تنافس خليجي على الوساطة المالية

[عزالدين]

تنافس خليجي على الوساطة المالية


اتفاق ناسداك وبورصة دبي يعزز وضع دبي بين اوروبا واسيا
لم تمض ساعات على اعلان صفقة تبادل الاسهم بين بورصة دبي الدولية وسوق ناسداك الامريكية، حتى اعلن السيناتور الديموقراطي تشك شومر عن تحفظه عليها.

وكما حدث العام الماضي مع صفقة شراء دبي لشركة بي اند او البريطانية ومصالحها في بعض الموانئ الامريكية، سيعترض النواب والشيوخ وتوافق الادارة الامريكية في البيت الابيض وينتهي الامر بحل وسط.

الا ان صفقة بورصة دبي/ناسداك تتجاوز كثيرا صفقة بي اند او، ليس بقيمة الصفقة فحسب، ولكن في سياق استهداف الاموال الخليجية لسوق الخدمات المالية العالمي.

تضمنت الصفقة امتلاك دبي لاسهم ناسداك في بورصة لندن (نحو 28 في المئة) وتخليها عن عرض استحواذ على بورصة او ام اكس الاوروبية لتستولي عليها ناسداك ويتشاركا فيها مقابل حصة لناسداك في سوق دبي المالية الدولية.

وشهدت حمى التنافس على اسواق المال ظهور قطر، الدولة الخليجية المجاورة للامارات التي تضم دبي، كلاعب مغامر في حلبة الاستحواذ تلك.

واشترت قطر20 في المئة من اسهم بورصة لندن، و10 في المئة من اسهم بورصة او ام اكس.

اهداف متباينة
ربما يكون مفهوما ان البورصات الاوروبية تسعى لمزيد من التنافسية، وتحتاج لاستثمارات عبر الاندماج او تنويع قاعدة ملكية الاسهم، لمواجهة تشريعات جديدة ستطبق بعد شهرين لعمل اسواق المال.

كما تسعى البورصات الامريكية للتوسع في اوروبا للوصول الى استثمارات اصبحت تتوجه لاوروبا بدلا من نيويورك منذ 2001.

واذا كانت دبي، التي لا تملك ثروة من النفط والغاز، تهدف الى توسيع دورها الخدمي في المنطقة بان تكون جسرا للخدمات المالية بين اوروبا وامريكا الشمالية من ناحية والشرق الاوسط واسيا من ناحية، فما هو هدف قطر؟

يقول المحلل الاقتصادي، ابراهيم خياط، ان قطر ودبي تتنافسان على جلب الخبرات الاجنبية الى اسواقهما المالية الصاعدة، وخاصة التجارب التكنولوجية.


اصبحت بورصة لندن هدفا للاستحواذ منذ مطلع القرن
يثير ذلك التحول في توجه الاستثمارات الخارجية لقطر اهتمام المحللين والمراقبين.

فمنذ بدا الاقتصاد القطري في النمو الكبير قبل سنوات وتراكمت لديه فوائض نقدية من مبيعات الغاز والنفط، اتجه للاستحواذ على اصول عقارية وتجارية خصوصا في بريطانيا.

لكن التنافس مع دبي لم يكن خافيا، وانشات قطر مؤخرا مركزا ماليا عهدت به الى رئيس مركز دبي المالي العالمي الذي اختلف مع الاماراتيين.

وقبل ذلك بدات الخطوط الجوية القطرية برنامجا طموحا لتنافس اكبر شركات طيران المنطقة، طيران الامارات، المملوكة لدبي على سوق رحلات الترانزيت بين اوروبا واسيا.

حتى العاصمة القطرية الدوحة، تشهد تطورا عمرانيا في الاعوام القليلة الاخيرة يكاد يقربها شبها من دبي.

تنافس خليجي
ليس الامر مجرد تقليد في منافسة اقليمية بين قطر ودبي، وانما هناك مبررات عملية للدخول في سوق الاستحواذ والاندماج العالمي.

يقول رئيس تحرير الخليج الاقتصادي، رائد برقاوي، ان فوائض النفط الهائلة في المنطقة تجعل دول مجلس التعاون الخليجي تبحث عن فرص استثمار خارجية متنوعة.

ويرى ان اسواق المال "وان مرضت فهي لن تموت"، ومن ثم على المدى الطويل يكون الاستثمار فيها مضمون العائد.

واذا كانت دبي تعمل لان تكون مركزا لاستثمار اموال النفط لدول الخليج، وتدورها لهم في استثمارات اقليمية وخليجية، فقطر تقول انها تسعى لتنويع قطاعات اقتصادها كى لا تظل محصورة في تصدير الطاقة.

الفارق ان دبي بدات قبل نحو عقدين في برامجها لتطوير قطاعاتها الخدمية لتصبح مركزا اقليميا يستقطب من يريد التجارة والتعامل مع المنطقة. ومن ثم فاذا بدا طرف خليجي في تقليد ذلك الان، سيظل هناك من يسبقه بسنوات.

مع ذلك تجد في المنطقة من يقول ان البحرين التي كانت المركز المالي الرئيسي في الخليج قبل نحو عقد من الزمان، خسرت موقعها الان الى حد ما لصالح دبي وغيرها من مراكز الخدمات المالية الصاعدة في الكويت وقطر.

بورصات العالم واسواق الخليج
يبقى ان دبي وقطر، وحتى تقليديا البحرين والى حد ما الكويت، تسعيان لتطوير سوق للخدمات المالية، فيما الاقتصاد الاكبر في المنطقة ـ السعودية ـ لا يسير في ذلك الاتجاه بالسرعة ذاتها.


اسواق المال الخليجية لا تزال هشة وفي مهدها
ليس فقط لان السعوديين يستثمرون فوائضهم النقدية عبر دبي او غيرها، ولكن لانهم تقليديا اقل اهتماما بالاستحواذ على اصول خارجية.

ومن المهم الاشارة هنا ان شراء اسهم بورصة، يعني انك تملك نصيبا في ذلك "المحل" الذي تدار فيه عمليات البيع والشراء لاسهم الشركات المسجلة فيها. وبالتالي لا يعني انك استحوذت على نصيب في تلك الاسهم المسجلة، بل فقط نصيب مما تدفعه من مقابل لاستخدام البورصة (المحل) للتداول.

يعني ذلك ان الاستثمار في البورصات الكبيرة في العالم لا علاقة له بدخول استثمارات كبيرة الى اسواق المال المحلية والاقليمية.

وتلك سمة برزت بشدة في ازمة اسواق المال الخليجية العام الماضي، التي كشفت عن هشاشتها الى حد كبير.

وكما كتبت فاينانشيال تايمز البريطانية في ذلك الوقت عن المضاربات الخيالية في اسواق الخليج ثم الانهيار الكبير، كانما السلطات تدفع مواطنيها ليكونوا "مقامرين بدلا من ان يكونوا ناخبين".

رضا بريطاني
لم يثر استحواذ طرفين خليجيين على نحو نصف اسهم بورصة لندن ذلك الجدل الحامي في الاوساط البريطانية الذي اثارته محاولات استحواذ سابقة على البورصة، منذ مطلع القرن.

لا يعود السبب الى ان محاولات الاستحواذ من اوروبا واستراليا وامريكا كانت تستهدف شراء بورصة لندن بالكامل، والصفقة الحالية تترك اقل من نصفها لغير الخليجيين.

انما لانه منذ طرح اسهم البورصة في السوق عام 2001، اصبح من الصعب التمسك بالمشاعر الوطنية تجاه السوق التي تاسست مطلع القرن التاسع عشر.

كما ان الاموال الخليجية يديرها في الاغلب ابناء حي "سيتي" من كبار الماليين البريطانيين والامريكيين. ومن ثم تبدو صفقات الاستثمار الخليجية في سوق الخدمات المالية اقرب لخيارات الاستثمار الفردي، أي اذا كانت لديك اموال فائضة هل تستثمرها في شراء عقار ام شراء شركة سمسرة.

اما التنافس الخليجي، فكما يقول رائد برقاوي فيفيد البائع عبر رفع السعر في مزايدة ربما لا يقدر عليها الا من لديه فوائض اموال نفطية كالدول الخليجية.