثل الظروف الاجتماعية التي عاشها العرب،لا يكون علم منظم،ولا علماء يتوافرون على العلم،يدونون قواعده و يوضحون مناهجه إذ أن وسائل العيش لا تتوافر،ولذلك فإن كثيرا منهم لا يجدون من وقتهم ما يمكنهم من التفرع للعلم،والبحث في نظرياته وقضاياه.
*وإذا كانت حياة العرب لم تساعدهم على تحقيق تقدم في مجال الكتب والعمل المنظم،فهناك الطبيعة المفتوحة بين أيديهم،و تجارب الحياة العملية وما يهديهم إليه العقل الفطري،وهذا ما كان في الجاهلية،فقد عرفوا كثيرا من النجوم ومواقعها،والأنواء وأوقاتها،واهتدوا إلى نوع من الطب توارثوه جيلا بعد جيل،وكان لهم سبق في علم الأنساب والفراسة،إلى جانب درايتهم القيافة والكهانة،كما كانت لهم نظرات في الحياة. *أما الفلسفة بمفهومها العلمي المنظم،فلم يصل إليها العرب في جاهليتهم ،وإن كانت لهم خطرات فلسفية لا تتطلب إلا التفات الذهن إلى معنى يتعلق بأصول الكون،من غير بحث منظم وتدليل وتفنيد،من مثل قول زهير:
رأيت المنايا خبط عشواء من تصب تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم
*واكبر ما يتميز به العرب الذكاء وحضور البديهة وفصاحة القول لذلك كان أكبر مظاهر حياتهم الفكرية: لغتهم وشعرهم وخطبهم ووصاياهم و أمثالهم.









رد مع اقتباس
قديم 2012-02-11, 15:16   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

النثر فى العصر الجاهلى


الادب الجاهلي: هو أدب الفترة التي سبقت ظهور الاسلام بنحو قرن ونصف قرن، وليس معني ذلك أن تلك الفترة هي كل العصر الجاهلي، فالواقع أن العصر الجاهلي أطول من ذلك كثيرا،لكن الأدب الذي وصل إلينا عاش أصحابه قبل الإسلام بقرن ونصف قرن فقط،وضاع أدب السابقين عليهم؛لأن العصر الجاهلي لم يكن عصر تدوين،فقد كان الاعتماد علي الحفظ والرواية جيلا بعد جيل.
ويشمل الادب في العصر الجاهلي فنّي القول: فن الشعر،وفن النثر.

أما الشعر: فهو الكلام الموزون المقفي،وهو الأسلوب الذي يصور به الشاعر عواطفه وإحساسه معتمدا علي موسيقي الكلمات ووزنها،وعلي عنصري الخيال والعاطفة.
أما النثر: فيقوم علي التفكير والمنطق ولا يعتمد علي وزن أو قافية،ولذلك يمكننا أن نقول : ((ان الشعر مظهر الوجدان والنثر مظهر العقل والثقافة)) ولذلك الشعر أسبق من (النثر الفني) لأن الشعر يقوم علي الخيال والعاطفة،اما النثر الفني فيقوم علي التفكير والمنطق،والخيال أسبق في الوجود من التفكير والمنطق.

ما أسباب قلة النثر الجاهلي؟
إن ما روي من النثر الجاهلي قليل بالنسبة لما روي من الشعر وذلك للأسباب الاتية:
سهولة حفظ الشعر لما فيه من إيقاع موسيقي.
الاهتمام بنبوغ شاعر في القبيلة يدافع عنها ويفخر بها.
ﺠ- كان العرب لم يدونوا أثارهم الأدبية لتفشي الاميةالامانة بينهم وإعتمادهم علي الحفظ والرواية،ومع ذلك وصل إلينا من النثر قدر يكفي لإستنباط خصائصه الفنية.

فنون النثر الجاهلي وخصائصه:
1- الخطابة. 2- الوصايا.
3- الامثال. 4- الحكم.



وسنتناول كل فن وأهم خصائصه الفنية فيما يلي:-
1-الخطابة.
وهي من أقدم فنون النثر،لأنها تعتمد علي المشافهة،لأنها فن مخاطبة الجمهور بأسلوب يعتمد علي الاستمالة وعلي اثارة عواطف السامعين،وجذب انتباههم وتحريك مشاعرهم،وذلك يقتضي من الخطيب تنوع الاسلوب،وجودة الالقاء وتحسين الصوت ونطق الإشارة.
أما الإقناع فيقوم علي مخاطبة العقل،وذلك يقتضي من الخطيب ضرب الأمثلة وتقديم الأدلة والبراهين التي تقنع السامعين.

ﺠ - للخطبة أجزاء ثلاثة هي (المقدمة – والموضوع – والخاتمة).
د- أهداف الخطبة: الإفهام والإقناع والإمتاع والإستمالة.
ﻫ- خصائص أسلوب الخطبة:
1- وضوح الفكرة. 2- جودة العبارة وسلامة ألفاظها.
3- الإكثار من السجع غير المتكلف.
4- التنوع في الاسلوب بين الخبري والانشائي.
5- قلة الصور البيانية.

ﺠ- أسباب ازدهار الخطبة في العصر الجاهلي:
ازدهرت الخطبة لاكتمال عوامل ازدهارها وهي:-
1- حرية القول. 2- دواعي الخطابة كالحرب والصلح والمغامرات.
3- الفصاحة فكل العرب كانوا فصحاء.

ولقد اجتمعت كل هذه الخصائص في خطبة (قس من ساعدة الايادي) والجدير بالذكر أنه أول من قال في خطبته: (أما بعد) وتسمي (فصل الخطاب)، لأنها تفصل المقدمة عن الموضوع.





2- الوصايا
1- الوصية: قول حكيم صادر عن مجرب يوجه الي من يحب لينتفع به، وهي من ألوان النثر التي عرفها العرب في الجاهلية.
2- أجزاء الوصية:
أ- المقدمة: وفيها تمهيد وتهيئة لقبولها.
ب- الموضوع: وفيه عرض للأفكار في وضوح واقناع هاديء.
ﺠ- الخاتمة: وفيها إجمال موجز لهدف الوصية.
ولقد رأينا ذلك في (وصية أم لإبنتها عند زواجها)
(لأمامة بنت الحارث).

3- خصائص أسلوب الوصية:
أ- وضوح الألفاظ.
ب- قصر الجمل. ﺠ- الإطناب بالتكرار والترادف والتعليل.
د- تنوع الاسلوب بين الخبر والإنشاء.
ﻫ- الإقناع بترتيب الأفكار وتفصيلها وبيان أسبابها.
و- الإيقاع الموسيقي الجميل وتجلي كل ذلك في وصية أم لإبنتها.
وهناك فرق بين الوصية والخطبة ألا وهو:-
أن الخطبة: هي فن مخاطبة الجماهير لاستمالتهم واقناعهم.
اما الوصية: فهي قول حكيم لانسان مجرب يوصي به من يحب لينتفع به في حياته.

الأمثال
المثل: قول موجز سائر علي الألسنة وارد في حادثة أو مستمد من ملاحظة في البيئة.
نشأة المثل: كانت الحادثة تقع،ويدور فيها القول،وتأتي من بين الكلمات عبارة قوية مركزة في تلخيص الموقف،او استخلاص العبرة منه،فيكون وقعها قويا علي السامع وتتلقفها الألسنة فتذيع وتنتشر وتصبح مثلا يلقي في كل موقف يشبه الموقف الذي سيقت فيه العبارة اول ما سيقت. وهذا يسمي (مورد المثل).
يضرب المثل في موقف يشبه الحالة التي ورد فيها مع المحافظة علي لفظ المثل وضبطه وهذا يسمي: (مضرب المثل) وهو استعارة تمثيلية ولذلك فكل مثل له مودر ومضرب.
أنواع المثل: أ- بعض الامثال يرتبط بحادثة واقعية.
ب- بعض الأمثال يرتبط بقصة خيالية.
ﺠ- بعض يمثل منهجا معينا في الحياة كقولهم:
(ان الحديد بالحديد يٌِفًلح)
د- وبعضها ما يحمل توجيها خاصا كقولهم: (قبل الرماء تملأ الكنائن).
ﻫ- وبعضها يبني علي ملاحظة مظاهر الطبيعة او يرتبط بأشخاص اشتهروا
بصفات خاصة.
5- ويرجع سر انتشار المثل وذيوعه في الجاهلية الي:-
أ- إنها بيئة فطرية تغلب فيها الامية وتشتد الحاجة الي التجارب المستخلصة في اقوال لها معني صادق.
ب- كذلك يرتبط المثل بحادثة او حكاية تساعد علي أانتشاره.
ﺠ- تصاغ الأمثال غالبا في عبارة حسنة،يظهر فيها دقة التشبيه بين المورد والمضرب، وذلك ما يرضي ذوق العربي.


