حكمُ تداولِ الرسائلِ المجهولة

[أم سمية الأثرية]

بسم الله الرحمن الرحيم
لنعلم أن الرسائل المجهولة –وهي التي تُنشر من دون مراجع –ليستْ بعلمٍ بل هي جهلٌ محض ،وظنون ، ودعوة إلى الضياع ، لا تُغني من الحق شيئاً .
إذا كُنَّا –ولله الحمد- لا نقبلُ النقلَ والأخذعن أهل البدع وأهل الأهواء فكيف نقبل الرسائل المجهولة ، من باب أولى أن نردَّها .
-إن سببَ هذا هوالبُعدُ عن العلماء الرَّبانيين الذين قال اللهُ تعالى فيهم: { أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} .
وصدقَ والدي العلامة الشيخ مقبل رحمه الله إذ يقول :لمَّا ابتعد الناسُ عن العلماءِ تخبَّطُوا .
-نقلُ هذه الرسائل التي ليس لها أزِمَّة ليس من التثبُّت في ديننا ، وقد أمرنا ربُّنا بالتثبت فقال جلَّ شأنه { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} .
وكان الرجل يأتي إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ويقول : إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي المَسْأَلَةِ، فَلاَ تَجِدْ عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ؟ فَقَالَ: «سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ» الحديث رواه البخاري (63) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.
-وأخرج مسلم في مقدمة صحيحه عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ، فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ» .يُرَى أي :يظن .
وقد أفاد الحافظ ابن حجر في نزهة النظر ص 80: أن الذي لا يتثبتْ كانَ كالمُثْبِتِ حُكْماً ليسَ بثابتٍ، فَيُخْشَى عليهِ أَنْ يَدْخل في زُمرةِ مَن روى حَديثاً وهُو يُظَن أَنَّهُ كَذِبٌ ..
-وهذا هوهدي السلف التثبتُ في أخذِ العلم أخرج الإمام مسلم في مقدمة صحيحه16من طريق أبي إسحاق إبراهيم بن عيسى الطَّالْقَانِيَّ قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ: الْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ «إِنَّ مِنَ الْبِرِّ بَعْدَ الْبِرِّ أَنْ تُصَلِّيَ لِأَبَوَيْكَ مَعَ صَلَاتِكَ، وَتَصُومَ لَهُمَا مَعَ صَوْمِكَ» .
قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ، عَمَّنْ هَذَا؟
قَالَ: قُلْتُ لَهُ: هَذَا مِنْ حَدِيثِ شِهَابِ بْنِ خِرَاشٍ فَقَالَ: ثِقَةٌ، عَمَّنْ قَالَ؟
قُلْتُ: عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: ثِقَةٌ، عَمَّنْ قَالَ؟
قُلْتُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ، إِنَّ بَيْنَ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَفَاوِزَ تَنْقَطِعُ فِيهَا أَعْنَاقُ الْمُطِيِّ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِي الصَّدَقَةِ اخْتِلَافٌ .
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم : مَعْنَى هَذِهِ الْحِكَايَةِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ الْحَدِيثُ إِلَّا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ .
-أخرج ابن أبي حاتم رحمه الله في «الجرح والتعديل» (2/34)
بسند صحيح عن يحيى بن سعيد وهو القطان: ينبغي لكتبة
الحديث أن يكون ثبت الأخذ، ويفهم ما يقال له، ويبصر الرجل -
يعني: المحدث- ثم يتعاهد ذلك منه -يعني: نطقه- يقول: حدثنا،
أو سمعت، أو يرسله.
فقد قال هشام بن عروة: إذا حدثك رجل بحديث فقل: عمن هذا؟
أو فممن سمعته؟ فإن الرجل يحدث عن آخر دونه -يعني: دونه-
في الإتقان، والصدق.
قال يحيى: فعجبت من فطنته.
وأخرجه الخطيب في جامعه وفيه(يَنْبَغِي لِصَاحِبِ الْحَدِيثِ تَثَبُّتٌ فِي الْأَخْذِ ) .
-أخرج مسلم في مقدمة صحيحه عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: «إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ، فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ» .
واعلمي أنك بهذا لا تخدمين الإسلام ،فالإسلام بريءٌ من هذا ،لأن الدعوة إلى الإسلام والدين الحق تكون على بصيرةٍ وحُججٍ ونور وبُرهان قال سبحانه { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ } .
نقلُ أقاويل بدون مراجع ، ونقل قَصص نحن في غِنى عنها . يقول ربنا عزوجل { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ } .
ويقول :{ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} .
ويقول سبحانه :{ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} .
-وأهل العلم يبدِّعون القصَّاصين ويحذِّرون منهم أخرج الإمام مسلم في مقدمة صحيحه من طريق عاصم قَالَ: كُنَّا نَأْتِي أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيَّ وَنَحْنُ غِلْمَةٌ أَيْفَاعٌ، فَكَانَ يَقُولُ لَنَا: «لَا تُجَالِسُوا الْقُصَّاصَ غَيْرَ أَبِي الْأَحْوَصِ، وَإِيَّاكُمْ وَشَقِيقًا» ، قَالَ: «وَكَانَ شَقِيقٌ هَذَا يَرَى رَأْيَ الْخَوَارِجِ، وَلَيْسَ بِأَبِي وَائِلٍ»
-أخرج أبو نعيم في حلية الأولياء (2/12) ترجمة أيوب السختياني
بسند صحيح من طريق شعبة، عن أيوب قال: ما أفسد على الناس حديثَهم إلا القُصَّاصُ.
-وجاء عن مروان بن محمد الطاطري ثلاثة لا يؤتمنون في دين: الصوفي ،والقَصَّاص ، ومبتدع يرد على أهل الأهواء .
والأثر في ترتيب المدارك (3/ 226) للقاضي عياض رحمه الله .
وأفادنا بهذا الأثر الوالد الشيخ مقبل مراراً . والله أعلم .
-إلى الله المشتكى من العَبث والفوضَى في استخدام هذه النعمة فيما لا ينفع ، أهمُّ شيء المشاركة ،وكأنَّ دينَنا دينُ عاطفيَّة وآراء وحكايات ،دينُنَا مبني على الأدلة الشرعية يقول الله تعالى { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} .
أَمَا نعلمُ الحديثَ الذي رواه أبو داود في سننه (3660)عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا، فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ» .
دعوة لمن نشرالسنة الصحيحة ، بالنَّضارة وهي البهاء والبهجة والحُسْن .
وقد صُرِف عن هذا الفضل مَنْ صُرِف ،إلى نشر ظنونٍ وحكايات وأحاديث غير صحيحة ،وبعضها مكذوبة،وصدقَ ربُّنا سبحانه إذ يقول : { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }.
وقال { أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } .
وهذا من المصائب أن يكون على باطل ،على غير صواب، ويظن أنه على صواب .
-والله إن القلبَ ليحزن من سوء تصرُّف كثيرٍ من الناس -رجالاً ونساءً ،صِغاراً وكباراً - وضياعهم وهم يحسبون أنهم يُحسنون صُنعا .
الساعات التي تُقضى على الواتس وغيره في فراغٍ، وضحك ،وسَمَر، وتداول رسائل مجهولة،ورسائل لا يُحتاج لها ، الله سائلٌ عنها منْ كان هذا حاله .
إنَّ الشباب والفراغ والجِدَة مفسدة للمرء أي مفسدة
-بعد ذلك ولو كان الحديث أو الأثر أو القول لديه مرجع لا بدَّ أن نعرف ثبوتَهُ وصحته إلى قائلِه .
ما يكفي أن الحديثَ أو الأثر في مسند أحمد أو في الجرح والتعديل أو في حلية الأولياء أو في سير أعلام النبلاء أو كذا، لأنها كتبٌ ما التزمت بالصحة .
فهذا من الخطأ أن نعزوه إلى هذه المراجع وما أشبهها من الكتب التي ما التزمت بالصحة ونكتفي به ، لا بُدَّ من الحُكم عليه .
وهذا يربِطُنا ، عدم التوسُّع ، ما كُلُّ أثر أو حديث أو قصَّة نفرحُ به لا بُدَّ من معرفة حاله ، وإلا يسعُنا السكوتُ ،والانشغال بالعلم النافع ،وبما نعلَم ،وفي الصحيح غِنَى عن الضعيف .
-كم يحرصُ الناسُ على أخذ الطَّيب من الأغذية والملابس وغير ذلك من شؤون أمورهم الدنيوية ،يتمهَّل ،وقد يسأل أهل الخبرة هل هي مناسبة ، ما يأخذها إلا بعدما يتأكد أنها صالحة ،ولكن في أمور الدين ،يأخذ الغثَّ والسمين ،لا يتحرَّى ، ولا يسأل أهلَ العلم الراسخين ، ولا يحتاط لدينه الذي فيه سعادتُه ونجاحُه وفلاحُه .

اللهم ثبِّتنا وأصلح أحوالَنا .
الكاتب أم عبدالله الوادعية

https://alwadei967.blogspot.fr/2015/11/blog-post_57.html

[أبو عاصم مصطفى السُّلمي]

نقل موفق و صِدقٌ محقّق
جزاك الله خيرا و بارك فيك

[أم سمية الأثرية]

واياكم جزى الله خيرا وزيادة
وفيكم بارك الله

[plimo]

اسأل اهل العلم.