سلسلة مذاهب فكرية هدامة 2 :دخول الأفكار إلى بلاد المسلمين - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم النوازل و المناسبات الاسلامية .. > قسم التحذير من التطرف و الخروج عن منهج أهل السنة

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

سلسلة مذاهب فكرية هدامة 2 :دخول الأفكار إلى بلاد المسلمين

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2019-08-15, 19:24   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
أبوإبراهيــم
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي سلسلة مذاهب فكرية هدامة 2 :دخول الأفكار إلى بلاد المسلمين

الفصل الثاني: دخول الأفكار إلى بلاد المسلمين وموقفنا منها

المبحث الأول: كيف دخلت الحضارة الغربية بأفكارها بلدان المسلمين


لقد كان أساس دخول الحضارة الغربية إلى البلاد الإسلامية وانتشار أفكارها المختلفة هو شعور حكام المسلمين بتفوق الغرب عليهم في شتى المجالات التنظيمية والاقتصادية وخصوصا ما يتعلق بالنواحي العسكرية والنظم التي تسير بها الجيوش والحاجة إلى السلاح الذي كان بيد الغرب حينما صنعه الغرب النصراني والمسلمون في سبات عميق ومن هنا برز الشعور القوي لدى هؤلاء الحكام بضرورة مد اليد إلى الغرب لشراء الأسلحة التي تزخر بها المصانع الغربية وتم ذلك فنشأت حاجة أخرى وهي طلب من يقوم بالتدريب عليها وكذلك طلب من يقوم بصيانتها ولا بديل عن الغرب الأوربي في ذلك بطبيعة الحال فاستقدموا المدربين والمهندسين والمستشارين من شتى دول الغرب ثم برزت حاجة أخرى وهي توفير الكتب والمدرسين والمدارس للنشء الجديد في الدول الإسلامية الذين أريد منهم أن يكونوا دائما عدة للجهاد وتم ذلك ولكن لا يخفى عليك أخي القارئ من هم الذين سيقومون بتلك المهام كلها للنشء الجديد فالدول الإسلامية في بداية الصحوة من نومها ولا تملك شيئا من ذلك فكان آخر الأمر أن ارتموا أمام خبراء الغرب الذين أتوا بكل ما أمكنهم لتغريب العالم الإسلامي – وفي أولهم الجيوش – ومن هنا بدأت عجلة التغريب تعمل في العالم الإسلامي وبدأ الكثير من حكام المسلمين يتبعون سنن الغربيين في كل شيء بدؤوا ينظرون إلى التعاليم الإسلامية وإلى القيم الإسلامية نظرة ضعيفة فيها نوع من تفضيل للحياة الغربية عليها وكانت تركيا هي المثال القوي المخزي على هذا السلوك في آخر الدولة العثمانية إلى أن تسلمها العلماني الملحد مصطفى كمال أتاتورك الذي سلخها من كل شيء يمت إلى الإسلام بصلة – كما هو معروف من تاريخه الشنيع – ثم ابتعث كثير من المسلمين أبناءهم للدراسة في الدول الغربية ليتعلموا شتى الفنون التي كانت تنقصهم كضرورة ملحة جديدة ولكن بعد أن رجع هؤلاء إلى بلدانهم لم يقف في وجوههم أي حاجز لرفع علم الحضارة الغربية في بلدانهم والمناداة ليلا ونهارا وسرا وإعلانا بالانضمام التام إلى الحياة الغربية واللحاق بركبها الذي كانوا يرونه سفينة النجاة ومصدر فخرهم وإعجابهم، وبدأ هؤلاء ينفخون في أذهان المسلمين المبادئ الغربية والعادات الاجتماعية عندهم – متخذين من بعض القضايا ذريعة – لتوصيل الحضارة الغربية إلى الأذهان، مثل زعمهم أن حجاب المرأة ظلم لها وأن المسلمين ينقصهم الدعوة إلى الحريات، حرية الكلمة، وحرية العقيدة، والدعوة إلى منع الطلاق وتعدد الزوجات ووجوب تعليم المرأة ومشاركتها الرجل جنبا إلى جنب في ميادين العمل وكذا الدعوة إلى العودة إلى الحضارات القديمة التي كانت قائمة قبل الإسلام وإلى السلوك الإسلامي – وغير ذلك من الأمور الكثيرة التي نفذوا من خلالها إلى إنقاد التعاليم الإسلامية في مكر وخديعة وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30]
ولقد افتتن بعض المسلمين بالحضارة الغربية وبريقها اللامع لأسباب حملتهم على ذلك تمنوها في مجتمعاتهم فلم يجدوها كحال الحرية التي رأوها في العالم الغربي في الظاهر فتمنوها دون رؤية ولا نظرة ثاقبة في حقيقتها ومآل أمرها ولعل الأوضاع التي يعيشها المسلمون في بعض الأماكن تحت بعض الأنظمة التي تتظاهر بالإسلام من عدم الاهتمام بحرية الفرد ولا المجتمع وسوقهم إلى ما يراد بهم طوعا أو كرها دون مراعاة كرامة أحد والتعسف المقيت في معاملتهم لعل هذه الأوضاع أيضا كانت من الأمور التي شجعت أولئك الذين فتنوا بالحضارة الغربية بكل ما فيها من حسن وقبيح إلى المناداة بها ومعلوم أن هذا الوضع ليس مبررا لترك الدين وما يأمر به أو ينهى عنه لا من قريب ولا من بعيد فإنه يمكن معالجة هذه الأوضاع السيئة حين توجد بطرق كثيرة غير الحضارة الغربية والحرية الشخصية التي أصبحت يراد بها العري والخناء وعدم الحياء في ظل تلك الحضارة المادية الزائفة فإن الإسلام لم يهمل حلول أي مشكلة تتعلق بحياة الناس دينية حكاما أو محكومين وتاريخه يتحدث بذلك في صوره المشرقة ففي الإسلام ليس للحاكم إلا تنفيذ الشرع الإلهي على الجميع وإذا خرج عن الدين ونادى بالكفر البواح فلا طاعة له أيضا وإذا ظلم رعيته فإن الله تعالى له بالمرصاد ويحاسب كذلك عن تصرفاته في أموال المسلمين ولا يستبد برأيه ولا يكتم حريات الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ولا يحكم لنفسه بحكم ينتفع به بظلم الناس إلى غير ذلك من الأمور المعروفة في الإسلام أي أن الحاكم ليس له مطلق الاستبداد كما يتصور الجاهلون بالإسلام قياسا منهم على ما اخترعه رجال الكنيسة باسم الدين النصراني فإن الإسلام يُوجِدُ في قلب الحاكم الملتزم به الشفقة والرحمة والتواضع ويؤكد على أنه يسأله الله يوم القيامة عن كل تصرفاته وبذلك يكبح جماحه ويهذبه.
ويتضح مما تقدم أن الغرب النصراني لم يعد يهتم بمقارعة المسلمين وجها لوجه مناظرات ومجادلات حول الأسس الإسلامية التي قام عليها بناء الإسلام في قلوب أتباعه لم يعد الغرب يهتم بذلك.
1ـ لأنهم يئسوا من زحزحة المسلمين عنها بالكلية عن طريق النضال الفعلي أو الفكري.
2ـ لأنهم اكتشفوا طرقا جديدة تختصر لهم المسافة الفارقة بين الحضارة الغربية والحضارة الإسلامية وكان لهذا الاكتشاف وزنه وفائدته بالنسبة للغرب ومن هذه الطرق متابعة الأفكار الغربية التي قبلها المسلمون وتنميتها في صدورهم وإطرائها بالمديح، وزينوا لهم أن البداية والنهاية تكمن في تقبل المسلمين للتطور والتجديد في جميع النواحي السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية... إلخ
وأصبح مثل الغربيين ودعائهم بالنسبة لبث تلك الأفكار في العالم الإسلامي أصبح مثلهم أشبه ما يكون بالمزارع الذي يتعاهد ما بذره كل يوم في الوقت الذي فتحوا فيه شهية المسلمين للوصول إلى كل المغريات التي تزخر بها الحضارة الغربية الجديدة ولم يقف الغرب عند حد الوصول إلى تحقيق هذا الهدف بطريقة منفصلة لدى المسلمين بل عملوا جهودهم على أن يصبح هذا الهدف هو الاتجاه العام لدى كل المسلمين وبالتالي تكون النتيجة من وراء تحقيقه هو إقامة علاقات مشتركة على قدم المساواة بين الغرب وبين العالم الإسلامي بعد توحد الأفكار والأهداف ومن ثم تذويب العالم الإسلامي في بوتقة الحضارة الغربية إلى الأبد فإن المغلوب ينظر دائما إلى الغالب بعين الإجلال والهيبة ويحب محاكاته في كل تصرفاته سيئة كانت أو حسنة وطبيعة صاحب الهزيمة النفسية أنه لا يفرق بين الغث والسمين في تعامله مع المنتصر.
قصور خطير:
ظهرت النتائج لدى العالم الإسلامي في صورة شنيعة يمثلها قصور المفكرين والعلماء المسلمين في الإحجام عن دراسة العالم الغربي بجد وبيان أفكاره والأخطار التي ستحل بالأمة الإسلامية إن لم يضعوا حدا لذلك الغزو. لم يحصل هذا مع شدة حاجة أبناء المسلمين إلى تفهمه والحذر منه بل إن الذي حصل هو ضد هذا وهو اشتغال بعض المفكرين دارسي الإنجليزية من المسلمين بترجمة كتب أولئك في ميادين القصص الغرامية العابثة والأخبار التافهة وفي مغامرات بعض أقطاب الغرب وسيرهم التي تمجد أقطابهم وتوحي للقارئ بعظمة أولئك في شتى الميادين أو ما كان منها يوحي بحياة العصبية والوطنية والقومية والتعالي على الآخرين والعودة إلى الافتخار بما عفى عليه من حضارات قديمة بزعمهم وأنه يجب العودة لها تحت أشكال متعددة وساعدهم أصحاب الأموال الغربية بكل ما يحتاجونه لتحقيق ذلك ولعل القارئ قد سمع في الإذاعات الغربية خصوصا لندن ومونت كارلو وواشنطن لعله سمع ما حصل من الاحتفال المهيب في أول هذه السنة 1419هـ بترميم تمثال " أبي الهول " وأنه بلغت تكلفة ترميمه عشرة ملايين دولار وإن العمل استمر في ذلك قرابة عشر سنوات وكان الاحتفال بالانتهاء منه يوما مشهودا حضره رئيس الدولة وعدد غفير من الوجهاء والأعيان وسفراء بعض الدول العربية وسفراء الدول الغربية وتبرع" روكفلر " المليونير اليهودي بمبالغ هائلة – غير مشكور عليها – للبحث عن الآثار الفرعونية وبنى معهدا لأجل ذلك على نفقته لسد الحاجة إلى الفنيين لنبش الآثار الفرعونية في الوقت الذي كان الشعب المصري في أمس الحاجة إلى المساعدة المالية لسد ما دمرته البراكين التي ثارت فيه وأصبح كثير من السكان بدون مأوى ولا غذاء إلا من بعض المساعدات التي كانت تذكر إذاعة القاهرة أنها لا تكفي لإعادة الأمور إلى حالتها الطبيعية وليس هذا فقط فقد أتخموا العالم الإسلامي بالدعوة إلى إحياء ما يسمونه الفن بجميع أشكاله وإيجاد كل ما يتطلبه الأمر من بناء مساكن ومدارس وإيجاد مدربين.. إلخ وقد تحقق الكثير من إحياء هذا الفن الذي كان أكثره موجه لتدمير الأخلاق الإسلامية والعفة ونزع الحياء من وجوه الفتيان والفتيات الناشئين وانتعشت حركة الفن هذه حتى أصبحت ذات رسالة – كما يعبرون عنها – وأصبح تحقيقها يعتبر – على حد زعمهم – رسالة ومفخرة وطنية يجب تمجيدها وتقديسها وحينما تتم المقابلة بين أحد الفنانين في الإذاعة يقول له المذيع: ماذا تتمنى فيقول: أتمنى على الله أن يوفقني لإكمال الرسالة؟!
والقارئ يدرك السبب من وراء هذا الاهتمام من قبل الغرب بجوانب الفن المزعوم والإنفاق السخي على نبش الآثار لأنهم عرفوا أن هذه الأمور هي مقصد الكثير من الناس للتسلية وأنها ذات أثر جذاب على كل الناس مهما كان التفاوت بينهم في المعرفة والأعمار أيضا ومن الغريب أن تسمع كثيرا من وسائل الإعلام عند المسلمين يأتي مصدر البرامج فيها إما تمثيلية غربية أو ترجمة لكاتب غربي أو خدمة لكتاب غربي كذلك حتى ليخيل للسامع العادي أن الحضارة الإسلامية لا شأن لها إلا بالمساجد وإقامة الصلاة فيها فقط وأنها لا بديل فيها عن تلك البرامج الغربية وهذا الظلم للحضارة الإسلامية سببه جهل أبناء الإسلام وكيد أعدائه فأصبح الإسلام بين أمرين أحلاهما مر بين جهل أبنائه وكيد أعدائه.
الدعوة إلى خلط الفكر الإسلامي بالفكر الغربي بدعوى تقارب الحضارتين والسير معا لخدمة الإنسانية
قال الله تعالى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَآءِ لَيَبْغِيِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ [ص:24] وإذا كان الخلطاء يبغي بعضهم على بعض وينتج عن ذلك شر وظلم في الأمور الدنيوية فما بالك إذا كان في الأمور الدينية حين يراد خلط الحق بالباطل فما الذي سيحصل من ذلك؟
إنه يحصل نتاج مشوه ومشئوم لا خير فيه، وظلم صارخ لا عدل فيه وتقارب الحضارتين هو وجه آخر لدعوى الأديان فكيف يتجاهل هؤلاء الدعاة الغربيون ومن سار على طريقتهم من أتباعهم في العالم الإسلامي من دعاة التغريب كيف يتجاهل هؤلاء الفرق الهائل بين الدين الحق والدين الوضعي وهو فرق يمثل الفرق بين الحق والباطل والعلم والجهل فأنى يجتمعان؟
إن التقارب الذي يدعو إليه أصحاب الفكر الغربي إنما يراد به جر المسلمين إلى الغرب وذوبان الشخصية العزيزة للمسلم في خضم التيار الغربي بما يملكه الغرب من وسائل الإغراء التي لا حد لها ولعل هذه الدعوة نبعت من جراء تراخي قبضة المسلمين على دينهم والإسفين الذي دقته الحضارة الغربية الحديثة وقوة التغريب المتنامي في العالم الإسلامي على أيدي المنصّرين والمستشرقين وأتباعهم من المحسوبين على العالم العربي أو الإسلامي، ثم إحساس هؤلاء بهذه الفجوات في المسلمين ومن هنا وقر في أذهان أولئك الكتاب وجميع القائمين على حركة التغريب أنه يجب توجيه كافة الإمكانيات والجهود وتجييش الكل لخدمة تلك البذور النامية في أذهان المسلمين نحو حب الحضارة الغربية وأنها السبيل الوحيد للمسلمين إذا أرادوا التقدم والعيش الكريم بزعمهم وأقطاب الغرب والتغريب كلهم يشترطون - بالقول أحيانا وبالفعل أحيانا أخرى- لهذا التواصل والاندماج أن يتم بعيدا عن حقيقية الإسلام التي سار عليها في عهوده السابقة وأن يتم على فلسفة عصرية جديدة بزعمهم وهي خدعة ظاهرة يراد من ورائها عدم الاهتداء بتعاليم الإسلام الثابتة.
ومن المعلوم مسبقا أنه لو صار تقارب الحضارتين على هذا الأساس لكان الخاسر فيها هم المسلمون بدون شك حتى ولو كان التقارب أيضا على دعوى النعرات الجاهلية من قومية ووطنية أو تسامح ديني وما إلى ذلك فالنتيجة واحدة على حد قول الشاعر:
من لم يمت بالسيفِ مات بغيرهِ تعدَّدت الأسبابُ والموتُ واحدُ
فإن الهدف الأخير للغرب هو استعمار بلدان المسلمين وعودة جنودهم إلى ثكناتهم السابقة ومحو الشخصية الإسلامية من القلوب ولقد تفوق الغرب على غيره بحسب الترتيب وإحكام الخطط بمكر ودهاء وهو أمر واقع وظاهر وما حصل الآن من استعمار الغرب للعراق العربي المسلم مما يندى له الجبين ويثير في النفوس الأسى والحزن والإحباط الشديد.
نتيجة خطيرة:
الذي يبدو – والله أعلم – أن الحضارة الغربية ستلتف على العالم الإسلامي نهائيا ما دامت أوضاع المسلمين بهذا الحال من الفقر والتقهقر وعدم الاستفادة من العقول ومما أودعه الله في داخل الأرض من الخيرات العظيمة وما داموا بهذا التفرق الشنيع وما دام اسمها " الدول النامية" فلن يمكنها الوقوف أمام الحضارة الغربية العاتية التي استحوذت على كل ما يتطلع إليه البشر من التفوق في سائر الفنون من اقتصاد وصناعة وتجارة وطب وغير ذلك من الأمور التي سترضخ المسلمين لهم طوعا أو كرها للحصول على أجزاء منها – وليس كلها – فإن من احتاج إلى شيء خضع له والإنسان أسير من أحسن إليه وأعتقد أن ما يتبجح به بعض الناس من أن العالم الإسلامي بخير ولا ينقصهم أي شيء أعتقد أن قائله إما أن يكون جاهلا يريد تثبيط المسلمين وإلهائهم عن النظر إلى واقعهم الضحل كما أعتقد أن ثالثة الأثافي على المسلمين هي هذه الثغرة الهائلة التي فتحها نظام العراق البعثي الصليبي الذي أعطى الغرب المتربص الضوء الأخضر والفرصة السانحة لتغلغل أفكارهم وانتشار حضارتهم ونصرانيتهم بكل صلف وكبرياء وقد أصبح العراق في عهد طواغيته اليوم المثل الثاني – بعد فلسطين – على إذلال المسلمين وانكسار شوكتهم.
ومما يلاحظه القارئ الكريم أن الدعوة إلى تقارب الحضارة الإسلامية مع الحضارة الغربية أحيانا تأتي هذه الدعوة في شكل طلب صداقة – صداقة الذئب والحمل – أو علاقات حميمة بين الإسلام والمسيحية في مقابل وقفة الجميع ضد التيار الشيوعي وأنه يجب أن توجه كل الجهود ضده فهو العدو المشترك وقد انكشفت هذه الخدعة بسقوط الشيوعية وأحيانا تأتي بدافع حب تطوير الشعوب إلى التقارب ومدارسة الجوانب والأمور التي يجب أن يقفها الجميع ضد الإلحاد ما لم يكن ذلك التقارب على حساب الإسلام أو هضم حقوق المسلمين إلا أنه تبين أن العالم الغربي وضمن نفوذه السياسي والاقتصادي ليس إلا والأدلة على هذا كثيرة من أقواها وقوف الغرب إلى جانب الشيوعية عندما يحاط بها وعداؤهم السافر للإسلام والمسلمين وخصوصا في هذه الأيام من هذه السنة 1422هـ بعد فتنة التفجيرات التي وقعت في أمريكا في نيويورك وواشنطن حيث أخرجت أضغانهم على الإسلام والمسلمين فصرحوا بكل وقاحة بأن عدو حضارة الغرب هم المسلمون والإسلام المتخلف بزعمهم ولأن الكفر ملة واحدة فإنك تجد أن أعداء الإسلام دائما يقفون إلى جانب بعضهم بعضا في محاربة انتشار الإسلام وحصاره ورميهم له بأنه غير متطور ويجب تطويره كشرط أساس لمسايرته الحضارة الغربية ولا تسأل بعد ذلك عن هذا التطور الذي يدعون إليه ولا عن نتائجه الوخيمة وعن الشر الكامن في مبادئه ولا عن قيمة المجتمعات الإسلامية في ظل هذا التطور المزعوم فأين إذاً الدعوة إلى تلاحم النصرانية والمسيحية ضد الإلحاد ما داموا لا ينظرون إلى الإسلام إلا بهذه النظرة الظالمة.
ومن هنا وقع الكثير من الكتاب المسلمين – بحسن نية – في بعضهم وبمكر ودهاء في أكثرهم من دعوى مسايرة أحكام الشريعة الإسلامية للأحكام الوضعية الغربية لكي يتم بناء هذا التمثال الهزيل ثم ركبوا كل صعب وذللوا لتحقيق هذا الادعاء الباطل المستحيل فما من قضية غربية إلا ووجد لها من بعض كتاب المسلمين من يقول "أن الإسلام أيضا قد اشتمل على بيانها فلا ينبغي أن يعاب وأصبح الإسلام كأنه مذنب يحتاج إلى المحامين عنه لامتصاص أخطائه وذنوبه أمام الحضارة الغربية حسب دفاع هؤلاء ولا شك أن دعوى مثل هذا التطور هو قتل للإسلام على تؤدة وأنه لن يتم إلا إذا تخلى المسلمون عن دينهم نهائيا".
وهذا الصنف من المحامين خُدِعُوا في أنفسهم وخَدَعوا غيرهم فقد أوقفوا أنفسهم للاعتذار عن الإسلام أمام كل قضية يخالف فيها الإسلام ما نادت به الحضارة الغربية العصرية فحينما ظهرت الاشتراكية قالوا والإسلام أيضا فيه اشتراكية بل وافتروا أن مؤسس الاشتراكية الإسلامية هو الصحابي الجليل أبو ذر رضي الله عنه وحاشاه من إفكهم وحينما ظهرت الديمقراطية قالوا والإسلام أيضا ديمقراطي وحينما وجد تعدد الأحزاب قالوا والإسلام لا يمنع هذا، وحينما ظهر دعاة تحرير المرأة وأن لها حق الانتخاب والوصول إلى الحكم قالوا والإسلام أيضا قرر لها هذا وتكلم هؤلاء عن الإسلام بما لم يحيطوا بعلمه منهم الماكر المخادع ومنهم من كان عن حسن قصد كي يدفع عن الإسلام تهمة عدم التطور وصفة الرجعية التي وصفوا بها الإسلام كذبا وزورا وهو دفاع المتقهقر غير الواثق بدينه ونصاعته لا دفاع المتيقن الثابت.









 


رد مع اقتباس
قديم 2019-08-15, 19:25   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
أبوإبراهيــم
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

المبحث الثاني: كيف نقف من الحضارة الغربية وأفكارها؟

لقد جاءت الحضارة الغربية كالسيل المزبد تريد أن تجتث كل شيء في طريقها صالحا أو غير صالح دون تمييز جاءت وهي تحمل مزيجا هائلا من العقائد والطبيعة والعمران والاجتماع والتجارب المختلفة في شتى الاتجاهات والفنون إنها خليط يحير العقل حيث يقف أمامها متسائلا هل أرفض تلك الحضارة برمتها أم آخذ منها وأترك لها؟ ذلك أن أخذها يعني الاستسلام لها بكل ما فيها من خير أو شر وأن مصير الأمة الإسلامية سيكون هو نفسه مصير الغرب في تعامله وفي جاهليته وأن يتحمل تلك الأخطار التي تهدد المجتمعات الغربية في أخلاقها وفي كل سلوكها كما أن تركها يعني تفويت منافع ومصالح نحن في أمس الحاجة إليها إذاً فما هو الحل الذي ينبغي أن يسلكه الشخص الذي يريد الحفاظ على دينه وقيمه الإسلامية والاستفادة كذلك من الحضارة الغربية؟!!
والجواب فيما يلي بالإيجاز**(1)*
الخيار الأول: أي رفض الحضارة الغربية برمتها
هذا الموقف غير سليم ولا يؤيده العقل ولا الواقع لأنه يؤدي إلى انعزال العالم الإسلامي وانطوائه وبعده عن الأسباب التي تقويه اقتصاديا وحربيا أيضا وذلك لما أودعه الله في العالم الغربي من أسباب القوة المادية المشاهدة التي لا يجهلها أحد في الوقت الذي تأخر فيه العالم الإسلامي ولم يحققوا ما أراده الله منهم من التقدم المادي وأسباب القوة كما في قوله تعالى:*وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ*[الأنفال:60]*بعد أن دعاهم إلى استعمال عقولهم وشحذ أفكارهم للاستفادة من كل شيء لا يصطدم مع دينهم الذي ارتضاه لهم وأخبرهم في أكثر من آية أنه سخر لهم كل ما في هذا الكون وجعله هبة لهم كما أرشدهم إلى بعض أدوات القوة كرباط الخيل الذي يساوي الآن الطائرات والسفن الحربية وإلى الحديد الذي هو قوام الصناعات الحربية وغيرها قديما وحديثا وغير ذلك من أنواع القوة المادية كما أن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم أسوة حسنة، فقد كانوا يبادرون إلى الاستفادة من أي خبرة فيها نفع لهم وقوة للإسلام كحفرهم الخندق بمشورة سلمان الفارسي وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبيِّ أن يتعلم لغة اليهود واشتراطه صلى الله عليه وسلم على بعض الأسرى أن يعلم أولاد المسلمين الكتابة وغير ذلك مما فيه نفع المسلمين وزيادة قوتهم ولن تجد قطرا من الأقطار منطويا على نفسه غير مستفيد من خبرات الآخرين في شتى المجالات التي لا تتعارض مع دينه إلا وجدت ذلك القطر متخلفا في كل شؤونه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ووجدت الجهل والخرافات قد طغت على أهله كما تطغى الفيضانات على ما حولها بل ووجدت ذلك القطر يتنفس الصعداء بين فترة وأخرى في شكل عصيان مدني وتمرد عسكري وشغب بصور مختلفة لما يحسه أهله من الغبن في عيشتهم المتخلفة والقلق الذي يساورهم على مستقبلهم ومستقبل أولادهم من بعدهم إلا أن هذا لا يعني أن يفتح العالم الإسلامي ذراعيه للحضارة الغربية بكل ما فيها من سلبيات لا تقرها الشريعة الإسلامية كما فعل الكثير من المسلمين سواء أكان ذلك في شكل أفراد أو جماعات أو دول فلقد لهثوا للحاق بركب الحضارة كما يسمونه دون تروٍّ وتأنٍّ فكانت العاقبة ما يراه كل مسلم من تفشي الأوضاع الفاسدة وانتشار الرذائل الغربية بشكل واضح في أكثر الأقطار الإسلامية إلا من رحم الله تعالى وهم قليل بالنسبة لغيرهم فأقصي الحجاب للمرأة وخرجت سافرة بل ولا يسترها إلا القليل من الثياب التي تجعلهن كاسيات عاريات وأحيانا شبه عاريات ولم يعد للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في كثير من ديار المسلمين أي مكان فيهم لابتلاع ما يسمونه بالحرية الشخصية له وانتشار الجريمة بشكل رهيب وقس على ذلك شؤون الحياة المختلفة التي يسبح فيها العالم المادي ومن تأثر به على طريقة عيشة البهائم. ولا أظن القارئ في حاجة إلى ذكر أسماء تلك البلدان الإسلامية التي غمرتها الحياة الغربية بكل ما فيها من عهر وسخافة ومجون تحت أسماء براقة خادعة كالتطور والإنسان العصري والتقدمي وما إلى ذلك. فكانت النتيجة أن أدخلوا رؤوسهم في الحياة الغربية على رجل واحدة لأن الهدم أسهل من البناء فهدموا دون بناء فقد حققوا سيئات الغرب ورذائله ولم يتمكنوا من تحقيق الجانب الآخر المشرق المتمثل في تلك النهضة الجبارة في ميدان الصناعة التي تزخر بها بلا د الغرب.
الخيار الثاني: وهو أخذ الحضارة الغربية على علاتها ما طاب منها وما خبث:*
يعبُّها كلهفة الظامئ المتلهف إلى الماء العذب دون التفكير في الفوارق الطبيعية بين تلك الحضارة وحضارة الإسلام في السياسة والتفكير والنظم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وسائر السلوك كما حصل في تركيا بعد أن تأخر خلفاؤها في القوة المادية والقوة الدينية وتمالأ عليها الأعداء من كل جانب حيث سقطت فريسة الحضارة الغربية على يد زعماء افتتنوا بما عند الغرب من التقدم المادي والإلحاد الذي لا حد لجماحه.
لقد واجهت تركيا الضعيفة طوفان الحضارة الغربية القوية دون تبصر ووعي وبعقلية غير متفهمة للأوضاع الجديدة بل تواقة إلى العلمانية الملحدة خصوصا وقد برز شباب كانت ثقافتهم غربية تماما ينظرون إلى الإسلام وإلى تعاليمه على أنه عقبة كأداء في سبيل رقيهم وتقدمهم وأن على الحضارة الغربية أن تقوم على أنقاضه راضية مطمئنة كما شاء لها أولئك الثائرون أمثال" أتاتورك" وأتباعه الذين نادوا بإلحاق تركيا بالحضارة الغربية في ذلك ما وسعهم من الدعاية لهذا الاتجاه وقلبوا ظهر المجن لكل حضارة يمت إليها الأتراك بصلة وخصوصا الحضارة الإسلامية وأتاتورك هو الشخصية الهامة التي كان عليها وزر تحويل تركيا إلى ركاب الحضارة الغربية وهو أعدى أعداء الإسلام في وقته عاقبه الله بما يستحق.
ووجد كذلك مفكرون متحمسون للحضارة الغربية ونشرها بكل ما فيها من إيجابيات وسلبيات مثل " سيد أحمد خان" الهندي و" قاسم أمين" المصري صاحب كتاب (تحرير المرأة) وكتاب (المرأة الجديدة) و" طه حسين" الذي كان من كبار المتعصبين للحضارة الغربية ومن كبار المفاخرين بها وكان يود لو أن العالم الإسلامي كله وخصوصا مصر تنسلخ من كل ماضيها وتتقدم باحترام لتتقمص الحضارة الغربية بكل ما فيها**(2)*
وعلى مستوى أولي الأمر من الرؤساء مثل " الحبيب بورقيبة" الذي ظهر إلحاده وعداؤه للدين الإسلامي ولنبيه العظيم في تصريحاته التي كان يلقيها في المناسبات مثل تهجمه على القرآن الكريم ووصفه له بالتناقض وتهجمه على الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه بدويُّ يجوب الصحراء ويؤمن بالخرافات وغير ذلك من كفرياته وقد طلب إليه كثير من العلماء منهم الشيخ ابن باز – رحمه الله – أن يتوب ويرجع إلى الإسلام.
والحاصل أن هذا المسلك مرفوض ولا ينبغي للمسلمين أن يقعوا فيه فإن طريق الحضارة الغربية مملوء بالمخاطر الأخلاقية والدينية والعاقل من اتعظ بغيره وقد أسفر الصبح لذي عينين.
الخيار الثالث: وهو الأخذ من تلك الحضارة بحذر وترو دون اندفاع:
*فلا ينظر إليها على أنها هي المثل الأعلى للحياة أو المورد العذب وإنما ينظر إليها على أنها متاع الحياة الدنيا وأنه سيفارقها أو تفارقه فهي عرض زائل مهما بدت في المظهر الأنيق والصور الخداعة البراقة.
فيعتقد المؤمن اعتقادا جازما أن الحياة السعيدة إنما هي الحياة الآخرة التي جعلها الله ثوابا لأوليائه وأن ما وجد على ظهر الأرض من أنواع المتع المباحة فإنما هي عون له من الله على الاستعداد لتلك الحياة يتمثل قول الله تعالى*وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا*[القصص:77]*فيجمع بين الدنيا والآخرة أو يجعل الدنيا في يده لا في قلبه فلا يفتتن بها افتتان من يسمون أنفسهم أصحاب التجديد الذين لا هم لهم إلا الحياة المادية وزخرفها أو جماعة التغريب الذين ينظرون بكل تقديس واحترام إلى الحضارة الغربية على أنها هي كل شيء في هذا الوجود.
لا حرج على المسلم أن يستفيد من أي أمر لا يتعارض مع دينه، لا حرج عليه من أن يستفيد من مصانع الغرب وآلاته المختلفة ما دام ذلك لم يصل إلى أن يكون على حساب دينه وقيمه أو تقليدا أعمى لا يفرق فيه بين المفاهيم الغربية والمفاهيم الإسلامية كما هو حال كثير من الأقطار الإسلامية مع الأسف ولذلك لا يحتاج الشخص إلى تفكير عميق أو دقة ملاحظة كي تتبين له تلك الأوضاع التي تردت فيها تلك الأقطار عن وعي أو عن غير وعي حيث كانوا كحاطب ليل أو كتلميذ صغير أمام أستاذه ينظرون إلى الغرب بكل انبهار ونسوا أنهم يملكون ما لا يملكه الغرب من القيم والمبادئ الإلهية التي لا يوجد لها مثيل في تنظيم الحياة البشرية من جميع الجوانب ونسوا كذلك أنه يجب أن يكونوا هم القدوة للغرب المتحير في سلوكه المتخبط في جهله وأن تقدمهم إنما هو ظاهر من الحياة الدنيا وأن السعادة كلها في أيدي المسلمين لو أرادوا تحقيقها حينما يعتزون بدينهم ويوصلوه إلى تلك القلوب الخاوية والأفكار البالية في العالم الجاهلي فيرتوون من معينه الفياض ويخرجون من حياة الفسق والفجور والظلم والطغيان إلى عدل الإسلام ونوره المشرق دائما.










رد مع اقتباس
قديم 2019-08-15, 19:26   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
أبوإبراهيــم
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

المصدر : موقع الدرر السنية*










رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 01:21

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc