أسامة الشيخ
«نبارك لأشقائنا في سلوفينيا فوزهم على الجزائر»..! رسالة نصية قصيرة تلقيتها على هاتفي بعد مباراة الجزائر وسلوفينيا.. رسالة حاول صاحبها أن يكون خفيف الظل، فإذا به يصيبني بالاكتئاب لساعات! ما أحزنني حقا هو دلالة الرسالة أكثر من خسارة الجزائر.. بالطبع لم أفرح لـ«أشقائنا» السلفوينيين، لأنني بصراحة لا أعرف واحدا يحمل جنسيتهم أفرح وأبارك له، سوى مدرب المنتخب الإماراتي كاتانيتش، وحتى معرفتي به سطحية للغاية لا تدعو للفرحة أو الحزن.. فسلوفينيا عندي مثل سلوفاكيا أو هندوراس، أو أي بلد آخر لم أزره أو أعرف أحدا من أهله، كما أنه لا يمثل مدرسة كروية تحب نجومها أو تطرب لأدائهم، كتلك القوى الكروية التي يتسابق في عشقها سكان الأرض.. إذن كلمة السر هنا هي «الجزائر»!
هذه الرسالة القصيرة طرحت بداخلي تساؤلا ملحا .. «لماذا فرحنا جميعا بفوز الجزائر على ألمانيا في مونديال 1982، بينما تأسى كثيرون منا لعدم خسارتها أمام إنجلترا أمس الأول في مونديال 2010»؟ هل الألمان أعداؤنا فرحنا فيهم، والإنجليز أشقاؤنا حزنا لهم؟ هل كان الجزائريون في مونديال 82 منا، وفي 2010 خرجوا عنا؟ قبل مونديال 82، فرحنا مع تونس في الأرجنتين 78.. وبعده انتشينا بأداء وتأهل المغرب للدور الثاني في المكسيك 86.. فماذا حدث؟
الاحتقان الشديد الذي تعيشه علاقة الشارعين المصري والجزائري في أثناء وعقب مواجهتهما في تصفيات مونديال 2010 معروفة وواضحة.. لكن للأسف لم تعد قضية مصر والجزائر حالة خاصة، بل أصبحت حالة عربية عامة.. تجاوزنا في علاقاتنا مرحلة عدم الفرح لبعضنا البعض عند الفوز، إلى الشماتة عند الخسارة! أتصور أن المسألة جديرة بأن يضعها علماء الاجتماع على طاولة البحث، في بطولة القارات الأخيرة شاهدت مباراة مصر وإيطاليا مع أصدقاء بينهم خليجيون أتعسهم فوز مصر.. وكأنهم مواليد نابولي أو فينيسيا!
وفي مباراة السعودية وكوريا الشمالية رأيت بعيني البعض يرقص فرحا لخسارة السعودية وفقدها بطاقة التأهل المونديالي الخامس على التوالي! ولا أتصور أنه كان ابتهاجا بانتصار النظام الديكتاتوري المنغلق في بيونج يانج، وفي مباراة الجزائر وإنجلترا رأيت مصريين وعربا يشجعون بحماس وهم يرتدون فانلات المنتخب الإنجليزي! ماذا حدث للوطن الكبير الذي كان يئن في الكويت والدوحة ودمشق إذا أصاب الدار البيضاء أو طرابلس مكروها؟.. والعكس صحيح، الوطن الكبير بات صغيرا، بصغر أحلام أبنائه وضآلة أفقهم!
أعود من التعميم العربي إلى مسألة مصر والجزائر، وإلى تباين المشاعر تجاه مشاركة الجزائر في مونديالي 1982 و2010، لأجزم أن المسؤول الأول عنها هو إعلام البلدين.. ومن خلفه قيادتهما السياسية! فما حدث في الشهرين الأخيرين من عام 2009 كان جريمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى..! جريمة سندفع ثمنها -مصريون وجزائريون- لعقود مقبلة.. جريمة لن تزول آثارها لمجرد مشهد عناق دبلوماسي اصطناعي بين مبارك وبوتفليقة في باريس، ولن تمحوها كلمات تراجع أديب وشلبي وعبده والغندور هنا.. ولا مقالات تقارب وتصالح مماثلة في صحف الجزائر هناك، فمحمد صاحب محل العطارة في السيدة زينب، أو حسن عامل الخراطة في دمنهور لن يلتفتا لمشهد العناق أو كلمات الاستدراك، وكذلك طاهر موظف بلدية وهران أو رفيق بائع الصحف في سطيف لن ينتبها أو يهتما، فمصر في مخيلتهما لم تعد هي الأم الكبيرة كما كانت! فجريمة الشهرين.. لن تغفرها من السنين عشرون! لأن حسابات وعلاقات الساسة شيء.. ومشاعر الشعوب كأفراد شيء آخر.
فهل أدرك المخطئون في الجانبين اليوم خطأهم؟.. لا أظن! ادخلوا إلى المواقع الإلكترونية واقرءوا التراشق المخجل المتبادل بين المصريين والجزائريين وتعليقاتهم، لتدركوا أي ذنب اقترفتم، ولأننا نعلم جيدا نوعية مرتادي الفيس بوك وبقية المواقع الإلكترونية وفئة أعمارهم.. أقول يا ويلنا.. إنهم الجيل المقبل.. ويا له من قادم يتسلح بالعداء المتبادل بين بلدين عربيين شقيقين بحجم مصر والجزائر.
وأستميح الجزائريين عذرا.. فمباراتكم المقبلة الأربعاء المقبل مع الآسف ستكون مع أمريكا.. وبالتالي لن يكون لكم فيها من العرب مؤازرون! لأن العرب من الماء إلى الماء وكما تعلمون.. كلهم بالأمر.. أمريكيون!
المصدر: mbc.net
ما تعليقكم؟؟؟؟