آثار الذنوب والمعاصي - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > القسم الاسلامي العام > أرشيف القسم الاسلامي العام

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

آثار الذنوب والمعاصي

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-07-30, 22:02   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
ANONYM
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية ANONYM
 

 

 
إحصائية العضو










M001 آثار الذنوب والمعاصي

آثار الذنوب والمعاصي كتبها رائد أبو الكاس (ستر الله عيوبه)
آثار الذنوب والمعاصي

بقلم: رائد علي أبو الكاس




وقيل للفضيل بن عياض رحمه الله : ما أعجب الأشياء ؟ فقال : قلب عرف الله عز وجل ثم عصاه
قال محمد بن كعب القرظي : ما عبد الله بشيء قط أحب إليه من ترك المعاصي









بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } (آل عمران:102)
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً } (النساء:1) { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً } (الأحزاب:70-71) أما بعد:-
"فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار
وبعد:-

ان للمعاصي أثار وخيمة على الفرد وعلى المجتمع فلا يوجد شر في الدنيا والأخرة الإ وسببه تلك المعاصي والذنوب
وصدق الإمام السعدي حيث قال
أما علمتم أن المعاصي تخرب الديار العامرة ، وتسلب النعم الباطنة والظاهرة ؟! فكم لها من العقوبات والعواقب الوخيمة ، وكم لها من الآثار والأوصاف الذميمة ، وكم أزالت من نعمة ، وأحلت من محنة ونقمة ، فاتقوا الله عباد الله واحذروه ، واعلموا أنكم لا بد أن تلاقوه ، فيحاسبكم وينبئكم بما قدمتموه وأخرتموه .
(الفواكه الشهية في الخطب المنبرية)
فَمَا الَّذِي أَخْرَجَ الْأَبَوَيْنِ مِنَ الْجَنَّةِ ، دَارِ اللَّذَّةِ وَالنَّعِيمِ وَالْبَهْجَةِ وَالسُّرُورِ إِلَى دَارِ الْآلَامِ وَالْأَحْزَانِ وَالْمَصَائِبِ ؟

وَمَا الَّذِي أَخْرَجَ إِبْلِيسَ مِنْ مَلَكُوتِ السَّمَاءِ وَطَرَدَهُ وَلَعَنَهُ ، وَمَسَخَ ظَاهِرَهُ وَبَاطِنَهُ فَجَعَلَ صُورَتَهُ أَقْبَحَ صُورَةٍ وَأَشْنَعَهَا ، وَبَاطِنَهُ أَقْبَحَ مِنْ صُورَتِهِ وَأَشْنَعَ ، وَبُدِّلَ بِالْقُرْبِ بُعْدًا ، وَبِالرَّحْمَةِ لَعْنَةً ، وَبِالْجَمَالِ قُبْحًا ، وَبِالْجَنَّةِ نَارًا تَلَظَّى ، وَبِالْإِيمَانِ كُفْرًا ، وَبِمُوَالَاةِ الْوَلِيِّ الْحَمِيدِ أَعْظَمَ عَدَاوَةٍ وَمُشَاقَّةٍ ، وَبِزَجَلِ التَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ وَالتَّهْلِيلِ زَجَلَ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ وَالْكَذِبِ وَالزُّورِ وَالْفُحْشِ ، وَبِلِبَاسِ الْإِيمَانِ لِبَاسَ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ ، فَهَانَ عَلَى اللَّهِ غَايَةَ الْهَوَانِ ، وَسَقَطَ مِنْ عَيْنِهِ غَايَةَ السُّقُوطِ ، وَحَلَّ عَلَيْهِ غَضَبُ الرَّبِّ تَعَالَى فَأَهْوَاهُ ، وَمَقَتَهُ أَكْبَرَ الْمَقْتِ فَأَرْدَاهُ ، فَصَارَ قَوَّادًا لِكُلِّ فَاسِقٍ وَمُجْرِمٍ ، رَضِيَ لِنَفْسِهِ بِالْقِيَادَةِ بَعْدَ تِلْكَ الْعِبَادَةِ وَالسِّيَادَةِ ، فَعِيَاذًا بِكَ اللَّهُمَّ مِنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِكَ وَارْتِكَابِ نَهْيِكَ .

وَمَا الَّذِي أَغْرَقَ أَهْلَ الْأَرْضِ كُلَّهُمْ حَتَّى عَلَا الْمَاءُ فَوْقَ رَأْسِ الْجِبَالِ ؟ وَمَا الَّذِي سَلَّطَ الرِّيحَ الْعَقِيمَ عَلَى قَوْمِ عَادٍ حَتَّى أَلْقَتْهُمْ مَوْتَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٌ ، وَدَمَّرَتْ مَا مَرَّ عَلَيْهِ مِنْ دِيَارِهِمْ وَحُرُوثِهِمْ وَزُرُوعِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ ، حَتَّى صَارُوا عِبْرَةً لِلْأُمَمِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ؟




وَمَا الَّذِي أَرْسَلَ عَلَى قَوْمِ ثَمُودَ الصَّيْحَةَ حَتَّى قَطَعَتْ قُلُوبَهُمْ فِي أَجْوَافِهِمْ وَمَاتُوا عَنْ آخِرِهِمْ ؟

وَمَا الَّذِي رَفَعَ قُرَى اللُّوطِيَّةِ حَتَّى سَمِعَتِ الْمَلَائِكَةُ نَبِيحَ كِلَابِهِمْ ، ثُمَّ قَلَبَهَا عَلَيْهِمْ ، فَجَعَلَ عَالِيَهَا سَافِلَهَا ، فَأَهْلَكَهُمْ جَمِيعًا ، ثُمَّ أَتْبَعَهُمْ حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَمْطَرَهَا عَلَيْهِمْ ، فَجَمَعَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ مَا لَمْ يَجْمَعْهُ عَلَى أُمَّةٍ غَيْرِهِمْ ، وَلِإِخْوَانِهِمْ أَمْثَالُهَا ، وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ؟

وَمَا الَّذِي أَرْسَلَ عَلَى قَوْمِ شُعَيْبٍ سَحَابَ الْعَذَابِ كَالظُّلَلِ ، فَلَمَّا صَارَ فَوْقَ رُءُوسِهِمْ أَمْطَرَ عَلَيْهِمْ نَارًا تَلَظَّى ؟

وَمَا الَّذِي أَغْرَقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ فِي الْبَحْرِ ، ثُمَّ نَقَلَتْ أَرْوَاحَهُمْ إِلَى جَهَنَّمَ ، فَالْأَجْسَادُ لِلْغَرَقِ ، وَالْأَرْوَاحُ لِلْحَرْقِ ؟

وَمَا الَّذِي خَسَفَ بِقَارُونَ وَدَارِهِ وَمَالِهِ وَأَهْلِهِ ؟

وَمَا الَّذِي أَهْلَكَ الْقُرُونَ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ بِأَنْوَاعِ الْعُقُوبَاتِ ، وَدَمَّرَهَا تَدْمِيرًا ؟

وَمَا الَّذِي أَهْلَكَ قَوْمَ صَاحِبِ يس بِالصَّيْحَةِ حَتَّى خَمَدُوا عَنْ آخِرِهِمْ ؟

وَمَا الَّذِي بَعَثَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ قَوْمًا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ، وَقَتَلُوا الرِّجَالَ ، وَسَبُوا الذُّرِّيَّةَ وَالنِّسَاءَ ، وَأَحْرَقُوا الدِّيَارَ ، وَنَهَبُوا الْأَمْوَالَ ، ثُمَّ بَعَثَهُمْ عَلَيْهِمْ مَرَّةً ثَانِيَةً فَأَهْلَكُوا مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ وَتَبَّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا ؟

وَمَا الَّذِي سَلَّطَ عَلَيْهِمْ أَنْوَاعَ الْعُقُوبَاتِ ، مَرَّةً بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَخَرَابِ الْبِلَادِ ، وَمَرَّةً بِجَوْرِ الْمُلُوكِ ، وَمَرَّةً بِمَسْخِهِمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ ، وَآخِرُ ذَلِكَ أَقْسَمَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ [ سُورَةُ الْأَعْرَافِ : 167 ] .( الْجَوَابُ الْكَافِي لِمَنْ سَأَلَ عَنْ الدَّوَاءِ الشَّاِفي)

فالذنوب، سمٌّ يسري في الأبدان فيهلكها، وفي البلدان فيفسدها، وإن لها أضرارًا عظيمة، عواقب وخيمة، حريٌّ بعاقلٍ تدبرها أن يفر منها فراره من الأسد .. ومنها

قال سفيان الثوري(رحمه الله)
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها........من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عوقب سوء في مغبتها.........لا خير في لذة من بعدها النار


أما أثارها على الفرد المسلم ومجتمعه أقول والله المستعان



فأولها حرمان العلم
فالعلم يا عبد الله نور يقذفه الله عز وجل في قلب من يحب
قال تعالى
قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9) الزمر

قال الإمام السعدي رحمه الله
لا يستوي هؤلاء ولا هؤلاء، كما لا يستوي الليل والنهار، والضياء والظلام، والماء والنار.
(تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)

وعن معاوية رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين
رواه البخاري ومسلم
والذي لا يرد به الله خير لا يفقه في الدين


وَلَمَّا جَلَسَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ بَيْنَ يَدَيْ مَالِكٍ وَقَرَأَ عَلَيْهِ أَعْجَبَهُ مَا رَأَى مِنْ وُفُورِ فِطْنَتِهِ ، وَتَوَقُّدِ ذَكَائِهِ ، وَكَمَالِ فَهْمِهِ ، فَقَالَ : إِنِّي أَرَى اللَّهَ قَدْ أَلْقَى عَلَى قَلْبِكَ نُورًا ، فَلَا تُطْفِئْهُ بِظُلْمَةِ الْمَعْصِيَةِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ :
شَكَوْتُ إِلَى وَكِيعٍ سُوءَ حِفْظِي *** فَأَرْشَدَنِي إِلَى تَرْكِ الْمَعَاصِي
وَقَالَ اعْلَمْ بِأَنَّ الْعِلْمَ فَضْلٌ *** وَفَضْلُ اللَّهِ لَا يُؤْتَاهُ عَاصِي
(الْجَوَابُ الْكَافِي لِمَنْ سَأَلَ عَنْ الدَّوَاءِ الشَّاِفي)

قَالَ شَيخُ الإِسلَامِ رحمه الله:
«وَالله سُبحَانَهُ جَعَلَ مِمَّا يُعَاقِبُ بِهِ النَّاسَ عَلَى الذُّنُوبِ: سَلبَ الهُدَى وَالعِلمِ النَّافِعِ»
«مجموع الفتاوى»
ولما كان أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم أبعد الناس عن الذنوب والمعاصي فكانوا أكثر هذه الامة تحقيقا للعم وإصابة للحق فرضي الله عنهم وأرضاهم فليس في الأمة مثلهم

وعلم بإن اشرف العلوم علم القرآن العظيم وأعظم المصائب نسيان القرآن
قَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ رحمه الله: «مَا مِنْ أَحَدٍ تَعَلَّمَ القُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ، إِلَّا بِذَنْبٍ يُحْدِثُهُ؛ وَذَلِكَ بَأَنَّ اللّاهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وما أصابكم من مصيبةٍ فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير}، وَنِسْيَانُ القُرْآنِ مِنْ أَعْظَمِ المَصَائِبِ
(ابن المبارك في الزهد)

وإن من آثارها حرمان الرزق

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزيد في العمر إلا البر ولا يرد القدر إلا الدعاء وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه .
(رواه ابن ماجه وحسنه الإمام الألباني)

وإن من آثارها تعسير الأمور وضنك العيش

فلا يتوجه لأمر إلا وجده مغلقا، أو متعسرا عليه.
يقول تعالى
وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125)طه

قال الإمام السعدي رحمه الله
{ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي } أي: كتابي الذي يتذكر به جميع المطالب العالية، وأن يتركه على وجه الإعراض عنه، أو ما هو أعظم من ذلك، بأن يكون على وجه الإنكار له، والكفر به { فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا } أي: فإن جزاءه، أن نجعل معيشته ضيقة مشقة، ولا يكون ذلك إلا عذابا.
(تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)

وإن من آثارها حرمان الطاعة ولذتها

فالطاعة سكينة في القلب ولذة وان المعاصي تحرم العبد هذه اللذة فتثقل عليه الطاعات فيحرم من خير كثير
قال الحبر الإمام العلامة الهمام شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله
فلو لم يكن للذنب عقوبة إلا أنه يصد عن طاعة تكون بادية ، ويقطع طريق طاعة أخرى ،فينقطع عليه طريق ثالثة ثم رابعة وهلم جرا، فينقطع عليه بالذنب طاعات كثيرة ،كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها. وهذا كرجل أكل أكلةً أوجبت له مرضةً طويلة منعته من عدة أكلات أطيب منها والله المستعان .( الْجَوَابُ الْكَافِي لِمَنْ سَأَلَ عَنْ الدَّوَاءِ الشَّاِفي)

فالذنب يصد عن طاعة تكون بركة، فتنقطع عليه بالذنب طاعات كثيرة، كل واحدة منها خير من الدنيا وما عليها.
والمحروم من حرم الأجر والخير

قال وهب بن الورد وقد سُئل : أيجد لذة الطاعة من يعصى ؟ فقال : ولا من هّم .

وقال بشر : إن العبد لذنب الذنب فيحرم به من قيام الليل

وإن من أثارها الطبع علي القلب

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المؤمن إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستغفر صقل منها وإن زاد زادت حتى يغلف بها قلبه فذلك الران الذي ذكر الله في كتابه كلا بل ران على قلوبهم
(رواه الترمذي وحسنه الألباني)

فعن وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء فإن هو نزع واستغفر صقلت فإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه فهو الران الذي ذكر الله تعالى كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون
( واه الترمذي وحسنه الألباني)

وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ترك الجمع بغير عذر وانه سبب للطبع على القلب
فكن صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمْ الْجُمُعَاتِ أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنْ الْغَافِلِينَ
( رواه مسلم)
فجعل الله عز وجل هذه المعصية والذنب سببا للطبع على القلب والعياذ بالله

قال ابن الجوزي
اخواني : الذنوب تغطي على القلوب ، فإذا أظلمت مرآة القلب لم يبن فيها وجه الهدى ، و من علم ضرر الذنب استشعر الندم .(مواعظ ابن الجوزي)


وإن من آثارها الخسف والزلازل

قال تعالى
فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)العنكبوت

أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (47) النحل

قال الإمام السعدي رحمه الله
هذا تخويف من الله تعالى لأهل الكفر والتكذيب وأنواع المعاصي، من أن يأخذهم بالعذاب على غرَّة وهم لا يشعرون، إما أن يأخذهم العذاب من فوقهم، أو من أسفل منهم بالخسف وغيره، وإما في حال تقلُّبهم وشغلهم وعدم خطور العذاب ببالهم، وإما في حال تخوفهم من العذاب، فليسوا بمعجزين لله في حالة من هذه الأحوال، بل هم تحت قبضته ونواصيهم بيده
(تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)

وعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون في آخر الأمة خسف ومسخ وقذف قالت قلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا ظهر الخبث
(رواه الترمذي وصححه الألباني الإمام)

وعن عمران بن حصين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف قال رجل من المسلمين يا رسول الله متى ذلك قال إذا ظهرت القيان والمعازف وشربت الخمور
(رواه الترمذي وصححه الألباني الإمام)

وقد ظهرت تلك الذنوب في الأمة والله المسستعان



وإن من أثارها الإختلاف والتمزق
ومن أثارها المدمرة أنها تلقي الخلاف والشقاق بين المسلمين
فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ويقول والذي نفسي بيده ما تواد اثنان فيفرق بينهما إلا بذنب يحدثه أحدهما
(رواه أحمد وصححه الألباني )

وانظروا الي هذا الحديث العظيم عن النعمان بن بشير قال:
أقبل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الناس بوجهه، فقال:
" أقيموا صفوفكم- ثلاثاً-، والله لَتُقِيمُنَّ صُفوفَكم، أو ليُخالِفَنّ الله بين قلوبكم ".
قال: فرأيت الرجل يلزق مَنْكِبَة بمنكب صاحبه، وركبته بركبة صاحبه، وكعبه بكعبه.
(رواه أبو داود وصححه الألباني)

فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا الذب وهذه المعصية سببا لاختلاف القلوب

وإن من آثارها أنها تتسبب في الهزائم
قال تعالى لافضل البشر بعد الأنبياء
أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِأَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) آل عمران

قال الإمام السعدي رحمه الله
هذا تسلية من الله تعالى لعباده المؤمنين، حين أصابهم ما أصابهم يوم "أحد" وقتل منهم نحو سبعين، فقال الله: إنكم { قد أصبتم } من المشركين { مثليها } يوم بدر فقتلتم سبعين من كبارهم وأسرتم سبعين، فليهن الأمر ولتخف المصيبة عليكم، مع أنكم لا تستوون أنتم وهم، فإن قتلاكم في الجنة وقتلاهم في النار.
{ قلتم أنى هذا } أي: من أين أصابنا ما أصابنا وهزمنا؟ { قل هو من عند أنفسكم } حين تنازعتم وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون، فعودوا على أنفسكم باللوم، واحذروا من الأسباب المردية
(تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)
فهذا خطاب الله لافضل الأمة وخيرها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
هذا خطاب الله لأعظم جيش في التاريخ وأعظم لواء لواء النبي محمد صلى الله عليه وسلم
ولكن عندما خالف الرماة اوامر رسول الله وتركوا الجبل تحول النصر الي هزيمة بل وكاد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقتل لولا فضل الله والله كفيه من الناس فانظروا رحمكم الله الي حالنا ومعاصينا فهل نستحق النصر وهل يحق لنا أن نطمع بنصر الله
قال الإمام فقيه الزمان محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
إن الطمع في النصر بدون وجود أسبابه طمع في غير محله كالطمع في الاولاد بدون نكاح
(الضياء اللامع من الخطب الجوامع)
وصدق الله تبارك وتعالى حين قال
إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)الرعد
فهذا هو علاج الداء يا أمة خير البرية (صلى الله عليه وسلم)

وأنظر الي ما قال عبد الله ابن مسعود لقريش
أما بعد يا معشر قريش ! فإنكم أهل هذا الأمر ما لم تعصوا الله فإذا عصيتموه بعث إليكم من يلحاكم كما يلحى هذا القضيب لقضيب في يده ] . ( صحيح ) . ( يلحى : أي يقشر )"
(الصحيحة للإمام الألباني رحمه الله)

وأنظر لفقه سيدنا أبا الدرداء رضي الله عنه
فعن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه قال لما فتحت مدائن قبرص وقع الناس يقتسمون السبي ويفرقون بينهم ويبكي بعضهم على بعض فتنحى أبو الدرداء ثم إحتبى بحمائل سيفه فجعل يبكي فأتاه جبير بن نفير فقال : ما يبكيك يا أبا الدرداء ؟ أتبكي في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله ؟ وأذل فيه الكفر وأهله فضرب على منكبيه ثم قال : ثكلتك أمك يا جبير بن نفير ما أهون الخلق على الله إذا تركوا أمره بينا هي أمة قاهرة ظاهرة على الناس لهم الملك حتى تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى وإنه إذا سلط السباء على قوم فقد خرجوا من عين الله ليس لله بهم حاجة
(سنن سعيد ابن منصور)

وإن من آثارها أنها سبب لهوان العبد علي ربه
قال تعالى
وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (18) الحج

قال الحسن
هانوا علي الله فعصوه ولو عزو عليه لعصمهم وإذا هان العبد علي ربه لم يكرمه أحد
(الزواجر عن اقتراف الكبائر)

وإن من آثارها أنها تمحق بركة العمر والرزق
قال ابن القيم رحمه الله
مِنْ عُقُوبَاتِهَا : أَنَّهَا تَمْحَقُ بَرَكَةَ الْعُمُرِ ، وَبَرَكَةَ الرِّزْقِ ، وَبَرَكَةَ الْعِلْمِ ، وَبَرَكَةَ الْعَمَلِ ، وَبَرَكَةَ الطَّاعَةِ .
وَبِالْجُمْلَةِ أَنَّهَا تَمْحَقُ بَرَكَةَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا ، فَلَا تَجِدُ أَقَلَّ بَرَكَةٍ فِي عُمُرِهِ وَدِينِهِ وَدُنْيَاهُ مِمَّنْ عَصَى اللَّهَ ، وَمَا مُحِقَتِ الْبَرَكَةُ مِنَ الْأَرْضِ إِلَّا بِمَعَاصِي الْخَلْقِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [ الْأَعْرَافِ : 96 ] .

وَقَالَ تَعَالَى : وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ [ الْجِنِّ : 16 - 17 ] .
(الجواب الكافي)

وعن أبي أمامة رضي الله عنه
إنه ليس شيء يقربكم إلى الجنة إلا قد أمرتكم به وليس شيء يقربكم إلى النار إلا قد نهيتكم عنه إن روح القدس نفث في روعي : إن نفسا لا تموت حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله فإن الله لا يدرك ما عنده إلا بطاعته
(السلسلة الصحيحة)

و عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: "إن للحسنة لنورًا في القلب، وضياء في الوجه، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة لسوادًا في الوجه، وظلمة في القلب، ووهنًا في البدن، ونقصًا في الرزق، وبغضًا في قلوب الخلق (منهاج السنة )

فالمعاصي سبب لمحق البركة والعياذ بالله

قال ابن القيم رحمه الله
وَإِنَّمَا كَانَتْ مَعْصِيَةُ اللَّهِ سَبَبًا لِمَحْقِ بَرَكَةِ الرِّزْقِ وَالْأَجَلِ ، لِأَنَّ الشَّيْطَانَ مُوَكَّلٌ بِهَا وَبِأَصْحَابِهَا ، فَسُلْطَانُهُ عَلَيْهِمْ ، وَحَوَالَتُهُ عَلَى هَذَا الدِّيوَانِ وَأَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ ، وَكُلُّ شَيْءٍ يَتَّصِلُ بِهِ الشَّيْطَانُ وَيُقَارِنُهُ ، فَبَرَكَتُهُ مَمْحُوقَةٌ ، وَلِهَذَا شُرِعَ ذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ وَالْجِمَاعِ لِمَا فِي مُقَارَنَةِ اسْمِ اللَّهِ مِنَ الْبَرَكَةِ ، وَذِكْرُ اسْمِهِ يَطْرُدُ الشَّيْطَانَ فَتَحْصُلُ الْبَرَكَةُ وَلَا مُعَارِضَ لَهُ ، وَكُلُّ شَيْءٍ لَا يَكُونُ لِلَّهِ فَبَرَكَتُهُ مَنْزُوعَةٌ
(الجواب الكافي)

وإن من آثارها أنها تورث الذل والهوان

فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم
(رواه أبو داود وصححه الألباني)

وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم رفع الذل بالعودة الي الدين ولن تصلح الأمة الإ بما صلح به اولها

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
وجعل الذل والصغار على من خالف أمري
(ارواء الغليل وصحيح الجامع)

وقال أبي المعتمر بن سليمان : إن الرجل ليصيب الذنب في السر فيصبح وعليه مذلته .

وقال الحسن : ما عصى الله عبد إلا أذله الله تبارك وتعالى

قال ابن القيم
وهو المعز لأهل طاعته وذا ..........عز حقيقي بلا بطلان
وهو المذل لمن يشاء بذلة الدّا ....رين ذل شقاء وذل هوان
(نونية ابن القيم)




وإن من أثارها ذهاب الحياء
فلكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء
فعن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستحي فاصنع ما شئت "( رواه البخاري)

ومعناه أن الحياء رادع فمن لم يستحي فإنع يصنع ما يشاء

قال شيخ الإسلام رحمه الله
فالحياء مادة حياة القلب وهو أصل كل خير وذهابه ذهاب الخير أجمعه
(مجموع الفتاوى)

قال الشاعر
ورب قبيحة ما حال بيني .................وبين ركوبها الإ الحياء
كان هو الدواء لها ولكن ..................إذا ذهب الحياء فلا دواء

وقال
إذا لم تخشى عاقبة الليالي ............. ولم تستحي فاصنع ما تشاء
فلا والله ما في العيش خير ................إذا ذهب الحياء


وإن من آثارها أنها تزيل النعم

قال تعالى
وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) الشورى


قال الإمام السعدي رحمه الله
يخبر تعالى، أنه ما أصاب العباد من مصيبة في أبدانهم وأموالهم وأولادهم وفيما يحبون ويكون عزيزا عليهم، إلا بسبب ما قدمته أيديهم من السيئات، وأن ما يعفو اللّه عنه أكثر، فإن اللّه لا يظلم العباد، ولكن أنفسهم يظلمون
(تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)


قال ابن القيم رحمه الله
ومِنْ عُقُوبَاتِ الذُّنُوبِ : أَنَّهَا تُزِيلُ النِّعَمَ ، وَتُحِلُّ النِّقَمَ ، فَمَا زَالَتْ عَنِ الْعَبْدِ نِعْمَةٌ إِلَّا بِذَنْبٍ ، وَلَا حَلَّتْ بِهِ نِقْمَةٌ إِلَّا بِذَنْبٍ ، كَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : مَا نَزَلْ بَلَاءٌ إِلَّا بِذَنْبٍ ، وَلَا رُفِعَ إِلَّا بِتَوْبَةٍ .
(الْجَوَابُ الْكَافِي)

وقال أيضا رحمه الله عند قوله تعالى
قَالَ تَعَالَى : ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [ سُورَةُ الْأَنْفَالِ : 53 ] .

فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُغَيِّرُ نِعَمَهُ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَى أَحَدٍ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يُغَيِّرُ مَا بِنَفْسِهِ ، فَيُغَيِّرُطَاعَةَ اللَّهِ بِمَعْصِيَتِهِ ، وَشُكْرَهُ بِكُفْرِهِ ، وَأَسْبَابَ رِضَاهُ بِأَسْبَابِ سُخْطِهِ ، فَإِذَا غَيَّرَ غَيَّرَ عَلَيْهِ ، جَزَاءً وِفَاقًا ، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ فَإِنْ غَيَّرَ الْمَعْصِيَةَ بِالطَّاعَةِ ، غَيَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ بِالْعَافِيَةِ ، وَالذُّلَّ بِالْعِزِّ .(الجواب الكافي)
وَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ :
إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا ................... فَإِنَّ الذُّنُوبَ تُزِيلُ النِّعَمْ
وَحُطْهَا بِطَاعَةِ رَبِّ الْعِبَادِ .................... فَرَبُّ الْعِبَادِ سَرِيعُ النِّقَمْ
وَإِيَّاكَ وَالظُّلْمَ مَهْمَا اسْتَطَعْت .............. فَظُلْمُ الْعِبَادِ شَدِيدُ الْوَخَمْ
وَسَافِرْ بِقَلْبِكَ بَيْنَ الْوَرَى ................... لِتَبْصُرَ آثَارَ مَنْ قَدْ ظَلَمْ
فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ بَعْدَهُمْ ...................... شُهُودٌ عَلَيْهِمْ وَلَا تَتَّهِمْ
وَمَا كَانَ شَيْءٌ عَلَيْهِمْ أَضَرَّ ........... مِنَ الظُّلْمِ وَهُوَ الَّذِي قَدْ قَصَمْ
فَكَمْ تَرَكُوا مِنْ جِنَانٍ وَمِنْ ............... قُصُورٍ وَأُخْرَى عَلَيْهِمْ أُطُمْ
صَلَوْا بِالْجَحِيمِ وَفَاتَ النَّعِيمُ ............. وَكَانَ الَّذِي نَالَهُمْ كَالْحُلُمْ
.(الجواب الكافي)

قال ابن القيم
وما سلط الله على العبد من يؤذيه الإ بذنب يعلمه او لا يعلمه
(بدائع الفوائد)



وصدق الله تعالى
مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (79)(النساء)

وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما اختلج عرق و لا عين إلا بذنب ، و ما يدفع الله عنه أكثر
(السلسلة الصحيحة)

فاحذروا عباد الله جميع المعاصي كلها فإن ارتكابها سبب لزوال النعم وهي سبب لحلول المصائب والنقم وعليكم بالإجتهاد في طاعة الله فإن طاعة الله سبب لحصول البركات ورفع الدرجات ودفع النقمات واجابة الدعوات وقضاء الحاجات

وأن من آثارها ظهور الفساد

قال تعالى
ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41) الروم

قال الإمام السعدي رحمه الله
أي: استعلن الفساد في البر والبحر أي: فساد معايشهم ونقصها وحلول الآفات بها، وفي أنفسهم من الأمراض والوباء وغير ذلك، وذلك بسبب ما قدمت أيديهم من الأعمال الفاسدة المفسدة بطبعها.
(تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)

قال الإمام ابن القيم
مِنْ آثَارِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي : أَنَّهَا تُحْدِثُ فِي الْأَرْضِ أَنْوَاعًا مِنَ الْفَسَادِ فِي الْمِيَاهِ وَالْهَوَاءِ ، وَالزَّرْعِ ، وَالثِّمَارِ ، وَالْمَسَاكِنِ ، قَالَ تَعَالَى : ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [ سُورَةُ الرُّومِ : 41 ] .

قَالَ مُجَاهِدٌ : إِذَا وَلِيَ الظَّالِمُ سَعَى بِالظُّلْمِ وَالْفَسَادِ فَيَحْبِسُ اللَّهُ بِذَلِكَ الْقَطْرَ ، فَيَهْلِكُ الْحَرْثُ وَالنَّسْلُ ، وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ، ثُمَّ قَرَأَ : ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [ سُورَةُ الرُّومِ : 41 ] .

وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَالَ : الذُّنُوبُ .

قُلْتُ : أَرَادَ أَنَّ الذُّنُوبَ سَبَبُ الْفَسَادِ الَّذِي ظَهَرَ ، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْفَسَادَ الَّذِي ظَهَرَ هُوَ الذُّنُوبُ نَفْسُهَا فَتَكُونُ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ : لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَامَ الْعَاقِبَةِ وَالتَّعْلِيلِ ، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْمُرَادُ بِالْفَسَادِ : النَّقْصُ وَالشَّرُّ وَالْآلَامُ الَّتِي يُحْدِثُهَا اللَّهُ فِي الْأَرْضِ عِنْدَ مَعَاصِي الْعِبَادِ ، فَكُلَّمَا أَحْدَثُوا ذَنْبًا أَحْدَثَ اللَّهُ لَهُمْ عُقُوبَةً ، كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : كُلَّمَا أَحْدَثْتُمْ ذَنْبًا أَحْدَثَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ سُلْطَانِهِ عُقُوبَةً .

وَالظَّاهِرُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْفَسَادَ الْمُرَادَ بِهِ الذُّنُوبُ وَمُوجِبَاتُهَا ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا فَهَذَا حَالُنَا ، وَإِنَّمَا أَذَاقَنَا الشَّيْءَ الْيَسِيرَ مِنْ أَعْمَالِنَا ، وَلَوْ أَذَاقَنَا كُلَّ أَعْمَالِنَا لَمَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ.
(الْجَوَابُ الْكَافِي لِمَنْ سَأَلَ عَنْ الدَّوَاءِ الشَّاِفي)

وإن من أثارها زوال الأمن والأمان

قال تعالى
وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)النحل

فالمعاصي سبب لزوال الأمن والطمأنينة في المجتمع لقلة الخوف من الله ولقلة الرادع الديني عند الناس فتنتشر بسبب المعاصي الفوضى والخوف والظلم والتعدي على حقوق الناس


وإن من آثارها أنها تتسبب في القطيعة بين العبد وربه
قال ابن القيم
وَمِنْ أَعْظَمِ عُقُوبَاتِهَا : أَنَّهَا تُوجِبُ الْقَطِيعَةَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، وَإِذَا وَقَعَتِ الْقَطِيعَةُ انْقَطَعَتْعَنْهُ أَسْبَابُ الْخَيْرِ وَاتَّصَلَتْ بِهِ أَسْبَابُ الشَّرِّ ، فَأَيُّ فَلَاحٍ ، وَأَيُّ رَجَاءٍ ، وَأَيُّ عَيْشٍ لِمَنِ انْقَطَعَتْ عَنْهُ أَسْبَابُ الْخَيْرِ ، وَقَطَعَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلِيِّهِ وَمَوْلَاهُ الَّذِي لَا غِنَى عَنْهُ طَرْفَةَ عَيْنٍ ، وَلَا بَدَلَ لَهُ مِنْهُ ، وَلَا عِوَضَ لَهُ عَنْهُ ، وَاتَّصَلَتْ بِهِ أَسْبَابُ الشَّرِّ ، وَوَصَلَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْدَى عَدُوٍّ لَهُ : فَتَوَلَّاهُ عَدُوُّهُ وَتَخَلَّى عَنْهُ وَلِيُّهُ ؟ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا فِي هَذَا الِانْقِطَاعِ وَالِاتِّصَالِ مِنْ أَنْوَاعِ الْآلَامِ وَأَنْوَاعِ الْعَذَابِ .

وقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : رَأَيْتُ الْعَبْدَ مُلْقًى بَيْنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَبَيْنَ الشَّيْطَانِ ، فَإِنْ أَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ تَوَلَّاهُ الشَّيْطَانُ ، وَإِنْ تَوَلَّاهُ اللَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ
(الْجَوَابُ الْكَافِي لِمَنْ سَأَلَ عَنْ الدَّوَاءِ الشَّاِفي)

وإن من آثارها أنها تمرض القلب وتلقي البغض في قلوب الخلق

قال تعالى
كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون (14)(المطففين)


قل الإمام السعدي رحمه الله
بخلاف من ران على قلبه كسبه، وغطته معاصيه، فإنه محجوب عن الحق
(تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المؤمن إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستغفر صقل منها وإن زاد زادت حتى يغلف بها قلبه فذلك الران الذي ذكر الله في كتابه كلا بل ران على قلوبهم
(رواه الترمذي وصححه الألباني)

وعَنْ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ(رواه البخاري)
قال النووي في شرح مسلم
وَفِي هَذَا الْحَدِيث : تَأْكِيد عَلَى السَّعْي فِي صَلَاح الْقَلْب وَحِمَايَته مِنْ الْفَسَاد

والمعاصي تمرض القلب

قال ابن عباس رضي الله عنهما
إن للمعصية سوادا في الوجه وظلمة في القلب وبغضا في قلوب الناس
قال ابن رجب
فإنَّه من أصلح ما بينه وبينَ الله أصلح الله ما بينه وبين الخلق، ومن التمس محامدَ الناسِ بسخط الله ، عاد حامده من النَّاس له ذاماً .( جامع العلوم والحكم)

وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ : احْذَرْ أَنْ تُبْغِضَك قُلُوبُ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْتَ لَا تَشْعُرُ . قَالَ الْفُضَيْلُ : هُوَ الْعَبْدُ يَخْلُو بِمَعَاصِي اللَّهِ فَيُلْقِي اللَّهُ بِغَضَبِهِ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ

قال ابن القيم رحمه الله
ومنْ عُقُوبَاتِهَا : أَنَّهَا تَصْرِفُ الْقَلْبَ عَنْ صِحَّتِهِ وَاسْتِقَامَتِهِ إِلَى مَرَضِهِ وَانْحِرَافِهِ ، فَلَا يَزَالُ مَرِيضًا مَعْلُولًا لَا يَنْتَفِعُ بِالْأَغْذِيَةِ الَّتِي بِهَا حَيَاتُهُ وَصَلَاحُهُ ، فَإِنَّ تَأْثِيرَ الذُّنُوبِ فِي الْقُلُوبِ كَتَأْثِيرِ الْأَمْرَاضِ فِي الْأَبْدَانِ ، بَلِ الذُّنُوبُ أَمْرَاضُ الْقُلُوبِ وَدَاؤُهَا ، وَلَا دَوَاءَ لَهَا إِلَّا تَرْكُهَا .

وَقَدْ أَجْمَعَ السَّائِرُونَ إِلَى اللَّهِ أَنَّ الْقُلُوبَ لَا تُعْطَى مُنَاهَا حَتَّى تَصِلَ إِلَى مَوْلَاهَا ، وَلَا تَصِلُ إِلَى مَوْلَاهَا حَتَّى تَكُونَ صَحِيحَةً سَلِيمَةً ، وَلَا تَكُونُ صَحِيحَةً سَلِيمَةً حَتَّى يَنْقَلِبَ دَاؤُهَا ، فَيَصِيرَ نَفْسَ دَوَائِهَا ، وَلَا يَصِحُّ لَهَا ذَلِكَ إِلَّا بِمُخَالَفَةِ هَوَاهَا ، فَهَوَاهَا مَرَضُهَا ، وَشِفَاؤُهَا مُخَالَفَتُهُ ، فَإِنِ اسْتَحْكَمَ الْمَرَضُ قَتَلَ أَوْ كَادَ .
(الْجَوَابُ الْكَافِي لِمَنْ سَأَلَ عَنْ الدَّوَاءِ الشَّاِفي)

ومن أفاتها أنها تجعل العاصي دائما في أسر الشيطان

قال تعالى
نَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ (100) النحل

قال الإمام السعدي
{ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ } أي: تسلطه { عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ } أي: يجعلونه لهم وليا، وذلك بتخليهم عن ولاية الله، ودخولهم في طاعة الشيطان، وانضمامهم لحزبه، فهم الذين جعلوا له ولاية على أنفسهم، فأزَّهم إلى المعاصي أزًّا وقادهم إلى النار قَوْدًا
(تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)

فالعاصي دائما أسير شيطانه وسجين شهوته وقيد هواه فهو أسير سجين مقيد
ولا أسير أسوأ حالا ممن أسره أعدى عدوا له
ولا سجن أضيق من سجن الهوا
ولا قيد أصعب من قيد الشهوة والمحبوس من حبسه قلبه عن ربه

وإن من آثارها فشو الأوجاع والأسقام

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا معشر المهاجرين خمس خصال إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله تعالى ويتخيروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم
رواه ابن ماجه واللفظ له وصححه لغيره الألباني)

فظهرت تلك الفواحش التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم ولا حول ولا قوة الا بالله



وإن من آثارها تداعي الأمم
فعن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل يا رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت
(رواه أبو داود وصححه الألباني)

فقد حصل والله حتى ضاعت كثير من هيبة أمة الإسلام وضاعت أرضيها وضاعت بعض مقدساتها
وليس ذلك الا لهوانها على الامم وما حصل لها ذلك الإ بتركها لدينها بعد أن كانت قد نصرت بالرعب مسيرة شهر
فأسال الله أن يردنا الي ديننا ردا جميلا وأن يعيد للأمة عزها ومكانتها

وإن من أثارها أنها تنسى العبد نفسه
قال تعالى
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19)الحشر

قال الإما م السعدي رحمه الله
هذه الآية الكريمة أصل في محاسبة العبد نفسه، وأنه ينبغي له أن يتفقدها، فإن رأى زللا تداركه بالإقلاع عنه، والتوبة النصوح، والإعراض عن الأسباب الموصلة إليه، وإن رأى نفسه مقصرا في أمر من أوامر الله، بذل جهده واستعان بربه في تكميله وتتميمه، وإتقانه، ويقايس بين منن الله عليه وإحسانه وبين تقصيره، فإن ذلك يوجب له الحياء بلا محالة.
والحرمان كل الحرمان، أن يغفل العبد عن هذا الأمر، ويشابه قوما نسوا الله وغفلوا عن ذكره والقيام بحقه، وأقبلوا على حظوظ أنفسهم وشهواتها، فلم ينجحوا، ولم يحصلوا على طائل، بل أنساهم الله مصالح أنفسهم، وأغفلهم عن منافعها وفوائدها، فصار أمرهم فرطا، فرجعوا بخسارة الدارين، وغبنوا غبنا، لا يمكنهم تداركه، ولا يجبر كسره، لأنهم هم الفاسقون، الذين خرجوا عن طاعة ربهم وأوضعوا في معاصيه، فهل يستوي من حافظ على تقوى الله ونظر لما قدم لغده، فاستحق جنات النعيم، والعيش السليم - مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين - ومن غفل عن ذكر الله، ونسي حقوقه، فشقي في الدنيا، واستحق العذاب في الآخرة، فالأولون هم الفائزون، والآخرون هم الخاسرون.
(تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان)
ومن نسي ربه عاقبه الله بعقوبتين
أنه سبحانه وتعالى ينساه
والثانية ينسيه نفسه
ونسيان الله له هو تركه للعبد وإضاعته وتخليه عنه



وأختم بطائف من مواعظ إبن الجوزي رحمه الله

يا صاحب الخطايا : أين الدموع الجارية ؟ يا أسير المعاصي إبكَ على الذنوب الماضية ، أسفاً لك إذا جاءك الموت وما أنبت ، وآحسرة لك إذا دُعيت إلى التوبة فما أجبت ، كيف تصنع إذا نودي بالرحيل وما تأهبت ، ألست الذي بارزت بالكبائر وما راقبت ؟!

يا من قد وهى شبابه ، وامتلأ بالزلل كتابه ، أما بلغك إن الجلود إذا استشهدت نطقت ! أما علمت أن النار للعصاة خلقت ! إنها لتحرق كل ما يُلقى فيها ، فتذكر أن التوبة تحجب عنها ، والدمعة تطفيها .


سلوا القبور عن سكانها ، واستخبروا اللحود عن قطانها ، تخبركم بخشونة المضاجع ، وتُعلمكم أن الحسرة قد ملأت المواضع ، والمسافر يود لو انه راجع ، فليتعظ الغافل وليراجع .

يا مُطالباً بأعماله ، يا مسئولاً عن أفعاله ، يا مكتوباً عليه جميع أقواله ، يا مناقشاً على كل أحواله ، نسيانك لهذا أمر عجيب !

يُجمع الناس كلهم في صعيد ، وينقسمون إلى شقي وسعيد ، فقوم قد حلّ بهم الوعيد ، وقوم قيامتهم نزهة وعيد ، و كل عامل يغترف من مشربه .

من لك إذا الم الألم ، وسكن الصوت وتمكن الندم ، ووقع الفوت ، وأقبل لأخذ الروح ملك الموت ، ونزلت منزلاً ليس بمسكون ، فيا أسفاً لك كيف تكون ، وأهوال القبر لا تطاق

عجباً لمؤثر الفانية على الباقية ، و لبائع البحر الخضم بساقية ، و لمختار دار الكدر على الصافية ، و لمقدم حب الأمراض على العافية

من لك إذا الم الألم ، و سكن الصوت و تمكن الندم ، ووقع الفوت ، و أقبل لأخذ الروح ملك الموت ، و نزلت منزلاً ليس بمسكون ، فيا أسفاً لك كيف تكون ، و اهوال القبر لا تطاق

يا ابن آدم فرح الخطيئة اليوم قليل ، و حزنها في غد طويل ، ما دام المؤمن في نور التقوى ، فهو يبصر طريق الهدى ، فإذا أطبق ظلام الهوى عدم النور

يا طالب الجنة ! بذنب واحد أُخرج ابوك منها ، أتطمع في دخولها بذنوب لم تتب عنها ! إن امرأً تنقضي بالجهل ساعاته ، و تذهب بالمعاصي أوقاته ، لخليق ان تجري دائماً دموعه ، و حقيق أن يقل في الدجى هجوعه .


ومن أجمل ما قال رحمه الله
أين ندمك على ذنوبك ؟ أين حسرتك على عيوبك ؟ إلى متى تؤذي بالذنب نفسك ، وتضيع يومك تضييعك أمسك ، لا مع الصادقين لك قدم ، ولا مع التائبين لك ندم ، هلاّ بسطت في الدجى يداً سائلة ، وأجريت في السحـر دموعاً سائلة


وقال بعض السلف :
يا أهل المعاصي لا تغتروا بطول حلم الله عليكم واحذروا أسفه أي غضبه بسبب المعاصي فإنه قال تعالى :
{ فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ } ) ( الزواجر عن اقتراف الكبائر)

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : يا صاحب الذنب لما تأمن سوء عاقبته ولما يتبع الذنب أعظم من الذنب ؟ , وقلة حيائك من ملك اليمين والشمال وأنت على الذنب : - أي بقاؤك عليه بلا توبة - أعظم من الذنب الذي عملته , وفرحك بالذنب إذا ظفرت به أعظم من الذنب , وضحكك وأنت لا تدري ما الله صانع بك أعظم من الذنب , وحزنك على الذنب إذا فاتك أعظم من الذنب , وخوفك من الريح إذا حركت ستر بابك وأنت على الذنب ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذنب .

وقال بلال بن سعد : لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى من عصيت . وقال الحسن : يا ابن آدم ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة .

وقال الفضيل بن عياض رضي الله عنه : بقدر ما يصغر الذنب عندك يعظم عند الله , وبقدر ما يعظم عندك يصغر عند الله تعالى

واعلموا عباد الله أن أعظم زاجر عن الذنوب هو خوف الله تعالى وخشية انتقامه وسطوته

وصلى الله علي عبد ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصبحه




كتبها
رائد علي أبو الكاس
أبو علي الأثري


https://www.albaidha.net/vb/showthread.php?t=17784









 


قديم 2011-07-30, 22:03   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
ANONYM
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية ANONYM
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا ** فَإِنَّ الذُّنُوبَ تُزِيلُ النِّعَمْ
وَحُطْهَا بِطَاعَةِ رَبِّ الْعِبَادِ ** فَرَبُّ الْعِبَادِ سَرِيعُ النِّقَمْ
وَإِيَّاكَ وَالظُّلْمَ مَهْمَا اسْتَطَعْت ** فَظُلْمُ الْعِبَادِ شَدِيدُ الْوَخَمْ
وَسَافِرْ بِقَلْبِكَ بَيْنَ الْوَرَى ** لِتَبْصُرَ آثَارَ مَنْ قَدْ ظَلَمْ
فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ بَعْدَهُمْ ** شُهُودٌ عَلَيْهِمْ وَلَا تَتَّهِمْ
وَمَا كَانَ شَيْءٌ عَلَيْهِمْ أَضَرَّ ** مِنَ الظُّلْمِ وَهُوَ الَّذِي قَدْ قَصَمْ
فَكَمْ تَرَكُوا مِنْ جِنَانٍ وَمِنْ ** قُصُورٍ وَأُخْرَى عَلَيْهِمْ أُطُمْ
صَلَوْا بِالْجَحِيمِ وَفَاتَ النَّعِيمُ ** وَكَانَ الَّذِي نَالَهُمْ كَالْحُلُمْ









قديم 2011-07-30, 22:13   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
ANONYM
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية ANONYM
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

آثار الذنوب والمعاصي

لشيخنا
أبي عبد الرحمن سلطان بن عبد الرحمن العيــد


سبحانه وصف أهل السعادة بالإحسان مع الخوف، ووصف الأشقياء بالإساءة مع الأمن،ومن تأمل أحوال الصحابة رضي الله عنهم وجدهم في في غاية الجد في العمل مع غاية الخوف، فهذا الصديقكان يمسك لسانه ويقول:" هذا الذي أوردني الموارد ثم يبكي طويلا". وكان إذا قام إلى الصلاة كأنه عود من خشية الله جل وعلا، وأما عمر فقد قرأ سورة الطور إلى أن بلغ قوله تعالى: إن عذاب ربك لواقع ماله من دافعفبكى واشتد بكاؤه حتى مرض وعادوه؛ وقال لابنه وهو في سياق الموت:" ويحك ضع خدي على الأرض عساه أن يرحمني"؛ ثم قال:" ويلَ أمي إن لم يغفرِ الله لي!!؛ ثم ماتوأرضاه؛ كان في وجههخطان أسودان من البكاء؛ ولما قال له بن عباس:" يا أمير المؤمنين مَصَّر اللهُ بك الأمصار، وفتح الفتوح، وفعل وفعل" فقال:" وددت أني أنجو لا أجر ولا وزر"، وقال أبو الدرداء :" إن أشد ما أخاف على نفسي يوم القيامة أن يقال: يا أبا الدرداء قد علمت فكيف عملت فيما علمت؟".

قال بن أبي مليكة :" أدركت ثلاثين من أصحاب النبيكلهم يخاف النفاق على نفسه، وما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل و ميكائيل".

ألا فاعلم أيها الموفق المسدد: أن الذنوب والمعاصي تضر ولا شك أن ضررها في القلوب كضرر السموم في الأبدان وهل في الدنيا والآخرة شرور وداء إلا سببه الذنوب والمعاصي قال الله جل وعلا: فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت/40].

يروى أن بعض أنبياء بني إسرائيل نظر إلى ما يصنع بُختنصر ببني إسرائيل من القتل والتنكيل فقال:" بما كسبت أيدينا سلطت علينا من لا يعرفك و لا يرحمنا"؛ قال بن عباس رضي الله عنهما:" يا صاحب الذنب لا تأمن فتنة الذنب وسوء عاقبته ولتتبعك الذنب أعظم من الذنب إذا عملته،وقلة حيائك ممن على اليمين وعلى الشمال وأنت على الذنب أعظم من الذنب ، وضحك وأنت لم تدر مالله صانع بك أعظم من الذنب ، وفرحك بالذنب إذا ظفرت به أعظم، وحزنك على الذنب إذا فاتك أعظم من الذنب، وخوفك من الريح إذا حركت ستر بابك وأنت على الذنب، ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذنب".

كتبت عائشة أم المؤمنين إلى معاوية كاتبِ الوحي تقول أمابعد:" فإن العبد إذا عمل بمعصية الله عاد حامده من الناس ذاما" وعن سالم بن أبي الجَعْدِ أن أبا الدرداءقال:" ليحذر امْرِئٌ أن تلعنه قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر، ثم قال: أتدري مما هذا؟ إن العبد يخلوا بمعاصي الله فيلقي اللهُ بغضَه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر!!" .

ذكر عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب الزهد لأبيه عن محمد بن سيرين أنه لما ركبه شيء اغتم لذلك فقال:" إني لأعرف هذا الغم بذنب أصبته منذ أربعين سنة ".

قال يحي بن معاذ:" عجبت من ذي عقل يقول في دعائه: اللهم لا تُشْمِتْ بِيَ الأعداء ثم هو يُشْمِتُ بنفسه كل عدو له " قيل وكيف ذلك؟ فقال:" يعصي الله فيشمت به عدوه ". فاللهم احفظنا يا أرحم الراحمين.

معاشر المؤمنين: للمعاصي من الآثار والذنوب المذمومة المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يحصيه إلا الله جل وعلا فمنها:

حرمان العلم: فإن العلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تطفئ ذلك النور لما جلس الشافعي بين يدي الإمام مالك وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته وتوقد ذكائه وكمال فهمه، فقال إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورا فلا تطفأه بظلمة المعصية.

ومن آثار الذنوب والمعاصي: وحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله، لا يوازنها ولا يقابلها لذة أصلا، ولو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها لم تف بتلك الوحشة، وهذا أمر لا يحس به إلا من في قلبه حياة، وما لجرح بميت إيلام.

ومنها الوحشة التي تحصل بينه وبين الناس، ولا سيما بينه وبين أهل الخير منهم، فإنه يجد وحشة بينه وبينهم؛ وكلما قويت تلك الوحشة بعد عنهم ومن مجالستهم، وَحَرِمَ بركةَ الإنتفاع بهم، وقَرُبَ من حزب الشيطان بقدر ما بَعُدَ من حزب الرحمان، وتقوى هذه الوحشة حتى تستحكم، فتقع بينه وبين امراته وولده وأقاربه، وبينه وبين نفسه، فتراه مستوحشا من نفسه، قال بعض السلف:" إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي".

ومن آثار الذنوب والمعاصي: تعسير أموره: فلا يتوجه لأمر إلا ويجده مغلقا دونه ومتعسرا عليه، وهذا كما أن من اتقى الله جعل له من كل أمر فرجا ومن كل ضيق مخرجا، وجعل له من أمره يسرا؛ ومن أبطل التقوى جعل الله له من أمره عسرا !!، ويا لله العجب !! كيف يجد العبد أبواب الخير والمصالح مسدودة عنه متعسرة عليه وهو لا يعلم من أين أوتي، فتفكر في حالك يامسكين ودع ما يضرك في الدنيا والآخرة.

ومن آثار الذنوب والمعاصي: ظلمة يجدها في قلبه حقيقة يحس بها كما يحس بظلمة الليل البهيم إذا ادلهم، فتصير ظلمة المعصية في قلبه كالظلمة الحسية لبصره، فإن الطاعة نور، والمعصية ظلمة، وكلما قويت الظلمة ازدادت حيرته، حتى يقع في البدع، والضلالات، والحزبيات، والتَـفَرُطِ في الدين والأمور المهلكة وهو لا يشعر، كأعمى خرج في ظلمة الليل يمشي وحده؛ وتقوى هذه الظلمة حتى تظهر في العين، ثم تقوى حتى تعم الوجه، وتصير سوادٌ في الوجه يراه كل أحد.

قال بن عباس رضي الله عنهما:" إن للحسنة ضياء في الوجه، ونورا في القلب، وسَعَةً في الرزق، وقوة في البدن، ومحبةً في قلوب الخلق؛ وإن للسيئة سوادا في الوجه، وظلمةً في القبروالقلب، ووهنا في البدن، ونقص في الرزق، وبغضةً في قلوب الخلق".

اللهم إنا نتوب إليك ونستغفرك ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

أقول ما تسمعون , وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفو الرحيم.




------------------------- الخطبة الثانية ------------------------


الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى أله وصحبه ومن اقتفى أثره واستنى بسنته.

أما بعد: فمن آثار وعقوبة الذنوب: أنه يسترق من القلب استقباحُ المعصية فتصير له عادة، فلا يستقبح من نفسه رؤية الناس له، ولا كلامهم فيه؛ وهذا عند أرباب الفسوق هو غاية التفكه وتمام اللذة، حتى يَفْتَخِرَ أحدهم بالمعصية، ويحدث بها من لم يكن يعلم أنه عملها، فيقول يا فلان عملت كذا وكذا وهذا الضرب من الناس لا يعافون، وتسد عليهم طريق التوبة، وتغلق عنهم أبوابها في الغالب، كما في الحديث عن رسول اللهأنه قال:" كل أمتى معافىً إلا المجاهرون".

ومنها أن المعصية تورث الذل ولا بد، فإن العِزَّ كُلَّ العِزِّ: في طاعة رب العالمين قال الله جل وعلا: من كان يريد العزة فالله العزة جميعاأي: فليطلبها في طاعة الله. الله أكبر!!! أبى الله إلا أن يذل من عصاه.

من آثار الذنوب والمعاصي: أنها تحدث في الأرض أنواعا من الفساد في المياه والهواء، والزروع والثمار والمساكن، قال الله جل وعلا : ظهر الفساد في البَر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعونقال الإمام بن القيم رحمه الله:" والظاهر والله أعلم أن الفساد المراد به الذنوب وموجباتها ويدل عليه قوله تعالى: ليذيقهم بعض الذي عملوافهذا حالنا وإنما أذاقنا الشيء اليسير من أعمالنا فلو أذاقنا كل أعمالنا لماترك على ظهرها من دابة " انتهى كلامه رحمه الله وغفر له.

ومن آثار الذنوب والمعاصي: حرمان الطاعة فلو لم يكن للذنب عقوبة إلا أنه يصد عن طاعة تكون بدلا، ويقطع طريق طاعة أخرى فينقطع عليه طريق ثالثة ثم رابعة ثم هلم جرا...! فينقطع عليه بالذنب طاعات كثيرة، كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها .

ومنها أن المعاصيَ تزرع أمثالها، ويُوَلِدُ بعضُها بعضًا، حتى يصعب على العبد مفارقتُها والخروجُ منها، كما قال بعض السلف:" إنَّ من عقوبة السيئةِ السيئةَ بعدها، وإنَّ من ثواب الحسنةِ الحسنةَ بعدها ".

فلو عطل المحسن الطاعة لضاقت عليه نفسه، وضاقت عليه الأرض بما رحبت، وأحس من نفسه بأنه كالحوت إذا فارق الماء، حتى يعاودها فتسكن نفسه وتقر عينه، ولو عطل المذنب المعصية وأقبل على الطاعة لضاقت عليه نفسه، وضاق صدره، وأعيت عليه مذاهبه، حتى يعاود المعصية !!، حتى إن كثيرا من الفساق ليواقع المعصية من غير لذة يجدها ولا داعية إليها، إلا لما يجد من الألم في مفارقتها كما قال بعضهم :

وكأسٍ شربت على لذة ******** وأخرى تداويت منها بها.

ومن عقوبة المعاصي- وهو من أخوفها على العبد-: أن الذنوب تُضعف القلب عن إرادته، فتقوى فيه إرادة المعصية، وتضعف إرادة التوبة شيئا فشيئا، إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية؛ فلو مات نصفه لما تاب إلى الله جل وعلا !!، وقد يأتي بالإستغفار والندم وتوبة الكذابين باللسان، لكن قلبه متعلق بالمعصية، مصر عليها، عازم على مواقعتها متى أمكنه، وهذا من أعظم الأمراض وأقربها إلى الهلاك. - نسأل الله السلامة والعافية -.

ومن عقوباتها أنها تضعف في القلب تعظيم الرب جل جلاله، وتضعف وقاره في قلب العبد ولا بد؛ شاء ذلك أم أبى، ولو تمكن وقار الله وعظمته في قلب العبد، لما تجرأ على معاصيه، وربما اغتر المغتر وقال: إنما يحملني على المعاصي حسن الرجاء وتضاعيفِ عفوه! لا ضعف عظمته في قلبي، فهذا من مغالطة النفس؛ وإن عظمة الله جل وعلا وإجلالَهُ في قلب العبد، يقتضي تعظيم حرماته، وتعظيم حرماته يحول بينه وبين الذنوب، والمتجرؤون على معاصيه ماقدروه حق قدره، كيف يقدره حق قدره، أو يعظمه، أو يرجو وقاره ويجله، من يهون عليه أمره ونهيه، إن هذا لمن أبين الباطل، وكفى بالعاصي عقوبة أن يظمحل من قلبه تعظيم الله جل جلاله، وتعظيم حرماته ويهونَ عليه حقه.

ومن عقوبة هذا: أن يرفع الله مهابته من قلوب الخلق، فيهون عليهم ويستخفون به؛ كما هان عليه أمر الله واستخف به؛ فعلى قدر محبة العبدِ لله يحبه الناس، وعلى قدر خوفه من الجبار يخافه الناس، وعلى قدر تعظيمه لربه وحرماته يعظم الناس حرماته.

الله أكبر كيف ينتهك عبد حرمات الله ويطمعُ أن لا ينتهك الناس حرماته!؟ أم كيف يستخف بمعاصي الله ولا يستخف به الخلق .

ومن عقوباتها: أنها تضعف سير القلب إلى الله والدار الآخر، وتعوقه وتوقفه عن السير فلا تدعه يخطو إلى الله خَطْوة، هذا إن لم ترده عن وجهته إلى وراءه،والذنب يحجب الواصل، ويقطع السائر، والقلب إنما يسير إلى الله بقوته، فإذا مرض بالذنوب ضعفت تلك القوة التي تُسَيِرُهُ، فإن زالت بالكلية انقطع عن الله انقطاعا يبعد تداركه. فالله المستعان.

ومن عقوبات الذنوب والمعاصي: أنها تزيل النعم وتُحِلُ النقم، فما زالت عن العبد نعمة إلا بسبب ذنب، ولاحلت به نقمة إلا بذنب، كما قال علي :" ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رُفع إلا بتوبة "؛ قال الله جل وعلا: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ  [الأنفال/53].

ألا فاعلموا أنَّا في نعمة عظيمة، نعمة التوحيد والسنة والإجتماع وظهور الدعوة السلفية - دعوة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب- فلا تبدلوا نعمة الله كفرا؛ ولا تغرنكم الأفكار المستوردة المشبوهة؛ وإن زخرفها المبطلون، فإنكم على دين قيم وصراط مستقيم؛ واحذروا المعاصي فإنها تُجَرِئُ أهل البدع علينا، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

اللهم ياحي ياقيوم ياذا الجلال والإكرام اللهم إنا نسالك الهدى والتقى والعفاف والغنى.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين.

اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا ولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين.

اللهم انصرنا على القوم الكافرين، اللهم انصرنا على القوم الكافرين، اللهم انصرنا على القوم الكافرين.

اللهم عليك باليهود والنصارى، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك.

اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين في فلسطين، اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين في كشمير، اللهم كن لهم عونا ونصيرا، اللهم انصرهم على القوم الكافرين، اللهم اجمع كلمتهم على التوحيد والسنة يا أرحم الراحمين.

اللهم عليك باليهود ومن ناصرهم، اللهم من أعانهم على أهل الإسلام اللهم مزق ملكه، اللهم مزق ملكه، اللهم اجعله عبرة للمعتبرين.

اللهم أخرجهم من بلادنا أذلة صاغرين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.









آخر تعديل ANONYM 2011-07-30 في 22:16.
قديم 2011-07-30, 22:20   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
ANONYM
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية ANONYM
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

آثار الذنوب والمعاصي

خطبة لمعالي الشيخ صالح بن فوزان الفوزان


الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العزيز الوهاب، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى جميع الأهل والأصحاب، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم المعاد.
أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله تعالى واحذروا الذنوب والمعاصي، فإنها سبب لزوال النعم وحلول النقم، فما الذي أهلك القرون الأولى، من قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم إلا الذنوب والمعاصي، روى ابن ماجه بسنده عن عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-: (قال كنت عاشر عشرة رهطٍ من المهاجرين عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: -صلى الله عليه وسلم- يا معشر المهاجرين؟ خمس خصالٍ أعوذ بالله أن تدركهن، ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين، والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم، وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، وما نقص قوم المكاييل والموازين إلا ابتلوا بشدة المئونة وجور السلطان، وما أخفر قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم فأخذ بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله إلا سلط الله بعضهم على بعض) .

أيها المؤمنين: شواهد هذا الحديث ماثلة في العيان الآن، لما ظهرت المعاصي، ولم تنكر، بل وجد من يشجع عليها بحرية الرأي، وعدم التدخل في شؤون الناس كما يقولون، لما وجدت هذه الفواحش في المجتمعات، ووجد من يدافع عنها ومن يروجها، وسكت أهل الخير، أو تخاذلوا؛ ابتلوا بما ترونه من الطواعين: وهي الأمراض الفتاكة التي عجز الطب عنها، وبالأوجاع التي لم تكن في الأمم السابقة، وكم تسمعون من أمراضٍ ما كانت موجودة في الأزمنة السابقة، ولا مذكورة في التواريخ إنها أمراض مستعصية، فتاكة، حديثة، لم يعثر لها الطب على علاج، وهي كثيرة ومنتشرة في المجتمعات، وكل يومٍ يظهر نوع من أنواع الأمراض لم يسبق له مثيل، حتى إنها انتشرت في الطيور، التي يأكل منها الناس أو يلامسونها، وانتشرت في الحيوانات التي يأكلون لحومها ويخالطونها، انتشرت في المياه، انتشرت في البيئات التي يسكن فيها الناس، حتى عجز الطب عنها رغم تقدمه ووفرته، ورغم توفر الأدوية الكثيرة فالأمراض تزداد وتحصد في الأرواح والناس ينظرون إليها مبهوتين لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلا، لما منع كثير من الناس زكاة أموالهم، الناس عندهم أموال سواءً للأفراد أو للشركات، أموال هائلة تبلغ الملايين والمليارات، أين زكاتها؟ لما منع زكاة أموالهم، ابتلوا بمنع القطر من السماء، وكما تشاهدون، كما تشاهدون الجدب، وكما تشاهدون انحباس المطر، هل ذلك راجع إلى قلة ما بيد الله من الخير والخزائن؟ بل إن خزائن الله ملئى ولكن التقصير والسبب إنما جاء من العباد، ما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء الذي به حياتهم ومنه شربهم ومنه مصالحهم، فانتشر الجدب، قريباً وبعيداً ، وحدثت المجاعات، وهلكت الأموال، وهلكت المواشي بسبب انحباس المطر، بل إن البلاد الآن أصبحت يابسة، ليس فيها نبات حتى هلك أهلها وهلكت أموالهم، وصاروا يستجدون بالمساعدات من الناس، وسبب هذا، كما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- منع الزكاة من المال، فلو أن الزكاة أخرجت ووضعت في مواضعها لأنزل الله الأمطار، الدليل أن الزكاة لا تخرج أو لا تُخرج كلها، أن الأموال ضخمة، والأرصدة كثيرة، والمحتاجون لا يزالون في حاجتهم وفقرهم، فأين الزكاة التي جعلها الله حقاً معلوماً في أموال الأغنياء؟ وكذلك بخس الناس حقوقهم في الكيل والوزن، وكذلك بالصدق في المعاملة وعدم الغش، وكذلك المعاملة الشرعية المباحة، الآن فُقِد هذا في كثير من الناس، فالتعامل الآن إنما يتسارع الناس إلى الحيل والمكر والخدع والربا والقمار، وأنواع من الحيل التي يأكلون بها أموال الناس بالباطل، وذهب البيع والشراء والمعاملات النزيهة إلا ما قَل، فلذلك ابتلوا بشدة المؤونة وضيق المعيشة، وهو ما يسمى بالتضخم، الأموال، النقود كثيرة، النقود كثيرة، ولكن الأسعار غالية، الأسعار غالية، بسبب قلة المعروض وقلة الإنتاج، وإن كانت الدراهم كثيرة فهي لا تنفع، ما لم يتوصل المعروضات والمبيعات والمنتجات والزراعة والخضروات والنخيل والثمار والحبوب، فإن كثرة الدراهم قد تكون ضرراً على أصحابها، شدة المؤونة، وأشد من ذلك جور السلاطين والولاة، سلَّط الله ولاة ظلمة، وطواغيت على رقاب الناس، يسوسونهم بغير ما أنزل الله، ويحكمون فيهم بحكم الطواغيت: البعثية، الشيوعية، والعلمانية، وغير ذلك من المحن الباطلة يسوسون بها الناس، المسلمين بالذات، فتجد أن الشعب أغلبهم مسلمون وحكامه، إما شيوعيون، وإما بعثيون، وإما علمانيون، فالشعب في وادي، والولاة في واديٍ آخر إلا ما منَِِّ الله على هذه البلاد ولله الحمد، فأوجد الله فيها، ولله الحمد، فما تزال هذه البلاد من ناحية الحكم في خير ولله الحمد، أما بقية البلاد الأخرى فلا تحتاج أن أشرح لكم وضعها، أنتم تعلمونها، وهذا بسبب تسليط الله سبحانه وتعالى على هؤلاء الشعوب لما خالفوا أمر ربهم سبحانه وتعالى سلط عليهم من يسوموهم سوء العذاب، كما هي سنته مع الظلمة والمتجبرين عن طاعته سبحانه وتعالى، وفي الأثر إذا عصاني من يعرفني سلّطت عليه من لا يعرفني، وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ)، وكذلك: (ما أخفر قوم العهد)، العهد: هو الميثاق الذي يبرمونه إما مع الله جل وعلا، قال تعالى: (وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ)، وقد عاهدوا الله على أن يعبدوه وحده لا شريك، فعبدوا غيره، وتركوا طاعته، وتركوا أمره، وخالفوا نهيه، فهذا إخفار لعهد الله جل وعلا، وكذلك العهد مع ولاة الأمور، فمن عاهد ولي الأمر وجب عليه أن يفي بعهده وأن يسمع ويطيع سواءً عاهد هو، أو عاهد أهل الحل والعقد، فهو تابع لهم، فهو من أمتهم ومن دولتهم، فيلزم الجميع السمع والطاعة بالمعروف، قال -صلى الله عليه وسلم-: (إنما الطاعة بالمعروف)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، أما إذا لم يكن أمر بمعصية فتجب طاعته، لأن الله جل وعلا يقول: (أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)، قال صلى الله عليه وسلم: (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمَّر عليكم عبد؛ فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً)، وكذلك الأمر الأخير: وهو ما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، والأئمة يراد بهم الولاة ويراد بهم العلماء، ما لم يحكم الجميع من الولاة والعلماء، ما لم يحكموا بشرع الله وبكتاب الله سبحانه، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- إلا جعل الله بأسهم بينهم، وسلط بعضهم على بعض، كما تشاهدون من التعارك الآن بين الدول الإسلامية، من المشاحنات والمهاترات والتهديدات، كل ذلك بسبب أنهم تركوا الحكم بما أنزل الله وسلط الله بعضهم على بعض.

فاتقوا الله عباد الله: تأملوا في هذا الحديث وفي غيره، وعلى الإنسان أن يصلح نفسه أولاَ، ثم عليه أن يصلح في الناس ما استطاع، وأن يبين، وأن يأمر بالمعروف، و ينهى عن المنكر في أولاده وفي بيته وفي جيرانه وأهل مسجده ومع عموم المسلمين، قال -صلى الله عليه وسلم-: (الدين النصيحة، قلنا لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم).

فاتقوا الله عباد الله: واحذروا من هذه الخصال الخمس التي حذر منها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَاتَّقُوافِتْنَةًلاتُصِيبَنَّالَّذِينَ ظَلَمُوامِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) .

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية:

الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وإمتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداَ عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه، وسلم تسليماً كثيرا.

أما بعد:

أيها الناس: فاتقوا الله تعالى، واعلموا أن العقوبات قد تكون مصلحة، وقد تكون هلاكاً، تكون مصلحة لمن اتعظ بها وانزجر بها، تكون تمحيصاَ لذنوبه، مغفرة لذنوبه، وتكون منبهة له إلى التوبة، وإصلاح العمل في المستقبل، فتكون خيراً له، فتنقلب المحنة إلى منحة، وإما تكون هلاكاً لمن لم يتب، ولم يرجع إلى ربه سبحانه وتعالى، فإنها تكون هلاك له عاجلاًَ، وما عند الله له من الهلاك أشد وأبقى، إذا لم يتب إلى الله عز وجل، وكذلك النعم تكون أحياناً خيراً للإنسان، إذا شكرها وقام بحقها، وأدى ما أوجب الله عليه فيها، فإنها تكون خيراَ له، وقد تكون عقوبة ومحنة إذا كفر النعمة وبطر: (وَلا يَحْسَبَنَّالَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِيلَهُمْلِيَزْدَادُواإِثْمًا)، (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُلَهُمْفِيالْخَيْرَاتِبَلْلايَشْعُرُونَ)، فالنعم قد تكون استدراجاً: (فَلَمَّانَسُوامَاذُكِّرُوابِهِفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَافَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).

فاتقوا الله عباد الله: واعلموا أن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وعليكم بالجماعة، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ، شذ في النار، واعلموا أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، فقال عز وعلا: ( إِنَّاللَّهَوَمَلائِكَتَهُيُصَلُّونَعَلَىالنَّبِيّ ِيَا أَيُّهَا الَّذِينَآمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا( .

اللهم صلي وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم أعزًّ الإسلام والمسلمين وأذلًّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئنا، وسائر بلاد المسلمين عامةً يا رب العالمين.

اللهم ولِّي علينا خيارنا، واكفنا شرَّ شرارنا، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك يا رب العالمين.

اللهم أصلح ولاة أمورنا، واجعلهم هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، اللهم اصلح بطانتهم وأبعد عنهم بطانة السوء والمفسدين.

اللهم دمر أعداءك أعداء الدين، من اليهود والنصارى وسائر الكفرة والمشركين، ومن شايعهم وأعانهم من المنافقين والمرتدين، اللهم شتِّت شملهم وخالف بين كلمتهم واجعل تدميرهم في تدبيرهم وسلط بعضهم على بعض واشغلهم بأنفسهم واجعل كيدهم في نحورهم إنك على كل شيء قدير.

ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق، اللهم إنا خلق من خلقك، فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك.

اللهم اسقي عبادك وبلادك وبهائمك وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت واجعل ما أنزلته خيراً لنا وبلاغاً إلى حين، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.

إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، ويعظكم لعلكم تذكرون، وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم، ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاَ، إن الله يعلم ما تفعلون، فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.










قديم 2011-07-30, 22:21   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
ANONYM
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية ANONYM
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي










قديم 2011-07-30, 22:23   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
ANONYM
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية ANONYM
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

آثار الذنوب والمعاصي

لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن هادي المدخلي حفظه الله

للحفظ











قديم 2013-06-25, 02:59   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
كونان الجزائرية
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك










قديم 2014-12-02, 23:51   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
هيثم سعيدان
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك










قديم 2014-12-06, 18:22   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
البطل الجزائري
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك










قديم 2014-12-07, 17:04   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
البطل الجزائري
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك










قديم 2014-12-25, 23:51   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
amirs
محظور
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك









 

الكلمات الدلالية (Tags)
آثار الذنوب، المعاصي


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 11:21

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc