استشارات علمية - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم خاص لطلبة العلم لمناقشة المسائل العلمية

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

استشارات علمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2018-11-06, 14:14   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










#زهرة استشارات علمية


اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



هل يمكن تغيير القدر وكيف نكون مخيرين بينما القدر يحكمنا؟


السؤال

هل كل شيء في هذا العالم قد كتبه الله ؟ إن كان الأمر كذلك ، فلماذا نحن مخيرون ؟

ما الفائدة من ذلك إن كنا لا نستطيع تغيير القدر؟ هل يشمل ذلك الحالة الجسدية والموت ؟

هناك شخص عزيز علي أريد أن أقول له شيئًا لن يتقبله ، فأنا أظن أنه ما أن يسمع الخبر ، إما سيموت ، أو يصاب بنوبة قلبية ، أو سيجعلني بلا مأوى ، ولا طعام ، أو شراب ، أو نقود

وسيدمر حياتي بالكامل ، وحياة الكثير ممن أحب ، هذا الشخص مع العديد من العوامل هو السبب في ضياع كل شيء أحبه ، بما ذلك ديني

وصلاتي ، وهي الخسارة الكبرى ، ويجب علي أن أخبره للتوقف عن هذا الجنون ، والسبب الوحيد الذي يمنعني من إخباره هو : خشيتي أن أكون السبب في موته

وأنا أريد أحدا أن يخبرني أن أجله مكتوب في قضاء الله وقدره ؛ حتى أخبره ، ولكن الجميع يخبرونني أننا مسيرون ، ويمكننا تغيير قدرنا من خلال قراراتنا في الحياة ، ولكن ألا يعني ذلك أن الله ليس عظيمًا ؟

أنا لا استطيع تصديق ذلك ، فإما أن يكون الله عظيمًا ، وأن القضاء لا يمكن تغييره ، وإما أن ما يخبرني به الناس من بعض الأشياء المذكورة في صحيحي البخاري ومسلم كذب

أو أن يكون الله مجرد كذبة ، وأنا أرفض أن أعتقد الخيار الثاني.


الجواب

الحمد لله

أولا:

كل شيء في هذا العالم، ما كان وما سيكون، قد كتبه الله تعالى في كتاب عنده، وقد علمه، وشاءه، وهذا هو "القدر" بمراتبه الأربعة: الكتابة، والعلم، والمشيئة، إضافة للخلق والإيجاد.

قال تعالى: ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) القمر/49

وقوله سبحانه : ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) الأنعام / 59

وقوله : ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) الحديد / 22

وقوله : ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) التكوير/ 29

وروى مسلم (2653) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. قال : وعرشه على الماء ).

ثانيا:

هذا القدر لا يمكن تغييره، بمعنى أنه لو كان الله قد قدر أن فلانا يموت مؤمنا أو كافرا، أو يحيى سعيدا أو شقيا، أو يرزق بعشرة من الولد مثلا، فلا يمكن تغيير ذلك؛ لأنه لو أمكن تغييره لكان قدحا في علم الله

وإرادته ، وعظمته، بل ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .

وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ :

( يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ

وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ ) رواه الترمذي (2516)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.

لكن هنا مرتبة أخرى من مراتب القدر ، وهي كتابة مقادير الخلق ، في الصحف التي في أيدي الملائكة .

ففي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً

مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يُرْسَلُ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ) رواه البخاري (3208) ومسلم (2643).

وهنا أمر قد يعبر عنه بأنه تغيير للقدر، وهو تغيير لهذا القدر المكتوب في صحف الملائكة فقط، كأن يكون فيها أن فلانا سيمرض، فيدعو بدعاء ، فيعافيه الله ولا يمرض .

أو يكون فيها أن عمره ستون سنة، فيصل رحمه، فيزيد عمره إلى سبعين سنة .

فهذا تغيير لما في صحف الملائكة، وهو ممكن ، لا مانع منه .

وليس هذا تغييرا لما في اللوح المحفوظ ، ولا تغييرا لما في علم الله، فقد علم الله تعالى أن سيفعل ذلك، فيعافى أو يزيد عمره. وهذان ـ يعني : ما في اللوح المحفوظ

وما في علم الله ـ : لا تغيير لما فيهما ، كما سبق بيانه .

وأما تغيير ما كتب في الصحف التي في أيدي الملائكة

فهو ثابت ، لا مانع منه ، دل عليه حديث سَلْمَانَ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَرُدُّ القَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي العُمْرِ إِلَّا البِرُّ رواه الترمذي (2139)

وحسنه الألباني. وهو عند أحمد (22386) وابن ماجه (90) من حديث ثوبان بلفظ: (لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.

والكتابة نوعان : نوع لا يتبدل ولا يتغير وهو ما في اللوح المحفوظ ، ونوع يتغير ويتبدل وهو ما بأيدي الملائكة ، وما يستقر أمره أخيراً عندهم هو الذي قد كتب في اللوح المحفوظ

وهو أحد معاني قوله تعالى : ( يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) الرعد / 39 ، ومن هذا يمكننا فهم ما جاء في السنة الصحيحة من كون صلة الرحم تزيد في الأجل أو تُبسط في الرزق

أو ما جاء في أن الدعاء يرد القضاء ، ففي علم الله تعالى أن عبده يصل رحمه وأنه يدعوه فكتب له في اللوح المحفوظ سعةً في الرزق وزيادةً في الأجل .

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية :

عن الرزق هل يزيد أو ينقص ؟ وهل هو ما أكل أو ما ملكه العبد ؟

فأجاب :

الرزق نوعان :

أحدهما : ما علمه الله أنه يرزقه فهذا لا يتغير ، والثاني : ما كتبه وأعلم به الملائكة ، فهذا يزيد وينقص بحسب الأسباب ، فإن العبد يأمر الله الملائكة أن تكتب له رزقاً

وإن وصل رحمه زاده الله على ذلك ، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " مَن سرَّه أن يبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصِل رحِمه "

وكذلك عُمُر داود زاد ستين سنة فجعله الله مائة بعد أن كان أربعين ، ومِن هذا الباب قول عمر : " اللهم إن كنت كتبتَني شقيّاً فامحني واكتبني سعيداً فإنك تمحو ما تشاء وتُثبت "

ومن هذا الباب قوله تعالى عن نوح ( أنِ اعبدوا الله واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم و يؤخركم إلى أجلٍ مسمَّى ) ، وشواهده كثيرة ، والأسباب التي يحصل بها الرزق هي من جملة ما قدَّره الله وكتبه

فإن كان قد تقدم بأنه يرزق العبد بسعيه واكتسابه : ألهمه السعي والاكتساب ، وذلك الذي قدره له بالاكتساب لا يحصل بدون الاكتساب ، وما قدره له بغير اكتساب كموت موروثه يأتيه به بغير اكتساب .

والسعي سعيان : سعي فيما نصب للرزق كالصناعة والزارعة والتجارة ، وسعي بالدعاء والتوكل والإحسان إلى الخلق ومحو ذلك ، فإن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه .

" مجموع الفتاوى " ( 8 / 540 ، 541 ) .









 


رد مع اقتباس
قديم 2018-11-06, 14:15   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي



ثالثا:

لا تعارض بين كون الأشياء مقدرة ومكتوبة، وكوننا مخيرين عند فعلها، فنحن لا نعرف ما الذي كتب، ونشعر بتمام الحرية والاختيار في الفعل

ونميز بين الحركة الاضطرارية كحركة القلب والأمعاء، وبين الحركة الاختيارية التي نؤديها بالأيدي أو الأرجل أو الأعين أو غير ذلك.

ولهذا فإن الإنسان يحاسب على فعله، لأنه يفعله باختياره، فيمكنه فعل الخير كما يمكنه فعل الشر، وليس له أن يحتج بأنه مكتوب عليه كذا؛ لأنه لا يعلم بالمكتوب إلا بعد وقوعه

ولا يعلم نهاية الأمر، فقد يكون مكتوبا أنه بعد وقوع المعصية مثلا يدعو ويستغفر فيتوب الله عليه ، ويستقيم ويصلح، وهكذا، ولهذا لما سأل الصحابة رضي الله عنهم : "أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ؟"

أجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ ثُمَّ قَرَأَ:

فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى الْآيَةَ) رواه البخاري (4949) ومسلم (2647).

فما على الإنسان في هذه الحياة إلا أن يجدّ ويعمل، دون بحث ونظر: هل كتب علي كذا أم لا؟ فإنه لن يصل إلى ذلك، لكن يكفيه ، من أجل أن يكد ويعمل بالحسنى ، ويعمل بعمل أهل الجنة

: أن الحسنى إنما تنال بالعمل ، وأن منازل أهل الجنة : إنما تنال بالعمل لا بالأماني .

وإذا كان أمر الكتابة يشغل باله : فليعلم أن الله قد كتب عليه : أن يعمل بالطاعات ، وألا يعمل بعمل أهل النار ، بمعنى : أنه قد فرض عليه ذلك ، وشرعه له ، وأمره به ، وهذا يكفيه دافعا للعمل.

وأما العلم بأن كل شيء بقدر ، فهذا يطمئن قلبه عند حدوث المصيبة، فلا يأسى، ولا يقول: لو أني فعلت كذا لكان كذا، وهذا معنى

قوله تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) الحديد/ 22، 23

رابعا:

ما سألت عنه بشأن صاحبك، جوابه أن أجله مكتوب، معلوم لله تعالى، لا يتغير، لكن الأمور تكتب مع أسبابها، فقد يكون مكتوبا أنه يموت بسماع خبر من فلان، أو يموت بمرض، أو يموت بالقتل، أو بالحرق الخ، فيقع الأمر كما هو مكتوب.

وهنا نعود فنقول: لا جدوى في البحث عما هو مكتوب. فلا يكون بحثك في القدر، بل في الشرع، فتسأل: هل يجوز أن أخبره خبرا قد يؤدي إلى موته، أو إلى حصول ضرر له، أو ضرر لي؟

وهذا لا يمكن الجواب عنه إلا بمعرفة طبيعة الخبر، وتعلقه بهذا الشخص، فربما كان السؤال عن معصية يجب أن يحذّر منها، أو عن أمر لا يمكن السكوت عنه، فهب أن رجلا متزوجا من سنوات من امرأة يحبها

غاية الحب، وإذا هي لا تحل له ، لأنها أخته من الرضاع أو خالته، فليس أمامنا إلا إخباره بذلك، لأن بقاءه معها يعنى الوقوع في الزنا .

إلا إن كان إخباره يغلب على الظن موته به، فلو أمكن تلافي المحرم دون إخباره في الحال، خوفا عليه، فلا بأس، كأن تسافر المرأة، أو غير ذلك من الوسائل.

والمقصود : أنه ينبغي عرض كل قضية ، مما ذكرت ، بعينها ، على أهل العلم لينظروا فيها، ويروا هل يجب الإخبار، أم يجوز التأجيل، أم لا يجب مطلقا.

نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد.

والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-11-06, 14:21   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الرد على من قال : إن العبد فاعل مجازا أو فاعل بقدرة غير مؤثرة

السؤال

علق أحد الإخوة في مجموعة على تفسير السعدي رحمه الله بتعليق أشكل علي في مسألة القدر. هذا هو المقطع من تفسير السعدي لسورة الفاتحة: "وتضمنت إثبات القدر، وأن العبد فاعل حقيقة

خلافا للقدرية والجبرية. بل تضمنت الرد على جميع أهل البدع [والضلال] في قوله: [اهدنا الصراط المستقيم] لأنه معرفة الحق والعمل به. وكل مبتدع [وضال] فهو مخالف لذلك. وتضمنت إخلاص الدين لله تعالى

عبادة واستعانة في قوله: [إياك نعبد وإياك نستعين] فالحمد لله رب العالمين." وهذا هو التعليق الذي أشكل علي: " يجب التنبيه على أمر هام ودقيق مفاده : أنه ﻻ فاعل على الحقيقة إﻻ الله تعالى ،

وهذا ركن أساسي من أركان التوحيد ، وأن العبد فاعل باﻻختيار ، وأنه فاعل بالمجاز وليس على الحقيقة ، والله تعالى أعلم " فأرجو إزالة هذا الإشكال .


الجواب

الحمد لله

القول بأن العبد فاعل حقيقة بقدرته وإرادته، وأن الله خالق له ولقدرته وإرادته، هو قول أهل السنة والجماعة.

قال السفاريني رحمه الله:

"ومذهب سلف الأمة وأئمتها وجمهور أهل السنة المثبتة للقدر من جميع الطوائف يقولون: إن العبد فاعل لفعله حقيقة ، وإن له قدرة حقيقية واستطاعة حقيقية" .

انتهى من "لوامع الأنوار البهية" (1/ 312).

وأما القول بأن العبد فاعل مجازا، فهو قول باطل مخالف للكتاب والسنة ، وهو قول الجبرية ومن وافقهم ، ويلزم عليه لوازم فاسدة كثيرة ، تفتح بابا للإلحاد والكفر بهذا الدين، منها:

1-أنه لو كان العبد غير فاعل على الحقيقة، والله هو الفاعل حقيقة، للزم أن يكون المصلي الصائم العابد هو الله ، وأن يكون الزاني السارق القاتل هو الله ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

2-ولو كان العبد غير فاعل على الحقيقة، لكان تعذيبه على المعاصي ظلما وجورا، ولكان إثابته على الطاعات عبثا.
3-لو كان العبد غير فاعل حقيقة

لما كان لإرسال الرسل وإنزال الكتب والتبشير والإنذار معنى؛ إذ لا طائع ولا عاص على الحقيقة!

وكيف يكون العبد فاعلا مختارا، ثم يقال إنه فاعل مجازا !! فما ثمّ فعل منه أصلا!

وأي محذور في أن يقال إن العبد فاعل حقيقة، والله خالقه، وخالق قدرته وإرادته، فلا خالق إلا الله، وخالق السبب التام خالق للمسبّب.

ثم إن هذا القول الباطل يعلم بطلانه كل عاقل بالمشاهدة، فنحن نرى زيدا من الناس يأكل ويشرب وينكح ، فمن الذي يفعل ذلك ، حقيقة ؟! أو : ليس له فاعل حقيقة ؟! سبحانك ، هذا بهتان عظيم

وهذا القائل لو جاء زيد هذا فضربه وشتمه وهتك عرضه، هل يلومه على فعله، أم يعذره لأنه ليس فاعلا حقيقة؟!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

: " والعباد فاعلون حقيقة والله خالق أفعالهم . والعبد هو المؤمن والكافر ، والبر والفاجر ، والمصلي والصائم . وللعباد القدرة على أعمالهم

ولهم إرادة ، والله خالقهم ، وخالق قدرتهم وإرادتهم ، كما قال الله تعالى : ( لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ).

وهذه الدرجة من القَدَر يكذّب بها عامة القدرية الذين سماهم النبي صلى الله عليه وسلم مجوس هذه الأمة "

انتهى من "العقيدة الواسطية".

قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله في "التعليق على الواسطية" ، ص100

: " وتوضيح ذلك أن العبد إذا صلى وصام وعمل الخ

ير ، أو عمل شيئًا من المعاصي : كان هو الفاعل لذلك العمل الصالح ، وذلك العمل السيئ .

وفعله المذكور ـ بلا ريب ـ واقع باختياره ، وهو يحس ضرورة أنه غير مجبور على الفعل أو الترك ، وأنه لو شاء لم يفعل ، وكما أن هذا هو الواقع

فهو الذي نص الله عليه في كتابه ونص عليه رسوله ، حيث أضاف الأعمال ، صالحها وسيئها إلى العباد ، وأخبر أنهم الفاعلون لها ، وأنهم محمودون عليها إن كانت صالحة

ومثابون عليها ، ومذمومون إن كانت سيئة ، ومعاقبون عليها.

فقد تبين بهذا واتضح أنها واقعة منهم ، وباختيارهم ، وأنهم إن شاءوا فعلوا ، وإن شاءوا تركوا ، وأن هذا الأمر ثابت عقلًا وحسًا وشرعًا ومشاهدة .

ومع ذلك فإذا أردت أن تعرف أنها كذلك واقعة منهم ، واعترض معترض وقال: كيف تكون داخلة في القدر ، وكيف تشملها المشيئة؟

فيقال: بأي شيء وقعت هذه الأعمال الصادرة من العباد خيرها وشرها ؟

فهي بقدرتهم وإرادتهم ، وهذا يعترف به كل أحد .

ويقال أيضا: أليس الله خلق قدرتهم ومشيئتهم وإرادتهم ؟

والجواب كذلك ، يعترف به كل أحد ، وأن الله هو الذي خلق قدرتهم وإرادتهم ، وهو الذي خلق ما به تقع الأفعال ، كما أنه الخالق للأفعال

وهذا هو الذي يحل الإشكال ويتمكن العبد أن يعقل بقلبه اجتماع القدر والقضاء والاختيار.

ومع ذلك فهو تعالى أمد المؤمنين بأسباب وألطاف وإعانات متنوعة ، وصرف عنهم الموانع كما قال صلى الله عليه وسلم: أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة .

وكذلك خذل الفاسقين ووكلهم إلى أنفسهم ولم يعنهم؛ لأنهم لم يؤمنوا به ولم يتوكلوا عليه ، فولاهم ما تولوه لأنفسهم " انتهى .

وقد يلتبس الأمر على بعض الناس، فلا يمكنه الجمع بين كون العبد فاعلا حقيقة، وبين قولنا: الله خالق لأفعال العباد .
وبيان ذلك من ثلاثة أوجه

كما ذكر الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.

قال: " قوله: (أفعالنا مخلوقة لله) ، أفعالنا: يعني ما نفعله من طاعة أو معصية، سواء كانت باليد أو الرجل أو العين أو الأنف أو الإذن ؛ كلها مخلوقة لله، وذلك من وجوه:

الوجه الأول: أن أفعالنا من صفاتنا، ونحن مخلوقون لله ، وخالق الأصل خالق للصفة، فإذا كان الإنسان مخلوقاً لله ، فإن صفاته أيضاً مخلوقة

فأفعالنا صفات لنا، وخالق الذات خالق للصفة، ولهذا صح أن نقول: إن أفعالنا مخلوقة لله، وهذا وجه.

الوجه الثاني: أن فعل الإنسان ناتج عن أمرين : عن إرادة وقدرة:

أما القدرة: فالله تعالى هو الذي خلقها، ولا إشكال في ذلك، ولو شاء الله عز وجل لسلب الإنسان القدرة وصار عاجزاً عن الفعل.

والإرادة: كذلك، فإن الله هو الذي خلقها، لأنه هو الذي يودع في القلب هذه الإرادة، وما أكثر ما يريد الإنسان شيئاً ، وفي آخر لحظة يتجه إلى غيره.

فأحياناً تمشي على أنك ذاهب إلى صديق لك لتزوره، وفي أثناء الطريق ترجع وتترك الزيارة، وتقول: أذهب له غداً، أو بعد غد، وقد سئل أعرابي بم عرفت ربك؟ قال: بنقض العزائم وصرف الهمم .

وهذا الجواب من الأعرابي على فطرته، ونقض العزائم: يعني أن الإنسان يعزم على الشيء عزماً أكيداً، لا يداخله أدنى إشكال

ثم يتراجع بدون أي سبب، وكذلك صرف الهمم، فقد يهم الإنسان بالشيء ويبدأ بالفعل والمباشرة له ، ثم ينصرف.

ولهذا قال الأعرابي إنه بذلك عرف الله؛ لأن نقض العزائم وصرف الهمم ليس له سبب معلوم يضاف إليه، إذاً فلابد أن يكون السبب إلهياً.

إذاً فأفعالنا مخلوقة لله ودليل ذلك أمران:

الأمر الأول: أن أفعالنا صفات لنا وخالق الذات خالق للصفات.

ثانياً: أن أفعالنا ناتجة عن إرادة جازمة وعن قدرة، والذي خلق الإرادة وخلق القدرة فينا هو الله عز وجل، وخالق السبب التام وهو الإرادة والقدرة، خالق للمسبب، وهو الفعل الناتج عن الإرادة والقدرة.

الوجه الثالث: أن الله خالق كل شيء، كما قال تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْء) الرعد/ الآية 16 ، وهذا العموم يشمل أفعال العباد؛ لأن أفعال العباد من الشيء" .

انتهى من "شرح السفارينية" (1/ 323).









رد مع اقتباس
قديم 2018-11-06, 14:24   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

والحاصل :

أنه لا يمكن القول بأن العبد فاعل مجازا ؛ فهذا خلاف الشرع والمشاهدة، ويلزم عليه لوازم قبيحة باطلة . وقد ذهب بعض الناس إلى العبد يفعل حقيقة بقدرة، لكن قدرته غير مؤثرة،

وهذا باطل أيضا، وحقيقته رجوع إلى قول الجبرية ، ويلزم عليه ما لزم على قول الجبرية ، حتى اعتبر الجويني رحمه الله القول بأن قدرة العبد غير مؤثرة

–وهو مذهب أصحابه الأشاعرة- تكذيباً للرسل ، وإلغاء لأوامر الشرع.

قال رحمه الله: " الركن الأول: في قدرة العبد، وتأثيرها في مقدورها. فنقول: قد تقرر عند كل حاطٍ بعقله، مُرَقى عن مراتب التقليد في قواعد التوحيد،

أن الرب سبحانه وتعالى مطالِبٌ عباده بأعمالهم في حياتهم، وداعيهم إليها، ومثيبهم ومعاقبهم عليها في مآلهم، وتبين بالنصوص التي لا تنعرض للتأويلات أنه أقدرهم على الوفاء بما طالبهم به

ومكنهم من التوصل إلى امتثال الأمر، والانكفاف عن مواقع الزجر، ولو ذهبت أتلو الآي المتضمنة لهذه المعاني لطال المرام، ولا حاجة إلى ذلك مع قطع اللبيب المنصف به

. ومن نظر في كتب الشرائع وما فيها من الاستحثاث على المكرمات، والزواجر عن الفواحش الموبقات، وما نيط ببعضها من الحدود والعقوبات، ثم تلفّت على الوعد والوعيد

وما يجب عقده من تصديق المرسلين في الإنباء عما يتوجه على المردة والعتاة من الحساب والعقاب، وسوء المنقلب والمآب...

فمن أحاط بذلك كله ، ثم استراب في أن أفعال العباد واقعة على حسب إيثارهم واختيارهم واقتدارهم، فهو مصاب في عقله، أو مستقر على تقليده، مصمم على جهله

. ففي المصير إلى أنه لا أثر لقدرة العبد في فعله: قطعُ طلبات الشرائع، والتكذيبُ بما جاء به المرسلون... ومن زعم ألا أثر للقدرة الحادثة في مقدورها، كما لا أثر للعلم في معلومه،

فوجهُ مطالبة العبد بأفعاله عنده ، كوجه مطالبته أن يثبت في نفسه ألواناً وإدراكات، وهذا خروج عن حد الاعتدال، إلى التزام الباطل والمحال، وفيه إبطال الشرع، ورد ما جاء به النبيون عليهم السلام" .

انتهى من "العقيدة النظامية"

بتحقيق الكوثري، ص42، وما بعدها. ونقل الشهرستاني عنه أن " إثبات قدرة لا أثر لها بوجه، فهو كنفي القدرة أصلاً" .

انتهى من " الملل والنحل "(1/98).

والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-11-06, 14:55   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الحكمة في تركيب شهوة المعصية في النفوس

السؤال

هل الله عز وجل يجعل العبد المؤمن مرتبطا أو ضعيفا أمام معصية ما ليظهر له ضعفه؟

الجواب

الحمد لله

إظهار ضعف الإنسان ليس هو الحكمة الأساسية المقصودة لنفسها

ولا المقصد الشرعي القائم بذاته

بل الأمر يراد لما هو أعلى وأسمى، وأقرب إلى الحكمة العامة للخلق كله، وهي حكمة "الابتلاء"، أي صراع الخير والشر، والحق والباطل، ليحق الحق عن عقل وإرادة واختيار

وليُعبد الله عز وجل عبادة حرة كما يحب سبحانه وتعالى، سواء كانت عبادة فعلية بامتثال ما يحبه الله ويرضاه، أم عبادة تركية باجتناب الشر والظلم والفسوق والعصيان

ولكن بعد معالجة نوازع الشر والعصيان المودعة في النفوس، لتكون عبادة حرة حقيقية، تختلف عن عبادة الملائكة الجبلية.

هذه هي الحكمة من خلق الإنسان ضعيفا بين يدي أسباب الهوى والشهوات، كما تلخصها لنا الآية الكريمة

وتلخص الجواب على سؤالك كله -، وهي قوله تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) الكهف/7 .

فزينة الأرض كلها وما خلقت عليه من تأثير في قلب الإنسان إنما جعلت لاختبار حسن العمل. وبعبارة أخرى : يمكننا ادعاء أن هذه الحكمة هي أحد سياقات الحكمة من خلق الدنيا كلها

كما قال عز وجل: (وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) هود/7. وقال سبحانه: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) [الملك: 2] .

فابتلاء "إحسان العمل" جاء بعد حرف اللام المبينة للحكمة من خلق السماوات والأرض

ولخلق الحياة والموت بجميع تفاصيلها، وهو ما يفسر لنا أيضا قوله سبحانه: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا) [الطلاق: 12]

أي : أن حكمة خلق السماوت والأرضين السبع أن يسلم العباد لله بالوحدانية، ويتوجهوا له بالعبادة، ولكنها العبادة الطوعية الاختيارية

التي يحققها العبد بعد اعتلاج أسباب الخير والشر في نفسه وعقله، ولهذا خلق الإنسان من طين لازب، ومن نطفة أمشاج، قابلة للتغير والتعرض لكل أنواع الهوى والشهوات

وفي الوقت نفسه للعقل والحكمة والعفة،

كما قال عز وجل: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا. إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) [الإنسان: 2، 3]

وقال سبحانه: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [الأنعام: 165]

. وقال عز وجل: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء: 35]

روى الإمام الطبري بسنده في "جامع البيان" (18/440)

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ) يقول: نبتليكم بالشدة والرخاء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والحلال والحرام، والطاعة والمعصية

والهدى والضلالة، وقوله (وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) يقول: وإلينا يردّون فيجازون بأعمالهم، حسنها وسيئها.

فإذا كانت الدنيا خلقت لأجل (الابتلاء والامتحان)، فإن تمام هذا الابتلاء : إنما يكون بأن توجد هذه المعاصي في دار الدنيا

وأن يوجد في هذ الدار : العتاة ، والعصاة ، والدعاة على أبواب جهنم ، الذين يزينون للناس فسقهم وفجورهم.
أليس هؤلاء هم الفتنة نفسها التي يواجهها المؤمنون الصالحون المصلحون ؟!

ومن هنا : يكون التدافع في الأرض، وينشأ من تفاصيل تلك المدافعة جميع الملاحم ، والحوادث الأرضية العظيمة!!
إذن فلا بد أن تقع الشرور الكبار

ويحصل الخير العميم أيضا، كي تستمر حكمة "الابتلاء"، على طريقة "التدافع"، وكي تبقى للدنيا ماهيتها التي وجدت لأجلها أصلا

كما قال سبحانه: (وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) سبأ/21

كل هذه الآيات تدل على أن " الاختبار " هو السر في خلق الإنسان، وهذا الاختبار يشمل تكليف العبادة أيضا، فمن أدى العبادة - بمفهومها الشامل لكل خير - فقد فاز وربح، ومن قصر خسر بقدر تقصيره.

يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله:

"أخبر سبحانه عن خلق العالم، والموت، والحياة، وتزيين الأرض بما عليها، أنه للابتلاء والامتحان، ليختبر خلقه أيهم أحسن عملا، فيكون عمله موافقا لمحاب الرب تعالى،

فيوافق الغاية التي خلق هو لها، وخلق لأجلها العالم، وهي عبوديته المتضمنة لمحبته وطاعته، وهي العمل الأحسن، وهو مواقع محبته ورضاه "

انتهى من " روضة المحبين " (61)

ويقول العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله

- في تفسير قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات/56 - :

"التحقيق - إن شاء الله - في معنى هذه الآية الكريمة (إلا ليعبدون) أي: إلا لآمرهم بعبادتي وأبتليهم، أي أختبرهم بالتكاليف، ثم أجازيهم على أعمالهم، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر .

وإنما قلنا إن هذا هو التحقيق في معنى الآية، لأنه تدل عليه آيات محكمات من كتاب الله، فقد صرح تعالى في آيات من كتابه أنه خلقهم ليبتليهم أيهم أحسن عملا

وأنه خلقهم ليجزيهم بأعمالهم. قال تعالى في أول سورة الكهف: (إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا)، فتصريحه -

جل وعلا - في هذه الآيات المذكورة بأن حكمة خلقه للخلق هي ابتلاؤهم أيهم أحسن عملا، يفسر قوله: (ليعبدون). وخير ما يفسر به القرآن - القرآن.

ومعلوم أن نتيجة العمل المقصود منه لا تتم إلا بجزاء المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، ولذا صرح تعالى بأن حكمة خلقهم أولا ، وبعثهم ثانيا :

هو جزاء المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، وذلك في قوله تعالى في أول يونس: (إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون)

وقوله في النجم: (ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى).

وقد أنكر تعالى على الإنسان حسبانه وظنه أنه يُترك سدى، أي مهملا، لم يُؤمر ولم يُنهَ، وبين أنه ما نقله من طور إلى طور حتى أوجده إلا ليبعثه بعد الموت، أي ويجازيه على عمله،

قال تعالى: (أيحسب الإنسان أن يترك سدى. ألم يك نطفة من مني يمنى) إلى قوله: (أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى)"

انتهى من "أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن" (7/ 445)

وأما إظهار ضعف الإنسان ، بخلق أسباب المعصية والانحراف في قلبه ؛ فالمقصود به أن يدرك العبد حقيقة نفسه بين يدي خالقه ومولاه، وفاقته إليه

وتقصيره في جنبه، فيتخلص من عُجْبِه وخيلائه ، ويرجع إلى رشده ، بسبب ما يستشعره من تلك المعاني، فتكتمل حكمة الابتلاء.

ونحن هنا نستسمح السائل الكريم أن ننقل له كلاما مطولا بعض الشيء

من كلام الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله، يشرح فيه ما ينبغي أن يقوم في قلب المؤمن وعقله ، لفهم ما يجري في الدنيا من سُعار الشبهات

والشهوات، الأمر الذي يوقع الكثيرين في الزلل والمعصية، ولكنْ وراء ذلك حكم جليلة وعظيمة.

يقول رحمه الله

في سياق حديثه عن الحكم في وقوع المعاصي ، ونظر المؤمن لتقديرها :

" السابع : مشهد الحكمة :

وهو أن يشهد حكمة الله في تخليته بينه وبين الذنب، وإقداره عليه، وتهيئته أسبابه له، وأنه لو شاء لعصمه ، وحال بينه وبينه، ولكنه خلى بينه وبينه لحكم عظيمة ، لا يعلم مجموعها إلا الله:

أحدها: أنه يحب التَّوابين ويفرح بتوبتهم، فلمحبته للتوبة وفرحه بها ، قضى على عبده بالذنب، ثم إذا كان ممن سبقت له العناية : قضى له بالتوبة.









رد مع اقتباس
قديم 2018-11-06, 14:55   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الثاني: تعريف العبد عزة الله سبحانه في قضائه ونفوذ مشيئته وجريان حكمه.

الثالث: تعريفه حاجته إلى حفظه وصيانته، وأنه إن لم يحفظه ويصنه فهو هالك ولا بد، والشياطين قد مدت أيديها إليه تمزقه كل ممزق.

الرابع: استجلابه من العبد استعانته به ، واستعاذته به من عدوه ، وشر نفسه ، ودعاءه ، والتضرع إليه ، والابتهال بين يديه.

الخامس: إرادته من عبده تكميل مقام الذل والانكسار، فإنه متى شهد صلاحه واستقامته ، شمخ بأنفه وظن أنه وأنه.. فإذا ابتلاه بالذنب : تصاغرت عنده نفسه ، وذلّ ، وتيقن ، وتمنى أنه وأنه.

السادس: تعريفه بحقيقة نفسه، وأنها الخطاءة الجاهلة، وأن كل ما فيها من علم أو عمل أو خير: فمن الله ، منَّ به عليه ، لا من نفسه.

السابع: تعريفه عبده سعة حلمه ، وكرمه في ستره عليه، فإنه لو شاء لعاجله على الذنب ، ولهتكه بين عباده ، فلم يَصْفُ له معهم عيش.

الثامن: تعريفه أنه لا طريق إلى النجاة إلا بعفوه ، ومغفرته.

التاسع: تعريفه كرمه في قبول توبته ، ومعرفته له ، على ظلمه وإساءَته.

العاشر: إقامة الحجة على عبده، فإن له عليه الحجة البالغة، فإن عذبته فبعدله وببعض حقه عليه بل اليسير منه.

الحادي عشر: أن يعامل عباده في إساءتهم إليه وزلاتهم معه ، بما يحب أن يعامله الله به، فإن الجزاء من جنس العمل، فيعمل في ذنوب الخلق معه ، ما يحب أن يصنعه الله بذنوبه.

الثاني عشر: أن يقيم معاذير الخلائق وتتسع رحمته لهم، مع إقامة أمر الله فيهم، فيقيم أمره فيهم رحمة لهم، لا قسوة وفظاظة عليهم.

الثالث عشر: أن يخلع صولة الطاعة والإحسان من قلبه، فتتبدل برقة ورأفة ورحمة.

الرابع عشر: أن يعريه من رداءِ العجب بعمله ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَوْ لَمْ تُذّنِبُوا ، لَخِفْتُ عَلَيْكُمْ مَا هُوَ أَشدُّ مِنْهُ ؛ العُجْبَ"، أو كما قال.

الخامس عشر: أن يعريه من لباس الإدلال الذي يصلح للملوك ، ويلبسه لباس الذل الذي لا يليق بالعبد سواه.

السادس عشر: أن يستخرج من قلبه عبوديته بالخوف والخشية ، وتوابعهما من البكاء والإشفاق والندم.

السابع عشر: أن يعرف مقداره ، مع معافاته وفضله في توفيقه وعصمته، فإن من تربى في العافية، لا يعرف ما يقاسيه المبتلى ولا يعرف مقدار العافية.

الثامن عشر: أن يستخرج منه محبته وشكره لربه إذا تاب إليه ورجع إليه، فإن الله يحبه ويوجب له بهذه التوبة مزيد محبة وشكر ورضا

لا يحصل بدون التوبة ، وإن كان يحصل بغيرها من الطاعات أثر آخر، لكن هذا الأثر الخاص لا يحصل إلا بالتوبة.









رد مع اقتباس
قديم 2018-11-06, 14:56   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)

التاسع عشر: أنه إذا شهد إساءته وظلمه، واستكثر القليل من نعمة الله ، لعلمه بأن الواصل إليه منها كثير ، على مسيء مثله، فاستقل الكثير من عمله

لعلمه بأن الذي يصلح له أن يغسل به نجاسته وذنوبه : أضعاف ، أضعاف ما يفعله ؛ فهو دائماً مستقل لعمله كائناً ما كان، ولو لم يكن في فوائد الذنب وحكمه إلا هذا وحده لكان كافياً.

العشرون: أنه يوجب له التيقظ والحذر من مصايد العدو ومكايده، ويعرفه من أين يدخل عليه، وبماذا يحذر منه، كالطبيب الذي ذاق المرض والدواء.

الثاني والعشرون: أنه يرفع عنه حجاب الدعوى، ويفتح له طريق الفاقة، فإنه لا حجاب أغلظ من الدعوى، ولا طريق أقرب من العبودية، فإن دوام الفقر إلى الله مع التخليط خير من الصفاءِ مع العجب.

الثالث والعشرون: أن تكون في القلب أَمراض مزمنة لا يشعر بها، فيطلب دواءَها، فيَمُن عليه اللطيف الخبير، ويقضي عليه بذنب ظاهر، فيجد أَلم مرضه

فيحتمى ، ويشرب الدواءَ النافع ، فتزول تلك الأمراض التي لم يكن يشعر بها، ومن لم يشعر بهذه اللطيفة ، فغلظ حجابه كما قيل:

لعل عتبك محمود عواقبه *** وربما صحت الأجسام بالعلل

الرابع والعشرون: أن يذيقه ألم الحجاب والبعد بارتكاب الذنب، ليكمل له نعمته وفرحه وسروره إذا أقبل بقلبه إليه، وجمعه عليه، وأقامه في طاعته

فيكون التذاذه في ذلك- بعد أن صدر منه ما صدر- بمنزلة التذاذ الظمآن بالماء العذب الزلال، والشديد الخوف بالأمن، والمحب الطويل الهجر بوصل محبوبه. وإن لطف الرب وبره وإحسانه

ليبلغ بعبده أكثر من هذا، فيا بؤس من أعرض عن معرفة ربه ومحبته.

الخامس والعشرون: امتحان العبد ، واختباره هل يصلح لعبوديته وولايته أم لا، فإنه إذا وقع الذنب، سُلِب حلاوةَ الطاعة والقرب، ووقع في الوحشة. فإن كان ممن يصلح

اشتاقت نفسه إلى لذة تلك المعاملة ، فحنَّت ، وأنَّت ، وتضرعت ، واستغاثت بربها ، ليردَّها إلى ما عوَّدها ، من بره ولطفه، وإن ركبت غيها ، واستمر إعراضها ، ولم تَحِنَّ إلى معهدها الأول

ومأْلفها، ولم تحس بضرورتها ، وفاقتها الشديدة إلى مراجعة قربها من ربها ؛ علم أنها لا تصلح لله، وقد جاء هذا بعينه في أثر إلهي لا أحفظه.

السادس والعشرون: أن الحكمة الإلهية اقتضت تركيب الشهوة والغضب في الإنسان أو بعضها، ولو لم يخلق فيه هذه الدواعي لم يكن إِنساناً بل ملكاً، فالذنب من موجبات البَشرية

كما أن النسيان من موجباتها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الخطَّائِينَ التَّوَّابُونَ)، ولا يتم الابتلاءُ والاختبار إلا بذلك.

السابع والعشرون: أن ينسيه رؤية طاعته ويشغله برؤية ذنبه، فلا يزال نصب عينيه، فإن الله إذا أراد بعبد خيراً ، سلب رؤية أعماله الحسنة من قلبه

والإخبار بها من لسانه، وشغله برؤية ذنبه، فلا يزال نصب عينيه ، حتى يدخل الجنة، فإن ما تقبل من الأعمال رفع من القلب رؤيته ومن اللسان ذكره.

وقال بعض السلف: إن العبد ليعمل الخطيئة فيدخل بها الجنة، ويعمل الحسنة فيدخل بها النار، قالوا: كيف؟ قال: يعمل الخطيئة فلا تزال نصب عينيه، إذا ذكرها ندم واستقال

وتضرع إلى الله، وبادر إلى محوها ، وانكسر ، وذل لربه ، وزال عنه عُجْبُه ، وكبره .

ويعمل الحسنة فلا تزال نصب عينيه ، يراها ، ويمن بها ، ويعتد بها ، ويتكبر بها ؛ حتى يدخل النار.

الثامن والعشرون: أن شهود ذنبه وخطيئته : يوجب له أن لا يرى له على أحد فضلاً، ولا له على أحد حقاً. فإنه إذا شهد عيب نفسه بفاحشة ، وخطأها وذنوبها

لا يظن أنه خير من مسلم ، يؤمن بالله واليوم الآخر، وإذا شهد ذلك من نفسه لم ير لها على الناس حقوقاً من الإِكرام ، يتقاضاهم إياها ، ويذمهم على ترك القيام بها، فإنها عنده أخس قدراً

وأقل قيمة ، من أن يكون لها على عباد الله حقوق يجب مراعاتها، أو لها عليهم فضل يستحق أن يكرموه لأجله، فيرى أن من سلم عليه

أو لقيه بوجه منبسط : قد أحسن إليه، وبذل له ما لا يستحقه، فاستراح في نفسه، واستراح الناس من عتبه ، وشكايته. فما أطيب عيشه وما أنعم باله، وما أقر عينه، وأين هذا ممن لا يزال عاتباً على الخلق

شاكياً ترك قيامهم بحقه ، ساخطاً عليهم ، وهم عليه أسخط؟ فسبحان ذي الحكمة الباهرة التي بهرت عقول العالمين.

التاسع والعشرون: أنه يوجب له الإمساك عن عيوب الناس والفكرِ فيها، فإنه في شغل بعيبه ونفسه، وطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وويل لمن نسي عيبه وتفرغ لعيوب الناس

فالأَول علامة السعادة، والثاني علامة الشقاوة
.
الثلاثون: أنه يوجب له الإِحسان إلى الناس ، والاستغفار لإخوانه الخاطئين من المؤمنين

فيصير هجِّيراه: ربِّ اغفر لي ولوالدي وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، فإنه يشهد أن إخوانه الخاطئين يصابون بمثل ما أُصيب به

ويحتاجون إِلى مثل ما هو محتاج إليه، فكما يحب أن يستغفر له أخوه المسلم ، يحب أن يستغفر هو لأخيه المسلم ..
.
الحادي والثلاثون: أنه يوجب له سعة بِطانه ، وحلمه ، ومغفرته لمن أساء إليه، فإنه إذا شهد نفسه مع ربه ، مسيئاً خاطئاً مذنباً - مع فرط إحسانه إليه ، وبره

وشدة حاجته إلى ربه ، وعدم استغنائه عنه طرفة عين ، وهذا حاله مع ربه - فكيف يطمع أَن يستقيم له الخلق ، ويعاملوه بمحض الإحسان ، وهو لم يعامل ربه بتلك المعاملة؟

وكيف يطمع أن يطيعه مملوكه وولده وزوجته في كل ما يريد ، وهو مع ربه ليس كذلك، وهذا يوجب أن يغفر لهم ويسامحهم ، ويعفو عنهم ، ويغضي عن الاستقصاءِ في طلب حقه قِبَلَهم"

انتهى باختصار من "طريق الهجرتين" (ص166-173)

والله أعلم.


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









رد مع اقتباس
قديم 2018-11-09, 15:04   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)


اخوة الاسلام

أحييكم بتحية الإسلام
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته



أسباب تيسير العبادة والشعور بلذتها

السؤال

هل طبيعي في المسلم أن تشق عليه الطاعة مشقة عظيمة لا يقدر على فعلها لخلل في قلبه من جبن مثلا أو غيره فيقول في نفسه لو عرفت الله حق المعرفة لتمكنت من فعل هذه الطاعة بكل سهولة

و هذا حق ، فيبدأ رحلته في معرفة الله بالنّظر في الكون ليزداد إيمانه ، ولكن مع ذلك تبقى تلك الطاعة شاقة عليه ، فيصيبه الحزن الشديد كونه عاجز وجبان

و لكن قُذف في قلبي أنّ النظر في الكون وحده وفي نعم الله غير كاف بل لابد من الدّعاء لأنّه سرّ التوفيق ومفتاحه ، فهل هذا الكلام الّذي أعزّي به نفسي صحيح؟

أرجو الجواب بدقّة ؟


الجواب

الحمد لله

التوفيق للطاعات والشعور بلذتها له أسباب كثيرة، من أعظمها ما ذكرت من معرفة الله ومحبته ودعائه.

1-ومعرفة الله تعالى لا تحصل بالنظر في آياته المشاهدة فحسب، بل تحصل أيضا بالنظر في آياته الشرعية المقروءة، وذلك بتلاوة كتابه، وتدبره، والنظر في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم التي هي وحي منه تعالى.

فكلما أدمن العبد النظر في آيات الله مع التدبر والتفهم؛ امتلأ قلبه من حبه، ومعرفته، والإقبال عليه، فيزيد بذلك إيمانه ويقينه، وهذا يسهل عليه العبادة مهما بدت شاقة، ولهذا بذل الصالحون أرواحهم ومهجهم في سبيل الله تعالى.

قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ

* أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) الأنفال/2- 4

وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون: هيا نؤمن ساعة، فيذكرون الله تعالى.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " كان معاذ بن جبل يقول لرجل: اجلس بنا نؤمن نذكر الله تعالى.

وروى أبو اليمان: حدثنا صفوان عن شريح بن عبيد ، أن عبد الله بن رواحة كان يأخذ بيد الرجل من أصحابه ، فيقول: قم بنا نؤمن ساعة، فنحن في مجلس ذكر"

انتهى من مجموع الفتاوى (7/ 225).

2-وكلما تأمل العبد في آيات الله الكونية؛ امتلأ قلبه تعظيما وإجلالا لله، ولهذا دعانا الله لهذا النظر والتفكر.

قال تعالى: ( وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ) الذاريات/21.

قال قتادة رحمه الله:

من تفكر في نفسه ، عرف أنما لينت مفاصله للعبادة.

وقال تعالى: ( وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) الأنعام/75.

وهذا يدل على أن النظر في الآيات الكونية يزيد الإيمان واليقين.

قال الإمام أبو بكر ابن العربي المالكي رحمه الله: " أمر الله تعالى بالنظر في آياته، والاعتبار بمخلوقاته في أعداد كثيرة من آي القرآن، أراد بذلك زيادة في اليقين، وقولا في الإيمان، وتثبيتا للقلوب على التوحيد.

وقد روى ابن القاسم عن مالك؛ قال: قيل لأم الدرداء: ما كان أكثر شأن أبي الدرداء؟ قالت: كان أكثر شأنه التفكر. قيل له: أفترى الفكر عملا من الأعمال؟ قال: نعم. هو اليقين.

وقيل لابن المسيب ، في الصلاة بين الظهر والعصر؟

فقال: ليست هذه عبادة؛ إنما العبادة الورع عما حرم الله ، والفكر في أمر الله.

وقال الحسن: تفكرُ ساعة خير من قيام ليلة" انتهى من أحكام القرآن (2/ 351).

3- ومن أسباب زيادة الإيمان، والإقبال على الله تعالى، والفرح والأنس بعبادته: نظر العبد في نعم الله عليه في نفسه وأهله وماله، فذلك يثمر المحبة، ويدعو للشكر، ويخفف العبادة ويسهلها على النفس.

وكلما زادت محبة العبد لربه، شعر بلذة العبادة.

قال ابن القيم رحمه الله:

" المحب يتلذذ بخدمة محبوبه ، وتصرفه في طاعته، وكلما كانت المحبة أقوى ، كانت لذة الطاعة والخدمة أكمل، فليزن العبد إيمانه ومحبته لله بهذا الميزان، ولينظر هل هو ملتذ بخدمته

كالتذاذ المحب بخدمة محبوبه ، أو متكرِّه لها ، يأتي بها على السآمة والملل والكراهة؟ فهذا محك إيمان العبد ، ومحبته لله.

قال بعض السلف: إني أدخل الصلاة فأحمل هم خروجي منها ، ويضيق صدري إذا عرفت أني خارج منها .

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( جعلت قرة عيني في الصلاة ) . ومن كانت قرة عينه في شيء ؛ فإنه يود أن لا يفارقه ، ولا يخرج منه ؛ فإن قرة عين العبد : نعيمه ، وطيب حياته به.

وقال بعض السلف: إني لأفرح بالليل حين يقبل، لما يلَذُّ به عيشي ، وتقر به عيني ، من مناجاة من أُحب، وخلوتي بخدمته ، والتذلل بين يديه .

وأغتم للفجر إذا طلع، لما اشتغل به بالنهار عن ذلك !!

فلا شيء ألذ للمحب من خدمة محبوبه وطاعته.

وقال بعضهم: تعذبت بالصلاة عشرين سنة، ثم تنعمت بها عشرين سنة.

وهذه اللذة ، والتنعم بالخدمة ؛ إنما تحصل بالمصابرة ، على التكرُّهِ والتعب ، أولاً .

فإذا صبر عليه ، وصدق في صبره : أفضى به إلى هذه اللذة.

قال أبو يزيد: سقت نفسى إلى الله ، وهى تبكى، فما زلت أسوقها ، حتى انساقت إليه وهى تضحك!!

ولا يزال السالك عرضة للآفات ، والفتور والانتكاس ، حتى يصل إلى هذه الحالة .

فحينئذ ؛ يصير نعيمه في سيره ، ولذتُه في اجتهاده ، وعذابه في فتوره ووقوفه، فترى أشد الأشياء عليه ، ضياع شيء من وقته ، ووقوفه عن سيره .

ولا سبيل إلى هذا ؛ إلا بالحب المزعج"

انتهى من طريق الهجرتين (2/697-698) ط عالم الفوائد.









رد مع اقتباس
قديم 2018-11-09, 15:05   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي



4- ومن أعظم أسباب التوفيق والإعانة: سؤال الله تعالى ، والالتجاء إليه، وقد علّم النبي صلى الله عليه وسلم معاذا أن يقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

روى أبو داود (1522) والنسائي (1303) عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ ، وَقَالَ : ( يَا مُعَاذُ ؛ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ فَقَالَ أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعَنَّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ تَقُولُ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ ).

5-واعلم أنه لابد مع ذلك كله من الاجتهاد، والمثابرة، والصبر، فمن اجتهد وكابد ذاق لذة العبادة.

قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) آل عمران/200

وقال: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت/69

قال محمد بن المنكدر : كابدت نفسي أربعين عاماً حتى استقامت لي .

وقال ثابت البناني : كابدت نفسي على قيام الليل عشرين سنة وتلذذت به عشرين سنة.

6-ومن أعظم ما يعينه على علاج ذلك ، مداواة الشيء بضده ؛ فمن كان بخيلا ، فسبيله أن يجاهد نفسه على البذل ، ويحملها على الجود بما عندها ، وترك الشح

رويدا ، رويدا . ومن كان جبانا ، عالجها على التصبر والشجاعة ، وحملها على قول الحق ، وعمله ، والتحمل في سبيله . ومن كان مهذارا ، كثير الكلام ، خواضا في الباطل ، أمسك لسانه ، وزمه ، وراقبه .

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مَا يَكُنْ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ لاَ أَدَّخِرْهُ عَنْكُمْ، وَإِنَّهُ مَنْ يَسْتَعِفَّ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ، وَلَنْ تُعْطَوْا عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ ) .

رواه البخاري (6470) ومسلم (1053) .

وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ، وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، مَنْ يَتَحَرَّى الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ ) .

رواه الطبراني في الأوسط (2663) ، وغيره ، وحسنه الألباني .

7-ومن وسائل ذلك: ترك الذنوب والمعاصي، فإنها حجاب بين العبد وربه، وسبب من أسباب حرمان الرزق والخير.

قال رجل لإبراهيم بن أدهم : إني لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواء ؟

فقال : لا تعصيه بالنهار ، وهو يُقيمك بين يديه في الليل ، فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف ، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف .

وقال رجل للحسن البصري : يا أبا سعيد : إني أبِيت معافى ، وأحب قيام الليل ، وأعِدّ طهوري ، فما بالي لا أقوم ؟

فقال الحسن : ذنوبك قيدتْك .

وقال رحمه الله : إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل ، وصيام النهار .

وقال الفضيل بن عياض : إذا لم تقدر على قيام الليل ، وصيام النهار ، فأعلم أنك محروم مكبّل ، كبلتك خطيئتك .

8- ومما يعين على الطاعة وييسرها: قراءة ما أعد الله لأهلها من الثواب الجزيل والأجر العظيم، ومطالعة سير الصالحين، والوقوف على عبادات المحبين

فانظر: الترغيب والترهيب، للمنذري، والمتجر الرابح في ثواب العمل الصالح، للدمياطي، وصفة الصفوة، لابن الجوزي، وسير أعلام النبلاء، للذهبي.

نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد .

والله أعلم.









رد مع اقتباس
قديم 2018-11-09, 15:13   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

إذا نفع الإنسان غيره فهل يكون مجبورا على ذلك ؛ لأن الله هو النافع ؟

السؤال

هل يستطيع المخلوق أن ينفع أو يضر؟

وكيف نوافق بين ذلك، وبين أن الله هو النافع والضار ؟

وهل كون الله هو النافع الضار يفضي بنا إلى القول بعقيدة الجبرية ؛ أي إن الإنسان مجبور على مساعدة شخص ما بمال أو بغيره ، أرجو أن تجيبوا على أسئلتي كلها ، فأنا في حيرة كبيرة ، وقد وصل الأمر إلى الوسواس .


الجواب

الحمد لله

أولا :

لا شك أن من أصول اعتقاد المسلم : أن الله جل جلاله خالق الخلق ، ومالك الملك ، تفرد بالخلق والتدبير ، وليس له في ملكه شريك ، ولا في سلطانه ند ، ولا نظير ، سبحانه وتعالى .

قال الله تعالى : ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *

تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) آل عمران/26-27

والله جل جلاله ، هو وحده من يملك النفع والضر ، دون من سواه ، وهذا من دلائل عظمته ، وآيات ربوبيته ووحدانيته : أنه هو وحده من يملك الضر والنفع ، والعطاء والمنع ، والخفض والرفع .

قال الله تعالى : (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) المائدة/76

وقال تعالى : (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) يونس/18

وقال تعالى : (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ

أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) الرعد/16

وقد دل الله عباده على أن الحنيفية السمحة : أن يعبدوا الله رب العالمين ، مالك الملك ، الذي بيده ملكوت كل شيء ، وأن عبادة غيره ، ممن لا يملك ضرا ولا نفعا : ظلم مبين .

قال تعالى : (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ) يونس/105-106

وقال تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ

* يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ * يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) الحج/11-13

ثانيا :

إذا تقرر أن الله جل جلاله هو وحده ، مالك الضر والنفع ، والعطاء والمنع ، فإن ذلك لا ينفي أن يكون للعبد قدرة على أن ينفع غيره من العباد

أو يضرهم ، بما أقدره الله عليه ؛ كما أن الله تعالى هو المعطي المانع ، ولا ينفي ذلك أن العبد يعطي غيره ، أو يمنعه .. وهكذا ما كان من هذا الباب

فإن الله جل جلاله هو المعطي حقيقة ، لأنه الخالق لكل شيء ، والعبد يعطي غيره ما يملكه ، وما يمكن لمثله أن يعطيه ـ حقيقة ـ لكن جهة نسبة الأفعال هنا مختلفة

فالله هو المعطي : خلقا ، وتقديرا ، والعبد هو المعطي: فعلا ، واكتسابا .

قال الله تعالى : ( قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ) يونس/49

وهكذا ، كما أن للعبد مشيئة ، حقيقة ، وهو يفعل أفعاله ، بمشيئته هذه واختياره ، وإن كان كل ذلك بخلق الله وتدبيره ، وتصريفه لأمر خلقه

لا يخرج أحد عن سلطانه ، وكل مشيئة للعباد ، فإنما هي تحت سلطان الله ، وبعد مشيئته ، سبحانه .

قال الله تعالى : (إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) الإنسان/29-30

وهذا هو ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما : أن قدرة العباد على العطاء والمنع ، والضر والنفع ، فيما يقدر عليه مثلهم من الخلق : إنما هي خاضعة لأمر الله وتقديره وتدبيره :

( يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ

وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ )

قال الترمذي رحمه الله :

"هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ " ، وقال ابن رجب ـ عن طريق الترمذي هذه ـ : "حسنة جيدة"

انتهى من "جامع العلوم والحكم" (1/483)

وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :

”لم يقل النبي صلي الله عليه وسلم : لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك ؛ بل قال: ( لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ) .

فالناس بلا شك ينفع بعضهم بعضا، ويعين بعضهم بعضا، ويساعد بعضهم بعضا، لكن كل هذا مما كتبه الله للإنسان ، فالفضل فيه أولا لله عز وجل ، هو الذي سخر لك من ينفعك ويحسن إليك ويزيل كربتك .

وكذلك بالعكس ، لو اجتمعوا علي أن يضروك بشيء ، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك.

والإيمان بهذا يستلزم أن يكون الإنسان متعلقا بربه ، ومتكلا عليه ، لا يهتم بأحد ، لأنه يعلم أنه لو اجتمع كل الخلق علي أن يضروه بشيء

لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه ؛ وحينئذ يعلق رجاءه بالله ويعتصم به ، ولا يهمه الخلق ولو اجتمعوا عليه "

انتهى من "شرح رياض الصالحين" (1/492) .

ثانيا :

العبد له مشيئة واختيار ، بها يفعل ويترك ، ويؤمن ويكفر ، ويطيع ويفجر ، وعليها يحاسب ويجازى ، مع أن الله سبحانه يعلم ما يكون عليه ، وما سيختاره

وكيف سيكون مصيره ، لكن الله لم يجبره على فعل الشر ، ولا اختيار الكفر ، بل وضح له الطريق ، وأرسل له الرسل وأنزل له الكتب ، ودله على الصواب ، فمن ضل فإنما يضل على نفسه ، ومن هلك فإنما يهلك عليها .

قال تعالى : ( وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) الكهف/29

وقال : ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) الإنسان/3

وقال : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) الزلزلة/7، 8

وقال : ( وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) الأعراف/43

وقال : ( وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) السجدة/14 .

فبين سبحانه أن الإنسان يؤمن ويعمل والصالحات ، باختياره ومشيئته ، فيدخل الجنة ، أو يكفر ويعمل السيئات باختياره ومشيئته ، فيدخل النار .

لمَا كَانَ الِاحْتِجَاجُ بِالْقَدَرِ بَاطِلًا فِي فِطَرِ الْخَلْقِ وَعُقُولِهِمْ : لَمْ تَذْهَبْ إلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ الْأُمَمِ ، وَلَا هُوَ مَذْهَبُ أَحَدٍ مِنْ الْعُقَلَاءِ الَّذِينَ يَطْرُدُونَ قَوْلَهُمْ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَيْهِ مَصْلَحَةُ أَحَدٍ لَا فِي دُنْيَاهُ وَلَا آخِرَتِهِ "

انتهى من "مجموع الفتاوى" (1/167) .

وقال الشيخ السعدي رحمه الله :

" كل عاقل لا يقبل الاحتجاج بالقدر ، ولو سلكه في حالة من أحواله لم يثبت عليها قدمه .

وأما شرعا ، فإن اللّه تعالى أبطل الاحتجاج به ، ولم يذكره عن غير المشركين به المكذبين لرسله "

انتهى من "تفسير السعدي" (1/763) .

والنصيحة للسائل الكريم : أن يدع الالتفات إلى الوساوس ، فإنها متى استمكنت من العبد أفسدت عليه أمره كله ، وأهلكت دينه ودنياه ، وليحذر من التنقير والتدقيق ، فيما لا طائل من ورائه

ولا منفعة ترجى منه ، وليكثر من ذكر الله تعالى ، والمحافظة على الطهارة والصلاة ، فإن ذلك من أعظم ما يعصمه من كيد الشيطان ، ووساوسه .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-11-09, 15:20   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

إذا كانت الأمور مقدرة فكيف يحاسب العبد عليها

السؤال

هل اكتساب المعصية ، أو الإقدام عليها ، أمر مكتوب ومقدر عند الله ؟

إذا كانت الإجابة نعم ؛ فلماذا يقدر الخالق على بشر اكتساب الذنب ، وآخرون يكتسبون الأجر وجميعنا بشر من نفس الجنس ؟

ولكم جزيل الشكر والتقدير


الجواب

الحمد لله

يجب على العبد أن يؤمن بأمرين :

الأول : أن الله تعالى خالق كل شيء ، وأنه لا يقع في الكون شيء إلا بإرادته ومشيئته

وأنه علم ما سيكون ، وكتب ذلك كله في كتاب ، قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة ، كما صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم

وأنه سبحانه وتعالى عدل لا يظلم أحدا مثقال ذرة ، لأنه غني عن خلقه ، لا يحتاج إليهم ، وهو المتفضل عليهم في جميع الأحوال ، فكيف يظلمهم !

وقد دل على هذا الأصل أدلة كثيرة من الكتاب والسنة

فمن ذلك قوله تعالى : ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) القمر/49

وقوله : ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) الحديد/22

وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قَالَ وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ) رواه مسلم (2653).

والأمر الثاني : أن العبد له مشيئة واختيار ، بها يفعل ويترك ، ويؤمن ويكفر ، ويطيع ويفجر ، وعليها يحاسب ويجازى ، مع أن الله سبحانه يعلم ما يكون عليه

وما سيختاره ، وكيف سيكون مصيره ، لكن الله لم يجبره على فعل الشر ، ولا اختيار الكفر ، بل وضح له الطريق ، وأرسل له الرسل وأنزل له الكتب ، ودله على الصواب

فمن ضل فإنما يضل على نفسه ، ومن هلك فإنما يهلك عليها .

قال تعالى : ( وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) الكهف/29

وقال : ( إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ) الإنسان/3

وقال : ( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) الزلزلة/7، 8

وقال : ( وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) الأعراف/43

وقال : ( وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) السجدة/14 .

فبين سبحانه أن الإنسان يؤمن ويعمل والصالحات ، باختياره ومشيئته ، فيدخل الجنة ، أو يكفر ويعمل السيئات باختياره ومشيئته ، فيدخل النار .

وكل إنسان يعلم من نفسه ومن النظر إلى من حوله ، أن أعمالنا - من خير وشر ، وطاعة ومعصية – نفعلها باختيارنا ، ولا نشعر بسلطة تجبرنا على فعلها

فأنت تستطيع أن تسب وتشتم وتكذب وتغتاب ، كما تستطيع أن تحمد وتسبح وتستغفر وتصدق وتنصح ، وتستطيع أن تمشي إلى أماكن اللهو والباطل والمنكر

كما تستطيع أن تمشي إلى المساجد وأماكن الخير والطاعة ، وهكذا يستطيع الإنسان أن يضرب بيده ، ويسرق ويزوّر ويخون ، ويستطيع أن يساعد المحتاج

ويبذل الخير ، ويقدم المعروف بيده . وكل إنسان يؤدي شيئا من هذه الأعمال ، لا يشعر بالجبر ولا بالقهر ، بل يفعلها باختياره وإرادته ، ومن ثم فإنه سيحاسب عليها ، إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر .

وما كتبه الله تعالى وقدره ، أمر لا يعلم به العبد ، ولا يصح له أن يعتمد عليه ، أو يحتج به ، كما لا يصح أن يعترض على ربه ، لم جعلت هذا في الأشقياء

وذاك في السعداء ، فإن الله لم يظلم هذا الشقي ، بل أعطاه المهلة والقدرة والاختيار ، وأرسل له الرسل وأنزل معهم الكتب

وذكّره وأنذره بأنواع من المذكّرات ، كالمصائب والابتلاءات ، ليتوب إليه ، ويقبل عليه ، فإذا اختار طريق الغواية ، وسلك سبيل المجرمين

فلن يضر إلا نفسه ، وهو من أهلك نفسه ، كما قال تعالى : ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا . وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) الشمس/9، 10

وقال : ( وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) آل عمران/117

وقال : ( أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) التوبة/70

والحاصل أن الإيمان بأن الله تعالى هو الخالق ، الذي قدر الأشياء وكتبها ، وميز السعداء من الأشقياء ، لا يعني أن الله جبر عباده على الطاعة أو المعصية

بل أعطاهم القدرة والإرادة والاختيار ، فبها يفعلون ، وعليها يحاسبون ، وما ربك بظلام للعبيد .

والله أعلم .









رد مع اقتباس
قديم 2018-11-09, 15:31   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)

معنى حديث " فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار "

السؤال

أريد شرح هذا الحديث : عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود رضي الله عنـه قال حدثنه رسول الله صلى الله عليه وآله وهو الصادق المصدوق ( إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً نطفه ثم يكون علقه مثل ذلك ثم

يكون مضغه مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وٍأجله وعمله وشقي أم سعيد فو الله الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها ذراع

فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل

أهل الجنة فيدخلها ) رواه البخاري بصراحـة أجد نوعا من التحبيط أني قد أعمل بعمل أهل الجنة ومكتوب أني من أهل النار ، وأرجو من فضيلتكم الإجابـة مأجورين ومشكورين على جهودكم ، والله يجعلها في ميزان حسناتكم
.

الجواب

الحمد لله

قال ابن القيم رحمه الله :

" الجهال بالله وأسمائه وصفاته ، المعطلون لحقائقها ، يُبَغِّضون اللهَ إلى خلقه ، ويقطعون عليهم طريق محبته ، والتودد إليه بطاعته من حيث لا يعلمون !!

ونحن نذكر من ذلك أمثلة يُحتذى عليها : فمنها أنهم يقررون في نفوس الضعفاء أن الله سبحانه لا تنفع معه طاعة ، وإن طال زمانها وبالغ العبد وأتى بها بظاهره وباطنه

وأن العبد ليس على ثقة ولا أمن من مكره ؛ بل شأنه سبحانه أن يأخذ المطيع المتقي من المحراب إلى الماخور ، ومن التوحيد والمسبحة إلى الشرك والمزمار

ويقلب قلبه من الإيمان الخالص إلى الكفر ، ويروون في ذلك آثار صحيحة لم يفهموها ، وباطلة لم يقلها المعصوم ، ويزعمون أن هذا حقيقة التوحيد .. "

انتهى ، الفوائد (159) .

ثم قال رحمه الله

: " ... فأفلس هذا المسكين من اعتقاد كون الأعمال نافعة أو ضارة ؛ فلا بفعل الخير يستأنس ، ولا بفعل الشر يستوحش ، وهل في التنفير عن الله وتبغيضه إلى عباده أكثر من هذا ؟

!! ولو اجتهد الملاحدة على تبغيض الدين والتنفير عن الله لما أتوا بأكثر من هذا .

وصاحب هذه الطريقة يظن أنه يقرر التوحيد والقدر ، ويرد على أهل البدع ، وينصر الدين ، ولعمر الله : العدو العاقل أقل ضررا من الصديق الجاهل

وكتب الله المنزلة كلها ورسله كلهم شاهدة بضد ذلك ، ولا سيما القرآن ؛ فلو سلك الدعاة المسلك الذي دعا الله ورسوله به الناس إليه لصلح العالم صلاحا لا فساد معه .

فالله سبحانه أخبر ، وهو الصادق الوفي ، أنه إنما يعامل الناس بكسبهم ، ويجازيهم بأعمالهم ، ولا يخاف المحِسن لديه ظلما ولا هضما

ولا يخاف بخسا ولا رهقا ، ولا يضيع عمل محسن أبدا ، ولا يضيع على العبد مثقال ذرة ، ولا يظلمها : ( وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما )

وإن كان مثقال حبة من خردل جازاه بها ، ولا يضيعها عليه ، وأنه يجزي بالسيئة مثلها ، ويحبطها بالتوبة والندم والاستغفار والحسنات والمصائب

ويجزي بالحسنة عشر أمثالها ، ويضاعفها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة !!

وهو الذي أصلح الفاسدين ، وأقبل بقلوب المعرضين ، وتاب على المذنبين ، وهدى الضالين ، وأنقذ الهالكين ، وعلَّم الجاهلين ، وبصَّر المتحيرين

وذكَّر الغافلين ، وآوى الشاردين ، وإذا أوقع عقابا أوقعه بعد شدة التمرد والعتو عليه ، ودعوة العبد إلى الرجوع إلى إليه ...) . انتهى

الفوائد (161) .

وهذا الحديث العظيم رواه البخاري (3208) ومسلم (2643) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه ، وقد أشكل على بعض الناس قوله صلى لله عليه وسلم فيه :

( فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْكُمْ لَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجَنَّةِ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ كِتَابُهُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ إِلَّا ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ ).

وهو مثال لما أشار إليه ابن القيم رحمه الله من الآثار الصحيحة التي لم يفهموها .

والجواب عن ذلك أن هذا في حق من لا يعمل إخلاصا وإيمانا ، بل يعمل بعمل أهل الجنة

( فيما يبدو للناس ) فقط ، كما جاء موضحا في الحديث الآخر الذي رواه البخاري (4207) ومسلم (112) عَنْ سَهْلٍ قَالَ الْتَقَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُشْرِكُونَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ

فَاقْتَتَلُوا فَمَالَ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى عَسْكَرِهِمْ وَفِي الْمُسْلِمِينَ رَجُلٌ لَا يَدَعُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ شَاذَّةً وَلَا فَاذَّةً إِلَّا اتَّبَعَهَا فَضَرَبَهَا بِسَيْفِهِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَجْزَأَ أَحَدٌ مَا أَجْزَأَ فُلَانٌ فَقَالَ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ

فَقَالُوا أَيُّنَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِنْ كَانَ هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ لَأَتَّبِعَنَّهُ فَإِذَا أَسْرَعَ وَأَبْطَأَ كُنْتُ مَعَهُ حَتَّى جُرِحَ فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نِصَابَ سَيْفِهِ بِالْأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ

عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَجَاءَ الرَّجُلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ وَمَا ذَاكَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ : ( إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ

أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ).

وأما من يعمل بعمل أهل الجنة حقيقة ، إخلاصا وإيمانا ، فالله تعالى أعدل وأكرم وأرحم من أن يخذله في نهاية عمره
.









رد مع اقتباس
قديم 2018-11-09, 15:32   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي



بل هذا أهل للتوفيق والتسديد والتثبيت

كما قال تعالى : ( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ) إبراهيم/27

وقال : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) العنكبوت/69

وقال : ( إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ) يوسيف/90

وقال : ( يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ) آلعمران/171

قال ابن القيم رحمه الله في "الفوائد" ص 163 :

" وأما كون الرجل يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب ، فإن هذا عمل أهل الجنة فيما يظهر للناس ، ولو كان عملا صالحا مقبولا للجنة قد أحبه الله ورضيه لم يبطله عليه

. وقوله : ( لم يبق بينه وبينها إلا ذراع ) يشكل على هذا التأويل

فيقال : لما كان العمل بآخره وخاتمته ، لم يصبر هذا العامل على عمله حتى يتم له ، بل كان فيه آفة كامنة ونكتة خُذل بها في آخر عمره ، فخانته تلك الآفة والداهية الباطنة في وقت الحاجة

فرجع إلى موجبها ، وعملت عملها ، ولو لم يكن هناك غش وآفة لم يقلب الله إيمانه ... والله يعلم من سائر العباد ما لا يعلمه بعضهم من بعض " انتهى .

وقال ابن رجب رحمه الله :

" وقوله : ( فيما يبدو للناس ) إشارة إلى أن باطن الأمر يكون بخلاف ذلك ، وأن خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس ؛ إما من جهة عمل سيء ونحو ذلك

فتلك الخصلة الخفية توجب سوء الخاتمة عند الموت .

وكذلك قد يعمل الرجل عمل أهل النار ، وفي باطنه خصلة خفيه من خصال الخير ، فتغلب عليه تلك الخصلة في آخر عمره ، فتوجب له حسن الخاتمة .

قال عبد العزيز بن أبي رواد : حضرت رجلا عند الموت يلقن الشهادة : لا إله إلا الله ، فقال في آخر ما قال : هو كافر بما تقول ، ومات على ذلك !!

قال : فسألت عنه ، فإذا هو مدمن خمر !!

وكان عبد العزيز يقول اتقوا الذنوب فإنها هي التي أوقعته .

وفي الجملة : فالخواتيم ميراث السوابق ؛ وكل ذلك سبق في الكتاب السابق ، ومن هنا كان يشتد خوف السلف من سوء الخواتيم ، ومنهم من كان يقلق من ذكر السوابق .

وقد قيل : إن قلوب الأبرار معلقة بالخواتيم ، يقولون : بماذا يختم لنا ؟!!

وقلوب المقربين معلقة بالسوابق ، يقولون : ماذا سبق لنا ؟!! ...

وقال سهل التستري : المريد يخاف أن يبتلى بالمعاصي ، والعارف يخاف أن يبتلى بالكفر !!

ومن هنا كان الصحابة ومن بعدهم من السلف الصالح يخافون على أنفسهم النفاق ، ويشتد قلقهم وجزعهم منه ؛ فالمؤمن يخاف على نفسه النفاق الأصغر

ويخاف أن يغلب ذلك عليه عند الخاتمة فيخرجه إلى النفاق الأكبر ؛ كما تقدم أن دسائس السوء الخلفية توجب سوء الخاتمة " انتهى .

جامع العلوم والحكم (1/57-58) .

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله

: " إن حديث ابن مسعود : (حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع) أي: بين الجنة ، ليس المراد أن عمله أوصله إلى هذا المكان حتى لم يبق إلا ذراع

لأنه لو كان عمله عمل أهل الجنة حقيقة من أول الأمر ما خذله الله عز وجل

لأن الله أكرم من عبده، عبد مقبل على الله ، ما بقي عليه والجنة إلا ذراع ، يصده الله؟! هذا مستحيل ، لكن المعنى: يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس

حتى إذا لم يبق على أجله إلا القليل زاغ قلبه والعياذ بالله -نسأل الله العافية- هذا معنى حديث ابن مسعود . إذاً: لم يبق بينه وبين الجنة إلا ذراع بالنسبة لأجله ، وإلا فهو من الأصل ما عمل عمل أهل الجنة -نعوذ بالله من ذلك

نسأل الله ألا يزيغ قلوبنا- عامل وفي قلبه سريرة خبيثة أودت به إلى أنه لم يبق إلا ذراع ويموت "

انتهى من "اللقاء الشهري" (13/14).

وأشار بعض أهل العلم إلى أن المذكور في الحديث قد يعمل بعمل أهل الجنة حقيقة ، حتى إذا اقترب أجله ساءت خاتمته ، فمات على كفر أو معصية ، لكن هذا نادر

وهو راجع أيضا إلى خبيئة وبلية يقيم عليها هذا الشخص

من اعتقاد فاسد أو كبيرة موبقة ، أوجبت سوء خاتمته ، نسأل الله العافية

. فيكون الحديث فيه تحذير من الاغترار بالأعمال ، وتوجيه إلى سؤال الله الثبات حتى الممات، فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء .

قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم"

: " الْمُرَاد بِالذِّرَاعِ التَّمْثِيل لِلْقُرْبِ مِنْ مَوْته وَدُخُوله عَقِبه , وَأَنَّ تِلْكَ الدَّار مَا بَقِيَ بَيْنه وَبَيْن أَنْ يَصِلهَا إِلَّا كَمَنْ بَقِيَ بَيْنه وَبَيْن مَوْضِع مِنْ الْأَرْض ذِرَاع , وَالْمُرَاد بِهَذَا الْحَدِيث أَنَّ هَذَا قَدْ يَقَع فِي نَادِر مِنْ النَّاس ,

لَا أَنَّهُ غَالِب فِيهِمْ , ثُمَّ أَنَّهُ مِنْ لُطْف اللَّه تَعَالَى وَسَعَة رَحْمَته اِنْقِلَاب النَّاس مِنْ الشَّرّ إِلَى الْخَيْر فِي كَثْرَة , وَأَمَّا اِنْقِلَابهمْ مِنْ الْخَيْر إِلَى الشَّرّ فَفِي غَايَة النُّدُور , وَنِهَايَة الْقِلَّة

, وَهُوَ نَحْو قَوْله تَعَالَى : إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي وَغَلَبَتْ غَضَبِي وَيَدْخُل فِي هَذَا مَنْ اِنْقَلَبَ إِلَى عَمَل النَّار بِكُفْرٍ أَوْ مَعْصِيَة , لَكِنْ يَخْتَلِفَانِ فِي التَّخْلِيد وَعَدَمه ; فَالْكَافِر يُخَلَّد فِي النَّار ,

وَالْعَاصِي الَّذِي مَاتَ مُوَحِّدًا لَا يُخَلَّد فِيهَا كَمَا سَبَقَ تَقْرِيره . وَفِي هَذَا الْحَدِيث تَصْرِيح بِإِثْبَاتِ الْقَدَر , وَأَنَّ التَّوْبَة تَهْدِم الذُّنُوب قَبْلهَا , وَأَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى شَيْء

حُكِمَ لَهُ بِهِ مِنْ خَيْر أَوْ شَرّ , إِلَّا أَنَّ أَصْحَاب الْمَعَاصِي غَيْر الْكُفْر فِي الْمَشِيئَة . وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى .

على أن الذي ينبغي أن ننتبه إليه في هذا السياق ، أن في نفس الحديث الذي أشكل عليك حل هذا الإشكال ؛ وذلك أنه لم يتضمن مجرد إثبات القدر

وعلم الله تعالى السابق في خلقه ، وكتابته لأعمالهم ، وإنما تضمن ، هو وأمثاله من النصوص ، إلى جانب ذلك كله ، إثبات أمره ونهيه ، وأن الله تعالى لا يعذب عباده

ولا ينعمهم ، على مجرد علمه فيهم ، بل على ما عملت أيديهم ، وكسبت نفوسهم .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

" وَهَذَا الْحَدِيثُ وَنَحْوُهُ فِيهِ فَصْلَانِ : أَحَدُهُمَا : الْقَدَرُ السَّابِقُ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ عَلِمَ أَهْلَ الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَعْمَلُوا الْأَعْمَالَ وَهَذَا حَقٌّ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ ;

بَلْ قَدْ نَصَّ الْأَئِمَّةُ : كَمَالِكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد أَنَّ مَنْ جَحَدَ هَذَا فَقَدَ كَفَرَ ; بَلْ يَجِبُ الْإِيمَانُ أَنَّ اللَّهَ عَلِمَ مَا سَيَكُونُ كُلَّهُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ وَيَجِبُ الْإِيمَانُ بِمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ كَتَبَ ذَلِكَ وَأَخْبَرَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ ...

[ والفصل الثاني ] : أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَعْلَمُ الْأُمُورَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ قَدْ جَعَلَ لِلْأَشْيَاءِ أَسْبَابًا تَكُونُ بِهَا ؛ فَيَعْلَمُ أَنَّهَا تَكُونُ بِتِلْكَ الْأَسْبَابِ ، كَمَا يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا يُولَدُ لَهُ بِأَنْ يَطَأَ امْرَأَةً فَيُحْبِلَهَا

فَلَوْ قَالَ هَذَا : إذَا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ يُولَدُ لِي فَلَا حَاجَةَ إلَى الْوَطْءِ كَانَ أَحْمَقَ ; لِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ بِمَا يُقَدِّرُهُ مِنْ الْوَطْءِ ، وَكَذَلِكَ إذَا عَلِمَ أَنَّ هَذَا يُنْبِتُ لَهُ الزَّرْعَ بِمَا يَسْقِيهِ مِنْ الْمَاءِ وَيَبْذُرُهُ مِنْ الْحَبِّ

فَلَوْ قَالَ : إذَا عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْبَذْرِ كَانَ جَاهِلًا ضَالًّا ; لِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ بِذَلِكَ ..
.
وَكَذَلِكَ إذَا عَلِمَ أَنَّ هَذَا يَكُونُ سَعِيدًا فِي الْآخِرَةِ وَهَذَا شَقِيًّا فِي الْآخِرَةِ ، قُلْنَا : ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ بِعَمَلِ الْأَشْقِيَاءِ ؛ فَاَللَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ يَشْقَى بِهَذَا الْعَمَلِ

فَلَوْ قِيلَ : هُوَ شَقِيٌّ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ كَانَ بَاطِلًا ; لِأَنَّ اللَّهَ لَا يُدْخِلُ النَّارَ أَحَدًا إلَّا بِذَنْبِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ؛ فَأَقْسَمَ أَنَّهُ يَمْلَؤُهَا مِنْ إبْلِيسَ وَأَتْبَاعِهِ

وَمَنْ اتَّبَعَ إبْلِيسَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى ، وَلَا يُعَاقِبُ اللَّهُ الْعَبْدَ عَلَى مَا عَلِمَ أَنَّهُ يَعْمَلُهُ حَتَّى يَعْمَلَهُ ...

وَكَذَلِكَ الْجَنَّةُ خَلَقَهَا اللَّهُ لِأَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ وَطَاعَتِهِ فَمَنْ قَدَّرَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ يَسَّرَهُ لِلْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ ؛ فَمَنْ قَالَ : أَنَا أَدْخُلُ الْجَنَّةَ سَوَاءٌ كُنْت مُؤْمِنًا أَوْ كَافِرًا ، إذَا عَلِمَ أَنِّي مِنْ أَهْلِهَا كَانَ مُفْتَرِيًا عَلَى اللَّهِ فِي ذَلِكَ

فَإِنَّ اللَّهَ إنَّمَا عَلِمَ أَنَّهُ يَدْخُلُهَا بِالْإِيمَانِ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إيمَانٌ لَمْ يَكُنْ هَذَا هُوَ الَّذِي عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ، بَلْ مَنْ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا ، بَلْ كَافِرًا ، فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ .

وَلِهَذَا أَمَرَ النَّاسَ بِالدُّعَاءِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِاَللَّهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ . وَمَنْ قَالَ : أَنَا لَا أَدْعُو وَلَا أَسْأَلُ اتِّكَالًا عَلَى الْقَدَرِ كَانَ مُخْطِئًا أَيْضًا ;

لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ الدُّعَاءَ وَالسُّؤَالَ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي يَنَالُ بِهَا مَغْفِرَتَهُ وَرَحْمَتَهُ وَهُدَاهُ وَنَصْرَهُ وَرِزْقَهُ . وَإِذَا قَدَّرَ لِلْعَبْدِ خَيْرًا يَنَالُهُ بِالدُّعَاءِ لَمْ يَحْصُلْ بِدُونِ الدُّعَاءِ

وَمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ وَعَلِمَهُ مِنْ أَحْوَالِ الْعِبَادِ وَعَوَاقِبِهِمْ فَإِنَّمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ بِأَسْبَابِ يَسُوقُ الْمَقَادِيرَ إلَى الْمَوَاقِيتِ ؛ فَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ شَيْءٌ إلَّا بِسَبَبِ ، وَاَللَّهُ خَالِقُ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ ...

وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ ضَلَّ طَائِفَتَانِ مِنْ النَّاسِ : " فَرِيقٌ " آمَنُوا بِالْقَدَرِ وَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ كَافٍ فِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ ، فَأَعْرَضُوا عَنْ الْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ ، وَهَؤُلَاءِ يَئُولُ بِهِمْ الْأَمْرُ إلَى أَنْ يَكْفُرُوا بِكُتُبِ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَدِينِهِ !!

وَفَرِيقٌ أَخَذُوا يَطْلُبُونَ الْجَزَاءَ مِنْ اللَّهِ كَمَا يَطْلُبُهُ الْأَجِيرُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ مُتَّكِلِينَ عَلَى حَوْلِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ وَعَمَلِهِمْ ، وَكَمَا يَطْلُبُهُ الْمَمَالِيكُ ، وَهَؤُلَاءِ جُهَّالٌ ضُلَّالٌ

فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْ الْعِبَادَ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ حَاجَةً إلَيْهِ ، وَلَا نَهَاهُمْ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ بُخْلًا بِهِ ؛ وَلَكِنْ أَمَرَهُمْ بِمَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ ، وَنَهَاهُمْ عَمَّا فِيهِ فَسَادُهُمْ

وَهُوَ سُبْحَانَهُ كَمَا قَالَ : يَا عِبَادِي إنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي ...

فَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ نَاظِرًا إلَى الْقَدَرِ فَقَدْ ضَلَّ ، وَمَنْ طَلَبَ الْقِيَامَ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ مُعْرِضًا عَنْ الْقَدَرِ فَقَدْ ضَلَّ ; بَلْ الْمُؤْمِنُ

كَمَا قَالَ تَعَالَى : إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ؛ فَنَعْبُدُهُ اتِّبَاعًا لِلْأَمْرِ وَنَسْتَعِينُهُ إيمَانًا بِالْقَدَرِ ..." انتهى .

مقتطفات من مجموع الفتاوى (8/66) وما بعدها .

والله أعلم
.









رد مع اقتباس
قديم 2018-11-09, 15:35   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










vb_icon_m (5)

الإنسان مسيّر أو مخيّر

السؤال

هل الإنسان مخير أو مسير؟ .


الجواب

الحمد لله

سئل الشيخ ابن عثيمين هذا السؤال فأجاب :

على السائل أن يسأل نفسه هل أجبره أحد على أن يسأل هذا السؤال وهل هو يختار نوع السيارة التي يقتنيها ؟ إلى أمثال ذلك من الأسئلة وسيتبين له الجواب هل هو مسير أو مخير .

ثم يسأل نفسه هل يصيبه الحادث باختياره ؟

هل يصيبه المرض باختياره ؟

هل يموت باختياره ؟

إلى أمثال ذلك من الأسئلة وسيتبين له الجواب هل هو مسير أو مخير .

والجواب: أن الأمور التي يفعلها الإنسان العاقل يفعلها باختياره بلا ريب واسمع إلى قول الله تعالى : ( فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبًا )

وإلى قوله : ( منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة)

وإلى قوله : ( ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً )

وإلى قوله : ( ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ) حيث خير الفادي فيما يفدي به.

ولكن العبد إذا أراد شيئاً وفعله علمنا أن الله -تعالى -قد أراده - لقوله – تعالى :( لمن شاء منكم أن يستقيم

. وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين ) فلكمال ربوبيته لا يقع شيء في السموات والأرض إلا بمشيئته تعالى .

وأما الأمور التي تقع على العبد أو منه بغير اختياره كالمرض والموت والحوادث فهي بمحض القدر وليس للعبد اختيار فيها ولا إرادة .

والله الموفق .

: مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين ج2


و اخيرا

الحمد لله الذي بفضلة تتم الصالحات

اخوة الاسلام

اكتفي بهذا القدر و لنا عوده
ان قدر الله لنا البقاء و اللقاء

و اسال الله ان يجمعني بكم دائما
علي خير


وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين









رد مع اقتباس
قديم 2018-11-12, 16:01   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
سليم العمري
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

مواضيع خطيرة جدا على الأمة خصوصا ذوي البضاعة المزجاة من العلم



لو كان التعريف بالإيمان والعلم والعمل



توضيح طريق الجنة (بلاد الافراح)


أما تلك النقاشات والمعارك والحروب الطاحنة التى دارت بين الفلاسفة وعلماء الكلام والفقهاء يجب ألا تطرح للجميع .











رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 10:40

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc