نشأة الفكر الصّفويّ

سعيد هرماس · 2016-10-20, 20:38

نشأة الفكر الصّفويّ

بسم الله، و الصّلاة و السّلام على رسول الله، و على آله و صحبه و من سار على هُداه، ثمّ بعد :

يُرجع أهل التّاريخ و السّير و المذاهب، نشأة الفكر الصّفويّ إلى إسحاق صفيّ الدّين جبريل الأرْدبيليّ، المُتوفّى 1334 م، الّذي عاش أوّل حياته، بعد ما تلقّى العلوم الشّرعيّة و النّقليّة، على الطّريقة الصُّوفيّة الزّاهديّة، و كانت خليطا بين التّصوّف و التّشيّع، ثمّ نقل هذه الطّريقة من وظيفتها الاجتماعيّة، و جعل منها حركة دينيّة سياسيّة. و قد اُختلف في أصله، هل هو فارسي ؟ أم تُركماني ؟ أم عربي ؟ أم كُردي ؟.
و قد آتت هذه الحركة ثمارها، سنة 1501 م، عندما تأسّست الدّولة الصّفويّة في تبريز بأذربيجان، على يد إسماعيل بن حيدر بن الجُنيد بن يعقوب بن إبراهيم بن إسحاق صفيّ الدّين بن جبريل الأرْدبيليّ، بدعم من اليهود و الفُرس (أصحاب الفكر الشُّعوبي، و الفكر المغولي) و قبائل التُّركمان المغوليّة، الّتي كانت تعيش بالأناضول ؛ أصحاب الطّرابيش، أو القلانس الحمراء. و كان عُمره إذ ذاك أربعة عشر عاما، و توفّي بداء السُّلّ، و عُمره سبعة و ثلاثون عاما، سنة 1524 م. و قد فرض المذهب الشّيعي الاثني عشري بالقوّة في إيران، سنة 1507 م، الّتي كانت ـــ قبلها ـــ كُلّها على المذهب السُّنّي (الشّافعي و الحنبلي)، و الشّافعي هو الغالب، مُدّة عشرة قُرون، أو تسعة قُرون و بضع سنين، و سُكّانها خليطٌ بين التُّركمان و العرب و البلُوش و الفُرس، و الأكثر فيها هُم التُّركمان. ثمّ دخل بغداد سنة 914 هـ / 1508 م، و فعل بأهلها ما لم يفعله هُولاكو ؛ قتل، و نبش القُبور، و حرق العظام، و جعل من ساحة عبد القادر الجيلاني البغدادي الحنبلي إسطبلا، و قد لُقّب بإسماعيل شاه. و هُنالك فرقٌ بين شاه فُلان، و فُلان شاه ؛ فالأوّل مرتبة مع الشّرف، و الثّاني مرتبة دون الشّرف، و الشّرف هو النّسب إلى آل البيت الأطهار.

ثمّ جاء من بعده ــــ بعد مُدّة ـــ عبّاس الأوّل، سنة 1588 م، الّذي وُلد سنة 1571 م، و تُوفّي سنة 1629 م، و أعاد بناء الدّولة الصّفويّة، بعد ما انهارت، و تحالف مع الغرب (انجلترا و أسبانيا و البُرتغال)، و وقّع مُعاهدة سلم مع العُثمانيين، و بنى شبكة عمرانيّة قويّة و واسعة في إيران، و متّن الحركة التّجاريّة بها، و أسّس جيشا مُواليا له تماما ؛ يمتثلون لأوامره، و يُنفّذونها حرفيّا، و أنشأ دولة مركزيّة بدل (خلاف) الدّولة الفوضويّة، الّتي ورثها من أبيه، و بدأ في زمانه ظُهور المدّ الفارسي بقوّة، و خُفوت المدّ العربي، و هو أوّل قائد صفويّ يتكلّم اللّغة الفارسيّة، الّتي أصبحت هي الغالبة بإيران.
ثمّ توجّه إلى أفغانستان، و سيطر على نصف قُطرها، أو أكثر، و في سنة 1624 م، دخل بغداد، و قام بأعمال شنيعة و مُنكرة ؛ فدمّر قبر أبي حنيفة، و قبر الجيلاني، و حوّلهما إلى مزابل، و قتل و عذّب الآلاف، من أهل بغداد، و مثّل بعُلماء السُّنّة ؛ فقطع أُنوفهم و آذانهم، و أعطاها لعوام السُّنّة، و أمرهم بأكلها، و من يرفض يقتله....... و أكثر من ذلك، أعلن سبّ الخُلفاء الثّلاثة علنا، و على منابر المساجد، و فتح باب التّبشير بإيران ؛ لأجل فوائد اقتصاديّة ــــ بزعمه ــــ و حاول ــــ عبثا ــــ أن يُقنع الإيرانيين بعدم الذّهاب إلى مكّة، أثناء الحجّ، و كان يُعاقر الخمر، مع النّصارى، و جرائمه كثيرة، لا تحملها الكُتب الطّوال، فعليه من الله ما يستحقّ.

و من أحيا الفكر الصّفويّ في هذا العصر، هو الخُميني الرّافضي، و أحيا معه فكرة ولاية الفقيه من جديد، الّتي كان أوّل ظُهور لها، سنة 1536 م، و قال بعضهم كانت قبل ذلك بكثير، سنة 260 هـ / 874 م، عند وفاة حسن العسكري، أحد الأئمّة المعصومين، عند الشّيعة الاثني عشريّة. و ظهر معه مُصطلح المُلّا، و هو مرتبة تُعطى للعالم، الفارسي الأصل، الاثني عشري (الرّافضي) ؛ الّذي يلعن الصّحابة جميعا، و يرفض خلافة الشّيوخ الثّلاثة الأُول، و له حقّ ولاية الفقيه، و أمره مُطاعٌ بين النّاس..... و هذا أمرٌ خطير جدّا.

و هُنا فائدة يُستحسن جلبها إلى هذا الموضع، و هي أنّ مرجعيّة النّجف بالعراق، لم تدعم الدّولة الصّفويّة أبدا، مُنذ تأسيسها إلى يوم النّاس هذا، و هي باقية على الحياد، و كلّ المذاهب المعروفة بالعراق، سواء السُّنّية و هي أربعة، و أو الشّيعيّة و هي ثلاثة بريئة من هذا المذهب العفن الخطير. و الشّيعة العراقيون جُلّهم على التّشيّع الخفيف، إلّا من اعتنق منهم المذهب الاثني عشري الرّافضي، و ما شاكله ..... لكنّ الصّفويين الجُدد دخلوا بغداد بعد احتلالها، سنة 2003 م، من طرف الأمريكان، و من أعانهم، و انهيار نظام صدّام حُسين (رحمه الله رحمة واسعة)، و فعلوا بها و بالعراق جميعا الأفاعيل، و ليس بمُستغرب عنهم (منهم) فعل ذلك ؛ فقد فعل أجدادهم مثل ذلك، أو أكثر.

و الله ولي التّوفيق، و صلّى الله و سلّم على سيّدنا مُحمّد و على آله الطّيّبين و صحابته الكرام الميامين جميعا.

هوامش

1 ـ الشّيعة خلافهم مع أهل السُّنّة ، كان في بدايته ذا طابع سياسيّ ، ثمّ تبلور و صار خلافا عقديّا و منهجيّا، و عند قراءتنا لهذا الخلاف نجده خلافا جوهريّا ، و قد يكون خطيرا في بعض المسائل. و الشّيعة ليسوا سواء ، فيهم المُعتدلون و فيهم المُغالون ، و هم اثنتا عشرة فرقة، أشدّها غُلواء غُلاة الرّوافض، وأقربها إلى وُجوه الحقّ الزّيديّة، كما ذكره المُحقّقون في علم العقائد و الكلام ، و هم أيضا على فرق ( مُغالون، و مُعتدلون)، و هم كثرة باليمن ـ كما نعلم ـ وفيهم عُلماء و صالحون و فُضلاء، و أمّا الحُوثيون ـــ في الجُملة ـــ فهم روافض . و المُغالون من الشّيعة ، لهم مُخالفات عديدة ، عقديّة منها و منهجيّة ؛ أدناها موقفهم المُتباين بين الطّعن و السّبّ و التّحدّث بسُوء في صحابة رسول الله ( صلّى الله عليه و سلّم) ، وهو أمر ـــ في أقلّ الأحوال ـــ يدعو إلى الرّيبة و الشّكّ . قال الإمام أحمد ( رحمه الله ) : ( إذا رأيتم الرّجل يتكلّم في صحابة رسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم ) فاعلموا أنّه صاحب هوى . ) اهـ ، و قال القُرطبي ( صاحب التّفسير ) : (نعتقد أنّ الصّحابة ( رضي الله عنهم ) لا يتعمّد أحدهم الخطأ قطّ . ) اهـ . ناهيك عن أنّ منهم من يقول بالتّقيّة و الإمامة و العصمة و الرّجعة ، و بتحريف القُرآن ، و غيرها من الأباطيل . و لا حول و لاقُوّة إلّا بالله .
2 ـ و يصلح من شاكله .

و كتب أبو مُحمّد سعيد هرماس