وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَر - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > القسم الاسلامي العام

القسم الاسلامي العام للمواضيع الإسلامية العامة كالآداب و الأخلاق الاسلامية ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَر

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2012-12-17, 16:58   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
السلفية الجزائرية
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَر









وَرِضْوَانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَر
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى ، اللهم لك الحمد على كل نعمةٍ أنعمت بها علينا في قديمٍ أو حديث أو سرٍ أو علانية أو خاصةٍ أو عامة ؛ لك الحمد بالإسلام ولك الحمد بالإيمان ولك الحمد بالقرآن ولك الحمد بالمعافاة ، اللهم لك الحمد بالأهل والولد والمال ، اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد :
قبل الدخول في موضوع هذه المحاضرة ومضامينها يطيب لي أن أرحب بكم جميعاً - أيها الجمع الكريم - وأرحب على وجه الخصوص بمعالي مدير الجامعة الدكتور: محمد بن علي العقلا أولاً: على تشريفه ، وثانياً: على كريم رغبته في أن أشارك بمحاضرة رجاء أن ينفع الله سبحانه وتعالى بها ، و((الدَّالَّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ ))كما قال ذلكم رسول الله - صلوات الله وسلامه وبركاته عليه - .
وأيضاً قبل الدخول في موضوع هذه المحاضرة فإن مُلقي هذه المحاضرة يعلن قصوره ولاسيما في موضوع كبيرٍ كهذا يُعَدّ أكبر الموضوعات وأجلّها على الإطلاق ، ولكن ارتأيتُ مع قصور كبيرٍ وعجزٍ بيِّن أعلمه من نفسي أن أتحدَّث في هذا الموضوع مع كبره وعظمه رجاءً في الله سبحانه وتعالى وحده وأملاً به جل شأنه أن يجعل مجلسنا هذا بمنه وكرمه مجلساً من مجالس الرضوان ، وأن يحقق لنا فيه من الخير والنفع والفائدة بتوفيقٍ منه جلَّ وعلا ومنّ ، فعليه وحده - سبحانه- توكلي واعتمادي ، وإليه تفويض أمري واستنادي ، بسم الله ما شاء الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
أيها الجمع الكريم : موضوع هذا اللقاء تأملٌ وتدبرٌ في قول ربنا جل شأنه :)وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ( .
قرأتُ للعلامة ابن القيم -رحمه الله- يقول : " سمعتُ شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- يقول : تأملتُ أنفع الدعاء فإذا هو سؤال الله العون على مرضاته ، ووجدت ذلك في فاتحة الكتاب ) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ( " فطلب العون من الله سبحانه وتعالى على نيل مرضاته - جل شأنه - هو أجل مطلبٍ وأعظم مقصد ، وهو أنبل هدفٍ وأجلّ غاية ، وأعظم أمرٍ شمَّر في نيله وسعى في تحصيله المشمِّرون .
وقول ربنا - جل شأنه-)وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ( هو جزء من آية في سورة التوبة ؛ ولهذا من المهم بين يدي موضوع هذه المحاضرة أن نقف قليلاً متأملين في السياق الذي وردت فيه إتماماً للمعنى وتكميلاً للفائدة ، وكان السياق الذي وردت فيه هذه الآية سياقاً يُبين مكانة المؤمنين العلية ومنزلتهم الرفيعة ويبين ما هم عليه من جدٍّ واجتهادٍ وعمل في نيل مرضات الله سبحانه وتعالى ثم بيّن في السياق ما أعده - تبارك وتعالى - لهم من كرامات وما هيَّأه لهم من أجورٍ وثواب عظيم ، وكان السياق قبل ذلك في بيان سوء حال المنافقين والمنافقات وخبثهم وسوء طويّتهم وشناعةِ أعمالهم ، فلما كشف - جل وعلا - حالهم وبيّن شأنهم وذكر ما أعد لهم من عقوبات قال سبحانه وتعالى : )وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (71) وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ([التوبة:71-72]. فذكر - جل وعلا – أولاً أعمالهم من طاعةٍ لله سبحانه وتعالى ورسوله ، وقيامٍ بفرائض الإسلام وواجبات الدين ، وعملٍ على تبيان دين الله عز وجل نصحاً لعباده وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر ثم أتبع ذلكم - جل شأنه - بذكر ما أعد لهم ، وذكر سبحانه وتعالى ما أعده لهم ذكراً متدرجاً ؛ فبدأه بذكر أنه سبحانه وتعالى أعد لهم جنات تجري من تحتها النهار ، ثم أتبع ذلكم سبحانه وتعالى بذكر المساكن العظيمة والغرفات العليّة التي أعدها لهم نزلاً ومسكناً في تلكم الجنات ، ثم ذكر الكرامةَ الكبرى والمنةَ العظمى ألا وهيَ رضوانه - تبارك وتعالى - عنهم قال : )وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ( ، ثم ختم السياق بقوله : )ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (.
فقول الله عز وجل :)وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ( وإن كان لم يُذكر المفضَّل عليه بعد قوله : )أَكْبَرُ ( للعلم به وبياناً لِعظم رضوان الله سبحانه وتعالى وجلالةِ شأنه وأنه أكبر من كل نعيم وأجلّ من كل عطية ، وذلكم أن رضوان الله سبحانه وتعالى صفة من صفاته عز وجل ، وجنتُه وما فيها من كرامات وعطايا وهبات مخلوق من مخلوقات الله عز وجل ، فرضوان الله أكبرُ من كل نعيم ؛ أكبر من الجنة وأكبرُ من كل نعيم في الجنة إذ هو أعظمُ كرامةٍ وأجلُ عطية .
ويوضح هذا المعنى في الآية وإن كان واضحاً ظاهراً ما خرّجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ ؟فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ !! فَيَقُولُ: أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَبِّ وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ !! فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا)) ، وروى الحاكم في مستدركه بإسنادٍ صحيح عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ ، قَالَ : يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : هَلْ تَشْتَهُونَ شَيْئاً فَأَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا وَمَا فَوْقَ مَا أَعْطَيْتَنَا ؟ قَالَ : يَقُولُ : رِضْوَانِي أَكْبَر )) ؛ أي أكبر من الجنة وما فيها ، فقوله سبحانه وتعالى : )وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ( ينبغي على كل مسلم أن يُودِع هذه الآية الكريمة في قلبه ، وأن يحرص على حضورها في ذهنه في كل مقام وفي كل موقف وفي كل حال ؛ لأن هذه الآية إذا قامت في القلب وكان ما دلت عليه هو هدف الإنسان وغايتَه ومطلبه فإن أحوالَه كلها تصلح وأموره كلها تزين .
وقوله سبحانه وتعالى ):وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ( هذا الموضع فيه لطائف عظيمة كلها تدل على عظم هذا الرضوان ورفعةِ شأنه أشار إليها علماء التفسير في كتبهم - رحمهم الله ونفع بجهودهم - ، من ذلكم :
§أن عطف الرضوان على ما قبله جاء عطف جملة ولم يأتِ عطف مفرد ، قال :)وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ( فيما قبلها قال سبحانه وتعالى : )وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ( ؛ وهذا فيه إشارة إلى أن هذا فضلٌ مستقل مختلفٌ تماماً عما قبله وعلى ما ذُكِر قبله وهو نعيم الجنة وما فيها .
§ثم إنه قال : )وَرِضْوَانٌ ( بالتنكير ؛ وهذا يفيد التعظيم وفخامةَ الرضوان وعلو شأنه .
§وأيضاً جاء مُنوَّناً والتنوين يفيد التعظيم .
§وجاء مرفوعاً كرفعةِ شأن الرضوان وعلو شأنه.
§ثم إنه - جل شأنه - قال : )وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ ( ولم يقل :"منه " ؛ وفي إظهار اسم الجلالة في هذا المقام إيماءٌ إلى عظمة هذا الرضوان المضاف إلى الله سبحانه وتعالى .
§ثم إنه - جل شأنه - قال : )وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ( ولم يقل:"رضا" ؛ والفرق بين الرضوان والرضا: أن زيادة المبنى -كما يقول أهل العلم- فيه زيادة المعنى ، فزيادة الألف والنون تدل على قوة هذا الرضوان وكثرته وعِظمه وجلالته .
§ثم إنه قال : )وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ( ولم يقل "ورضوان الله أكبر" ؛ وهذا أيضا فيه لطيفةٌ عظيمة ألا وهي : أن هذا الرضوان وإن قلّ وإن كان يسيراً في حق عبدٍ ما فهو أعظم من الجنة وما فيها ، وليس في رضوان الله سبحانه وتعالى ما هو يسير كما قيل :
قليلٌ منك يكفيني ولكن قليلُكَ لا يقالُ لهُ قليلُ
كل ذلكم يدلنا على عظم هذا المقصد وجلالة هذا المطلب وأنه أعظم مبتغى وأجلّ غايةٍ وأنبل هدف ، وأن الواجب على المسلم العاقل الحصيف أن ينهض بنفسه نهوضاً عظيماً قبل أن يفوته هذا الخير العظيم والفضل العميم .
والواجب على من اشتاقت نفسه لهذا الرضوان وتاقت لهذه المنازل العلية والأجر العظيم أن يعِدَّ لهذا الأمر عُدَّته وأن لا يشغله عنه أي شاغل ، وربنا - جل شأنه - أخبرنا في مواضع من القرآن الكريم بأن ثمة وثمة شواغل كثيرة جداً تشغل العبد عن نيل هذا الرضوان وتعوقه عن تحصيله ؛ فلا يزال يتعثر في أمر وآخر إلى أن يفوِّت على نفسه حظه ونصيبه من هذا الرضوان العظيم ، ولنتأمل في هذا المعنى قول الله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران : )زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17) ( ؛ فهؤلاء الذين تبوءوا منازل الرضوان وفازوا بهذا الأمر العظيم والمطلب الجليل سبقه رضاً منهم عن الله سبحانه وتعالى وجِدٌّ واجتهاد في طاعة الله كما يوضح ذلكم هذا السياق وغيره مما جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى ، ولم تشغلهم تلك الشواغل عن نيل الرضوان .
ومثل هذه الآية في التحذير من الشواغل التي تشغل الإنسان وتعوقه عن نيل هذا الرضوان قول الله سبحانه وتعالى في سورة الحديد : )اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20)( ؛ فيأتي ذكر الرضوان في مثل هذه المقامات تنبيهاً للعباد ، ليتنبه من أراد لنفسه هذا المطلب العظيم والمقصد الجليل ألا تشغلَه هذه الشواغل وأن لا تلهيه هذه الملهيات بأن تكون صارفةً له عن نيل هذا الرضوان العظيم وتحصيله والفوز به .
ونيل هذا الرضوان والفوز به يتطلب من العبد أموراً عديدة جاءت مبيَّنة في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه - صلوات الله وسلامه عليه - إلا أنها في الجملة ترجع إلى أمرين عظيمين وأصلين متينين ينبغي على كل ناصح لنفسه أن يُعنى بهما أشد العناية وأن يهتم بهما عظيم الاهتمام :
§الأمر الأول : ابتغاء الرضوان ؛ وفي هذا يقول الله سبحانه وتعالى : )وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ([البقرة:207]، ويقول جل وعلا : )وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ([البقرة:265]، ويقول جل وعلا : )لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ([النساء:114] ، ويقول جل وعلا : )مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ ([الحديد:27] والآيات في هذا المعنى كثيرة .
§والأمر الثاني: اتباع الرضوان ؛ يقول الله سبحانه وتعالى : )أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ([آل عمران:162] ، ويقول سبحانه وتعالى : )الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ([آل عمران:173-174] .
فتحصّل لنا مما سبق في نيل الرضوان وتحصيله : أن يجمع العبد لنفسه بين هذين الأمرين العظيمين والأصلين المتينين ؛ الأول : ابتغاءُ الرضوان ، ومعنى ابتغاء الرضوان : الإخلاص في الأعمال وحُسن التوجه للرب سبحانه وتعالى ذي الجلال والكمال ؛ بحيث يكون العامل في عمله لا يبتغي شيئاً في أي عمل يقدمه يرجو به ثواب الله سبحانه وتعالى والدار الآخرة إلا ويكون قائماً على ابتغاء الرضوان وطلب الرضوان مخلصاً في عمله ، ولن يكون في صالح عمل العبد إلا ما قصد به العبد وجه الله سبحانه وتعالى ، أما الأعمال التي قامت على الرياء مثلاً والسمعة وحب الشهرة وحب الظهور وحب علو الصيت وحب الذكر إلى غير ذلكم من الأغراض فكلها لا تقرِّب العبد من رضوان الله ، وإنما الذي يقرب العبد من رضوان الله سبحانه وتعالى ما ابتغى به من عمله رضوان الله ، وما سوى ذلكم فإن الله لا يقبله منه وإن عظُم العمل وإن كبُر العمل ؛ ولهذا قال - جل شأنه - في الحديث القدسي : ((أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنْ الشِّرْكِ ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ)) .
وأما اتباع الرضوان : فأن يحرص العامل على الأعمال التي جاء بها النبي الكريم - صلوات الله وسلامه عليه- ، فإن رضوان الله سبحانه وتعالى لا يُنال إلا بلزوم دينه الذي رضيه لعباده وبعث به رسوله - عليه الصلاة والسلام- قال الله تعالى : ]الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [[المائدة:3] ؛ فهذا الدين الذي رضيه الله سبحانه وتعالى لعباده هو الذي يُتَّبع ليُنال به وباتِّباعه رضوان الله سبحانه وتعالى ، وعليه فالآيات التي مر ذكرها في أكثر من موضع من كتاب الله )وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ( كلها يُراد بها هذا المعنى ؛ أن يلزم المسلم الأعمال التي رضيها سبحانه وتعالى وبعث بها رسوله - عليه الصلاة والسلام - ، ولهذا نقل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى- في بعض كتبه عن بعض أهل العلم أنه قال : " من أراد أن يبلغ محل الرضا فليلزم ما جعل الله رضاه فيه" ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : "وهذا من أحسن الكلام" وفعلاً الذي يريد لنفسه محل الرضوان يوم يلقى الله سبحانه وتعالى فلن يجد ذلك إلا باتباع النبي الكريم - صلوات الله وسلامه عليه - ولزوم نهجه القويم .
فبهذين الأصلين ابتغاء الرضوان واتباع الرضوان يفوز العبد برضا الله سبحانه وتعالى وعظيمِ موعوده ، وجميع الآيات التي وردت في هذا المعنى كلها ترجع إلى هذين الأمرين العظيمين والأصلين المتينين وفيهما يقول الفضيبل ابن عياض -رحمه الله تعالى - في تفسيره لقول الله تعالى ]:لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [قال: " أخلصه وأصوبه"، قيل: يا أبا علي وما أخلصه وأصوبه ؟ قال : " إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل ، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل ؛ حتى يكون خالصاً صواباً ، والخالص ما كان لله ، والصواب ما كان على السنة " وقد جُمع بين هذين الأصلين في آيات منها الآية التي خُتمت بها سورة الكهف وهي قول الله سبحانه وتعالى ]فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا[ وهذا اتباع الرضوان ]وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [وهذا ابتغاء الرضوان بإخلاص العمل لله - جل وعلا - .
ثم إن المؤمن عليه في هذا المقام العظيم أن يكون مسارعاً للخيرات لا أن يكون متقاعساً متوانياً مفرِّطاً مضيِّعاً مسوِّفاً ، وليكن رائده في هذا الباب وقدوته فيه أنبياء الله ورسله - عليهم صلوات الله وسلامه - ، ومن الأمثلة العظيمة في ذلكم قول الله سبحانه وتعالى عن نبيه موسى عليه السلام ] :وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى[[طه:84] أخذ أهل العلم من هذه الآية ومنهم شيخ الإسلام بن تيمية - رحمه الله تعالى - أن الأصل أن يسارع العبد في نيل مرضات الله لا أن يسوِّف أو أن يؤجِّل أو أن يؤخر ، فكم من أناس أخروا أعمالاً ينالون بها رضوان الله سبحانه وتعالى فداهمهم الموت وباغتهم الأجل قبل أن يحققوا تلك الأعمال وقبل أن يفوزوا بتلك الخصال .
فالواجب على العبد أن يكون شأنه كذلك ساعياً في الرضوان ، مسارعاً إلى نيل الرضوان ، جاداً مجتهداً في تحصيل الرضوان ، ويكون دأبه دائماً وأبداً التماسُ الرضوان ، وقد خرج الإمام أحمد - رحمه الله - في كتابه المسند عن ثوبان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((إِنَّ الْعَبْدَ لَيَلْتَمِسُ مَرْضَاةَ اللَّهِ وَلَا يَزَالُ بِذَلِكَ فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِجِبْرِيلَ : إِنَّ فُلَانًا عَبْدِي يَلْتَمِسُ أَنْ يُرْضِيَنِي أَلَا وَإِنَّ رَحْمَتِي عَلَيْهِ ، فَيَقُولُ جِبْرِيلُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى فُلَانٍ، وَيَقُولُهَا حَمَلَةُ الْعَرْشِ وَيَقُولُهَا مَنْ حَوْلَهُمْ ، حَتَّى يَقُولَهَا أَهْلُ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ ثُمَّ تَهْبِطُ - أي رحمة الله سبحانه وتعالى - لَهُ إِلَى الْأَرْضِ)) والحديث جوَّد إسناده بعض أهل العلم .
أيها الإخوة الكرام : عندما يكون الحديث عن رضوان الله ونيل رضوان الله سبحانه وتعالى يبقى أمام ناظري العبد قدوات العباد ممن فعلاً شمَّروا في حياتهم عن ساعد الجد وعملوا على تحقيق الرضوان ونيله ولم تشغلهم توافه الأمور وحقير الأشياء عن نيل رضوان ربهم سبحانه وتعالى ؛ ولهذا إذا كان الحديث عن رضوان الله سبحانه وتعالى ونيله فإن الذهن يقفز إليه مباشرة بعد حياة الأنبياء المديدة وتاريخهم العظيم في نيل رضوان الله عز وجل إلى حياة الصحابة - رضي الله عنهم وأرضاهم - فهي حياة ذكرها الله سبحانه وتعالى أو ذكر حالهم في كتابه مبيناً في مواضع عديدة رضاه عنهم ورضاهم عنه ، وهذه والله مكرُمة عظيمة وشرفٌ جليل ؛ بل إن ذكر ذلكم جاء في التوراة قبل خلق الصحابة وقبل أن يدرجوا على الأرض ، وفي هذا يقول سبحانه وتعالى : ]مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ[ ؛ فهم قبل أن يُخلقوا وقبل أن يوجدوا ذكرهم الله سبحانه وتعالى هذا الذكر العطر العظيم في التوراة بهذا الوصف ، كما أنه ذكرهم في الإنجيل بقوله : ]وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ[[الفتح:29] ؛ فهؤلاء الصحابة حققوا هذا الأمر وبلغوا فيه الرتبة العلية فكانوا في تحقيقه في الدرجة الثانية التي تلي الأنبياء في تاريخ الأمم كلها ، فلا كان ولا يكون مثلهم بعد الأنبياء ، وقد قال الله سبحانه وتعالى : ]كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ[[آل عمران:110] ، وقال - عليه الصلاة والسلام - : (( خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ))، وهذه الخيرية هي خيرية في جميع أمم الأنبياء ؛ ولهذا فيما يتعلق بأفضل الصحابة قال - عليه الصلاة والسلام- : ((أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ مَا خَلَا النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ))فشرف هؤلاء وفضلهم ونبلهم وعلو قدرهم ورفعة مكانتهم ليست رتبةً أو فضلاً حازوه على هذه الأمة ، بل هي رتبةً حازوها على مستوى جميع الأمم بعد النبيين ، وذلكم لأن تاريخهم كله تاريخٌ في تحقيق الرضا ونيله وجدّ في هذا المطلب العظيم وتحصيله ؛ ولهذا تمرُّ مواقف عظام هي محك في الفوز بالرضا وتحصيله فيتسابقون إليه ويتنافسون عليه ويبادرون لذلك ، وتنزل الآيات فوراً في كل موقف بإعلان رضا الرب سبحانه وتعالى عنهم ؛ في غزوة أحد -على سبيل المثال- لما انتهت ومضى المسلمون وعاد المشركون إلى مكة وكان المسلمون في مصابهم وفيهم من هو مثخنٌ بجراحه يعلن النبي صلى الله عليه وسلم على الجميع فوراً اللّحوق بالمشركين ، ولك أن تتصور تلك الحال بتلك الجراح وتلك الدماء وذلك التعب وذلك النصب فما تخلّف منهم واحد ؛ تسارعوا وبادروا وقصر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك على من شهد أحداً وانطلقوا معه إلى حمراء الأسد إلى جهة جنوب المدينة - تبعد عنها عشرين كيلو متراً تقريباً - وفي ذلكم يقول سبحانه وتعالى : )الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ (هذا العمل اتباعٌ لرضوان الله سبحانه وتعالى بشهادة رب العالمين لهم )وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ(؛ أي أنه منّ عليهم بهذا الفضل وأكرمهم سبحانه وتعالى قال أهل العلم: ففازوا بأجر غزوةٍ كاملة مع أنهم لم يلقوا عدوهم بل ألقى الله سبحانه وتعالى في قلوب العدو الرعب ففروا إلى مكة منهزمين .
وفي وقعة صلح الحديبية لما انتدب النبي - عليه الصلاة والسلام - عثمان رضي الله عنه وأشيع أنه قُتل دعا النبي - عليه الصلاة والسلام - وكان تحت الشجرة وبايع أصحابه وكانوا يزيدون على ألف وأربعمائة بايعهم على القتال حتى الموت فبايعوه جميعاً ما تردد منهم أحد ، وما أن انتهى هؤلاء من تلك البيعة العظيمة إلا وينزل قول الله سبحانه : )لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا([الفتح:18] أي فتح خيبر والمغانم الكثيرة التي أكرمهم الله سبحانه وتعالى بها وأظفرهم بها .
وهكذا تتوالى المواقف والمواقف في المسارعة لنيل رضوان الله، وقدوة الصحابة وخيرهم في هذا الباب صدِّيق الأمة - رضي الله عنه وأرضاه - ولما قال صلى الله عليه وسلم : إن بلالاً يُعذَّب ؛ انطلق أبو بكر رضي الله عنه واشتراه وأعتقه ، وفي ذلكم نزل قول الله تعالى : )وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى ([الليل:17-21] أي يرضيه الله سبحانه وتعالى لأنه سارع وبادر لنيل مرضاة الله سبحانه وتعالى فكانت مرضاة الله غاية مقصوده ونهاية مطلوبه - رضي الله عنه وأرضاه - .
الله أكبر !! عندما يتحدث المتحدِّث عن مقام الصحابة الشريف ومنزلتهم العلية وينظر في هذه الكرامة الكبيرة التي جعلها الله لهم وهي رضا الله عنهم ؛ انظروا رعاكم الله - وهو معنىً لم أره مكتوباً وإنما ورد في ذهني هذا اليوم - كيف أن الله سبحانه وتعالى فتح للأمة إلى زماننا هذا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها لا يُذكر صحابي إلا ويُقرن به الدعاء له بالرضا " رضي الله عنه " ، حتى إن الإنسان إن سها وذكر صحابياً ربما نُبِّه قيل:لمْ تترضى عنه ، فأصبح الدعاء لهم بالرضا قريناً لذكر أسمائهم في كل الأزمان ، ولك أن تتأمل ليس في الشهور ولا في السنوات بل في كل يوم من أيام المسلمين من تاريخ الصحابة إلى يومنا هذا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها كم يُدعى للصحابة بالرضوان في كل يوم ؟ أهو ألف مرة !! أو آلاف !! أو ملايين !! لا يحصي ذلك إلا الله، وهذا الفتح الذي فتحه الله سبحانه وتعالى على الأمة دعاء للصحابة رضي الله عنهم بالرضوان إنما هيأه سبحانه وتعالى ووفق المسلمين للعناية به والمحافظة عليه لعلو مقام الصحابة رضي الله عنهم في نيل رضوان الله سبحانه وتعالى ، والله عز وجل إذا أعطى عباده الدعاء أعطاهم الإجابة )وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ([غافر:60] ، ودعوة الأخ لأخيه في ظهر الغيب مستجابة ، فكم هو هذا الرضوان العظيم الذي فاز به الصحب الكرام ، وكم هي هذه الدعوات الكثيرة التي يلهج بها المؤمنون عبر تاريخهم وأيامهم للصحب الكرام فلا يذكرون صحابياً إلا ويترضون عنه .
أيها الإخوة الكرام : إن المسلم عندما يتحدث عن الصحابة وعن تاريخ الصحابة وعن رضوان الله سبحانه وتعالى عن الصحابة - رضي الله عنهم وأرضاهم - لا ينبغي أن يكون حديثُه في هذا الباب حديثاً مجرداً عن النهوض بالنفس للاقتداء والائتساء بهم - رضي الله عنهم وأرضاهم - ، وإلا فإن الإنسان لا يستفيد من مطالعة تاريخهم ولا من قراءة سيَرهم ، وإنما تتحقق الفائدة إذا جُعل الصحابة - رضي الله عنهم وأرضاهم - قدوة يقرأ تاريخهم المجيد وحياتهم الكريمة ليأتس بهم فعلاً ليفوز بالرضوان باتّباعه لسبيلهم ، وهذا المعنى مقرر في قول ربنا سبحانه وتعالى):وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ([التوبة:100]، فأشرك سبحانه وتعالى وأضاف الذين اتبعوا الصحابة بإحسان برضاه عنهم ؛ ولهذا حظ العبد من رضا الله سبحانه وتعالى بحسب حظه من هذا الاقتداء لمن رضي الله سبحانه وتعالى عنهم وأخبر جل شأنه برضاه عنهم في مواضع عديدة من كتابه عز وجل .
ثم لا يفوت التنبيه في هذا المقام أن من - والعياذ بالله - يكون في قلبه شيءٌ من الغل أو الحقد أو الضغينة أو البغض أو السخائم تجاه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عموماً أو أفراداً فهذا أمارةٌ بيِّنة وعلامةٌ واضحة على فوات نصيبه من رضوان الله سبحانه وتعالى وخسرانه في هذا الباب الخسران العظيم ؛ إذ كيف قومٌ هذا شأنهم وتلك مكانتهم ورب العالمين يعلن رضاه عنهم في مواضع عديدة من كتابه ثم يكون في قلب إنسان ما سخيمة أو غلاً أو حقداً على الصحب الكرام - رضي الله عنهم وأرضاهم - ؟! فضلاً عن حال من يشغل نفسه وأوقاته وأيامه بلعن الصحابة - رضي الله عنهم وأرضاهم - ، وبعضهم يجعل ذلك وِرداً يومياً يحافظ عليه إمعاناً في الكراهية والبغضاء للصحابة ولاسيما خيار الصحابة وخصوصاً أبي بكرٍ وعمر وعائشة وحفصة ؛ ألا شاهت الوجوه !! ألا ما أعظم الخسران !! على أن الصحابة - رضي الله عنهم وأرضاهم - لا يضرهم لعن لاعن ولا طعن طاعن ، بل إن الأمر كما قالت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها وأرضاها - : " إن الله عز وجل لما قطع عنهم العمل لم يحب أن يقطع عنهم الأجر، فهؤلاء السبابة الذين اشتغلوا بسب الصحابة رضي الله عنهم لا يضر الصحابة من سبهم شيء ؛ بل إن ذلكم يعد أجراً ومغنماً للصحب الكرام - رضي الله عنهم وأرضاهم - ، ومما يدل لذلكم قول النبي - عليه الصلاة والسلام - في الحديث الصحيح : ((أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ ))فيبقى أيضاً هذا باب آخر لعلو منزلة الصحابة في نيل الرضوان سواءً فيمن ترضى عن الصحابة أو كذلكم من طعن في الصحابة ظلماً وبغياً فإن هذا الطاعن يعطيهم من حسناته شاء أم أبى كما بين ذلكم نبينا الكريم - عليه الصلاة والسلام- .
ثم أيها الإخوة الكرام : الرضوان الذي يُحله الله سبحانه وتعالى على أهل جنته فلا يسخط عليهم بعده أبداً هو ثمرةٌ وأثر لرضاهم عنه جزاءً من جنس العمل ؛ فلما رضوا عن الله رضي الله سبحانه وتعالى عنهم ، وبهذا المعنى أختم - لئلا أطيل- ألا وهو أن الرضا الذي هو فعل العبد والذي يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى هو نوعان دلت عليهما الأدلة :
§الأول : الرضا بالله ؛ وعليه يدل قول نبينا - عليه الصلاة والسلام - : ((ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم رَسُولًا )) والرضا بالله فرض افترضه الله عز وجل على كل مسلم ؛ لا إسلام ولا إيمان إلا به ، وهو أن يرضى به سبحانه وتعالى رباً خالقاً مدبراً ويرضى به معبوداً بحق لا معبود بحق سواه ؛ فإياه يقصد وإليه يلجأ وله يصرف أنواع العبادة ولا يجعل معه شريكاً ولا ندًّا ، ولا يتم هذا الرضا بالله إلا بإتباعه بالرضا بدينه والرضا بنبيه ؛ ولهذا جُمعت في الحديث فقال (ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم رَسُولًا )) وهذا النوع من الرضا وهو الرضا بالله متعلَّقه أسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته .
§والنوع الثاني من الرضا : هو الرضا عن الله سبحانه وتعالى ؛ بالرضا بما أمر والرضا بما أعطى والرضا بما وعد سبحانه وتعالى ، وهذا متعلقه ثواب الله وأجره وعطاءه ومده وعونه سبحانه وتعالى .
فالأول وهو الرضا بالله أصل ، والثاني وهو الرضا عن الله فرعٌ عنه ومتفرِّع عليه ، والأول فرضٌ باتفاق أهل العلم ، والثاني من أهل العلم من أوجبه ولاسيما ما يتعلق بباب الرضا عن الله سبحانه وتعالى في القضاء بالمصاب ، عندما يبتلى الإنسان بمرض أو سقم أو نحو ذلك فالواجب في مثل هذا المقام على التحقيق هو الصبر ، والرضا في هذا المقام مستحب ، ومن أكرمه الله عز وجل في هذا المقام بتحقيق الرضا فإنه يفوز بمثل هذا العمل فوزاً عظيماً ؛ إنما يناله من يكرمهم الله سبحانه وتعالى بالرضا عنه فيما يقدِّره ويقضيه - جل وعلا - على عباده من مصابٍ مؤلم أو نحو ذلك .
أيها الإخوة الكرام : أعتذر إليكم كثيراً أولاً على الحديث ؛ ففي هذا المجلس من هم خيرٌ مني ومن هم أوْلى بالحديث في هذا الموضوع من المشايخ النبلاء والأساتذة الفضلاء فأرجو العذر من الجميع على تحدثي بذلك بين يديكم مع قصوري كما أسلفت وقلةِ بضاعتي وقلةِ فهمي ، أسأل الله عز وجل أن يعفو عني بمنِّه وكرمه سبحانه وتعالى وأن يغفر لي ما قدمتُ وما أخرتُ وما أسررتُ وما أعلنتُ وما أسرفتُ وأن يغفر لنا أجمعين وأن يبلغنا جميعاً رضاه وأن يهدينا إليه صراطاً مستقيماً .
وأيضا أستميحكم عذراً في قراءة مقطع جميل وعظيم جداً من ميمية العلامة ابن القيم - رحمه الله تعالى - لما لها من تعلقٍ بموضوعنا ، ولما لها أيضا من أثرٍ عظيم ونفعٍ وفائدة ولن أطيل أيضا وإنما قطعة يسيرة من منظومته رحمه الله تعالى ؛ يقول :
فَحَـيَّ عَلَى جَنَّاتِ عَـدْنٍ فإنَّهَا مَنازِلُكَ الأُولَى وَفِيهَا المخَيَّـمُ
وَلَكِنَّنَـا سَبْيُ العَـدُوِّ فَهَلْ تُرَى نَعُـودُ إِلَى أَوْطَانِنَـا وَنُسَـلَّـمُ
وَقَدْ زَعَمُوا أَنَّ الغَـرِيبَ إِذَا نَأَى وَشَطَّتْ بِهِ أَوْطَانُهُ فَـهُوَ مُؤْلَـمُ
وَأَيُّ اغْتِرَابٍ فَـوْقَ غُربَتِنَـا التِي لَهَا أَضْحَتِ الأَعْدَاءُ فِينَا تَحَكَّـمُ
وَحَيَّ عَلَى رَوْضَـاتِهَا وَخِيَامِـهَا وَحَيَّ عَلَى عَيْشٍ بِهَـا لَيْسَ يُسْأَمُ
وَحَيَّ عَلَى السُّوقِ الذِي فِيهِ يَلْتَقِي الْمُحِبُّونَ ذَاكَ السُّوقُ لِلْقَومِ يُعلَمُ
فَمَـا شِئْتَ خُذْ مِنْهُ بِلاَ ثَمَـنٍ لَهُ فَقَدْ أَسْلَفَ التُّجَارُ فِيهِ وَأَسْلَمُـوا
وَحَيَّ عَلَى يَـوْمِ المَزِيدِ الَّـذِي بِهِ زِيَارَةُ رَبِّ العَرْشِ فَالْيَوْمَ مَوْسِـمُ
وَحَيَّ عَـلَى وَادٍ هُنَـالِكَ أفْيَـحٍ وتُرْبَتُهُ مِنْ أَذْفَرِ المِسْكِ أَعْـظَـمُ
مَنَـابِرُ مِنْ نُـورٍ هُنَـاكَ وَفِضَّـةٌ وَمِنْ خَـالِصِ العِقْيانِ لاَ تَتَقَصَّمُ
وَمِنْ حَوْلِهَا كُثْبَانُ مِسْكٍ مَقَاعِـدٌ لمِن دُونَهُمْ هَذَا العَطَـاءُ المفَخَّمُ
يَـرَوْنَ بِهِ الرَّحْمَنَ جَـلَّ جَلاَلُـهُ كُـرُؤْيَةِ بَـدْرِ التَّمِّ لاَ يُتَـوَهَّمُ
وَالشَّمْسُ صَحْـوٌ لَيْسَ مِـنْ دُونِ أُفْقِهَا سَحَابٌ وَلاَ غَيمٌ هُنَاكَ يغَيِّمُ
فَبَيْنَـا هُمُ فِي عَيْشِهِم وَسُرُورِهِـم وَأَرْزَاقُهُم تجرِي عَلَيهِمْ وتُقْسَـمُ
إِذَا هْمْ بِنُـورٍ سِاطِعٍ قَدْ بَدَا لَهُـمْ سَلاَمٌ عَـلَيْكُمْ طِبْتُـمُ وَنَعِمْتُمُ
يَقُـولُ سَلُونِي مَا اشْتَهَيْتُمْ فَكُلُّ مَا تُرِيـدُونَ عِنْـدِي إِنَّنِي أَنَا أَرْحَمُ
فَقَـالُوا جَمِيعًا نَحْن نَسْأَلُكَ الرِّضَا فَأَنْتَ الَّذِي تُـولِي الجَمِيلَ وتَرْحَمُ
فيُعْطِيهِمُ هَذَا ويُشْهِـدُ جَمْعَهَـمْ عَـلَيهِ تَعَـالَى اللهُ فَـاللهُ أَكْـرَمُ
فَبِـاللهِ مَا عُذْرُ امْرِئٍ وَهُوَ مُؤْمِنٌ بِهَـذَا وَلاَ يَسْـعَى لَـهُ وَيقَـدِّمُ
وَلَكِنَّمَـا التَّوْفِيـقُ بِـالله إِنَّـهُ يَخُـصُّ بِهِ مَنْ شَاءَ فَضْلاً وَيُنْعِـمُ
فَيَـا بَائِعًـا هَـذَا بِبَخْسٍ مُعَجَّلٍ كَأَنَّكَ لاَ تَدْرِي ؛ بَـلْ سَوْفَ تَعْلَمُ
إلى آخر أبياته العظيمة رحمه الله تعالى .
وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العليا الذي أكرمنا جميعا بهذا الجمع ويسّره لنا بمنّه وكرمه أن يجعله لنا جميعاً سبباً لنيل رضاه ، وأن يجعل هذه التذكرة فيها موعظة لنا أجمعين - للمتحدث بها والسامع - ، اللهم أعنا ولا تُعن علينا وانصرنا ولا تنصر علينا وامكر لنا ولا تمكر علينا واهدنا ويسِّر الهدى لنا وانصرنا على من بغى علينا ، اللهم اجعلنا لك شاكرين ، لك ذاكرين ، إليك أواهين منيبين لك مخبتين لك مطيعين ، اللهم تقبل توبتنا واغسل حوبتنا وثبت حجتنا واهد قلوبنا وسدد ألسنتنا واسلل سخيمة صدورنا ، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا ، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا ، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا ، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر ، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ، ومن اليقين ما تهوِّن به علينا مصائب الدنيا ، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا ، اللهم أصلح ذات بيننا وألِّف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام وأخرجنا من الظلمات إلى النور ، وبارك لنا في أسماعنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا وأوقاتنا ، اللهم وأصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ، اللهم إنا نسألك الأمن والإيمان والسلامة والإسلام ، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين ، اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام أن توفق ولي أمرنا خادم الحرمين لبلوغ رضاك ونيل رضاك وأن تعينه على طاعتك ، اللهم أعز به دينك وأعلِ به كلمتك ، اللهم ومتعه بالصحة والعافية يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم ومن بذلك على إخوانه يا حي يا قيوم ، اللهم وفقنا أجمعين لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال .
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك . اللهم صلِّ وسلم على رسول الله .
محاضرة للشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله تعالى










 


رد مع اقتباس
قديم 2012-12-26, 21:45   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
معاذ1
عضو متألق
 
الصورة الرمزية معاذ1
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بوركت اخت سلفية على الموضوع .










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
أَكْثَر, مِنَ, اللهِ, وَرِضْوَانٌ


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 11:02

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc