ياقادة النقابات كونوا أو زولوا - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات إنشغالات الأسرة التربوية > منتدى الانشغالات النقابية واقوال الصحف

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

ياقادة النقابات كونوا أو زولوا

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2016-01-08, 21:58   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
حمائيس 7
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي ياقادة النقابات كونوا أو زولوا

(( في 2016 هل سيكون قادة النقابات أسودا يزأرون مكشرين عن أنيابهم ، أم نعاجا وخرافا تقودهم الذئاب إلى المذابح والمسالخ ))
ربيع الغضب التربوي: المعركة الاجتماعية للديمقراطية في الجزائر
Farhat Abbas

"عجبت لمن لا يجد القوت في بيته، كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه." (الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري)

مقدمة

بين خريف سنة 2009 وربيع 2010، شهدت الجزائر جملة من الحركات الاحتجاجية لعل أبرزها ما خاضته النقابات المستقلة للتربية وما أسفرت عنه من تداعيات زادت من تعميق حالة الشك والقلق في المستقبل وجذّرت مشاعر الاستياء والإحباط خاصة بعد الضربات الشديدة التي تلقتها آخر معاقل الحرية في الحياة الاجتماعية من خلال ضرب النضال النقابي كأبرز وآخر أشكال النضال السلمي في مجتمع لم يلملم جروحه بعد من مرحلة المواجهات الدامية التي كادت تعصف بالدولة والمجتمع معا.

خريف التهدئة

في 8 نوفمبر 2009 شنت النقابات المستقلة للتربية إضرابا عاما شمل جميع الأطوار التعليمية حيث فاقت نسبة الاستجابة كل التوقعات وحددتها بعض المصادر النقابية بـ 90%. المطالب المرفوعة في هذه الحركة الاحتجاجية مرتبطة بتحسين الظروف المهنية والاجتماعية للمربي، وهي كالتالي:

1― إلغاء تعليمة الوزير الأول أحمد أويحي القاضية بإلغاء الأثر الرجعي لنظام المنح والتعويضات رغم وجود مرسوم رئاسي يثبت هذا الأثر ؛

2― البت في نظام المنح والتعويضات من خلال إقرار زيادات معتبرة في أجور موظفي التربية؛

3― إلغاء القرار رقم 94/158 القاضي بمنح امتياز تسيير أموال الخدمات الاجتماعية لنقابة الاتحاد العام للعمال الجزائريين رغم فقدانها لمكانتها في صفوف رجال التربية؛

4― وضع تصنيف للأمراض المهنية المرتبطة بقطاع التربية وتطبيق القوانين الخاصة بطب العمل على موظفيه.

في مواجهة هذا التسونامي النقابي تمثّل رد فعل السلطة في الخطوات التالية:

1― تجاهل الإضراب والتقليل من نسبة التجاوب معه؛

2― المسارعة بإصدار حكم قضائي يلغي شرعية الإضراب؛

3― يصدر الوزير الأول تعليمة تلغي تعليمته السابقة وتؤكد على حق الموظفين في الاستفادة من الأثر الرجعي لنظام المنح والتعويضات والذي يكون بتاريخ 1 يناير 1988 حسب ما نص عليه المرسوم الرئاسي رقم 07-304 المؤرخ في 29 نوفمبر 2007؛

4― فتح باب المفاوضات مع النقابات الممثلة فعليا (المجلس الوطني المستقل لأساتذة التعليم الثانوي والتقني والإتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين). وقد تمخّض عنها ما يلي:

ألف― تشكيل لجنة مشتركة تجمع ممثلين عن النقابتين سالفتي الذكر ووزارة التربية الوطنية تقوم بعقد اجتماعات لاحقا لتحضير مشروع المقترحات التي ستقدم قبل 31 ديسمبر 2009 إلى اللجنة الحكومية المكلفة بإقرار نظام المنح والتعويضات؛

باء― تجميد القرار رقم 94/158 والذي يعطي امتياز تسيير أموال الخدمات الاجتماعية لنقابة المؤسسة التابعة للإتحاد العام للعمال الجزائريين في انتظار وضع مشروع يحدد آليات عملها بعيدا عن هيمنة أيّ طرف نقابي؛

جيم― تشكيل لجنة لمتابعة ملف طب العمل والأمراض المهنية بالتنسيق مع وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ووزارة الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات؛

دال― تعهّد الوزارة بإلغاء جميع الإجراءات العقابية ومنها الخصم من الأجر في مقابل التزام المربين بتعويض الدروس الضائعة واستدراك أيام الإضراب.

وجدت الأزمة طريقها إلى الانفراج، ودب الدفء والنشاط في أوصال قطاع التربية قبل حلول برد الشتاء، ولم يبق إلا أن تجد الوعود طريقها إلى التنفيذ.

ربيع الإعصار

مر شهر الشتاء الثاني كئيبا ثقيلا، وبدأت ملامح الربيع تطل من بعيد والحكومة في صمت مطبق. خيّم القلق والتوجس جموع المربين وانطلقت الدعوات لاستئناف الإضراب المعلّق منذ شهر نوفمبر لدفع الوزارة للخروج من سكوتها المريب.

أعلنت النقابتان المستقلتان للتربية الشروع في إضراب لأسبوع متجدد آليا وحدد لانطلاقته يوم 24 فيفري كتاريخ رمزي لذكرى تأميم المحروقات وتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين. الجولة الثانية من الحركة الاحتجاجية تهيأت السلطة لها من خلال وضع إستراتيجية غاية في العدوانية والقسوة تمثلت مراحلها فيما يلي:

1― ما إن أعلنت النقابات المستقلة نيتها استئناف إضرابها المعلّق حتى بادرت السلطة الوصية إلى ضربة استباقية الغاية منها إجهاض الحركة قبل انطلاقتها وتأليب الرأي العام ضد المربين. ففي 20 فبراير 2010، خرجت أغلب الصحف اليومية تحمل عناوين بالبنط العريض تتناول مجموع الزيادات التي ستلج جيوب المدرّسين ومبلغ المستحقات المقدّر بعشرات الملايين. وهكذا، ودون مراعاة واجب التحفظ المهني والالتزام بعدم كشف الأسرار المهنية عمدت الوزارة إلى إشهار رواتب موظفيها متعمدة التضليل في الأرقام المقدَّمة لإيصال رسالة إلى الأولياء تبرز مدى جشع المربين وأنانيتهم وتغليبهم لمصالحهم الضيقة المادية على حساب مستقبل تمدرس التلاميذ إن أقدموا على الإضراب. ولّدت هذه الخطوة استياء شديدا لدى جموع المدرسين وشدّت من عزيمتهم على خوض الإضراب بكل قوة، ثم إنّ النقابات، وفي حركة سريعة، قامت بوضع جدول مواز تبيّن الزيادات الطفيفة والفعلية في الأجور وسرّبتها للصحافة والرأي العام فلم تتمكن الوزارة من تفنيدها وخرجت خاسرة من معركة الجداول.

2― في 1 مارس 2010 استصدرت الوزارة حكما قضائيا غيابيا غير قابل للاستئناف أو الطعن يأمر المضربين بالالتحاق بمناصب عملهم دون أن يبتّ في مدى قانونية الإضراب وأشهرته السلطة الوصية في مغالطة مفضوحة كدليل على عدم شرعية الإضراب.

3― في 2 مارس 2010، عقب اجتماع لمجلس الحكومة تم اتخاذ جملة قرارات ضمنت بيانا تُلي على الرأي العام في نشرة الساعة الثامنة في التلفزيون الرسمي يوم 3 مارس 2010، وكان بمثابة "البيان رقم 1" حيث استنفر جهاز الدولة لتوقيف الإضراب في حملة لم يُشهد لها مثيل في تاريخ الجزائر المستقلة وأعادت إلى الأذهان الملابسات التي رافقت حل الجبهة الإسلامية للإنقاذ. جملة القرارات التي اتخذت في المجلس الوزاري يمكن اختصارها كالآتي:

ألف― يلزم كل مضرب بالالتحاق بمنصبه يوم 7 مارس 2010، وكل من يتخلف عن هذا التاريخ سيتم شطبه من قائمة الوظيف العمومي؛

باء― سيتم تعويض المشطوبين بمستخلفين من حملة الشهادات الجامعية، حيث أكدت الوزارة أنه تم استحداث 50 ألف منصب لهذا الغرض، وسيتم تعيينهم دون مسابقة، وسيتلقون تكوينا لمدة أسبوع لهذا الغرض ثم يشرعون في مباشرة مهامهم؛

جيم― لتطبيق هذه الإجراءات الردعية تم إنشاء ثلاث لجان لهذا الغرض يشرف عليها تباعا كل من الوزير الأول، وزير الداخلية، وزير التربية ومدير الوظيف العمومي.

4― في 4 مارس 2010، التحالف الرئاسي يوقّع بيانا مشتركا يؤيد فيه الإجراءات المتخذة من طرف الحكومة لتوقيف الإضراب. وهي خطوة سبقها رفض الكتل البرلمانية إثارة موضوع الحركة الاحتجاجية داخل قبة البرلمان رغم توصلها بملف عن ذلك؛

5― في 6 مارس 2010، في نشرة الثامنة مساء يظهر وزير التربية الوطنية – بعد طول غياب – وإثر "مجلس حرب" مع مدرائه الولائيين ليعلن، وكله ثقة، بأنه أعطى إشارة انطلاق "أم المعارك" وأنّ المربي مخيّر بين العودة ذليلا مكسور الجناح إلى منصب عمله أو يُفصل من عمله ويُقطع رزقه. وهكذا تحوّل الوزير إلى مقاول يتعامل مع المربين وكأنهم عمال بناء متجاهلا خصوصية الوظيفة التي يؤدونها، هاتكا لحجاب الاحترام والتقدير بين المعلم وتلميذه، غير مبال بأبعاد هذه الخطوة على مستقبل العملية التربوية وآثارها النفسية والأخلاقية.

أحدث هذا الهجوم العنيف والمفاجئ والكاسح اضطرابا وبلبلة وهلع في صفوف المربين وتوزعت مواقف النقابتين إلى اتجاهين:

ألف― اتجاه رضخ لتهديدات الوزارة وإملاءاتها وتمثّله نقابة الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين، حيث بادرت إلى إصدار بيان تدعو فيه قواعدها إلى إنهاء الإضراب فورا (صدر البيان في 6 مارس 2010 ليلا) والالتحاق بمناصب العمل يوم 7 مارس 2010 مبررة ذلك بالاستناد إلى الحكم القضائي الذي يوقف الإضراب ويُلزم المضربين بالعودة إلى مراكز عملهم؛

باء― اتجاه ثان تبنّاه المجلس الوطني المستقل لأساتذة التعليم الثانوي والتقني دعا إلى مواصلة الإضراب وأرجع البت في مصيره – في تحدّ واضح لتهديد الوزارة – إلى حين انعقاد مجلسه الوطني المخوّل قانونا بالنظر فيه والذي حدد تاريخ انعقاده يوم 8 مارس 2010.

مداولات المجلس الوطني ميّزتها تجاذبات شديدة وقوية واستمرت لسبعة عشر ساعة متتالية دون انقطاع. انقسمت الولايات الممثّلة في المجلس إلى قسمين متساويين. قسم مؤيّد للإضراب وقسم ثان يدعو إلى توقيفه. تمّ الالتجاء إلى إحصاء الثانويات، فكانت الداعمة للإضراب أكثر عددا من الداعية إلى توقيفه، فاضطر المكتب الوطني بزعامة المنسق الوطني وبالنظر إلى مكانتهم الأدبية وإحاطتهم بجملة من المعطيات والحيثيات أوردت بعض الصحف اليومية في بعض تقاريرها جانبا منها تتحدث عن سيناريوهات شبيهة بأكتوبر 1988 وإضراب جوان 1991، هدفها دفع الأوضاع نحو التعفّن للوصول إلى حل النقابة ومحاكمة قادتها، للاجتماع بممثلي الولايات المتشددة لإقناعها بالعدول عن اختيارها.

أفلحت جهود المكتب الوطني وبصعوبة، وتمّ تحديد العاشر من مارس لاستئناف العمل. صدر بيان يثبّت هذا القرار، وفي لغة لم تخل من التحدي أبرز أنّ توقيف الإضراب تمّ برأس مرفوع لأنّ التمسك بالمطالب باق، وخيار العودة للحركة الاحتجاجية باق. ومن خسر معركة... لم يخسر الحرب.

شجرة النقابة وعاصفة السياسة

ما الذي دفع السلطة إلى استنفار جميع أجهزتها في خطوة شبيهة بسنوات العشرية الحمراء؟ ما طبيعة التهديد الذي شكّله الإضراب؟ ما الخطر الذي تمثّله نقابة مهنية تناضل بشكل سلمي ووفقا لقوانين الجمهورية؟

المتابع الرصين لسيرورة الحوادث يمكنه أن يلاحظ أن النقابات المستقلة للتربية – وبعفويتها المهنية – حاولت تجاوز تقاليد وأعراف اللعبة السياسية الممارسة كالتالي:

1― المطالبة باسترجاع أموال الخدمات الاجتماعية وإبعادها عن النهب الممنهج لنقابة معيّنة ليتم تسييرها بشفافية بعيدا عن أيّ هيمنة نقابية مع إخضاع عملياتها المالية للرقابة القانونية، إخراج النقابات المستقلة من ميدانها المهني ليلقي بها في تدافعات العُصب. ساذج في الجزائر من يتصوّر الفساد أفعال معزولة لمسؤولين "عديمي الضمير" وأكثر سذاجة من يصدّق الحملات التهريجية لمحاربة الفساد. فالفساد في الجزائر مؤسسة لها قوانينها وأعرافها وأهدافها ورجالها، وهي تندرج في إطار الرابطة العضوية بين المال والسلطة. إحداث ثغرة في هذه المؤسسة يُعدّ ضربا لإحدى البنى التقليدية للنظام ومحاولة لفرض قواعد جديدة للعبة التاريخية للسياسة في الجزائر التي يشكّل المال عصبها الرئيسي؛

2― في خضم معركته ضد النقابات المستقلة، أعلن وزير التربية الوطنية في رسالة واضحة إلى مناوئيه أنّ أموال الخدمات الاجتماعية هي بيد المركزية النقابية ولا علاقة لوزارته بذلك. إذا ربطنا هذه التصريحات بما أعلنه سابقا الأمين العام للتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الدكتور سعيد سعدي من أنّ المركزية النقابية هي الجناح الاجتماعي للمصالح (المخابرات) عرفنا أنّ حالة الطوارئ التي أُعلنت داخل أجهزة السلطة هي بمثابة التداعي لعضو أصيب في جسم النظام فتبعته بقية الأعضاء... بالنفير والنصرة؛

3― الاستقلالية التي صبغت تحركات النقابات وبُعدها عن الوصاية الحزبية لأيّ طرف وإن عُدّ فضيلة في الظاهر، ولكنه لا بد أنّ يكون قد أثار حفيظة النظام الذي ينظر إلى الحركات الجماهيرية بعين الريبة. فحرية التنظيم مسموح بها ضمن حدود، ولن يُقبل بوجود جماعات منظمة واعية لحقوقها ومستقلة في قراراتها، ولن يهنأ له بال حتى يتم اختراقها وتفكيكها أو تدجينها. لا يمكن للسلطة أن تقبل بحركات مستقلة لا تتوافق مع إستراتيجيتها التقليدية في السيطرة والتوجيه، ومن يخلّ بهذه القاعدة يتمّ استبعاده وبشراسة (الشيخ عبد الله جاب الله وقصة إنشائه لحزبين سياسيين واستبعاده منهما تباعا وتهميشه)؛

4― لا يجب أن تتحوّل أيّ حركة مطلبية إلى عملية ليّ ذراع للسلطة ولو لتنفيذ القوانين التي وضعتها. رضوخها يجب النظر إليه في إطار التفاعلات الداخلية للعبة العُصب ومقتضيات الوضع الخارجي ومتطلباته؛

5― للنظام في الجزائر دعامتين رئيسيتين: الجيش والإدارة. وهو يحكم ويعيد إنتاج ذاته من خلال هاتين المؤسستين، وبالتالي فهو يمنع تشكل أيّ نخبة خارج هذا الإطار سواء كانت سياسية، نقابية أو ثقافية إلا إذا التزمت بالعمل كروافد له وتحت هيمنته وضمن مشروعه.

لقد قامت السلطة بضبط قواعد اللعبة وخصوصية اللاعبين بشكل دقيق وصارم مستفيدة من تداعيات أحداث أكتوبر 1988 ووقع تقسيم الطبقة السياسية (القطعان السياسية) تبعا لمكوناتها ووظائفها إلى أربع أقسام:

ألف― طبقة مفيدة: وهي التي وقع تمكينها من الوصول إلى الجهازين التشريعي والتنفيذي للسلطة ونيل حصة الأسد فيهما عن طريق "كرنفالات انتخابية" متتالية، شكلت هذه الطبقة لاحقا ما سمي بـ"التحالف الرئاسي" أي بوضوح شديد حزب واحد بثلاثة أحزاب (عقيدة التثليث السياسي)؟ هذا الوحش السياسي الغريب يملك ثلاثة رؤوس:

― رأس وطني: (جبهة التحرير الوطني)
― رأس علماني: (التجمع الوطني الديمقراطي)
― رأس إسلامي: (حركة مجتمع السلم)

تمثّل هذه الطبقة الواجهة المدنية والشكلية للسلطة الفعلية (المؤسسة العسكرية). مراعي هذا القطيع تمتد من منابع النفط إلى موانئ الاستيراد؛

باء― طبقة مشاغبة: تجمع المتشددين في صفوف العلمانيين واليساريين والإسلاميين، لا تتجاوز جلبة هذا القطيع العويل السياسي ويستعان بها في تسخين المواعيد الانتخابية وإضفاء نكهة "راديكالية" على الحياة السياسية. مراعي هذه الفئة مقيّدة بما يهبه "الراعي" حتى تضبط وتيرة سيرها؛

جيم― طبقة هلامية: تجمع "النطيحة والمتردية الخ." أي قطعان عريضة من الناقمين على أحزابهم الأصلية، المنشقين والمغامرين. تحرص السلطة الفعلية على تواجد هذا القطيع لأداء وظيفة محددة: إضفاء طابع الرداءة على الحياة السياسية بحيث تجهض أيّ محاولة مهما كانت مصداقيتها ليحمل العمل الحزبي البعد السياسي المطلوب وبالتالي يقع المحافظة على دوره كسلم لنيل المغانم، كما يشكل "احتياطيا استراتيجيا" عند الطوارئ. رغم أهمية هذا القطيع وخطورة وظيفته إلا أنّ مراعيه تكاد تكون مجدبة بالنظر لخساسة دوره، وهو في الغالب يكتفي من القرب بـ "النظرة" وهذا مكسب عظيم؛

دال― طبقة متمردة: وهي تكاد تنحصر في حزب "جبهة القوى الاشتراكية" ورئيسه أحد الزعماء التاريخيين للثورة الجزائرية، الحسين آية أحمد. سر تمرّد هذا الحزب يعود إلى عوامل منها:

― التقاليد التاريخية الطويلة التي اكتسبها الحزب في نضاله، واحتكاكه بالتجربة الغربية للعمل الحزبي "الأممية الاشتراكية" والتكوين الفكري والثقافي ذي الطابع الأوروبي والفرنسي بشكل خاص للعديد من رموزه؛
― ارتكاز قاعدته الانتخابية إلى منطقة جغرافية محددة: منطقة القبائل، المعروفة تاريخيا بتمردها على السلطة المركزية، ونظرا لخصوصيتها العرقية واللغوية والجغرافية فقد شكل الحزب هُوية سياسية للمنطقة؛
― الصيت التاريخي لزعيم الحزب شكّل وحدة معنوية للحزب ساهمت في صموده في وجه محاولات الإيقاع والتشتيت التي تشن ضده. هذه المعارضة من المغضوب عليها سياسيا ولا نصيب لها ضمن مباهج السلطة، زيادة على محاصرتها الدائمة وجعلها ذات بعد جهوي ضيق النطاق.

الدرس المستفاد من التجربة التاريخية للعبة السياسة في الجزائر والذي يمكن إسقاطه بدرجات متفاوتة على بلدان أخرى هو كيفية تحويل الطبقة السياسية إلى طبقة اجتماعية تحكمها عقيدة النهب وثقافة المغانم، لها امتيازاتها ومصالحها المرتبطة عضويا بتماسك النظام واستمراريته، وبالتالي فأيّ محاولة للتغيير من خارجه تكون خطيرة على هذه الطبقة، وأقصى ما تقع المطالبة به "ثورة داخل القصر" تضبط التوازنات والمصالح بطريقة أكثر "عدلا"، وهذا سر انحياز الطبقة السياسية للسلطة في محاربتها للحركة الاحتجاجية.
جدل الاجتماعي والديمقراطي

لفهم ظاهرة الإضراب لابد من وضعها ضمن إطارها السياسي لأنّ الفعل النقابي لا يمكن أن يؤتي ثماره إلا إذا سُيّس أي حُددت مضامينه وأهدافه السياسية، لأنه يعكس حركة المجتمع التاريخية لافتكاك الحقوق وتجسيد الكرامة الإنسانية رغم أنّ الظاهر مطالب مهنية اجتماعية ولا علاقة لها بالسياسة. النشاط النقابي والنشاط السياسي خطان متوازيان، فلكل مبادئه وأفكاره ونضالاته واستراتيجيته، لكن الحياة الاجتماعية ليست المكان الهندسي بالمفهوم الإقليدي وإنما بالمفهوم الريماني، أي ستحدث بينهما نقطة تقاطع وإن شئت تصادم.

كل نظام سياسي يستمد مبرّر وجوده واستمراريته من كونه الضامن الوحيد للأمن والرخاء أي العيش الكريم. والفعل النقابي يعتبر نفسه الضامن الوحيد لتجسيد هذا العيش الكريم واستمراريته، وهكذا يبدأ التنافس، فيجد النظام السياسي نفسه في مواجهة قوة اجتماعية غير مسيسة ظاهريا ويجد التنظيم النقابي نفسه في مواجهة قوة سياسية غير اجتماعية ظاهريا. إذا أردنا أن نفهم التقاطع النقابي والسياسي في الجزائر فعلينا الرجوع إلى ما بعد أحداث أكتوبر محاولين وضع تراتب انتقائي للحوادث.

1― 5 أكتوبر 1988، الانسداد السياسي والاقتصادي للنظام يدفعه لتجديد ذاته، فيخرج الصراع بين الأجنحة المختلفة من كواليس السلطة إلى الشارع، وتفلت الأحداث من أيدي صانعيها لتتحول إلى مأساة خلفت عشرات القتلى والجرحى ودفعت الجيش إلى الواجهة؛

2― أسفرت أحداث أكتوبر عن انتصار أنصار الانفتاح، وتعزّز موقع الإصلاحيين في السلطة مع وصول مولود حمروش إلى رئاسة الحكومة وعبد الحميد مهري إلى أمانة جبهة التحرير الوطني اللذين عملا تحت إشراف الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد على فتح أبواب التعددية على مصراعيه أمام العمل السياسي والإعلامي والنقابي؛

3― فجّر الانفتاح سالف الذكر طاقات سياسية وإعلامية وشعبية هائلة أزعجت بعض الأجنحة في السلطة (قيادة المخابرات والجيش مدعّمة بغلاة العلمانيين) حيث عملت على إجهاض التجربة الوليدة على مرحلتين:

ألف― أحداث جوان 1991 والإطاحة بمولود حمروش؛
باء― إلغاء الانتخابات التشريعية والإطاحة بالرئيس الشاذلي بن جديد في ديسمبر 1991.

4― منذ إلغاء المسار الانتخابي إلى وصول عبدالعزيز بوتفليقة إلى سدة الرئاسة سنة 1999، مرت الجزائر بتجربتين مريرتين:

ألف― الحرب القذرة التي خلفت مئات الآلاف من القتلى والجرحى ودمار هائل أخّر عجلة النمو لسنوات؛
باء― اتفاقيات إعادة الجدولة مع صندوق النقد الدولي وآثارها الكارثية الاقتصادية والاجتماعية.

5― مع وصول عبد العزيز بوتفليقة إلى السلطة واستمراريته فيها لعهدتين، وبغضّ النظر عمّا شابها من صراع بين أجنحة السلطة حول الصلاحيات والمغانم إلا أنّ الهدف كان واحدا لدى جميع مكونات النظام:

ألف― الحيلولة دون ظهور طبقة وسطى لأنها تشكل الأساس الاقتصادي والاجتماعي لحياة ديمقراطية حقيقية. وكمثال بارز على ذلك يمكننا ذكر أرقام أوردها البنك الوطني الجزائري وهي تتحدث عن العلاقة بين كتلة الأجور للوظيف العمومي (الطبقة الوسطى) ونسبتها للدخل الوطني:

― تمثّل كتلة الأجور في الجزائر 12% من الدخل الوطني؛
― تمثّل كتلة الأجور في المغرب الأقصى 20% من الدخل الوطني؛
― تمثّل كتلة الأجور في تونس 30% من الدخل الوطني. وهذا يعني أنّ الدولة الأكثر ثراء هي التي تمثّل أجور موظفيها الأكثر تدهورا. هذه الأرقام والمعطيات هي نتاج إستراتيجية ثابتة تمنع إيجاد حياة سياسية ديمقراطية فعلية.

باء― منع بروز النخب السياسية والثقافية والنقابية المرتكزة إلى قاعدة اجتماعية عريضة والمنبثقة من الطبقة الوسطى التي تملك بحكم وظيفتها وطبيعة تكوينها الإمكانيات والفراغ لخوض معركة المستقبل واستحقاقاته الصعبة في الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وبالتالي فإنّ معركة تحسين الأوضاع الاجتماعية والمهنية التي تخوضها مختلف النقابات المستقلة (التربية، الطب، التعليم العالي) هي معركة بعث الطبقة الوسطى اجتماعيا والمعركة الاجتماعية للديمقراطية سياسيا.

آفاق المعركة

مع ضمور الحراك السياسي بدأ المد النقابي يملأ الفراغ، لكن حركته حذرة جدا ومحدودة ومطالبه لم تصل إلى مستوى ينذر بإعادة هيكلة لتوزيع الريع النفطي بشكل أكثر عدلا، ولعل هذا يعود إلى أمرين:

1― مرونة النظام وقدرته على امتصاص الأزمات في أوانها والتراجع متى دعت الضرورة إلى ذلك في إطار إبقاء الحركة الاحتجاجية ضمن أهدافها المهنية والاجتماعية البسيطة دون أن يسمح لأحد باستثمارها أو تسييسها؛

2― لم تسفر التحركات النقابية المستقلة عن محاولات جدية لتوحيد الجهود ضمن إطار أكثر اتساعا يمكنه أن يشكل قوة فعلية تقوم بصياغة تصورات ووضع استراتيجيات تجعل مطالبه أكثر نضجا وأفضل تعبير عن مطالب المجتمع وحاجاته الفعلية للعيش الكريم أي تحوله إلى شريك اجتماعي فعلي في وضع السياسات التنموية.

فرحات عباس – باحث في الشؤون المغاربية
7 أبريل 2010









 


رد مع اقتباس
قديم 2016-01-09, 00:07   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
BOUTAHAR ABDELLATIF
مشرف منتدى الانشغالات النقابية واقوال الصحف
 
الصورة الرمزية BOUTAHAR ABDELLATIF
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا جزيلا لك الأخ حمائيس 7 على رفع هذا التحليل الواسع والمعمّق للمراحل التاريخية للنضال النقابي في بلادنا في السنوات الماضية .ولكن يا حبّذا لو نقلت منه مقتطفات مقتضبة ليتيسّر على الزملاء قراءته في مجمله - أنت تعلم حتما أنّ زملاءنا - مع الأسف - لا يلتزمون بقراءة المواضيع المطوّلة - وهذا يحرمهم من الإستفادة من كثير ممّا هومفيد بهذه المواضيع القيّمة -

لنا عودة إن شاء الله للنقاش في محتوى ما عرضه الكاتب في هذا العرض القيّم . .










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
النقابات, ياقادة, صوموا, كونوا


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 02:36

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc