اقدم لكم هنا مقال منقول عن جريدة الخبر للصحفي العربي زواق....
والله اعجبني رده كثيرا على المنافقي والمطبلين لكل شيء ياتي من السلطة ..كذلك تقييم رائع للخطاب الاخير لرئيسهم ..
لو لم يسبق لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة أن تحدث عن إصلاح هذا القطاع وتلك المنظومة وهاته القوانين، لأمكن إيجاد مبررات للحملة التي أعقبت خطابه الأخير الذي وجهه إلى الأمة... لكن الرجل جعل من كل سنوات حكمه مشاريع إصلاحية. فعن أية إصلاحات يتحدث ويتحدثون وهو الذي سبق وفتح ورشة سماها ''إصلاح الدولة''، وقد أسند رئاستها لمن منحه بعد ذلك منصب سفير الجزائر بباريس ميسوم سبيح... فهل يوجد أكثـر من مشروع لإصلاح الدولة حتى نتحدث ثانية عن إصلاحات أخرى وفي ظرف زمني لم يتعد العشر سنوات؟
لقد تحدث الرئيس في خطابه الأخير عن انتشار الأمراض التي يعرف ونعرف ويعرفون أنها تنخر المجتمع، وقال بضرورة محاربة الرشوة وبقية الآفات التي أرهقت المجتمع وأفقدت مؤسسات الدولة أي مصداقية لها، لكن ليست هذه هي المرة الأولى التي يثير فيها مثل هذه القضايا، بل سبق وتحدث عنها بأسلوب صارم وأكثـر إثارة عندما هاجم بارونات الزيت والحديد والبطاطا وأسقط عنهم صفة الأسود ووصفهم بالقطط، فما هو الجديد حتى تثار كل هذه الزوبعة حول خطاب عادي جدا حتى وإن وصفه أستاذ جامعي، دون حياء، بمشروع مجتمع وبأنه إعلان عن ولادة جمهورية ثانية... فهل يعقل أن يحوي خطاب من عشرين دقيقة مشروع مجتمع ويكون نقطة البداية لجمهورية جديدة؟
هذا ما قاله... وكل ما قاله الرئيس لا يستحق الذكر ولا التوقف باعتباره خاليا من أي جديد... أما الادعاء بأن إسقاط عقوبة تجريم الصحفيين إنجاز عظيم، فأمر مثير للدهشة... باعتبار أن صاحب هذا القانون هو الرئيس بوتفليقة وليس الشاذلي بن جديد أو زروال أو بومدين أو بن بلة... فلماذا أقره بالأمس ولماذا يسقطه اليوم... زيادة على هذا نقول شهادة للتاريخ، بأنه لم يسجن صحفيين جراء تطبيق هذا القانون إلا في استثناءات نادرة، وقد استغربنا في مناسبة سابقة قرارا لرئيس الجمهورية أعفى بموجبه عن الصحفيين من تبعات الأحكام الصادرة ضدهم، واستغربنا قرار العفو لعدم وجود أحكام نهائية ضد صحفيين حتى يعفى عنهم.
أما ما لم يقله الرئيس، وهذا هو المهم... فلنعد إلى الساعات التي سبقت بث الخطاب وهي ساعات ذلك اليوم كله... لقد ظلت كل وسائل الإعلام الوطنية المسموعة والمرئية، بل والعديد من القنوات التلفزية العالمية، تعلن أن الرئيس بوتفليقة ''سيوجه خطابا للأمة على الساعة الثامنة'' من مساء اليوم... وبطبيعة الحال خلق هذا الترويج اعتقادا في الداخل والخارج، مفاده أن الرئيس سيعلن عن قرارات هامة لن تقل عن إسقاط الحكومة وقد يحل البرلمان... وذهب آخرون إلى احتمال الإعلان عن انتخابات رئاسية مسبقة واعتماد مجلس تأسيسي يكون حجرا أساسا لبناء المرحلة المقبلة... هذا الاعتقاد لم يتشكل عند المعارضة والمحسوبين عليها فقط، وإنما أثاره حتى المنتسبون للسلطة، لكن جاء الخطاب ليؤكد أن الجزائر ليست بلدا عربيا وأنها غير معنية بهذه الهزات التي تعيشها المجتمعات العربية... وهنا اندفع المطبلون للترويج السخيف الذي نسمعه في التلفزيون الجزائري والإعلام الرسمي وحتى شبه الرسمي... وللتاريخ أسجل أن أحد الذين وصفوا الخطاب بالتاريخي في حصة تلفزيونية، قال لي في لقاء عابر وبالحرف الواحد: ''ليته لم يتكلم'' يقصد الرئيس بطبيعة الحال.