المثل صوت الشعب
فهو مرآة تنعكس عليها صورة الحياة الاجتماعية والسياسية والطبيعية،وهي تعبير عن عامة الناس لصدوره دون تكلف،ولذلك يتجه الباحثون عن طبائع الشعوب الي دراسة أمثالها،واذا رجعنا الي الامثال وجدناها صوتا للشعب لما يأتي:-
1- لأنها مرتبطة بالبيئة وما فيها من حرب وصلح ومفاوضات.
2- تعبر عن صفات العرب وأخلاقهم وعاداتهم.
ﺠ- ترتبط بحياتهم واحداثها وتعبر عن طرق تفكيرهم ولذلك تتنوع الامثال من أمة الي أخري تبعا لأختلاف البيئة والثقافة وأختلاف العصور.






الخصائص الفنية للامثال
1- ايجاز اللفظ. 2- قوة العبارة.
3- دقة التشبيه. 4- سلامة الفكرة.
نماذج لأمثال العرب في الجاهلية
جزاءه جزاء سنمار:
يضرب لمن يحسن في عمله فيكافأ بالاساءة اليه.
رجع بخفي حنين:
يضرب هذا المثل في الرجوع بالخيبة والفشل.
انك لا تجني من الشوط العنب
يضرب لمن يرجو المعروف في غير اهله
او لمن يعمل الشر وينتظر من ورائه الخير.

4- من حكم العرب في الجاهلية
الحكمة: قول موجز مشهور صائب الفكرة رائع التعبير،يتضمن معني مسلما به،يهدف الي الخير والصواب وتعبر عن خلاصة خبرات وتجارب صاحبها في الحياة.
فيم تلتقي الحكمة والمثل؟ وفيم يختلفان؟
تتفق الحكمة مع المثل في: الايجاز،والصدق،وقوة التعبير،وسلامة الفكرة.
وتختلف الحكمة عن المثل في أمرين:-
لا ترتبط في اساسها بحادثة او قصة.
انها تصدر غالبا عن طائفة خاصة من الناس لها خبرتها وتجاربها وثقافتها.
اسباب انتشارها:-
قد شاعت الحكمة علي ألسنة العرب لاعتمادها علي التجارب واستخلاص العظة من الحوادث ونفاذ البصيرة والتمكن من ناحية البلاغة.







الخصائص الفنية لأسلوب الحكمة
1- روعة التعبير 2- قوة اللفظ
3- دقة التشبيه 4- سلامة الفكرة مع الايجاز
الحكمة صوت العقل:
لأن الحكمة قول موجز يقوم علي فكرة سديدة وتكون بعد تأمل وموازنة بين الامور واستخلاص العبرة منها ولذلك فهي تعبر عن الرأي والعقل.

نماذج من حكم العرب في الجاهلية
مصارع الرجال تحت بروق الطمع:
فيها دعوة الي القناعة فأن الطمع يقتل صاحبه.
رب ملوم لا ذنب له
دعوة الي التحقق من الامر قبل توجيه اللوم للبريء.
أدب المرء خير من ذهبه
معناها ان قيمة الانسان بأدبه لا بماله.
من فسدت بطانته كان كالغاص بالماء
معناها (فمن استعان بقوم غير صالحين لم يفلح في عمله ويكون مثله كمثل من يقف الماء في حلقه ، فلا يجد سبيلا الي ازالة غصته).فهي تدعو الي حسن اختيار الاعوان.
من شدد نفر،ومن تراخي تألف: (( فالناس تنفر من الشديد القاسي وتميل الي اللين الرحيم)).
وهي تدعو الي اللين في المعاملة، وحسن معاملة الناس.










رد مع اقتباس
قديم 2012-02-11, 15:17   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

خصائـص النثـر الجاهلي


إن ما روى من النثر الجاهلي قليل بالنسبة لما روى من الشعر وذلك للأسباب الآتية :
1 -
سهولة حفظ الشعر لما فيه من إيقاع موسيقى .
2 -
وللاهتمام بنبوغ شاعر في القبيلة ، يدافع عنها ويفتخر بأمجادها .
3 -
كما أن العرب لم يدونوا آثارهم الأدبية ؛ لتفشى الأمية بينهم واعتمادهم على الحفظ والروايـة .

فنون النثر الجاهلي :
1 -
الخطابـة . 2 - الوصايـا . 3 - الأمثـال . 4 - الحكـم .

أولاً : الخطابـة : وهى فن مخاطبة الجماهير للإقناع والإمتاع .
وأجزاؤهـا : المقدمـة ، والموضـوع ، والخاتمـة .
خصائصها :

1 - السهولة والوضوح .
2 -
قصر الفقرات .
3 -
التنويع بين الخبر والإنشاء .
4 -
الإطناب بالتكرار والتفصيل والإقناع بالحجج .
5 -
والإمتاع بروعة الصور وجمال التعبير .
عوامل رقى الخطابة :
1 -
حرية القول والشجاعة في إبداء الرأي .
2 -
الفصاحة والقدرة على التعبير .
3 -
الدواعي والمناسبات التي تستعمل فيهـا الخطابة من : تنافس وصراع وحروب تدفع إلى القول لإثارة الحمية وإلهاب الحماسـة.





ثانيـاً : الوصايـا :
هي القول الصادر من مجرب خبير إلى من هو أقل منه تجربة كابن أو بنت " فهي ليست في مواجهة الجماهير كالخطبة " .
خصائصها :

1 - اشتمالها على كثير من الحكم .
2 -
يغلب على أسلوبها السجع لتأثيره الموسيقى .
3 -
سهولة اللفظ .
4 -
قصر الفقرات .
ثالثاً : الأمثـال :
المثل : قول موجز بليغ يعتمد على حادثة أو قصة أو مناسبة قيل فيها , ويضرب في الحوادث المشابهة لها .
إن المثل قول موجز بليغ يعتمد على حادثة أو قصة أو مناسبة قيل فيها , ويضرب في الحوادث المشابهة لها ، و انتشر على الألسنة له مورد ومضرب .
خصائصها :
1 -
إيجاز اللفظ . قوة العبارة .

3 - دقة التشبيه وسلامة الفكرة .

رابعاً : الحكـم :

الحكمة قول موجز مشهور صائب الفكرة رائع التعبير يتضمن معنى مسلماً به يهدف إلى الخير والصـواب وبه تجربة إنسانية عميقة.

أسباب انتشارها :
1 -
اعتماد العرب على التجارب .
2 -
استخلاص العظة من الحوادث .
3 -
نفاذ البصيرة والتمكن من ناصية البلاغة .
خصائص الحكمة :
1 -
روعة التعبير .
2 -
وقوة اللفظ .
3 -
دقة التشبيه .
4 -
سلامة الفكرة مع الإنجاز










رد مع اقتباس
قديم 2012-02-11, 15:19   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

تعريف النثر الجاهلي
النثر هو الكلام الذي لم ينظم في أوزان وقواف وهو على ضربين :
أما الضرب الأول فهو النثر العادي الذي يقال في لغة التخاطب , وليست لهذا الضرب قيمه أدبيه إلا مايجري فيه أحيانا من أمثال وحكم , وأما الضرب الثاني:
فهو النثر الذي يرتفع فيه أصحابه إلى لغة فيها فن ومهاره وبلاغه وهذا الضرب هو الذي يعني النقاد
في اللغات المختلفه ببحثه ودرسه وبيان مامر به من أحداث وأطوار ,ومايمتاز به في كل طور من صفات
وخصائص وهو يتفرع إلى جدولين كبيرين , هما
الخطابه والكتابه الفنيه

ويسميها بعض الباحثين باسم النثر الفني وهي تشمل القصص المكتوب كما تشمل الرسائل الأدبيه المحبره , وقد تتسع الكتابه التاريخيه المنمقه , ومن يرجع إلى العصر الجاهلي وأخباره يجد هذا الضرب الأخير من النثر يلعب دورا مهما في حياة العرب حينئذ , إذ كان عرب الجاهليه مشغوفين بالتاريخ والقصص عن فرسانهم ووقائعهم وملوكهم , يقطعون بذلك أوقات سمرهم في الليل وحول خيامهم , وقد دارات بينهم أطراف من أخبار الأمم المجاوره لهم ممتزجه بالخرافات والأساطير , ففي السيره النبويه أن النضر بن الحارث المكي كان يقص على قريش أحاديث عن أبطال الفرس أمثال رستم وإسفنديار , وأكثر ماكان يستهويهم من القصص أحاديث قصاصهم عن أيامهم وحروبهم في الجاهليه , مما يصوره لنا كتاب شرح النقائض لأبي عبيده وكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني وقد تلاهما اللغويون والأدباء يعنون بتلك الأيام والحروب عنايه واسعه على نحو ماهو معروف عن ابن عبد ربه في " العقد الفريد وابن الأثير في الجزء الأول من كتابه الكامل والميداني في الفصل التاسع والعشرين من كتابه مجمع الأمثال










رد مع اقتباس
قديم 2012-02-11, 15:20   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

نبذة عن النثر في العصر الجاهلي,,, (للنثر وعشـــــــــاقه...

النثر أسبق انواع الكلام في الوجود لقرب تناولة ,وعدم تقيدة وضرورة استعماله, وما وصل الينا قليل منه بما وصل الينا من الشعر ....

أنــــــــــــــــــــــــــواع النثــــــــر:

يكاد النثر الجاهلي يقتصر على نوعين هما:

1-الخــطــب والــوصــايا
2-الــحِــكــم والأمــــثـــال

ولكـن هناك انواع اخرى على نطاق ضيق كسجع الكهان والكهان كما هو معروف يدعون علم الغيب....

كما وجد نوع اخر وهو القصص الذي كانو مشغوفين فية شغفا شديد وقد ساعدهم ذلك على اوقات فراقهم
حيث يجتمعون كانو للسمر صغارا وكبارا يستمعوون لها وكانت هذه القصص تور حول ايامهم وحروبهم والجن وغيرها...

خصـــــــــــــــــــــائص النثــــــــر الجاهلي:

يمتاز النثر في الجاهلية بجريانة مع الطبع , يسير مع الاخــــلاق البدوي وبيئتة ,فهو قوي التركيب, موجز الاسلوب, سطحي الفــــكرة

وسنلحظ هذا الاسلوب مــن خـــلال القراءة المتعمقة لاهم انواعة:

>>1-الــــــخـــــــــطب والوصـــايا<<

الخطبة والوصية كلتاهما يراد بهما التأثير في المستمع ,الا ان الاولى تكون على ملأ من الناس , والاخرى تكون لقوم معينين كوصية اب لابنة عند السفر او المـوت .

أما الخطابة فكانت ذا شأن لدى الجاهليين, وربما تفوقت على الشعر أحيانا .
وقد كانت الدواعي للخطابة كثيرة ومتنوعة منها: الفخر بالأحساب ، والسفارة بين القبائل , والنصح والارشاد....

اسمــــــاء بعض الخطباء :

قس بن سعادة الايادي ,, والحارث بن عباد البكري, اكثم بن صيفي التميمي...

نــمـأااااذج من الخــطــب والوصــــــــــــــايا:

خطبــــــــــــــــة قس بن سعــادة الاياي (في سوق عكاظ)

يبدو أن قس كان ينكر المنكرالذي شاع في الجاهلية وكانت هذة الخطبة لقس في سوق عكـــاظ

(( أيها الناس ,أسمعو واعوا, من عاش مات, ومن مات فات, وكل ماهو ات ات, ان في السماء لخبر ,وان في الارض لعبر ,ايات محكمات , ومطر ونبات ,ونجوم تزهر, وبحار تزخر ,وليل داج ,وسماء ذات ابراج ,مالي ارى الناس يذهبون, ولايرجعون؟! ارضو فاقاموا ,أم تركوا فناموا, يامعشر اياد ؟اين ثمود وعاد؟ وأين الفراعنة الشداد؟؟

فــي الــذاهبيــن الاولين من القرون الاولى لنا بصائر
لمـــا رايــــــــت مواوردا للــمـوت ليـــس لها مـصــادر
ورايــت قومـــي نحـوها تــمضــي الاصـاغر والاكـابر
لا يــرجع المــاضي اليها ولا مــن الــباقـــين غــابــر
ايــقنــت انتتي لامـحـالة حيـــث صـــار الــقوم صـائر

وهنــــاك خطبة اكثم بن صيفي بين ايدي كسرى من ارادها فقط يكتب رداْ انه يريدها

وصيــــــــــــــــــــــــــــــــــــة زهــير بن جــناب الــكــلبي لبنـــيه يقول :

((يابني اني قد كبرت سنا, وبلغت حرسا,من دهري ,فاحكمتني التجارب والامور تجارب واختبار , أياكم والخور (الضعف) عند المصائب , والتواكل عند النوائب,فان ذلك داعية للغم,وشماته للعدو,وسوء ظن للرب , واياكم ان تخونوا بالاحداث مغترين ولها امنين ومنا ساخرين فانة ما سخر قوم الاقد ابتلو , ولكن توقعوها ,فان الانسان في الدنيا غرض تحاورة الرماة , فمقصر دونه, ومجاوز لموضعة, وواقع عن يمينة وشمالة , ثم لا بد ان يصيبة))

((وصــــــــيـــــــــة ذي الاصــــــبــــــع لابــــــنـــــــة ))

(يابني أن اباك قد فني وهو حي وعاش حتى سئم العيش واني موصيك بما ان حفظتة بلغت في قومك ما بلغتة فا حفظ عني ألن جانبك لقومك يحبوك وتواضع
لهم يرفعوك وأبسط لهم وجهك يطيعوك واكرم صغارهم كما تكرم كبارهم يكرمك
كبارهم ويكبر على مودتك صغارهم واسمح بمالك واحم حريمك وأعزز جارك واعن من استعان بك وأكرم ضيفك واسرع النهضة في الصريخ فان لك اجلا لايعدوك وصن وجهك عن مسالة احد شيئا فبذلك يتم سؤدودك)












رد مع اقتباس
قديم 2012-02-11, 15:22   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
**د لا ل**
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

مميزات النثر الجاهلي القديم
الميزات العامة للنثر الجاهليّ : هو وليد الطبع ، بعيد عن الصنعة و الزخرف و الغلوّ ، يشيع فيه السجعُ ، يسير مع أخلاق البدوي و بيئته و هو قوي اللفظ ، متين التركيب ، سطحي الفكرة ، ينزع نزعة الإيجاز و الموسيقی في الجملة و الأسلوب و يرسل مقطّعاً لا يربط بين أفكاره رابط . فنون النثر الجاهليّ هي المثل و الخطابة و القصص .
النثر في صدر الإسلام :
إنّ الأدب المخضرم فقد كثيراً مِن الأغراض و المعاني الجاهليّة و تبدّل بها أغراضاً و معاني إسلامية أما أسلوبه فبقي جاهلياً في الأكثر و كذلك قلّ الشعر في هذا العصر و كثُر النثر و ازدهرت الخطابة مِن أجل الدعوة إلی دين ا... بالحكمة و الموعظة الحسنة و استنهاض المسلمين للجهاد و نشر رسالة الدين المبين .
النثر الفني في العصر الأمويّ :
كانت قاعدة البلاغة في هذا العصر الإيجاز فاتّسم النثر بسمة الإيجاز و كان شديد الصلة بالنثر القديم . يقسم النثر الإيجازي في هذا العهد إلی ثلاثة أنواع هامة : الخطابة و التوقيعات و الرسائل .


التوقيعات : عبارات بليغة موجزة تحمل في طيّاتها معانيَ وسيعةً و كان الخلفاءُ و الولاةُ يكتبونها في أسفل الشكاوی و المظالم أو المطالب و الحاجات . ظهرت في صدر الإسلام و بلغت ازدهارها في عهد بني أمية . و الميزة التي تتميّز بها التوقيعات هي الإيجاز و البلاغة .
النثر الفني في العصر العباسيّ :
اتسعت الكتابة في هذا العصر لتسجّل ما تُنتجه العقولُ الإسلاميّة مِن علوم لغوية و شرعية و علوم طبيعية و كونية و فلسفيّة و لتستوعب ما يترجم مِن اللغات الأخری و تفنن الكتّاب في نثرهم متوخّين الأسلوبَ البلاغي الأفضل و اتجهوا إلی الوضوح و الابتعاد عن الألفاظ الغامضة و المعاني المبهمه ليدخل الكلام إلی القلوب و العقول و هكذا فعل الخطباء في خُطَبِهم و المتكلّمون في محاوراتهم الكلامية و كتّاب الدواوين في رسائلهم .
مراحل النثر العربيّ في المشرق :
1- نثر صدر الإسلام و الدولة الأمويّة الذي يمتاز بالسجع و المزاوجة و الترسّل و الميل إلی الجمل القصيرة و الإيجاز التام و ترادف الجمل و الاقتباس مِن القرآن الكريم مع جمالٍ في المعنی و اللفظ .
2- نثر عبدالحميد الكاتب في أواخر الدولة الأمويّة و طريقته في الكتابة ، يمتاز بالإطناب و التفصيل و توليد المعاني ، و الموازنة بين الجمل بتقارب كلماتها في العدد و الصيغة و خلوّ الجمل مِن زخرف اللفظ و مُحسناته إلا ما جاء عفواً ، و عدم التزام السجع.



3- نثر ابن المقفع الذي يشبه نثر عبد الحميد الكاتب في بسط المعاني و توكيدها . اعتنی ابن المقفع بتكرير الجمل المتقاربة في معناها مع العناية بالتحليل النفسي و التجارب الأخلاقية و تطويع اللغة للمعاني المستحدثة .
4- نثر الجاحظ الذي يمتاز بالجمل القصار و الفقرات المتقابلة و تعدد النعوت للشيء الواحد و إجادة استخدام حروف الجر متتابعة متغايرة و استقصاء كل أجزاء المعنی و تعدد طرق التعبير ، إضافة إلی الفكاهة و السخرية و مزج الجد بالهزل ، و الإطناب غير المملّ و جزالة في الألفاظ .
5- نثر ابن العميد الذي يقوم علی توخّي السجع القصير الفقرات و الاقتباس مِن القرآن و أحاديث الرسول (ص) و تضمين الأمثال السائرة و نثر الأبيات الحكيمة و الإشارات التاريخيّة و الإكثار مِن أنواع البديع .
6- نثر القاضي الفاضل الذي ساد في القرن السادس و يمتاز بالتزام السجع الطويل المنمق و التشبيه و الاستعارة و الغلوّ المفرط في التورية و الجناس و الطباق و مراعاة النظير و التوجيه الذي هو احتمال الكلام وجهين احتمالاً مطلقاً .
هذه خصائص النثر الشرقي أما النثر في الأندلس فلم يكن يختلف عن النثر في المشرق فبعد شيوع طريقةٍ ما في الشرق كانت تشيع تلك الطريقة في الغرب كذلك و في الأندلس بالذات . بل إن كثيراً مِن أدباء الأندلس كانوا يسافرون إلی الشرق للاستفادة مِن أدبائه . فسلّام بن يزيد كان تلميذاً للجاحظ مدة عشرين سنة و كان ابن
زيدون مِن المعجبين بالجاحظ و المقلّدين له . و هكذا بقية الطرق النثرية التي كان آخرها طريقة القاضي الفاضل في الكتابة التي شاعت في الأندلس في القرن السابع الهجري . إنّ أهم خصائص النثر الأندلسي هو أن أكثر ممارسيه كانوا شعراء و كانوا يميّزون بين مواضع النثر و الشعر .
مراحل النثر العربيّ في الأندلس :
1- طور الفطرة و السذاجة و الفصاحة الذي امتدّ مُنذ فتح الأندلس في نهاية القرن الأول حتی بداية القرن الرابع أي مدة قرنين و هو طور يخلو مِن التأنق و التصنّع و كان أقرب إلی الخطابة مِنه إلی الكتابة حيثُ المعاني الواضحة المترتبة كما تترتب في ذهن الخطيب و الألفاظ السهلة و الأسلوب الخإلی مِن الالتواء و التكلّف .
2- طور القوة للكتابة الأندلسية حيثُ امتهن الكتابةَ كتّابٌ محترفون فأجادوا فيها و طوّروها و إن كانوا مقلّدين لكتاب المشرق فيها . فكانت كتابات الجاحظ و ابن العميد و تلاميذهما هي المثل الأعلی لكتّاب الأندلس . هناك وضوح في المعنی و لا إغراق في البديع .
3- طور ضعف الكتابة الأندلسية و مِن ثُمَّ زوالها ، في هذا الطور زاد الاهتمام بالألفاظ علی حساب المعاني فكانت طريقة القاضي الفاضل هي المثل الأعلی و قد تكلّف الكتّاب في التزام التزامات صعبة مِن البديع .






النثر في العهد التركي :
تناول الكتّاب في هذا العصر النثر الفنيّ و النثر العلمي . و كان النثر الفني علی نوعين الكتابة الديوانية و الرسائل الأدبيّة . كانت موضوعات النوعِ الأول الرسائلَ التي تصدر عن " ديوان الإنشاء " و مِن ميزاتها المحافظة علی الألقاب و النماذج المرعيّة و قد طغی عليها الزخرف اللفظي فشوّهها و قضی عليها انتشار اللغة التركية . أما النوع الثاني فكان موضوعها الإخوانيات و قد ذهب برونقها تكلّفُ المُحسنات اللفظية و مِن أصحابها بدر الدين الحلبي و القلقشندي . و لكن النثر العلمي فقد سار أصحابه علی الأسلوب المرسل و أسفّ المتأخرون مِنهم فاقترب إنشاؤهم مِن النثر العامي .
النثر الفني في العصر الحديث :
كان تطور النثر في هذا العهد أكثر اتساعاً و أعمق أثراً مِن تطور الشعر . و قد اجتاز النثر في هذا العهد ثلاثة أطوار : الطور الأول هو طور البعث و اليقظة ، و قد ظل النثر فيه متأثّراً بأسلوب القاضي الفاضل و أسلوب الآنحطاط . و الطور الثاني هو طور المحاولات المحمودة و قد قدّم المعنی علی اللفظ و لكن التحرر لم يكن تاماً و الطور الثالث هو طور النهضة الحقيقية و قد قصرت الكتابة علی المعاني و جری فيها علی أساليب عالمية رفيعة الفن .
أغراض النثر و فنونه : اتّسعت أغراض النثر و فنونه في هذا العهد فتناولت مشكلات الحياة و مظاهرها و نزعاتها المختلفة .
يمكن تقسيم النثر بالنظر إلی أغراضه و فنونه إلی ثلاثة أقسام :
8

1- النثر الأدبيّ : يمتاز بتخير اللفظ و التأنق في نظم العبارات و قد اشتهر فيه الشيخ ناصيف اليازجي و أحمد فارس الشدياق و الشيخ إبراهيم اليازجي و مصطفی المنفلوطي و سليمان البستاني .
2- النثر الاجتماعي : يمتاز بصحة العبارة و البعد عن الزخرف و قد اشتهر فيه المعلم بطرس البستاني و قاسم أمين و جبران خليل جبران و أحمد زغلول .
3- النثر السياسيّ : يمتاز بالسهولة و الوضوح و يعتمد الأدلة الخطابية و التصوير السريع و قد اشتهر فيه أديب إسحاق و مصطفی كامل
أقسام النثر الأدبيّ الحديث :
1 ) المقامة 2) الخطابة 3) القصة 4) التمثيل 5) الصحافة










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
*«•¨*•.¸¸.»منتدى, اللغة, العربية, «•¨*•.¸¸.»*, طلبة


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 02:04

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc