نرفض أن نحاكم أي مواطن بأي تهمة متعلقة بالتظاهر السلمي...هكذا كانت الجملة الملحمية التي صدرت عن أصحاب الجبة السوداء,ممثلين عن ثالث سلطة دستورية في البلاد في مشهد درامي حين تأييدهم للحراك الشعبي..جملة رنانة سحرت الكثيرين و زادت المحتجين قوة و صمودا,لكن وفي ذات اللحظات كانت السلطة الفعلية تحول عشرات النشطاء والسجناء إلى مجلس قضاء تيبازة أين كانت زوجة أحد أهم أعمدة السلطة القائمة حاليا تصدر الأوامر بدل الأحكام و تحتكم للمصالح بدل القوانين..صورة مصغرة هي عن قضاء مريض أنهكته سياسة "التيليفون" حيث أصبح حق التمييز لدى القاضي مساحة لعب إضافي تتيح لبعض ضعاف النفوس (و ما أكثرهم للأسف) تتيح لهم فرصة التلاعب والتحايل على القانون و تمرير أهواء شخصية لمن يرفع السماعة أولا...إن الاستمرار في سياسة الاعتقالات ضد النشطاء مهما كان انتماؤهم و محاكمتهم بناءا على الرأي السياسي يعد نذير شؤم يحاكي ما قد يصادف الشعب مستقبلا في حال نجاح النظام في سياسة الاحتواء التي يمارسها ضد الحراك...حيث يتجلى أمامنا للأسف الشديد واقع أن لا شيء تحرر غير الشارع والمواطن البسيط الذي كسر حاجز الخوف,الإعلام و قناة اليتيمة مثلا في نشرة الثامنة ساعة الذروة ستضيف خبيرا قانونيا يقرأ مقالا إنشاء طويل وممل حول تأويلات المادة السادسة و الفتاوى المتعلقة بها و يحاول في مقالته التي تفتقر لأي من مكونات المنطق أو الموضوعية يحاول ما يسمى بالخبير عبثا يحاول تبرير اعتقال أشخاص رفعوا راية ما...والصحفي بدل أن يوجه سؤالا طرحه الأحرار من القانونيين "هل يوجد نص يجرم حمل أي راية في اطار ثقافي أو رياضي" اختار الصحفي الدخول الى الصف عبر الاستماع دون نقاش أو توجيه أسئلة,والقضاة بدل أخذ زمام المبادرة على الأقل في فتح الملفات على المستوى المحلي يطاردون الوهم عبر انتظار ما يمليه صاحب "التيليفون" أو في حالتنا صاحب "التلكي ولكي-جهاز الإرسال الأمني"...ان التحرر طريق طويل و متعب و شاق من الكفاح والنضال لكنه لا يأتي عبر وقفات وصراخ أو صورة عبر فايسبوك لا يهمنا كل هذا بقدر ما يهمنا لو تشجع صحفي نشرة اليتيمة مثلا و عجز ما يسمى بالخبير القانوني أو لو تجرأ رئيس تحرير قسم الأخبار و نقل الصور و كل الشعارات التي رفعت في الحراك دون قص أو لصق,أو لو تشجع قاضي معسكر و أعاد محاكمة المواطن حاج غرمول و أخلى سبيله....ولو تشجع النائب العام في ولاية عنابة وحرك الدعوة العمومية ضد من تورط في قتل والي سابق و ضد البرلماني ناهب المال العام,لأن تحرر الإعلام و تحرر القضاء لا يأتي عبر الشارع...حناجرنا بحت و نحن نقاوم النظام و سياساته التسلطية منذ بداية الحراك وقبله..الأمر تطلب شجاعة ففي كل جمعة نخرج لمواجهة المجهول لا ندري إن كنا سنكون ضحايا قمع أو اعتقال أو اعتداء بل نخرج ولا يهمنا أي من هذا ونعود مساءا بقوة و عزيمة و تصميم أقوى من ذي قبل...لكن حبذا لو يبدأ القضاة والولاة و رؤساء البلديات والصحفيين و الجميع بأخذ خطوات ثابتة شجاعة نحو طريق الحرية..إني أراهن أن من يتجرأ من القضاة ويرفض العصابة و بقاياها يرشح نفسه ليكون قطبا مركزيا في بناء القضاء الحر المستقل عند بناء الدولة الديمقراطية المنشودة,لكن هيهات بعض الناس يرضى الذل والمهان على أن يأخذ سبيل الشجاعة والكرامة..تصبحون على قضاء عادل وإعلام مستقل