السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
أشكرك على الموضوع القيم و الذي يفتح الباب واسعا أمام الكثير مما يجب أن يقال عن الشخصية و بالتالي على انعكاساتها في العالم الخارجي فيما نسميه السلوك و التصرف
أولا و قبل أن نحدد معايير القوة و الضعف ألا يجدر بنا أن نحدد معالم الشخصية السوية و التي نضعها في موقع الاحتكام، فكلما كانت أوثق و أحكم نعتناها يالقوة و كلما كانت مائعة مشتتة وصفناها بالضعف و لو أنهما أمران نسبيان فلا قوة مطلقة و لا ضعف دائم,
أولا، كيف نحدد الشخصية؟؟ من وجهة نظري المحضة، و لست اختصاصية في الموضوع، الشخصية بوتقة تتفاعل فيها مجموعة من العوامل:
- الفطرة السليمة و يشترك فيها كل البشر دون استثناء و بها تتوضح مفاهيم الخير و الشر.
- الطباع، و هي أقل حيزا ، إذ انه يشترك فيها مجموعة محددة من الناس عادة ما تكون الوراثة العامل الأهم في انتشارها,
- العادات و المكتسبات، و تتحكم فيها البيئة التي وجد الناس فيها و هي متغيرة حسب الزمن و ظروف العيش و نسبة التعلم و غيرها كثير,
كل هذا يتمازج في النفس الإنسانية فيعطيها سمتها الخاصة بها و التي لا تشبه احدا غيرها إنما تماثلها, و لنعلم مقدار قوة هذا المزيج علينا أن نتناوله من زاويتين: داخلية و خارجية.
- أبدأ بالمظهر الخارجي الذي يوحي لنا بقوة شخصية أحدهم و لنتساءل: ما الذي يجعلنا نحس برهبة و عظمة أحدهم رغم انه لا يبدي أي مجهود في ذلك بينما نجد أنفسنا ننساق إليه بعفوية و نحس بسطوته فنوافق على ما يقول و ننقاد لقيادته؟؟
هذا ما ندعوه نحن الرهبة و الهيبة و الحظور القوي و عدة مسميات. و هذا أمر طبيعي و طبعي في الإنسان، سر يودعه الله تعالى في خلقه يولد معنا و يكون فينا و لكن بنسب متفاوته، ففينا من يملكها بقدر أكبر من الآخرين, و قد أثبت العلم أن الإنسان يطلق نوعا من الإشعاع اللامرئي يتحكم في تقبلنا الآخرين و في قدرتنا على الإقناع، فمنا من يبذل مجهودا أبسط، أو لا يفعل أصلا و تجد الناس منبهرين به دون معرفته، ذاك إشعاعه أقوى . و منا من يبذل مجهودا أكبر، و منا من نرفض حتى الاقتراب منه فقط و دون سبب و نعلل ذلك بالقول " ملائكته ثقيلة" و لا دخل للملائكة في هذا الأمر، فهم مجرد حفظة لنا.
- أما من الزاوية الداخلية، فالأمر يتعلق بمدى الاتزان و رجاحة العقل، لأن العقل هو المحرك الأساسي و الميزان الذي يحكم بقوة أو ضعف الشخصية. و أقصد بالإتزان هو نسبة كل العناصر التي سبق ذكرها في النفس تماما مثل معادلة كيميائية تختل بزيادة عنصر على حساب الآخر: فإن طغت الفطرة و هي أمر محمود طبعا، تجعل صاحبها عرضة لصدمات قد لا يحتملها، و الأولى هو استعمال هذه الفطرة السليمة بشكل يجعلها فاعلة لا مفعول بها, و إن طغى الطبع، أصبح التصرف عشوائيا لا منطقيا خاليا من كل حكمة، و الأصل أن يحاول الإنسان تقوية الطباع الحسنة و التحكم في الطباع السيئة و إن شق علينا ذلك، و هذا ما نسميه جهاد النفس.
أما إن طغى تأثير البيئة فينا و السلوكات المكتسبة، يصبح صاحبها إمعة، و هو ما نهى عنه الرسول الكريم عليه الصلاة و السلام حين قال " لا تكن إمعة، إن أحسن الناس أحسنت و إن أساؤوا أسأت", أو يكون منافقا، و العياذ بالله يظهر ما لا يبطن. أو متطرفا عصبيا لفرقته و عشيرته يراها الأصوب و يعادي كل ما عداها. فالعقل يتحكم في توازن نفسياتنا يؤازره القلب المؤمن السليم، بنفس القوة و التحكم، ليضفي عليها الصلابة المنشودة دون إفراط في شدة و لا في ليونة. فيقول الرسول عليه الصلاة و السلام في حكمة التوازن " لا تكن قاسيا فتكسر و لا تكن لينا فتعصر.". بينما تحضرني حكمة صينية قديمة تقول ( لا تكن شجرة و سط العواصف، فتقتلعك الرياح. وحدها الحشائش التي تنجو). أي أن المرونة أمر ضروري لحياة الإنسان فيواجه بها كل العقبات التي قد تعترضه، و ما أكثرها في حياتنا.
أما مظاهر قوة الشخصية فهي حسب المقام و الحالة التي تكون فيها: ان تمتلك شخصية قوية يعني:
- إن تمكنت من قوة و سلطان فليكن بحلم و رحمة
- إن تمكنت من علم فلتطهره من كبر و غطرسة و بخل
- إن تمكنت من مال، فلتزينه بصدقة و إنفاق بقسط لا تبذير و لا تقتير.
- و إن تحدثت فليكن الصدق لسانك و لكن دون غلظة و جلافة، و لتصدق مع نفسك أولا.
- و ان جادلت، فليكن بحكمة، و بالحجة والتبيان, و الأقسط ان تصون لسانك عما ليس لك فيه علم, و لتكن حلو المنطق فإن لم يوافقك الناس احترموك و أجلوك.
- و ابدأ بحساب نفسك قبل غيرك، فتعتذر عن الخطأ و لا تكابر في جهالة، فالله يحب الخطائين، و هو طبع إنساني، التوابين لأنها صفة المؤمنين الأقوياء.
فهذه الصفات كلها، أو ربما تكون جزءا صغيرا من صفات أخرى ،إن كان لأحدنا القليل من كل شيء فيها، كان أقرب إلى قوة النفس. فالنجاح و السلطة و القوة ليست مقاييس سليمة في كل الأحوال، و الله أعلم,
jang-mi