على حـواف الـوداع - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الأخبار و الشؤون السياسية > صوت فلسطين ... طوفان الأقصى

صوت فلسطين ... طوفان الأقصى خاص بدعم فلسطين المجاهدة، و كذا أخبار و صور لعمية طوفان الأقصى لنصرة الأقصى الشريف أولى القبلتين و ثالث الحرمين الشريفين ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

على حـواف الـوداع

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-12-21, 21:44   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عصام الجيجلي
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية عصام الجيجلي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي على حـواف الـوداع

بسم الله الرّحمن الرّحيم





على حـواف الـوداع





تعالت شهقات ذاك الصّباح الصّيفيّ الصّاخب.. فارتخت لتتلاشى في سماء ملبّدة بصفاء منغّص..تثاءبت الجراح معلنة عن ميلاد جرح آخر أقبل ليملأ جرّته بالخطوب ويرحل..ثم يلتئم أو يتقرّح في الأخير كرقم على ورق ..
إنّها القدس، بمبسمها الفتّان الغائر في سحنة الحسن، إذ تقابلها ملامح التّاريخ ذاهلة حيرى ، ككلّ يوم تصحو بابتسامة أخّاذة تطبق على أنين خافت..
هي ثورة معتّقة في شرايين الحبّ ..على خلاف كلّ مدينة..تكتحل بالألم وتتخذ الجراح أوشاما فلا تزيدها إلّا حسنا وبهاء..

هي ذي كما هي دائما منذ العصور البائدة وأبدا حتّى النّهاية تشرق لتزاحم شمسا تكاد تنطفئ غيرة وغيظا..إذ لهذه الأرض شمسان : شمس وقدس..تلك تظلّل السّماء لتخبو، وهذه تتألّق شاهقة دوما، تسبل حسنها ذوائبا تتدلّى نحو السّماء، تتنعّم في بركات الله و تتأنّق وهي تسدل الرّموش على الأقصى المتربّع بشموخ على عتبات أحداقها يتحدّى اللّؤم اللاهث عند أطراف صموده، أو ربّما تنصت لهمس المكبّر ..أو تطرق خجلى أمام غزل جبل الزّيتون وذهول جبل المشارف أمام حسنها..

****


أوصد باب بيتهم واستدار نحو حتفه.. تعانقه كوفيّة تناثر عليها سواد يشبه حلكة عينيه، وبياض يعكس نور وجهه القمحيّ، وجموح عارم يشدّ تلابيب غيظه..
أرسل خطوات وئيدة متثاقلة و راح يهشّ دواخل نفسه، ويدحرج على عجل 26 سنة هي سنوات عمره قرّر أن يسفكها من أجل القدس..!
لم يكن بحاجة لتفكير عميق حتّى يحسم أمره، ولم يجد أيّ صعوبة في اتّخاذه، أليس هو التّواق دائما لموعد مقدّس يجمعه بالغزاة؟ موعد بالتأكيد سيخلفه الحجر عكس كلّ مرة، فقد كان عليه أن يتجاوز أسطورته إلى شيء آخر، المهم أن يقطف حنظل أرواحهم الدنسة وليكن بعدها ما يكون..
منذ طفولته يعيش بمحاذاة الانتهاك..يمر عليه كلّ يوم لتلطخه أوحاله..الانتهاك خبزهم وكلّ يومهم وهو أوّل ما يسبق نور الصّباح إلى أبصارهم..!
ما أتعسها من حياة..!حياة على أطراف هويّة مشؤومة تختزل بذاتها كلّ معاني القهر، وتحكي بزرقتها المقيتة أسطورة السّرقة والاختلاس..
هنا في القدس كلّ شيء يسرق، الأرض والهوية، الحياة والموت، المقدسات والتاريخ، الماء والهواء، وحتّى الأسماء والأنفاس تسلب..! كلّ شيء هنا مضرج بجريمة أو على الأقلّ بخدوش خلّفتها نذالة عابرة..

عن أيّ جرم تراه سينتقم؟ أللغربيّة التي اغتصِبت عام الغدر؟ أم للشّرقية المسلوبة في خيبة حزيران؟ أم تراه سينتقم عن تسميات خبيثة طوت الانتماء وغيّبت الحقوق؟
وماذا عن الهويّة التي مزّقت ونثرت أشلاؤها في مهبّ الضّياع، ثمّ رقّعت بنصفٍ ممسوخ لهويّة أخرى..تخضع لمزاج الغزاة يسحبونها انّى شاؤوا ..فيجبرون على التشبث بها ليتنعّموا بظلال أسوار القدس..

ماذا عن الأقصى المفجوع بهول الخيبات؟ المحاصر بالعجز والخذلان قبل أن يحاصره الحقد..ماذا عن دماء الشهداء وقوافل المهجرين..وأحلام غضّة فتيّة غارت بين جدران الزّنازين..ما أكثر جرائمهم، وما أعمق جراحه التي لا تلتئم، كلّها أبواب مشرعة أمام نكئهم المستمرّ، يذهبون ويجيئون ليثخنوا الجراح جراحا..!

و بأيّ جرم سينتقم؟.. ولم يبق له إلا الجرح والحجر، وبضع ذكريات حالكة متلكّئة..يتّكئ عليها عزمه وتميل عليها خلجاته الثّائرة..
لم تكن به حاجة لأن يتلقّى جرحا مباشرا أو طعنة غادرة منهم حتّى يعي فيستلّ خيار الموت أو يتلذّذ بالانتقام، إذ تكفيه تلك النسائم الذّابلة التي تخالط أنفاسه، آتية من كلّ ربع ومفشية عن أسى بالغ وقهر دفين، حسبه تلك الصّرخات المكتومة الهاربة من كلّ بقعة مباركة من هذه الأرض، مفصحة عن جريمة أو عن انتهاك يحدث، لقد شهد الاغتصاب المعلن أمام ملأ أخرس، لقد رأى كلّ تفاصيله، ولا حاجة به إلى من يترجم له أو يبصر عنه فيلقّنه، الوعي ملكة تكتسب ولا تلقّن أبدا..

قضي الأمر إذا..وهاهو ذا على حواف الوداع يتدفّق بهدوء بين شفة الحياة وهوّة الموت، لكم كان ييخشى الحواف ويكره الوداع..بل يخشاهما ويكرههما معا..أليست الحواف ذاك الخطّ الدّقيق الذي يفرّق دوما بين شيئين؟ كما هو الوداع تماما إذ يفرّق بين قلبين..!
لوهلة اكتشف انّ حياته وحياة كلّ المقدسيّين حواف..نعم ..فمنذ بدايات الخيبة وهم يعيشون على حواف الحياة وان فارقوها دفنوا على هوامش الموت!..منذ نعومة أظافرهم ينبتون على حواف الهوية..على حواف القدس .. مهدّدين بالسقوط في بؤرة اللاإنتماء والتّهجير، حتّى على "المحسوم "*يقفون على حواف الكرامة مطلّين على جحيم الإهانة والإذلال.. لا بأس إذن أن تكون هذه الحافة الأخيرة التي يقف عليها ليدفع بتجبر الأوغاد إلى أودية الضّعف والانكسار ويهوي هو في رحاب الشّهادة..!


كلّ شيء كان يغرّد له سعادة وحزنا ووداعا..الأرض والزّقاق، القباب والمآذن وحتّى الكنائس، النسائم والطير والشّجر وحتّى الحجر، القدس كلّها كانت مكسوّة بمنديل الوداع ..تبتسم له وهي تفلتُ الشّمسَ دمعةً متمرّدة تجتاح خدّ السّماء وترسل أشعّتها لتربت على عزائمه برقّة وحنان..


قبل لحظات كان يودّع أمّه بصمت، إذ كانت غارقة في حديثها الصّباحي الشّهي على طاولة الفطور، توصيه بحرص على أغراض ترجو أن يعود بها في نهاية دوامه.. وربّما تلقي ثرثرة حلوة عن مشاغلها البسيطة التي لا تنتهي، كانت تتحدّث وهو يختلس توديعها..كم تمنّى ان يحضنها ولو لثوان ..لم تحسّ بنبرته الخافتة المتحمّسة السّعيدة الحزينة، ولا بنظراته الزّائغة أو بثرثرة زفراته المتوالية، كانت نظراته تهيم في تقاسيم وجهها تحفظها تتعثّر بأخاديدها الجديدة فتنسكب فيها حبّا وشوقا..
أتراه بدأ يشتاق إليها منذ تلك اللحظة وهي تتوهّج بقربه ؟..ما أروعها..وما أروع بساطتها التي ورثها عنها، ونورها الدافق الذي يتقاطر من محياها العذب البسّام المهيب..لكم يعذّبه فراقها..ولكنّها القدس..تستحقّ أن يتجرع لها كلّ صنوف العذاب..
متيقّن هو من قوّتها ورباطة جأش تصول في ربوع قلبها، فهي التي سقته حبّ القدس وهو طفل، فهل تراها سترفض ان تسقي القدس من دمائه وهو شاب يافع..؟

ودّع أخته حنين ذات الـ 18 عاما والمائة طموح..هي الأخرى لم تلتفت لهدوئه ،ولا لصمته،ولا لعينيه اللّتان كانتا ترمقان انطلاقها وحيويتها الصّباحية العذبة، إذ كانت
منهمكة في غسيل اواني الفطور وإلقاء تعليقاتها الطريفة كعادتها كل صباح..قويةّ كأمها..! ستسعد ربّما ..إذ باستشهاده سيهبها طموحا آخر، وبه سيهديها وسام فخر ومسحة حزن قد تغطّي وجننيها ! وإبعاد عن الحواف إلى الهوّة..!

أحاسيس عجيبة كانت تتسلّقه ولم يستطع أن يفهمها، لم يكن حزينا أبدا، ولا حتّى متردّدا، بل كان في قمّة الغضب المنتشي، في ذروة الحماس المنتفض.. كانت مشاعرا متداخلة تشبه تلك التي كانت تتزاحم في صدره وهو بين أحضان حجر يهمّ برجم الأوغاد..رغبة شديدة في البوح تعتريه، كأنه يريد أن يقص قصته مع الحجر والمقلاع.. أتراه يريد أن يكتب في آخر لحظات حياته وهو الذي كان طوال سنوات عمره يعاف الكتابة؟لم يكن يؤمن بها..بل كان يعدّها خطيئة لا تغتفر،,بكل بساطة يعتبرها شكلا من أشكال الهروب.. والحرف بالنّسبة إليه ليس إلّا كأسا من خمر يهرع إليه المرء ليشيّع فيه خيباته ويطفئ في تفاصيله جنون فشله..
لكم كان يسخر من زياد حينما يراه يكتب شيئا ما على دفتر يسنده لركبته كما يفعل دوما حين تباغته فكرة او تهطل عليه خطرة.. فلا يبالي به هذا الأخير، فإن تمادى ردّ عليه بهدوء دون أن يرفع نظره عن حروفه :

"لا تهزأ يا حسام ..! اليوم حرف وغدا حتف..والحروف ظلال الحتوف..فلا بأس إذن أن نحترف ظلال الموت قبل أن نرتمي في آتونه..! "..

هكذا هي عباراته الحاسمة الصارمة التي تفحمه دوما وتتركه ذاهلا في حيرة من أمره، وهكذا هو زياد دوما،رجل الحرف بامتياز ورجل البندقيّة عن جدارة، إذ يترنّح ويتقلّب بينهما دون عناء ويما زج بينهما ببراعة نادرة ، فلا عجب إن نسج قصيدة يتغزّل في أبياتها بقوام البندقيّة أو أرسل خاطرة على قوافي الحجر..
لكم أحبّه..وأكثر ما أحب فيه تميّزه الذي اختصّ به منذ طفولته، إذ التقيا منذ 16 سنة في موعد ضربه الحجر خلال إحدى ملاحمهم مع جنود الغدر، فنمت صحبتهما حتّى فاقت مراتب الأخوّة، إذ لم يكن يفرّق بينهما إلا ساعات النّوم..
معه عرف الطّريق إلى المسجد..وفهم كيف تكون أرصفة الصّمود و الانتقام، وكانا على اختلافهما الصّارخ متكاملين، فزياد مثقّف ذو مستوى جامعي و له منحى تنظيمي واضح.. أمّا حسام فهو بسيط التّعليم وبسيط التّفكير أيضا إذ لا يجيد قولبة أفكاره في حروف مهما اتّقدت، وهو ذو منحى متمرّد وجامح ،لا يسمح أبدا أن تحاصر عزائمه وتطمر تحت أوامر أو قوانين، وأكثرمن هذا هو تلميذه ، كان دائما يجد نفسه خاشعا وهو ينصت لحنقه الثّائر و كلماته النارية المتفلّته، إذ كثيرا ما كان يردّد قائلا بعنف:

- لماذا كلّما بصقوا إهاناتهم علينا مسحناها بأطراف كرامتنا؟..أكمام العزّة خشنة ياا حسام..وكلّ من أراد أن يمسح بها ندبة الذلّ على جبينه لم تزدها إلا تقيّحا وتقرّحا..الذّل لا يمسح إلّا بالدّم يا حسام..

-...لا تذكر أشباه العرب أمامي رجاءاً..فهم لا يعتبروننا منذ ذاك اليوم الأشعث الأغبر إلا ندبة تتعفّن في لحمهم.. فلمّا أعيتهم الحيل في استئصالنا أصبحوا يتفنّنون في غض البصر..!!ما أتعسنا بخذلانهم..وما أتعسهم بصمودنا ووجودنا وصمة عار على جبينهم تلعنهم أبد الدّهر..!!
لكم يحتاج لينصت لشيء من ثورته الآن ..بل كم يحتاج لرؤيته الآن وأكثر من أيّ وقت مضى..كم احتاج إلى توديعه، ولكنّه لم يفعل، فقد خاف أن تفضحه عيناه، فيبوح بكلّ ما لديه دون أن ينبس بحرف، فزياد أعلم خلق اللّه بتقلّبات سحنته..
لكنّه نسي أن يودع والده..
ذاك الرّجل الطّيف ، الحاضر الغائب الذي لا يذكر له حضورا في أيّ موقف..يقضي طول وقته في أشغاله التي لا تنتهي فإن عاد وجد له ركنا قصيّا في البيت لا يكلّم أحدا ولا أحد يكلّمه إلّا نادرا ..كان وديعا لأقصى حد، كالرّياح المترفقة إذ تدخل البيت وتخرج دونما أثر..هادئا إلى حدّ السلبية.. كثير الصمت قليل الكلام متقوقع على ذاته لا يهمه من هذه الدنيا الا ان تخطئه المصائب وفيما عدا ذلك فلتقم القيامة فهذا لا يعنيه في شيء مادام لا يمسّ مصالحه وبضعة الشّواقل التي يذرّها عليه عمله ..ترى كمّ مرة سيحقد عليه بعد العملية؟!
كان يعجب لهذا الزّواج العجيب بين والديه، كيف ترتبط كتلة التقوقع تلك مع شظايا الانطلاق التي تتبعثر من محيّا أمّه كيف تحمّلت صمته وربّما بلادته؟ وأين تراها أغمدت صخب حيويّتها وانطلاقها؟ أين استطاعت أن تواري حماستها ؟ ومن يدري؟ لعلّه تكامل ولعله كما يقولون النصيب..!

أمر لم يشغل باله كثيرا ..فقد حامت حوله عبارة كان يردّدها زياد:

- إياك أن تفر من الدنيا وهي معرضة عنك.. لا ينبغي أبدا أن تكون التّضحية آخر خيار يتاح لنا.. دع التضحية هي أول خياراتك إذا أشرقت لك الحياة..وإن قررت أن تترك الدنيا فلا تتركها إلا وهي متشبثة بك أو مرتمية عند أقدامك تستجديك وترجو بقاءك..

كلمات لطالما استوقفته وأعيت تفكيره كسائر كلمات زياد، هل تراه يهرب من شظف هذه الحياة؟..كلّا..هو لا يهرب..صحيح أن الحياة محال أن تبتسم أو أن تضحك مع القهر الذي يفرضه عليهم الأنذال..إلا أن أموره وأهله تحسنت نوعا ما منذ ثلاثة سنوات..فهو يعد محظوظا حينما تسنّى له ان يحصل على عمل يعين به أباه ليسد رمق الضرائب العالية ومصاريف البيت..نعم كلّ شيء على ما يرام، حتّى إن والدته ...يا للعجب ماذا تراه يفعل هنا أمام بيتها؟..أكلّما تحايل على أقدامه خانتاه وقادتاه إلى نفس الدّرب؟..هو الآن يقف على مرمى حجر من الحبّ..إنه البيت الذي تسكنه أسماء رفيقة السّنوات الأولى..تلك التي كان يغيب حائرا في ليل عينيها..تلك المجاهدة الرائعة منذ سنوات طفولتها..إذ كانت على خلاف أترابها تلهو بالحجر بدل الدّمى وتستميت في رجم اليهود قبل أن يصل إليها احد أقاربها ليجتثها من ميدان الملاحم..كانت دوما تلاعب الصّبيان دون أن تحتفي بتفاهات البنات كما كانت تقول دائما..وأيضا كانت " فتّانة"
تحاول بكلّ ما أوتيت من حيل للتفريق بينه وبين زياد، هذا الدّخيل المتطفّل الذي جاء ليزاحمها في صداقتهما..
كانت تصغره بثلاث سنوات..وتكبره بهمّ ورزيّتين..همّ بيتهم القديم الذي هدّم بحجج واهية..ورزيّتي أبيها المعتقل وأخيها الشّهيد..
هاهو الآن يمرّ قرب بيتها حتّى في لحظات الوداع كماكان يفعل دائما ليحظى بسعادة رؤيتها فيرسل لها سلاما متلعثما خجولا فيصله صوتها منكمشا في حياء..
لم يكن ما يكنّه لها يشبه مايترنّم به العشّاق في أشعارهم وخواطرهم ..لقد كان شيئا آخر يشبه حبّ القدس ..لقد كانت أسماء تشبه القدس ، بل هي قدس في قدس.. وهو لا يعلم إلى الآن..أكان يحبها من أجل القدس أم كان يحب القدس فيها؟!
قبل أسبوع باغتته أمّه بخبر أحاله شظايا فرح تتناثر..لقد عزمت أن تخطبها له..و قد قرّرت أن تذهب لطلبها بعد أسبوع..أي اليوم..!!
الآن فقط اكتشف أن الدنيا جاثية عند قدميه تنتحب وتستجديه أن يبقى!!


