ولقد كان -صلَّى الله عليه وسلَّم-يُقبل على القرآن في هذا الشهر إقبالاً خاصًّا، فكان يتدارسه مع جبريل-عليه السلام-كلَّ ليلة؛ إذ قال عبدُ الله بن عباس-رضي الله عنهما-: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ)) رواه البخاري (6) واللفظ له، ومسلم (2308).
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي-رحمه الله-في كتابه «لطائف المعارف» (242-243):
دلَّ الحديثُ على استحباب دراسة القرآن في رمضان، والاجتماع على ذلك، وعَرْض القرآن على مَن هو أحفظ منه، وفيه دليلٌ على استحباب الإكثار من تلاوة القرآن في شهر رمضان.اهـ
وقال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ في كتابه “فضائل القرآن”(ص37):
ولهذا يستحب إكثار تلاوة القرآن فى شهر رمضان، لأنه ابتدئ بنزوله, ولهذا كان جبريل يعارض به رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في كل سنة في شهر رمضان، ولما كانت السنة التي توفي فيه عارضه به مرتين تأكيداَ وتثبيتاً.اهـ
ولقد كان لسلفكم الصالح-رحمهم الله-مع القرآن في هذا الشهر الجليل شأنًا عظيمًا، وحالاً عَجَبًا؛ فقد كانوا يُقبلون عليه إقبالاً كبيرًا، ويهتمُّون به اهتمامًا متزايدًا، ويتزوَّدُون من قراءته كثيرًا.
فقد صحَّ عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه: ((أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي رَمَضَانَ فِي ثَلَاثٍ)) رواه القاسم بن سلام (234) والفريابي (132) في كتابيهما «فضائل القرآن»، وسعيد بن منصور في «سننه» (150 قِسمُ التفسير).
وصحَّ عن إبراهيم النخعي-رحمه الله-أنه قال: ((كَانَ الْأَسْوَدُ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي كُلِّ لَيْلَتَيْنِ)) رواه أبو عبيد (235) والفريابي (141) في كتابيهما «فضائل القرآن»، وسعيد بن منصور في «سننه» (151قِسمُ التفسير).
وأخرج عبد الرزاق في «مصنفه» (5955) عن الثوري عن مغيرة عن عمران عن إبراهيم النخعي: ((أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي رَمَضَانَ فِي كُلِّ ثَلَاثٍ، فَإِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ قَرَأَهُ فِي لَيْلَتَيْنِ، وَاغْتَسَلَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ)).
وكان الإمام الشافعي-رحمه الله-يختمه في كلِّ يومٍ وليلة من شهر رمضان مرتين.
وكان الإمام البخاري-رحمه الله-يقرأ في كلِّ يومٍ وليلة من رمضان ختمةً واحدة.
وكيف لا يكون هذا هو حال السَّلف الصالح-رحمهم الله-مع القرآن العزيز، ورمضانُ هو شهر نزوله، وشهر مدارسة جبريل-عليه السلام-له مع سيِّد الناس-صلَّى الله عليه وسلَّم-، وزمنه أفضل الأزمان، والحسنات فيه مضاعفة متزيدة.
وقد صحَّ عن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-أنه قال: ((تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يُكْتَبُ بِكُلِّ حَرْفٍ مِنْهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَيُكَفَّرُ بِهِ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ، أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ: ﴿ الم ﴾ وَلَكِنْ أَقُولُ: أَلِفٌ عَشْرٌ، وَلَامٌ عَشْرٌ، وَمِيمٌ عَشْرٌ)) رواه ابن أبي شيبة (29932)، وأحمد في «الزهد» (1825)، وأبو عبيد (21) والفريابي (57) في كتابيهما «فضائل القرآن».
وثبت عن عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما-أنه قال: ((مَا يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ إِذَا رَجَعَ مِنْ سُوقِهِ أَوْ مِنْ حَاجَتِهِ إِلَى أَهْلِهِ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ فَيَكُونَ لَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ)) رواه ابن المبارك في «الزهد» ( 807).