أقوال الباحثين في الإعجاز بالنظم (نظرة فاحصة)
بعد أن عرضنا لطائفة من أقوال أولئك العلماء حول الإعجاز بالنظم في مقالات سابقة، يجدر بنا أن نلقي على ما قالوه نظرة سريعة فاحصة.
باستعراض أقوال أولئك الباحثين في الإعجاز بالنظم، نرى طائفة منهم قد اتجهت وجهة واحدة، ولخصت وجه الإعجاز بالنظم على نحو ما استقر عليه رأي عبدالقاهر الجرجاني.
ونرى طائفة أخرى صاغت هذا الوجه ألوانًا وصورًا بلاغية، وعملت جاهده على سرد الأدلة، والاستشهاد بالآيات القرآنية، ولم تأتِ بجديد حول ما أعادته كرة أخرى إلا ما كان من ابن أبي الإصبع؛ فقد ذكر أنه استخرج من قول الله - تعالى -: ﴿ وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ ﴾ [هود: 44] نحوًا من عشرين فنًّا من البديع لم يسبِقْه أحدٌ إلى استخراجها؛ إذ يقول في كتابه "بديع القرآن": "وما رأيت ولا رويت في الكلام.. كآية من كتاب الله - تعالى - استخرجت منها واحدًا وعشرين ضربًا من البديع، وعددها سبع عشْرة لفظة".
وطائفة ثالثة اكتفت بسرد آراء السابقين، حتى في الكثير من شواهدهم، كما أن مما يسترعي تحذف النظر أن هؤلاء الأعلام في جملة أقوالهم حول الإعجاز بالنظم، لم يتجاوزوا به حد اللفظ والتركيب، إلا ما كان من عبدالقاهر الجرجاني والرماني؛ فقد نبَّها على حسن تأليف الحروف المتلائمة، وإن ذلك مدرك بالحس، وزاد عبدالقاهر في إدراك أسرار الإعجاز بالنظم: دعامة الذوق السليم.
كما أن من بينهم من راح يزجي المقارنات والموازنات بين كلام البشر، وكلام الله جل وعلا، كما صنع ذلك الباقلاني في موازنته بين لامية امرئ القيس وتحليلها، وبين بعض من الآيات الكريمات.
وعلى الرغم من أنه لا يقصد بهذه الموازنة سوى الوصول إلى القول بالإعجاز بالنظم، فما أغناه عن هذه الموازنة؛ لارتفاع المفاضلة بين كلام الله سبحانه، وكلام البشر، ولأن القرآن في الذروة العليا من كل كلام؛ فهو من عند الله وكفى، ومثله صنيع الدكتور أحمد أحمد بدوي في كتابه: "من بلاغة القرآن"[1]
ولم يفصل أحد من هؤلاء الأعلام القول بالإعجاز بالنظم في السور والآيات، إلا ما كان من الباقلاني في تفصيله في نظم سورتي غافر وفصلت.
[1]انظر من بلاغة القرآن؛ لأحمد أحمد بدوي، ص 388، الطبعة الثانية مطبعة نهضة مصر.