****


وأخيرا وصل..
وقف أمامها مذهولا وكأنّه يراها لأوّل مرة..كانت تنتصب في عظمة وشموخ..تتصبّب قوّة ..تكتسحها هيبة غريبة وألق آسر..لم يكد يعرفها وهي رفيقة دربه لثلاث سنوات مضت..إنّها الجرّافة تنتصب قبالته وترمقه بنظرات لاهبة..تكاد تتوثب إليه من فرط حماسها ..كأنها تستعجل الإنتقام فتهمس له بحرقة:

- "هيت لك" ..

أليست هي التي أثقلها بهمومه وجنونه حينما ساعد في هدم بيت جاره أبو عمرحينما قرّر أن يتخلّص منه قبل أن تسحقه الضرائب..تطوّع ليهدم عنه بجرّافته بدل أن تشل يداه أو ان تسحقه فاتورة جرافات البلدية..لم يبك حينئذ ولكنّه بداخله كان ينتحب..فالقدس هي المكان الوحيد الذي يجبر فيها المرء على هدم بيته بيده..بمطرقة متواضعة يهدم بها ذاكرته وكلّ أحلامه..!

لكم أحرقها بجحيم الغضب يوم احترق أحد بيوت الحيّ عن آآخره ثمّ احترق اهله بفاتورة الإطفاء المتأخر!!!!..
لقد جاء الآن ليطفئ فيها ضياعه وضياع أترابه بين البطالة والسّموم..جاء ليطبع على صفحة الإنتهاك نصرا سيكون مدويّا وان توارى خلف ألف جرح..
لا تكمن المشكلة في السّلاح فهنا في القدس يتقاطر الموت من كلّ شيء ..أيّ شيء يمكن أن يكون سلاحا..حتّى الزّفرات الحارقة..!!!

هذه المرّة سيقلب المعادلة..سيهدم الأوغاد بسلاحهم الذي أمعنوا في تسليطه عليهم..سيجرّفهم أوحالا علقت بهذه الأرض الطاهرة منذ أكثر من ستين عاما..ومن بعد ذلك فليهنأ في انتصاره الأبدي..

امتطاها وهويعتلي صهوة الثّأر.. ومال بها نحو الهوّة!..
يا لسعادته التي فاقت براكين غضبه.. ويا لغضبه الذي يتسّعر بين أطياف جموحه.. زأر في صمت وزمجرت الجرّافة في صخب فتدفقا حمما تلاحق كلّ فلول النّذالة ..
هادئ هو حتّى في ثورته، مبتسم في عزّ فورته، تعرّقت الشّجاعة أمام جرأته، وهرول جبنهم مرتجفا أمام إقدامه ..مضى يسحقهم جرحا جرحا..يمزّق فيهم كلّ أسمال الهوية الممسوخة..ويطؤ فيهم كلّ تمطّيهم وتجبّرهم فأحاله فتاتا يتناثر في مهبّ عواصفه..
إنّها الملحمة..فارس من لهب و جواد من حديد..وأوحال ذاهلة تتعبثر هاربة..كان عليه أن يصمد أكثر وقت ممكن حتّى يسحق أكبر عدد منهم..ففي كلّ ثانية من حياته زؤام لهم وفي كلّ صرخة مرتعبة منهم نشوة عارمة تتسلّق شرايينه، تكالبوا عليه يسبقهم اليه جنونهم.. تسابقت اليه الرّصاصات المسعورة من كلّ جهة فاستقرّت اثنتان منها في لحمه ، لكنّه أبى إلّا أن يجهز عليهم.. صال وجال، وأرغى فيهم وأزبد.. باغته أحد الأوغاد متشبّثا بحديد الجرّافة.. حاول مقاومته لكنّ رصاصاته الغادرة كانت اسرع منه..فأنحدرت أنفاسه مع اشعّة الشّمسين اللاهبة تسقي ضمأ القدس وعطش صدور مؤمنين..

انتهت الملحمة..وهدأت عواصف الغضب إلا غمغمات ذاهلة قذرة تعالت من صدور متعفّنة..ولم تبق إلا أصداء النّصر تتردّد في أنحاء فلسطين والعالم اجمع..
***

على وقع الخبر وبعد تحقيقات حثيثة بائسة لم تعلن خلالها أيّة جهة عن علاقتها بما حدث، تعالى غيظ الأوغاد تماما كما تعالت زغاريد أمّ حسام مبتلة بدموع محمومة ، في حين انتفضت شهقا ت حنين مرتعبة حائرة بين صدمة وحزن و.. فخر..!..
أعتقل أبو حسام على إثر العمليّة، أخيرا اراد له القدر كلّ ماكان يخشاه طيلة عمره، هدّم بيته، وألقي بعائلته كلّها في منافي التيه والشّتات كآخر ما استطاع الاوغاد فعله انتقاما وتخفيفا من حدّة تخبّطهم..
أمّا هي فقد ظلّت مشدوهة تحاول أن تفرح أوربّما تحاول أن تصدّق..أسماء لا تبكي الشّهداء..ولا تبكي أبدا..لكنّها بكت في تلك اللحظة..حقّ لها أن تفعل فقد كانت على حافة العذاب تنتظر ان تهوي الى السعادة..وفجأة كأنّما انعدمت الجاذبية فبقت معلّقة باللّوعة تنهش قلبها..
أتراها هي الوحيدة التي لم تفارق الحواف؟!

وعلى حافة الجنون وقف زياد يضرب أخماسا بأسداس، يمنعه الذّهول من رثاء نفسه وشقيق الرّوح منه..وربّما رثاء حرفه..فهاهو حسام قد تركه في بركة حرفه..ليتنعّم هو في أحضان الحتف..!
***
المحسوم* : الحاجز العسكري باللّغة العبرية..وهي كلمة شائعة بين أهالي الأراضي المحتلّة..

محاولة أهديها إلى الشّهداء بإذن الله تعالى:
حسام دويات
مرعي الردايدة
غسّان أبو طير

وإلى كلّ فلسطينيّ امتشق أيّ شيء سلاحا فأنتقم وأذلّ الاعداء
...وإلى القدس أهديها...


توضيح*: كلّ التّفاصيل التي ذكرت ليست بالضّرورة من الواقع إلّا ما يتعلّق بتفاصيل تنفيذ العمليّة..










 


رد مع اقتباس
قديم 2011-12-22, 07:12   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
صقر القدس
عضو محترف
 
الصورة الرمزية صقر القدس
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

هنا في القدس.....
كلّ شيء يسرق
الأرض والهوية
الحياة والموت
المقدسات والتاريخ
الماء والهواء
وحتّى الأسماء والأنفاس تسلب..!
كلّ شيء هنا مضرج بجريمة
أو على الأقلّ بخدوش خلّفتها نذالة عابرة..

شكرا لك عصام









رد مع اقتباس
قديم 2011-12-23, 14:34   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
عصام الجيجلي
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية عصام الجيجلي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صقر القدس مشاهدة المشاركة
هنا في القدس.....
كلّ شيء يسرق
الأرض والهوية
الحياة والموت
المقدسات والتاريخ
الماء والهواء
وحتّى الأسماء والأنفاس تسلب..!
كلّ شيء هنا مضرج بجريمة
أو على الأقلّ بخدوش خلّفتها نذالة عابرة..

شكرا لك عصام

أهلا بك أخي الصّقر









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الـوداع, حـواف


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 05:10

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc