[align=center]التشويش على المسلمين في صحة فهمهم لحديث (اسكت فبئس الخطيب أنت)
-النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أمر فخالفه بعض الصوفية فوقعوا في المحذور
-عبد الهادي الخرسة يقول : إن الله تعالى ورسوله حضرة واحدة !!
-الإمام الشافعي يقول بمضمون الحديث الذي لم يعجب الجفري !
-الجفري يصف القائلين بمذهب الشافعي بأنهم ضعاف الفهم قساة القلوب:
ففي ص 178 يعلّق الجفري على قول النبي صلى الله عليه وسلم ((أن يكون الله ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما)) فيقول : لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم : ((ثمّ رسوله))حتى لا يأتي بعض ضعاف الفهم قساة القلوب أُسَرَاء الجهل والعصبيّة ، فيقولون لنا في يومٍ من الأيام : لا تُكثروا من الثّناء على النّبي . . لا تقارنوا الرّسول بالرّب . . لا تعطفوا . . لا تقولوا الله ورسوله . . قولوا : الله ثمّ رسوله ، نقول الحديث الذي يُتَشَبَّث به في ذلك إنما كان رسول الله يُخاطب به حديثَ عهدٍ بشركٍ وجاهليّة . . إلى أن قال : بل قال : ((من سواهما))فجعلهما على ضمير مثنى واحد . . . . إلى آخر كلامه .
وأقول : ما هذا الكلام أيّها الجفري !! من الذي منع عطف الرسول على الله وقد جاء هذا العطف في القرآن الكريم عشرات المرّات ؟
إنّ المسألة ليست كذلك ، ولكنّه لشدّة تعصّبه للطريقة الصوفيّة التي نشأ عليها ولا يعرف شيئاً غيرها ، صار يخلّط بين الأمور ويلبّس على الناس فوقع في المحذور !
المسألة هي((أن رجلاً خَطَبَ عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : من يطع الله ورسوله فقد رَشَد ومن يَعْصِهِما فقد غوى . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بئس الخطيب أنت ، قل ومن يعص الله ورسوله))([1])
أرأيتم المسألة ليست في العطف بحرف الواو بدليل أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قد عطف في جوابه .
ولكنّ المشكلة في قوله ومن يعصهما ! وهي التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثمّ ما هذا الكلام الخطير (مقارنة الرسول بالرّب) !! الذي يُنادي به الجفري ؟ ويعترض على المنكرين عليه !
إنّ الفكر الخطير الذي يُنادي به الجفري قد صرّح به أحد المتصوّفة في الشام وهو المدعو عبد الهادي الخرسه في شرحه للوظيفة الشاذليّة حيث قال :
((يقولُ سبحانه ((( والله ورسولُهُ أحقُّ أنْ يرضوه إن كانوا مؤمنين))) ويقول((( وما نقموا إلاّ أن أغناهم الله ورسوله مِنْ فضله))) فالضّمائر في قوله ((( من فضله))) و((( أن يرضوه ))) مُفردَة لأنّ الحَضْرَة واحدةٌ ([2]) ولكن لها إطلاق وتقييد والله سبحانه وتعالى أعلم)). انتهى (ص47 – 48)
وأعوذُ بالله العظيم مِنْ هذا الضلال الكبير .
أهذا الذي يُريد الجفري أن يسمَحَ له العلماء بقوله ؟
أم ماذا يريد ؟! ([3])
وأمّا قوله : ((بل قال : ((من سواهما)) فجعلهما على ضمير مثنى واحد)) !!! فهو أكبر دليل على عدم فهمه للمسألة .
على كلّ حال ، وحتى لا أخرج عن محلّ الشاهد ، إليكم ما قاله الإمام الشافعي رحمه الله في كتابه الأم (1 / 232) تحتَ عنوان :
ما يُكْرَه من الكلام في الخطبة وغيرها
قال الشافعي رحمه الله تعالى : أخبرنا إبراهيم قال : حدثني عبد العزيز بن رفيع عن تميم بن طرفة عن عدي بن حاتم قال : خطبَ رجلٌ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ومن يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((اسكت فبئس الخطيب أنت)). ثم قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم ((من يُطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد غوى ولا تقل ومن يعصهما ))قال الشافعي : فبهذا نقول فيجوز أن تقول : ومن يعص الله ورسوله فقد غوى لأنك أفردتَ معصية الله وقُلتَ ورسوله استئناف كلام وقد قال الله تبارك وتعالى((( أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ))) وهذا وإن كان في سياق الكلام ، استئناف كلام (قال) : ومن أطاع الله فقد أطاع رسوله ومن عصى الله فقد عصى رسوله ، ومن أطاع رسوله فقد أطاع الله ومن عصى رسوله فقد عصى الله ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدٌ من عِبَادِه قامَ في خلق الله بطاعة الله وفرضَ الله تبارك وتعالى على عباده طاعَتَه لِما وفّقه الله تعالى من رشده ؛ ومَنْ قال ومن يعصهما كَرِهْتُ ذلك القولَ له حتى يُفْرِدَ اسم الله عزَّ وجلَّ ثم يَذْكُرَ بعده اسم رسوله صلى الله عليه وسلم لا يَذْكُره إلاّ منفرداً . قال الشافعي : وقال رجلٌ يا رسول الله : ما شاءَ الله وشِئْتَ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أمِثْلاَن ! قُلْ : ما شاء الله ثمَّ شِئْتَ)) . انتهى
أرأيتم هذا كلام الإمام الشّافعي ، الذي يصفُ الجفري القائلينَ به بـ((ضعاف الفهم قساة القلوب أُسَرَاء الجهل والعصبيّة )) !!
فبالله عليكم مَنْ الذي يتطاول على العلماء والأئمّة ؟!
ثمّ إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ سيّدنا وسيّد ولَدِ آدم ـ هو الذي أمرَ أمّته أن لا يكثروا من إطرائه فقال : ((لا تُطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم ، إنّما أنا عبدُه ، فقولوا عبدُ الله ورسوله))([4])وليس أولئك الذين وصفهم الجفري بأبشع الأوصاف ! فلماذا اللّفُّ والدّوران ؟!
--------------------------------------------------------------------------------
(1) رواه مسلم في باب تخفيف الصلاة والخطبة ، ورواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي
وغيرهم .
(2) أعوذ بالله من هذا الفهم والاعتقاد ، بل الضمائر مفردة لأنّ هذا هو أسلوب العرب في التعبير ، فالضمير في (أن يُرضوه) عاد إلى مفرد ، والمُراد اثنان ، ونظائر ذلك في القرآن وكلام العرب كثيرة . ومنه قول قيس بن الخطيم :
نحنُ بــما عندنا وأنـتَ بـمـا عنـ****** ـــدَكَ راضٍ والـــرأيُ مختــلــــفُ
والمراد : نحنُ وأنتَ بما عندنا راضون .
(3) الذي أردت أن أنبّه عليه هو أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لمّا أنكر على ذلك الرجل ، إنما كان يضع تشريعاً للأمة ليس محدداً بزمن كما يظن الجفري ، ولأبيّن له ذلك سقتُ له كلاماً قيل في زمننا هذا ومن أشخاص لم يموتوا بعد ، فيه ما هو أشد وأخطر بكثير مما قاله ذلك الرجل الذي أنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن هنا كان حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم والعلماء من بعده على منع الناس من التلفظ بألفاظ تفضي إلى الشرك أو إلى سوء الأدب مع الله عزَّ وجل .
(4) رواه مالك والبخاري وأحمد وغيرهم .[/align]