افضل درس .خطبة.محاضرة.غيرت شيئا في قلبك ..افدونا - الصفحة 3 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > القسم الاسلامي العام > أرشيف القسم الاسلامي العام

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

افضل درس .خطبة.محاضرة.غيرت شيئا في قلبك ..افدونا

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2010-08-07, 17:34   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
*ام* عبد الرحمن
عضو متألق
 
الصورة الرمزية *ام* عبد الرحمن
 

 

 
الأوسمة
وسام الحفظ 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة said0326 مشاهدة المشاركة
الإمام أحمد بن حنبل مواقف و عبر...للشيخ سلطان العيد
https://www.sultanal3eed.com/hits/rm-138.html

بارك الله فيك أختي و نفعني الله و إياك بما علمنا
و فيك يبارك الله و يزيد ...
مشكور علبى الاضافة الطيبة جعلها الله في ميزان حسناتك و رحم والديك اخي الفاضل
تشرفت بمروركم الطيب








 


قديم 2010-07-25, 20:20   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
riad136
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
هده خطبة جمعة للشيخ محمد سعيد رسلان
و هي بعنوان ــــــــــ اتقوا الله في الصلاة ـــــــــ
https://www.الرابط محظور/vad/items_details.php?id=2936

و السلام عليكم










قديم 2010-08-09, 20:46   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
*ام* عبد الرحمن
عضو متألق
 
الصورة الرمزية *ام* عبد الرحمن
 

 

 
الأوسمة
وسام الحفظ 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة riad136 مشاهدة المشاركة
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
هده خطبة جمعة للشيخ محمد سعيد رسلان
و هي بعنوان ــــــــــ اتقوا الله في الصلاة ـــــــــ
https://www.الرابط محظور/vad/items_details.php?id=2936

و السلام عليكم


و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
اي جزاكم الله خيرا
و حفظ هذا الشيخ و سدد حطاه و لان له غيرة .....
ننتظر المزيد منكم اخي الفاضل ...









قديم 2010-07-25, 20:38   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
محمود المغناوي
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاكم الله خيرا وبارك الله فيكم
انا اعجبتني سلسلة على فين يا شباب للشيخ الفاضل حازم شومان حفظه الله
وهذه هدية لكم جميعا

17 مقطع دعوى ووعظى من سلسلة على فين يا شباب
للشيخ الفاضل
حازم شومان حفظه الله




1-على فين ياشباب
avi
mp4
ogg




2-على فين يا شباب
avi
mp4
ogg
3-أم كلثوم بنت عتبة إختارت الله
فنزل فيها قرآنا يتلى ليوم القيامة

avi
mp4
ogg
4-اللى يعرف ربنا تنتظره أيام رائعة
avi
mp4

ogg
5-game over









6-عف عن الزنا فأنقذه الله من
avi
mp4

ogg




7-70 مليون دخلوا فى الإسلام بسبب أخلاق المسلمين
avi
mp4

ogg
8-جلده إعترف عليه وفضحه فى الدنيا
avi

mp4
ogg

9-عاوزها ولا مش عاوزها
avi
mp4

ogg
10-سيبونى..والله آخر مرة
avi
mp4

ogg
11-ماتوا على الزنا
avi
mp4

ogg
12-كما تدين تدان
avi
mp4

ogg
13-أيهما تفضل الخادمة أم الأميرة؟؟
avi
mp4

ogg
14-همكـ إيه؟؟
بتحلــم بإيه؟؟

avi
mp4
ogg
15-غباء فى غباء
avi
mp4

ogg
16-قصة أو ودنين
وإحذرك أن تكون مثله

avi
mp4
ogg




17-خواتيم حسنة








اللهم ارزقنا الاخلاص فى النيه والقول والعمل









قديم 2010-07-27, 13:50   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
ممو زين
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

احد الشباب اخبرني عندما سألته عن خطبة او درس اثر في حياتك

فقال لي احد المرات خطب الشيخ في حينا عن مساويء التلفاز وعيوبه

وانه يجب علينا ان نخرجه من بيوتنا ولا نرضى به ابدا

فقال لي فذهبت الى البيت واخذت الجهاز وحملته ورميته على الارض فكسرته

قال فزعل اخواني الصغار مني وكذلك امي وعندما رجع ابي وبخني وزعل مني

لكنني عندما نضجت وكبرت عرفت انه سلاح ذو حدين اذا احسنا استخدامه يفيدنا ويعلمنا ويفقهنا

واذا كانت الاخرى فلا حول ولا قوة الا بالله

طبعا لكن اخواني لم يصبروا على غياب التلفاز فاضطر والدي واحضر لنا جهازا جديدا
]










قديم 2010-08-09, 20:48   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
*ام* عبد الرحمن
عضو متألق
 
الصورة الرمزية *ام* عبد الرحمن
 

 

 
الأوسمة
وسام الحفظ 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ممو زين مشاهدة المشاركة
احد الشباب اخبرني عندما سألته عن خطبة او درس اثر في حياتك

فقال لي احد المرات خطب الشيخ في حينا عن مساويء التلفاز وعيوبه

وانه يجب علينا ان نخرجه من بيوتنا ولا نرضى به ابدا

فقال لي فذهبت الى البيت واخذت الجهاز وحملته ورميته على الارض فكسرته

قال فزعل اخواني الصغار مني وكذلك امي وعندما رجع ابي وبخني وزعل مني

لكنني عندما نضجت وكبرت عرفت انه سلاح ذو حدين اذا احسنا استخدامه يفيدنا ويعلمنا ويفقهنا

واذا كانت الاخرى فلا حول ولا قوة الا بالله

طبعا لكن اخواني لم يصبروا على غياب التلفاز فاضطر والدي واحضر لنا جهازا جديدا
]
صدقت اخي و الله انه لسلاح ذو حدين ..نسال الله الا يكون من لهو الحديث المذموم و يكون لنا وسيلة تعلم احكام الشرع
مروركم سرنا اخي الفاضل ...









قديم 2010-07-27, 22:34   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
لقاء الجنة
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية لقاء الجنة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك...










قديم 2010-07-27, 22:43   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
سرور.
عضو برونزي
 
إحصائية العضو










افتراضي

بورك فيكم...................










قديم 2010-07-29, 20:44   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
سرور.
عضو برونزي
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيكم و وفقكم لكل خير................

؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟










قديم 2010-07-29, 20:57   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
chouchou181
محظور
 
إحصائية العضو










افتراضي

أعلنت صحيفة الصباح العراقية ان 12 ألف مواطن عراقي صدر في حقهم الحكم بالاعدام . ومن المتوقع ان يرتفع العدد بالالاف حتى يصل عدد سكان الصحراء الغربية !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
وهذا منذ ان اسقطت امريكا نظام صدام حسين رحمه الله وطيب ثراه وسلمت العراق كاملا الى النظام الفارسي الصفوي الايراني









قديم 2010-08-07, 18:13   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
*ام* عبد الرحمن
عضو متألق
 
الصورة الرمزية *ام* عبد الرحمن
 

 

 
الأوسمة
وسام الحفظ 
إحصائية العضو










افتراضي

[centerان شاء الله هذدرس يتعلق بترك الهوى و فيه خير كثير للشيخ المحدث ابو اسحاق الحويني حفظه الله و عافاه و سدد خطاه
https://www.muslimvideo.com/tv/watch/...8A%D9%86%D9%8A
[/center]










قديم 2010-08-09, 15:07   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
أحمد أبو عبد الرحمن
عضو محترف
 
الصورة الرمزية أحمد أبو عبد الرحمن
 

 

 
الأوسمة
وسام التميّز بخيمة الجلفة وسام العضو المميّز في منتديات الخيمة 
إحصائية العضو










افتراضي


بسم الله الرحمن الرحيم

ذكريات تائب


الحمد لله غافر الذنب .. وقابل التوب ..
شديد العقاب ذي الطول .. لا إله إلا هو إليه المصير ..
الحمد لله الذي يقول للشيء كن فيكون .. وبرحمته نجى موسى وقومه من فرعون ..
الحمد لله الذي كان نعم المجيب لنوح لما دعاه .. وبرحمته كشف الضر عن يونس إذ ناداه ..
وسبحان من كشف الضر عن أيوب .. ورد يوسف بعد طول غياب إلى يعقوب ..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .. صلى الله وسلم وبارك عليه ما ذكره الذاكرون الأبرار ..
وما تعاقب الليل والنهار ..
أما بعد :
فهذه ذكريات .. ومشاعر وهمسات ..
أفضى بها التائبون .. واعتبر بها المذنبون ..
نعم .. هي ذكريات .. اعترف بها كهول هدهم مر السنوات ..
وشباب لعبت بهم الشهوات ..
وفتيات ولغن في الملذات ..
هي ذكريات .. مرت وانقضت .. وانتهت ونُسيت ..
لكنها سجلت وكتبت .. وأحصيت وعُدّت ..
* * * * * * * * *
نعم ..
هذه ذكريات تائب .. واعترافات منيب وراغب ..
في زمن كثرت فيه المغريات .. وتنوعت الشهوات ..
وزلت بكثير من الناس الأقدام .. فقارفوا المعاصي والآثام ..
فضعف إيمانهم .. وقوي عليهم شيطانهم ..
إنها ذكريات .. لمن يؤمن بقوله تعالى : { نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم } ..
كما يؤمن بقوله : { وأن عذابي هو العذاب الأليم } ..
* * * * * * * * *
هذه أخبار أقوام أخبر ربهم .. أنه يفرح بتوبة التائبين إليه ..
مع غناه عنهم .. وشدة حاجتهم إليه ..
وكيف لا يفرح بتوبتهم .. وقد ناداهم بقوله :
يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم ..
وناداهم نبيهم بقوله :
إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار .. ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل .. حتى تطلع الشمس من مغربها ..
* * * * * * * * *
أول هؤلاء التائبين ..
شيخ كبير .. نجلس إليه .. بعدما كبر سنه .. ورق عظمه .. وكف بصره ..
وهو يحكي ذكريات شبابه ..
نجلس إلى كعب بن مالك رضي الله عنه ..
وهو يحكي ذكرياته .. في تخلفه عن غزوة تبوك ..
وكانت آخر غزوة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم ..
آذن النبي صلى الله عليه وسلم الناس بالرحيل وأراد أن يتأهبوا أهبة غزوهم ..
وجمع منهم النفقات لتجهيز الجيش .. حتى بلغ عدد الجيش ثلاثين ألفاً ..
وذلك حين طابت الظلال الثمار ..
في حر شديد .. وسفر بعيد .. وعدو قوي عنيد ..
وكان عدد المسلمين كثيراً .. ولم تكن أسماؤهم مجموعة في كتاب ..
قال كعب – كما في الصحيحين - :
وأنا أيسر ما كنت .. قد جمعت راحلتين .. وأنا أقدر شيء في نفسي على الجهاد ..
وأنا في ذلك أصغي إلى الظلال .. وطيب الثمار ..
فلم أزل كذلك .. حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم غادياً بالغداة ..
فقلت : أنطلق غدا إلى السوق فأشتري جهازي .. ثم ألحق بهم ..
فانطلقت إلى السوق من الغد .. فعسر علي بعض شأني .. فرجعت ..
فقلت : أرجع غدا إن شاء الله فألحق بهم .. فعسر عليَّ بعض شأني أيضاً ..
فقلت : أرجع غدا إن شاء الله .. فلم أزل كذلك ..
حتى مضت الأيام .. وتخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
فجعلت أمشي في الأسواق .. وأطوف بالمدينة ..
فلا أرى إلا رجلاً مغموصاً عليه في النفاق .. أو رجلاً قد عذره الله ..
* * * * * * * * *
نعم تخلف كعب في المدينة .. أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد مضى بأصحابه الثلاثين ألفاً ..
حتى إذا وصل تبوك .. نظر في وجوه أصحابه .. فإذا هو يفقد رجلاً صالحاً ممن شهدوا بيعة العقبة ..
فيقول صلى الله عليه وسلم : ما فعل كعب بن مالك ؟!
فقال رجل : يا رسول الله .. خلفه برداه والنظر في عطفيه ..
فقال معاذ بن جبل : بئس ما قلت .. والله يا نبي الله ما علمنا عليه إلا خيراً ..
فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
* * * * * * * * *
قال كعب :
فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك .. وأقبل راجعاً إلى المدينة .. جعلت أتذكر .. بماذا أخرج به من سخطه .. وأستعين على ذلك بكل ذي رأي من أهلي ..
حتى إذا وصل المدينة .. عرفتُ أني لا أنجو إلا بالصدق ..
فدخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة .. فبدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين .. ثم جلس للناس ..
فجاءه المخلفون .. فطفقوا يعتذرون إليه .. ويحلفون له ..
وكانوا بضعة وثمانين رجلاً .. فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم .. واستغفر لهم .. ووكل سرائرهم إلى الله ..
وجاءه كعب بن مالك .. فلما سلم عليه .. نظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم .. ثم تبسَّم تبسُّم المغضب ..
ثم قال له : تعال ..
فأقبل كعب يمشي إليه .. فلما جلس بين يديه ..
قال له صلى الله عليه وسلم : ما خلفك .. ألم تكن قد ابتعت ظهرك ؟
قال : بلى ..
قال : فما خلفك ؟!
فقال كعب : يا رسول الله .. إني والله لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا .. لرأيت أني أخرج من سخطه بعذر .. ولقد أعطيت جدلاً ..
ولكني والله لقد علمت .. أني إن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به علي .. ليوشكن الله أن يسخطك علي ..
ولئن حدثتك حديث صدق .. تجد عليَّ فيه .. إني لأرجو فيه عفوَ الله عني ..
يا رسول الله .. والله ما كان لي من عذر ..
والله ما كنت قط أقوى .. ولا أيسر مني حين تخلفت عنك ..
ثم سكت كعب ..
فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه .. وقال :
أما هذا .. فقد صدقكم الحديث .. فقم .. حتى يقضي الله فيك ..
فقام كعب يجر خطاه .. وخرج من المسجد .. مهموماً مكروباً .. لا يدري ما يقضي الله فيه ..
فلما رأى قومه ذلك .. تبعه رجال منهم .. وأخذوا يلومونه .. ويقولون :
والله ما نعلمك أذنبت ذنباً قط .. قبل هذا .. إنك رجل شاعر ..
أعجزت ألا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر إليه المخلفون ..
هلا اعتذرت بعذر يرضى عنك فيه .. ثم يستغفر لك .. فيغفر الله لك ..
قال كعب :
فلم يزالوا يؤنبونني .. حتى هممت أن أرجع فأكذب نفسي ..
فقلت : هل لقي هذا معي أحد ؟
قالوا : نعم .. رجلان قالا مثل ما قلت .. فقيل لهما مثل ما قيل لك ..
قلت : من هما ؟ قالوا : مرارة بن الربيع .. وهلال بن أمية ..
فإذا هما رجلان صالحان قد شهدا بدراً .. لي فيهما أسوة ..
فقلت : والله لا أرجع إليه في هذا أبداً .. ولا أكذب نفسي ..
* * * * * * * * *
ثم مضى كعب رضي الله عنه .. حزيناً .. كسير النفس .. وقعد في بيته ..
فلم يمضِ وقت .. حتى نهى النبي صلى الله عليه وسلم الناس عن كلام كعب وصاحبيه ..
قال كعب :
فاجتنبنا الناس .. وتغيروا لنا .. فجعلت أخرج إلى السوق .. فلا يكلمني أحد ..
وتنكر لنا الناس .. حتى ما هم بالذين نعرف ..
وتنكرت لنا الحيطان .. حتى ما هي بالحيطان التي نعرف ..
وتنكرت لنا الأرض .. حتى ما هي بالأرض التي نعرف ..
فأما صاحباي فجلسا في بيوتهما يبكيان .. جعلا يبكيان الليل والنهار .. ولا يطلعان رؤوسهما .. ويتعبدان كأنهما الرهبان ..
وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم .. فكنت أخرج .. فأشهد الصلاة مع المسلمين .. وأطوف في الأسواق .. ولا يكلمني أحد ..
وآتي المسجد فأدخل ..
وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم عليه ..
فأقول في نفسي : هل حرك شفتيه برد السلام علي أم لا ؟
ثم أصلي قريباً منه .. فأسارقه النظر .. فإذا أقبلت على صلاتي .. أقبل إلي ..
وإذا التفتُّ نحوه .. أعرض عني ..
* * * * * * * * *
ومضت على كعب الأيام .. والآلام تلد الآلام ..
وهو الرجل الشريف في قومه ..
بل هو من أبلغ الشعراء .. عرفه الملوك والأمراء ..
وسرت أشعاره عند العظماء .. حتى تمنوا لقياه ..
ثم هو اليوم .. في المدينة .. بين قومه .. لا أحد يكلمه .. ولا ينظر إليه ..
حتى .. إذا اشتدت عليه الغربة .. وضاقت عليه الكربة .. نزل به امتحان آخر :
فبينما هو يطوف في السوق يوماً ..
إذا رجل نصراني جاء من الشام ..
فإذا هو يقول : من يدل على كعب بن مالك ..
فطفق الناس يشيرون له إلى كعب .. فأتاه .. فناوله صحيفة من ملك غسان ..
من ملك غسان ..!!
إذاً قد وصل خبره إلى بلاد الشام .. واهتم به ملك الغساسنة .. فماذا يريد الملك ؟!!
فتح كعب الرسالة فإذا فيها ..
أما بعد .. يا كعب بن مالك .. إنه بلغني أن صاحبك قد جفاك وأقصاك ..
ولست بدار مضيعة ولا هوان .. فالحق بنا نواسك ..
فلما أتم قراءة الرسالة .. قال رضي الله عنه : إنا لله .. قد طمع فيَّ أهل الكفر ..
هذا أيضاً من البلاء والشر ..
ثم مضى بالرسالة فوراً إلى التنور .. فأشعله ثم أحرقها فيه ..
ولم يلتفت كعب إلى إغراء الملك ..
نعم فُتح له باب إلى بلاط الملوك .. وقصور العظماء .. يدعونه إلى الكرامة والصحبة ..
والمدينة من حوله تتجهمه .. والوجوه تعبس في وجهه ..
يسلم فلا يرد عليه السلام ..
ويسأل فلا يسمع الجواب ..
ومع ذلك لم يلتفت إلى الكفار ..
ولم يفلح الشيطان في زعزعته .. أو تعبيده لشهوته ..
ألقى الرسالة في النار .. وأحرقها ..
* * * * * * * * *
ومضت الأيام تتلوها الأيام .. وانقضى شهر كامل .. وكعب على هذا الحال ..
والحصار يشتد خناقه .. والضيق يزداد ثقله ..
فلا الرسول صلى الله عليه وسلم يُمضي .. ولا الوحي بالحكم يقضي ..
* * * * * * * * *
فلما اكتملت أربعون يوماً ..
فإذا رسول من النبي صلى الله عليه وسلم يأتي إلى كعب .. فيطرق عليه الباب ..
فيخرج كعب إليه .. لعله جاء بالفرج .. فإذا الرسول يقول له :
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك ..
قال : أطلقها .. أم ماذا ؟
قال : لا .. ولكن اعتزلها ولا تقربها ..
فدخل كعب على امرأته وقال : الحقي بأهلك ..
فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر ..
وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى صاحبي كعب بمثل ذلك ..
فجاءت امرأة هلال بن أمية .. فقالت :
يا رسول الله .. إن هلال بن أمية شيخ كبير ضعيف .. فهل تأذن لي أن أخدمه ..؟
قال : نعم .. ولكن لا يقربنك ..
فقالت المرأة : يا نبي الله .. والله ما به من حركة لشيء ..
ما زال مكتئباً .. يبكي الليل والنهار .. منذ كان من أمره ما كان ..
* * * * * * * * *
ومرت الأيام ثقيلة على كعب ..واشتدت الجفوة عليه ..حتى صار يراجع إيمانه ..
يكلم المسلمين ولا يكلمونه ..
ويسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يرد عليه ..
فإلى أين يذهب ..!! ومن يستشير !؟
قال كعب رضي الله عنه :
فلما طال عليَّ البلاء .. ذهبت إلى أبي قتادة .. وهو ابن عمي .. وأحب الناس إليَّ .. فإذا هو في حائط بستانه .. فتسورت الجدار عليه ..
ودخلت .. فسلمت عليه ..
فوالله ما رد علي السلام ..
فقلت : أنشدك الله .. يا أبا قتادة .. أتعلم أني أحب الله ورسوله ؟
فسكت ..
فقلت : يا أبا قتادة .. أتعلم أني أحب الله ورسوله ؟
فسكت ..
فقلت : أنشدك الله .. يا أبا قتادة .. أتعلم أني أحب الله ورسوله ؟
فقال : الله ورسوله أعلم ..
سمع كعب هذا الجواب .. من ابن عمه وأحب الناس إليه .. لا يدري أهو مؤمن أم لا ؟
فلم يستطع أن يتجلد لما سمعه .. وفاضت عيناه بالدموع ..
ثم اقتحم الحائط خارجاً ..
وذهب إلى منزله .. وجلس فيه ..
يقلب طرفه بين جدرانه .. لا زوجة تجالسه .. ولا قريب يؤانسه ..
وقد مضت عليهم خمسون ليلة .. من حين نهى النبي صلى الله عليه وسلم الناس عن كلامهم
..
* * * * * * * * *
وفي الليلة الخمسين .. نزلت توبتهم على النبي صلى الله عليه وسلم ثلث الليل ..
فقالت أم سلمة رضي الله عنها :
يا نبي الله .. ألا نبشر كعب بن مالك ..
قال : إذا يحطمكم الناس .. ويمنعونكم النوم سائر الليلة ..
فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم الفجر .. آذن الناس بتوبة الله علينا ..
فانطلق الناس يبشرونهم ..
قال كعب :
وكنت قد صليت الفجر على سطح بيت من بيوتنا ..
فبينا أنا جالس على الحال التي ذكر الله تعالى .. قد ضاقت علي نفسي .. وضاقت عليَّ الأرض بما رحبت ..
وما من شيء أهم إليّ .. من أن أموت .. فلا يصلي عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم .. أو يموت .. فأكون من الناس بتلك المنزلة .. فلا يكلمني أحد منهم .. ولا يصلي عليَّ ..
فبينما أنا على ذلك ..
إذ سمعت صوت صارخ .. على جبل سلع بأعلى صوته يقول :
يا كعب بن مالك ! .. أبشر ..
فخررت ساجداً .. وعرفت أن قد جاء فرج من الله ..
وأقبل إليَّ رجل على فرس .. والآخر صاح من فوق جبل ..
وكان الصوت أسرع من الفرس ..
فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني .. نزعت له ثوبيَّ فكسوته إياهما ببشراه ..
والله ما أملك غيرهما ..
واستعرت ثوبين .. فلسبتهما ..
وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فتلقاني الناس فوجاً .. فوجاً ..
يهنئوني بالتوبة .. يقولون : ليهنك توبة الله عليك ..
حتى دخلت المسجد .. فسلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
وهو يبرق وجهه من السرور .. وكان إذا سُرَّ استنار وجهه .. حتى كأنه قطعة قمر ..
فقال لي : أبشر بخير يوم مرَّ عليك منذ ولدتك أمك ..
قلت : أمن عندك يا رسول الله .. أم من عند الله ؟
قال : لا .. بل من عند الله .. ثم تلا الآيات ..
فلما جلست بين يديه ..
قلت : يا رسول الله ! إن من توبتي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله .. وإلى رسوله ..
فقال : أمسك عليك بعض مالك .. فهو خير لك ..
فقلت : يا رسول الله ! إن الله إنما نجاني بالصدق .. وإن من توبتي ألا أحدث إلا صدقاً ما بقيت ..
* * * * * * * * *
نعم .. تاب الله على كعب وصاحبيه .. وأنزل في ذلك قرءاناً يتلى ..
فقال عز وجل :
{ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ *وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } ..
* * * * * * * * *
ومن فرح الله بالتائبين إليه أنه لا يغفر سيئاتهم فقط .. كلا .. بل يبدل سيئاتهم حسنات .. قال عز وجل :
{ وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً } .. وفي البخاري أن حكيم بن حزام رضي الله عنه أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
أي رسول الله .. أرأيت أموراً كنت أتحنث بها في الجاهلية .. من صدقة أو .. عتِاقة .. أو صلة رحم .. أفيها أجر ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أسلمت على ما أسلفت من خير ) ..
الله أكبر ..
الذنوب تغفر .. والسيئات تبدل حسنات .. والحسنات أيام الجاهلية تثبت لصاحبها بعد التوبة .. فماذا بقي !
* * * * * * * * *
هو التواب الرحيم .. الذي وسعت رحمته كل شيء ..
لكن رحمته قريبة من المحسنين .. الرجاعين التائبين ..
الذين إذا أذنبوا استغفروا .. وإذا ذُكِّروا ذكروا ..
فليست المشكلة في وقوع الذنب .. لكن المشكلة الكبرى .. والداهية العظمى ..
هي أن يألف المرء الذنب .. ثم يتساهل بخطره .. فلا يحدث منه توبة ..
والله رحيم بعباده ..
رحمته أسرع من غضبه ..
ومغفرته أعجل من عقوبته ..
هو والله أرحم بعباده .. من آبائهم وأمهاتهم ..
في الصحيحين :
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهى من حرب هوازن .. أُتي إليه بعد المعركة .. بأطفال الكفار ونسائهم .. ثم جمعوا في مكان ..
فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليهم .. فإذا امرأة من السبي .. أم ثكلى .. تجر خطاها .. تبحث عن ولدها .. وفلذة كبدها ..
قد اضطرب أمرها .. وطار صوابها .. واشتدّ مصابها ..
تطوف على الأطفال الرضع .. تنظر في وجوههم .. يكاد ثديها يتفجر من احتباس اللبن فيه ..
تتمنى لو أن طفلها بين يديها .. تضمه ضمة .. وتشمه شمة .. ولو كلفها ذلك حياتها ..
فبينما هي على ذلك ..
إذ وجدت ولدها .. فلما رأته جف دمعها .. وعاد صوابها ..
ثم انكبت عليه .. وانطرحت بين يديه .. وقد رحمت جوعه وتعبه .. وبكاءه ونصبه ..أخذت تضمه وتقبله ..
ثم ألصقته بصدرها .. وألقمته ثديها ..
فنظر الرحيم الشفيق إليها .. وقد أضناها التعب .. وعظم النصب ..
وقد طال شوقها إلى ولدها .. واشتد مصابه ومصابها ..
فلما رأى ذلها .. وانكسارها .. وفجيعتها بولدها ..
التفت إلى أصحابه ثم قال :
أتُرَون هذه .. طارحة ولدها في النار .. يعني لو أشعلنا ناراً وأمرناها أن تطرح ولدها فيها .. أترون أنها ترضى ..
فعجب الصحابة الكرام : كيف تطرحه في النار .. وهو فلذة كبدها .. وعصارة قلبها ..كيف تطرحه .. وهي تلثمه .. وتقبله .. وتغسل وجهه بدموعها .. كيف تطرحه ..
وهي الأم الرحيمة .. والوالدة الشفيقة ..
قالوا : لا .. والله .. يا رسول الله .. لا تطرحه في النار .. وهي تقدر على أن لا تطرحه ..
فقال صلى الله عليه وسلم : والله .. لله .. أرحم بعباده من هذه بولدها ..
* * * * * * * * *
نعم .. ربنا أرحم بنا من آبائنا وأمهاتنا ..
ومن سعة رحمته .. أنه عرض التوبة على كل أحد ..
مهما أشرك العبد وكفر .. أو طغى وتجبر ..
فإن الرحمة معروضة عليه .. وباب التوبة مشرع بين يديه ..
وانظر إلى ذاك الشيخ الهرم .. الذي .. كبر سنه .. وانحنى ظهره .. ورق عظمه ..
أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وهو جالس بين أصحابه يوماً ..
يجر خطاه .. وقد سقط حاجباه على عينيه .. وهو يدّعم على عصا ..
جاء يمشي .. حتى قام بين يديّ النبي صلى الله عليه وسلم .. فقال بصوت تصارعه الآلام ..
يا رسول الله .. أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلها .. فلم يترك منها شيئاً ..
وهو في ذلك لم يترك حاجة .. ولا داجة .. أي صغيرة ولا كبيرة .. إلا أتاها ..
لو قسّمت خطيئته بين أهل الأرض لأوبقتهم .. فهل لذلك من توبة ؟
فرفع النبي صلى الله عليه وسلم بصره إليه .. فإذا شيخ قد انحنى ظهره .. واضطرب أمره ..
قد هده مر السنين والأعوام .. وأهلكته الشهوات والآلام ..
فقال له صلى الله عليه وسلم : فهل أسلمت ؟
قال : أما أنا .. فأشهد أن لا إله إلا الله .. وأنك رسول الله ..
فقال صلى الله عليه وسلم : تفعل الخيرات .. وتترك السيئات .. فيجعلهن الله لك خيرات كلهن ..
فقال الشيخ : وغدراتي .. وفجراتني ..
فقال : نعم ..
فصاح الشيخ : الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر ..
فما زال يكبر حتى توارى عنهم ..
الحديث : رواه الطبراني والبزار ، وقال المنذري : إسناده جيد قوي ،وقال ابن حجر هو على شرط الصحيح .
* * * * * * * * * *
وذكر ابن قدامة في التوابين ..
أن بني إسرائيل .. لحقهم قحط على عهد موسى عليه السلام .. فاجتمع الناس إليه ..
فقالوا : يا كليم الله .. ادع لنا ربك أن يسقينا الغيث ..
فقام معهم .. وخرجوا إلى الصحراء .. وهم سبعون ألفاً أو يزيدون ..
فقال موسى عليه السلام : إلهي .. اسقنا غيثك .. وانشر علينا رحمتك .. وارحمنا بالأطفال الرضع .. والبهائم الرتع .. والمشايخ الركع ..
فما زادت السماء إلا تقشعاً .. والشمس إلا حرارة ..
فقال موسى : إلهي .. اسقنا ..
فقال الله : كيف أسقيكم ؟ وفيكم عبد يبارزني بالمعاصي منذ أربعين سنة .. فناد في الناس حتى يخرج من بين أظهركم .. فبه منعتكم ..
فصاح موسى في قومه : يا أيها العبد العاصي .. الذي يبارز الله منذ أربعين سنة .. اخرج من بين أظهرنا .. فبك منعنا المطر ..
فنظر العبد العاصي .. ذات اليمين وذات الشمال .. فلم ير أحداً خرج .. فعلم أنه المطلوب ..
فقال في نفسه : إن أنا خرجت من بين هذا الخلق .. افتضحت على رؤوس بني إسرائيل .. وإن قعدت معهم منعوا لأجلي .. فانكسرت نفسه .. ودمعت عينه ..
فأدخل رأسه في ثيابه نادماً على فعاله .. وقال : إلهي .. وسيدي .. عصيتك أربعين سنة ..وأمهلتني .. وقد أتيتك طائعاً .. فاقبلني .. وأخذ يبتهل إلى خالقه ..
فلم يستتم الكلام .. حتى ارتفعت سحابة بيضاء ..فأمطرت كأفواه القرب ..
فعجب موسى وقال : إلهي .. سقيتنا .. وما خرج من بين أظهرنا أحد ..
فقال الله : يا موسى سقيتكم بالذي به منعتكم ..
فقال موسى : إلهي .. أرني هذا العبد الطائع ..
فقال : يا موسى .. إني لم أفضحه وهو يعصيني .. أأفضحه وهو يطيعني ..
* * * * * * * * * *
نعم .. غفر الله له ..
ولماذا لا يغفر له العزيز الرحيم وهو الذي قال :
{ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ * وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ * وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ! لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ } .. وصح عند الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال الله تعالى :
( يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ..
يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي..
يا ابن آدم لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة ) ..
* * * * * * * * *
نعم يأتيه بقراب الأرض مغفرة ..
ومن رحمة الله تعالى .. أنه يرى عبده يعصيه .. فلا يعاجله بالعقوبة ..
بل قد يبتليه بالأمراض والأسقام .. والمصائب والآلام .. ليرده إليه .. ويطرحه بين يديه ..
فيقرع أبواب السماء بأنواع الدعاء .. طالباً كشف الضر ورفع البلاء ..
والعبد كلما كان خائفاً تواباً .. منيباً لربه أواباً ..
كانت رحمة الله أقرب إليه .. وفضل الله أوسع عليه ..
يستجيب الله دعاءه .. ويكشف عنه بلاءه ..
وقد روى الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ..
ولا أنسى ذلك الشاب الذي عرفته أثناء دراسته الجامعية .. شاباً من أحسن من رأيت منظراً وقواماً .. يتفجر الشباب والصحة من جوانبه .. لكنه كان من عامة الشباب ..
انقطعت العلاقة بيننا بعد تخرجه ..
وذات يوم ..
اتصل بي وطلب مني زيارته وقال : أنا لا أستطيع زيارتك .. ولا تسألني لماذا ! إذا جئتني عرفت السبب ! قال هذه العبارات بصوت حزين ..
وصف لي طريق منزله .. طرقت الباب .. فتح لي أخوه الصغير .. ثم أدخلني إلى غرفة صاحبي ..
فإذا هو على سرير أبيض .. بجانبه عكاز ..وجهاز يُلبس في الرِّجل لأجل المشي .. ومجموعة من الأدوية .. أما هو فجسد متهالك .. ملقى على السرير .. حاول جاهداً أن يقف على قدميه للسلام .. لكنه لم يستطع ..
جلست عند رأسه .. أدافع عبراتي ..
قلت له : عفواً لم أعلم بمرضك من قبل ، ولكن ماذا أصابك ؟ ألم تتخرج من الكلية ؟ ألم تكن تحدثني أنك سوف تتزوج ، وتبني منزلاً .. وتشتري سيارة ..
قال : نعم ، ولكن حدث ما لم يكن في حسباني ..
تخرجت قبل أشهر معدودة ، وعملت في وظيفة مرموقة .. ومضت عليَّ الأيام .. لا يكدر صفوها إلا صداع ينتابني أحياناً ..
ثم بدأ الصداع يشتد .. ويصاحبه ضعف في النظر ..
حتى اشتدّ ذلك عليّ في أحد الأيام ، فذهبت إلى أحد المستشفيات .. فلما قابلني الطبيب ، عمل لي التحاليل .. ثم طلب إجراء أشعة دقيقة على الرأس ..
فلما أجريت الأشعة .. أخذ يقلب أوراقها بين يديه .. وهو يردد : لا حول ولا قوة إلا بالله ..
ثم رفع سماعة الهاتف ، واستدعى مجموعة من كبار الأطباء ..
وبدؤوا جميعاً يقلبون نتائج التحاليل .. ويتأملون صور الأشعة .. ويتحدثون باللغة الإنجليزية ، ويسارقونني النظر ..
مضت قرابة ساعة على هذا الحال .. وأنا في حال لا أُحسد عليه ..
وكنت أقول في نفسي .. المسألة حلّها سهل : حبة أو حبتان من مسكن الصداع مع قطرة للعين ، وينتهي كل شيء !!
وفجأة التفت إلي أحدهم وقال :
اسمع يا فلان .. التقارير والأشعة تدل ! على أنك مصاب بورم في رأسك ، حجمه يزداد بسرعة مُخيفة ، وهو الآن يضغط على عروق العين من الداخل ، وفي أي لحظة قد يزداد الضغط .. فتنفجر عروق العين .. فتصاب بالعمى .. ثم تصاب بنزيف داخلي في الدماغ .. ثم تموت !!..
صحت بأعلى صوتي ..
يا دكتور !!.. ماذا ؟ ..كيف ؟ ..متى ؟ ..كيف ورم ؟ .. وأنا في هذه السن ؟ ..أعوذ بالله !..سرطان ؟ .. لا حول ولا قوة إلا بالله ..
قال : نعم ، ورم .. ولا بدّ من علاجه بسرعة ؛ الليلة ندخلك المستشفى ونكمل التحليلات اللازمة ، وفي الصباح نزيل جزءاً من عظم الجمجمة ونخرج الورم ثم نعيد العظم مرة أخرى ..
ثم مدّ إليَّ أوراق العملية ! لأوقّعها .. فرفضت توقيعها .. وخرجت ..
وأنا أدافع عبراتي .. وأتفكر .. أين أذهب ؟! إلى البيت ..أم أرجع إلى المستشفى ؟ .. وبعد تفكير سريع قررت أن أذهب إلى مستشفى آخر ..
وبعدما أجريت لي التحليلات والأشعة .. أجبرني الطبيب بما أخبرني به صاحبه .. وطلب المسارعة بإجراء العملية ..
فكانت الصدمة عليّ أهون .. اتصلت بوالدي .. فحضر إليَّ في المستشفى ..
شيخ كبير تجاوز السبعين .. فلما رآني فزع من وجوم وجهي ..
فقلت له : تعلم يا أبي أني أشكو من صداع دائم .. والفحوصات تدلُّ على وجود ورم في الرأس ولا بدّ من إجراء عملية عاجلة ..
سمع أبي هذه الكلمات فصاح :
لا حول ولا قوة إلا بالله ..
ثم جلس على الأرض .. وهو يردد : إنا لله وإنا إليه راجعون .. إذاً نرسلك إلى أخيك في أمريكا ..
قال هذه الكلمات وهو يتذكر معاناته منذ سنة كاملة مع أخي الأكبر الذي يعالج منذ سنة من مرض السرطان .. كم رأيت أبي يبكي في الهاتف وهو يكلمه .. كم كان يدعو له آخر الليل ..
أخذت أنظر إلى أبي ودموعه تجري على خديه .. وهو يرى أولاده يموتون بين يديه .. فأخي خالد توفي قبل سنتين في حادث سيارة .. وأخي الأكبر يصارع الموت في أمريكا .. وأنا في أول طريق لا تعرف نهايته ..
سافرت إلى أمريكا ..
وصلنا إلى المستشفى .. عملوا لي الفحوصات بسرعة ..
وفي الصباح أدخلوني غرفة العمليات ..
حلق الطبيب شعر رأسي .. وبعد أن خدرني .. قطع فروة رأسي على هيئة دائرية .. ثم بدأ ينشر الجمجمة .. حتى نزع أعلاها .. ووضع العظم بجانبه .. ثم أخرج الورم ..
مضت ساعة وساعتان .. والعملية تسير على ما يرام ..
وفجأة .. اضطرب الدم في عروق الدماغ .. ثم توقف الدم في الشرايين وأصابتني جلطة في الدماغ .. فاضطرب الطبيب وحرّك - خطئاً – بعض أجزاء المخ .. فأصابني شلل نصفي في الجزء الأيسر من جسمي ..
فلما رأى الطبيب ذلك أنهى ما تبقى من العملية بسرعة .. وأعاد عظم الجمجمة إلى مكانه .. وغطى بالجلد فوقه .. وخيّط المكان ..
ثم حملوني إلى غرفة العناية المركزة الـ ( إنْ عاشَ ) ..
مكثت بعد العملية في غيبوبة تامة لمدة خمس ساعات .. ثم أصابتني جلطة في الرجل اليسرى .. فحملوني سريعاً إلى غرفة العمليات وفتحوا صدري وعالجوا الجلطة .. ثم أعادوني إلى غرفة الـ ( إنْ عاشَ ) ..
استقرّت حالتي أربع ساعات ثم أُصبت بنزيف شديد في الرئة ..!! .. حملوني سريعاً إلى غرفة العمليات وفتحوا صدري مرة أخرى وعالجوا النزيف .. ثم أعادوني إلى غرفة الـ ( إنْ عاشَ ) ..
ضاق الطبيب بأمري ذرعاً .. أمراض متتابعة .. حالة متقلبة .. مفاجآت لا آخر لها ..
استقرّت حالتي أربعاً وعشرين ساعة .. أحس الطبيب بشيء من الانتعاش والسرور .. وفجأة بدأت درجة حرارة جسدي ترتفع بشكل مخيف .. أجرى الطبيب فحصاً سريعاً عليَّ .. فاكتشف أن العظم الذي استخرج الورم من تحته قد أصابه التهاب شديد ..!!
استدعى الطبيب فريق العمليات .. ثم حملوني كالجنازة .. وألقوني على سرير في غرفة العمليات ..
بدأت أنظر إليهم .. لا أملك من أمري شيئاً ..
رفعت بصري إلى السماء .. بكيت .. وأخذت أردد متضرعاً ..
رب إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين .. ثم رفعت بصري إلى السماء وقلت :
يا أرحم الراحمين .. إن كانت هذه عقوبة .. فأسألك الرحمة والمغفرة .. وإن كانت بلاء فارزقني الصبر على البلاء وعظم لي الأجر والجزاء ..
ثم ذكرت هادم اللذات ..والله لقد عظمت كربتي .. وذهبت قوتي .. وغداً يصبح التراب فراشي ..
عكري محدود .. ونَفَسي معدود .. وجسمي عما قريب يأكله الدود ..
آه إذا زلت يوم القيامة القدم .. وارتفع البكاء وطال الندم ..
ويلي إذا قدمت على من يحاسبني على الصغير والكبير ..
يوم تزل بالعصاة الأقدام .. وتكثر الآهات والآلام .. وتنقضي اللذات كأنها أحلام ..
ثم بكيت .. نعم بكيت .. وتمنيت البقاء في الدنيا .. لا لأجل التمتع بها .. وإنما لأصلح علاقتي بربي جل جلاله ..
وفجأة .. أقبل الطبيب إليَّ .. وأمر بتخديري تخديراً عامّاً .. ثم انتزع فروة الرأس التي تغطي العظم .. وأخرج العظم ووضعه جانباً .. ثم أعاد الجلد فوق الدماغ من غير عظم !! .. وبعد ساعات ..
أفقت من إغمائي .. تحسست رأسي فإذا هو ليّن .. أين العظم ؟! .. سألت الطبيب : أين بقية رأسي ؟!! فقال لي بكل برود : عظمك يبقى عندنا لتعقيمه .. وبعد ستة أشهر تعالَ إلينا لنعيده مكانه !! ..
مكثت في أمريكا شهراً واحداً ثم رجعت إلى الرياض .. وهاأنذا أنتظر انتهاء الأشهر الستة لأستعيد بقية رأسي !! ..
وقد كنت في غفلة عن حياتي .. منغمساً في أمر معاشي ..
ناسياً الموت والبلى .. حريصاً على الحياة الدنيا ..
لأما اليوم فقد ولدت من جديد ..
ومضت الأيام .. وشُفي من الشلل واستطاع المشي ..
وبعد سبعة أشهر جئته زائراً فإذا وجهه متهلل مسرور ..
وناولني بطاقة يدعوني فيها إلى زواجه ..
وأعرفه اليوم من أحرص الناس على فعل الخير .. والدلالة عليه ..
والدعوة إليه .. والمساعدة في طباعة الكتب وتوزيعها ..
بل وفي الإحسان إلى الضعفاء .. ونجدة الفقراء ..
إلى غير ذلك من وجوه الخير ..
ورُبَّ محنة في طيها منحة ..
* * * * * * * * *
التائبون .. هم من أحب الخلق إلى الله ..
والله أخبر أنه يحب التوابين ..
لكنه يبغض المعتدين الظالمين ..
وكم من عاصٍ يمسي ويصبح ضاحكاً ..
وربه من فوقه يلعنه .. والملائكة تبغضه ..
والصالحون يدعون عليه .. والنار تشتاق إليه ..
أتم الله له سمعه وبصره .. وسلم له عقله وفكره ..
فبارز ربه بالعصيان .. وصار من أنصار الشيطان ..
يعصي ولا يتوب .. ويتتبع الشهوات والذنوب ..
عجباً .. ينعم الله عليك وتعصيه بنعمه ..
هب أنك كنت مشلولاً مقعداً .. أو مريضاً مجهداً ..
أو مسلوب السمع والبصر .. فكيف يكون حالك ؟!
* * * * * * * * *
دخلت على مريض في المستشفى .. فلما أقبلت إليه .. فإذا رجل قد بلغ من العمر أربعين سنة .. من أنضر الناس وجهاً .. وأحسنهم قواماً ..
لكن جسده كله مشلولٌ لا يتحرك منه ذرة .. إلا رأسه وبعض رقبته ..
دخلت غرفته .. فإذا جرس الهاتف يرن .. فصاح بي وقال : يا شيخ أدرك الهاتف قبل أن ينقطع الاتصال ..
فرفعت سماعة الهاتف ثم قربتها إلى أذنه ووضعت مخدة تمسكها .. وانتظرت قليلاً حتى أنهى مكالمته .. ثم قال : يا شيخ .. أرجع السماعة مكانها ..
فأرجعتها مكانها .. ثم سألته : منذ متى وأنت على هذا الحال ؟
فقال : منذ عشرين سنة .. وأنا أسير على هذا السرير ..
* * * * * * * * *
وحدثني أحد الفضلاء أنه مر بغرفة في المستشفى .. فإذا فيها مريض يصيح بأعلى صوته .. ويئن أنيناً يقطع القلوب ..
قال صاحبي : فدخلت عليه .. فإذا هو جسده مشلولٌ كله ..
وهو يحاول الالتفات فلا يستطيع ..
فسألت الممرض عن سبب صياحه .. فقال :
هذا مصاب بشلل تام .. وتلف في الأمعاء .. وبعد كل وجبة غداء أو عشاء .. يصيبه عسر هضم ..
فقلت له : لا تطعموه طعاماً ثقيلاً .. جنبوه أكل اللحم .. والرز ..
فقال الممرض : أتدري ماذا نطعمه .. والله لا ندخل إلى بطنه إلا الحليب من خلال الأنابيب الموصلة بأنفه ..
وكل هذه الآلام .. ليهضم هذا الحليب ..
* * * * * * * * *
وحدثني ثالث أنه مرّ بغرفة مريض مشلول أيضاً .. لا يتحرك منه شيء أبداً ..
قال : فإذا المريض يصيح بالمارين .. فدخلت عليه ..
فرأيت أمامه لوح خشب عليه مصحف مفتوح .. وهذا المريض منذ ساعات .. كلما انتهى من قراءة الصفحتين أعادهما .. فإذا فرغ منهما أعادهما .. لأنه لا يستطيع أن يتحرك ليقلب الصفحة .. ولم يجد أحداً يساعده ..
فلما وقفت أمامه .. قال لي : لو سمحت .. اقلب الصفحة ..
فقلبتها .. فتهلل وجهه .. ثم وجّه نظره إلى المصحف وأخذ يقرأ ..
فانفجرت باكياً بين يديه .. متعجباً من حرصه وغفلتنا .. وشدة مرضه وحسن صحتنا ..
* * * * * * * * *
هذا حال أولئك المرضى ..
فأنت يا سليماً من الأمراض والأسقام .. يا معافىً من الأدواء والأورام ..
يا من تتقلب في النعم .. ولا تخشى النقم ..
ماذا فعل الله بك فقابلته بالعصيان .. بأي شيء آذاك .. أليست نعمه عليك تترى .. وأفضاله عليك لا تحصى ؟
أما تخاف .. أن توقف بين يدي الله غداً ..
فيقول لك .. يا عبدي ألم أصح لك في بدنك .. وأوسع عليك في رزقك ..
وأسلم لك سمعك وبصرك .. فتقول بلى .. فيسألك الجبار :
فلم عصيتني بنعمي .. وتعرضت لغضبي ونقمي ..
فعندها تنشر في الملأ عيوبك .. وتعرض عليك ذنوبك ..
فتباً للذنوب .. ما أشد شؤمها .. وأعظم خطرها ..
أولها عناء .. وأوسطها بلاء .. وآخرها فناء ..
وهل أخرج أبانا من الجنة إلا ذنب من الذنوب ..
وهل أغرق قوم نوح إلا الذنوب ..
وهل أهلك عاداً وثمود إلا الذنوب ..
وهل قلب على قوم لوط ديارهم .. وعجل لقوم شعيب عذابهم ..
وأمطر على أبرهة حجارة من سجيل .. وأنزل بفرعون العذاب الوبيل ..
إلا المعاصي والذنوب ..
قال الله : { فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } ..
* * * * * * * * *
ولا تعجب .. إذا عُذبت بذنبك في الدنيا ..
فمرضت في بدنك .. أو ابتليت في ولدك ..
أو خسرت في تجارتك .. أو ضاق عليك رزقك ..
أو كثر عليك البلاء .. ولم يستجب منك الدعاء ..
فتتابعت عليك المصائب .. وأحاطت بك المتاعب ..
قال الله : { أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ } ..
فبادر إلى التوبة من ذنوبك ..
واندب زماناً سلفا سودت فيه الصحفا
ولم تزل معتكفـاً على القبيح الشنع
كم ليلة أودعتها مـآثمـاً أبدعتها
لشهوة أطعتها في مرقد ومضجع
وكم خطى حثثتها في خزية أحدثتها
وتوبة نكثتها لملعب ومرتع
وكم تجرأت على رب السماوات العلى
ولـم تراقبه ولا صدقت فيما تدعي
فالبس شعار الندم واسكب شآبيب الدم
قبل زوال القدم وقبل سوء المصرع
واخضع خضوع المعترف ولُذ ملاذ المقترف
واعص هواك وانحرف عنه انحراف المقلع
فيا خسار من بغى ومن تعدى وطغى
وشب نيران الوغى لمطعم أو مطمع
* * * * * * * * *
ولقد كان الصالحون .. يصبّرون أنفسهم على الطاعات .. وينهونها عن المحرمات .. ويجعلون موعد الراحة الجنات ..
نعم .. يستطيعون أن يزنوا .. أتظنهم عاجزين عن ذلك ؟
ويستطيعون أن يمتعوا أعينهم بالنظر إلى المحرمات .. وأسماعهم بسماع الأغنيات .. ويكثروا أموالهم بالربا ..
يستطيعون ذلك كله .. فما الذي يمنعهم ..؟!
نعم ما الذي يمنعهم ؟!
إنهم يخشون أن يتجرعوا من الحميم .. ويقاسوا العذاب الأليم ..
يخشون من يوم تزيغ فيه الأبصار .. ويشتد غضب الجبار ..
يخافون يوماً كان شره مستطيراً ..
* * * * * * * * *
كان الإمام أحمد بن حنبل يكثر على نفسه التعبد .. والصلاة والقيام ..
فقال له ابنه عبد الله يوماً : يا أبتِ .. متى ترتاح ؟!
فقال : أبو عبد الله : أرتاح .. إذا وضعت أولى قدمي في الجنة ..
* * * * * * * * *
فاجمع قواك لما هناك وغمض * العينين واصبر ساعة لزمان
ما هاهنا والله ما يسوى قلا * مة ظفر واحدة ترى بجنان
يا غافلا عما خلقت له انتبه * جد الرحيل فلست باليقظان
سار الرفاق وخلفوك مع الألى * قنعوا بذا الحظ الخسيس الفاني
ورأيت أكثر من ترى متخلفاً * فتبعتهم ورضيت بالحرمان
والله لا يرضى بهذا تائب * ذو همة طلباً لهذا الشان
والله ما ينجي الفتى من ربه * شيء سوى التقوى مع الإيمان
ولسوف تعلم حين ينكشف الغطا ماذا صنعت وكنت ذا إمكان
* * * * * * * * *
وعلى التائب أن يصبر على ما قد يصيبه .. بعد التوبة من بلاء .. أو سخرية واستهزاء .. ويتحمل ذلك في ذات الله ..
فإن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحون .. ثم الأمثل فالأمثل .. ولا يزال البلاء بالمؤمن حتى يدعه يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة ..
ولا يغتر بكثرة الواقعين في المعاصي ..
ولا يلتفت إلى الهالكين في الشهوات ..
ممن استغواهم الشيطان .. فأصبح أكبر هم أحدهم شهوة فرجه ..
أو فمه وبطنه ..
والله يقول : { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } ..
* * * * * * * * *
أما الحياة بعد التوبة .. فهي الحياة التي خلقت لأجلها ..
وأوجدك الله لها ..
فأي لذة للحياة .. إذا كنت تشعر في كل لحظة منها .. أنك عدوٌ لله ..
متتبع للشهوات .. واقع في المحرمات ..
وربك الذي يطعمك ويسقيك .. وإذا مرضت فهو يشفيك .. وهو الذي يميتك ثم يحييك ..
بل .. كل شعرة من شعراتك .. وذرة من ذراتك ..
لا تتحرك إلا بإذنه ..
ومن صدق لله في توبته ..
تحول بعدها إلى جندي من جنود هذا الدين .. يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ..
ويحمل همَّ الإسلام ..
ولقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يبسط أحدهم يده فيبايع محمداً صلى الله عليه وسلم ..
ثم يستشعر أنه بهذه البيعة أصبح جندياً يعمل لهذا الدين ..
ذكر ابن إسحاق وأصل القصة في البخاري ..
أن النبي صلى الله عليه وسلم .. لما تمكن في المدينة ..
بدأ يبعث أصحابه إلى ما حوله من القرى والوديان .. يدعون الناس إلى الإسلام ..
فبعث أحد الصحابة إلى وادي نعمان قرب الطائف ..
فلما وصل ذلك الصحابي إليهم .. فإذا أعراب في بواديهم .. لا يعقلون من الحياة إلا إبلهم وغنمهم ..
فدعاهم إلى الله .. وأبان لهم الدين .. فأعرضوا ..
فانطلق رجل منهم إلى المدينة .. لينظر في خبر هذا النبي ..
انطلق الرجل على ناقته .. حتى وصل إلى المدينة ..
ثم دخلها .. وأقبل يصيح بين الناس : أين ابن عبد المطلب .. أين ابن عبد المطلب ..
فدله رجل على المسجد .. فتوجه إليه ..
فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً مع أصحابه يوماً .. إذ أقبل الأعرابي الجلد .. وقد جعل شعره جديلتين ..
فأناخ بعيره على باب المسجد .. فعقله .. ثم دخل المسجد .. وقال :
وصاح بالناس : أيكم ابن عبد المطلب ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : \" أنا ابن عبد المطلب \" ..
فقال : محمد ؟
فقال :\" نعم \" ..
فقال : يا ابن عبد المطلب ! إني سائلك .. ومغلظ عليك في المسألة .. فلا تجدن في نفسك علي ..
فقال صلى الله عليه وسلم : \" لا أجد في نفسي فسل عما بدا لك \" ..
فقال : من رفع السماء ؟ قال : الله ..
قال : فمن بسط الأرض ؟ قال : الله ..
قال : فمن نصب الجبال ؟ قال : الله ..
قال : فأسألك بالذي رفع السماء .. وبسط الأرض .. ونصب الجبال .. آلله بعثك إلينا رسولاً ؟
قال : \" اللهم نعم \" ..
قال : فأنشدك الله .. آلله أمرك أن نعبده لا نشرك به شيئاً .. وأن نخلع هذه الأنداد التي كان آباؤنا يعبدون ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : \" اللهم نعم \" ..
ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة .. فريضة :
آلله أمرك أن نصلي خمس صلوات ؟
آلله أمرك أن نزكي أموالنا ؟
آلله أمرك أن نصوم ؟
ويعدد فرائض الإسلام .. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : اللهم نعم ..
حتى إذا فرغ قال :
فأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني بكر بن سعد .. وإني أشهد أن لا إلـه إلا الله .. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .. وسأؤدي هذه الفرائض .. وأجتنب ما نهيتني عنه .. لا أزيد ولا أنقص ..
ثم انصرف خارجاً من المسجد .. راجعاً إلى بعيره ..
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ولى : \" إن يصدق ذو العقيصتين .. يدخل الجنة \"
ثم أتى بعيره .. فأطلق عقاله .. وانطلق عليه حتى قدم على قومه ..
فاجتمعوا عليه ..
فكان أول ما تكلم به أن قال : بئست اللات والعزى ..
فقالوا : مه يا ضمام .. اتق البرص .. والجنون .. والجذام ..
قال : ويلكم .. إنهما ما يضران ولا ينفعان .. إن الله قد بعث رسولاً .. وأنزل عليه كتاباً استنقذكم به مما كنتم فيه .. وإني أشهد أن لا إلـه إلا الله .. وأن محمداً عبده ورسوله .. وإني قد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه ..
فما زال بقومه .. يدعوهم .. ويستنقذهم من النار ..
حتى ما غابت الشمس ذلك اليوم .. وفي قومه أحد كافر ..
* * * * * * * * *
فهل نجد عند التائبين اليوم .. مثل هذه الحماس .. في نشر الدين .. ومناصرة عن المؤمنين ..
كم من تائب كان في جاهليته رأساً في المنكرات .. والدعوة إلى الشهوات ..
لكنه بعد توبته .. وصلاحه واستقامته .. أصبح ذيلاً بعد أن كان رأساً .. راجلاً بعد أن كان فارساً ..
عجباً !! جبار في الجاهلية خوار في الإسلام ؟!!
لا ينفع الإسلام ولا المسلمين .. لا في دعوة .. ولا إصلاح ..ولا تعليم جاهل .. أو نصح غافل ..
* * * * * * * * *
ومن عظم قدر ربه في قلبه .. حاسب نفسه أشد المحاسبة ..
وعاتبها أعظم المعاتبة ..
قال زيد بن أرقم :
كان لأبي بكر الصديق مملوك .. يعمل .. ويشتري طعاماً كل يوم ..
فأتاه ليلة بطعام .. فتناول أبو بكر منه لقمة ..
فقال له المملوك : مالك كنت تسألني كل ليلة عن الطعام .. ولم تسألني الليلة ..
قال : حملني على ذلك الجوع .. فمن أين جئت بهذا ..؟
قال : مررت بقوم في الجاهلية .. فتكهنت لهم .. ولا أحسن كهانة ..
فوعدوني بأجرة .. فلما أن كان اليوم مررت بهم .. فإذا عرس لهم .. فأعطوني هذا الطعام ..
فقال أبو بكر : أف لك .. كدت تهلكني ..
فأدخل يده في حلقه .. فجعل يتقيأ .. وجعلت لا تخرج ..
فقيل له : إن هذه لا تخرج إلا بالماء ..
فدعا بطست ماء فجعل يشرب .. ويتقيأ ..
حتى رمى بها ..
فقيل له : يرحمك الله !! كل هذا من أجل هذه اللقمة ؟!!
فقال : لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها ..
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به )
فخشيت أن ينبت شيء من جسدي من هذه اللقمة ..
* * * * * * * * *
أما شهيد المحراب .. العابد الأواب .. عمر بن الخطاب .. فله في محاسبة النفس شأن عجيب ..
ذكر صاحب الحلية :
أن عمر بعث إليه أميره في الشام زيتاً في قرب .. ليبيعه ويجعل المال في بيت مال المسلمين ..
فجعل عمر يفرغه للناس في آنيتهم ..
وكان كلما فرغت قربة من قرب الزيت .. قلبها ثم عصرها وألقاها بجانبه ..
وكان بجواره ابن صغير له .. فكان الصغير كلما ألقى أبوه قربة من القرب أخذها ثم قلبها فوق رأسه حتى يقطر منها قطرة أو قطرتان ..
ففعل ذلك بأربع قرب أو خمس فالتفت إليه عمر فجأة ..
فإذا شعر الصغير حسنٌ .. ووجهه حسن .. فقال : ادهنت ؟ قال : نعم .. قال : من أين ؟ قال : مما يبقى في هذه القرب ..
فقال عمر : إني أرى رأسك قد شبع من زيت المسلمين من غير عوض .. لا والله لا يحاسبني الله على ذلك ..
ثم جره بيده إلى الحلاق وحلق رأسه ..
خوفاً من قطرة وقطرتين ..
* * * * * * * * *
هذا حال المتقين .. الأوابين الخاشعين ..
أما المتهالكون في الشهوات ..
فهم في شقوة في حياتهم .. وحسرة عند مماتهم ..
{ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ } ..

حدثني أحد الأطباء .. قال :
دخلت إلى غرفة العناية المركزة في المستشفى ، ولفت انتباهي شاب في الخامسة والعشرين من عمره مصاب بمرض ( الإيدز ) .. حالته خطرة جداً ..
كلمته برفق فأجاب بكلمات غير مفهومة .. اتصلت بأهله .. فحضرت أمه ..
سألتها عن حال ابنها ..؟
فقالت : كان حاله على ما يرام ، حتى تعرف على تلك الفتاة ..
قلت : هل كان يصلي ؟
قالت : لا .. لكنه كان ينوي أن يتوب ويحج في آخر عمره ( !! ) ..
اقتربتُ من الفتى المسكين .. فإذا هو يعالج سكرات الموت ..
اقتربت من أذنه وقلت : لا إله إلا الله .. قل : لا إله إلا الله ..
بدأ يفيق وينظر إليّ .. المسكين يحاول بكلّ جوارحه .. الدموع تسيل من عينيه .. وجهـه يتغير إلى السـواد ..
وأنا أردد .. قل : لا إله إلا الله ..
بـدأ يتكلـم بصوت متقطع : آه .. آه .. ألم شديد .. آه .. أريد مسكناً للألم .. آه .. آه ..
بدأت أدافع عبراتي وأقول : قل : لا إله إلا الله ..
بدأ يحرك شفتيه بصعوبة .. فرحت .. سينطقها الآن .. لكنه قال :
لا أستطيع .. لا أستطيع .. أريد صديقتي .. لا أستطيع ..
الأم تنظر وتبكي .. النبض يتناقص .. يتلاشى .. لم أتمالك نفسي .. أخذت أبكي بحرقة ..
أمسكت بيده .. عاودت المحاولة : أرجوك قل لا إله إلا الله ..
وهو يردد : .. لا أستطيع .. لا أستطيع .. ثم بدأ يشهق .. ويشهق ..
توقّف النبض .. انقلب وجه الفتى أسوداً .. ثم مات .. انهارت الأم .. وارتمت على صدره .. تصرخ .. وتصرخ ..
وأنى ينفعه صراخها .. أو حزنها ونحيبها ..
نعم ..
قد مضى الفتى إلى ربه .. لم تنفعه شهواته .. ولا ملذاته .. طالما اغتر بشبابه .. وجمال سيارته وثيابه .. ثم هو اليوم تجالسه في قبره أعماله .. وتحيط به أفعاله .. ما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ..
* * * * * * * * *
قارن حال هذا الشاب .. بذلك الشاب .. الذي بلغ من عمره ستة عشر عاماً .. كان في المسجد يتلو القرآن .. وينتظر إقامة صلاة الفجر ..
فلما أقيمت الصلاة .. رد المصحف إلى مكانه .. ثم نهض ليقف في الصف ..
فإذا به يقع على الأرض فجأة مغمى عليه ..
حمله بعض المصلين إلى المستشفى ..
فحدثني الدكتور الجبير الذي عاين حالته .. قال :
أُتي إلينا بهذا الشاب محمولاً كالجنازة .. فلما كشفت عليه فإذا هو مصاب بجلطة في القلب .. لو أصيب بها جمل لأردته ميتاً ..
نظرت إلى الشاب فإذا هو يصارع الموت .. ويودع أنفاس الحياة ..
سارعنا إلى نجدته .. وتنشيط قلبه ..
أوقفت عنده طبيب الإسعاف يراقب حالته .. وذهبت لإحضار بعض الأجهزة لمعالجته ..
فلما أقبلت إليه مسرعاً .. فإذا الشاب متعلق بيد طبيب الإسعاف ..
والطبيب قد الصق أذنه بفم الشاب .. والشاب يهمس في أذنه بكلمات.. فوقفت أنظر إليهما .. لحظات..
وفجأة أطلق الشاب يد الطبيب .. وحاول جاهداً أن يلتفت لجانبه الأيمن ..
ثم قال بلسان ثقيل : أشهد أن لا إله إلا الله .. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .. وأخذ يكررها .. ونبضه يتلاشى .. وضربات القلب تختفي.. ونحن نحاول إنقاذه.. ولكن قضاء الله كان أقوى.. ومات الشاب..
عندها انفجر طبيب الإسعاف باكياً.. حتى لم يستطع الوقوف على قدميه..
فعجبنا وقلنا له : يا فلان .. ما لك تبكي.. ليست هذه أول مرة ترى فيها ميتاً.. لكن الطبيب استمر في بكائه ونحيبه..
فلما .. خف عنه البكاء سألناه : ماذا كان يقول لك الفتى ؟
فقال : لما رآك يا دكتور .. تذهب وتجيء .. وتأمر وتنهى.. علم أنك الطبيب المختص به .. فقال لي :
يا دكتور .. قل لصاحبك طبيب القلب.. لا يتعب نفسه.. لا يتعب.. أنا ميت لا محالة .. والله إني أرى مقعدي من الجنة الآن ..
الله أكبر ..
{ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ } .. أسأل الله أن يختم لنا جميعاً بالصالحات ..
* * * * * * * * *
هذا هو الفرق بين المطيع والعاصي ..
والفرق الحقيقي يتبين .. { يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ } ..
* * * * * * * * *

أما الذين صبّروا أنفسهم عن الشهوات ..
ومنعوها من المحرمات .. فقد وَعَدَهم ربهم بجَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ..
* * * * * * * * *
تلك الجنة التي جعلها الله لعباده المؤمنين نزلاً ..
وأودعها ما لا عين رأت .. ولا أذن سمعت .. ولا خطر على قلب بشر ..
فواعجباً لها كيف نام طالبها ؟
وكيف قرت دونها أعين المشتاقين ؟
فيها الذي والله لا عين رأت*كلا ولا سمعت به الأذنان
كلا ولا قلب به خطر المثا* ل له تعالى الله ذو السلطان
وبناؤها اللبنات من ذهب وأخــرى فضة نوعان مختلفان*
وقصورها من لؤلؤ وزبرجد أو فضة أو خالص العقيان*
حصباؤها در وياقوت كذاك لآليء نثرت كنثر جمان
وترابها من زعفران أو من المسك الذي ما استل من غزلان
سكانها أهل القيام مع الصيا*م وطيب الكلمات والاحسان
وخيامها منصوبة برياضها*وشواطيء الأنهار ذي الجريان
أنهارها في غير أخدود جرت*سبحان ممسكها عن الفيضان
من تحتهم تجري كما شاؤوا مفجرة وما للنهر من نقصان
عسل مصفى ثم خمـــــر ثم أنهار من الالبان
* * * * * * * * *
وطعامهم ما تشتهيه نفوسهم*ولحوم طير ناعم وسمان
لحم وخمر والنسا وفواكه*والطيب مع روح ومع ريحان
وصحافهم ذهب يطوف عليهم*بأكف خدام من الولدان
لهم حياة ما بها موت وعافية بلا سقم ولا أحزان
* * * * * * * * *
وروى مسلم .. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة .. فيصبغ في النار صبغة ..
ثم يقال : يا بن آدم .. هل رأيت خيراً قط ..؟؟ هل مر بك نعيم قط ..؟؟
فيقول : لا والله يا رب ..
نعم .. هذا الرجل الذي ذاق من الدنيا أعظم نعمتها .. ومن الحياة غاية لذتها ..
أنساه كل نعيم الدنيا .. غمسة واحدة غمسها في النار ..
فكيف به إذا تردى في دركاتها .. وصارع حياتها .. وتجرع من زقومها .. وغرق في حميمها ..
بل كيف به إذا استغاث فيها .. فقيل له : { اخسئوا فيها ولا تكلمون } ..
بالله عليك .. هل يذكر في تلك الحال .. فاحشة ارتكبها ..؟ أو أغنية سمعها ..؟ أو خمر شربها ..؟ أو أموال جمعها ..؟
كلا .. بل يقال لهم : { اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } ..
قال صلى الله عليه وسلم :
ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا .. من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة ..
فيقال له : يا بن آدم .. هل رأيت بؤساً قط ..؟؟ هل مر بك شدة قط ..؟؟
فيقول : لا والله يا رب .. ما مرَّ بي بؤس قط .. ولا رأيت شدة قط ..
نعم .. أنساه كل بؤس الدنيا .. غمسة واحدة غمسها في الجنة ..
فكيف به .. إذا شرب من أنهارها .. وتقلب في أحضان حورها ..
وسكن في قصورها .. وجالس أنبياءها ..
بل كيف به إذا نظر إليه ربه وهو فيها .. ثم قال لهم :
يا أهل الجنة .. هل رضيتم .. ثم ينظرون إلى وجه ربهم جل جلاله ..
هل يذكر شدة طاعة أداها .. أو حسرة شهوة تركها ..
كلا .. بل هو في نعيم دائم .. لا يفنى شبابه .. ولا تبلى ثيابه ..
قال الله : { لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد } ..
* * * * * * * * *
نعم .. ولدينا مزيد ..
روى الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أدنى أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة ..
بالله ..
.. ما عذر امرئ هو مؤمن*حقا بهذا ليس باليقظان
تالله لو شاقتك جنات الــنعيم طلبتها بنفائس الأثمان*
جليت عليك عرائس والله لو*تجلى على صخر من الصوان
رقت حواشيه وعاد لوقته*ينهال مثل نقى من الكثبان
* * * * * * * * *
أسأل الله تعالى أن يرزقنا التوبة والإنابة في الأمور كلها ..
* * * * * * * * *
وقبل الختام .. هنا أربع مسائل مهمة تتعلق بالتوبة ..
المسألة الأولى :
أن المعاصي التي تجب التوبة منها تتفاوت ..
فأكبرها وأعظمها .. الشرك بالله ..
كمن يدعو غير الله في قضاء الحاجات .. ويستغيث بالأولياء في كشف الكربات .. أو يقف عند القبور سائلاً أهلها الحاجات ..
والله يقول : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } ..
* * * * * * * * *
ومن الشرك : تعليق التمائم الشركية .. في الأجساد أو على الأولاد .. أو في السيارات والبيوت .. لدفع العين أو غيرها ..
قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد : ( من علَّق تميمة فقد أشرك ) ..
* * * * * * * * *
ومن الشرك : الحلف بغير الله تعالى :
فلا يجوز الحلف بالكعبة .. ولا بالأمانة .. ولا بالشرف .. ولا ببركة فلان .. ولا بحياة فلان ..ولا بجاه النبي .. ولا بجاه الولي .. ولا بالآباء والأمهات .. كل ذلك حرام ..
وقد روى أحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال : \"من حلف بغير الله فقد أشرك\" ..
ومن جرى على لسانه شيء من هذا بغير قصد .. فكفارته أن يقول : لا إله إلا الله، كما روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من حلف فقال في حلفه باللات والعزى فليقل : لا إله إلا الله ) ..
* * * * * * * * *
ومن أكبر الذنوب ..
استعمال السحر والكهانة والعرافة ..
أما السحر فإنه من أكبر الكبائر .. وقد يصل إلى حد كفر ..
ولا يجوز الذهاب إلى السحرة ..
قال صلى الله عليه وسلم كما في المسند : \"من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد\" صلى الله عليه وسلم..
وقال فيما رواه مسلم : ( من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة ) ..
ومن ذلك اللجوء إلى أبراج الحظ في الجرائد والمجلات .. أو الاتصال هاتفياً على بعض من يدعي معرفة الغيب .. أو سؤالُهم .. كل ذلك حرام ..
* * * * * * * * *
ومن أكبر الذنوب بل من الكفر .. ترك الصلاة ..
قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم : \"بين الرجل وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة \" ..
وإذا حكمنا على تارك الصلاة بالكفر .. فهذا يقتضي أنه تنطبق عليه أحكام المرتدين ..
فلا يصح أن يُزوَّج .. فإن عُقد له وهو لا يصلي فالنكاح باطل .. وإذا ترك الصلاة بعد أن عُقد له فإن نكاحه ينفسخ ولا تحل له الزوجة ..
وإذا ذبح لا تؤكل ذبيحته لأنها حرام .. ولا يدخل مكة ..
ولو مات أحد من أقاربه فلا حق له في الميراث ..
وإذا مات لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين .. ويحشر يوم القيامة مع الكفار ..
ولا يدخل الجنة .. ولا يحل لأهله أن يدعوا له بالرحمة والمغفرة لأنه كافر ..
* * * * * * * * *
ومن أكبر المعاصي ..
الزنا .. وهو أعظم الذنوب بعد الشرك والقتل .. قال تعالى : { وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً } ..
وفي عصرنا فتحت كثير من أبواب الفاحشة .. ففشا التبرج والاختلاط ومجلات الخنا .. وأفلام الفحش ..
فنسألك اللهم رحمتك ولطفك .. وسترك وعصمة من عندك ..
طهر قلوبنا .. وتحصن فروجنا .. واجعل بيننا وبين الحرام برزخاً .. وحجراً محجوراً ..
* * * * * * * * *
ومن المعاصي :
أكل أموال الناس .. أو أكل الربا .. { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله } ..
وهذا كاف في بيان شناعة هذه الجريمة عند الله عز وجل .
وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم : لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال : هم سواء \" ..
وصح في مستدرك الحاكم أنه صلى الله عليه وسلم قال : \" الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه ، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم \"..
وصح في مسند الإمام أحمد : ( درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية \" ..
فاتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ..
* * * * * * * * *
ومن المعاصي : شرب المسكرات .. أو تعاطي المخدرات ..
قال صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم : ( إن على الله عز وجل عهداً لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال \" قالوا : يا رسول الله وما طينة الخبال ؟ قال : \" عرق أهل النار أو عصارة أهل النار \"..
وصح عند الطبراني .. أنه صلى الله عليه وسلم قال : \" من مات مدمن خمر لقي الله وهو كعابد وثن \" ..
وقد تنوعت المسكرات .. وتعددت أسماؤها .. فأطلقوا عليها البيرة والعرق والشمبانيا .. وغيرَ ذلك ..
* * * * * * * * *
ومن المعاصي : سماع الغناء :
وقد قال صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري معلقاً :\" ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ... \"..
وصح عند الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم قال : \" ليكونن في هذه الأمة خسف وقذف ومسخ .. وذلك إذا شربوا الخمور واتخذوا القينات وضربوا بالمعازف \" ..
ومما زاد البلاء في عصرنا دخولُ الموسيقى .. في أشياء كثيرة كالساعات .. والأجراس .. وألعاب الأطفال .. والكمبيوتر .. وأجهزة الهاتف .. والله المستعان .
وغير ذلك من المعاصي .. ويجب نصيحة أهلها .. { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } ..
* * * * * * * * *
المسألة الثانية :
أن بعض الناس إذا أراد أن يتوب من معصية سماع الحرام مثلاً .. قال له الشيطان .. لا يصح أن تتوب منها وأنت مقيم على معصية التدخين .. أو التساهل بالصلاة ..
فإما أم تتوب منها كلها .. أو لا تتعب نفسك ..
وهذا باطل .. فإن لكل ذنب توبة .. فيمكن أن تقبل التوبة من الزنا .. مع وجود معاص أخرى .. ولكن عليه أن يجتهد في التوبة من الذنوب كلها ..
واعلم أن الوقوع في الذنب مرة أخرى بعد التوبة منه .. لا يعني أن التوبة بطلت وأن العبد ييأس ويعود إلى المعاصي .. لا .. بل يسارع إلى توبة أخرى ..
وصح في السنن .. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من رجل يذنب ذنباً ثم يقوم فيتطهر ثم يصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر الله له ) ثم قرأ هذه الآية : ( والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون ) ..
* * * * * * * * *
المسألة الثالثة :
شروط التوبة خمسة ..
أولها : الإقلاع عن الذنب فوراً ..
وثانيها : الندم على ما فات ..
وثالثها : العزم على عدم العودة ..
ورابعها : إرجاع حقوق من ظلمهم .. أو طلب البراءة منهم ..
أما الخامس فهو :
أن تكون التوبة في وقت المهلة .. فلا تقبل عند الموت .. ولا تأمن متى ينزل بك ..
ولا تقبل عند طلوع الشمس من مغربها ..
* * * * * * * * *
المسألة الأخيرة ..
من أهم عوامل الثبات على التوبة .. مفارقة مكان المنكر ..
بل ومفارقة الأصحاب الذين يذكرونك به .. أو يدعونك إليه ..
وفي الصحيحين :
قصة ذلك الرجل .. الذي تلطخ بالدماء .. وقتل الأبرياء .. حتى قتل تسعه وتسعين نفساً .. ثم بدا له أن يتوب .. فشك .. هل يقبل الله توبته .. وهو الذي يتم الأطفال .. ورمل النساء .. ومزق البيوت ..
فسأل عن أعلم أهل الأرض .. فدل على رجل عابد راهب .. فأتاه ..
فقال : إنه قتل تسعة وتسعين نفساً فهل له من توبة ؟
فرفع الراهب بصره إليه .. فإذا رجل قد ظلم العباد .. وأكثر الفساد .. حتى قسى قلبه .. وكبر ذنبه .. فقال الراهب : لا .. ليست له توبة ..
فغضب هذا الرجل .. وقتله .. فكمل به مائة ..
ومضى من بين يدي الراهب ..
ثم بدا له أن يتوب .. فسأل عن أعلم أهل الأرض ..
فدُلَّ على رجل عالم .. فأتاه ..
فقال : إنه قتل مائة نفس .. فهل له من توبة ؟
فقال العالم : نعم .. نعم .. ومن يحول بينك وبين التوبة ؟!!
ولكن .. انطلق إلى أرض كذا وكذا .. فإن بها أناساً يعبدون الله .. فاعبد الله معهم ..
ولا ترجع إلى أرضك .. فإنها أرض سوء ..
فانطلق الرجل التائب .. حتى إذا انتصف في الطريق .. نزلس به الموت .. فخر صريعاً ميتاً ..
فاختصمت فيه ملائكة الرحمة .. وملائكة العذاب ..
فقالت ملائكة الرحمة : جاء تائباً .. مقبلاً بقلبه إلى الله ..
وقالت ملائكة العذاب : إنه لم يعمل خيراً قط ..
فأتاهم ملك في صورة آدمي .. فجعلوه بينهم حكماً ..
فقال : قيسوا ما بين الأرضين .. فإلى أيتهما كان أدنى فهو له ..
فأوحى الله إلى هذه أن تباعدي .. وإلى هذه أن تقربي ..
فقاسوه .. فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد ..
فقبضته ملائكة الرحمة ..
فانظر كيف قال له العالم : فارق بلدك .. واخرج من أرضك فإنها أرض سوء ..
وكذلك من كان يريد أن يتوب من الزنا .. لا بد أن يفارق أماكن الاختلاط .. ومن أراد أن يتوب من ترك الصلاة .. أو من سماع الغناء .. أو من أكل الربا .. أو يتوب من أنواع الشرك .. كل هؤلاء .. لا بد أن يفارقوا كل ما يعينهم على تلك المعاصي ..
أسأل الله بأسمائه الحسنى .. أن يقسم لنا من خشيته ما يحول به بيننا وبين معصيته .. ومن طاعته ما يبلغنا به جنته .. وأن يغفر لنا ذنوبنا .. وإسرافنا في أمرنا .. وأن يغنينا بحلاله عن حرامه .. وبفضله عمن سواه .. وأن يتقبل توبتنا .. ويغسل حوبتنا .. إنه سميع مجيب .. وصلى وسلم على النبي الأمي محمد .. وآله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين







فضيلة الشيخ : محمد بن عبد الرحمن العريفي









قديم 2010-08-09, 15:11   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
أحمد أبو عبد الرحمن
عضو محترف
 
الصورة الرمزية أحمد أبو عبد الرحمن
 

 

 
الأوسمة
وسام التميّز بخيمة الجلفة وسام العضو المميّز في منتديات الخيمة 
إحصائية العضو










افتراضي

نعمَ الله





بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي كان بعباده خبيرا بصيرا،وتبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا.

والصلاة والسلام على من بعثه ربه هاديا ومبشرا ونذيرا، وداعيا على الله بإذنه وسراجا منيرا، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد:

فيقولُ اللهُ سبحانه في محكم كتابه: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ.

هذا المثلُ ضربَهُ اللهُ سبحانَه وتعالى مثلا لكلِ من جحدَ نعمةَ اللهِ ورد معروفَ الله عز وجل، فإن كثيرا من الناسِ ينعمُ اللهُ عليهم بنعمٍ ظاهرةٍ وباطنة فيكفرونَها، ويردُونها، ويجحدونَها فيسلِبُها سبحانه وتعالى منهم، ثم ينكِلُ بهم عز وجل جزاءَ ما جحدوا من المعروفِ وانكروا من الجميل.

نعم، كثيرُ من الناسِ يمنحُهم اللهُ الشبابَ فيفسدونَ ويستغلونَه فيما يبعدُهم من الله عز وجل فيسلبَ اللهُ الشبابَ منهم.

وكثيرُ منهم يرزُقهم اللهُ الصحةَ في الأجسام فلا يرون اللهَ عز وجل ثمرةَ هذه الصحةَ والعافيةَ فيأخذُهم اللهُ عز وجل بهذا.

وكثيرُ يمنحُهم اللهُ الأموالَ فلا يؤدونَ حق اللهَ في الأموال بل يجعلونَها سلما إلى المعاصي، وسببا إلى المناكرِ والفواحش فيأخذُهم اللهُ عز وجل ويحاسبُهم بأموالِهم.

فاللهُ عز وجل يقول: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آياتِنا، هذا الرجل أسمُه بلعام من بني إسرائيل، منحهُ اللهُ عز وجل نعمةَ العلم والفهم والفقه، ولكنَه ما أستغلَها في ما يقربُه من اللهِ عز وجل، بل نسيَ حق اللهِ وموعودَ اللهِ وأمر اللهِ عز وجل ثم عصاه سبحانَه وتعالى.

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ، لم يقل من المغوِين أو من المغوَين، وإنما من الغاوين لأنَه أصبح قائدا في الضلالة، وأصبحَ أستاذا في الجهالة، لأن الناسَ اقتدوا به في أن يضلوا.

هذا الرجلُ كما قال أهلُ التفسير كان مع موسى عليه السلام، علمَهُ اللهُ التوراة، فلما تعلَمها ذهبَ إلى قومِ كفارٍ ليفاوضَهم على الصلحِ لموسى عليه السلام، فلما رأى دنياهَم وكنوزَهم وذهبَهم وفضتَهم استهواهُ هذا فكفرَ باللهِ العظيم، وقدمَ الدنيا على الآخرة، وقدمَ موعودِ أهلِ الدنيا على موعودِ ربِ الدنيا والآخرة فسلبَ اللهُ نعمةَ الفقِه والفَهمِ منه وترَكَه بليدا كالحمارِ، مؤخرا كالخنزيرِ، نجسا كالكلبِ نعوذ باللهِ من ذلك.

حتى قال سبحانَه وتعالى: وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا، أي لو شئنا أن يرتفَعَ بلا إله إلا الله، وبمعنى لا إله إلا الله لرفعناه بها، وهذا جزاءُ العبدُ الذي يرتفعُ بالطاعة، وجزاءَ العبدُ الذي يحبُ أن يتقربَ إلى اللهِ عز وجل بطاعتِه أن يرفعَه الله، أما العبدُ الذي يتأخرُ إلى المعصيةِ، ويتأخرُ في كلِ ما يقربُه من الله، فلا يزالُ يتأخرُ حتى يأخرُه الله في من عنده.

وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ، أي حبَ الدنيا على الآخرة وأتبعَ هواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ.

يقولُ عز وجل مثلُ هذا الرجلِ كمثلِ الكلب، والكلبُ من طبيعتِه أنه يلهث، يمدُ لسانَه ويلهثُ نفسَه سواءً في الظلِ أو في الشمس، فهذا مثلُ رجلٍ يلهثُ في الجهلِ وفي المعصيةِ سواءً تعلمَ أو لم يتعلم، لأن قلبَه خبيث ولأن فيهِ مكرُ ولأنَه صادُ عن اللهِ عز وجل، وإلا فلو كان فيه خيرُ يومَ أن قربَه اللهُ عز وجل إليه عرفَ النعمةَ وعرف الجميل وعرف عطاء اللهِ عز وجل فأنقادَ إلى الله.

وضربَ اللهُ في القرآنِ مثلا للأممِ والشعوبِ يوم تنحرفُ:

يوم تنحرفُ عن منهجِ الله عز وجل، يومَ تتركُ طرقَ المساجد وتميلُ إلى الخمارات، يومَ تتركُ سماعَ كتابِ الله عز وجل وتميلُ إلى استماعِ الغنى.

يومَ تتجهُ من منهجِ محمدٍ (صلى اللهُ عليه وسلم) والسنةُ المطهرة وتميلُ إلى كتبِ الشياطين من الإنس والجن.

يومَ تعكفُ وتسهرُ على الأفلامِ وعلى الأغاني الماجنة.

يومَ تُرخصُ قيمَها ودينَها ومبادَئها وأخلاقَها وسنةَ نبيَها (صلى اللهُ عليه وسلم) ماذا يصنعُ اللهُ عز وجل بها؟

يدمرُ شبابَها، ويبعدُ سبحانَه وتعالى علمَائَها، ويبتلى نسائَها فتبقى أمةً مظلومةً مهضومةً متأخرة، يبتليَها عز وجل بالخوفِ والجوع، يقولُ عز من قائل: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ.

قال أهلُ العلم: لا تزالُ كلُ قريةٍ في أمنِ الله ما أقامت فروضَ اللهِ وما نهت عن المعاصي التي تغضبِ اللهَ عز وجل، فإذا انحرفت أخذها اللهُ كما يأخذُ الظالمَ ثم لا يفلتُها أبدا: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً. عذابا شديدا في الآخرة، فما كفاها عذابَ الدنيا بل أعد اللهُ سبحانَه وتعالى لها الخزيَ والعارَ والدمار والنار لأنها انحرفت عن منهجِ الله.

فتشوا واسألوا كل مدينةٍ وكل قرية أخذها اللهُ في هذا العصرِ أو قبل هذا العصر، وأسالوا جيرانَها، أسالوا في من حولنا وفي ما دونَنا ما لهم ابتلوا بالحروب، ما لهم ابتلوا بالمناكرِ، بالزنى، بالربى بالفواحشِ بالبعد عن الله، إنما ابتلوا بذلك لأنهم عصوا اللهَ وخرجوا عن طاعةِ اللهِ سبحانَه وتعالى.

ويومَ أن تعودَ الأمةُ أو يعودَ الشخصُ ولو ببصيصٍ من نورٍ ينصرُه سبحانَه وتعالى ويؤيدُه ويسددُه ويهديه، وقد جربنَا وجربَ غيرُنا وسمعنا وسمعَ غيرُنا أن أناسا كثيرينَ وقفوا في وجهِ الطغيانِ في وجهِ اليهود فما استطاعوا أن يقفوا أمامَه لأنهم أهلُ معاصي، لأنَهم خرجوا عن لا إله إلا الله.

حتى أتى في هذا العصرِ حفنةُ قليلةُ من الناسِ في أفغانستان تسجدُ لله، وتعترف بالله، وتتحاكمُ إلى الله فوقفت في وجهِ أكبرِ قوةٍ من قوى الأرض، رجوعاً إلى اللهِ عز وجل، فلما رجعوا إلى اللهِ عز وجل أراهم سبحانَه وتعلى نصرَه، ورفعَ لهم سبحانَه كلمة لا إله إلا الله وثبتَ أقدامَهم، فكيف لو رجعت الأمةُ إلى اللهِ عز وجل.

واللهِ لو رجعنا إلى اللهِ لما كان في الدنيا يهودُ يسيطرونَ على بلادِ الله وعلى عبادِ الله وعلى منهجِ الله ويمتهنونَ شرائعَ الله.

واللهِ لو رجعنا إلى اللهِ عز وجل لما كان هناكَ جوعُ وخوفُ ودمارُ ونارُ وعارُ وشنار.

لكننا لما تخاذلنا على أن نجتمعَ في بيوتِ الله، وأن نتناصحَ بالأمر بالمعروف والنهيِ عن المنكر أصبنا بهذا.

قال عز من قائل: لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ، حتى قال عز من قائل: وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرىً ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ * فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ.

قريةُ كانت منفلتةُ في اليمن، كانت غائصةً في الحدائقِ والبساتين، من بين يديها ومن خلفِها أنواعُ الثمرات، لهم سدُ عظيمُ يختزنُ آلاف البراميلِ من المياه، فلما أرادوا أن يجربوا نعَم اللهِ عز وجل أغدقَ اللهُ عليهمُ النعم، سماؤُهم ملىءَ بالغيوم، لا شمسَ لديهم تغرقُهم، وثمارَهم يانعةً يقطفونها حتى قال الأئمةُ من أمثالِ ابن كثير: تمرُ المرأة بزمبيلها فيمتلىءُ مما يتساقطُ من الأشجار، يشربونَ ماءً باردا، يتظللونَ في ظلٍ وارف، ينعمونَ في معيشةٍ هادئةٍ ساكنةٍ، أرسلَ اللهُ إليهم الرسلَ ليقولوا لا إله إلا الله، وليئدوا شكرَ نعمةِ الله، وليسجوا لله، وليتناهوا عن ما يغضبُ اللهَ عز وجل، فماذا فعلوا!

كفروا وجحدوا وانكروا وتمردوا على الله، شأن الشاب الذي لا يعرفَ بيوتَ الله، ولا يعرفَ المسجد، جسمُه كجسمِ البغل يتنهدُ على الأرضِ من كثرةِ النعمِ، ومن كثرةِ الملبوساتِ والمشروبات والمطعومات، فإذا سمعَ الآذانَ كأن في أذنيهِ وقرا، لا يعرفُ طريقَ المسجد، إنما يعرفُ طريق المعصيةِ وطريقَ الانحراف، فهذا مثلُه مثلُ هذه القرية.

أتت رسولُهم إليهم وفاوضتُهم على لا إله إلا الله، فاوضتُهم إلى الرجوعِ إلى الله عز وجل، وأخذتُهم بالتي هي أحسنُ ليعودوا إلى الحي القيوم فكفروا وقالوا ربنا باعد بيننا وبين أسفارِنا، ومعنى ذلك أنهم رفضوا حتى الزكاة والصدقة من هذه الأموال وقالوا اجعل بيننا وبين هذه القرى مسافات حتى لا يأتينا فقيرُ ولا مسكينُ ولا طالبُ حاجة، فماذا فعل اللهُ بهم؟

هل حاربَهم بطائراتٍ أو بجيوشٍ جرارة، أو بدباباتٍ مصفحةٍ! لا والله بل أوتيَ بفأرٍ صغيرٍ فنحت في هذا السد سدُ مأرب العظيم، فسقط السد وذهبت دنياهم وأخرتُهم، اجتاحَهم السدُ فدمر قراهم بعضَهم على بعضها، وبيوتَهم بعضَها على بعض، واجتاحَ أشجارَهم وأعنابَهم ونخيلَهم ومزارعَهم فبقوا حدثا بعد عيَن لكلِ معتبر: وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا بَلْ كَانُوا لا يَرْجُونَ نُشُوراً.

فأوقع اللهُ بهم ما أهم بهِ أهلُ ليستحقونَه فذهبوا حتى قالت العربُ: تفرقوا أيدِ سبأ.

خرجوا من بلادِهم على وجوهِهم يتباكون، الحبيبُ فقد حبيبَه، والوالدُ فقدَ ولدَه، والأخُ فقد أخاه، والزوجةُ فقدت زوجَها لأنهم عصوا اللهَ عز وجل.

ولذلك قالوا لرجلٍ من البرامكةِ الوزراء لما سجنوا في عهدِ هارونَ الرشيد لما سُجنتم وذهبت دنياكُم؟

لما أخذت قصورُكم؟

لما جُلدَت ظهورُكم؟

فدمعت عينا خالد البرمكي وقال: بغينا وطغينا ونسينا الله وسرت دعوةُ مظلومٍ في جنحِ الليلِ فسمَعها اللهُ والناسُ عنها هجود.

ولذلك يقولُ عليه الصلاةُ والسلام: دعوةُ المظلومِ يرفعُها اللهُ على الغمامِ ويقولُ وعزتي وجلالي لأنصرنَكِ ولو بعد حين.

ومروا برجلٍ مقعدٍ كما في السير قد نهشتُه الأمراضُ وأصابتُه الأوصاب، وهو في حالةٍ مزريةٍ لا يستطيعُ حِراكا ولا قياما، لا يستطيعُ أن يمدَ يدَه، فقالوا مالك؟

قال كنتُ في صحةٍ وعافيةٍ وقوةٍ لا يعلمُها إلا الله، كنتُ إذا سمعتُ نداء اللهِ أتباطأ فيقال لي اتق اللهَ عز وجل، وتعالَ إلى بيوتِ الله، وأقم فرائضَ الله، فكنتُ أقولُ لهؤلاء وماذا يصيبُني إذا لم أفعل؟ فابتلاني اللهُ بهذا المرض.



فيا أخوتي في الله!

شكرُ الجسمِ أن تؤدي حقَه مع اللهِ عز وجل، فتستخدمُه فيما يقربُه من اللهِ عز وجل، وشكرُ اللسانِ الثناء، وشكرُ اليدِ الوفاء، وشكرُ العينِ الإغضاء، وشكرُ الوجهِ الحياءُ منه سبحانَه وتعالى.

كان عليه الصلاةُ والسلام يعظُ أصحابَه وينصحُهم ويردُهم إلى الحي القيوم وهم من أحياء الناسِ مع الله، ومن أقربِهم إلى الله، يقولُ لهم استحيوا من اللهِ حق الحياء، فيقولون له عليه الصلاة والسلام وهو يظنون أن الاستحياء دخولَ الإسلام، وهذا من الحياء، ولكنَ مرتبة الحياء الكبرى أن تجعلَ بينَك وبين المعاصي حجابا، قالوا يا رسولَ الله واللهِ إنا لنستحيِ من اللهِ حقَ الحياء، فقال عليه الصلاة والسلام ليس ذلك بحقِ الحياء، حق الحياء أن تحفظ الرأسَ وما وعى، والبطن وما حوى، ومن تذكرَ البلى ترك زينةَ الحياةِ الدنيا.

قال أهلُ العلم:

أن الحياء بالعينِ أن لا تنظر بها إلى ما يغضبُ اللهَ عز وجل.

وحياء الأذن أن لا تسمع بها ما يغضبُه تبارك وتعالى.

وحياءُ اليدِ أن تكونَ محبوسةً تحت طاعةِ اللهِ عز وجل.

وحياءُ الرجل أن لا تمشي بها إلا في مرضاتِه عز وجل.

ولذلك كان من معالمِ المحاسبةِ عند أهلِ السنةِ والجماعةِ أن اللهَ عز وجل يجمعُ الأولينَ والآخرين يوم القيامةِ فيحاسبُهم كما خلقَهم وكما بدأهم أولَ مرة، يحاسبُهم على الأعضاء، ولن تجد عضواً أشدَ خطورةً ولا ضراوةً على المسلمِ، أو على الإنسانِ من لسانِه.

ويحقُ لأبي بكرٍ الصديقُ رضي اللهُ عنه وأرضاه، ومن مثلُ أبي بكر في إيمانِه وزهدِه وعبادتِه، أبو بكر الذي أنفق مالَه كلَه في سبيل الله، وأتعبَ جسمَه لرفعِ لا إله إلا الله، وبقي ساهرا حريصا على الأمةِ يقودُهم إلى اللهِ عز وجل، وهو مع هذا يقفُ في مزرعةِ رجلُ من الأنصارِ ويمد لسانَه يبكي ويقول هذا أوردَني الموارد أي المهالك.

فإذا كان هذا خائفُ فما بالنا نحنُ لا نخاف؟

وما بالُنا لا نعودُ ونحاسبُ أنفسَنا؟

قلي باللهِ عليك كم مرةً نذكرُ اللهَ عز وجل في اليوم؟

وفي المقابل كم نتكلم بكلامٍ ليس بذكر، وإذا عادلنا كلامَنا مع الناس وهرائنا وتسويفَنا، كم نعادلُه فهل هو بمعشارِ العشيرِ مع سبحانَ الله والحمدُ لله ولا إله إلا الله، واللهُ أكبر.

ومقصودُ هذا الكلام حفظُ اليدِ التي أنعم اللهُ بها علينا، فإن الله عز وجل إذا أنعمَ على العبدِ انتظر سبحانَه وتعالى حتى يرى ماذا يفعلُ العبد، فإن حفظَ النعمةَ بالطاعةِ زادهُ سبحانَه وتعالى: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ، وإن ضيعها أخذَه أخذَ عزيزٍ مقتدر.

فيا من أنعم اللهُ عليه بنعمةِ الشباب، إن كنت تريدُ حفظَ الشبابِ فما حفظُه إلا بحفظِ الله، ويا من أنعم اللهُ عليه بالمال، حفظُ المالِ حفظُ الله، ويا من أنعم اللهُ عليه بجاهٍ أو بمنصبٍ أو بولدٍ، إن تريدُ المحافظةُ على ذلك فأحفظَ اللهَ عز وجل، وإلا فأنتظرِ الزوالَ والنكبةَ إن عاجلا أو آجلا.

قال أبو سليمانُ الداراني رحمَه الله: واللهِ إني لأعصِ اللهَ عز وجل في الليل فأجدُ جزاءَ ذلك في النهار، فقالوا لبعضِ أهلِ العلمِ، نحن ما نجدُ الجزاءَ في النهار، جربنا أنا نعصي اللهَ عز وجل في الليلِ كثيراً فلا نجدهُ في النهار، قال إنكم أكثرتُم من الذنوبِ فما تعلمونَ من أين تأُتونَ، أي لا تعلمونَ من كثرة الجزاوات من أين تأُتون.

ولا يظنُ ظانُ أن الجزاء أن تنزلَ عليه صاعقةً أو قذيفةً من السماء، أو يعذبُ بمرضٍ، كلا فإن أشدَ العقاب أن يقّسي اللهُ قلبَ هذا المجرم، وأن يطبعَ اللهُ على فؤاده، وأن يبتليهِ سبحانَه وتعالى بالصدِ عن سبيلِه، أو يزيدَه سبحانَه وتعالى، لأنَه هو الذي زاد ضلالاً وحياداً عن الله: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ.

قال بعضُ الصالحين وقد ذهب إلى صلاةِ الجمعةِ فانقطعت حذاءُه، قالوا مالك؟ قال تذكرتُ أني ما اغتسلتُ للجمعةِ فانقطعت حذائي، قال ابن تيمية تعليقا عليه: قللوا الذنوبَ فعرفوا من أين يأتونَ.

هم قللوا الذنوبَ والخطايا فعرفوا من أين يأتونَ من الذنوب، فلما أكثرنا الذنوبَ والخطايا ما ندري من أين نصاب، بالهموم، بالغموم، بالأحزان، بفسادِ الأبناء.

وليست النعمةُ في مفهومِها عند عقلاءِ المسلمينَ أن تُكثرَ الأرزاقُ، نعم هذه نعمة، لكن النعمةُ أن نستقيمَ مع الله، وأن نتجَه إلى الله، وأن نحسن معاملتَنا نع الله.

وإلا لو كانت النعمة بهذا المفهوم لكان الكفارُ أكثر منا قصورا ودورا وذهبا وفضة وجاها ومناصبا وأموالا وأولادا، لكن لا والله: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ.

ما آتاكَ من نعمةٍ فواجبُك أن تشكُرها بثلاثِ مقاصد:

وجبها الأول:

أن ترددَ على لسانِك الحمد لله، فإنها تملئُ الميزان، وإن سبحانَ اللهِ والحمد لله تملئُ ما بين السماءِ والأرض، ويعجبُ ربُك إلى العبدِ إذا قال الحمد لله، وأولُ ما يدخلَ الجنةَ الحامدون الذين يحمدونَ اللهَ في السراءِ والضراء.

ضاعَ فرسُ لجعفر الصادق فقال: واللهِ لأن ضفرتُ بفرسي لأحمدنَه سبحانَه وتعالى بمحامدٍ ما حمدَه بها إلا أوليائُه وأحبائُه.

فلما وجد الفرسَ قال الحمدُ لله.

قال أبنائُه أين المحامد؟

قال وهل أبقت الحمدُ لله بمحامدَ بعدَها.

ولذلك قال عز من قائل: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ.

فواجبُك أن ترددَ الحمدَ دائما على لسانِك ليبقي عليك اللهُ النعمةَ؛

البس ثوبَك إن كنت مسلما وقل الحمدُ لله.

وكل طعامَك وقل الحمدُ لله.

وأشرب شرابَك وقلِ الحمدُ لله.

وقم من نومِك وقلِ الحمدُ لله الذي أحيانا بعد ما آماتنا وإليه النشور.

وكلَ ما لمعَ لك لامعُ من النعمة، وكلَ ما لمحَ لك لامحُ من الجميل فقلِ الحمدُ لله يبقي اللهُ عليكَ النعمة.

ووجبُها الثاني:

أن تعتقدَ بقلبِك وأن تتصورَ أن ما آتاكَ من النعيم إنما هو من الله لا من الناس، وما صُرف عنك من العذابِ ومن المصائبِ إنما صُرفَ عنك من اللهِ عز وجل.

يقول ابن مسعودٍ رضي اللهُ عنه في كلامٍ ما معنَاه: إن من الإزراءِ والنكران أن ينعمَ اللهُ عليك بنعيمٍ فتقولَ هذا بسببِ فلان، أو يصرف اللهُ عنك سوءً فتقولَ هذا بسببِ فلان، واللهِ ما أتى من نعيمٍ ولا صُرف من عذابٍ إلا بتقديرِ اللهِ ورحمتِه سبحانَه وتعالى.

أوحى اللهُ سبحانَه وتعالى إلى داودَ عليه السلام، فقال داودُ إلى ربِه في أثناءِ الكلامِ: يا ربي أنعمت علي بنعمٍ ظاهرةٍ وباطنةٍ فبأي لسانٍ أشكُرك؟

قال اللهُ عز وجل: يا داود أتدري أن هذه النعمُ مني؟

قال نعم يا ربي.

قال إن علمتَ بذلك فقد شكرتني.

قال يا رب إني أريدُ أن أشكركَ بالعمل.

قال يا داود تقرب إليَ بما استطعت من عمل.

في كتبِ التفسيرِ أنه عليه السلام جمع آل داود، أتدرون كم كان عددُهم؟

قيل أن عددُهم ما يقاربُ ثلاثينَ ألفا، وهم الملوكُ في بني إسرائيل، فيهم الملكُ كابرا عن كابر ومنهم سليمان ابن داود، فجمعَهم أعماما وأخوالا وأبناءً وأقاربَ حتى ملئوا الُشرفاتَ في بيت المقدس، فقال داودُ وهو يبكي:

يا آل داود إن اللهَ أنعم علينا نعما ظاهرةً وباطنة، فعليكم بطاعةِ الله، فواللهِ إن لم تطيعوه ليسلبنَه اللهُ منكم.

قالوا ماذا نفعل؟

قال قسموا ساعةَ الليلِ والنهار فليكن منكم في كلِ ساعةٍ من ليلٍ أو نهارٍ مصلين وصائمينَ وذاكرين ومستغفرين.

فقسمَ عليهم الساعاتَ في الليلِ والنهار فكان منهم قومُ يسبحون، وقومُ يستغفرون، وقوم يصلون، وقوم يصومون، فقال الله سبحانَه وتعالى في كتابِه: اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ). وقليلُ من الناسِ الشكور.

إذا فواجبُ النعمةِ الثاني أن تعتقدَ أنها من عندِ الله، وأن ما ساقَ اللهُ لك من نعمةٍ إنما هو بقضاءِ اللهِ وقدرِه، ما ساقهُ أحدُ من الناس فوالله لو اجتمعَ الناسُ على أن ينفعوكَ بشيءٍ لم ينفعوكَ إلا بشيءٍ قد كتبَه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروكَ لن يضروكَ إلا بشيءٍ قد كتبَه الله عليك، رفعتِ الأقلامُ وجفت الصحف، فالقضاءُ من عنده والقدرُ من عنده سبحانَه وتعالى.

والواجبُ الثالثُ:

أن تظهرَ آثارُ النعمةِ عليك بالعملِ وبالتجملِ، فإذا أنعم اللهُ عليك بنعمةٍ فإنَه يحبُ سبحانَه وتعالى أن يرى أثرَها عليك، أنعمَ عليكَ بمالٍ فألبس من الجمالِ ما يرى الناسُ أن اللهَ سبحانَه وتعالى أنعم عليك بنعيم، لا تزري بربِك سبحانَه وتعالى، لا تشكوه ملبسِك أو بمسكنِك أو بمركبِك، فكأنكَ تقول ما أعطاني اللهُ شيء: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ، بلسانِك وبفعلِك.

ولذلك صح عنه (صلى اللهُ عليه وسلم أنه يقول: أن اللهَ إذا أنعم على عبدٍ أحب أن يرى أثر نعمتَه عليه.

والواجب الرابع:

أن تستغل هذه النعمةُ في مرضاتِه سبحانَه وتعالى.

أسأل اللهَ لنا ولكم التوفيقَ والهداية، والرشدَ والسداد، وأن يستغلَنا بنعمتِه في طاعتِه، وأن يجعلنا ممن إذا أُنعمَ عليه شكر، وإذا ابتليَ صبر، وإذا أذنب استغفر.

وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.


الشيخ :


عائض بن عبد الله القرنـــي










قديم 2010-08-09, 15:34   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
أحمد أبو عبد الرحمن
عضو محترف
 
الصورة الرمزية أحمد أبو عبد الرحمن
 

 

 
الأوسمة
وسام التميّز بخيمة الجلفة وسام العضو المميّز في منتديات الخيمة 
إحصائية العضو










افتراضي


بسم الله الرحمن الرحيم
هلموا إلى القرآن

الحمد لله القائل ( إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سراً وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور ) أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة" صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً

يا خادم الجسم كم تسعي لخدمته *** أتعبت نفسك فيما فيه خسران
أقبل على الروح واستكمل فضائلها *** فأنت بالروح لا بالجسم إنسان

عباد الله وأنتم تعيشون شهر القرآن اتقوا الله واعلموا أن لكل رسول من الرسل عليهم الصلاة والسلام معجزة اِختُصَّ بهذه المعجزة من بين الرسل ليصدقه قومه وليعلن التوحيد فيهم بالبراهين فكان لموسى عليه السلام معجزة العصا يوم خرج في قوم بلغوا في السحر ذروته ومنتهاه فأتت عصاه تلقف ما صنعوا فوقع الحق و بطل ما كانوا يعملون وبلغ قوم عيسي مبلغاً عظيماً في الطب فأتي إليهم عيسي بطب من الواحد الأحد يبرأ الأكمة والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله فوقع الحق و اندحر الباطل و أما رسولنا صلى الله عليه وسلم فبعث في أمة فصيحة في لغتها مجيدة في بيانها خطيبها أخطب الخطباء و شاعرها أرقى الشعراء فأتي إليهم صلى الله عليه و سلم بالقرآن سمعوه فدهشوا من بيانه و بهتوا من بلاغته و فصاحته فما استطاعوا أن ينكروا ذلك رغم جحودهم حتى يقول كبيرهم [الوليد بن المغيرة] و قد سمع القرآن فدهش يقول واللات والعزة إن له لحلاوة و إن عليه لطلاوة و إن أعلاه لمثمر و إن أسفله لمغدق و أنه يعلو و لا يعلى عليه ،لا إله إلا الله
الحق يعلو و الأباطل تسفل *** والحق عن أحكامه لا يُسأل
و إذا استحالت حالة و تبدلت *** فالله عز وجل لا يتبدل .
مازال به قومه بـ[الوليد] حتى رجع عن مقالته وكذب نفسه فيما قاله عن القرآن فقال منتكساً إن هذا إلا سحر يؤثر ويتولى الله الرد عليه ويعنفه و يتهدده ( سأصليه سقر وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر ) ويأتي الرسول صلى الله عليه وسلم لِيُرَبِّي هذه الأمة على هذا الكتاب العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه ( تنزيل من حكيم حميد ) فتربت الأمة و تهذبت وأصبح عابد الأصنام قزما حماة البيت والركن اليماني تربت على كتاب ما قرأه قارئ إلا آجره الله .
ما تدبره متدبر إلا وفقه الله . كتاب مَن حكم به عدل من أستمع إليه استفاد مَن اتعظ بمواعظه انتفع . كتاب من قرأه علمه الله علم الأولين و الآخرين ، كتاب من استنار بنوره دخل الجنة و من تقفاه وجعله خلف ظهره قذفه على وجهه في النار كتاب من تدبره أخرج النفاق و الشك و الريبة من قلبه هو شفاء لما في الصدور مَن التمس الهداية فيه هداه الله و سدده و من التمس الهدى من غيره أضله الله وأهانه الله ( ومن يهن الله فما له مِن مُكْرِم ) يقول شيخ الإسلام [ابن تيمية] رحمه الله من اعتقد أنه سيهتدي بهدى غير هدى الله فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ويقول جل ذكره ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ) والمعني ما بهم لا يتدبرون ما فيه من العظات ما بهم لا يعيشون مع الآيات البينات والجواب رانَ على قلوبهم فأقفلت فلا تسمع وأوصدت فلا تنتفع ولو أنها تدبرت لفهمت كلام ربها فاهتدت بهدى باريها ويقول تعالى ( أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ) والاختلاف الكثير تجده في الكتب غير كتاب الله عز وجل أما كتابه ( فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) من قرأه بارك الله في عمره و بارك في ولده و بارك في ماله و من أعرض عنه محق الله عمره و أزال هيبته و أفنى كابره وصاغره و جعل معيشته ضنكا و حشر يوم القيامة أعمى ولذلك كان عليه الصلاة والسلام ينادي الناس جميعاً لقراءة القرآن والتلذذ بتلاوته و إلا يهجروه فيقول صلى الله عليه وسلم "اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه" يأتيك القرآن يوم القيامة فيشفع لك عند من أنزله وعند من تكلم به في يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة فيدخلك الجنة بإذن الله تعالي ويقول صلى الله عليه وسلم "يؤتى بالقرآن وبأهله الذين كانوا يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران تحجان عن صاحبهما يوم القيامة" متفق عليه . ويقول النبي صلى الله عليه وسلم "اقرؤوا الزهراوين؛ البقرة وآل عمران فأنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما فِرقان من طير طواف تحاجان عن أصحابهما" "أقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا يستطيعها البطلة" يعني السحرة رواه [مسلم] . إن في سورة البقرة آية الكرسي من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظا ولا يقربه شيطان حتى يصبح ، يقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يفاضل بين الناس : "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" علامة الصدق والإيمان كثرة قراءة القرآن وعلامة القبول تدبر القرآن ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم : "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين" قال [عمر بن الخطاب] رضي الله عنه لأحد ولاته على <مكة> وقد ترك <مكة> ولقيه في الطريق : كيف تركت <مكة> وأتيتني قال : وليت عليها فلاناً يا أمير المؤمنين قال و من هو ذا قال مولى لنا وعبد من عبيدنا قال [عمر] ثكلتك أمك تولى على <مكة> مولى قال يا أمير المؤمنين إنه حافظ لكتاب الله عالم بالفرائض فدمعت عينا عمر وقال صدق رسول الله "إن الله ليرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين" يرفع الله به من اتبعوه وتدبروه ويضع من أعرضوا عنه فلم يقرءوه ولم يتدبروه ولم يعملوا به والعجيب أن تسمع من بعض هذه الأمة من يقول لأخيه وهو يحاوره والله ما قرأت القرآن ستة أشهر لا إله إلا الله أي قلب يعيش وهو لم يمر بكتاب الله ستة أشهر وهو يمر بالصحف اليومية والمجلات والقيل و القال والخزعبلات وآراء الماجنين والماجنات ( ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين ) يقول الله عز وجل على لسان رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ( وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ) يقول [ابن عباس] ـ رضى الله عنه وأرضاه ـ مَن لن يختم القرآن في شهر فقد هجره ، و هَجْرِ القرآن على أَدْرُبْ ، مِن الناس مَن يهجر العمل به و تلك والله هي الطامة و منهم من يهجر تلاوته فيقدم صحف البشر و مؤلفات البشر على كلام رب البشر يسهر على المذكرات يعللها ويلخص فوائدها وليس بها فوائد لكن كتاب الله يشكوه إلى الله كتاب الله يشكونا ، هجرناه وأهملناه وضيعناه وخالفنا أوامره و نواهيه ، قرآننا سار يشكو ما قرأناه ، عميٌ عن الذكر والآيات تندبنا لو كلم الذكر جلمودا لأحياه يقول صلى الله عليه وسلم يستثير الهمم لتطلب الأجر والثواب من عند باريها يقول صلى الله عليه وسلم : "اتلوا القرآن فإن الله يأجركم على تلاوته كل حرف بحسنة والحسنة بعشر أمثالها أما إني لا أقول ألف لام ميم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف" فعُدَّ يا عبد الله واقرأ واحتسب الأجر عند الله فإنك تأتي يوم القيامة وقد نصب لك في الجنة سلما بدرجات يقول الله لك بلا ترجمان اقرأ وارتق ورتل فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها فمن كان يقرأ في القرآن كثيرا رقى حتى يصبح كالكوكب الدري في سماء الجنة ثم هم على منازل هم درجات عند الله والله بصيرٌ بما يعملون ، عباد الله من حفظ القرآن فقد استدرج النبوة بين جنبيه غير أنه لا يوحي إليه ، لا حسد في الدنيا ولا في مناصبها ولا في أموالها لا حسد إلا في تلاوة القرآن آناء الليل وأطراف النهار ، بيت لا يقرأ فيه القرآن عششت فيه الهموم و الغموم والنفاق بيت سكنته المعاصي و والله لا يخرجها إلا القرآن وليس كل المؤمنين يجب عليهم قراءة كل القرآن كاملاً فمنهم من لا يقرأ القرآن وهو تقي عابد بار صالح خير لأنه لا يقرأ أصلاً فواجب مثل هؤلاء الذين فاتتهم القراءة أن يردد ما تيسر من سور يحفظونها وأن يسبحوا الله ويحمدوا الله و يهللوا و يكبروا و يصلوا على رسول الله ويتعلموا القرآن و إن شق عليهم فإن لهم أجرين عند الله ، كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعيش مع القرآن بل كتابه الذي تربي عليه القرآن ، لم يكن عند الصحابة مؤلفات ولا صحف ولا مجلات ، معهم القرآن معلق في طرف البيت و السيف معلق في الطرف الأخر هم يمشون على الأرض وكل واحد منهم قرآن ، فتحوا الدنيا بآيات الله البينات وهذه معجزة رسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يأتي بكتاب فيتوارث منه العلماء مجلدات ومجلدات تملأ البيوت والمكتبات في كل الدهور والعصور .
أتى النبيون بالآيات فانصرمت *** وجئتنا بعظيمٍ غير مُنْصَرِمِ
آياته كلما طال المدى جُدُدُ *** يَزِيِنُهُنَّ جلالِ العِتْقِ والقِدَمِ

فيا أمة القرآن ويا حفظة كتاب الله من يقرأ القرآن إن لم تقرءوه من يتدبره إن لم تتدبروه من يعمل به إن لم تعملوا به أما سمعتم أساطين الكفر في كل مكان بدأوا الآن في الدخول في دين الله ظرافات ووحدانا بعد أن قال القرآن فيهم ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفى أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) في وقت يخرج منه أبناء هذا الدين . الموازين عطلت وغدا القرد ليثا وأفلتت الغنم .

عباد الله ، ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد كان يحب سماع القرآن كيف لا وهو كلام الله عز وجل ولذلك يقول لـ[ابن مسعود] كما في الصحيحين : " يا عبد الله اقرأ علىّ القرآن فيخجل عبد الله ويستحي من شيخه صلى الله عليه وسلم ويقول كيف أقرأ القرآن عليك وعليك أنزل ، قال : اقرأ فإني أحب أن أسمعه من غيري قال : فاندفعت أقرأ في سورة النساء فلما بلغت قول الله ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ) قال حسبك حسبك ، فنظرت فإذا عيناه ـ صلى الله عليه وسلم ـ تذرفان" تأثر من كلام الله الذي يقود النفوس إلى باريها وتذكر ذاك اليوم الذي يكون فيه شهيدا على العالمين و ها هو صلى الله عليه وسلم يخرج بعد ما أظلم الليل يمر ببيوت الأنصار يستمع لحالهم في الليل يوم كانت بيوتهم حية بكتاب الله ، يوم ما ماتت بالأغاني والتمثيليات والمسلسلات والأفلام ، يوم كان ليلهم تعبداً هم فيه سجداً يمر ببيت [أبي موسى] فينصت لأبي موسى وهو يقرأ القرآن فلما جاء اليوم الثاني" قال يا أبا موسى لو رأيتني البارحة و أنا أستمع لك لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود فيقول يا رسول الله أإنك كنت تستمع لي البارحة ، قال إي والذي نفسي بيده . وفى بعض الروايات أنه استمع ـ صلى الله عليه وسلم ـ له من صلاة العشاء حتى صلاة الفجر يقول [أبو موسى] يا رسول الله والذي نفسي بيدي لو أعلم أنك تستمع لي لَحَبَّرْتُهَ لك تَحْبِيِراً أي جودته وحسنته تحسيناً فانظروا كيف كان صلى الله عليه وسلم يعيش مع القرآن وللقرآن ، و كيف كان صحابته رضوان الله عليهم ها هو [عثمان] ـ رضى الله عنه ـ كان ينشر المصحف من بعد الفجر إلى صلاة الظهر يقرأ ودموعه تنهمر على كتاب الله فيقول له الناس لو خففت عن نفسك قال أما والله لو طهرت قلوبنا ما شبعنا من القرآن .
والذي نلاحظه يا عباد الله في أنفسنا وإخواننا المسلمين عامة هو قلة الاهتمام بكتاب الله والإعراض عن كتاب الله والاستغناء بكتب البشر و الصدود والإعراض إلا ممن رحم الله و قلة التجويد حتى في بعض أئمة المساجد و قلة الحفظ والتدبر وكثرة المشاغل حتى بين طلبة العلم لا تجدوا إلا القليل النادر ممن يحفظ القرآن أو يحفظ بعضه و إذا كلف أحدنا بحفظ شيئاً من القرآن استصعب ذلك حتى كأن جبال الدنيا على كاهله و معنى ذلك هزيمة الإسلام و المسلمين وذهاب الإيمان فوالله لا نصر و لا تمكين و لا عزة إلا بهذا القرآن و الله متى تركناه و نسيناه ابتلينا بكل خزيٍ وفضيحةٍ في الدنيا والآخرة .

يقول أحد أعداء الإسلام من لي بمن يخرج القرآن من صدور أبناء الإسلام فيرد أحد الأشقياء ويقول نأتي إلى المصحف فنمزقه قال لا لا ينفع نريد أن نمزقه من قلوبهم وقلوب أبنائهم .
و يقول عدو أخر للإسلام ثلاث ما دامت عند المسلمين فلن تستطيعوا إخراجهم من دينهم ؛ القرآن في صدورهم والمنبر يوم الجمعة والكعبة التي يرتادها الملايين من المسلمين فإذا قضي على هذه قضي على الإسلام والمسلمين و لذلك جاء أعداء الإسلام يهودٌ وأذنابهم من شيعة و باطنيين ورافضة جاءوا إلى القرآن فهونوا من شأنه ، و قالوا إنه مختلق ، بل اِدَّعُوا نقصه فعلماؤهم لا يحفظون من كتاب الله إلا القليل وعالمهم أقصد عالم الرافضة لا يعرف قراءة القرآن ( يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون ) وأتوا إلى منبر الجمعة فأرادوا تعطيله ليتحول إلى مناقشة قضايا تافهة لا تمت إلى الإيمان بصلة ( وما كيد الكافرين إلا في ضلال )
فيا أيتها الأمة المسلمة يا من أخرجها الله من الظلمات إلى النور أقبلوا على بيوتكم وقلوبكم وأبنائكم أقبلوا عليها بتغذيتها بكتاب الله ، استرشدوه يرشدكم ، تدبروه يعينكم بإذن الله ، استهدوه يهدكم من أنزله ، يغفر الله لكم ذنوبكم ما تقدم منها وما تأخر يحيي بيوتكم على الإيمان يردكم إليه رداً جميلاً ، هذا شهر القرآن هذا شهر التلاوة هذا شهر مضاعفة الأجور إقرأوا فيه القرآن فإن الله يأجركم على تدبره وتلاوته والنظر فيه ملأ الله بيوتكم رحمة وبركة وهداية ونورا وقلوبكم وملأ صدوركم إيمانا ويقينا وخيرا وبرا عاشروا القرآن جالسوا القرآن ليعظم في قلوبكم القرآن اللهم أعنا على تلاوة كتابك آناء الليل وأطراف النهار اللهم اجعلنا ممن يقرأوه فيقودهم إلى جنان النعيم اللهم و تقبل منا رمضان صيامه وقيامه وتلاوته وصدقته وكل عمل صالح فيه إنك على كل شيء قدير أقول ما تسمعون وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانيةالحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا لإله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وصحبه والتابعين له بإحسان وسلما تسليماً كبيراً أما بعد عباد الله ، شهر رمضان هو شهر القرآن و أنتم أمة القرآن وحملة القرآن ينبغي أن تُعْرَفوا بليلكم إذ الناس ينامون وبنهاركم إذ الناس يكدون و يلهون و يلعبون وببكائكم إذ الناس يضحكون وبورعكم إذ الناس يخلطون وبتواضعكم إذ الناس يختالون وبصمتكم إذ الناس يخوضون وبحزنكم إذ الناس يفرحون لسان حال الواحد منكم يخاطب نفسه ويقول :
وَيْحُكِ يا نَفْسُ أَلاَ تَيَقَّظِي *** للنفع قبل أن تذل قدمي
مضى الزمان في ثوانٍ وهوى *** فاستدركي ما قد بقي واغتنمي
أُمَّة القرآن ، لتلاوة القرآن آداب نقف عندها وقفات قصيرة عل الله أن ينفع بها و أولها بل جماعها أن من قرأ رياء أو سمعة كبه الله على وجه في النار.
في الصحيح أنه صلي الله عليه وسلم قال "يؤتي بحامل القرآن رياء فيقول الله له ماذا عملت قال تعلمت فيك القرآن وعلمته قال كذبت وإنما تعلمت ليقال عالم وقرأت ليقال قارئ فقد قيل ثم يُأْمَرُ به فيسحب على وجهه حتى يلقي في النار" فلا إله إلا الله لا يُقْرَأ القرآن إلا لوجه الله فأخلص النية في قراءته تؤجر وتثاب وتكون مع السفرة الكرام البررة و يشفع لكم يوم القيامة فيقول للعبد يا رب أي منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفع فيه القرآن ومن آداب التلاوة أن يقرأ على طهارة لأن ذلك من تعظيم كلام الله عز وجل فإذا تتطهر العبد فليرتل وليتدبر القرآن ولا يقرأه في أماكن مستقذرة أو في جمع لا ينصت فيه له لأن قراءته في مثل ذلك إهانة له والقرآن منزه عن ذلك لأنه كلام الله وليستعذ القارئ بالله من الشيطان الرجيم عند القراءة فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ولتحضر قلبك عند تلاوة القرآن ولتعلم أن الذي أنزل القرآن هو الذي خلق الأنس والجان فامتثل أمره واجتنب نهيه و لا ترفع صوتك إن كان حولك من يصلي أو يتلو فتشوش عليهم و هذا ما يقع فيه البعض و هو من علامة الجهل و عدم الفقه في الدين يأتي أحدهم ليقرأ فيرفع صوته ليشوش على المصلي في صلاته وعلى التالي في تلاوته وعلى الذاكر في ذكره وكأن ليس في المسجد سواه ، أَلاَ إن كان بجانبك من يستمع منك فلا بأس أن تسمعه وإن كان بجانبك مصلي فإياك أن ترفع صوتك لأَلاَّ تُشَوِّشْ عليه واسمع للمصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم يخرج على الناس وهم يصلون ويجهرون بالقراءة فيقول "كلكم ينادي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض لا يؤذي بعضكم بعضا" أو كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ و اسمع إلى [الإمام مالك] ـ عليه رحمة الله ـ يوم يقول أرى في من يرفع صوته ويشوش على المصلين أن يُضْرَْب ويُخْرَج من المسجد ومن آداب التلاوة أن يكون للعبد المسلم حزب من القرآن فأكثر لا يَفْتُرْ عنه يومياً لو تغير كل شيء في الكون ما تغير عن حزبه فهو علامة الإيمان ألا فليكن لكل واحد منا في كل يوم حزب لا يتركه أبداً لتعظم الصلة بالقرآن و لرب القرآن و الإنس و الجان و مِن آدابه أن يُعَلَّم الناس ما تعلمناه منه و حظنا من تعليمه الأجر و المثوبة و نبدأ بتعليم أبنائنا وبناتنا و إخواننا و أمهاتنا و آبائنا فهم رعايانا نحن عنهم مسئولون وأمام الله محاسبون "و ما من راع استرعاه الله رعية فبات غاشاً لهم إلا حرم الله عليه رائحة الجنة" و من أعظم الغشَّ ألا تعلم من استرعاك الله عليه القرآن ويا من حمل القرآن إياك إياك أن تخالف أمره فإن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول فاسمع "يُمَثَّلُ القرآن يوم القيامة رجلا فيؤتى بالرجل قد حمله فخالف أمره فيُمَثَّل له خَصْما و من لا يُخاصِمُ القرآن فيقول القرآن يا رب حَمَّلْتَه إياي فبئس الحامل تعدى حدودي وضيع فرائضي وركب معصيتي وترك طاعتي فما يزال يخلف عليه بالحُجَجِ حتى يقال شأنك به فيأخذه بيده فما يرسله حتى يكبه على وجهه في النار" نعوذ بالله من النار يا أمة القرآن في شهر القرآن قفوا عند أحكام القرآن و اتلوه في كل حين وآن فهو شافع مشفع مَن جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار و بئس القرار ألا يا أمة القرآن و إن مما دعاكم له القرآن أن تنفقوا في سبيل الله مما رزقكم و جعلكم مستخلفين فيه و أنتم في شهر الإنفاق و في شهر الصدقة و قد قال ـ صلي الله عليه وسلم ـ "أفضل الصدقة صدقة في رمضان" فيا أخي الصائم للصدقة في رمضان مزية وخصوصية ليست في غيره فبادر إليها فلعلك لا تدرك رمضاناً آخر . أطعم الطعام لتكن ممن امتدحهم القرآن ( ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً ) و اسمع إلى المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم يقول "أيما عبد مؤمن أطعم مؤمنا على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة ومن سقى مؤمنا على ظمئ سقاه الله من الرحيق المختوم" فلا إله إلا الله ما أعظم الأجر وما أيسر العمل على من يسره الله عليه ويقول صلى الله عليه وسلم "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر أشمل منه فلا يرى إلا ما قدم وينظر أمامه فلا يرى إلا النار فاتقوا النار و لو بشق تمرة فاتقوا النار و لو بشق تمرة" ويقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ "من فطر صائماً كان له مثل أجره لا ينقص من أجره شيء و من سقى صائماً سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ من بعدها حتى يدخل الجنة" لا إله إلا الله هبت رياح الجنة في رمضان فاغتنموها يا عباد الله ألا لا يخرج أحد من بيت الله هذا إلاَّ و قد فَطَّرَ في أقل القليل عشرة من الصيام أو أقل أو أكثر وكل صائم بعشرة ريالات والجزاء من أكرم الأكرمين توضع هذه في صناديق موجودة على يمينك و يسارك وأنت خارج من هذا المسجد و ستقوم الهيئة بجمعها وإرسالها فوراً فبادر أيها الصائم إلى الغنيمة الباردة ضيوفك اليوم عشرة صائمين أو أقل أو أكثر و الأجر من أكرم الأكرمين لك مثل أجرهم لا ينقص من أجرهم شيئا و كل على قدر استطاعته
الله أعطاك فابذل من عطاياه *** فالمال عارية والعمر رحال
ويا أهل الخير في هذا المسجد وكلكم أهل خير أطفال أيتام توجد استماراتهم في مكاتب الهيئة هنا كفالة الواحد منهم في العام ألف ومائتا ريال ينتظرون من يكفلهم بادروا إلى كفالتهم ولكم الجنة من أكرم الأكرمين والضمين رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ القائل "أنا و كافل اليتيم كهاتين في الجنة" ألا لا يأتين أحدكم يوم القيامة وخصمه أحد هؤلاء يقول يا رب عُرِضت عليهم في يوم كذا في مسجد كذا فتركوني فخذ لي بحقي منهم عباد الله أقرءوا القرآن و تصدقوا قبل ألا تتصدقوا ، و كل يوم جمعة في رمضان سيكون لفقراء المسلمين معكم لقاء ، لقاء ضيافة و الجزاء من أكرم الأكرمين فاحتسبوا الأجر و الثواب ممن يرزق الطير تغدو خماصا و تعود بطانا أطعمكم الله من ثمار الجنة وسقاكم من الرحيق المختوم ألا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد فقد أمرتم بالصلاة عليه ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً ) اللهم صل وسلم على عبدك و رسولك محمد و على آله وصحبه و التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم اجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهلك و خاصتك اللهم شَفِّع فينا القرآن اللهم ارفعنا بالقرآن اللهم أحينا على الإسلام و الإيمان و القرآن و توفنا على الإسلام والإيمان و القرآن اللهم اجعلنا ممن يأخذ بيده القرآن إلى رضوانك والجنة ونعوذ بك أن يكون القرآن خصماً علينا يوم الوقوف بين يديك اللهم اجعلنا ممن يقيم حدوده ويعمل بأوامره ويتلوه على الوجه الذي يرضيك عنا اللهم اجعلنا لكتابك من التالين ولك به من العاملين و إلى لذيذ خطابه مستمعين وبما فيه من الحكم معتبرين اللهم انفعنا بما فرجت به من الآيات وكفر عنا به السيئات وارفع لنا به الدرجات وهون علينا به السكرات عند الممات اللهم و أوجب لنا به الشرف و المزيد و ألحقنا بكل بر سعيد و وفقنا جميعاً للعمل الصالح الرشيد اللهم إنا عبيدك بنو عبيدك بنو إمائك نواصينا بيدك ماضٍ فينا حكمك عدل فينا قضاؤك نسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا و نور صدورنا وجلاء أحزاننا و ذهاب غمومنا و همومنا. و سابِقَنَا ودليلنا إليك و إلى جنانك جنات النعيم اللهم ألبسنا به الحلل و أَسْكِنَّا به الظلل و ادفع به عنا المقن و اجعلنا به عند الجزاء من الفائزين و عند النعماء من الشاكرين وعند البلاء من الصابرين و لا تجعلنا ممن استهوته الشياطين فشغلته بالدنيا عن الدين فأصبح من الخاسرين وفى الآخرة من النادمين برحمتك يا أرحم الراحمين اللهم و اجعلنا من المنفقين المبتغين جنة عدن بحورها العين اللهم تقبل منا صيامنا و قيامنا و سائر عملنا اللهم لا تصرف هذا الجمع إلا بذنب مغفور و عيب مستور و عمل مقبول و تجارة لن تبور اللهم لا ترُدَّ هذا الجمع خائبين اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم و تب علينا إنك أنت التواب الرحيم اذكروا الله يذكركم و اشكروه على نعمه يزدكم و لذكر الله أكبر و الله يعلم بما تصنعون .



فضيلة الشيخ / علي عبد الخالق القرني









قديم 2010-08-09, 16:22   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
سرور.
عضو برونزي
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيكم و جزاكم عنا كل خير..........










 

الكلمات الدلالية (Tags)
..افدونا, .خطبة.محاضرة.غيرت, افضل, شيئا, قلبك


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 17:00

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc