-"الجمهورية"
ليلة الجمعة ـ السبت الماضي، تلقّت قيادة العمليات في الجيش السوري من القيادة الميدانية في القلمون الرسالة الآتية: «أصبحنا عمليّاً داخل يبرود، نحن نمهّد بقصف مدفعيّ عنيف، المعركة الطاحنة لم تحصل بعد وتقديراتنا أنّ الأمر يحتاج بعض الوقت».
صباح الأحد الفائت، نُفّذت عملية نوعية عند ساعات الفجر الأولى، استهدفت مركز قيادة العمليات العسكرية لـ»جبهة النصرة»، التنظيم الأكثر عدداً وعدّة في يبرود آنذاك. قتِل عدد من القادة الميدانيّين الذين كانوا مجتمعين لتنسيق المواقف. وتمّت السيطرة على اثنتي عشر تلّة محيطة بيبرود، أصبحت المدينة القلمونية ساقطة بالنار عملياً.
دبّت الفوضى بين المسلّحين، وكثرت الإشاعات بينهم، وكانت أجهزة التنصّت ترصد حالة من الخوف والضياع لديهم، حتى إنّ الشتائم والتهديدات والاتهامات بالخيانة بين قادة المجموعات التُقطت في الاتصالات اللاسلكية. بعض المجموعات والألوية من «الجيش الحر» بدأت تنسحب في اتّجاه فليطة ورنكوس والبراري والجرود المحيطة.
أمام هذا التداعي السريع و»المفاجئ» كان التقدير الميداني أنّ لحظة اجتياح المدينة قد حانت، وتمّ الدخول السريع والحسم على ثلاثة محاور، وتُرِكت ثغرة لمن يريد من المسلّحين أن يهرب في اتّجاه فليطة ورنكوس والجرود المحيطة، تقدّمت قوات الجيش السوري تدعمها عناصر من حزب الله نحو يبرود، وعند التاسعة صباحاً سقطت المدينة في عملية عسكرية «نظيفة»، حسب ما وصفتها مصادر عسكرية ميدانية.
المعلومات الامنية قبل دخول يبرود، كانت تتحدّث عن وجود عشرة آلاف مسلّح فيها، بينهم ثلاثة آلاف إسلامي من «النصرة» و»الجبهة الإسلامية» مستعدّون للقتال حتى الموت. الخطة كانت فرض حصار مُحكم من ثلاثة محاور، وترك ثغرة لمن يريد النجاة بحياته والتعامل مع مَن تبقّى من طريق القصف والعمليات النوعية والطيران.
سيطرَ الجيش السوري على تلّة «مار مارون» عصر السبت، كذلك سيطر على التلال الـ 12 المحيطة بالمدينة بكاملها، الأمر الذي جعل «النصرة» و»الجبهة الإسلامية» تتبادلان الاتّهامات حول التفريط بها وتسليمها (تلّة ما مارون)، وقد دفعت هذه الحال المعنوية السيئة المسلحين الاكثر تشدّداً إلى الفرار بمجموعات يضمّ كلّ منها عشرين عنصراً إلى القرى التي لا تزال تحت سيطرتهم، فوقع بعضها أيضاً في مكامن لحزب الله والجيش السوري على طول الطريق، إضافةً إلى ملاحقة الطيران السوري بعض المجموعات وقصفها، وصولاً إلى جرود عرسال. وممّا لا شكّ فيه أنّ أعداد القتلى من المسلّحين كبيرة جدّاً ويصعب إحصاؤها الآن، لأنّ بعضهم يُقتل ويبقى في البراري والجرود فريسةً للوحوش الضارية.
سقوط يبرود السريع دفع القيادة الميدانية إلى اتّخاذ قرار استكمال المعركة، والسيطرة على فليطة ورنكوس، لينتهي بذلك ملفّ الحدود اللبنانية ـ السورية، وتبدأ معركة ريف دمشق الأخيرة التي سيتمّ استكمالها في الأيّام المقبلة وصولاً إلى حدود درعا ـ القنيطرة والجولان.
رمزية المعركة في يبرود بالغة الأهمّية والدلالة من الناحية العسكرية. عمليّاً وضِعت اليد على «رئة» المسلّحين التي تمدّ بقيّة المناطق، خصوصاً ريف دمشق، بالهواء والدعم والإمداد.
أمّا من الناحية السياسية فهنالك قرار مُتّخَذ في سوريا، وسيتمّ تنفيذه بوتيرة سريعة من الآن وحتى حزيران المقبل موعد الانتخابات الرئاسية السورية. القرار مفادُه استعادة المدن الكبرى، ومحاصرة المسلّحين في بؤَر وأرياف لا تزيد مساحتُها عن عشرة في المئة من مساحة سوريا.
وفي موازاة ذلك اتّخذت دمشق جملة خطوات سياسية وتشريعية تؤكّد نيَّتها إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها. أقفلت سفاراتها في عدد من الدول العربية والأجنبية «المعادية» لأنّ التصويت في السفارات سيكون قائماً ودمشق تخشى أن تتدخّل هذه الدول في مسار التصويت الرئاسي، وصوّت مجلس الشعب السوري على قانون الانتخابات الرئاسية بقواعد وشروط صارمة يصعب من خلالها على كثيرين من «شخصيات المعارضة» أن يترشّحوا لعدم استيفائهم شروط الترشّح بحسب القانون.
الأيام المقبلة ستشهد مزيداً من الأعمال العسكرية الميدانية، توازيها خطوات سياسية وحوارية ومصالحات في الداخل السوري. ويمكن تسمية مرحلة ما بعد يبرود بمرحلة «التحضير للانتخابات الرئاسية» سياسياً وعسكرياً.