التداولية ومنزلتها في النقد الحديث والمعاصر - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الثّقافة والأدب > منتدى اللّغة العربيّة

منتدى اللّغة العربيّة يتناول النّقاش في قضايا اللّغة العربيّة وعلومها؛ من نحو وصرف وبلاغة، للنُّهوضِ بمكانتها، وتطوير مهارات تعلّمها وتصحيح الأخطاء الشائعة.

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

التداولية ومنزلتها في النقد الحديث والمعاصر

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2009-12-29, 13:23   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عاشق العفة
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية عاشق العفة
 

 

 
الأوسمة
موضوع مميز 
إحصائية العضو










Icon24 التداولية ومنزلتها في النقد الحديث والمعاصر


التداولية ومنزلتها في النقد الحديث والمعاصر

للأمانة منقول عن نسيم السحر


بقلم الأستاذ : رخرور أمحمد ـ الجزائر

ما هي التداولية ؟ :
تسعى التداولية لأن تتجاوز حدود الخطاب لتصير نظرية عامة للفعل والنشاطالإنساني، شغلها الشاغل إنما هو دراسة اللغة في المقام ، الذي يهتم بما يفعلهالمستعملون بالألفاظ .
وتذهب الدراسات إلى أن"شارل ساندرس بيرس"·1839ـ1914هو أولمن ابتكر كلمة "البراجماتية"، وذلك في مقالته الشهيرة"كيف نجعل أفكارنا واضحة ؟" . و مما جاء فيها : ÷ لكي نبلغ الوضوح التام في أفكارنا من موضوع ما ، فإننا لا نحتاجإلا إلى اعتبار ما قد ترتب من آثار يمكن تصورها ذات طابع عملي ، قد يتضمنها الشيءأو الموضوع... ×([1]) .
كما يعد "شارل موريس" أول من بادر إلى إرساء تعريفمقصود لمصطلح "التداولية" ؛ وخلاصة هذا التعريف هي أنها دراسة علاقة العلاماتبمستعمليها ، أي دراسة اللغة أثناء ممارستها إحدى وظائفها الإنجازية والحواريةوالتواصلية . وقد عدّها جزء من السيميائيات ، وذلك لمّا أقرّ بأن للسيميائيات ثلاثةفروع هي :
ـالتركيب النحوي : ويُعنى بدراسة العلاقاتالشكلية بين العلامات .
ـ الدلالة وهي دراسة علاقات العلامات فيما بينها وبينالأشياء ، أي ارتباطها بالمعنى .
ـالتداولية : وهيدراسة ارتباط العلامات بمؤوليها أي بمستعمليها .
وينعت كل من "غرين"1989Green و "بليكومور"1990Blikmore التداولية بأنها فهم اللغة الطبيعية . وهي عند "الجمعيةالعالمية للتداولية" نظرية للتبني اللساني . ويرى "فارسشيرن"1987Werschueerenأن علىالتداولية أن تمعن الفكر أكثر في استعمالات اللغة من كل جوانبها . في حين هي عند "فرانسواز ريكانتي" فرع من دراسة استعمال اللغة في الخطاب .
وفي نظر مؤسسالتداولية ـ تداولية أفعال الكلام كما يحلو للبعض تسميتها ـ الأول "جون أوستين"·· أن وظيفة اللغة لا تقتصر على نقل وإيصال المعلومات وإرسالها . أو التعبير عما يجولفي خواطرنا من أفكار ، وما يجيش في صدورنا من مشاعر وإظهارها . وإنما يجب أن تضطلعاللغة ـ وهو أمر موافق لطبيعتها ـ بتحويل ما يبدر من أقوال ، في إطار ظروف سياقية ،إلى أفعال ذات سمات اجتماعية .
والتداولية عند كل من "أ.م.ديلر" و"ف.ريكاناتي"هيدراسة تهتم باللغة في الخطاب ، وتنظر في الوسميات الخاصة به ، قصد تأكيد طابعهالتخاطبي .
وما يمكن أن نخرج به من كل هذه التعريفات ، هو تكرار الألفاظ (اللغة، المستعملين ، السياقات ، الخطاب ، التخاطب ، المخاطب ، أفعال الكلام ...) . وبتجميع هذه الألفاظ ، نستطيع تكوين فكرة شمولية عن معنى التداولية ووظيفتها .
فهي مبحث لساني يدرس الكيفية التي يصدر ويعي بها الناس فعلا تواصليا ، أو فعلاكلاميا غالبا ما يأتي في شكل محادثة . كما أنها تهتم بالبحث عن الأسباب التي تتضافرلتؤدي إلى نجاح المتحاورين أثناء إجراء المحادثة أو التخاطب .
فالتداولية ـ علىما يبدو ـ علم يهتم بعلاقة اللغة بمستعمليها ، هدفه إرساء مبادئ للحوار ، في علاقتهالوثيقة مع المقام الذي ينتج فيه الكلام . ومن هذه التحديدات يعنّ لنا أن التداوليةتخصص لساني يحدد موضوعه في المجال الاستعمالي ، أو الإنجازي لما نتكلم به ؛ ويدرسكيفية استعمال المتكلمين للأدلة اللغوية أثناء حواراتهم ، وفي صب أحاديثهم ، وفيخضم خطاباتهم . كما يعتني هذا التخصص بكيفية تأويل مستعملي اللغة لتلك الخطاباتوتلك الأحاديث ، كما ويهتم أيضا بمنشئ الكلام (الخطيب ، المتكلم) ، وكذا السياق .
ويقدم الدكتور "مسعود صحراوي" تعريفا واضحا للتداولية في كتابه القيم "التداولية عند العلماء العرب" ، وذلك بعد أن يُلف الانتباه إلى أن ميدان النقدوالدراسات اللسانية لم يصبح حكرا على التيارين البنيوي والتوليدي وحسب . بل إنالساحة النقدية صارت تعج بالنظريات والمفاهيم اللغوية المتباينة ، والتي تمخّض عنهاميلاد عدد من التيارات اللسانية . ثم يعوج على التيار التداولي بقوله :÷وهو مذهبلساني يدرس علاقة النشاط اللغوي بمستعمليه ، وطرق وكيفيات استخدام العلامات اللغويةبنجاح ، والسياقات والطبقات المقامية المختلفة التي ينجز ضمنها "الخطاب" ، والبحثعن العوامل التي تجعل من "الخطاب " رسالة تواصلية "واضحة"و"ناجحة" . والبحث فيأسباب الفشل في التواصل باللغات الطبيعية...×([2]).
وفي معرض حديث الدكتور عنالفرق الجلي بين المنهج البنيوي والمنهج التداولي، يوصّف التداولية بأنها: ÷...ليستعلماً لغوياً محضاً بالمعنى التقليدي ، علماً يكتفي بوصف وتفسير البنىاللغوية ويتوقف عند حدودها وأشكالها الظاهرة ، ولكنها علم جديد للتواصل يدرسالظواهر اللغوية في مجال الاستعمال ؛ ويدمج من ثمّ مشاريع معرفية متعددة في دراسةظاهرة " التواصل اللغوي وتفسيره"×([3]) .
إن التداولية إذا تخصص لساني يدرسكيفية استخدام الناس للأدلة اللغوية في صلب أحاديثهم وخطاباتهم ، كما يعنى هذاالتخصص من جانب آخر بكيفية تأويلهم لتلك الخطابات والأحاديث . ومن هنا جز لنا القولإن اللسانيات التداولية إنما هي لسانيات "الحوار" أو"الملكة التبليغية" compétence de communication ، والتي تقابل الملكة اللغوية الصرفة عند "تشومسكي" .
وبالاستناد إلى هذه التعريفات تغدو التداولية العلم الذي يدرس الأفكار والمعانيوالألفاظ والمفاهيم والإشارات ، وكل ما له علاقة بالاستعمال اللغوي . وبعبارة جامعةنقول إن التداولية هي أداة للتفسير والنقد معا ، تبدو قيمتها في اعتبارها وسيلةمعرفية نلجأ إليها لتعيننا على فهم ومعرفة وتمييز هل أن ما نبحث فيه له قيمة ومعنىأم ليس له ذلك ؟ .كما أننا نتمكن بواسطتها من قياس درجة الصحة والخطإ في المواضيعالتي ندرسها . ثم هل هي جديرة بان تأخذ منا الجهد والوقت في البحث عن خصائصها أم لا ...؟ .
التداولية في النقد الحديث والمعاصر :
إن التيار التداولي حقل لسانيتبلور في السبعينيات من القرن الماضي ، وهو العلم اللغوي الأحدث بين بقية العلوماللغوية الأخرى . فهو نظرية نقدية لمّا يكتمل بناؤها بعد ، استمد قوته من ميداناهتمامه ، حيث اهتمّ بدراسة أفعال النطق التي ظلت ردحا من الزمن مغيبة عن الدراسةوالتحليل ، بداعي وجود حواجز وهمية بين اللغة والكلام ، بين الدلالة والاستعمال . لذلك فإن أساس التداولية قائم على رفض ثنائية "دي سوسير" الشهيرة ، اللغة / الكلام langue/parole ، والتي مفادها أن اللغة وحدها دون الكلام جديرة بالدراسة العلمية ،وجديرة باهتمام اللسانيين . في حين تهدف التداولية إلى دراسة العلاقات الموجودة بيناللغة ومتداوليها من الناطقين بها . فكان أن حملت على عاتقها مهمة تحليل عملياتالكلام ، ووصف وظائف الألفاظ اللغوية ، وبيان خصائصها عند التواصل اللغوي .
عنالتداولية منهج للتحليل ينشد "الحقيقة الفعلية" في تناول الظواهر اللغوية ، أي يحللالوقائع ضمن صلتها بسياقاتها الفعلية التي ولدت في حضنها . ومن هنا وبالنظر إلىشساعة دائرة اهتمامات التداولية ، صارت نظرية صعبة التقنين وعصية الضبط ، فلا يمكنالنظر إليها على أنها مذهب نقدي مختص بأتم معنى الكلمة . فقد تأكد للمختصين في هذاالمجال أن الإحاطة بتعريف التداولية صعب ، وأن ضبط مناهجها عناء ، وأن حصر أهدافهامشقة . إلا أن هذا الوصف ينبغي أن يجعلنا نتقبل هذا المذهب بشيء قليل من الدهشةوالاستغراب ، خاصة إذا ما علمنا أن التداولية تخضع لهيمنة طائفة من التياراتالعلمية المختلفة ، تمس أسسها المنهجية ، بل وقد يتعدى الأمر إلى التشكيك في هويتهاكاختصاص لساني ، وفي ذلك يقول د/حسن يوسفي :÷ إن التداولية حقل لساني ملتبس ...(وتبدو) التباساته بحيث يصعب على المتتبع لتطور اللسانيات المعاصرة أن يعرفالحدود الفاصلة بين المجالات اللسانية المعروفة وبين التداولية . ويستعصى عليهبالتالي تحديد موضوع هذه الأخيرة ، وإبراز نماذجها النظرية وأجهزتها الإجرائية ×([4]) .
ومن جهتها تعترف الباحثة "كاترين كربرات أوركيوني"· بهذا الغموض الذييعتري حدود التداولية بقولها:÷هل يمكن القول أولا:التداولية أو التداوليات؟.هل هيتخصص أو ملتقى تخصصات مختلفة؟ ([5]). وعلى شاكلتها يقر "دو#### مانجينو" بصعوبةتحديد ماهية التداولية في كتابه "التداولية للخطاب الأدبي" Pragmatique pour le discours littéraire .
ولهذا تعد التداولية كدراسة علمية في حقل اللسانيات لايزال السؤال يطرح حول ما إذا تم تحديد ماهيتها كحقل لساني ،وقد انبثق عن هذاإشكاليات معقدة ، من مثل : ما هي حدود وفرضيات وأدوات التداولية ؟ ويأتي الجواب من "أرمونجو فرانسواز" بأن÷ الإجماع لم يتحقق بعد بين الباحثين فيما يخصّ تحديدفرضياتها ، ولا حتى فيما يخصّ مصطلحاتها . يلاحظ بجلاء ، على العكس من ذلك ، إلى أيحد تشكل ملتقى غنيا لتداخل الاختصاصات بين اللسانيين ، المناطقة ، السيميوطقيين ،الفلاسفة ، علماء النفس ، علماء الاجتماع ×([6]) .
وعلى الرغم مما يسجل منالتداخلات والالتباسات الناجمة عن علاقة التداولية بشتى العلوم ، فقد أمكن تعيينمجموعة من القضايا اللغوية التي هي محل اهتمام التداولية ، وتدخل في نطاق تخصصها . كما تم أيضا معرفة جملة من المسائل التي تشكل موضوعا لها . ومن ذلك محاولةالتداولية إيجاد الإجابة للأسئلة التي كانت محل قلق وإزعاج للمباحث اللسانيةالسابقة . ومن هنا تبدو قيمة البحث التداولي في كونه يسعى إلى الإجابة عن بعضالطروحات اللسانية السابقة ، من قبيل :
÷ ـ من يتكلم ؟ .
ـ من هو المتلقي ؟ .
ـ ما هي مقصديتنا أثناء الكلام ؟ .
ـ كيف نتكلم بشيء ، ونسعى لقول شيء آخر؟ .
ـ ماذا علينا أن نفعل حتى نتجنب الإبهام والغموض في عملية التواصل ؟ .
ـهل المعنى الضمني كاف لتحديد المقصود ؟×([7]).
إن هذه الأسئلة ، وغيرها مما هوعلى شاكلتها ، لهي محل إثارة فعلية لقضايا لغوية متعددة المرامي . تتم الإجابة عنهافي التداولية بصيغة تتماشى والطابع المتجدد والجدالي لهذا المبحث اللساني الذي يبدئالفكر ويعيد في المباحث والمواقف التي ميّزت الأبحاث اللسانية السابقة ، فيبعثبعضها من جديد ، ويطور بعضها الآخر .
وتقر الدراسات المهتمة بالنقد الحديث علىأن دراسة المعنى وعلاقته بموقف الكلام ، توجه جديد يحتل قمة اهتمامات التداولية . وللكلام جوانب كثيرة طالها مجال الدرس التداولي نجملها في : المخاطَبين والمخاطِبين، وسياق التفوه ، والفعل الإنجازي ، والتفوه بوصفه نتاجا . وقد نجم عن هذا الاهتمامالعام أن تفرعت عنه موضوعات كثيرة هامة ، تجتهد التداولية في معالجتها والبحث فيها، منها : المفردات التأشيرية ، والتضمينات المحادثية ، الاقتضاء ، والمعاني الحرفية، والمعاني السياقية ، وأفعال الكلام وتصنيفاتها ، وتحليل الخطاب ، وتحليل المحادثة ... .
وبالنظر إلى مباحثها ، تغدو التداولية بحق ÷ نظرية استعمالية ، حيث تدرساللغة في استعمال الناطقين بها ، ونظرية تخاطبية تعالج شروط التبليغ والتواصل الذييقصد إليه الناطقون من وراء الاستعمال للغة×([8]). وبفضل توجهاتها الجديدة هذه ،تحولت الدراسات اللسانية من مجال اللغة إلى مجال الأدب، ولذلك صارت تنعت بالتداوليةالأدبية ، والتي موضوعها دراسة النصوص وتحليلها .
وبعبارة أخرى أكثر وضوحاً ،فقد نقلت التداولية النص من الدراسات التي كانت منصبة على المستوى النحوي والدلاليوالمعجمي ، إلى المستوى التداولي ، حيث نلفي أن جهود المنشغلين في حقل النصوصالأدبية تركّز على مفهوم "التواصل" القائم على أساس الفهم والتأويل . هذا التواصلالذي كان محل اهتمام القراءة باعتبارها÷ تواصلاً يتحقق بين القارئ وموضوع القراءة ،فالوصفية النقدية في إطار عملية القراءة ، وظيفة تقوم على أساس السعي إلى تحقيقتواصل فعّال بين القارئ وموضوع القراءة . وكأي تواصل تحتاج عملية القراءة إلى أسبابلعناصر الموضوع المقروء ، وإحاطة بالعوامل الفاعلة فيه ، مثل السياق ، ومقاصدالكلام ×([9]) .
هذا التوجه الجديد حدا بالدراسات النقدية الحديثة إلى إحداثتحول في مضامينها أيضا ، فانتقلت بموجب ذلك من الاهتمام بمستويات الصياغة اللفظيةوالنصية إلى إيلاء الاهتمام بالحدث الأدبي وما يرتبط به من الاتصال الاجتماعي ، أيالتحول إلى العناية بالمستوى التواصلي ، وما يتعلق به من سياقات أو تحديدا سياقية . في حين كانت هذه الدراسات تهتم باللغة في مستوى النص كنظام ؛ ويعتبر بهذا بديلاًنقديا للنظريات الأدبية السابقة ، كلسانيات الجملة ، واللسانيات النسقية ،والأسلوبية ، والبنيوية ... .
إن هذا العلم الفتي ما فتئ يتطور منذ ظهوره إلىالآن ، حتى أضحى رافداً هاماً من روافد الدراسات اللسانية المعاصرة ، التي اهتمتبالتحليل التداولي الذي يتميز بالتداخل في الاختصاصات . وعليه فقد جاءت التداوليةلتناقض مفهوم الشكل الواحد للمعنى ، وتدعو إلى تقويض مبدإ الاعتداد بالملفوظاللساني كدليل وحيد ، أو كعامل فريد لبناء جمالية النص ، وتحليل بنيته وفقْهه منقبل المتلقي . وإنما يمكن لهذا القارئ أن يعيد إنتاج النص بواسطة فعل الفهموالإدراك ، بحيث صارت نظرية التلقي وجهاً من وجوه نظرية الأدب .
فجمالية التلقيلم تكتف بالاعتماد على الذاتية ومعطياتها ، ولا على قراءة الحدس ، وإنما عمدت إلىإشراك فعل الفهم ، والمقدرة العقلية الواعية ، واستثمار مرجعيات كثيرة ومتنوعة ،والتي من شأنها أن تساهم في إذكاء عملية التفاعل مع بنية النصوص وعبر علاقة حواريةمعه ، غرضها إمعان النظر أكثر في ما يعتري القارئ من ردود فعل وقت التلقي، واستقراءكيفية وقوفه بنفسه على حلقات المعرفة وطبقاتها.
وبهذا فإن جمالية القراءة تهدفإلى دراسة ميكانيزم التلقي بواسطة استثمار مقولات الفلسفات الذاتية والحقولالإجرائية الجديدة في تأسيس علم النص .هذا النص الذي من مميزاته أنه يقاوم فكرةاختزان معنى ما ، بقطع النظر أنه سطحي أو عميق ، إنما هو نص قائم منذ البداية علىتعددية المعنى ، تشكيلا وتلقياً ، وأن تحليله هو نشاط نقدي يستند إلى مفاهيم نظريةمتنوعة . أما قواعده فهي إجرائية تنزع إلى تنوع الركائز المنهجية التي يتبناهاالمحلل ، وهو يؤمن بهذه التعددية ، ويعترف بهذا الانفتاح ليتحاشى بذلك الزعم بالقولالفصل ، أضف إلى هذا كله ، الانفتاح على مداخل أخرى تداولية ، من نفسية واجتماعيةوسياقية ...إلخ .
إن المنظرين الأعلام الذين نظّروا لهذا العلم الجديد وأولهمالفيلسوفان "ج.أوستين"وتلميذه "سيرل"· ، ثم عالم الاجتماع "غوفمان" ، فالمتخصص فيدراسة الأعراق "غمبرز" ، فمدرسة "بالوألتو" ذات التوجه النفسي ، و"فيتغنشتاين"... كل هؤلاء كانوا من السباقين الذين ساهموا في إرساء قواعد التداولية ، يركزون على أنموضوع التداولية هو دراسة الظواهر اللغوية أثناء الاستعمال . ويلحون على أنه موكلإليها دراسة القصد الإخباري ، أو معنى الجملة ، ودراسة القصد التواصلي و معنىالمتكلم .وأما المقدرة على الإدراك وإنتاج فعل تواصلي ما فتدعى"القدرة التداولية" كما يسميها "كاسبر" 1997Kasper .
وما يمكن أن نستنتجه من كل ما تقدم ، هو أنالتداولية قد أولت أهمية بالغة إلى الجانب الاتصالي ، أي دراسة اللغة في علاقتهابمستخدميها . في حين ظلت الدراسات اللسانية الفارطة تستبعده ، واعتنت فقط بالتراكيبوالمعاني . وفي هذا الصدد نعثر في "دليل الناقد" على ما يؤكد هذا الكلام : ÷ وفيالطرح اللساني ، ركزت الذرائعية على ما أهملته اللسانيات . فإذا ركزت اللسانيات علىعلم التركيب وعلم المعاني ، فإن الذرائعية (...) ركزت على الجانب الاتصالي ، أيعلاقة الإشارة بمستخدميها . هذا الجانب ظل مستبعداً دائما من قبل اللسانيين الذينركزوا أبدا على جوانب القواعد الشكلية وميّزوها عن الاستخدام اليومي العادي (...) . حتى "نعوم تشومسكي" اتبع هذا النهج ، إذ سعى إلى استخلاص موضوع ألسني وعزله عنالاستخدام العام اليومي ، ليكون قابلاً للدرس العملي ، لكن ردود الفعل توالت حديثاًضد هذا الاستبعاد ، إذ يرى صحاب الذرائعية (أو التبادلية) أن اللغة لا يمكن أنتنعزل عن استخدامها وتنحصر في علمي النحو والمعاني ، بل إن الاتصال يلعب دورافاعلاً إذا أردنا أن نفهم حقيقة اللغة ×([10]) .
ومن آثار هذه التحول الجديد ،أن برز توجه جديد ، ممثلا في دراسات نقدية مغايرة ، تساير هذه التحول الداعي إلىالاهتمام بدراسة الأدب في علاقته الاتصالية وظروفه السياقية ؛ معلنة في نفس الوقتعن عقم الدراسات اللسانية التي أخرجت هذه العلاقة من دراستها .
ومن هذه الأعمالعلى سبيل المثال لا الحصر ، ما قام به "ستيفن ليفنسون" في مؤلفه الموسوم بـ : "pragmatique" ، والذي يعترف فيه بكل وضوح بأن ÷ نظرية علم المعاني لا تُعينناكثيراً على فهم اللغة ×([11]) .
وتماشياً مع هذا التطور الطارئ على الدراساتالأدبية الحديثة ÷ فقد ركزت الذرائعية على سمة الأدب الاتصالية انطلاقا من أنالاتصال عموماً لا يكتمل دون أخذ الأدب وسياقه في الاعتبار . كما أن دراسات الأدبلا تكتمل دون الأخذ في الاعتبار توظيف لأدب لمصادر الاتصال المختلفة . إن أبعاد هذاالطرح لا شك مثرية ، فالأدب لم يعد نصاً مغلقا أو بنية شكلية معزولة عن سياقها ، بلإن هذا الاتجاه أعاد إلى الدرس الأدبي الصلة القديمة بين الخطابة والشعرية . ولهذافإن الدراسة الذرائعية / التبادلية للأدب تسعى إلى اكتشاف التقنيات العلمية في النص (الإيحاء ، والافتراض المسبق ، والإقناع) ، وربطها بالقوى الخارجية في عالم الكاتب والقارئ ، مثل علاقات القوى والتقاليد الثقافية وأنظمة النشر والتوزيع والرقابة ،وهلم جرا . ويبقى التركيز في كل هذا على صلات الاتصال والتفاعل الخاصة والدقيقةالفعلية×([12]) .
وهذا الاستشهاد يسمح لنا بالقول ، إنه إذا كان علم التركيبيهتم بدراسة العلاقة بين العلامات في طار الجملة ، وإذا كان علم الدلالة ديدنهالبحث في العلاقة بين العلامات والأشياء . فإن التداولية في النقد الحديث تدخلتلجبر النقص الملاحظ في كلا العلمين ، بإهمالهما الجانب التواصلي ؛ فأخذت على عاتقهادراسة علاقة العلامات بمستعمليها ، واضعة لمنهجها مفاهيمه الخاصة به ، تلك المفاهيملم تكن ذات شأن من قَبلُ في فلسفة اللغة ، وفي اللسانيات البنيوية ،ولم تتوصل إلىمعالجتها بكيفية حاسمة . ذلك أن اللغة البشرية إنما هي خزان مقاصد ، وينبوع معاني ،ينهل منه الناس لتحقيق أغراضهم ، وقضاء مأربهم ، والإفصاح عن أفكارهم . و لا يتم كلذلك كله إلا بواسطة آلة التعبير عن المعاني في السياق المناسب ، وإن لم يكن هذا ،فما جدوى اللغة التي نتكلم بها إذا لم تكن حاملة للمعاني ، ومفسّرة لأحوال الناس ،ومفصحة عن مكنوناتهم ، ومحققة لأغراضهم ؟ .
التداولية : الظهور والمنشأ والتطور :
منقول تابع الجزء الثاتي.............بعد هذا الجزء








 


رد مع اقتباس
قديم 2009-12-29, 13:25   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
عاشق العفة
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية عاشق العفة
 

 

 
الأوسمة
موضوع مميز 
إحصائية العضو










افتراضي

التداولية : الظهور والمنشأ والتطور :
1 ـ الدراسات اللغوية : من البنيوية إلى التداولية :
مما هو معلوم أن البحوث اللسانية قد انصب اهتمامها على الدراسات اللغوية من جميع جوانبها ، وما تثيره هذا الدراسات من قضايا جوهرية على شاكلة : أصل اللغة ونشأتها وتطورها ... ولكن الذي غلب على هذه النظريات ، وهي تتناول اللغة بالدراسة والبحث، هو أنها تناولتها في جانبها الصوري الوصفي. كما أن كل دارس قد درس اللغة من وجهة نظر الأدوات المنهجية التي يوظفها في تحليله ذاك . وهذا يفسر طول عمر "المرحلة الوصفية" في القرن المنصرم ، هذا عامل . والعامل الثاني يتمثل في بطء تحول نظرة اللسانيات الشديد من التأمل الوصفي للظواهر اللسانية ، إلى الرؤية التفسيرية لهذه الظواهر .
ولذلك فلا نعجب إذا ما عثرنا على "الأدوات الوصفية" التي ما يزال بعضهم يستعين بها في الدراسات اللسانية . ولاسيما في وطننا العربي ، الذي عجز عن مسايرة تقدم العلوم اللسانية عند غيرنا من أمم أوربا ، وسيان في ذلك الشق النظري والشق المنهجي .
حينما ظهرت المدرسة البنيوية كان من مبادئها أنها دعت إلى تحليل العمل الإبداعي على أساس أنه آلة لتصنيع الأشكال اللغوية القابلة للتفكيك ، ثم إعادة التركيب والبناء ، ÷فالنص الإبداعي في نظرهم عبارة عن رقعة شطرنج قوامها المداخل المعجمية المرموقة وفق قوانين البنيوية ، أي علائقية ، باعتبار أن مفهوم البنية يقوم أساساً على العلاقات قبل أن يقوم على الكيانات المعزولة ×([13]). وفي زمن لاحق لهذه الدراسة، برز إلى الوجود مصطلح جديد يدعى "التفكيكية"، وهي بمثابة التحليل العلمي للإبداع في جميع مظاهره.
ولقد واكب حركة التفكيك هذه نشوء ما يسمى "البنيوية التكوينية" ، والتي ألحت على إقحام المكون الاجتماعي في التحليل البنيوي . وكان من نتائج هذه الدعوة أن ظهر ما يعرف بـ : "سوسيولوجيا الأدب" بزعامة "لوسيان قولدمان" ، و"أمبرتو إيكو" وذلك من خلال كتابه "البنية الخفية" والتي يقصد بها "البنية المجتمعية" . وهو أمر لم تكن تعترف به تعاليم البنيوية فيما سبق ، لاعتقاد أصحابها أن هذه البنية تنأى بالناقد عن الآلية الإبداعية . ناهيك من أنه مكون يشوش على الناقد ، ويحُول بينه وبين الوصول إلى المكونات الأساسية للنص ، أي لبنية النص المدروس .
ومع ذلك واصلت البنيوية مدها الذي بلغ منتهاه في تحليل النص الأدبي ، خاصة مع ظهور التوجه البنيوي الذي على في الدعوة إلى التحليل الوصفي ، وتشدد في تطبيق إجراءات المنهج الشكلي . ومن رواده : غريماس ، جيرار جينيت ، كورتيس، دريدا ... وآخرون .
وبعد هذا كله حل عصر الاتجاه التداولي ، والذي نتوسم فيه أنه من الممكن أن يقدم للنقاد والعاملين في حقل الأدب ، والمتعاملين مع النصوص الأدبية ، أدوات إجرائية ومنهجية تعينهم على أن ينْفذوا إلى أعماق البنية الإبداعية عند المبدع ، كما تُعين المؤلف على أن يبلور نظرة نقدية للنص الذي أبدعه .ومن هنا تكمن فائدة هذا المنهج في أنه يقدم أدوات جديدة للعمل النقدي الذي يتعامل فيه مع جميع النصوص الإبداعية ، والتركيز على النص "المتحرك" ، أي معاينته أثناء أدائه وظيفته التواصلية .
أن التداولية كمبحث لساني حديث الظهور ـ ذلك أن الاهتمام بالبعد لتداولي للغة ليس منا ببعيد ـ حيث يؤول زمن بروز البحوث المنجزة في إطار السياق الثقافي الغربي ـ باعتباره المرجع الأساس لهذا النوع من الدراسات ـ إلى فترة الثمانينيات . غير أن هذا لا يمنعنا من القول بأن قبسات هذا المبحث قديمة جدا ، فقد عثر على كلمة "Pragmaticus" (التداولية) عند الإغريق واللاتين، والتي تدل على كلمة "عملي" . بينما الاستعمال الحديث للتداولية Pragmatiqueيعود إلى تأثير الفلسفة الأمريكية "البراغماتية"([14]) . وذلك بعد أن توسع مفهوم البراغماتية ليشمل معاني المحادثات . فمنذ أن نبّه الفيلسوف "شارل موريس" في كتابه "أسس نظرية العلامات" 1983 إلى أن التداولية يجب أن تهتم بدراسة علاقات العلامة بالمؤولين ، مذ ذاك انصب اهتمام التداولية على البعد العملي للمعنى ، أي معنى المحادثة . هذا التنبيه نجم عنه لفت نظار النقاد والباحثين إلى أهمية تفسير المحادثات الواقعة فعلا . واستنادا إلى ذلك ، فقد تم توصيف التداولية بأنها فهم اللغة الطبيعية . وبهذا تم استقلال التداولية عن الفلسفة البراغماتية التي كانت الموجه لمبحث التداولية ، وغدت رافدا فرعيا لنهر اللسانيات الكبير .
لقد شهدت الدراسات التداولية تطورا سريعا في الغرب الأنجلوساكسوني ، ويعزى هذا التقدم إلى جهود الباحثين الذين كان لهم الباع الطويل في هذا التطور . وذلك ما حصل في بلدان الأراضي المنخفضة والدانمرك والنرويج وبلجيكا . وكان من ثمرات هذا التطور أن تمخض عن ميلاد "الجمعية التداولية العالمية" IPRAالعام 1987 . وفي معترك هذا التطور ، ظلت التداولية ذات وجهة فلسفية توجهها الممارسات الفلسفية . ولكنها ما انفكت تشهد تحولها التدريجي منذ سنوات نحو تشكلها كحقل لساني بالإبقاء على كينونتها العلمية في معالجة المعنى اليومي . وما تجدر إليه ها هنا هو أنه بالرغم مما بذهب إليه الكثير من الباحثين من أن التداولية Pragmatique، والمذهب الذرائعي الفلسفي Pragmatismeمختلفان· إلا أن بعض الباحثين يرى أن المذهب الذرائعي هو أحد مصادر التداولية ، وأصل التسمية يعود إلى منظري السيمياء مثل :"ش.س.بورس"··،"شارل موريس"، "جون ديوي"...([15]).
ونتيجة لذلك يسجل المتتبعون لمسار الدراسات التداولية بأنها سارت في اتجاهين اثنين هما : الدراسات اللسانية والدراسات الفلسفية . فالدراسات اللسانية استعملت التداولية بوصفها جزء من السيميائية اللسانية ، وليس بعلاقتها بأنظمة العلامات عموماً . ويلاحظ بأن هذا الاتجاه اللساني ما زال ساريا لحد الآن في اللسانيات الأوربية .بينما الدراسات الفلسفية ، وبالأخص في إطار الفلسفة التحليلية ، فقد خضع مصطلح التداولية إلى عملية تضييق في مجاله . فها هو الفيلسوف "كارناب" يساوي بين التداولية والسيمياء الوصفية ، بيد أن هذه البحوث التي استندت إلى هذا الفيلسوف قد اعتراها التوسع لتشمل دراسات من خارج اللسانيات ، نذكر منها : دراسات فرويد ، ويونغ عن "زلات اللسان" و"تداعي الكلمات" . ذلك أن التطور الحاصل في نظرة "كارناب" بيّن مدى أهمية وضع قيمة زمان ومكان الحدث الكلامي في الحسبان ، علاوة على دراسة اللغة المستعملة . ولهذا كان من المناسب جداً أن يتغلغل إلى تعريف "كارناب" لتداولية مفهوم "السياق" . هذا السياق الذي ينطوي على هويات المشاركين في الحدث الكلامي ، ومقاصدهم منه ، والمحددات الزمانية والمكانية ، والمعتقدات . وكذلك من جهته فقد ساهم تعريف "موريس" للتداولية في النهوض بمجموعة من الدراسات شملت دراسة الظواهر النفسية والاجتماعية الموجودة داخل أنظمة العلامات بشكل عام ، أو داخل اللغة بشكل خاص . ودراسة التصورات التجريدية التي تشير إلى الفاعلين ، وكذا دراسة المفردات التأشيرية·.
واستنادا إلى ما قيل عن هذا المنهج الجديد ، تشير الدراسات إلى أن ظهور التداولية كمنهج ونظرية ، يعود الفضل فيه إلى الفيلسوف الإنجليزي "ج.أوستن" ، بصدور مؤلفه "كيف نصنع الأشياء بالكلمات"، واصفا التداولية بأنها: ÷ جزء من دراسة أعم : هي دراسة التعامل اللغوي من حيث هي جزء من التعامل الاجتماعي ×([16]). فإذا ما نحن تقفينا الأثر ، ودققنا النظر في التعريف الأوستيني ، نستشف أن هذا الفيلسوف يروم نقل دراسة اللغة من النظر إليها من جانبها اللغوي والنحوي والنفسي لها ، إلى المستوى الاجتماعي ، ودائرة التأثير والتأثر من خلال استعمال اللغة لتحقيق التواصل . الأمر الذي أدى إلى نشوء جملة من التيارات في إطار دراسة التعامل اللغوي أهمها ÷ التيار الأوستيني أو البراغماتية عند استعمال اللغة ×([17])، ويُعدّ "غرايس"Griceأحد أبرع أعلام هذا التيار .










رد مع اقتباس
قديم 2009-12-29, 13:26   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
عاشق العفة
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية عاشق العفة
 

 

 
الأوسمة
موضوع مميز 
إحصائية العضو










افتراضي التداولية ومنزلتها في النقد الحديث والمعاصر

2 ـ الأصول الفلسفية للتداولية :
لقد سبق لي وأن قلت بأن "وستين" (1911 ـ 1961) وتلميذه "سيرل" (1932) ، هما اللذان أحرزا قصب السبق في وضع أساس بناء التداولية في الحقل الفلسفي ، وخاصة في فلسفة اللغة المستعملة (العادية) . فهما اللذان ابتكرا متصور "العمل اللغوي" انطلاقاً من نظرة المنطق التحليلي ، الذي يوافق طبيعة اختصاصهما . ففي فترة الستينيات أولى الفلاسفة كبير عناية في دراساتهم الأدبية إلى التأثيرات الجملية للخطاب ، في حين نجد "أوستين" ـ آنذاك ـ كان أول من بعث نظرية "الأعمال اللغوية" .
وما ينبغي ذكره في هذا المجال ، هو أن اهتمام الفلسفة باللغة واقع منذ أمد بعيد ، الأمر الذي جعل كثيرا من النقاد يعتبرون البلاغيين القدماء أقرب من غرهم إلى المنهج التداولي ، لأن اهتمامهم انصب في حقل البلاغة على البحث في العلائق القائمة بين اللغة والمنطق ، وبالتحديد دراسة اللغة الحجاجية وتأثيرات الخطاب في السامعين .
وهذا بالفعل ما تتسم به البلاغة منذ القديم بدء بـ"أفلاطون"و"أرسطو" ، وصولاً إلى "سِناك" و"شيشرون" و"كونتليان" . إذ كان هدف البلاغة قائما على معرفة "الانفعالات"و"الأهواء" . من ذلك ما نجده عند "أرسطو" ، مثلا ، حينما حاول التفريق بين نمطين من الخطاب ، فدعا أحدهما "الخطاب الجدلي" الذي يتوجه إلى شخص واحد مجرد ، ويختزل في وضعية السنن اللساني . وسمى الثاني "القول الخطبي" والذي يتوجه إلى مخاطب واقعي يتمتع بموهبة الجدل والمنافحة ، ويمتلك أهواء وعادات ثقافية . ثم عمد إلى الأقوال الخطابية هذه فقسمها إلى ثلاثة أجناس بحسب معيار العلاقة بين القول والمستمع بغض النظر عن مضمونه، وهي :
1 ـ
جنس مشاجري: وهو الجنس الذي يعرّف بكونه يتضمن أحكاماً على الأعمال المنقضية .
2 ـ
جنس منافري : يدين أو يرفع شأن الأعمال التي تكون بصدد الوقوع .
3 ـ
جنس مشاوري : يقترح حلولاً يبقى تحققها رهين الإمكان إذ جهتها استقبالية أساساً .
والذي دفعني لأن أذكر كل هذه الأعمال اللغوية المميزة ، لأنها هي التي كانت محل اشتغال كل من "أوستين"و"سيرل" .
فالخطابة عند "أرسطو" أداة مقالية للتأثير تتجلى في الخطاب ، في حين هي عند "أفلاطون" وسيلة واقية ذات هدف أخلاقي . والخطيب الحاذق في نظر "أرسطو" هو ذاك الذي يتمثل الحضور النقدي للسامع ، حتى وإن توارى ذلك الحضور وراء حوار باطني ، وقد تسرّب هذا الفهم للحوار إلى التداولية الحديثة .
ولقد ظل المنهج النقدي الأرسطي في الخطابة أو المنطق مسيطراً حينا من الدهر على الفكر الغربي إلى غاية التاسع عشر ، بل وتواصل تأثيره في الدراسات اللسانية إلى يومنا هذا . بدليل أننا قد نعثر على إحالات كثيرة على "أرسطو" في مقاربة اللغة والكلام والنصوص التي صدرت عن المدرسة الفرنسية خاصة ، إذ نجد أن في الكثير من دراساتها تعتمد على المنهج الاستنتاجي ، وهو نهج منطقي هيمن بواسطة طرائقه الشكلية والمعيارية .
وبهذا فقد غدت الخطابة عند "أرسطو" الدعامة الأساسية للنظرية النقدية في الأدب والنقد المسماة "الشكلانية" . والتي تعتبر الفن نتاج التطبيق الصارم للطرائق الشكلية ، وهو ينزع إلى نوع من الشعرية التي أسسها "جاكبسون" . وقد عادت التداولية بعد فوات مرحلة مؤسسيْها "أوستين"و"سيرل" إلى التحليل الحجاجي خاصة مع لسانيين فرنسيين على شاكلة : "أزفالد ديكرو" ، و"كربرات أوركيوني" .
إن الحديث عن "النظرية التواصلية" يفرض علينا أن نذكر مؤسسها البارز"فان ديجك" ، الذي ÷ وضع تخطيطا من ناحية البرنامج للذرائعية الأدبية بوصفها مكملا لا فكاك عنه نظرية النص ×([18]) . ومنذ العام 1975 يعتري تحول على توجه "ديجك" ، إذ تحول عن علم الدلالة إلى نظرية أدبية عامة ÷ تشتمل على نظرية للنصوص الأدبية ونظرية للتواصل الأدبي ×([19]) . ومنذ ذلك الوقت تغيرت الرؤية إلى أدبية النص ، فبعدما كان ÷ الاعتراف بما هو أدبي يتحقق بواسطة الخصائص البنيوية وجملة الملامح اللفظية ، أصبحت الأدبية تتحدد من خلال الاعتراف بإنتاج معين وخاص ، واستقبال خاص أيضاً ×([20]) . وعليه فقد تدرجت التداولية في مدارج التطور إلى أن ÷ أصبحت في مراحل متأخرة جدا نظرية للسياقات ، تبحث في سياق الإنتاج والاستقبال ، ثم إلى نظرية في الأفعال الكلامية ×([21]) ، وقد تكون هناك مراحل أخرى ستعرفها التداولية مستقبلا .

·عالم أمريكي ، حاصل على شهادات عليا في الكيمياء والفيزياء والرياضيات . عمل سنة 1860 في مصلحة "الجيوديزيا"(علم من علوم الأرض) . درّس بجامعة هارفارد ، ثم بجامعة هوبكينز. ورغم علمه الكبير وشهاداته العليا ، لم يحصل على منصب قار في الجامعات التي عمل بها ! بسبب مواقفه ومزاجه الصعب . فعرف الجوع والفقر وخيبات الأمل ، واضطر إلى بيع مكتبته القديمة التي كان يعتز بها كثيرا (حوالي 295 كتابا) باعها بثمن بخس (550 دولارا فقط !) . وبعد وفاته ينعت "بورس" بأنه أكثر فلاسفة أمريكا المعاصرين علما ! .

المصادر:

[1] ـ سماح رافع ، المذاهب الفكرية المعاصرة ، ص 49 ـ 52 .

··ج . أوستين (1911ـ1960) : فيلسوف إنجليزي ، شغل منصب أستاذ في فلسفة الأخلاق بجامعة أكسفورد . ويعتبر المؤسس الأول لتداولية أفعال الكلام ، هذه النظرية حولت نظرة الدراسات اللسانية السابقة . كتابه الوحيد الذي نشره له تلامذته، ومنهم "ج . سيرل" بعد وفاته هو : كيف نصنع الأشياء بالكلمات ؟ (How to do things with words?) ويشتمل على جملة من المحاضرات التي ألقاها على طلبته في جامعة أكسفورد والجامعات الأمريكية .

[2] ـ مسعود صحراوي ، التداولية عند العلماء العرب دراسة تداولية لظاهرة "الأفعال الكلامية" في التراث اللساني العربي ، دار الطليعة للطباعة والنشر ، بيروت، لبنان ، ط2005 ،ص 05.

[3] ـ مسعود صحراوي ، التداولية عند العلماء العرب، مرجع سابق ، ص 16 .

[4]ـ حسن يوسفي ، مقالة بعنوان : المسرح والتداولية .

· ك.ك.أوركيوني ابتدأ مشوارها العلمي من دراستها في مدرسة دار المعلمين العليا ، ثم شغلت منصب أستاذة مبرزة . تحصلت على شهادة الدكتوراه في اللسانيات . شغلت منصب أستاذة بجامعة ليون الفرنسية . من كتبها : L'implicite,Les interactions verbales , La connotation …. .


[5] ـ Armengaud Françoise , La pragmatique que – sais – je ? PUF , 1985 , P 09 .


[6] ـ IBID . P 09 – 10 .

[7] ـ على آيت أوشان ، السياق والنص الشعري من البنية إلى القراءة، مطبعة النجاح الجديدة ، الدار البيضاء ، المغرب ، ط1ـ1421هـ /2000، ص 56 ـ 57 .

[8] ـ تكامل المعارف : اللسانيات والمنطق ، حوار مع د/طه عبد الرحمن ، دراسات سيميائية لسانية أدبية ، العدد الثاني ، 1987 ـ 1988 ، المغرب .

[9] ـ مجلة الوصل ، معهد اللغة والأدب العربي ، جامعة تلمسان ، العدد الأول، جانفي 1994 ، نظرية المقاصد بين حازم ونظرية الأفعال اللغوية المعاصرة ، محمد أديوان ، جامعة الرباط ، كلية الآداب ، ص 25 .

· جون سيرل : فيلسوف أمريكي معاصر ، وهو أحد مؤسسي التداولية ، ينتمي إلى تيار الفلسفة الحديثة التي طورها "أوستين" ، درس بجامعة كاليفورنيا . ويطمح إلى تصحيح الكثير من المفاهيم السابقة من مؤلفاته : Les actes de parole indirects , Sens et expression و "العقل واللغة والمجتمع : الفلسفة في العام الواقعي" تر : سعيد الغانمي . "أفعال الكلام" ، "التعبير والمعنى" ، "القصدية" .

[10] ـ ميجان الرويلي وسعد البازعي ، دليل الناقد الأدبي ، المركز الثقافي العربي ، الدار البيضاء ، المغرب ، ط3/2000 ، ص 169 .

[11] ـ م ن ، ص ن .

[12] ـ ميجان الرويلي وسعد البازعي ، دليل الناقد الأدبي ، م س ، ص 169 .

[13] ـ محمد الحناش ، الأساس المعرفي لمنظومة الإبداع (مقاربة لسانية ـ تداولية) ، مجلة التواصل اللساني ، المجلد العاشر ، العددان 1 ـ 2 / 2001 ، ص 73 ـ 97 .

[14] ـ عادل الثامري ، التداولية واللسانيات ، مجلة دروب مقال في 19 /5/ 2006 . الموقع على الإنترنت
www.doroob.com .

· التداولية : ترجمة للمصطلحين : الإنجليزي Pragmaticsبمعنى هذا الذهب اللغوي ، التواصلي الجديد... والمصطلح الفرنسي La Pragmatique بنفس المعنى . وليس ترجمة لمصطلح Le Pragmatisme الفرنسي . لأن هذا الأخير يعني "الفلسفة النفعية الذرائعية" . أم الأول فيراد به هذا العلم التواصلي الجديد الذي يفسر كثرا من الظواهر اللغوية كما أشرنا . ولذلك لا نتفق مع الباحثين العرب الذين ترجموا مصطلح La Pragmatique / Pragmatics بـ : "الذرائعية" أو غيرها من المصطلحات المتحاقلة معها . عن م. صحراوي ، التداولية عند العلماء العرب، م س ، الهامش ، ص 15 .

·· اسم Peirce يكتب وينطق بالعربية "بورس". جاء هذا التوضيح في كتاب"السيميائيات والتأويل مدخل لسيميائيات ش.س.بورس" لـ سعيد بنكراد ص 11، وكتب أخرى مدونة على ص 11 و 12 من نفس الكتاب .

[15] ـ ينظر : د/ميجان الرويلي ود/سعد البازعي ، في : دليل الناقد الأدبي ، م س ، ص 167 .

· الإشاريات Déictiques : وهي الحركات التي تدل بواسطتها على شيء ، موضوع ما .وهذه الحركة لها علاقة حقيقية بالموضوع الشيء . وهي تشكل جزء من المرجعيات Deixis ، لأنها لا تشير إلا بوجود مرجع ما .

[16] ـ فرانسواز أرمينكو ، المقاربة التداولية ، ترجمة : سعيد علوش ، مركز الإنماء القومي ، ص 96 .

[17] ـ م ن ص 98 .

[18] ـ خوسيه ماريا بوثويلو إيقانكوس ، ترجمة حامد أبو حمد ، مكتبة غريب ، سلسلة الدراسات النقدية ، القاهرة ، ص 76 .

[19] ـ م ن ، ص ن .

[20] ـ راضية خفيف بوبكري ، التداولية وتحليل الخطاب الأدبي مقاربة نظرية ، مجلة الموقف الأدبي ، شهرية تصدر عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق ، العدد 399 تموز/2004 ، ص 6 .

[21] ـ م ن ، ص ن .










رد مع اقتباس
قديم 2017-03-08, 17:53   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
عاشق العفة
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية عاشق العفة
 

 

 
الأوسمة
موضوع مميز 
إحصائية العضو










افتراضي

للرفع والاستفادة رفع الله قدركم










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
التداولية, الحديث, النقد, ومنزلتها, والمعاصر


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 23:52

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc