لكل من يبحث عن مرجع سأساعده - الصفحة 209 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > منتدى العلوم الإجتماعية و الانسانية > قسم البحوث العلمية والمذكرات

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

لكل من يبحث عن مرجع سأساعده

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2018-11-28, 17:57   رقم المشاركة : 3121
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة همسة أحلام مشاهدة المشاركة
السلام عليكم اختي تعيشي اعطيني مراجع حول كتابة التاريخ عند المسلمين وشكرااا لك
الإبداع عند المؤرخين المسلمين : إضافة في منهجية علم التاريخ




أوجد المسلمون علوما، والعلوم لا تقوم إلا على المنهجية؛ فهم لم يكونوا مجرد نقلة. ولا شك أن علم التاريخ، وهو من مظاهر تقدم حضارة المسلمين في العصور الوسطى، قد ألفوا فيه كتبا عديدة، وزاد عدد المؤرخين عندهم زيادة كبيرة؛ حتى أنها لا تقارن بما كان يوجد قبلهم، أو لدى غيرهم؛ بحيث أن علم التاريخ في عصرنا يدين لهم بالكثير.والواقع؛ كان للمؤرخين المسلمين قدم راسخة في إبراز منهجية علم التاريخ؛ لتعنى ما يتمثل من قواعد ومعايير ضرورية يلتزم بها القائمون به؛ إذ الحقيقة التاريخية ليست شيئا جامدا، وإنما بالأولى هي مرحلة فاصلة في شيء تجريبي متصل بغيره؛ يعتبر جزءا من وعي المؤرخ؛ بقصد التوضيح والوصول إلى غاية محددة.ومع أن معظم إدراكنا لمنهجية علم التاريخ في وقتنا وقد أتى من أوربا؛ إلا أن الواقع يبين أن المؤرخين المسلمين يعتبرون واضعي أسسها؛ نتيجة لتراث تاريخي إسلامي عريض، استمر عدة قرون. ومن قبل لم يكن يوجد عند العرب في الجاهلية غير الخبر(1) ، مصطلحا ليعي مضمون التاريخ، وله ميزة المعرفة الواسعة ؛ بسبب أنه كانت لهم ذاكرة قوية تحفظه، لم تتوفر لأي شعب من الشعوب الأخرى.ولقد وردت لفظة "المنهجية"(2) ، في كتب المؤرخين المسلمين الأوائل، إلا أنها لم تظهر محددة المعنى؛ ربما على أساس أنها بديهية وضرورية للعلم.إضافة إلى أن العلوم الإسلامية كانت لا تزال متداخلة، وأن علم التاريخ في أول أمره لم يظهر في تقسيم العلوم كعلم مستقل، وإنما ارتبط مثل غيره بالعلوم الدينية(3) ، أو ما سمي أيضا بالعلوم الشرعية أو النقلية أو الوضعية أو الطبيعية؛ لأنها مستمدة من الدين، ومنقولة عنه.يضاف إلى ذلك أن المسلمين استخدموا عبارة لم يستخدمها مؤرخون قبلهم، وهي عبارة: "فن التاريخ"(4) ؛ التي لم تظهر إلا في العصر الحديث؛ فهم ذكروا صراحة أن فن التاريخ من الفنون التي تتداولها الأمم والأجيال، واعتبروا علم التاريخ صناعة(5) ؛ وله ملكته الخاصة(6) ؛ كما رتبوا القائمين به في درجات، ومنهم؛ "فحول المؤرخين"(7) أو "المشاهير"(8) ؛ ويعنون بهؤلاء المبدعين، الذين لهم عبقرية الهضم، والقدرة على التفكير.* * * *فكان أول مظهر لإبداعهم في علم التاريخ أن اهتموا بصحة مصادره، وكان الحفاظ هم الوسطاء الذين ينقلونه من الذاكرة، أو الشاهد العيان الذي يدرك الصورة والزمن؛ مما دعا إلى ظهور ما عرف: بالسند أو الإسناد أو الأسانيد(9) ، أو العنعنة بمعنى رفع القول إلى قائله، أو ما سماه المؤرخون المسلمون بعد ذلك بالنقل المتواتر الذي لا شبهة فيه، وأصبحت الطريقة المثلى للإجماع على صحة الخبر التاريخي، وكانت هذه الطريقة عينها؛ قد اتبعت عند جمع الأحاديث النبوية، حتى يطمئن جامعو الأحاديث في اتصالها بالرسول صلى الله عليه وسلم (10) . وللتأكيد من صحة سند التاريخ يطبقوا عليه ما طبق على سند الحديث من الجرح والتعديل(11) . مما يبين أن التاريخ أخذ طريقة الحديث في أول تأليفه؛ حيث كان علم الحديث يسمى علم الرجال(12) ؛ لارتباطه بعلوم كثيرة.وقد استمر الإسناد أو السند وقتا طويلا من مصادر التاريخ؛ حتى لما كثرت الكتب المؤلفة فيه؛ فظهر لأول مرة ما عرف أيضا بأسانيد الكتب(13) ، واكتسب هو الآخر قداسة مماثلة للإسناد الشفهي؛ بسبب أن المسلمين في أي وقت لم يكونوا يستطيعون أن يكتبوا تاريخهم دون أن يذكروا المصادر، التي استقوا منها أخبارهم. فكان حرص المؤرخين المسلمين على ذكر مصادرهم من الكتب إضافة جديدة لإبداعهم في هذا العلم، وهو تطوير واضح في اتجاه الموضوعية التاريخية؛ لا زلنا نقوم بها إلى الآن فيما يعرف بالتهميش أو الحواشي، وهو الإبداع في التوثيق التاريخي.كذلك ظهر إبداع آخر على أيديهم؛ يتمشى مع المناخ السياسي الإسلامي؛ فيما سمي بالتدوين بالحوليات؛ جمع حولية، وهي طريقة لجمع الأخبار تعتبر اتجاها عربيا إسلاميا لم يعرف من قبل؛ عبارة عن تزامن أو معاصرة لمعلومات التاريخ، لفترة معينة تحدد بالسنة؛ وإن كان بعضها قد يستمر لمدة سنين، فمن قبل كانت شعوب مثل المصريين القدماء أو اليونان، أو حتى الفرس الذين أخذ العرب كثيرا من نظمهم في الإسلام لا يرتبون معلوماتهم على حسب السنين، وإنما على حسب الملوك والأسر الحاكمة، وكليهما سادة العالم القديم(14) ؛ وإن أخذ الفرس المسلمون بعد ذلك في تدوين معلوماتهم بالترتيب التاريخي على حسب السنين. وقد أخذت شعوب أخرى غير إسلامية عن المسلمين ترتيب المعلومات على حسب السنين، مثل: الإسبان الذين سموها: مدونات (Cronicas)، والفرنسيين الذين سموها الأنال (Anales)؛ بحيث ظهرت في فرنسا مدرسة(15) خاصة بها (Ecole des Annales).فهذا الترتيب على السنين أو الحوليات؛ بقصد ألا تعرض الأخبار عشوائيا، ولترتبط بعضها ببعض، بجعلها في حيز واحد؛ مهما تعددت روافدها؛ باعتبار أن الزمن وعاء لتحرك الإنسان. ثم إن ترتيب الخبر في الإسلام بترتيب السنين، يتمشى مع الاتجاه الإسلامي، الذي أصبح يهتم بالإنسان؛ بصرف النظر عن أن يكون وارثا لعرش، أو من أسرة نبيلة؛ فيقتصر الخبر عليه. فهذا الترتيب على السنين، له إذن فلسفة؛ فالحوليات لا تشتمل على أبناء الصفوة من الناس، وإنما على أخبار كل الناس؛ حتى أن مؤرخا مثل الجبرتي فيما بعد، لا يهتم في تاريخ عصره بالحكام فقط، وإنما يهتم بالشعب أيضا؛ فأتى بالحوادث من الحواري والقرى. ويؤيد هذا الاتجاه الإنساني في الخبر التاريخي، أنه أصبح يمتد عندهم إلى بدء الخليقة(17) ؛ مما يدل على ارتباط الإنسان بالإنسان؛ مهما امتدت به عدد السنين. حقا إن التاريخ سوف يهتم بالصفوة أحيانا، ولا سيما الملوك، حينما كان يضعف الاتجاه الإسلامي الديموقراطي؛ ليدخل التاريخ في متاهات الشعوبية على الخصوص.





الحواشي :





(1) انظر: ماجد، "الخبر التاريخي عند المسلمين" نشر في مجلة المؤرخ العربي، بغداد، 1988.

(2) يقول ابن خلدون إن أغلب التواريخ عامة المناهج. انظر: مقدمة ابن خلدون، القاهرة، 1322هـ/1904، ص.3، ص. 13؛ انظر: ماجد، ذيل على مقدمة لدراسة التاريخ الإسلامي، القاهرة، 1979، ص. 16، س 11.

(3) مقدمة ابن خلدون، ص. 45؛ الغزالي، إحياء علوم الدين، مصر 1346هـ، ج 1، صص.13 -15-16؛ انظر: Ency de l’Isl, (art uim), l’ed, cf

(4) مقدمة ابن خلدون، ص. 2، س. 12، ص. 22، س.4.

(5) نفسه، ص. 3، س. 17.

(6) نفسه، ص. 23، (في آخر سطر).

(7) نفسه، ص. 2، س.22.

(8) نفسه، ص. 2، س. 9.

(9) نفسه، ص. 452، س. 11.

(10) حاجي خليفة، كشف عن أسامى الكتب والفنون، ط1، ج1،ص.422.

(11) نفسه، ج 1، ص.39؛ مقدمة ابن خلدون، ص.28، س.5.

(12) نفسه، ج1، ص.390؛ مسلم، صحيح، القاهرة 1329-1331، ص.240.

(13) السخاوي، الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ، دمشق 1349/1930، ص. 13.

(14) انظر: روز نثال، علم التاريخ عند المسلمين، ترجمة، مقدمة، ص. 16؛ صرنشو، علم التاريخ، ترجمته، ص. 67.

(15) انظر مفرنس، "التاريخ والمؤرخون"، عالم الفكر، العدد الأول، 1974، ص. 109.

(16) انظر: روزثال، علم التاريخ، ترجمة، ص. 102.

(17) انظر: ماجد، "مقدمة لدراسة التاريخ الإسلامي"، تعريف بمصادر التاريخ الإسلامي ومنهاجه الحديث، ط.4، القاهرة 1946، ص. 37.

والواقع؛ فإن كبار المؤرخين المسلمين، قد استوعبوا أخبار الأيام وجمعوها وسطروها في صفحات الدفاتر(18) . ومن المؤكد أن المؤرخ ابن جرير الطبري (ت 210هـ/923م)، اعتبر العمدة في كتابة أخبار التاريخ، على ترتيب السنين أو الحوليات، وذاع صيت مؤلفه: تاريخ الرسل والملوك، الذي أصبح يعرف بتاريخ الطبري أيضا. كذلك حاول مؤرخون مسلمون آخرون أتوا بعد الطبري أن يقلدوه، مثل ابن الأثير (ت 620هـ/1233م)، الذي سار على نهجه في الأخذ بالترتيب الزمني على السنين، أو حتى بالشهر. حقا؛ إن كتابة الخبر التاريخي على ترتيب السنين؛ قد ظهر أول ما ظهر في العراق، ولكن بعد ذلك، لما برزت المدرسة المصرية التاريخية؛ فإنها أوجدت ترتيب الخبر التاريخي على حسب القرون؛ مما يبين مجهودها في تطوير ترتيبه؛ باعتبار أن القرون تستوعب عددا أكبر من الأخبار التاريخية؛ ليست في حوزة الحوليات؛ وإن اختلف لغويا(19) في تعريف القرن، الذي قد يعني مائة أو ثمانين أو أربعين أو ثلاثين عاما؛ بحيث ظهر من مؤرخي المدرسة التاريخية المصرية من تناول بأخباره مائة عام كاملة.
وإذا ما قارنا تفاصيل الأخبار في كتب المؤرخين المسلمين بما كان يوجد في العصور السابقة؛ فإنه من الملاحظ أنها قد تعددت بشكل لم يسبق إليه؛ بحيث كانت تكتب بأسلوب الشفرة قصيرة جدا، ودسمة جدا، والسطر الواحد قد يشتمل على أخبار بجزئيات نادرة تجعل منها أشبه بمتحف للمعلومات. ومثل هذا الجمع للأخبار التاريخية، لا يوجد إلا عند المؤرخين المسلمين وحدهم، ولم يظهر في حجمه الكبير هذا من قبل ولا من بعد؛ مما يحير الأفكار. فكانت هذه الأخبار التاريخية شاملة لنواح متعددة؛ خاصة بطوائف المجتمع، وبالمدن، وبالأفراد، وبالحروب، وحتى بالخبر العلمي والفكري، بحيث وجدت أنماط من الكتابة التاريخية لم تعرف قبلهم، يكمل بعضها بعضا. فمؤرخ مصري مثل السخاوي أورد أربعين نمطا من الكتابة التاريخية(20) ، كما بين أن التصنيف في التاريخ قد يصل إلى نحو من ألف تصنيف(21) ؛ تظهر في كتب مؤرخي الإسلام، وذكرت بعض عناوينها مختصرة، مثل: سير، وأخبار، ومغازي، وفتوح، وتاريخ، ومختصر، وذيل وشرح، وأنساب، وتراجم، وطبقات، ووفيات، ومعاجم، وغرائب، وتحفة، وعقود، ونزهة، وروضة، ودر، وحديقة، وحسن، وحقائق، وخريدة، وخطط، وغير ذلك. كذلك ربط المسلمون التاريخ بكل العلوم، مثل: الأدب، والسياسة، والاجتماع، والفقه، والجغرافيا، وغير ذلك؛ فكان بحق علم العلوم. * * * *وفوق ذلك؛ فإن المؤرخين المسلمين لم يكتفوا باستيعاب الخبر فقط بشكل مذهل، والالتزام بنقله صحيحا؛ مما يؤكد إبداعهم في علم التاريخ، ولكنهم عمدوا إلى تحري صحة الخبر في ذاته. فكان هذا الاتجاه يعتبر مرحلة جديدة حاسمة في كتابة التاريخ؛ بحيث أن التاريخ لم يعد الخبر وحده، وإنما المؤرخ أيضا، الذي لم يعد همزة الوصل بين الخبر وناقله، وإنما أصبح يفحص الخبر في ذاته؛ بحيث خصص مؤرخون كبارا كتبا تناولت معظمها ضرورة فحص الخبر. فألف ابن خلدون (ت 808هـ/1407م): المقدمة، والسخاوي ت 831هـ/1427م): الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ، والسيوطي (ت 911هـ/1505م): الشماريخ في علم التاريخ. وبسبب هذا الاتجاه الجديد في المنهجية التاريخية برز دور المؤرخ على أساس ما يضيفه إلى المادة التاريخية من حيثيات، قائمة على الدراسة والقدرة على التفكير؛ فهو الذي ينتخبها من المادة الأرشيفية الهائلة، وهو الذي يعرضها، ويحللها، وينقدها؛ ليستنبط فيها، ويصل بها إلى نتائج. وبذلك أصبح للتاريخ نبض، وليس كالمومياء الهامدة في المتحف بدون حياة، أو اجترار للماضي فقط. ولا شك أن ابن خلدون، وهو الشيخ العلامة العالم، يعتبر أول من أشار بوضوح إلى ضرورة فحص الخبر التاريخي في ذاته في مقدمته المشهورة، التي ألفها وهو في القاهرة، واحتوت على معرفة تامة بعلم التاريخ. فتكلم ابن خلدون كثيرا عن أن التاريخ؛ وإن كان يبدو في ظاهره وقائع وأخبار؛ إلا أنه بالأولى سبب ومسبب؛ وأنه في باطنه(22) نظر وتحقيق، وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق؛ وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها عميق. ولذلك هاجم ابن خلدون المؤرخين الأوائل لاعتمادهم على مجرد ما نقلوه أو سمعوه، وعدم تأمل حقيقة الخبر ومناقشتها؛ إذ في رأيه أن الفحص عن صحة الخبر قليل، والتنقيح في الغالب كليل(23) . بل ينصح أن يكون التاريخ مفيدا(24) للأجيال الناشئة، ويتساءل ما الفائدة منه إذا لم يكن كذلك. فمعنى هذا أن رؤى ابن خلدون في علم التاريخ غير رؤى سابقيه. فيطالب المؤرخ بألا ينفصل عن روح العصر ومجتمعه؛ وألا يكون سلبيا أو محايدا/ وإنما يتدخل في التاريخ بنظرته فيه، وذلك على عكس ما هو معروف من طلب الحيدة من المؤرخ.وقد دعاه إبداعه في علم التاريخ أنه بحث في أغوار مجتمعاته؛ ليس فقط الإسلامية، وإنما الإنسانية بعامة؛ ويبدو ذلك بسبب اتساع رقعة الإسلام، والاتصال بالأمم المختلفة. وقد كان ابن خلدون يقدر قيمة هذه النظرة المتعمقة في التاريخ الإنساني؛ وحتى أنه رأى أن ملاحظاته عنها، وكأنها بداية لعلم جديد ألهم إليه إلهاما، ولم يجده من قبل في علوم الأوائل. مثل الفرس والفراعنة واليونان؛ وأطلق عليه: العمران(25) الاجتماعي البشري أو الإنساني. ولعل علماء العصر الحديث؛ بسبب اكتشافه لمعايير اجتماعية، جعلوه مؤسسا لعلم الاجتماع. ولكن من المؤكد أن ابن خلدون لم يقصد بعلمه الجديد أو بنظريته الجديدة عن العمران البشري أن يخرج بقوانين اجتماعية، وإنما بالأولى قصد تقصي الأسباب والأصول وحركات العوامل لمعرفة التاريخ، الذي هو أحد رجاله؛ معرفة سليمة. فالتاريخ في رأيه هو خبر عن الاجتماع الإنساني، الذي هو العمران؛ فيقول بلفظه: أنشأت في التاريخ كتابا(26).وعلى صعيد آخر سلط ابن خلدون الأضواء بشدة على الحضارة وتركيبها، وأطلق عليها أيضا: التمدين(27) أو التمدن أو المدنية، وقصد بها رفاهية العيش، وكأنه طبيب يشرحها، حتى جعلها تمر بأطوار(28) في الحياة مثل الإنسان. ثم هو وإن كان يرى أن الحضارة ترتبط أساسا بالحضر وما في نوعها؛ إلا أنه جعلها ترتبط بالعلوم والفنون، واعتبر ازدهار المدن يعني ازدهار العلوم والفنون، وتدهورها تدهور لها. ولذلك؛ فهو يأتي بعبارات لا توجد إلا عنده، ومنها: إن تفصيل(29) الثياب من مذاهب الحضارة وفنونها. * * * * والخلاصة أن هذا التوهج الإبداعي في علم التاريخي، ظهر بسبب أن الإسلام اهتم بالعقل، وأن البيئة الإسلامية قد ساعدت على ذلك؛ فظهر مؤرخون كبار يبحثون عن دوره ويطورونه؛ إلى أن هذا العلم قد يمتهن بالكذب والتزييف والتعصب والذهول عن المقاصد، ولا سيما بالتقرب به إلى الحكام؛ كما يقول ابن خلدون.


مجلة التاريخ العربي

العدد3 صيف 1997 م

الدكتور عبد المنعم ماجد

أستاذ التاريخ الإسلامي بقسم التاريخ بكليةالآداب

والخبير الوطني بمركز الدراسات البردية

في جماعة عين شمس - القاهرة


الحواشي :



(18) المقدمة، لابن خلدون ص. 2، س. 23.

(19) لسان العرب، ج17، ص. 211 وما بعدها.

(20) الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ، دمشق 1349/1930، ص. 96 (في آخر سطر).
(21) نفسه، ص. 84، س. 14.
(22) نفسه، ص. 2، س. 20 وما بعدها.
(23) نفسه، ص. 3، س. 1.
(24) نفسه، ص. 3، س. 25.
(25) نفسه، ص. 30، س. 25؛ (انظر: ماجد، العمران، نظرية لابن خلدون في تفسير التاريخ"، بحيث ألقي في ندوة الحضارة الإسلامية بمناسبة مرور عام على وفاة المرحوم أحمد فكري، نشر في كتاب خاص عن جامعة الإسكندرية.
(26) مقدمة ابن خلدون، ص. 27، س. 20.
(27) نفسه، ص. 97، س. 9: انظر: ماجد، "منهجية جديدة لابن خلدون في علم التاريخ"، مجلة المؤره العربي، تونس 1979.
(28) نفسه، ص. 132 وما بعدها.
(29) نفسه، ص. 326، س. 25

https://webanssab.wixsite.com/webanassab/----c15v5








 


رد مع اقتباس
قديم 2018-11-28, 17:59   رقم المشاركة : 3122
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة همسة أحلام مشاهدة المشاركة
السلام عليكم اختي تعيشي اعطيني مراجع حول كتابة التاريخ عند المسلمين وشكرااا لك
لتاريخ عند العرب المسلمين بقلم د.جمال الدين فالح الكيلاني
التاريخ عند العرب المسلمين بقلم د.جمال الدين فالح الكيلاني


يمكن أن نتوقف عند القرن الثاني للهجرة، ولدى بعض رواة التاريخ والمغازي والسيرة، من أمثال "وهب بن منبه" (1) المتوفى 411هـ ـ732م. وعروة بن الزبير (ت 94هـ ـ 712م(2) . وشرحبيل بن سعد (ت 123هـ ـ 740م) وعاصم بن عمر بن قتادة (ت 120هـ ـ 737م).
وقد كانت كتابات هؤلاء في المغازي تمهيداً هيأ الأرضية اللازمة لمن جاء بعدهم كالزهري والواقدي وابن اسحق.
فالزهري (ت 124هـ ـ 741م) هو الذي توسع في جمع الروايات وتمحيصها واستخدام عبارة "السيرة" بدلاً من المغازي. حتى إذا وصلنا إلى ابن اسحق (ت 151هـ ـ 761م) نجده يمضي شوطاً في الجمع بين الروايات التاريخية والأحاديث الشريفة والشعر والقصص الشعبي. وقد وصلتنا السيرة التي كتبها ابن اسحق منقحة على يد ابن هشام (ت 218هـ ـ 813م) ومن أعلام تلك المرحلة "الواقدي" (ت 207هـ ) في كتابه المغازي وكتبه الأخرى.
وتبرز لدينا أسماء مثل أبي مخنف(3) وعوانة بن الحكم(4) ونصر بن مزاحم(5) ، وذلك في سياق رواية الأخبار، ولعل أبرز هؤلاء الإخباريين (المدائني 225هـ)(6)، (وابن الكلبي 204هـ) (7) ، والهيثم بن عدي (206هـ)(8) وأبو عبيدة(9) (211 هـ).
وقبل أن نغادر القرن الثالث للهجرة يقف أمامنا "البلاذري ت 279هـ"(10) صاحب /فتوح البلدان/ و/أنساب الأشراف/. وهو وإن كان يعتمد على أخبار من سلفه، إلا أنه ينتقد تلك الأخبار ويفحصها وينتقي منها. وكذلك يفعل معاصره اليعقوبي(11) (ت 284هـ) في كتاب "البلدان" الذي يعتبر أول كتاب في الجغرافية التاريخية. ثم ابن قتيبة (ت 270هـ) (12) في كتاب "المعارف" والدينوري (ت 288هـ) في كتاب "الأخبار الطوال".
حتى إذا دلفنا إلى بداية القرن الرابع الهجري نجد (الطبري ت 310هـ) الذي تكتمل لديه مرحلة نضوج البدايات والتكوين للكتابة التاريخية. وقد اعتمد الطبري على ثقافته الواسعة ومنهجه كمحدث وفقيه يدقق في السند ويمحص الروايات.
وهكذا نجد تفاوت مدارس الكتابة التاريخية في مراحلها عبر القرون الثلاثة، وعبر الأماكن المختلفة في المدينة والكوفة والبصرة وبقية الأمصار وصولاً إلى القرن الرابع الهجري الذي نتوقف معه عند مسكويه(13) وتطويره للمنهج التاريخي ثم عند ابن الخطيب وابن خلدون والمقريزي كأمثلة لأبرز المؤرخين أصحاب المنهج الواضح في الكتابات التاريخية.
ترك أبو علي أحمد بن محمد بن يعقوب المعروف بمسكويه أكثر من أربعين كتاباً(14). أبرزها كتابه الهام "تجارب الأمم" المطبوع في طهران بتحقيق وتقديم أبي القاسم إمامي. وقد عاش مسكويه قرناً كاملاً (320-421هـ) واعتمد على الطبري بصورة واسعة، كما اعتمد على مشاهداته وتجاربه في حياته الطويلة، واطلاعه على علوم العصر من فلسفة وأديان وحديث ورواية.
ويمثل مسكويه خطوة متقدمة في الكتابة التاريخية الموضوعية، فإنه على الرغم من معاصرة السلاطين والوزراء البويهيين لا نجده يمدحهم أو يتملقهم في كتاباته. ولم يظهر ميلاً إلى تيار أو ملك أو اتجاه، بل حاول أن يرصد عصره ويحلل أحداثه بعقلانية، إلى درجة أنه لقّب بالمعلم الثالث نظراً لتمكنه من الفكر الفلسفي والإفادة منه في الكتابة التاريخية.
ويمكن تلخيص ملامح المنهج التاريخي لدى مسكويه على النحو التالي:
ـ التاريخ أحداث يمكن أن يستفيد منها الإنسان في أمور تتكرر ، أو يمكن أن تحدث مستقبلاً .
ـ أمور الدنيا متشابهة في الإطار العام وعلى الإنسان تجربتها .
ـ مقارنة الماضي بالحاضر للإفادة من خبرات الماضي .
ـ ضرورة غربلة الأخبار من الأساطير والأسمار والمعجزات .
ـ محاولة تفسير أحداث التاريخ وفق منهج علمي تجريبي قائم على الحذر في تلقي الروايات ، والدقة في تحليلها .
ـ استفاد مسكويه من فكره الفلسفي في تفسير التاريخ . فهو بذلك أول من بدأ فلسفة التاريخ .
ـ مسكويه موضوعي لا ينطلق من تصور مسبق . وحيادي في قراءة مصادره والإفادة منها .
ـ يعتبر كتابه : " تجارب الأمم " من أهم المراجع التاريخية لأنه سجل حي لأحداث القرن الرابع الهجري. وقد سجل مسكويه تلك الأحداث من أصحابها وقام بتفسيرها على أساس الاستدلال الفلسفي الواعي، والنظرة العملية، والذهن البنّاء المنظم، والنظرة المحايدة.
ونلمح أثر هذا المنهج بصور مختلفة لدى المؤرخين المسلمين الذين أتوا في العصور اللاحقة مثل رشيد الدين فضل الله (ت 718هـ) وهو صاحب كتاب "جامع التواريخ" وابن خلدون والسخاوي والمقريزي وبعض مؤرخي الأندلس ممن سوف نتوقف عندهم.
وقد اعتمدت نشأة علم التاريخ في الأندلس على تأثيرات مشرقية، وتبرز لدينا في الأندلس أسماء هامة تراكمت لديها خبرات أخذت تتبلور مع الزمن. ومن هذه الأسماء عبد الملك بن حبيب وأبناء الرازي، وابن القوطية وعريب بن سعد. ثم تغدو الكتابة التاريخية أكثر نضوجاً وأرسخ قدماً لدى أبي مروان بن حيان صاحب المقتبس. وابن حزم العلامة الموسوعي صاحب الجمهرة والفصل، ثم ابن صاحب الصلاة، وبني سعيد في كتابيهم الموسوعيين "المُغرب" و"المُشرق"، وسواهم. (15)
وحينما نصل إلى القرن الثامن الهجري" الرابع عشر الميلادي"تكون الكتابة في علم التاريخ قد بلغت أوجها لدى ابن الخطيب العلامة الموسوعي، وابن خلدون صاحب فلسفة التاريخ وعلم الاجتماع.
* * *
ونتوقف قليلاً عند المنهج التاريخي لدى لسان ابن الخطيب في كتبه التاريخية المختلفة، وبخاصة الإحاطة في أخبار غرناطة (16) واللمحة البدرية(17) ونفاضة الجراب (18).
وتبدو أبرز عناصر منهجه التاريخي في الملاحظات التالية:
-التاريخ فـنٌ غايته نقل الأخبار.
2-الفن التاريخي مأرب البشر ووسيلة ......... النشر، يعرفون به أنسابهم في ذلك شرعاً وطبعاً ما فيه، ويكتسبون به عقل التجربة في حال السكون والرفيه، ويرى العاقل من تصريف قدرة الله تعالى ما يشرح صدره ويشفيه...." (19)
وهكذا فالتاريخ معرفة الماضي للإفادة منها في رؤية الحاضر.
3-التاريخ لدى ابن الخطيب ليس مجرد نقل للأحداث السياسية وسيَر الملوك والسلاطين، بل هو تصوير للحياة الاجتماعية والاقتصادية والعمرانية بما تشمله هذه الحياة من رقي وازدهار، أو تخلف وتدهور. وهو في ذلك يتابع التفاصيل الدقيقة للموضوع الذي يتحدث عنه.
يتحدث في الرحلة الأندلسية" خطرة الطيف" عن مشهد استقبال السلطان من قبل سكان إحدى المناطق في وادي فرذش، فيقول:
"واستقبلتنا البلدة حرسها الله- نادى بأهل المدينة، موعدكم يوم الزينة، فسمحت الحجال برباتها والقلوب بحباتها، والمقاصر بحورها والمنازل بدورها، فرأينا تزاحم الكواكب بالمناكب، وتدافع البدور بالصدور، بيضاً كأسراب الحمام،...."
ثم يقول:" واختلط النساء بالرجال، والتقى أرباب الحجا بربات الجمال..ز فلم نفرق بين السلاح والعيون الملاح، ولا بين البنود حمر الخدود....
ويلاحظ هنا دقة ابن الخطيب، كما يلاحظ وصفه للحياة الاجتماعية التي يظهر فيها النساء والرجال. كما يشير في مكان آخر إلى وجود رعايا مسيحيين في مملكة غرناطة خرجوا لاستقبال السلطان وهم يتمتعون بكامل حقوقهم.
4-يركز ابن الخطيب على الوصف الجغرافي للأماكن التي يتحدث عنها ويجعل هذا الوصف مدخلاً لبحثه التاريخي. وهذا ما فعله في حديثه عن غرناطة في مقدمة كتابه"الإحاطة" وكذلك في كتابه "نفاضة الجراب" حينما يصف الأماكن التي زارها. ومن ذلك حديثه عن مدينة أغمات في كتاب "نفاضة الجراب" حيث يقول:
"ثم أتينا مدينة أغمات في بسيط سهل موطأ لا نشز فيه، ينال جميعه السقي الرغد، وسورها محمر الترب، مندمل الخندق، يخترقها واديان اثنان من ذوب الثلج، منيعة البناء، مسجدها عتيق عادي، كبير الساحة، ومئذنته لا نظير لها في معمور الأرض..." (20).
5-يحترم ابن الخطيب التسلسل الزمني بدقة وموضوعية، شان المؤرخين المحترمين، فهو يستعرض الدول ونشوءها وسقوطها استعراضاً تاريخياً دقيقاً، ولا يقرب دولة لشرفها أو مكانتها كالأدارسة مثلاً. وقد فعل سواه ذلك تقرباً لسلاطين عصرهم.
6-يدأب ابن الخطيب على ذكر مصادر معلوماته، ويحرص على ذكر المؤرخين السابقين باحترام. وقد أورد من الأسماء ما يشير إلى سعة إطلاع وعمق معرفته. فهو يذكر في مقدمة الإحاطة الكتب التي اطلع عليها كتواريخ للمدن أراد أن ينافسها في كتابه "الإحاطة" ومن ذلك على سبيل المثال: تاريخ بخارى لأبي عبد الله الفخار، وتاريخ أصبهان لصاحب الحلية، وتاريخ همذان لغنا خسرو الديلمي،.... وتاريخ الرقّة للقشيري، وتاريخ بغداد للخطيب البغدادي، وتاريخ دمشق لابن عساكر، وتاريخ الإسكندرية لوجيه الدين الشافعي، وتاريخ مكة للأزرقي... الخ.
إن ذكر هذه الأسماء دليل على سعة المعرفة، وأمانة النقل، واحترام الرأي الآخر.
7-حرص على الاستعانة بالمعلومات من مصادرها القريبة. ومن ذلك طلبه من صديقه سفير قشتالة يوسف بن وقارق معلومات عن تاريخ الممالك النصرانية: قشتالة وأراغون والبرتغال وذلك لتكون معلوماته موثقة ومستندة إلى مراجعها (21).
8-اعتماده على مشاهداته من النقوش والكتابات على العمائر والأضرحة والمنشآت المختلفة، وتوثيق تلك النقوش والكتابات والإفادة منها في مادته التاريخية.
9-أخلاقيته العالية في منهجه التاريخي، وصدقه وموضوعيته ومثال ذلك رسالته التي نصح فيها الملك القشتالي بدرو القاسي، وقد أوردها المستشرقون الأسبان كشاهد على أخلاقية ابن الخطيب. وقد أورد الحادثة المؤرخ الأسباني المعاصر دي إيالا. ووصفها المؤرخ "جاريباي" بأنها قيم أخلاقية جاءت من هذا المسلم ابن الخطيب، وهي تفوق في قيمها ما كتبه سينكا وغيره من فلاسفة الرواقيين الأقدمين(22).
10-مزج ابن الخطيب بين التاريخ والجغرافية والرحلات في إطار من النثر الفني الرشيق والبليغ. بحيث جاءت كتاباته التاريخية يغلب عليها الطابع الأدبي والسجع اللطيف.
هذه الملاحظات العشر هي التي تميز المنهج التاريخي لابن الخطيب ويمكن مقارنتها مع مؤرخين آخرين أحدهما من القرن الرابع الهجري هو مسكويه. والآخر معاصر لابن الخطيب وهو شيخ المؤرخين العرب ابن خلدون.
وتقوم عناصر المنهج التاريخي عند ابن خلدون على الملاحظات الموجزة التالية(23):
1- التاريخ علم
2- محتويات التاريخ والفكرة عنها
3- العناصر التي تجتمع لصنع التاريخ البشري
4- قوانين التاريخ
5- التاريخ علم فلسفي عند ابن خلدون(والفلسفة كل ما ليس له صفة دينية)
6- التاريخ عند ابن خلدون أخبار عن الأيام والدول والسوابق من القرون الأولى، وهو نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها، وعلم بكيفيات الوقائع وأسبابها ..
7- ابن خلدون يدحض الأساطير
8- ابن خلدون يضع القواعد اللازمة لمقارنة الحقيقة
9- النقد التاريخي عند ابن خلدون يبدو في:
- تبدل الأحوال بتبدل الأيام.
- وحدة النفسية الاجتماعية
- ظروف الأقاليم الجغرافية
- التاريخ الحضاري البشري
أما منهج البحث التاريخي عند ابن خلدون فيعتمد على :
- ملاحظة ظواهر الاجتماع لدى الشعوب التي أتيح له الاحتكاك بها والحياة بين أهلها.
- تعقب هذه الظواهر في تاريخ الشعوب نفسها في العصور السابقة لعصره
- تعقب أشباهها في تاريخ شعوب أخرى لم يتح الاحتكاك بها والحياة بين أهلها.
- الموازنة بين هذه الظواهر جميعاً.
- التأمل في مختلف الظواهر للوقوف على طبائعها وعناصرها الذاتية وصفاتها العرضية واستخلاص قانون تخضع له هذه الظواهر في الفكر السياسي وفلسفة التاريخ وعلم الاجتماع.
ويرى ابن خلدون في مقدمته :
1- ان دراسة التاريخ ضرورية لمعرفة أحوال الأمم وتطور هذه الأحوال بفعل العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية .
2- يركز ابن خلدون على موضوع الاستبداد والبطش الذي يقوم به السلطان ضد شعبه وأثر ذلك في الشعب.
3- يشرح ابن خلدون كيف أن بعض السلاطين ينافسون رعيتهم في الكسب والتجارة . ويسخرون القوانين لخدمة مصالحهم الخاصة وتسلطهم على أموال الناس، وإطلاق يد الجند في الأموال العامة مما يرسخ الشعور بالظلم والإحساس بالحقد لدى الشعب .
4- يوضح ابن خلدون أن هذه العوامل الداخلية هي التي تؤدي إلى الخلل في أحوال الدولة أكثر من العوامل الخارجية .لأن المجتمع الذي يعاني من خلل داخلي لا يستطيع مجابهة عدو خارجي.
5- تمكن ابن خلدون من الربط الدقيق بين العوامل الاقتصادية سابقاً بذلك مفكرين أوروبيين بعدة قرون
6- استوعب ابن خلدون الإرهاصات السابقة في الفكر السياسي لدى الفارابي والماوردي والغزالي وإخوان الصفا والطرطوشي ومسكويه وسواهم. وصاغ من كل ذلك نظريته الناضجة في الفكر السياسي وفلسفة التاريخ وعلم الاجتماع.
7- يتضح من قراءة مقدمة ابن خلدون فهمه لفلسفة التاريخ من خلال ثلاث نقاط أساسية:
- الأولى : أن التاريخ علم، وليس مجرد سرد أخبار بلا تدقيق ولا تمحيص.
- الثانية : أن هذا العلم ليس منفصلاً عن العلوم الأخرى كالسياسة والاقتصاد والعمران وعلوم الدين والأدب والفن.
- الثالثة : أن هذا العلم يخضع لقوانين تنتظم بموجبها أحوال الدول من قوة وضعف، ورفعة وانحلال.
وقد طبق ابن خلدون هذه النظرية على كتابه "العبر" في سرده للأحداث والتعليق عليها وتحليل نتائجها.
8- يرى ابن خلدون أن الظلم مؤذن بخراب العمران، ويعدد أشكال هذا الظلم من اعتداء على الناس، وتضييق على حرياتهم، وسلب أموالهم، وإضعاف فرص معاشهم وتحصيل رزقهم. والعمران يفسد بفساد العوامل التي تصنعه، والفساد يؤدي إلى الخراب.
9- إن الفساد يؤدي إلى هرم الدولة وشيخوختها. والهرم من الأمراض المزمنة التي قد تكون طبيعية مع عمر الدول والأفراد.
وقد تكون طارئة بفعل تفاقم الظلم والفساد والعدوان.
10- كان ابن خلدون على قدر كبير من الموضوعية والحياد العلمي في قراءته لأحداث التاريخ وتفسيرها رغم صعوبة الحياد في عصره.
واستمراراً لمنهج ابن خلدون وتطويراً له، ودخولاً في التفاصيل الدقيقة يأتي المقريزي في وقت غدت فيه القاهرة مركز العالم الإسلامي ثقافياً واقتصادياً وسياسياً أيام حكم المماليك . وفي القاهرة ولد المقريزي لأسرة أصلها من بعلبك. ويذكر أنه كان سعيداً بولادته وعيشه في القاهرة (24) وقد ترك عدداً من الكتابات التاريخية الفائقة الأهمية مثل:
- السلوك لمعرفة دول الملوك
- اتعاظ الحنفا بذكر الأئمة الفاطميين الخلفا
- عقد جواهر الأسفاط في تاريخ مدينة الفسطاط.
- المواعظ والاعتبار (المعروف باسم خطط المقريزي).
- إغاثة الأمة بكشف الغمة.
وقد أفاد المقريزي من تجارب حياته العملية كاتباً في ديوان الانشاء وقاضياً وخطيباً . كما أفاد من اطلاعه الواسع على الكتابات التاريخية السابقة وبخاصة ابن خلدون.
ولعل أهم ما يميزه :
1- الموضوعية والأمانة التاريخية في السرد والعرض.(25)
2- وتنبثق عن الموضوعية صفة العفة والأخلاق الرفيعة والترفع عن الإساءة إلى الآخرين.
3- التدقيق والتقصي والتحقيق والتعليل (26)
4- الدخول في التفاصيل الدقيقة : أحوال النيل – الحياة اليومية – الفساد – الرشوة – الغلاء – إغراق الأسواق بالنقود.
5- التركيز على الموضوع وعدم الاستطراد، وعدم الخروج على الموضوع .
6- الحيادية تجاه الحكام وعدم مداهنتهم والتقرب إليهم .
- التنبه إلى ربط حركة التاريخ بالعوامل الاقتصادية من تجارة وصناعة وزراعة وانتقال أموال وتوزيع ثروات واقطاعات (27)
- رصد كثير من الظواهر الاجتماعية بدقة : شهادة الزور، الزنا، اللواط، الفسوق، الخمر.
* * *
والآن نخلص إلى بعض الملاحظات العامة والاستنتاجات التي تشمل مراحل تطور الكتابات التاريخية عند العرب:
1- ان الفكر العربي التاريخي اتجه أساساً إلى سرد الوقائع والأحداث من خلال الرصد أو الرواية المسندة، مستفيداً من علم الحديث.
2- إن كلمة "التاريخ" تعني في المعجم الغاية والوقت الذي ينتهي إليه كل شيء. وبذلك يتصل المعنى بحركة الزمن المرصودة وليس بالحكاية الاسطورية التي تشير إليها كلمة History باللغات الأوروبية.
3- الغاية النبيلة من كتابة التاريخ كعلم، ويندرج ذلك في إطار العلوم جميعاً كعمل يتقرب به صاحبه إلى الله وكأنه شكل من أشكال العبادة، وليس عملاً نفعياً يتوخى مصلحة آنية.
4- سرد الروايات القديمة بصورة حيادية وترك التعليق عليها وإلقاء مسؤولية روايتها على من أسندت إليه.
5- الاعتراف بالآخر وعرضه بموضوعية إلى حد بعيد وعدم إلغاء من يخالف الرأي أو الدين أو المذهب أو العرق.
6- يلاحظ في الدراسات التاريخية الحديثة والمعاصرة تأثر المؤرخين العرب بالمدارس القومية أو الماركسية أو العلمانية أو الليبرالية أو البراغماتية . وهم في أغلب الأحيان متأثرون بالعوامل السياسية الضاغطة بصورة أو بأخرى.
7- بروز التخصصات الدقيقة في الدراسات التاريخية :
- قديمة – حديثة
- مشرقية – أندلسية
- حضارات: مصر القديمة، بابل، بلاد الشام، المغرب
- الحركات الإسلامية – الشعوبية
- تاريخ الأدب
- التاريخ الاجتماعي
- علم الآثار
- التراث غير المادي
8- محاولة إظهار جانب العبقرية لدى المؤرخين العرب، وبيان مدى تأثر المؤرخين الغربيين بهم.
9- اللجوء إلى صفحات التاريخ المشرقة هرباً من الإحباط المتلاحق الذي يعيشه العرب اليوم.

https://majles.alukah.net/t136021/









رد مع اقتباس
قديم 2018-11-28, 18:03   رقم المشاركة : 3123
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة همسة أحلام مشاهدة المشاركة
السلام عليكم اختي تعيشي اعطيني مراجع حول كتابة التاريخ عند المسلمين وشكرااا لك
معالم حول كتابة التاريخ الإسلامي . التاريخ الإسلامي . كتابة التاريخ .منتديات ستوب55




معالم
حول كتابة التاريخ الإسلامي
بقلم محمد العبدة
تزداد الحاجة يوماً بعد يوم إلى تنفيذ ما طرح من فترة غير قصيرة حول إعادة
كتابة التاريخ الإسلامي، بعد أن عاث به فساداً المستشرقون والمستغربون على حد
سواء، وهذا الشعور بالحاجة الملحة له أسباب نذكر بعضها:
1- إن الأمة التي لا تقرأ تاريخها ولا تستفيد منه في حاضرها ومستقبلها لهي
أمة مقطوعة منبتة، فالماضي ليس مفتاحاً لفهم الحاضر فحسب، بل هو من أسس
إعادة صياغة الحاضر، ومقولة (التاريخ يعيد نفسه) ليست خطأ من كل الوجوه،
وقد استخدم القرآن الكريم قصص الأمم السابقة للتأثير في نفوس الناس، أو للتأثير
في نفوس الذين لم تنتكس فطرتهم، قال تعالى: [ذَلِكَ مِنْ أَنبَاءِ القُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ
مِنْهَا قَائِمٌ وحَصِيدٌ] [هود: 100] ، وقال تعالى: [أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ
فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَذِينَ مِن قَبْلِهِمْ] [يوسف: 109] .
ولابد لأهل كل عصر من أن يواجهوا النوع ذاته من التعقيدات التي واجهها
أسلافهم، وإن سجل التاريخ ما هو إلا المنار الذي ينبئ الملاحين الجدد عن
الصخور المهلكة التي قد تكون خافية تحت سطح البحر. ولو أن المسلمين في هذا
العصر استوعبوا دروس الماضي لما أخطأوا في كثير من الأمور، كما أن الدراسة
المتأملة للحاضر تساعدنا أيضاً على فهم الماضي، والذي جرب تقلبات الدول
والمجتمعات وشاهد المؤامرات السياسية، وعاين الركود الاقتصادي، يكون أقدر
على تفهم الحوادث الماضية التي ليست نسخة مطابقة للحاضر ولكن فيها شبه كبير
فيه.
يقول المؤرخ ابن الأثير: (وأنه لا يحدث أمر إلا وقد تقدم هو أو نظيره
فيزداد الإنسان بذلك عقلاً ويصبح لأن يقتدي به أهلاً) [1] .
والذي يشاهد ما تفعله بعض الدول الآن من استعانتها بعناصر أجنبية
وتفضيلهم على الأقرباء والدين واللغة يدرك طرفاً من نظرية ابن خلدون في أن
الدول إذا تمكنت تبعد عصبيتها الأولى وتعتمد على عصبيات مجلوبة، من الخارج، ويدرك المؤرخ عقم المحاولة التي قام بها الخليفة المعتصم العباسي لتقوية دولته
عندما جلب الأتراك فتحولوا إلى شوكة في حلق العباسيين، وأصبح المسلم العربي
كما قال المتنبي:
ولكن الفتى العربي فيها ... غريب الوجه واليد واللسان
2 - لئن كان التاريخ له أهميته ومنزلته عند المتقدمين من العلماء حيث قام به
أمثال ابن جرير الطبري والبخاري وابن الأثير والذهبي، وكتب السخاوي (الإعلان
بالتوبيخ لمن ذم التاريخ) لئن كان هذا فهناك علماء لهم رأي آخر، فالغزالي يرى
أنه من العلوم المباحة التي ليس فيها نفع دنيوي ولا أخروي، وأنه كالعلم بالأشعار
التي لا سخف فيها [2] وتابعه النووي في ذلك فقال في (الروضة) : (الكتاب يحتاج
إليه لثلاثة أغراض: التعليم والتفرج بالمطالعة، والاستفادة، فالتفرج لا يعد حاجة
كاقتناء كتب الشعر والتواريخ ونحوها مما لا ينفع في الآخرة ولا في الدنيا) [3] .
وكان من نتائج هذه النظرة أن ضعف الحس التاريخي في العصور المتأخرة،
وفقدت خاصية التأمل والاستفادة من الحوادث، وأصبح التاريخ قصصاً وروايات
للتسلية وللتفريج عن الهم والغم ومرتبته في العلوم تأتي في الدرجة الثالثة أو الرابعة، ومجيء مؤرخ كبير كابن خلدون لم يغير هذه النظرة، لأن الأمة كانت في حالة
تدهور ثقافي، ولم يظفر كتابه المهم في النقد التاريخي بالأهمية والمكانة المناسبة له.
وفي العصر الحديث تنبه المسلمون لما للتاريخ من أهمية بالغة، وخاصة
عندما يكون الجهد منصباً على (استئناف حياة إسلامية) ولذلك لابد من إعادة كتابة
التاريخ الإسلامي.
3 - إن ما كتبه علماؤنا قديماً، وإن كان عملاً ضخماً، قد حفظوا لنا فيه كل
جزئيات وتفاصيل تاريخنا الإسلامي وجمعوا روايات كثيرة جداً، إلا أن هذه
الروايات تحتاج إلى غربلة وتمحيص لأن فيها الصحيح والضعيف بل والموضوع،
وقد ذكروا لنا مصادرهم حتى يعذروا ولا نحملهم المسؤولية، وما كتبه المحدثون
إنما نسجوا فيه على منوال المستشرقين الذين اهتموا اهتماماً زائداً بالتاريخ
الإسلامي لغاية في أنفسهم وكان لهم منهج خاص في البحث والتنقيب، ولهم منهج
في تفسير النصوص أكثره تهويل، يأتون فيه بالغرائب والعجائب، وذلك
بقصورهم عن فهم اللغة العربية وفهم حركة التاريخ الإسلامي، بالإضافة إلى النية
المبيتة لتشويه التاريخ الإسلامي، وأعجب بهم المستغربون وأصبحت المعادلة
عندهم: ما دام هؤلاء يتقصون هذا التقصي في تفسير النصوص ومدلولاتها فلا بد
أن يكونوا محايدين.
ووقع المسلمون بين قديم ينظر له باحترام وإنصاف ولكنه لم ينق من
الروايات المكذوبة وبين ما كتبه المستشرقون وتلامذتهم وفيه ما فيه من دس وافتراء
متعمد.
4- استغل أصحاب الاتجاهات المنحرفة بعض الروايات الضعيفة أو
الموضوعة في الموسوعات التاريخية القديمة أو تحليلات المستشرقين المشوهة،
استغلوا هذا في المدارس والجامعات وغرسوا في نفوس الشباب المتعلم أن تاريخنا
لا يعدو أن يكون أحداثاً دموية يتلو بعضها بعضاً وأنه إذا استثنينا الخلفاء الراشدين، بل إذا استثنينا فترة أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - فكل تاريخنا صراع
على الحكم وترف وفساد في القصور.. وعظمت المصيبة بأمثال هؤلاء، والمتعلم
الناشئ يتأثر بما يقال له، وأصبح الشباب في حيرة واضطراب، فعندما يسألون
عن كتب التاريخ لترشدهم إلى الحقيقة لا يجدون أمامهم إلا كتب الموسوعات الكبيرة
التي من الصعب على أمثالهم الرجوع إليها، أو الكتب المعاصرة وفيها من الجهل
والتشويه الشيء الكثير، وبذلك أيضاً عظمت التبعة على المسلمين وبدأ المخلصون
في التصدي لهذا التيار فكتبت دراسات حول هذا الموضوع [4] ، وصنفت كتب في
التاريخ الإسلامي، هي أفضل بكثير مما كتب في المرحلة السابقة [5] ، ولكن كتابة
التاريخ الإسلامي هي أكبر من هذه الجهود، ولا تزال بحاجة إلى توضيح وبيان،
وصياغة جديدة، والدخول في التفصيلات بعد التعميمات.
وهذا المقال محاولة من هذه المحاولات لعله يكون وغيره ارهاصاً بين يدي
كتابة التاريخ الإسلامي من جديد إن شاء الله.
التفسير الإسلامي للتاريخ:
يلح القرآن الكريم - لمن تدبره وعقله - على أهمية السنن التي وضعها الله
سبحانه وتعالى لهذا الكون، ولتسير فطرة الإنسان عليها، وهذه السنن صالحة،
صلاحاً شاملاً لأنها غير مقيدة بالزمان أو المكان، ويعتقد المسلمون أن تاريخ الأمم
وأيام الله في أهل طاعته وأهل معصيته ما هي إلا تفاصيل لجزئيات هذه السنن
وعرّفنا الله سبحانه من الأسباب الكلية للخير والشر [6] .
إن حوادث التاريخ هي من صنع الإنسان حقيقة، ولكنها تجري حسب حكمة
الله وعدله ومشيئته المطلقة في توجيه شؤون البشر [وتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ] [آل عمران: 140] ، كما أن الإنسان عندما يفعل الخير أو الشر له مشيئة
حقيقية بها يحاسب ويجازى والله خلقه وخلق مشيئته، قال تعالى: [ظَهَرَ الفَسَادُ
فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ] [الروم: 41] .
[فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ] [الأنعام: 44] .
[إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ] [الرعد: 11] .
والله سبحانه وتعالى يحب دفع الشر في الأرض وهو من سننه الكونية، كما
قال: [ولَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ] [البقرة: 251] .
ولكن هذا الدفع يجب أن يقوم به أولياؤه المتقون، فيجاهدون في سبيله، فإذا
لم يقوموا به لم يندفع، وعندئذ تتحول الحياة البشرية إلى مستنقع آسن من الشرور.
وإذا كان الغرب ومؤرخوه قد تنقلوا بين نظريات كثيرة لتعليل أحداث التاريخ، ما بين التأكيد على الجانب الغيبي [7] ، وما بين بروز النزعات المادية كالتفسير
القومي [8] أو التفسير المادي [9] ، كما ظهر التفسير التشاؤمي عند (اشبنجار) [10] ونظرية التحدي عند (توينبي) [11] ، هذه النظريات وإن كان في بعضها
شيء من الحق [12] إلا أن التفسير الإسلامي للتاريخ يختلف ابتداءً عن النظرة
الغربية لأنه ينطلق في الأصل من تكريم الله للإنسان، وأن الله خلق هذا الإنسان
لعبادته، وسخر له كل ما يحتاجه لعمارة هذه الأرض، وأرسل الأنبياء وأنزل
الكتب ليكون أبلغ في العذر، وهذه الحياة الدنيا مؤقتة، والحياة الأخرى هي الباقية، وأوج الحضارة عند المسلم هو عندما يحقق ما يريده الله منه، وما خلق من أجله، وعندئذ يكرم بالاستخلاف في الأرض، وليست قمة الحضارة بقدر ما يمتلكه من
الأشياء وأدوات الترف والغنى والرفاهية والتدمير.
إن محور التفسير الإسلامي للتاريخ هو: إن ما يقع من الحوادث إنما يخضع
لسنن إلهية، كونية أو دينية، وإن ظاهر التدين أصيلة قوية في الإنسان بالفطرة
التي خلقه الله عليها، فهو يتجه إلى الدين ولكن شياطين الإنس والجن يجتالونه عن
هذه الفطرة فيغير ويبدل.
ومن هذه السنن:
1 - إن الدولة الكبرى أو الحضارات لا تقوم إلا بدين أو ببقايا دين.
2 - سنة دفع الله الناس بعضهم ببعض ومداولة الأيام بينهم ليتبين الحق
ويظهر الخير.
3 - زوال الأمم وهلاكها بالترف والفساد وعدم إقامة العدل.
4 - الناس مسؤولون عن رقيهم وانحطاطهم.
5 - استحقاق النصر للمؤمنين.
وسنتكلم عن كل واحدة من هذه السنن بشيء من التفصيل:
أولاً - من الملاحظ أن محل الدراسة التاريخية في القرآن الكريم ليس
المقصود بها شعباً معيناً أو دولة معينة بقدر ما هو مقصود: ما هو دين هذه الأمة
وما هي عقيدتها؟ وما موقفها من الرسل والأنبياء؟ فالتركيز على (الملة) باعتبار
أن ظاهرة التدين هي الأصل في الإنسان قال تعالى: [إنَّ الَذِينَ آمَنُوا والَّذِينَ هَادُوا
والنَّصَارَى والصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ
رَبِّهِمْ ولا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ] [البقرة/62] ، فالحديث هنا عن (ملل)
معينة وليس عن شعوب أو دول، وعندما يذكر القرآن الحوادث التي وقعت لبني
إسرائيل يسردها دون ترتيب زمني؛ لأن المقصود أن هذه الأمة (يهود) لها صفات
معينة، وهذا واضح من سيرتهم مع نبيهم موسى -عليه السلام-، وقد امتن الله
على اليهود المعاصرين لفجر الدعوة الإسلامية بنعمة أنعمها على آبائهم، وذلك
لأنهم أمة واحدة، وقصص الأنبياء في القرآن هي قصة الصراع بين التوحيد وبين
الوثنية والأمة الإسلامية يقابلها الأمم النصرانية أو المجوسية.. وقد فرح المسلمون
في مكة ببشارة القرآن لهم بانتصار الروم على الفرس، لأن الروم أهل كتاب فهم
أقرب من المجوس.
وتركيز القرآن علي هذه الناحية يؤكد أن الدين هو العامل الفعال في تكوين
الحضارات والدول الكبرى سواء كان هذا الدين حقاً كما أنزله الله سبحانه وتعالى أو
قد حرف وبدل، المهم هو أن فكرة التدين أو التطلع الغيبي هي التي تعطي الحماس
والجد والعاطفة التي تحتاجها الدول في إبان تأسيسها، وقد خلق الإنسان متديناً
بفطرته، بالعهد الذي أخذ عليه [ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى] بل لا يوجد شعب مهما
كان موغلاً في الهمجية إلا وتطلع إلى الغيبيات، (وإن الغريزة الدينية المشتركة بين
كل الأجناس البشرية لا تختفي بل لا تضعف إلا في فترات الإسراف في الحضارة
وعند عدد قليل جداً من الأفراد) .
يقول المفكر الجزائري مالك بن بني: (فالحضارة لا تنبعث - كما هو ملاحظ- إلا بالعقيدة الدينية، وينبغي أن نبحث في كل حضارة من الحضارات عن أصلها
الديني، وكأنما قدر للإنسان ألا تشرق عليه شمس الحضارة إلا حيث يمتد نظره إلى
ما وراء حياته الأرضية) [13] ، ويقول توينبي: (والتحول الديني كان حقيقة مبدأ
كل شيء في التاريخ الانكليزي) [14] .
وهنا يثار سؤال: كيف تقوم دول كبرى على الوثنية المحضة وليس فيها أي
أثر للدين، كالدول الشيوعية في هذا العصر، والجواب كما قال مالك بن نبي:
(هذا الخطأ الشائع إنما يأتي أولاً من تفسير أصول الشيوعية باعتبارها حضارة،
وثانياً إننا نعتبر الشيوعية (أزمة) للحضارة الغربية المسيحية) [15] . وهذا التفسير
ليس غريباً، فقد ذكرت قبل قليل أن نزعة التدين لا تخلو منها أمة من الأمم إلا في
فترات استثنائية، ولابن تيمية كلام يقرر فيه شيئاً من هذا، يقول - رحمه الله -
بعد كلام عن الأنبياء وفضلهم على البشرية: (ويقال هنا: إنه ليس في الأرض
مملكة قائمة إلا بنبوة أو آثار نبوة وأن كل خير في الأرض فمن آثار النبوات ولا
يستريبن العاقل في الأقوام الذين درست النبوة فيهم كالبراهمة والمجوس) [16] ،
كما يقرر ابن خلدون المعنى نفسه حيث يقول: (الدول العامة الاستيلاء، العظيمة
الملك أصلها الدين إما من نبوة أو دعوة حق) [17] .
ونحن يمكننا أن نضيف على كلام ابن خلدون: أو (بفكرة) تبلغ عند أصحابها
مبلغ التقديس للديانات ويتفانون في تطبيقها، وهذا من ناحية نفسية لا من ناحية
تاريخية، وهذه الحضارات والدول وإن قامت ابتداء على الدين إلا أنه مع تطاول
الزمن والإسراف في الحضارة يبدأ الفساد ينخر فيها ولابد إذن من مبدأ الدفع الذي
سنه الله سبحانه وتعالى.
ثانياً - إن مبدأ الصراع بين الأمم ليظهر الخير ويخفف من الشر هو من
أعظم السنن الكونية، قال تعالى: [وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ
صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً] [الحج: 40] ، وقال
تعالى: [ولَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ ولَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ
عَلَى العَالَمِينَ] [البقرة: 251] .
فالأرض تفسد إذا طال فيها مكث الطواغيت وحكوماتهم الفاسدة، ولم يقم من
يجاهدهم ويدفع فسادهم ويريح العباد والبلاد منهم، والله ذو فضل على الناس أن
جعل هذه السنة من سننه الكونية حتى تتطهر الأرض بين كل فترة وأخرى، كما أن
هذا الصراع يرمي إلى تقوية المؤمنين، فيزداد نشاطهم ويحققوا ما يريده الله منهم،
يقول ابن تيمية شارحاً الآية السابقة:
(وقد بعث الرسل بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها،
فهدم صوامع النصارى وبيعهم فساد، إذا هدمها المجوس والمشركون، وأما إذا
هدمها المسلمون وجعلوا أماكنها مساجد يذكر فيها اسم الله فهذا خير وصلاح، فالله
سبحانه يدفع شر الطائفتين بخيرهما كما دفع المجوس بالروم والنصارى ثم دفع
النصارى بالمؤمنين) [18] .
ويقول أحد المؤرخين الغربيين (هوايتهد) : (إن صراع العقائد والمذاهب ليس
كارثة بل فرصة) .
إن المنطقة العربية - وبلاد الشام خاصة التي بارك الله فيها - من مراكز
الصراع الكبرى في العالم حتى يتبين الحق والباطل ويتمحص أهلها ويأخذوا أجر
الدفع والجهاد في سبيل الله، قال تعالى ذاكراً بلاد الشام: [سُبْحَانَ الَذِي أَسْرَى
بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إلَى المَسْجِدِ الأَقْصَا الَذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ] [الإسراء: 1] ، وقال: [وأَوْرَثْنَا القَوْمَ الَذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ ومَغَارِبَهَا الَتِي
بَارَكْنَا فِيهَا] [الأعراف: 137] ، وبنوا إسرائيل أورثوا مشارق ومغارب بلاد
الشام، وقال تعالى ذاكراً إبراهيم - عليه السلام -: [ونَجَّيْنَاهُ ولُوطاً إلَى الأَرْضِ
الَتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ] [الأنبياء: 81] ، وإبراهيم إنما نجاه الله ولوطاً إلى
أرض الشام.
وعن أبي الدرداء قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «يوم
الملحمة الكبرى فسطاط المسلمين بأرض يقال لها: الغوطة، وفيها مدينة يقال لها:
دمشق خير منازل المسلمين يومئذ» [19] .
وعن خريم بن فاتك الأسدي قال: (أهل الشام سوط الله في الأرض ينتقم بهم
ممن يشاء، كيف يشاء) [20] .
كما ورد في الحديث الصحيح: «إذا أحب الله قوماً ابتلاهم» [21] .
وعلى أرض الشام ومصر قام الصراع بين المسلمين والصليبيين، فكان لهم
فضل رد هؤلاء الغزاة عن كل بلاد المسلمين، وعلى أرض الشام هُزم التتار لأول
مرة بعد زحفهم المدمر على بلاد الإسلام.
وفي العصر الحديث ابتليت باليهود وبكل الحاقدين على الإسلام، فهي في
صراع مستمر حتى يميز الله الخبيث من الطيب ويتخذ منهم شهداء، والذي ينظر
بعين البصيرة إلى تجمع اليهود من كل أنحاء العالم، يشعر وكزنهم يساقون سوقاً
إلى هذه المنطقة، بل استطاعوا جرّ أمريكا وأوربا وراءهم لتصبح من المراكز
الحساسة جداً في السياسة العالمية. يقول الدكتور زين نور الدين زين: (ربما ليس
هناك بقعة أخرى في الدنيا كلها وقعت حروب على أرضها وعبرت شعوب ثم
عادت لتعبر ثانية فوق أرضها كمنطقة الشرق الأدنى، فهذه المنطقة كانت أبداً ساحة
معركة للجيوش، كما أنها كانت معتركاً للفكر) [22] ، ويقول أيضاً: (إن المشاكل
الحديثة التي جدت في المنطقة بعد الحرب العالمية الثانية تدفع بالمرء أحياناً إلى
الاستنتاج أن القدر ذاته كان منذ فجر التاريخ يلعب دوراً حاسماً في مصير الشرق
الأدنى وأنه مكتوب على شعوب هذه المنطقة أن تعيش في حالة مستمرة من التوتر
والتنازع، ومنذ سقوط الإمبراطورية العثمانية لم تحسم قط في هذه البقعة من الدنيا
قضية واحدة حسماً نهائياً) [23] .
ويقول الدكتور ج. س. بادو: (مادام هناك ثمرة شهية متدلية من شجرة فإن
قطافها سيغوي أحد الناس وهذا هو السر في تورط منطقة الشرق الأدنى في الشؤون
العالمية) [24] .
والمنطقة ليست ثمرة شهية للغرب والشرق من ناحية الثروات الطبيعية فقط
بل لأنها مركز الصراع الحضاري فالغرب يعتبر (إسرائيل) امتداداً حضارياً له،
وهو في صراع مع المسلمين فلابد إذن من مساعدة اليهود.
إن كثرة ذكر القرآن لليهود وتخصيصهم بالذكر هم والنصارى في سورة
الفاتحة ليدل على أن الصراع بين المسلمين وبين هاتين الفئتين سيكون صراعاً
طويلاً، كما يدل على أثر هاتين الفئتين في الأحداث العالمية، ومن يقرأ الكتب
التي تتحدث عن أثر اليهود في السيطرة على كثير من المؤسسات والدول
واستخدامهم - في سبيل ذلك - المال والنساء والصحافة والواجهات من جمعيات
وأحزاب ذات لافتات براقة، من يقرأ هذا يشعر بأنهم يتلاعبون بالشعوب والأمم
السادرة في غيها وضلالها، ومع أن هناك صيحات تحذير من هنا وهناك ممن
عرفوا حقيقة مكرهم وتخطيطهم من وراء الستار، وأنهم هم سبب الكثير من
الأزمات، الاقتصادية والسياسية، إلا أن هذه التحذيرات لم تعرقل أو تؤخر من
سيطرتهم.
وأما الدول التي تسمي نفسها بالاشتراكية فهي ليست إلا ثمرة من ثمار
اليهودي (ماركس) ومن ثمار المادية الأوروبية.
إن التفسير القرآني للتاريخ بمدافعة الأمم بعضها بعضاً هو أعم وأشمل من
نظرية (التحدي) عند المؤرخ الانكليزي (توينبي) التي هي صادقة في جانب من
جوانب التاريخ الإنساني، فإن تعرض أمة لخطر خارجي أو داخلي قد يظهر من
طاقات أبنائها ما كان خامداً، فإن وقت الأزمات والمصائب هو الوقت الذي يفكر
فيه الناس بالتغيير، ولكن أين هذه النظرية من تفسير القرآن الذي هو عملية
مستمرة وصراع دائم بين الخير والشر ليتغلب الخير أو يخفف من الشر.
ثالثاً - ومن سنته تعالى في البشر أن الأمم التي تبطر معيشتها، وتعيش في
الترف وتنهمك في الملذات، وتقارف الآثام والذنوب، لابد أن يصيبها العقاب إن
آجلاً أو عاجلاً وسواء كان عذاباً مادياً حسياً أو عذاباً معنوياً.
قال تعالى: [وإذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا
القَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً] [الإسراء: 16] فهلاك القرى إنما يجيء بعد وجود طبقة
المترفين الذين يفسقون فيها، والأمر هنا هو أمر قدري كوني، ولا داعي لتأويلها
بأن الله سبحانه وتعالى أمر المترفين بأن يقيموا حدود الله فلم يقيموها فحق عليهم
القول؛ لأن المترفين في الاصطلاح القرآني قد فسدت فطرتهم فلا يستحقون هذا
التكريم [25] .
وقال تعالى: [ولَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ
ولَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَإذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً] ... ... [فاطر: 45] .
وقال: [وقَضَيْنَا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فِي الكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ
ولَتَعْلُنَّ عُلُواً كَبِيراً * فَإذَا جَاءَ وعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ
فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وكَانَ وعْداً مَّفْعُولاً] [الإسراء: 4-5] .
وقال تعالى: [وكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ القُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ
خَبِيراً بَصِيراً] [الإسراء: 17] .
[ولَوْ أَنَّ أَهْلَ القُرَى آمَنُوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِوالأَرْضِ]
[الأعراف: 96] .
وقد ثبت في الصحيحين لما نزل قوله تعالى: [قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ
عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ] قال - صلى الله عليه وسلم -: «أعوذ بوجهك» [أَوْ
مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ] قال: «أعوذ بوجهك» [أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً ويُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ
بَعْضٍ] قال: «هاتان أهون» [26] .
فعذاب التفرق والتحزب هو من العذاب الذي يصيب المسلمين كما يصيب
غيرهم، بل ربما كان في المسلمين أشد، لأن هذا من عذابهم في الدنيا، وقال -
صلى الله عليه وسلم -: «ما ظهر في قوم الربا والزنا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب ... الله» [27] .
وما هذه الأمراض الفتاكة التي تظهر بين الفينة والأخرى وتستعصي على
الطب والأطباء، إلا من عذاب الله لهذه الأمم التي انغمست في حمأة الرذيلة وما هذا
القتل المستمر بين الناس لا يدري القاتل والمقتول فيم يقتتلان، وما هذه الزلازل
المدمرة في لحظات وثوان، إلا من عقاب الله الظاهر والخفي.
يقول ابن تيمية مطبقاً هذه القاعدة على التاريخ الإسلامي: (وقد أصاب أهل
المدينة [28] من القتل والنهب والخوف ما لا يعلمه إلا الله، وكان ذلك لأنهم بعد
الخلفاء الراشدين أحدثوا أعمالاً أوجبت ذلك، وكان على عهد الخلفاء يدفع الله عنهم
بإيمانهم وتقواهم) [29] .
وجاء في (سير أعلام النبلاء) تعليقاً على الأحداث التي جرت في مكة بين
جيش يزيد بقيادة الحصين بن نمير السكوني وبين جيش عبد الله بن الزبير:
(دخل عبد الله بن عمرو المسجد الحرام والكعبة تحترق حين أدبر جيش
حصين بن نمير، فوقف وبكى وقال: أيها الناس، والله لو أن أبا هريرة أخبركم
أنكم قاتلوا ابن نبيكم (الحسين بن علي) ومحرقوا بيت ربكم لقلتم: ما أحد أكذب من
أبي هريرة، فقد فعلتم فانتظروا نقمة الله فليلبسنكم شيعاً، ويذيق بعضكم بأس
بعض) [30] . وأما ما حل بالأمم السابقة بسبب فساد أخلاقها فهو معروف مشهور
وأكبر مثال على ذلك ما حل بالدولة الرومانية، فقد سقطت أمام جحافل الزاحفين
عليها وكأنها لم تكن والفساد والبطر الذي تمارسه أوربا في هذا العصر حدا بالعقلاء
منهم إلى إرسال صيحات الإنذار والخطر، ويقول ألكسس كاريل: (وهذا هو
السبب في أن الأسر والأمم والأجناس التي لم تعرف كيف تميز بين الحلال والحرام
تتحطم في الكوارث، فمرض الحضارة والحرب العالمية نتيجتان ضمنيتان لانتهاك
حرمة النواميس الكونية) [31] .
وكاريل يتحدث عن مرض الحضارة قبل الحرب الثانية وبعدها بقليل، فكيف
لو شاهد قمة التفسخ الأخلاقي والاجتماعي الذي يعيشه الغرب الآن. وهذا ما حدا
أيضاً بمؤرخ كتوينبي أن يطلب من الغرب إعادة الدين إلى قوته الأولى وإيقاف
جبروت العلم [32] .
رابعاً - ومما هو قريب من السنة السابقة: أن الناس هم المسؤولون عن
رقيهم وانحطاطهم، قال تعالى: [إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ] [الرعد: 11] ، فالتغيير يجب أن يبدأ من الإنسان، والله سبحانه وتعالى ييسر له
السبل التي يريدها والأمة التي تعشش فيها الأفكار الميتة والأنانية والبغض والحسد، وقد ركنت إلى الكسل والخمول، هذه الأمة لا يمكن أن تنتج تقدماً أو شيئاً يذكر
بل إن حكماً علمانياً يمكن أن يستمر ويزدهر بالاتحاد والعدالة أكثر من حكم أدعياء
الإيمان إذا ما ركنوا إلى الأخلاق المنحلة وإلى الفوضى والعصيان [33] .
لقد نقل الإسلام العرب نقلة بعيدة غيرت ما بأنفسهم تغييراً شاملاً وجذرياً،
وكل الأفكار القاتلة من عصبيات وخرافات وعقائد ساذجة مضحكة، كل هذا تغير
بعقيدة التوحيد الواضحة الشاملة لكل مناحي النفس الإنسانية وعندئذ استطاعوا تغيير
ما بأنفس الأمم الأخرى، لقد بدأ التغيير بكلمة [اقرأ] ورجل الفطرة الذي لم
تفسده الفلسفات الباردة أو الترف المردي، إن تدبر القرآن الكريم والسنة النبوية
كفيلان بتغيير ما بالنفس من أمراض ليعود رجل الفطرة إلى دوره في السير على
هدى الله ويحقق ما خلق من أجله. وإن تغيير ما بالنفس ليس عملية صعبة فهذه أمم
في العصر الحديث استطاعت أن تنهض من كبوتها بسبب وجود الإنسان الذي
اكتملت فيه الشروط النفسية للتغيير، وليس بسبب وجود المادة وتراكمها، وأكبر
مثال على ذلك ما فعله الشعب الألماني الغربي بعد الحرب العالمية الثانية، وكيف
عمر بلده بعد أن أصبح خراباً بسبب الحرب، ورجعت ألمانيا كأقوى الدول الغربية
اقتصادياً، وصدق فيهم ما قاله الصحابي عمرو بن العاص عن أجدادهم الروم:
(وأسرع الناس إفاقة بعد مصيبة) [34] ، وعندما يغير المسلمون ما بأنفسهم سيأخذ
الله سبحانه وتعالى بأيديهم، لأن هذا وعده ومن أصدق من الله قيلاً.
خامساً - في صرح الحق والباطل سينتصر الحق في النهاية وإن انتفش
الباطل وعربد في البداية، وهذه سنة نلاحظها في تفاصيل الحياة اليومية كما
نلاحظها في الأحداث الكبار، قال تعالى: [أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ
بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً ومِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ
مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الحَقَّ والْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ
فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ] [الرعد: 17] .
يقول ابن قتيبة شارحاً هذه الآيات: (هذا مثل ضربه الله للحق والباطل يقول: الباطل وإن ظهر على الحق في بعض الأحوال وعلاه، فإن الله سيمحقه ويبطله،
ويجعل العافية للحق وأهله، ومثل ذلك مطر جود أسال الأودية بقدرها [35]
[فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رَّابِياً] أي عالياً على الماء كما يعلو الباطل تارة على الحق،
وكذلك المعادن إذا دخلت الكير يوقد عليها فيعلوها مثل زبد الماء ثم قال: [فَأَمَّا
الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً] أي يلقيه الماء عنه فيتعلق بأصول الشجر وجنبات الوادي،
وكذلك خبث الفلزّ يقذفه الكير، فهذا مثل الباطل [وأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي
الأَرْضِ] فهو مثل الحق) [36] .
والمسلمون هم أحق الناس بهذه السنة وإذا تأخر عنهم فلأمر ما في نفوسهم،
أو لأنه لم تتمحص صفوفهم وكيف لا ينصرهم الله سبحانه وهم أولياؤه، وهل
يستوي المجرمون والمسلمون، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
«نصرت بالرعب مسيرة شهر» وهذا الكلام ليس من باب [نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وأَحِبَّاؤُهُ] ، فهذه لا يفكر فيها المسلم ولكنها من باب وعد الله الصادق بنصر المؤمنين عندما
يكونون مؤمنين فعلاً، قولاً وعملاً، وليس من قبيل الأماني ويجب أن يعتقد من
تأخر عنه النصر والتمكين أنه ما تأخر إلا لسبب أو لأسباب، فلا يلومن إلا نفسه،
ولا يضع المعاذير لنفسه ويلقي بالتبعة على غيره.
للبحث صلة.
__________
(1) السخاوي: الإعلان والتوبيخ لمن ذم التاريخ /23.
(2) انظر السخاوي: الإعلان والتوبيخ /23.
(3) المصدر السابق /49.
(4) من الكتب الجيدة التي ألفت ما كتبه الدكتور محمد رشاد خليل في (المنهج الإسلامي لدراسة التاريخ وتفسيره) .
(5) من رواد هذه المرحلة التي تأثرت بالمستشرقين: حسن إبراهيم حسن وأحمد أمين ومن تأثر بهم من تلامذتهم.
(6) - انظر: ابن القيم: الجواب الكافي /22، ودراسات في حضارة الإسلام لجب/152.
(7) يقول (نيبور) و (مارتيان) : إن هدف التاريخ يقع خارج التاريخ انظر: ادوار كان: ما هو التاريخ/82.
(8) الذي يقول بأن هناك مميزات خاصة لجماعات خاصة من البشر.
(9) الذي قال به ماركس، وقد أخذه عن هيغل الذي يقول بتناسخ الحضارات وأن كل حضارة تحمل في داخلها تناقضاً وهذا التناقض يصطدم مع ضده فينتج شيئاً ثالثاً، وهكذا فالعالم يتجه إلى الروح الكلي! ! حور ماركوس هذه النظرية وقال: إن طرق الإنتاج هي التي تعين طرائق التفكير، وهكذا يستمر صراع الطبقات حتى ينتهي الأمر أخيراً إلى حكم طبقة العمال، انظر لويس جودشك: كيف نفهم التاريخ /549.
(10) يرى هذا المؤرخ أن الحضارة كالإنسان تماماً، ولابد أن تمر بفترة النشوء والشباب ثم الهرم فالفناء محتم عليها.
(11) يفسر (توينبي) الحضارة بأنها: رد معين يقوم به أحد الشعوب أو الأجناس في مواجهة (تحد) معين، والطبيعة بالخصوص - أي الجغرافيا - هي التي تقوم بهذا التحدي، وحسب مستوى التحدي وفعالية الرد تقوم حضارة هذا الشعب إما بالتقدم والوثوب إلى الأمام، أو الجمود ومن ثم الفناء، انظر: (شروط النهضة لمالك بن نبي/88) .
(12) محمد عبد الله دراز: الدين /84.
(13) شروط النهضة /67 - ط، مكتبة دار العروبة بالقاهرة.
(14) مختصر دراسة للتاريخ 1/5.
(15) شروط النهضة/73.
(16) الصارم المسلول /250.
(17) المقدمة 2/526، نشرة علي عبد الواحد واقي.
(18) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح 1/271.
(19) أخرجه أبو داود 2/211، والحاكم وأحمد، انظر فضائل الشام للربعي /38 - بتحقيق الألباني.
(20) قال الألباني في تعليقه على مناقب الشام لابن تيمية: إسناده صحيح وهو موقوف.
(21) صحيح الجامع الصغير 1/139.
(22) الصراع الدولي في الشرق الأوسط /14.
(23) المصدر السابق /181 والمؤلف في تعبيراته (الشرق الأدنى) أو (الامبراطورية) متأثر بمسميات الغربيين لتاريخنا.
(24) المصدر السابق /20.
(25) وقد يوضح هذا الأمر الكوني تفسيران: 1 - أن (أمرنا) هنا بمعنى كثرنا من أمر المال، يأمر إذا كثر، يقال: خير المال سِكَّةِ مأبورة، أو مهرة مأمورة، فالمأمور: الكثير الولد، والسكة: السطر من النخل، والمأبورة: المُصلَحة 2 - ومن القراءات في الآية: أمرنا مترفيها، أي أصبحوا هم الأمراء حتى يحق عليها القول، فالله يريد أن يهلك هذه القرية لفسادها، فكانت كثرة المترفين أو وجودهم كأمراء هو السبب المباشر والتفسيران يرجعان إلى أن الأمر قدري كوني، وهو اختيار ابن تيمية -رحمه الله-، انظر الأمالي لأبي علي القاري 1/103 ط، دار الشعب.
(26) فتاوى ابن تيمية 3/285.
(27) صحيح الجامع الصغير 5/141، قال عنه الألباني: حسن.
(28) يعني بذلك: وقعة الحرة عندما ثار أهل المدينة على يزيد بن معاوية.
(29) الفتاوى 11/114.
(30) الذهبي: سير أعلام النبلاء 3/94.
(31) تأملات في سلوم الأنسان /41 - نشرة جامعة الدول العربية.
(32) توينبي: الإنسان وأمه الأرض، انظر: زكي محمود - هذا العصر وثقافته / 27.
(33) انظر ما كتبه الدكتور محمد عبد الله دراز في كتابه: (دستور الأخلاق في القرآن) حول هذا الموضوع، وما كتبه الأستاذ جودت سعيد حول سنن تغير ما بالنفس في كتابه (حتى يغيروا ما بأنفسهم) .
(34) مختصر صحيح مسلم للمنذري، تحقيق الألباني/296.
(35) أي: الكبيرة على قدره، والصغيرة على قدره.
(36) ابن قتيبة: تأويل مشكل القرآن /326 - تحقيق: سيد صقر.







رد مع اقتباس
قديم 15-03-2012, 04:43 PM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
منتهى الحنان
عضو مجلس إدارة


الانتساب : Mar 2011


رقم العضوية : 136934


المشاركات : 56,394


بمعدل : 19.98 يومياً


التقييم : 499927994

منتهى الحنان غير متواجد حالياً

معالم حول كتابة التاريخ الإسلامي
(2)
محمد العبدة

على ضوء هذا التفسير الإسلامي للتاريخ [1] يجب أن نفهم تاريخنا، فهو في
جانب من جوانبه جزء من التاريخ العام للبشرية، ينطلق عليه ما ينطلق على الأمم
الأخرى من سنن نشوء المجتمعات وارتقائها، أو انحطاطها وتخلفها، ويخضع
للعقوبات الإلهية التي تحل بأهل المعاصي والذنوب وأهل البطر والترف.
وفي الجانب الآخر له مميزاته وخصائصه، فهو مثلاً أقرب للصحة من غيرة، وذلك لارتباط نشأته بتدوين سنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وسيرته وهذا
مرتبط بدين هذه الأمة، فكانت العناية بصحة الأخبار ودقتها قد وقع فيه التشويه
والروايات وهذا التشويه من السهولة بمكان كشف زيفها، ثم إن ظروف نشأة الأمة
وعوامل تكونها، والرسالة التي تحملها وترى أن من أوجب الواجبات نشرها
وتبليغها للأمم الأخرى، كل هذا يجعل لكل أمة خلفيات معينة تساعد على فهم
تاريخها، فالدارس لتاريخ أوربا الحديث لابد أن يستحضر الحروب الصليبية
وأثرها على الغرب النصراني عندما احتك لأول مرة بالحضارة الإسلامية.
إن ذكر مميزات تاريخ أمة أو خصائص هذه الأمة لا يعني بحال النظرة
الفوقية المرضية كما وصف القرآن الكريم الأمم السابقة عندما قالوا: [نَحْنُ أَبْنَاءُ
اللَّهِ وأَحِبَّاؤُهُ] [المائدة 18] [وقَالُوا لَن يَدْخُلَ الجَنَّةَ إلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى]
[البقرة 111] ، ولكننا نصف واقعاً قد وجد، ونتكلم عن تاريخ أمة مسلمة مؤمنة قد
نشأت، والذي ينكر هذا، ويريد أن يبدأ من الشك والهدم أو ينظر إلى هذه الأمة من
خلال نظرياته التاريخية، أو ينظر إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- كرجل
عبقري وحدّ أمة وأقام دولة، ويسمي هذا (نظرة حيادية) إلى أمثال هؤلاء لا نملك
إلا أن نقول: [ولِكُلٍّ وجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا] [البقرة 148] وهل تريدون باسم
الحيادية أو الموضوعية أن تهدموا تاريخنا أم تريدون أن نهضم حقوقنا! ونحن إنما
نكتب لدارس يحب الحقيقة أو لمسلم يريد التعرف على تاريخه.
بعض خصائص هذه الأمة:
أولاً: إن أولى هذه الخصائص أنها أمة انبثقت فجأة ومن خلال (كتاب) وهو
القرآن الكريم، الذي شكلها وصاغها أثناء تنزله لمدة ثلاثة وعشرين سنة، ومن
خلال القدوة محمد صلى الله عليه وسلم وجيل الصحابة الذي رباه في كنفه، هذه
الأمة لم تمر بأدوار وأحقاب متطاولة حتى استقرت على ما هي عليه وأنتجت
حضارة هي الحضارة الإسلامية وإنما نشأت في بيئة عذراء، ومن قبائل هي أقرب
للفطرة من الشعوب المجاورة ثم صاغها الوحي فخرجت زرعاً [يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ
لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ] [الفتح 29] هذه النبتة الأصيلة قد استعصت على مؤرخ ك
(توينبي) أن يجد لها حلاً أو تفسيراً فحاول متعسفاً أن يرجعها إلى ما أسماه بـ
(المجتمع السوري) أو العنصر الآرامي الذي بلغ أوجه في عهد سليمان (عليه
السلام) واعتبر أن المجتمع الإسلامي هو وليد هذا المجتمع (السوري) هذا التحليل
العجيب قد يعذر فيه توينبي لأنه لا يريد أن يفهم كيف تتكون أمة وتنشأ من خلال
(كتاب) ، بينما نرى نحن أن هذا النشوء السريع والقوي الذي تشكل بالوحي ورجل
الفطرة هو الذي يفسر لنا أسباب الصراع الطويل بين مفهوم الدين كما فهمه العربي
في الحجاز والجزيرة العربية يومها، وكما فهمه العلماء المحدّثون بعد ذلك، وبين
الذين التقطوا مخلفات الفرس واليونان حين دخلت على هيئة (علم الكلام)
و (الصوفية) و (أبهة الملك) وزاحمت بساطة الإسلام وصفائه، وهو الذي يفسر لنا
تلك المحاولات الماكرة والمستمرة من أعداء الإسلام للانحراف به يمنة أو يسرة مرة
باسم التطور والحداثة، ومرة باسم التعقل، وأخرى باسم التأويل، لأنهم يريدون أن
يتلاعبوا بالقرآن كما تلاعب النصارى بأناجيلهم ويغيظهم كثيراً أن يبقى الإسلام
حتى اليوم واضحاً كما أنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم- كما بغيظهم أنه لا
توجد أمة من أمم الأرض اليوم تستطيع أن تكون مستقلة في عقائدها وتشريعاتها
وكل أنماط حياتها مثل الأمة الإسلامية، فهي تملك شخصية مستقلة في كل شؤون
حياتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وهذا ما لا يريده الغرب والشرق
المتسلط على الشعوب، المغرور بقوته وعلمه.
هذه الحقيقة جعلت (توينبي) يذكرها مادحاً - وقلما يمدح الإسلام - يقول
ذاكراً التحدي الشيوعي الذي يواجه المجتمع الغربي:
(وبفرض انتصار الشيوعية على الرأسمالية انتصاراً عالمي الطابع، لا يعني
هذا انتصار ثقافة أجنبية، طالما أن الشيوعية - عكس الإسلام - تستمد أصولها من
مصادر غربية - باعتبارها - يقيناً - رد فعل ضد الرأسمالية الغربية التي ... تحاربها) [2] .
والذين يزعمون أنهم يملكون شخصية مستقلة مثل الهنادكة الذين يقدسون
غاندي، هم في الحقيقة أسرى الحضارة الغربية، يقول توينبي: (ومن ثم نجد
غاندي ينشئ حركة سياسية ذات برنامج غربي مداره تحويل الهند إلى دولة مستقلة
برلمانية ذات سيادة) [3] والحقيقة أن الثقافة الغربية تهيمن على أكثر شعوب
الأرض ولا ينجو منها إلا من يملك مقومات الثقافة المتكاملة والتصور الشامل
المخالف لثقافة الغرب والذي لا يتحقق وجوده إلا في الإسلام.
ثانياً: وهي أمة غير متقطعة ومستمرة بإذن الله إلى أن يرث الله الأرض ومن
عليها، فهي لا تضعف في جانب إلا وتقوى في آخر ولا تهزم في ناحية إلا
وتنتصر في ناحية أخرى. واستقراء التاريخ الإسلامي يؤيد هذا، فعندما ضعفت
الدولة العباسية ظهر السلاجقة في خراسان وأنقذوا الخلافة من سيطرة الباطنيين،
وكان من آثارهم بعدئذ السلطان العادل نور الدين محمود الذي تصدى للهجمة
الصليبية على بلاد الشام، كما ظهر الغزنويون في الأفغان والهند، وكان مؤسس
الدولة محمود الغزنوي من السلاطين الذين يحبون العلم والجهاد في سبيل الله،
وعندما ضعف الإسلام في المغرب وفي مصر ظهر صلاح الدين الأيوبي
واستعصت القسطنطينية على الأمويين ولكنها استسلمت للعثمانيين الذين حققوا
بشارة الرسول -صلى الله عليه وسلم- بفتحها، وعندما أخرج المسلمون من
الأندلس كان الإسلام قد انتشر بواسطة الدعاة في وسط أفريقيا وفي جزائر إندونيسيا.
وإذا كانت قوى الشر قد تكالبت على المسلمين في العصر الحديث، وكالت
لهم ضربات شرسة، فإننا نرى كيف يظهر الإسلام ويقوى في أماكن لم يكن
أحد يتوقع أن يظهر فيها، كل هذا تحقيقاً لدعاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما ثبت عنه أنه قال: «سألت الله فيها ثلاثاً فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة، سألته أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يسلط عليهم عدواً من غيرهم فأعطانيها، وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها» [4] .
ثالثاً: وهي أمة متجددة موعودة بأن يقيض الله لها دائماً علماء أو أمراء
يجددون لها أمر دينها، يقيمون العدل وينشرون العلم ويبعثون السنن كما جاء في
الحديث: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها ... دينها» [5] .
وفى الحديث الآخر: «مثل أمتي مثل المطر لا يدري آخره خير أم أوله» [6] وقد ظهر من العلماء والأفراد في كل عصر ما يحقق هذه البشارة كالأئمة
الأربعة، وأئمة الحديث كالبخاري ومسلم وأبي داود وأمثالهم من أئمة الفقه والاجتهاد
في كل عصر كما ظهر فيها من الخلفاء والملوك من يجاهد في سبيل الله ويحب
العلم ويقيم العدل، ومن يراجع كتب التاريخ والتراجم فسيجد هذه النماذج دالة على
ما ذكرنا، وإذا كان العلم قد ضعف في القرون المتأخرة فقد وجد من السلاطين من
كان همه الدفاع عن العالم الإسلامي وحمايته من الأخطار الخارجية، وإن كنا ... لا نبرر تقصيرهم في نشر العلم، ومع ذلك فإن هذا الضعف العلمي تلاه في العصر الحديث نهضة علمية إسلامية طيبة، ووجد من العلماء ما يذكرنا بعصر ازدهار العلم في القرون الأولى، ومن عجائب القرآن أننا نجد في كل عصر من يستخرج منه فوائد جديدة لم تخطر علي بال السابقين، وهذا من بركة هذه الامة.
ومن هذه الزاوية فإننا نخالف الأستاذ مالك بن نبي عندما قسمّ التاريخ
الإسلامي تقسيماً حاداً وكأننا في معمل كيمياء أو في غرفة رسم هندسي، إذ قسمّ هذا
التاريخ إلى ثلاث مراحل: المرحلة الروحية وتنتهي عند معركة صفين، والمرحلة
العقلية وتنتهي في عصر دولة الموحدين في المغرب، ومرحلة الغرائز وهي ما بعد
الموحدين وحتى العصر الحديث، إن هذا التقسيم وبهذا التعميم، يلقي ظلالاً سوداء
حول الفترة التي يسميها (ما بعد الموحدين) كما يغفل عن فكرة التجديد الدائم،
فينطبع في ذهن القارئ أن فترة طويلة جداً من التاريخ الإسلامي هي فترة انحطاط
وتخلف، لا تحمل ماءاً ولا تنبت كلأ ونحن نقول إن عوامل الضعف بدأت تنخر
في الأمة الإسلامية من قبل عصر الموحدين إلى أن وصلت إلى ذروتها في نهاية
الدولة العثمانية، فالخط العام يسير نحو الضعف وإن كانت الدولة العثمانية في
مراحلها الأولى كانت دولة إدارية عسكرية من الطراز الأول، والبعث العلمي الذي
بدأ في بعض الأقطار الإسلامية وكذلك الحركات المجددة - مثل دعوة الشيخ محمد
بن عبد الوهاب - إنما ظهرا إبان ضعف الدولة العثمانية، فالخير مستمر، بإذن الله، والطائفة التي معها الحق هي في الأمة الإسلامية، وليس هناك طائفة في أمة من
الأمم اليوم تحمل ميراث الحق، ميراث النبوة غير هذه الطائفة.
رابعاً: وهي أمة منتخبة لا تجتمع على ضلالة، كما جاء عند عبد الله بن
عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله لا
يجمع أمتي على ضلالة ويد الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ إلى النار» [7] .
أما الأمم الأخرى فقد تجتمع على ضلالة كإجماع الأمم النصرانية على
تحريف الكتاب وتبديله واختراع البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان والأمة
الإسلامية إذا وقع فيها شيء من هذا الانحراف فسنجد عشرات بل مئات من العلماء
من يتصدون له، منافحين عن نقاء الشريعة، فهي من هذا الجانب - ورغم ما وقع
فيها من الضعف والتفرق - من أعقل الأمم وأسلمها إذا ما قورنت بما تفعله الأمم
الأخرى من سخافات وضلالات في حياتهم الخاصة والعامة، والتقدم العلمي الذي
أحرزه الغربيون لم يحصنهم من الوقوع في تخبط وصراع في حياتهم الاجتماعية
والفكرية، وما تفعله الأمم الوثنية أعجب وأعجب، وإذا كان النقص قد وقع في
القرون المتأخرة فلا شك أن القرون الأولى هي من خير الأمم كما ثبت عن رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم
الذين يلونهم» [8] .
وهذا الفضل في الدنيا له مثيل في الآخرة فإن أجر الأمة الإسلامية ضعفا أجر
الأمم الأخرى كما جاء عند عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو قائم على المنبر يقول: «إنما بقاؤكم فيمن
سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، أوتي أهل التوراة
التوراة فعملوا بها حتى انتصف النهار ثم عجزوا، فأعطوا قيراطاً قيراطاً، ثم أوتي
أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا إلى صلاة العصر فعجزوا فأعطوا قيراطاً قيراطاً، ثم
أوتينا القرآن فعملنا إلى غروب الشمس فأعطينا قيراطين قيراطين، فقال أهل
الكتابين: أي ربنا أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين وأعطيتنا قيراطاً قيراطاً،
ونحن كنا أكثر عملاً قال الله عز وجل:» هل ظلمتكم من أجركم من شيء؟ قالوا: لا، قال: فهو فضلي أوتيه من أشاء « [9] .
هذه الخصائص لابد من ذكرها، حتى لا نبخس الناس أشياءهم، ففي غمرة
السرد التاريخي قد يغمط أصحاب الفضل فضلهم، وربما بدعوى عدم التحيز، أو
التظاهر بالحياد.
وإذا كانت هذه الخصائص تعطي بعض الضوء لفهم التاريخ الإسلامي ضمن
الأطر العامة، فإن المتأمل لهذا التاريخ سيجد أمامه أحداثاً هامة وظواهر خاصة هي
معالم في طريق الباحث والدارس تساعد على فهم أعمق ووضوح أكثر وهو ما يأمله
كل مسلم يبحث عن الماضي ليبني الحاضر والمستقبل، وهذا ما سنتكلم عنه في
العدد القادم إن شاء الله تعالى.
*يتبع*
__________
(1) انظر ما كتب في العدد الأول عن هذا الموضوع.
(2) توينبي: مختصر دراسة للتاريخ 1/341 ط 2 نشر لجنة التأليف والترجمة والنشر.
(3) المصدر السابق 1/343.
(4) سنن الترمذي 3/319 ط دار الفكر 1983 أبواب الفتن.
(5) أبو داود: كتاب الملاحم 4/480.
(6) جامع الأصول 9/201 قال عنه الترمذي حديث حسن.
(7) جامع الأصول 9/196 أخرجه الترمذي وقال محقق الجامع: هو حديث مشهور المتن ذو شواهد متعددة.
(8) صحيح البخاري 5/62 باب فضائل أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-.
(9) صحيح البخاري 1/232 كتاب مواقيت الصلاة ط 4 / عالم الكتب.

https://www.alnrjs.com/364652.html









رد مع اقتباس
قديم 2018-11-28, 18:05   رقم المشاركة : 3124
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة همسة أحلام مشاهدة المشاركة
السلام عليكم اختي تعيشي اعطيني مراجع حول كتابة التاريخ عند المسلمين وشكرااا لك
https://dar.bibalex.org/webpages/main...F-Job:74631&q=









رد مع اقتباس
قديم 2018-11-28, 18:06   رقم المشاركة : 3125
معلومات العضو
سليم معيزة
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

من فضلك ارجو المساعدة ( كتاب أحمـــــــــــــــد البياتي ) حول المستقبلات الحسية










رد مع اقتباس
قديم 2018-11-28, 18:25   رقم المشاركة : 3126
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Mimi mido مشاهدة المشاركة
رواية الذروة لربيعة جلطي من فضلك وجعلها في ميزان حسناتك ان شاء الله
رواية “الذّروة” لربيعة جلطي: بين التجديد في التيمات ومحاولة البحث عن شكل جديد للكتابة الروائية
admin 2016-10-11 دراسات أدبية وفكرية Comments
1

رواية “الذّروة” لربيعة جلطي: بين التجديد في التيمات ومحاولة البحث عن شكل جديد للكتابة الروائية، أ. بلقاسم فدّاق/جامعة البليدة 2، أ. منصور بويش/جامعة الجزائر 2.بحث نشر بكتاب أعمال مؤتمر الرواية العربية في الألفية الثالثة ومشكل القراءة في الوطن العربي: الجزائر العاصمة 21-22|08|2016 ، ص 175. (للتحميل يرجى الضغط هنا)




الملخص:

منذ ظهرت الرّواية العربية وهي في سعي دائم للبحث عن شكل فنّي تحقّق من خلاله ذاتها، وتجسّد عبره خصائصها التجنسية. فظهر ما يعرف بالتجريب الرّوائي الذي مارسه الرّوائيون بطرق وأساليب وأشكال مختلفة، منها ما هو متعلّق بالبناء والمقوّمات الفنيّة، ومنها ما هو متعلّق بالتيمات والموضوعات… هذا ما نلاحظه في روايات الألفية الثالثة بشكل واضح، منها رواية “الذّروة” للأديبة ربيعة جلطي، الصّادرة عن دار الآداب سنة 2010، الّتي تعتبر إحدى نقاط التحوّل في الرّواية العربية عموما والرّواية الجزائرية على وجه الخصوص، وهذا لعدّة أسباب أهمّها أنّها تمثّل منعطفا في حياة كاتبة عرفت بكتابة الشّعر واشتهرت به، وكذا كونها رواية حاولت أن تجرّب شكلا فنيا جديدا للرّواية، كما لامست “التّجديد” في المضمون من خلال طرح تيمات جديدة وتجديد تيمات موجودة سلفا فطرحت الصّداقة كقضية اجتماعية، السّلطة كقضية سياسية، الجنس كقضية أخلاقية… والأهمّ من هذا كله طابع “السخرية” الّذي صاحب هذا العمل وكذا الجرأة في الطرح والغموض في بعض المواضع… لهذه الأسباب ارتأينا أن يكون موضوع مداخلتنا موسوما بـ رواية “الذّروة” لربيعة جلطي: بين التجديد في التيمات ومحاولة البحث عن شكل جديد للكتابة الروائية. في محاولة لتقصّي أهمّ تيمات هذه الرّواية من الّتي ذكرناها والتي لم نذكر، وكذا رصد مواطن التّجديد في الشكل الروائي الّذي جرّبته الكاتبة.

Résumé:

Le roman arabe depuis son genèse ne cesse de chercher un format artistique dont il découvre son existence, et incarne à travers lui ses caractéristiques de genre littéraire.

Ainsi apparait un nouveau genre « expérimentation romanesque » pratiqué par les romanciers, par différents styles et formes ; concernant d’une part la structure basique et composants artistiques, et en autre les thèmes et sujets…

Voilà ce que nous observons vivement dans les romans du « troisième millénaire ». Compris le roman de « Rabia Djalti » intitulé « Edhouroua »(le pic ou l’apogée), publié en 2010 par « dar el adab » ; considéré comme l’un des points tournants d’évolution du roman arabe et surtout le roman algérien en particulier.

Cela est dû à plusieurs facteurs, considérant ce roman comme une nouvelle envergure de cette « poétesse », En outre, elle essaie d’expérimenter un nouveau format artistique romanesque. Aussi elle approche le « renouvellement » du contenu en imposant de nouveaux « thèmes » et renouveler les thèmes déjà existants, ainsi « l’amitié » devient affaire sociale, le « pouvoir » comme affaire politique, en plus de la « sexualité » en thème d’étique…etc. sans oublier la « satire » qui domine le contenu du roman ; en ajoutant « l’audace » dans la dissertation et puis « l’ambigüité ».

Tout cela nous a incité à intituler notre étude « le roman »edhouroua » de Rabia Djalti : entre renouvellement de thèmes et tentative de recherche d’une nouvelle forme d’écriture

déterminer le taux de réussite de la romancière dans sa nouvelle expérimentation.



1) رواية الذّروة/محاولة لتجريب شكل جديد للرواية: jil

من المصطلحات الشائعة في النقد الروائي المعاصر، مصطلح التّجريب L’expérimentation الموصوف بأنّه مشروع رؤية فنية تحثّ على الاجتهاد والفضول والمغامرة، وعدم التسليم والقناعة بما هو جاهز من الأشكال والرّؤى وأنماط التّعبير.[1] أي محاولة البحث عن شكل جديد للرّواية، واستكشاف عوالم فنّية تخصّ هذا الجنس الأدبي، لم يسبق الولوج إليها.

إنّ الرّواية التجريبية ” لا تخضع في بنيتها لنظام مسبق يحكمها، ولا إلى ذلك المنطق الحارجي الّذي تحتكم إليه الأنماط التقليديّة في الكتابة الرّوائية؛ وإنّما تستمد نظامها من داخلها، وكذلك من منطقها الخاص بها، من خلال تكسير الميثاق السّردي المتداول، والتخلّص من نمطيّة بنيتها”.[2] فهي تثور على نمطيّة الكتابة وحدودها وقوانينها؛ كتقسيم الفصول وتوزيع المشاهد والعنونة، وتقديم الشّخصيات وعرض الأحداث..وغيرها من أسس الكتابة الرّوائية ومقوماتها. وتتّخذ لنفسها نماذج جديدة من البُنى السّردية، تختلف من تجربة إلى أخرى.

وتعتبر رواية “الذّروة” نموذجا قويّا للرّواية التّجريبية كونها، ثارت على أنماط الكتابة الرّوائية التّقليدية شكلا ومضمونا، لقد حاولت ربيعة جلطي في أولى تجاربها الرّوائية أن تصيغ شكلا فنيّا جديدا للكتابة الرّوائية من خلال قالب تجريبي جديد مارسته بثقة، وموضوعات حسّاسة عالجتها بكلّ وعي وجرأة وشجاعة؛ كاسرة بذلك أعقد الطابوهات (السياسة الجنس). مضفية على ذلك بعض الغموض وكثيرا من السّخرية، كما جرّبت تقديما جديدا لمكونات السّرد؛ خاصّة فيما يتعلق بمكوّن (الشّخصية السّردية ) الّذي حمّلته نوازع ومكنونات ومكبوتات، مفعّلة المونولوج كثيرا في هذه الرّواية. وربطتها – أي الشخصيات – في شبكة علاقات اجتماعية وإنسانية دقيقة. وجعل السّرد وكأنّه يبدو واقعيا مُعاشا.

إنّ مكوّنات البنية السّردية للرّواية التّجريبية تطرح علينا تساؤلات وإشكالات جوهرية، تتعلّق بتمظهرات الجديد فيها، من مقوّمات وميكانيزمات حكي وآليات سرد، شأنها شأن أي إيداع له خصوصيته وانفراده بِسِمات لم تبلغها ممارسات الكتابة التقليدية الموغلة في القِدم الّذي “يمتد بجذوره إلى آمادٍ بعيدة مارس الإنسان فيها الكتابة بشكل بسيط جدا، وما لبث أن تصاعد اهتمامه بها، إلى أن بلغ موضعا من التعقيد والتّجريد، مسايرا في ذلك تطوّر مراحل نشأة الكتابة وارتقائها”.[3] وهذا ما سعت إليه الرّوائية الجزائرية ربيعة جلطي، الّتي وظّفت الشّعر الأندلسي وموسيقاه ووظّفت الفن التشكيلي والآيات القرآنية، فالتّجريب في هذه الحالة قرين الإبداع، لأنّه يتمثّل في ابتكار طرائق وأساليب جديدة في أنماط التعبير المختلفة، فهو جوهر الإبداع وحقيقته، عندما يتجاوز المألوف ويغامر في قلب المستقبل، مما يتطلّب الشّجاعة والمغامرة واستهداف المجهول دون التحقّق من النّجاح، والفن التّجريبي يخترق مساره ضدّ التّيارات السّائدة بصعوبة شديدة، ونادرا ما يظفر بقبول المتلقّين دفعة واحدة، بل يمتدّ أوساطهم بتوجس، ويستثير خيالهم ورغبتهم في التجدّيد، باستثمار ما يسمّى بجماليات الاختلاف، ولا يتوقّف مصيره على استجابته فحسب – كما يبدو من الوهلة الأولى – بل على قدر ما يشبعه من تطلّعاتهم البعيدة عن التوقع، ويوظّفه من إمكاناتهم البعيدة. فجدل التّجريب الإبداعي متعدّد الأطراف، لا يتمّ داخل المبدع في عالمه الخاص، بل يمتدّ إلى التقاليد الّتي يتجاوزها والفضاء الذي يستشرفه المخيال الجماعي.[4]

ومن أهمّ ما حاولت الرّوائية تجريبه في شخصيات روائيتها هو تداخل الشخصيات في التصرفات والصفات. حيث تتّخذ شخصية ما صورة شخصية أخرى، وتتجلى هذه الفكرة في شخصية أندلس في مراهقتها، وهي تحاول تقليد شخصيّة عمّتها زهية، محاكية كل تصرّفاتها، ممارسة سلوكاتها طقوسها، من باب الإعجاب والاقتداء، ما هو واضح في قولها:” وأنا أراقب من يراقبها، أزداد إعجابا بشخصية عمّتي زهيّة وأستحسن كل ما تقوم به”.[5] ومؤكّدة هذا الإعجاب في تقليد تصرفاتها في قولها :” في غيابها أداعب قواميسها، وأفتح كتبها العديدة، أورّقها بين أصابعي وأسمع موسيقى خشخشتها…في غياب زهيّة ألبس أحذيتها الجميلة الملوّنة ذات الكعب العالي، وأقلد مشيتها وحركتها القلقة، فتنهرني جدّتي لالّة أندلس وتضحك عمّاتي ويبتسم عمّي التاقي والباقون…”.[6] كما تتجلّى في تشابه الأسماء والطبائع بين الجدّة والحفيدة. وتتجلى أيضا في الشكل والنسخ عندما تحوّلت سعدية بعملية تجميلية إلى أندلس. كل هذا وغيره جرّبته الكاتبة في روايتها. والآن سنخوض بالتفصيل في كلّ قضيّة من قضايا التّجريب الّتي لمسناها في نصّ “الذروة”.

2) التّناص/تجريب التعالق النصّي:

لمــّا كانت الرّواية ذلك الجنس الأدبي الذي ينفتح على سائر تشكّلات الفعل الإبداعي، في شتى صوره التراثية والمعاصرة، المحلية منها والعالمية، والقادر على التفاعل معها، عبر أشكال متعدّدة من التعالق النصّي، تعكس اختلافا في المرجع وتنوّعا في الرّؤية من كاتب إلى آخر، فإنّها تبقى مقبِلة دوما على التّجريب، الذي تستمدّ منه تجدّد نسغها، وتطوّر آليات إنشائها، وعالما روائيّا لا يزال بصدد التشكّل، يتعالى على الثوابت والحدود، من خلال مساءلة السابق من الكتابات ومساءلة الذّات.[7]

يعتبر التّناص intertextualité من أهمّ آليّات التّجريب الرّوائي؛ كونه يفتح المجال أمام النّص ليتعالق مع نصوص أخرى، ويغرف ويقتبس منها ويحاكيها، ممّا يتيح له عدّة طرق لتقديم الأحداث والاستشهاد لها. فيتميّز بذلك عن غيره من النصوص ويختلف عنها شكلا ومضمونا. فمقولة التّناص تسم النص الرّوائي بعدا تجريبيا بحتا، لا سيما إن مارسها الكاتب بذكاء وفطنة يقرّبان النصّ المقتبس من نصّه الرّوائي حد التداخل والالتحام.

إنّ البحث في التّناص جاء كردة فعل على البنيوية، الّتي لم تهتم بهذه المسألة، وظهر مع ظهور التفكيكيّة ونظريّة القراءة، وارتبطت الكلمة (التّناص) بالنـــّاقدة البلغارية الأصل الفرنسية الجنسية جوليا كريستيفا Julia Kristeva، الّتي تعدّ أوّل من وضع هذا المصطلح، معتمدة في ذلك على الإرث النظري الذي خلّفه ميخائيل باختين Mikhail Bakhtine، والّذي يرجع إليه الفضل في التّعريف بالتّناص، وإن لم يذكره بالاسم.[8]

كما نجد المصطلح عند النــــّاقد الفرنسي جيرار جينيت Gérard Genette يندرج تحت المتعاليات النصية Transsexualité الّتي تٌعرّف على أنّها ” كلّ ما يحمل نصّا يتعالق مع نصوص أخرى بطريقة مباشرة أو ضمنية”.[9] حيث حدّدها في خمسة أنماط في كتابه المشهور طروس* Palimpsestes كما يلي[10] :

أ – التناص Intertextualité أو التضافر النصّي: وهو تلاقح النصوص – أي حضور نصّ آخر في ذلك النصّ – عبر المحاورة والاستلهام والاستنساخ، بطريقة واعية أو غير واعية.

ب – المُناص Para texte أو النصّ الموازي أو العتبات: وهو ما سنتحدث عنه بالتفصيل في عنصر لاحق.

ج – الميتانص Méta texte أو النصّ الواصف: وهو خطاب نصّ على نصّ آخر، أي ما نسمّيه عادة بالتّعليق – نصّ مرتبط بنصّ آخر، يتحدّث عنه دون أن يذكره أحيانا – وهو العلاقة النقدية.

د – النص اللاحق Hyper texte أو النّص النّاسخ: تعمّد جيرار جينيت تأخير هذا النوع لأنّ مدار كتابه كله كان عليه، وهو عبارة عن علاقة تحويل ومحاكاة تتحكّم في النّص (ب) كنصّ لاحق Hyper texte بالنص (أ) كنصّ سابق Hypo texte.

هــ – معمارية النص Archi texte أو النّص الجامع: يتحدّد في الأنواع الفنية والأجناس الأدبية؛ شعر، رواية، مسرحية.. وهو نمط أكثر تجريدا، بل الأكثر ضمنية. وسمّاها جيرار جينيت بالبكماء أو الخرساء، لأنّها تعلن ولا تعلن، ولكن أهم ما تفعله أنّها ترسم للمستقبِل ( المتلقي ) أفق انتظار، ومن ثم تقبلا ما للأثر. [11]

وعموما يعد كل من التناص والمـــُناص (العتبات) أكثر المتعاليات النصيّة حضورا في الرّواية التجريبية، كون الأول يدخِلها في علاقة مع نصوص وسياقات أخرى، والثاني يقيم علاقتها مع المتلقي. والآن سنعرض أهم الأشكال التناصية الّتي رصدناها في رواية “الذّروة”، والّتي حاولت الكاتبة من خلالها تجريب التعالق النصّي في روايتها، ومن ثمّ نتوقّف عند العتبات النصيّة المصاحبة لهذا النّص، محاولين إعطاء قراءة تأويلية لتجربة المُناص فيه.

2-1) التناص القرآني:

إنّ الثقافة العربيّة على توالي العصور الإسلامية كانت في مجملها تعتمد القرآن الكريم مصدرا تدور حوله الأبحاث والدراسات،[12] ونغرف منه النصوص الإبداعية (شعرية ونثرية) وتضمّن منه، ما يعزز أشكالها ويقوّي بنياتها. وقضية التناص القرآني “تنفرد بها الثقافة العربية وتؤثّر في حركيّة عملية تشابك العلاقات التناصيّة فيها، فلا تعرف الثقافات الأخرى مثل هذا النّص الأب ، النّص المثال ، النّص المسيطر ، النّص المطلق ، النّص المقدّس..”.[13] فالتناص القرآني أكثر أنواع التناص حضورا في النصوص الإبداعية عبر مختلف العصور.

ضمّنت ربيعة جلطي نصّها آيةً من سورة العصر في قولها:”..يُشاع في العائلة أنّ أبي فُتن بها أيّما فتنة، لولا انّ امرأة أخرى ابنة عمة له تدعى نوّارة غارت منها، فسقته شاياً مسحورا ساعة العصر…. لماذا ساعة العصر…؟

والعصر إنّ الإنسان لفي خُسر”.[14] مقتبسة معنى الخُسران الذي تضمّنته الآية رابطة إياه بمفعول السّحر، كون السّحر عمل يلحق بصاحبه أذى وخسارة كبيرين.

كما ضمّنت آية أخرى ” الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون”.[15] الّتي تعقد تناصاً مع الآيات الكريمة ” لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ “.[16] والملاحظ أنّ الرّوائية وظّفت الجملة المقتبسة في نفس السياق الذي جاءت فيه الآية، وهو أنّ الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون.

كما نجد في عنوان الفصل الثاني من الرّواية الذي وسمته “حمّالة النهد. جيد وحبل من مسد”.[17] تناصاً مع آيات سورة المسد، في قوله تعالى :”…وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ. فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ“.[18] فاستبدلت دلالة حمل الحطب على الجيد بحمل النّهد، ودلالة المسد بدلالة القطن والحرير الّذي تصنع منه الحمّالات؛ والمقصود هنا هو دلالة الثقل الموجود في حمل الصدر باعتبارها دلالة حقيقية، تنطوي على حمل المكبوتات كدلالة مجازية.

2-2) التناص التراثي/الامثال الشعبية:

كان التراث الشّعبي وما يزال مصدرا يستمدّ منه الرّوائي أدواته الفنيّة والإجرائية؛ إذ هو منبع استلهامه سواء على مستوى اللّغة أم على مستوى الخيال ولحضور النّص الشّعبي في العمل السّردي أثر بليغ في عمليّة الاتّصال والتّواصل بين الكاتب والقارئ، فهو تعبير عن واقع الشّعب وهمومه ومشاكله وكذا أفكاره.[19] ويتجلّى هذا النوع من التّناص بشكل أكبر في الأمثال الشعبية والحكم، والّتي وظّفت منها الرّوائية ربيعة جلطي عددا كبيرا في نصّها “الذّروة”، ما يعكس ثقافتها الشّعبية الجزائرية العميقة، خاصّة وأنّها من منطقة “نذرومة” المعروفة بتكريسها للثقافة الشعبية، ومن هذه الأمثال نذكر: ” زهية عندها الزهر يشقّق الحجر”.[20] ” الله يسامحها زهية أختي صامت شحال من عام.. وفطرت على بصلة”.[21] ” كل خنفوس عند أمه غزال”.[22] “الدّق والعافر ، ومشقوق المناخر”.[23] “جوّع كلبك يتبعك”.[24]“من لحيتو بخرلو”.[25]

هي أمثال شعبيّة متنوعة الأغراض والمقاصد، متباينة الموارد والمضارب، حشدتها الرّوائية في نصّها، لتُـــكسبه سمة جزائرية خالصة، وتُنطِق شخصياتها لغة بلد المليون والنصف مليون شهيد، كون هذه الأمثال جاءت على ألسنة الشخصيات.. حيث تعلن هذه الأمثال عن مرجعية ثقافية مرتبطة بالرّوائية من جهة وشخصيات الرّواية من جهة أخرى. وما زاد من جماليتها هو تضمنيها داخل الحوار، لتظهر وكأنّها من صميم اللغة السردية.

2-3) التّناص الفنّي/الشّعر والموسيقى وتوظيف الفن التّشكيلي:

وهو تضمين النّص أبيااتا شعريّة أو مقاطع موسيقية أو نماذج من الفنون التّشكلية.. وغيرها، حيث يتمّ نقلها إلى النّص تارة للاستشهاد وتارة لعلاقتها بالأحداث وبأفعال الشّخصيات وأقوالها وطقوسها.. وقد تحدّدت الأشعار الواردة في رواية “الذّروة” في الطّابع الأندلسي الذي فرض نفسه بقوّة في هذا العمل الرّوائي، ما يعكس اطّلاع الرّوائية وحبها للثقافة الأندلسية وتشبّعها بها. حيث نجدها تضمّن الأبيات الاندلسيّة وإيقاعاتها بصوت الشيخ غفور:

لمن نشكي بليعتي عيدولي يا اهل الهوى

آش عيبي وذلتي خلوتي خاطري انكوى

شعلت نيران مهجتي ضيّعت القلب ما قوى[26]

وكذلك الأبيات “يا غربتي قولي لأهلي

متشوق ولا شي بيا

غير توحشت الغالي

يا ذاك الطير العالي

فوق السطح تلالي

روح عند حبابي

خبرهم ورجع ليا…”.[27]

إنها وغيرها أبيات وظّفتها ربيعة جلطي في لحظات صدق وشجن وحنين عاشتها شخصياتها خاصّة الشخصيتان الرئيسيتان الجدة لالّة أندلس المتشبّعة بالثقافة الأندلسية، وحفيدتها أندلس الفنانة المرهفة المحبة للسّلام.

كما نجدها في سياق آخر يرتبط بالأعراس والزفّات توظّف أغنية الراي”طريق الليسي ويا دلالي..طريق الليسي عقبة وكي عياتني”.[28] كون إيقاعات الراي تتصدر الأعراس الجزائرية وتدوّي في لياليها.

كما لا تنسى ربيعة جلطي توظيف الفن التّشكيلي من بعض المواضع من روايتها مثلما هو واضح في هذا المقطع “كان فنانا تشكيليا بوهيميا غريب الأطوار … يدعى يحيى الغريب، ويشاع أنّ اللّوحة التي تتصدّر مدخل بيتها من أعماله وبريشته… كان يوقع في أسفل لوحاته على شكل عينين تشبهان عيني حبيبته لالّة أندلس “.[29] حيث ألصقت صفات الفنانين وطقوسهم في إحدى الشخصيات الثانوية التي تطلّب السرد أن تكون بهذا الشكل، ولمـــّا كان الفنّان مؤثرا فيمن حوله وتاركا بصمته، حتى وإن غاب فإنّ توقيع يحيى غريب لاحق لالّة أندلس وكان سببا في اعتقال المستعمرين لها، كما يتضح في قولها: ” في صباح ممطر دُقّ الباب بعنف، كان جنود فرنسيون يطلبون لالّة أندلس إلى مقرّ الاستنطاق، بتهمة انتمائها إلى عصابة يحيى الغريب والتنسيق معه للإخلال بالأمن والنظام العام، ودليل تهمتها صورها التي تملأ لوحات يحيى الغريب، وعيناها الرابضتان أسفل كل لوحة بمثابة توقيع”.[30]
https://jilrc.com/%D8%B1%D9%88%D8%A7%...C%D8%AF%D9%8A/









رد مع اقتباس
قديم 2018-11-28, 18:27   رقم المشاركة : 3127
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Mimi mido مشاهدة المشاركة
رواية الذروة لربيعة جلطي من فضلك وجعلها في ميزان حسناتك ان شاء الله
الذكورة و الجسد في رواية "الذروة"لربيعة جلطيpdf



أ.خضور وليد

جامعة محمد خيضر ـ بسكرة (الجزائر)

الملخص :

تسعى هذه الدراسة لتحليل نص سردي نسوي استنادا على المقاربات النقدية للنقد الثقافي،من خلال رصد مفاهيم الذكورة والجسد في رواية "الذروة"كنسقين ثقافيين مهيمنين داخل النص وتفكيكهما،في محاولة لتقديم تصور حول الأنساق الثقافية في السرد النسوي في الجزائر.

Résumé:

Cette étude cherche récit analyse de texte féministe basée sur des approches critique de la critique culturelle, par le biais de la surveillance de la "androcentrique" et du "corps" concepts dans le roman «adhrwa» que les systèmes culturels dominants dans le texte et le déconstruire, dans une tentative pour amener la perception sur les systèmes culturels dans le récit féministe en Algérie.

Summary :

This study seeks narrative text analysis feminist based on criticism approaches of cultural criticism, through the monitoring of "androcentric" and "body" concepts in the novel " adhrwa " as the dominant cultural systems within the text and déconstruction, in an attempt to bring the perception about the cultural Systems in the feminist narrative in Algeria.

يروم هذا"المقال"تحت مظلة المقاربات النقدية للنقد الثقافي أن يقدّم قراءة نقدية لنص سردي نسوي مستأنسا بــ الآليات الإجرائية للنقد الثقافي،مستهدفا إمكانية الوصول للكشف عن بعض الأنساق الثقافية المضمرة في رواية "الذروة"لربيعة جلطي،منطلقا من فكرة أن النصوص السردية هي الأقدر على احتواء الأنساق،فالنسق ذو طبيعة سردية1،ومستفيدا من طبيعة النص _ موضوع المقاربة_ الذي هو نص نسوي يحيل على الكتابة النسوية وما تفرضه من رؤية مختلفة،وما تتسمبهمن أسلوب في الكتابةينمازعن أسلوب الرجل في ذلك،2 فهي تنطلق _ أي المرأة الكاتبة _ من رؤية ناقدة للثقافة التي تؤطر ممارستها الإبداعية على اعتبار أن هذه الثقافة هي مؤسسة ذكورية بامتياز تخضع لمنطق الذكورة وشروطها،وبذلك فهي تنطلق من رؤية ناقدة للرجل فتؤسس كتابتها على منطق الصراع مع الرجل من البداية، 3 فكأنها تحاول أن تثبت كتابتها بمحو كتابة الرجل والقضاء عليه بــ القلم/الخنجر 4كأداة قادرة على شق جسد الكتابة الذكوري.

إن منطق الصراع الذي تؤسس عليه "كتابتها يحتم عليها تقديم النص المخالف الذي يكتسي بزي الأنثى والذي يتحول إلى جسد وتصبح الكتابة بعد ذلك تعويضا عن الآخر واستغناء على وظيفته التقليدية5 وسيلة لممارسة الرغبة والاحتفاء بالنص/الجسد،استنادا إلى "أن علاقة المرأة بجسدها علاقة نرجسية وشبقية في نفس الآن".6

إن النص الأنثوي يتّخذ من جسد الأنثى مادة خام يقوم بصياغتها لتحقيق الإغراء والإثارة واللذة النصية،* فالجسد في النص الأنثوي قيمة إغراء وافتراق لرجل وعنه،حيث أن استعمال الجسد من طرف الأنثى يتفوق عن كل الاستعمالات له،فلا يستطيع وصف الأنثى إلا الأنثى الخبيرة بأحوال أنوثتها والقادرة على تقديم الجسد بالطريقة المناسبة واستثماره لتأثيث المساحات السردية في النص7،فالجسد هو أيقونة الكتابة النسوية.

تبرز إذن توظيفية الجسد ونقد الذكورة كمركزية للكتابة النسوية ولهذا يسعى"المقال"لأن يقدم مقاربته في النقد الثقافي على ضوء هذين المفهومين انطلاقا من كونهما يعبران عن نسقين ثقافيين أو بالأحرى أن "تمثّلاتهما"**في نص "الذروة"تنطوي على مفهوم النسق الثقافي المضمر.

وهنا نأتي لتحديد مفهوم "النسق"الذي هو مفهوم زئبقي يصعب تثبيت صيغة محددة له،فقدتعددت استعمالاته في الدراسات النقدية بصيغ مختلفة،ولهذا فإن حصر مفهوم محدد وثابت للنسق في هذا البحث أمر ضروري انطلاقا من كيفية فهم "المقال"للنسق.

ولن يخرج "المقال"في تحديده لمفهوم النسق عن محددات الغذامي له في كتابه "النقد الثقافي"،فالنسق عنده مفهوم مركزي في مشروعه النقدي تتمحور حوله أفكار الغذامي النقدية التي تتخذ من النقد الثقافي منهجا لها.

وبناء على هذا فالنسق يتحدد كالآتي:

النسق يتحدد بالوظيفة لا بالوجود:فدور النسق في النص ووظيفته هما من يحددانه بمعنى:أنه "حين يتعارض نسقان أو نظامان من أنظمة الخطاب أحدهما ظاهر والآخر مضمر ويكون المضمر ناقضا وناسخا للظاهر"8في النص المشتغل عليه فنحن أمام نسق ثقافي يستجيب للمضمرات النسقية التي تسير تحت توجيه المؤسسة الثقافية فيحدث أن يكون المضمر في نص ما ناقضا ومنافيا للظاهر أو المعلن الذي يستهدفه النص دونما وعي من صاحب النص لأن هذه الأنساق المضمرة منكتبة ومنغرسة في الخطاب مؤلفتها الثقافة تتحكم في الجميع فيستوى معها الكاتب والقارئ9

-إذن فالوظيفة النسقية تفرض نسقان يتجاوران في نص واحد وآن واحد ويكون المضمر فيهما نقيضا للظاهر،وهذا ما يسعى "المقال"لتأكيد عليه.

وبهذا فالتركيز في هذه المقاربة سينصب على ثنائية المضمر والظاهر (المخفي/اللامرئي والبارز/المرئي) في النص الذروة*** انطلاقا من مفهومي (الذكورة والجسد)اللذان سيحاول البحث كشف تمثّلاتهما في النص اعتمادا على ثنائية ****(المضمر والظاهر) مع الليونة في التعامل مع معطيات النص لألاّ تقع المقاربة في مغبة الإجحاف في التعامل مع النص وإرغامه على الدخول في هذا التصنيف الذي تفرضه المقاربة،فالبحث يسعى للكشف عن بعض الأنساق الثقافية،المضمرة في حدود ما يسمح به النص المدروس. وهنا نطرح السؤال الآتي:

$1- ماهي تمثلات"الذكورة والجسد"بوصفهما نسقان ثقافيان مضمران في رواية الذروة لربيعة جلطي؟وكيف نكشف عنهما؟.

I-النسق الثقافي "الذكورة" وتمثلاته:

إن حقيقة التهميش الذي طال المرأة عبر مراحل التاريخ لا يمكن أن نفهمها إلاّ بتحديد السبب وراء ذلك والدوافع التي جعلت المرأة تقصي من كثير من المجالات الحياتية،ويحجّم دورها في المجتمع وتوصف بالعورة الفاضحة والقاصرة والناقصة،وتصنف على أنها جسد مثير للشبق والرغبة،ويأخذ وجودها معنى واحد،أنها مادة للذّة موضوعها الجسد الذي يقلب على كل جوانبه ويفحص باستهام ذهني،وتدرج تفاصيله في سياق الشبق اللغوي ويعاد إنتاجه كمادة دعائية من أجل استثارة الرجل10الذي يمتلك السلطة في المجتمعات الذكورية التي رتبت الأنثى في مرتبة أدنى من الذكر،واعتبرت أن المجتمعات الطبيعية هي المجتمعات التي يستأثر فيها "الذكر" بكل شيء ويكون نصيب"الأنثى" الانقياد والانسياق لإرادة"الذكر".

إن المجتمعات الذكورية هي تلك المجتمعات التي تنتج مفهوم "الأب"أو"الأبوة"وتقوم على تقديس له ينبع من الهالة التي تحيطه بها هذه المجتمعات "البطريركية"،إنها هالة ترتفع به من مرتبة الأب الطبيعي إلى مرتبة الأبالثقافي والروحي لتمنحه بعد ذلك شرعية لكل أفعاله وأقواله دونما أدنى مسائلة ويكون استنادا إلى ذلك المرجعية الأولى في كل القضايا والمشكلات وتكون رؤيته هي الرؤية الوحيدة وقادرة على تفسير كنه الأشياء واختراق حجب الغيب وإعطاء التفسيرات التي لا تقبل المراجعة،إنه جنوح إلى التقديس هو ما تتصف به المجتمعات الذكورية في نظرتهاللذّكر.

لقد أصبحت الفروق البيولوجية بين الرجل والمرأة في المجتمعات التقليدية مدعاة لخلق فروق طبقية بينهما، وإلاّ كيف يحظى الأب بهذه المكانة التقديسية التي تتيح له كل شيء حتى المحظور،فالمؤسسة الذكورية تعمل على غرس سلطة الأبوة في عمق المجتمع وترسيخ هيمنته بكل ما تملكه من أساليب تستخف بها العقول وتستميل بها القلوب لتجعل مفهوم الأب مفهوما مركزيا يستند إلى سلطة دينية وتاريخية ونفسية تحصنه ضد كل تقويض.

وتصف "مارلينفرينش""M. FRANCHE" النظام الأبوي بأنه يتميز بــ "العدوانية وبالبنية الهرمية وبالوجود المستقل عن التغيرات الاجتماعية"11،ولعل هذا ما جعل كثيرا من الباحثين يعتقدون بوجود شبه بين الأبوية الذكورية والظاهرة الاستعمارية التي يصفونها بالدعامة الأساسية للذكورية12،والحاضنة الفكرية لها فالنظام البطريركي يستمد مفاهيم كثيرة من الظاهرة الاستعمارية،فكلاهما يقوم على العنف والتفسير الطبقي والتحيّز والتمييز بين فئات المجتمع إضافة إلى أنّ النظام الأبوي عادة ما يصبح الوريث الشرعي للاستعمار الذي يترك المستعمرات في حالة جاهزية فكرية ونفسية لتقبل النسق الأبوي والتعايش معه.

وبالعودة إلى السرد يمكن القول أن السلطة البطريركية وظفت هيمنتها الثقافية في المشهد السردي واستطاعت اختراقه والالتفاف حوله ليصدر عن رؤيتها ويجسدها لغويا في كثير من النصوص وقد ذكر صاحب "موسوعة السرد العربي" مجموعة من الأعمال السردية التي مثلت المركزية الذكورية في نطاق الثقافة العربية وبين الكيفية التي جسد بها السرد هذه الرؤية الذكورية،حيث أن السرد يصبح مشدودا إلى التعبير عن المركز في الرواية الأبوية،وتكون المرأة فيها مكونا ثانويا مكملا للذكورة وتقوم بتأثيث الخلفية العامة لحياة الرجل،ويصبح أي تطلع خارج النظام الأبوي تطلعا غير أخلاقيا،وينتظر عقابا أخلاقيا وجسديا صارما،ويوظف موت الأب أو اختفائه بطريقة تجعل من العالم السردي عالم معرض للتفكك والتدهور والانحلال،فكأن الحضور الرمزي للأبوة يحول دون انفراط العقد القيمي المقدس،13فموت الأب هو غياب للمركز السردي في الرواية الذكورية،وهذا ما تحيل عليه ثلاثية "نجيب محفوظ"التي بني عليها الباحث افتراضاته حول النسق الأبوي وتقديس الفحولة.

إن هذا الامتلاء السردي بما هو ذكوري والفراغ من كل قيمة أنثوية جعل الأنثى تبحث عن فضاء سردي خال من كل ما هو ذكوري،ودفع بها إلى الولوج إلى عالم الكتابة ومحاولة دحض التمركز الذكوري وتقويضه،فكان نقد الذكورة هو حجز الأساس في الصرح السردي النسوي،فمنه تبدأ عملية الكتابة وإليه تنتهي وإن لم يوجه الخطاب الناقد للذكورة مباشرة فإن عمق الخطاب ينطوي على ذلك،وهذا ما عبر عليه "المقال"بمنطق الصراع في الكتابة النسوية.

وهنا تبرز القضية الأهم في هذا الحديث،حول نقد الذكورة في السرد النسوي إنها قضية السقوط في فخ الذكورة والصدور عن رؤيتها والتماهي في منظومتها اللغوية والسردية،وتأكيد على مركزيتها الفكرية والثقافية من لدن المرأة الكاتبة التي تستسلم للنسق الذكوري المضمر في وعيها الكتابي وفي لاوعيها الثقافي،وتقوم بهدم منطلقاتها الكتابية ونقد رؤيتها الأنثوية في وقت كانت تريد نقد الذكورة وما تنطوي عليه من إقصاء وتهميش لصوت الأنثى،إننا إزاء مفارقة إبداعية نسوية تتصارع فيها قيم الذكورة الثقافية مع قيم الأنوثة الثقافية وتقوم الأنثى الكاتبة فيها بتقويض أنوثتها دون أن تشعر بذلك،وتُعلي من قيم الذكورة التي كان من المفروض أن تقوم بحطّها والقضاء عليها،إنها سلطة النسق وحيله وقوته في التغلغل داخل الرؤية المضادة له واستخدامها لتدعيم سلطته.

هذا ما نجده في رواية "الذروة"14 التي تنطلق من نقد للرؤية الذكورية في الجانب الثقافي والسياسي وتحاول كشف أمراض السلطة الذكورية،وتعرية واقعها المأزوم وفضح سياساتها الفاشلة إنها رواية نقد للذكورة بامتياز لأن صاحبتها تعبر بامتعاض شديد عن الواقع الذكوري وأمراضه مستخدمة كفاءاتها اللغوية والسردية في ذلك.

إن الكاتبة لا تتوانى في توجيه الخطاب الناقد للرجل الذي يمثل السلطة السياسية والاجتماعية،هذه السلطة النابعة من مفهوم الذكورة وما تفرضه من تهميش وإقصاء للمرأة واستخدام تكميلي تزييني لها يقوم برسم حدود زمانية ومكانية لها،فهي مخلوق منزلي وليلي حضورها معادل موضوعي عن الرغبة والمتعة واللذة.

إن نقد الذكورة في هذا النص السردي يعبر عن توجه أساسي ومركزي،تصبح فيه السلطة السياسية الحاكمة هي المعادل الموضوعي عن الذكورة أو هي التجسيد المادي لمفاهيم الذكورة،ومن هنا فإن نقد السلطة هو نقد للذكورة،لكنّ الكاتبة في نقدها "للذكورة/السلطة "تستسلم للنسق الذكوري المضمر في نصها،ويستجيب سردها للمعطيات الأبوية استجابة لا ريب فيها تجعل من المضمرات النسقية الذكورية حاضرة بقوة في هذا النص من خلال تمثلاتها التي رصدها "المقال"في مجموعة من النقاط لعل أهمها:

I-1-السرد المقيد والفضاءات المغلقة:إن الحيز الروائي(l’espace) هو الفضاء المساحي والزماني الذي يتأسس فيه الخطاب بفعله وشخوصه،15ويحظى مفهوم المكان في السرد بأهمية كبيرة فهو الذي يمثل البعد المادي الواقعي للنص وهو الفضاء الذي تجري فيه الحوادث وله القدرة على التأثير في تصوير الأشخاص وحبك الحوادث ويؤدي دورا حيويا في الفهم وعملية التفسير والقراءة النقدية للنص الروائي فمن خلال المكان يمكننا أن نعرف الغاية والقصد من النص الروائي. 16

ويبرز المكان في نص "الذروة"محددا بالغرفة والحمام،فهما الفضاءان اللذان تباشر فيهما الكاتبة خطابها الناقد للذكورة،وليس من الصادفة أن تكون أول جملة في هذا النص حاملة لدلالة نسقية تتحدد من خلال محاولة الكاتبة تضيق مساحتها السردية والبحث عن الفضاء المغلق.

"أغلقت الباب دوني،هكذا.....17"

إن هذه الجملة الثقافية التي تبحث عن المكان المغلق "الغرفة"تنطوي على نسق ثقافي ذكوري مضمر فالفضاء المغلق يعتبر من نتائج الهيمنة الذكورية في هذا النص،فالكاتبة قبل أن تشرع في نقد الذكورة استسلمت للحدود التي ترسمتها لها الذكورة وهي حدود البيت (الغرفة،الحمام) حيث تنكمش الأنثى على ذاتها وتحس لمرارة التضييق والتهميش والاستلاب الذي أوجدته المجتمعات الذكورية وفرضته عليها،فالقبول بالفضاء المغلق من لدن الكاتبة ناتج عن تأثير النسق الذكوري المضمر فيها وذلك في وقت كانت تحضر نفسها لنقد الرؤية الذكورية.

فالباب المغلق/الفضاء المغلق هو المجال المسموح به للأنثى في التعبير عن ذاتها ورغباتها المكبوتة،إنه سجن ذكوري لطالما حاولت المرأة أن تؤثثه وتزينه في أعمالها السردية،وهذا دليل على القبول به والاعتراف بالهيمنة الذكورية في السرد النسوي،فالأنثى تحت تأثير النسق الذكوري أصبحت تخاف وتتوجس من (الباب المفتوح/الفضاء المفتوح) وهذا ما يعبر عليه نص الذروة،الذي صرّح من البداية بأن جو الرواية هو جو (الغرفة المغلقة) وما يدور فيها من هواجس نسائية.ويبدوا أن الكاتبة قد أحسّت بهذا القيد السردي الذي فرضته على نفسها فاستعملت الخطاب المذكر في محاولة لإدخال الرجل إلى عالمها المغلق،ومن ثم منح هذا العالم المغلق شرعية تنفى عنه صفة السلبية والهامشية لينال بعد ذلك اعترافا من طرف المؤسسة الذكورية:

"أغلقت الباب دوني ، هكذا......"

أنت أيضا يحدث لك ان تغلق الباب دونك:
أعرف..!!

يحدث أن تلملم زغب ذاتك المنفوش،مثل عصفور وقع من عش أمه،أعزل إلاّ من ألوان عيون القطط،ألوانجميلة للموت .
أعرفك. أنت أيضا يحدث لك أن تغلق الباب دونك"

ويمكن القول أن ثنائية(غلق/فتح)اصبحت تنوب في هذا النص عن ثنائية (مضمر/ظاهر)،وتحوّل الفضاء المغلق في هذا النص إلى فضاء للتعبير عن المضمرات النسقية في هذه الرواية وهذا ما يعبر عنه "الحمام"بوصفه فضاء مغلقا صالحا لممارسة الطقوس الأنثوية،فتطالعنا الراوي المشارك،18"أندلس"بوصف لما يجري في حمام البيت من صراع وسجال وعراك سياسي عالي المستوى بين "العمةزهية"المترجمة الشخصية للزعيم والموظفة السامية في القصر الرئاسي، وأشخاص مهمين في السلطة(الوزراء،المستشارين...)حيث تعودت زهية على الاختلاء في الحمام كل صباح ساعة كاملة قبل ذهابها إلى العمل:

"تدخل زهية الحمام،تغلق الباب دونها،رويدا يتعالى صوتها ليس بالغناء كعادة الناس تحت الماء،ولكن بصراخ الغضب والشجار تسب وتلعن بأعلى صوتها وتسمي أشخاصا بأسمائهم علمت في ما بعد أنّهم مسؤولون مهمون في السلطة وتسيير أمور البلاد،هؤلاء الذين ستلقاهم خلال يوم العمل الجديد هذا، وتكون على موعد عمل معهم في الساعات المقبلة. حين تدخل زهية قاعة الحمام تحمل إضافة إلى حقيبة يدها بعض الملفّات والصور،وأدوات أخرى تخفيها عن العيون.

تغلق زهية الباب دونها بعد أن تدير المفتاح مرتين...

تلصق زهية صورة الواحد من شخصياتها على مرآة الحمام الكبيرة تدخل معه في حوار عن أمر ما عن مسألة تبدو جادة في البداية ثم لا تلبث أن تكيل له السباب بأعلى صوتها وتبصق عليه،وتهينه وتأمره وتنهاه، وتوبّخه وتشزره،وتنهره،وتحذره من نطق كلمة: -اسكت يا كلب،يبدو أنّك صدّقت أنّك وزير...

كيف لك أن تكونه وأنت على ما أنت عليه من الغباء والشطط.

أنت لست اكثر من ذبابة زرقاء،الأحسن لك أن تبيع بعر الماعز إذا وجدت من يشتريه،ذلك ما يليق بك تماما... ياله من بلد وياله من زمن أغبر بئيس أصبح فيه أمثالك مسؤولين عن مصالح الناس!...

أغلق فمك. لم أكمّل كلامي ولم أسمح لك بالكلام !

أما الزعيم صاحب الغلالة فتناديه باسمه الخاص،وتسمعه ما لا يسمع بلغات مختلفة...

سمعتها ذات صباح تصرخ في وجهه:

-ألم تعلّمك أمّك الفطنة أيّها الدب...؟ أكان عليّ أن أنبهك إلى غلق فتحة سروالك؟ هذه ليست مهمتي ...مهمتي غلق فتحات مخّك أيها الأجرب،ثم تنشب أظافرها في الصورة وتمزّقها إربا إربا".19

إن هذا الحمام المأهول بالذكور المسؤولين الذين يشكلون هرم السلطة بدءا بالزعيم ووصولا إلى الوزراء وكبار المستشارين،الذين يخضعون إلى محاكمات أنثوية خيالية داخل فضاء مغلق،فيه دلالات واضحة على سطوة النسق الذكوري المضمر في النص،إذ كيف نفهم هذا "المجاز الكلي"20الذي يؤطر النص المنقول من الرواية دون ربطه بالمضمر النسقي الذي تصدر عنه الرواية،فالتمثلات الذكورية تبدو واضحة المعالم ولا تحتاج إلى تأمل كبير،فالكاتبة تحاول التعبير عن ذلك النقد اللاذع للذكورة فتلجأ إلى الحمام كفضاء مكاني وإلى الصور والمنشفات تجسد بهم رجال السلطة (الذكور) لتقوم بمحاكمتهم ومساءلتهم،وكيل السب والشتائم لهم وضربهم وتهشيم رؤوسهم:

"ككل صباح،تكوّر زهية المناشف على حافّة المغسلة،تجعلها على شكل رؤوس ووجوه أشخاص تشبه أحجام رؤوس الشخصيات المهمة وألوان شعرهم،فتسمّي أصحابها تصففهم الواحد جنب الآخر وتوجّه ضرباتها إلى عيونهم وأفواههم،فتسمل لهذا الوزير عينا وتكسر لذاك المدير سنا وتحطم لتلك المستشارة فكّا* وتشتم رئيس الحكومة شخصيا،ثم تهشيم رأس الصحافي الذي يجري تقريرا..."21

إن هذه الاستعانة بالحمام الفضاء المغلق كبديل عن القصر الحكومي الفضاء الذكوري المفتوح وبالشخصيات الورقية والمنشفية كبديل عن الشخصيات الحقيقية الذكورية،يؤكد على الفعل النسقي في هذا النص،فقد عمل الفعل النسقي على جرّ الكاتبة للتعبير عن نقدها للذكورة الى الفضاء المغلق والاستعمال الخيالي،ليُحكم بعد ذلك النسق قبضته عليها،ويؤكد على الهيمنة الذكورية من جديد هذه الهيمنة التي حاولت الكاتبة القضاء عليها بنقدها وتعريتها وجدت نفسها استجابة للنسق تؤكد عليها وتستسلم لها وترضخ لها،باستسلامها ورضوخها للفضاء المغلق والخيال الجامح والوهم في نقدها للذكورة،فالمحاكمات في الحمام واستخدام الشخصيات المنشفية والورقية هو سقوط في شرك النسق الثقافي الذكوري المضمر،حيث تعجز الكاتبة على صوغ أفعالها في الواقع فترتمي في حضن الخيال الذي يجسد سطوة الذكورة وقوتها وعدم القدرة على المساس بها إلا في ما هو خيال،إذن يبرز المكان المغلق في هذا النص كمكان تتحرر فيه الأنثى نسبيا من سطوة الذكورة وهيمنتها وكمتنفس للمكبوتات وكتطهير من الوسخ والدرن الذكوري،وهذا ما عبرت عنه زهية التي تدخل الحمام لتتطهر وتغتسل من الأوساخ الذكورية لتخرج بعد ساعة تطهيرية في كامل زينتها ورونقها:

"تضع زهية المناشف (الرؤوس)المهشّمة في سلّة الثياب الموسخة،تنفض يديها منها بل منهم ثم تغتسل في هدوء وبعد لحظات صمت تفتح الباب.تخرج زهية من الحمام صامتة،هادئة،مبتسمة كالعادة...".22

I-2-فوبيا الجسد وإضمار الأنوثة:ومن تمثلات"الذكورة"أيضا في هذا النص تبرز ظاهرة"فوبيا الجسد"أو "الخوف من الجسد"ومحاولة إخفائه وحجبه نهائيا استسلاما للنسق الذكوري وتأكيدا على هيمنته،فإخفاء الجسد وحجبه يتوافق تماما مع المضمر النسقي (إضمار الجسد/إضمار النسق)فعملية إخفاء الجسد فيها قتل للأنوثة وقهر لها وتعبير عن التحيز ضدّ الأنثى،حيث توظف الفروق البيولوجية بين الذكر والأنثى توظيفا ثقافيا يجعل الأنثى أدنى قيمة من الذكر،ويصبح الجسد الأنثوي عورة وعيبا ثقافيا،وحين يصبح هذا الإخفاء من صنع أنثى (الساردة)التي كان من المفروض أن تحتفي بجسدها لا أن تستحي به أو بالأحرى منه،نتأكد وبشكل لا ريب فيه من فعل النسق في نص "الذروة"فقد جاء على لسان "أندلس"بطلة الرواية قولها:

"في التاسعة من عمري بدأت معاناتي فتحت عيني ذات صباح فإذا بجسمين مثل حجرين يتربّعان بالإصرار تحت جلد صدري

الحق أنّ الموضعين منذ مدّة كانا يؤلمانني من حين لآخر،ثم يختفي الألم لفترة طويلة إلى أن أنساه،ولكن هذه المرّة استقرّ الألم بشكل نهائي،وبدا شكلهما الدائري يأخذ مساحة واسعة من صدري ومع الوقت بدأ في التوسع والتعاظم والانفتاح رويدا رويدا.

في المدرسة أستمع إلى التعليقات الساخرة القاسية من طرف زملائي الذكور في القسم،يرفقونها بضحكات مموهة عن البنات اللواتي بدأت حبّات الفول تظهر تحت مأزرهنإلاّ أنا:

-ألم تلاحظوا يا أصحاب؟! "أندلس"الوحيدة بينهن،لم نر عليها تغيّرا أو انتفاخا؟.

لم يكونوا على علم بحيلتي،أضحك في دواخلي على ذقونهم تعلّمت مبكرا أن الذكور رغم ما يدّعونه من خبث نستطيع أن نخدعهم ببساطة،لم أستغرب فيما بعد عندما علمت في درس علم النفس أنّ دماغ الرجل يفكر في حركة تندفع في اتجاه واحد مستقيم مثل حصان ملجم،بينما دماغ المرأة يفعل ذلك في اتجاه حلزوني.

كلّ صباح نكاية أوقظ عمّتي ليلى،فتعصب صدري بمشدّ صيدلاني مثل ذاك الذي يستعمل عادة في شدّ الجروح،تلويه مرّات عديدة حول صدري إلى درجة أن يختفي النتوءان،ألبس ثيابي الداخلية بهدوء تام،ثم مئزري الزهري ثم لا شيء يظهر،صدر مسطح لا شيء،أحمل محفظتي وآخذ طريق المؤسسة التعليمية شامخة الرأس يغمرني إحساس بالانتصار على من؟ لست أدري".23

لقد اهتدت أندلس إلى حيلة العصب لإخفاء ما بدا من صدرها لألاّ تقع في الإحراج الذي يسببه زملائها الذكور للفتيات مثلها،فالمشدّ الصيدلاني الذي يستعمل عادة في شدّ الجروح يستعمل هنا في شدّ الصدور وإخفائها، فكأن الكاتبة توازي بين الجروح في الجسد ونتوءات الصدر فيه،فالفعل النسقي هنا يجعل من الأنثى ترى في صدرها ونتوءاته مرضا لا بد له من علاج،والذي سيكون العصب بمشدّ صيدلاني عند أندلس التي تعلمت مبكرا أن الذكور رغم ما يدّعونه من خبث يمكن خداعهم ببساطة؟.

إن ظاهر النص المنقول من الرواية يعبر عن نقد للذكورة واستخفاف بها وبقدرات الرجل العقلية مقارنة بقدرات المرأة لكن المضمر النسقي الفاعل في النص يقرّ بعكس ذلك،يُقرّ بخوف من الجسد ومن ثم إضمار له وقهر للأنوثة وحياء بها استجابة لشرط المؤسسة الذكورية التي تخفي جسد الأنثى متى تريد وتظهره حين تشاء.

ونلمس سطوة الذكورة وهيمنتها على النص وتغلل الفعل النسقي فيه حين تتفطن (الساردة)"أندلس"لحقيقة انتصارها في حيلة العصب حين تتساءل على من كان انتصارها:

"...شامخة الرأس يغمرني إحساس بالانتصار. على من؟ لست أدري"24

وهنا يمكن أن يُطرح السؤال:هل حيلة العصب فيها انتصار على الذكورة أم انتصار لها؟.

فالسؤال عن حقيقة الانتصار من طرف "أندلس" يدل على مفعول النسق في النص حيث تتحول الأنثى من نقد الذكورة إلى نقد الأنوثة بالعمل على إخفائها وقهرها واعتبار ذلك انتصارا على الذكورة، فقرينة "على من؟ لستأدري"تؤكد ما ذهب "المقال"إليه من سطوة للفعل النسقي في النص وبروز لتمثلات الذكورة فيه.

I-3-تقويض الأنوثة بحثا عن الرجل: إن الحاجة الماسة للرجل،والتي يُعبر عليها النص في القصة الرمزية التي تحكيها الجدّة "لالة أندلس"للنساء من حولها حيث تنال القصة إعجابهن وقبولهن،وهي قصة المرأة التي تنتظر زوجها الجندي الغائب في الحرب،والحال الذي أصبحت عليه بعد غيابه،وقيامها بصناعة رجل من طين وخيوط وحجر:

"لا بد لي من صديق مؤنس يحمل معي صدري" !

تلمع الفكرة. تمزج المرأة التراب بالماء. وبالخيوط والحجر ترفع قامة منه، ثم عنقا جانبا ثم وجها، وعينين وأذنيين وأنفا،ثم تنزع خاتم الزواج من أصبعها،تصنع به الفم،تقبل التمثال الترابي تعانقه وتعطيه اسما-أسعد...أسعد...سأسميك أسعد"25

إن رمزية القصة تبرز من جانب بحث المرأة عن الرجل ولكن الرجل التمثال**الذي يجسد قيمة الاستعمال له من طرف المرأة دون أن تكون له سلطة أو رأى،فالرجل التمثال رجل صامت بلا إرادة،وهذا فيه نوع من الهجوم على الذكورة في هذا النص لكن القصة لا تلبث أن تعود للانتصار للرجل حين يتحول هذا التمثال (أسعد) إلى شبه إلاه تقف هذه المرأة عند أقدامه ولا تغادرها أبدا:

"عند أقدام أسعد تجلس المرأة،تنام وتصحو،وتتعطر وتغني

عند أقدام أسعد تمشط الزوجة شعرها وتبدّل الأثواب

عند أقدام أسعد تنتظر المرأة الوحيدة وتحلم وتغني

عند أقدام أسعد تشرب المرأة شايها الدافئ بالنعناع

عند أقدام أسعد يبدأ النسيان..."26

فالقصة الرمزية التي تسوقها"لالة أندلس"وتنال قبول النساء وإعجابهن فيها تأكيد على مركزية الذكورة في النص ولو حتى كانت على شكل تمثال، فجملة "عند أقدام أسعد"التي تكررت مرات عديدة،تصبح في عرف النقد الثقافي جملة نسقية تحمل دلالة الانقياد والانصياع للمؤسسة الذكورية في هذا النص.

ويتجلى تقويض الأنوثة في السرد النسوي من خلال الصراع والتنافس بين النساء داخل العالم السردي وما يحمله هذا الصراع من هدم وتقويض لمبادئ الأنوثة وإهانة وتجريح يلحق بالأنثى من طرف الأنثى،ورفض أنثوي للأنوثة ونقد لها، وتكاد تكون رواية الذروة هي رواية تقويض الأنوثة،وذلك لأنها تتناول حياة مجموعة من النساء في تقاسمهن وتخاصمهن للعالم الذكوري ونصوص كثيرة تعبر عن ذلك داخل الرواية،فنجد"أندلس،الياقوت،الطاووس،سعدية،زهية،" وهي أسماء جلّها مذكرة في مبناها ومعناها توحي برفض مطلق للأنوثة في محاولة لتجاوزها،وكما سبق وأن أشار "المقال"إلى أن الرواية تنطلق من نقد جذري للذكورة ممثلة في السلطة إلاّ أنها تقع في فخ النسق الذي يستخدم الأنثى في تقويض الأنوثة،فالخطاب في هذه الرواية يحيل على صراع النسوة من أجل الظفر بـــ "الصفّارة"التي هي أداة ذكورية وتمنحها الذكورة للأنثى التي تتوفر على شروط المؤسسة الذكورية،فالياقوت التي تملك منصب"الكرسي والصفّارة" تضعها الذكورة في مواجهة الأنوثة،حيث تعمل على تقويضها والقضاء عليها فالمحافظة على "الصفّارة"يحتم عليها فعل ذلك فأي أنثى قد تنازعها فيها ستكون هدفا لتقويض الياقوت.

إن الياقوت استجابة للنسق الذكوري تعتبر أن الأنثى هي العدو:

"اسمعي يالياقوت....!عندما تصعدين إلى مجلس الزعيم صاحب الغلالة اسحبي السلالم معك، واحذري من "بونسوان"!!

فهمت بعدها أنّ عدوي المتربص بي لن يكون سوي "بونسوان"منذ اللحظة تلك. أنا التي كنت أتعاطف معهنّ وأمشي في مظاهرات الجمعيات النسائية،بدأت أخذ حذري منهنّ خشية أن يأخذن مكاني عند صاحب الغلالة.عدوّتي هن النساء....النساء خطر إبعادي من بلاط صاحب الغلالة".27

فالياقوت التي كانت من المنتسبات للجمعيات التي تدافع عن حقوق المرأة،تجعل منها المؤسسة الذكورية العدو الأول للمرأة،حيث تعطيها الصفّارة"المهماز""Eperon"28لتقوم بتقويض الأنوثة،فالنسق الذكوري يجعل الأنثى تعتبر أن عدوها الحقيقي هو الأنثى"بونسوان"وإن اتخذت من العداوة الظاهرية للذكر غطاء سرديا لها.

إن الصراع الأنثوي صراع يصنعه الرجل ويؤطره الرجل ويدور في فلكه،وتخوضه النساء من أجله،فالياقوت أصبحت ترى كل أنثى كعدو لها وخاصة إذا اقتربت من فلك"الزعيم صاحب الغلالة"أي السلطة/الذكورة،فالياقوت تحكي للأندلس بوصفها منافسة محتملة على مهمة الكرسي والصفّارة قصة ضحاياها من النساء اللواتي حاولن منافستها وانتزاع الصفّارة من يدها ومنهم الطاووس:

"...تعرفين؟يا أندلس مهمّة الكرسي والصفّارة علّمتني ألاّ أثق في أحدا أبدا...الجميع مشاريع أعداء مفترضون يجب الحذر منهم تعلّمت أن أبدأ بالهجوم خيرا من أن أضطر إلى الدفاع...مررت بتجربة مماثلة مع امرأة أخرى شديدة ولم يحدث أن شككت أو خفت وارتعبت من امرأة مثلما وقع لي مع "طاووس".هي امرأة جميلة وذات سحر وثقافة وحضور،بدأت تتقرّب من صاحب الغلالة فأثارت ش**** جنّ جنوني وخفت أن يقع الزعيم في غرامها، ثم يرمي بي خارج السلطة ويسلبني الكرسي والصفارة،ويمنحها للقادمة الجديدة طاووس هذه،اضطرت للتخلّص منها.

-كيف تخلّصت منها ...هل قتلتها؟.

-لا فقد دبّرت لها مكيدة صغيرة أدخلتها السجن وهي الآن تقبع فيه...ارتحت منها...لم تعد خطرا عليّ".29

إذن عملية تقويض الأنوثة هي عملية تقوم بها الأنثى لصالح المؤسسة الذكورية،وفي هذه الرواية نستطيع أن نرصدها في مواضع كثيرة لا يمكن ذكرها كلها وإنما يمكن القول أنها متشابهة في الهدف الذي تسعى إليه وهو تقويض الأنوثة.

I-4-الأب وتقديس الذكورة: من حيل النسق الذكوري في السرد النسوي صرفه للاهتمام بالأب البيولوجي والصعود به إلى سدّة الأب الثقافي الذي يصبح مركز للعالم،ومادونه هوامش تابعة له،فيصبح العالم السردي ممثلا للعالم الواقعي الذي تسيطر عليه المؤسسة الذكورية،التي تحاول الأنثى في سردها تعريتها ونقدها فتصبح من أشد المدافعين عليها نتيجة لعمل النسق الثقافي الذكوري المضمر في الأنثى وسردها.

وفي نص الذروة نجد حضورا كثيفا للأب واهتماما سرديا به،ووصفا له يمتد من الواقع إلى الخيال،مع ما يمثله الأب بالنسبة للذكورة فهو أحد تجلياتها ومنه تأخذ كثيرا من مفاهيمها وهو قابع في عمق الذكورة/السلطة التي تحاول الرواية نقدها،لقد أضفت "أندلس"في عملية السرد على أبيها أوصافا كثيرة ومتنوعة وقامت بتضخيمه وتعظيمه تعبيرا عن امتلاءها وتمسكها الشديد به،وهنا يحق "للمقال"أن يتساءل عن أي أب تتحدث"أندلس"هل هو الأب البيولوجي أم الأب الثقافي؟وما يؤكد مشروعية هذا السؤال هو أن السرد في هذه الرواية قدّم لكل شخصية من شخصيات الرواية اسما محددا بما في ذلك الشخصية ثانوية إلا أنه حين وصل إلى الأب لم يعطى له اسما محددا به!.

إن "أندلس"بوصفها _ساردة_ لم تحدد اسم أبيها وعدم التحديد فيه دلالة على عمومية الأب أي الأب بمفهومه الثقافي لا بمفهومه البيولوجي الذي يحتم عليها تحديد اسم له،فرواية الذروة تحتفي بالأب الذي جاءت لتحاربه في إحدى تجلياته الذكورة/ السلطة وتؤكد من جديد على دينامية الفعل النسقي فيها.

ويمكن ذكر أمثلة على الحضور الأبوي القوي فقد جاء على لسان أندلس:

"لا أحد يستطيع أن ينكر أن أبي واحد من هؤلاء الرجال الذين رغم بساطتهم الظاهرة وعدم اكتراثهم بالمظاهر خلقوا بوسامة وجاذبية طبيعيين شديدتين. لا يقف المقترب منهم دون انشداه،ودون شعور جارف بأنّ ريحا قويّة لذيذة تدفعه نحو الهاوية...

أرقب وجهه المشرق بانشداده لم أكن وحدي كانت البائعة تتسلقه عيناها في شغف،امرأة أخرى وبينما هي تسترق النظر إليه ربما عن سهو ليسإلاّ ،رفعت لباسها كاشفة فخذها كلها تقيس فردة حذاء".30

إنه إعجاب شديد بالأب وانشداد إليه،وانشداه فيه،ليس من أندلس فقط بل من الجميع أو بالأحرى من جميع النساء،إنه يمثل قيمة إغراء لكل النساء ولا يمكن مقاومته،إنه أب ينبع من الوعي الثقافي:

"أحبه ...كم أحبّه...

...كل شيء يفضح افتتاني ...دلالي وذلّي وخضوعي وانشغالي وانزلاق الأشياء في عيني وتدافع الحيتان المفزوعة في صدري...

لست أرى سواه...

كم هو وسيم أبي!

أرقب كل ساكن ومتحرك حوله...النساء يرمقنه بنظرة هل أدركها فعلا.واحدة منهن تعمدت ترك صغير لها خلفها.ذريعة معقولة للالتفات مجرّد نظرة..."31

إن الأب البيولوجي في هذه الرواية هو الأب الثقافي المضمر،فالساردة تنزع عليه صفات ينوء بها الرجل الواحد فهو أب مجاهد. مرتّل للقرآن الكريم، مثقف، شاعر...:

"كأنني أشاهد تحرّكاته بين الجبال وبزته العسكرية والراية مرفوعة عالية في يده وشجاعته وإقدامه وحلمه بتحرير البلاد،ورفضه لذّل وهوان الاستعمار.

إعجابي به لا حدود له،حين يرتّل القرآن والناس ينام،أو حين يرشق بالموسيقى اشعار المتنبي أو فيكتور هيجو،أو حين يقلب صفحات المعرّي والتوحيدي في خشوع..." 32

إن الأب الثقافي وحده هو القادر على أن يحمل كل هذه الصفات التي تخلعها عليه "أندلس"والأكبر من هذا أنها تصل في مرحلة سردية إلى تقديسه أو الحاقه بالمقدس:

"يدبّ هواه في مياه بصري،في كينونتي وقدري. حين يضحك تكاد النار تضيء في صدري،وكأن من سواه جلّ جلاله،ركّز كل قدرته وحسن فعله وفنّه في هذا الوجه: وجه أبي...

كلّ الشوارع فارغة إلاّ منه كلّ زحام يفضى إليه...هو الشمس وما عداه عبّاد الشمس...

عيناي لا تبرحان وجهه بينما يقصّ عليّ أحسن القصص..."33

فالأب هنا يتماهى مع المقدس ونعثر في السرد على خطاب حلولي صوفي يصبح فيه الأب يقص "أحسن القصص" ونجد خطابا ثقافيا يكون الاب بموجبه الشمس/المركز وما عداه عباد الشمس/الهامش،أليس هذا هو الأب بمفهومه الديني والثقافي؟.

ترقى "أندلس"بوصف الأب إلى مراحل سردية عالية لتؤكد على سطوة الأب/الذكورة/السلطة في داخلها تقول:

"سبحان من زيّن منه الجبين،وأودع في لحظه بنت العنب،وفي صدره منبت الشعر والعجب".34

في هذا المقطع السردي تبرز ذروة الوصف للأب لتعبر عن هيمنة حقيقية للذكورة في هذا النص السردي "الذروة"، وإن حاول النص أن يبدوا بشكل مخالف لهذا ويسوّق نفسه بوصفه نقدا للذكورة/السلطة،فالفعل النسقي قد تحكم في النص وأفسح المجال للهيمنة الأبوية فيه،وقد يحدث في بعض المرات أن يتخلى الفعل النسقي عن الموارية ويتجلى ظاهرا في النص:

"أنا ابنة أبي،وأمي ابنة أبيها". 35

إنه أب واحدهو الأب الثقافي في هذا النص،فيمكن ان نعتبر هذه الجملة جملة نسقية ظاهرة الدلالة تجسد الهيمنة البطريركية في رواية الذروة.

وقد نلمس أيضا تصريحا بسلطة الذكورة في هذا النص بقول "أندلس":

"مبكرة،عارية من رحمها وعطشى لحليب أمّ،فطنت أن مصائرنا بين أيدي الذكور،كيف لي أن أرفض أو أن أقبل؟؟.36

إن هذه الجملة النسقية التي فيها يتخلى النسق عن عملية الإضمار نستشف منها تعبيرا عن الاستسلام والقبول بالسلطة الذكورية في رواية الذروة.

II-الجسد وتمثلاته الثقافية:

لم يعد الحديث عن توظيف الجسد في السرد النسوي أمرا ذا بال،إذ أصبح من القضايا المسلّم بها،إذ أن المرأة في كتابتها تنطلق من وعي خاص بجسدها الذي هو قناع ملازم للإبداع النسوي،يدق على وتر القيمة الخاصة التي ينطوي عليها ويؤكد على الخصوصية السردية النسوية.

إن الجسد مساحة لا متناهية لصياغة الرموز والكتابة،37 وهو فضاء للسرد الأنثوي يستخدمه في تأثيث الأجواء السردية،وإضفاء الخصوصية عليها،فالمرأة في كتابتها تقوم بعملية إفراغ جسدها على النص،فينكتب الجسد ويتحول إلى ذات نصانية38 قابلة للقراءة فهو تيمة دلالية توظفها المرأة وتستخدمها سرديا،وتحاول أن تجعل منها بؤرة تتغذى منها جميع مفاصل النص السردي عندها،كما أن للجسد تأثيرا كبيرا على اللغة في السرد النسوي،فاللغة تستمد طاقتها من الجسد39الذي يكسبها شاعريتها،ويحقق لها مبدأ اللذة التي يجدها القارئ الآخر،فالمرأة تمتلك سلطة الجذب والإغراء في الجسد وفي كتابة الجسد،ولهذا فهي تعمل على تفعيل مفهوم الإغراء في كتابتها انطلاقا من كونها تكتب داخل المجتمع الذكوري،فتحاول إنتاج جسدها بشكل مغاير،"ولكي تغري،وتعجب،وتؤسس علاقة مع الآخر تتخذ الصورة التي تحملها عن ذاتها مكانته أكبر من جسدها الحقيقي الواقعي،إنها تعطي للعالم قناعا لكي ترتب للجسد مسافة ما،فهي تفضل إبراز التمثل الذي تحمله عن جسدها بدل جسدها الملموس"40المخيال الثقافي إذن يعمل عمله في السرد النسوي ويجعله يستجيب لتصورات المجتمع الذكوري حول جسد الأنثى،فتقوم الأنثى الكاتبة بإنتاج جسدها نصيا وفق التصورات المترسبة عليه في الذاكرة الذكورية للمجتمع،لا وفق ما هو عليه جسدها في طبيعته،فتكون بهذا قد كتبت نظرة الرجل لجسدها لا نظرتها هي لجسدها،فالمخيال الثقافي الذي توجهه المؤسسة الذكورية هو المسؤول على كيفية صوغ الأنثى لجسدها سرديا،وهذا ما يجسد سطوة النسق وعدم استقلالية السرد النسوي،فيصبح التركيز على الجسد بوصفه موضوعا الاستثمار في بنية الخطاب النسوي حاضرا بقوة،وهنا يمكن أن نطرح قضية العلاقة التاريخية بين الجسد والسلطة،على اعتبار أن السلطة دائما ما تستثمر في الجسد بوصفه الحامل للنشاط الجنسي،كوسيلة من وسائل توسيع السلطة،41فعلاقة الجنس بالسلطة من القضايا التي ناقشها "ميشال فوكو" في منهجه الحفري،فقد توجه لنقد السلطة انطلاقا من عدم إيمانه بمركزية الهيمنة ورقابة المؤسسة.42

فالمقالسيستعين بمقاربة"فوكو"لخطاب السلطة وعلاقته بالجنس والجسد،ليبحث في العلاقة بين الجسد والسلطة في نص الذروة،بعد أن يشير إلى نظرة الأنثى إلى جسدها في السرد وكيفية توظيفه.

II-1-الجسد قيمة للإغراء والاستعمال: يدفع التهميش المرأة إلى محاولة العمل على جعل جسدها سرديا مركزا للعالم،فهي تحاول أن تقيم له وشائج مع جميع الظواهر الكونية،وتجعله منطلقا لها،فيصبح البحر والمطر والشجر والبرد والشتاء والليل والصباح كلها ظواهر تأخذ من الجسد حقيقتها وطبيعتها43وهذا ما قد يُوقع المرأة الكاتبة في فخ التضخيم والتهويل والتطرف في وصف الجسد والابتعاد عن الوصف الطبيعي إلى الوصف الثقافي،لتجد نفسها بعد ذلك تقوم بإنتاج جسدها على حسب شرط المؤسسة الذكورية،وتستسلم لتشيئ جسدها وجعله سلعة وقيمة للتبادل والاستعمال عند الرجال "تدخل ضمن سياق التبادل الذي يؤسس الاقتصاد العام للمجتمع وهذا التحديد يقرر قيمة المرأة داخل التجارة الجنسية،ومن ثم فالمرأة لا يمكن أن تكون أبدا!إلا مجالا للتبادل". 44

هذا ما تفرضه المؤسسة الثقافية وما ترفضه الأنثى الكاتبة،وتجعل من رفضها منطلقا لكتابتها،ولكنها في تضاعيف كتابتها تستسلم للفعل النسقي وترضى بجعل جسدها قيمة للاستعمال والتبادل،وفي نص الذروة نجد مثالا عن ذلك في إعجاب وقبول "أندلس" بذهنية أبيها حول النساء:

"المرا صوب راجل...لا يمكن أن نعزف بإتقان على آليتين موسيقيتين في الوقت نفسه". 45،إن هذه الجملة النسقية تحمل عدّة دلالات تأكيدية على قبول "أندلس"(كذات سردية)بالمعادلة الذكورية التي تجعل من جسد الأنثى قيمة تبادلية استعمالية عند الرجل،فهي وافقت على تشيؤ الجسد الأنثوي وجعله بضاعة أو سلعة صالحة للاستعمال والتبادل التجاري" آلة موسيقية"وزيادة على ذلك فإن اختيار الآلة الموسيقية كثف من حضور الذكورة في هذه الجملة النسقية،فلا قيمة للآلة الموسيقية في غياب الذكر/العازف عليها الذي بدونه لا تصدر هذه الآلة أعذب ألحانها وتصبح بلا معنى،فهي تنطوي على قيمة فنية لكن حينما يستعملها الفنان/الذكر فتشبيه المرأة بــ "الآلة الموسيقية"هو تعبير على القول بتشيؤ الجسد من لدن أندلس/الأنثى،والحديث عن العزف هو حديث عن القبول بالاستعمال للجسد الأنثوي.

ويكون الإغراء أيضا من الوظائف التي تحددها المرأة الكاتبة لجسدها،ويمكن اعتباره هاجسا أنثوي فالمرأة منذ طفولتها وعبر مراحل نموها ترى أن الجسد الذي لا يغري جسد ميت 46 فيصبح الإغراء معادلا موضوعيا للحياة عندها.

فالإغراء إذن هو العنوان الأبرز في الجسد،والذي تنتجه المرأة في كتابتها،وتركز اهتمامها في البحث عن الإغراء وسبل تحصيله وتقويته فتأتى مشروعية التجميل عند المرأة47 والتجميل للجسد من باب الاحتفاء والاحتفال بأنوثة الجسد يكون مقبولا وطبيعيا،لكن يحين يصبح هذا التجميل على شرط المؤسسة الذكورية،وخدمة لها فإنه يدل على انمحاء وجودي للذات الأنثوية،وحصر لها في الإغراء والاستعمال،وفي رواية"الذروة"نجد ظلالا لما سبق،"فالياقوت"ترسل بإحدى صديقاتها "سعدية"إلى عيادة تجميلية ومعها سندات ووثائق حول شروط الجسد الذي تريده من العيادة،وهذه الشروط المدونة في الملف هي شروط "الزعيم صاحب الغلالة"/الذكورة:

"انظري سيبدءون بالصدر،بتكبير ثدييك...ثم الشفتان...سيجرون لك عملية نفخ الشفة السفلى حتى تضحي أكبر من العليا ...والعملية الثالثة تتعلق بأنفك يا سعدية".48

إن هذا التوظيف السردي للجسد يعبر عن قبول الأنثى الفاعلة في السرد "ياقوت وسعدية "بمفهوم التحجيم للأنثى وحصرها في مجال الإغراء والاستعمال والتبادل،هذا المجال الذي ترسمه المؤسسة الثقافية الذكورية للمرأة وجسدها ثم تقوم بتحريك الفعل النسقي الذي يوهم المرأة ويقوم بقلب تصوراتها ويجعلها تنطلق من جسدها في قتل جسدها.

II-2-الجسد بين المقدس والمدنس:تبرز العلاقة بين الجسد بوصفه الحامل الأساسي للنشاط الجنسي والسلطة بأنها علاقة تأثير متبادل ومواجهة مستمرة في عرف"فوكو"الذي حاول الربط بينهما باحثا عن الصلة التي تجمعها،وكيف تستثمر السلطة في الجسد وكيف يؤثر الجسد فيها،فبينهما ترابط وظيفي كبير حدده فوكو كاشفا ممارسات خطاب القوة في صراعه مع خطاب الرغبة،49وما ينتج عن ذلك من دلالات جسدية وسلطوية تترسب في الخطاب*** فالسلطة عنده "تسكن الجسد وتتحول إلى مستند من مستانداته المهمة،وتغدو فنا لصناعة الأجساد،بحيث لا يمكن تفكيك السلطة،إلا بعد تفكيك خارطة الجسد وتشريح توجهاته الجنسية".50

إن هذا الفهم للعلاقة بين الجسد والسلطة هو ما يحاول"المقال"تلمّسه في نص"الذروة"ورصد تمثلات الجسد في علاقته مع السلطة من منظور سردي نسوي،فالجسد في هذا النص يتموضع في ثنائية (الجسد المقدّس/الجسد المدنّس) في جدلية اقتراب وابتعاد عن سلطة التي لا ننسى أنها تمثل الذكورة في إحدى تجلياتها.

في هذا النص يمكن القول أن السلطة تستدعي الجسد "سدة الحكم وسدة اللحم"،51ولذلك فإن المنظور السردي يقوم بعملية تصنيف مضمرة للجسد في بعديه (المقدس والمدنس)فالجسد المقدس هو الجسد الذي يبتعد أو ينأى عن السلطة ويرفضها،وبالمقابل فإن الجسد المدنس هو الجسد الذي يدنوا من السلطة ويتوافق معها،وهذا ما نجده مبثوثا في النص الذي يصور لنا "أندلس"و"الياقوت"كجسدين تنطبق عليهما محمولات الثنائية (مقدس ومدنس).

ف:الياقوت وسعدية يعتمد السرد في وصفها على تنميط خاص ينبع من مفهوم المدنس في سلوكياتهما وتوجهاتهما منذ مراحلهما الأولى،تصف سعدية ذلك فتقول:"مراهقتنا أنا والياقوت كم من الجنون،حشد من المغامرات الحكايات تربطنا الواحدة بالأخرى ربطا وثيقا. حتى أنّنا فقدنا عذريتنا في اليوم نفسه. نعم في اليوم نفسه والمكان نفسه...

في يوم مشهود يوم حار تتوقّد الطبيعة منه،ومنه تعتمل في دواخلنا النار،نزلنا فيه إلى الشاطئ بالأتوستوب رفقة أجنبيين أحدهما أسود من ساحل العاج يدعى "توما"والثاني "دجيلبير"من فرنسا أشقر بعينين خضراوين جاءا ضيفين على البلد للمشاركة في مؤتمر أوربي-أفريقي حول استخدام الطاقة المتجددّة".52

إن المسار السردي يعمل على التأكيد على الرؤية التي يحددها للياقوت كجسد مدنس،عبر مراحل تطوره فكأنه يقوم بتحضير هذا الجسد لإقامة علاقة مع السلطة،فالياقوت تصبح الحامل الأساسي لصفات السلطة "جسدالسلطة"،ذلك أن مفهوم السلطة ينطبق تماما مع جسد الياقوت،فالنص الروائي يصف لنا الياقوت على اعتبار أنها معادلا موضوعيا عن السلطة،ويبطّن نقده للسلطة في وصفه للجسد الياقوت الجسد المدنس.

تصف الياقوت علاقتها بالسلطة/الزعيم،فتقول:

"...أنا التي قدّمت الكثير لذلك الأخرق،والآن أشمّ رائحة التنكّر والجفاء وكما يقول المثل (الحمار ما يشم القرفة) سأكون صريحة معك يا أندلس السبب هو انه بعد كل عملية جنسية فاشلة يذكرني دوما بصوته المتحشرج:

-أخرجتك من البوهيمية يا"الياقوت"وأنت لا تساوين حتى بصلة خامجة...نصبتك حاجبة ورئيسية على الطواويس وسلمتك الكرسي والصفارة،بينما أنت لا تستطيعين حتى أن تكوني قادرة على انصاب هذه اللحمة في وسطي!..."

هنا يصبح الجسد مرآة للسلطة،وتسكن السلطة الجسد،ويصبح نقد الجسد هو نقد للسلطة وللذكورة في النص، وبالمقابل نجد أندلس التي يصورها السرد على أنها جسد مقدس منذ بداياتها جسد طاهر لا يتوافق مع السلطة ولا يقبلها ويبدى امتعاضه وثورته على كل ممارساتها،ففي حفل تنصيب أندلس في منصب مهم داخل السلطة تعبر أندلس عن رفض جسدها للسلطة تصف ذلك فتقول:"مبروك المنصب عقبال ما هو أعلى ...يا أندلس

https://revues.univ-ouargla.dz/index...01-28-15-35-51









رد مع اقتباس
قديم 2018-11-28, 18:42   رقم المشاركة : 3128
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة LaPulga مشاهدة المشاركة
ارجو المساعدة في بحث حول الفرق بين العلوم الانسانية والاجتماعية والعلوم الطبيعية الاخرى. وذلك من حيث المراجع والمصادر او خطة للبحث
الفرق بين العلوم الانسانية والعلوم الطبيعية


- التفرد:
خاصية لا تواجه سوى المشتغلين في مجال البحث في العلوم الإنسانية ، تعنى بوصفها إشكالية عدم تشابه وحدات موضوع البحث ، بدعوى أن الباحث في مجال العلوم الطبيعية يتعامل مع مواد تتصف وحداتها بالتطابق والتكرار ، وبالتالي فإنه يستطيع أن يسلم منذ البدء بأن ما تخلص إليه دراسته لوحدة مفردة يمكن أن تعمم نتائجها لتشمل بقية المادة جميعاً ، بيد أن مثل هذا التعميم يكون مستحيلاً في مجال العلوم الإنسانية ، فالسببية في مجال العلوم الطبيعية مطلقة ، بينما تكون نسبية في العلوم الإنسانية.
التغير:
ويعنى أن السلوك الإنساني موضوع متغير في مساراته وتشعباته وأسبابه ودوافعه ومتغيراته ، فهو يتغير بتغير الحضارات ، فعلى سبيل المثال لو أننا أخذنا قطعة حديد من القرون الوسطى وقمنا بتسخينها فإنها سوف تكون خاضعة لطبيعتها التي تتسم بالثبات أي أنها سوف تتمدد وهو نفس ما سيحدث لو أننا أحضرنا قطعة حديد ليس لها نفس الدرجة من القدم، بينما نجد أن الأمر سيختلف كثيراً بالنسبة للعلوم الإنسانية فلو أننا استطلعنا رأي المصريين على سبيل المثال حول المعدل الإنجابي في القرن الماضي ستختلف الاستجابات عن نفس الاستطلاع حول نفس الموضوع منذ منتصف هذا القرن والذي بدوره سيختلف لو أننا استطلعناه الآن ، التغير سمة إنسانية ترتبط بطبيعة الإنسان

- التناول غير المباشر:
إذا قام أحد الباحثين في مجال العلوم الطبيعية بدراسة الجاذبية أو بدراسة الطفو فإنه بذلك يتعامل بصورة مباشرة مادية ملموسة ومحسوسة أي أنه يتعامل مع الظاهرة مباشرة والأمر يختلف بالنسبة للعلوم الإنسانية فالكراهية مثلاً خاصية تميز السلوك الإنساني ولكنها ليس لها وجود مادي مباشر ولذلك لابد عند دراستها من استنتاجها من خلال السلوك .
-التحيز:
ويعنى أن الباحث في مجال العلوم الإنسانية يعد جزءاً من موضوع البحث بحكم كونه إنساناً ، ولما كان هدف أي بحث هو الوصول إلى قوانين عامة ، فإن هدف الباحث في مجال السلوك الإنساني هو الوصول إلى قوانين عامة تفسر سلوكه هو أيضاً ، ومن هنا فإن تحيزاته الذاتية ورغباته وأرائه الشخصية قد تتدخل جميعاً في تفسيره للنتائج التي يصل إليها بل قد يمتد تدخلها لتؤثر في اختياره للوقائع محل الدراسة وللمنهج الذي يختاره لتناولها.

- صعوبة التجريب:
وهي تدخل ضمن الاعتبارات الأخلاقية ، حيث أنه من الصعب بل أنه ليس متاح أن نقوم بإجراء تجارب على الإنسان قد تعرضه لأخطار شديدة ، فعلى سبيل المثال عند دراسة الآثار النفسية المترتبة على حدوث الكوارث الطبيعية أو الإدمان أو الطلاق أو الوفاة فكلها أمور يصعب بل ويستحيل إحداثها لدراستها فضلاً عن خطورة التجريب على الإنسان فيها.
- مبدأ الحتمية:
الحتمية في العلم تعنى وجود علاقة حتمية بين السبب والنتيجة ، فلو قلنا أن المعادن تتمدد بالحرارة ، فإن الحتمية هنا تكون من مبادئ العلم الأساسية وفي نطاق العلوم الإنسانية هل نستطيع أن نجد نفس المعنى للحتمية كما نجده في العلوم الطبيعية؟ الإجابة يقيناً أن هناك حتمية تحكم كل ظواهر الكون فمنظومة الكون الكبرى كلها تخضع لقوانين محتومة بأسباب فكل سلوك بالضرورة له معنى ودلالة
وحتى من يزعم أن لكل قاعدة شواذ ، فمرجع هذا الزعم في جوهره هو العجز عن إدراك جميع العوامل الحتمية في إحداث الظاهرة
- تعقد مادة الدراسة:
إن مادة الدراسة في العلوم الطبيعية أبسط من تلك التي تعالجها العلوم الاجتماعية ، لأنها تتعامل مع مستوى واحد وهو المستوى الفيزيقي وهو مستوى لا يتضمن سوى عدداً محدوداً من المتغيرات فضلاً عن أن هذا المستوى يمكن قياسه والتعامل معه بكل دقة ، أما بالنسبة للعلوم الإنسانية فإنها تتعامل مع حالات ومستويات أكثر تعقيداً
- صعوبة ملاحظة مادة الدراسة:
يواجه الباحث في العلوم الإنسانية صعوبة شديدة عند قيامه بملاحظة الظواهر فلا يستطيع أن يرى أو يسمع أو يلمس أو يتذوق الظواهر التي حدثت في الماضي ، كما أنه لا يستطيع أن يكرر حدوثها لكي يلاحظها ملاحظة مباشرة ، كما لا يستطيع الباحث أن يضع الشخصية في أنبوبة اختبار أو أن يتعامل معها بوصفها فأر تجارب كما لا يستطيع أن يتعرف على الأحداث الدقيقة التي يمر بها كل شخص ولا يستطيع كذلك أن يقتحم العالم الداخلي لأي إنسان لكي يلاحظ ملاحظة مباشرة ما يدور في نفسه.
عدم تكرار مادة الدراسة:
الظواهر في العلوم الإنسانية هي ظواهر تتسم بأنها أقل قابلية للتكرار من الظواهر الطبيعية ، فكثير من الظواهر في العلوم الطبيعية على درجة كبيرة من الوحدة والتواتر لذلك يمكن ويسهل تجريدها وصياغتها في صورة تعميمات وقوانين كمية دقيقة ، أما الظواهر في العلوم الإنسانية فإنها غالباً ما تعالج أحداثاً تاريخية محددة وتتعرض لأشياء متفردة ولأحداث تجري ولكنها لا تعود ثانية بنفس الشكل أبداً.
علاقة الباحث بمادة أو بموضوع الدراسة:




إن الظاهرة في مجال العلوم الطبيعية ، كالعناصر الكيميائية مثلاً ليس لها مشاعر أو انفعالات ومن ثم لا يجد الباحث حاجة لأن يراعى دوافع المادة أو مشاعرها، كما أن هذه المادة لا تتأثر برغبة الإنسان أو إرادته وإنما هي مواد خاضعة لطبيعتها وهو الأمر الذي يجعل الباحث في مجال العلوم الطبيعية حيادياً وموضوعياً.
أما في العلوم الإنسانية فإن الباحث يجد نفسه جزءاً لا يتجزأ من موضوع الدراسة فالاشتراك في النوع والموضوع والتواصل والعلاقات والمشاعر والانفعالات المتبادلة ، كل هذه الأمور تجعل من الباحث يقف وسط الظاهرة وليس محيداً في موقف الملاحظ خارج الظاهرة فضلاً عن أن رغبة الباحث وتفضيلاته وأغراضه وأهوائه وميوله وتوجهاته النظرية والقيمية تقف حجر عثرة أمام حيدته وموضوعيته
أهداف العـلم هي:


1- الفهم والتفسير 2- التنبؤ 3- الضبط والتحكم

https://www.tomohna.net/vb/tomohna22599/









رد مع اقتباس
قديم 2018-11-28, 18:53   رقم المشاركة : 3129
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فوفو-فريدة مشاهدة المشاركة
السلام عليكم من فضلكم هل من مساعدة لدي بحث حول منتجات التأمين التعاوني ( التعاضدي)
المقدمة

الحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على المبعوث هدى ورحمة للعالمين ، سيدنا محمد النبي الأمين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، ومن سلك طريقهم واقتدى بهديهم إلى يوم الدين ..

أما بعد :
فهذه ورقة علمية أعددتها خصيصا لأغراض ملتقى التأمين التعاوني المقام برعاية السادة / الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل ، والورقة بعنوان : { تقييم تطبيقات وتجارب التأمين التكافلي الإسلامي } ، راجيا أن أوفق في تقديم رؤية مؤصلة شرعيا وفنيا للموضوع محل البحث ، وأن تسهم هذه الورقة في الدعوة العملية إلى تقويم وترسيخ التطبيقات العملية الواعدة لصناعة التأمين الإسلامي ( التكافلي أو التعاوني ) .
ولما كانت هذه الورقة تُعَدُّ سابقة في موضوعها ـ حسب علمي ـ ، والعنوان يستوعب تقييم الصناعة بجميع مكوناتها وتفاصيلها ومسائلها ؛ بما لا يمكن الإحاطة به في ثنايا هذه الورقة ، فقد عُنِيت بتحرير عناصر الورقة وتخطيط هيكلها ، وذلك بما يشمل التنبيه على أمهات القضايا وعيون المسائل وجليل الاستدراكات ، وبما يحقق مقاصد الورقة دون إسهاب ممل ولا إيجاز مخل .
وعليه فقد خططت الورقة لتشمل ثلاثة محاور تنتظم الموضوعات التالية :
المحور الأول : الوصف العام لصناعة التأمين التكافلي .. لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره .
المحور الثاني : الإنجازات وجوانب القوة .. وقدمتُها لفضيلتها .
المحور الثالث : التحديات وجوانب الضعف .


سائلا المولى العلي القدير أن تكون هذه الورقة وقفا صالحا
يعم نفعه وتربو بركته لي ولوالدي في الدارين ..
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل ..
د.رياض منصور الخليفي

المحور الأول : الوصف العام لصناعة التأمين التكافلي

في هذا المحور سأتناول بيان الوصف العام لصناعة التأمين التكافلي ، إذ الحكم على الشيء فرع عن تصوره ، فلابد من تحقيق التصور الملائم لبيان حقيقة نظام التأمين التكافلي ابتداء ، وذلك تمهيدا لتقييمه بعد ذلك ، وعليه فسوف أتناول هذا المحور من خلال الأقسام الثلاثة التالية :

القسم الأول : الوصف الفني للعلاقات المالية في نظام شركات التأمين التكافلي .
القسم الثاني : الفروقات الجوهرية بين التأمين التكافلي والتأمين التجاري .
القسم الثالث : إحصاءات وبيانات مهمة حول صناعة التأمين التكافلي الإسلامي .


القسم الأول : الوصف الفني للعلاقات المالية في نظام شركات التأمين التكافلي

يقوم الكيان المالي لنظام شركات التأمين التجاري ( التقليدي ) على أساس وجود حساب مالي واحد يمثل المساهمين ( الملاك ) ، وعليه تدور كافة الحقوق والالتزامات كنتيجة منطقية للعلاقة القانونية التبادلية بين الشركة (المؤمِّن ) وعملائها ( المؤمَّن لهم ) ، وهي علاقة معاوضة بين ( بائع الأمن × مشتري الأمن ) ، وقد حظر الفقه الإسلامي المعاصر هذا النموذج التقليدي ، وأبرز فيه العديد من المخالفات الشرعية التي فصَّلتها المجامع والندوات الفقهية في قراراتها وفتاويها الدولية[2].
وفي سبيل توفير المزايا والمنافع الاقتصادية من صناعة التأمين المعاصرة ؛ وبصورة لا تخالف أحكام الشريعة الإسلامية فقد اعتمد الفقهاء عند تطويرهم لنموذج التأمين التكافلي على ركيزة الفصل بين الحقوق الربحية والحقوق التكافلية داخل المنظومة المالية لشركة اتلأمين الإسلامية ، وقد ترتب على ذلك أنه تم تصميم النظام المالي للشركات التكافلية ، بحيث يعترف بمبدأ الفصل التام بين ح/المشتركين و ح/ المساهمين داخل الإطار المالي لشركة التأمين التكافلي .
والحق أن الإبداع الفقهي الذي ابتكره الفقهاء المعاصرون بالتعاون مع خبراء التأمين المسلمين قد تمثل في ابتكار نظام مركب من مجموعة عقود وعلاقات مالية يتم بائتلافها وتكاملها المزاوجة بين الهدفين الاقتصاديين معا : التجاري الربحي من جهة ؛ والتكافلي التعاوني من جهة أخرى ، والخلوص من ذلك النظام المطور إلى صيغة تأمين مؤسسية كفؤة تلبي حاجة الاقتصاد الإسلامي ومؤسساته المتنوعة إلى الاستفادة من

الخدمات والمنتجات التأمينية مع الالتزام بأحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية ، وليكون بديلا استراتيجيا رشيدا عن صيغة التأمين التجاري ( التقليدي ) .
ويمكننا تلخيص العلاقات المالية السائدة في النموذج التكافلي المعاصر في ثلاث علاقات رئيسة ، ويتفرع عنها علاقات مالية وقانونية أخرى بحسب نطاق وطبيعة عمل الشركة ، فسأجمل عرض تلك العلاقات الرئيسة تأصيلا لها ، ثم أعود عليها بالتحليل الفني والفقهي بما يوضحها ويكشف عن آلياتها ، وذلك على النحو التالي :
أولا : العلاقة بين المساهمين و ( هيئة المساهمين ) .
ثانيا : العلاقة بين ( هيئة المساهمين ) و ( هيئة المشتركين ) .. وتضم ثلاث علاقات تابعة لها .
ثالثا : العلاقة بين المشتركين و ( هيئة المشتركين ) .

العلاقة الأولى : العلاقة بين المساهمين و ( هيئة المساهمين )

إن العلاقة الأساسية الأولى بشركات التأمين التكافلي هي تلك العلاقة الناشئة بين أفراد المساهمين في تأسيس ( أو تملك أسهم ) شركة التأمين التكافلي وفق الترخيص الرسمي الممنوح للشركاء ، والذين يُعبر عنهم باسم { هيئة المساهمين / حملة الأسهم } ، فالمؤسسون أوالملاك هم عبارة عن مجموعة أشخاص طبيعيين ( أفراد ) أو معنويين ( مؤسسات ) تنعقد إرادتهم على تأسيس شركة ربحية تدور أغراضها على ممارسة أنشطة التأمين التكافلي ومتعلقاته ، ويتم تحديد رأس مال الشركة مجزَّءا على حصص وأسهم بعدد الشركاء .

وإن الأغراض الرئيسة التي تسعى الشركة لتحقيقها هي :
1- تأسيس وتشغيل صندوق التأمين التكافلي بجميع محافظه ومنتجاته وكوادره ومستلزماته الفنية ، فضلا عن تلقي الاشتراكات التكافلية لصالح الصندوق .
2- تشغيل وتنمية واستثمار مجموع أموال المشتركين في الصندوق التكافلي في نطاق الشريعة .
3- تشغيل وتنمية واستثمار رأس مال المؤسسين في مختلف المجالات المتوافقة مع الشريعة .
ويهمنا ههنا التأكيد على أن هدف ( المؤسسين / الملاك ) من الشركة التكافلية هو هدف استثماري ربحي ، وذلك من خلال ممارسة مجموعة من الأنشطة والأعمال الربحية التي يتوقع من خلالها تحقيق عوائد مناسبة لصالح الأعضاء حملة الأسهم في هيئة المساهمين .
والتكييف الفقهي لهذه العلاقة المالية تحكمه أحكام عقد الشركة في الفقه الإسلامي ، والشركة هنا شركة عقد ، وهي " عقد بين المتشاركين في الأصل والربح "[3] ، ويتحقق ذلك بنموذج شركة العنان في الفقه الإسلامي ؛ التي ثبتت مشروعيتها بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول [4] .

وبناء على ماسبق : فإن العلاقة المالية بين الشركاء المؤسسين أو الملاك المساهمين تجاه الشخصية المالية المستقلة لهيئة المساهمين هي علاقة شركة في الفقه الإسلامي .

العلاقة الثانية : العلاقة بين هيئة المساهمين و ( هيئة المشتركين )

تعتبر العلاقة القانونية بين هيئة المساهمين والصندوق التكافلي للمشتركين علاقة مركبة وذات طبيعة مزدوجة ، فهي تعتبر علاقة ربحية تجارية من وجه ، وهي أيضا ـ وفي نفس الوقت ـ علاقة تكافلية تعاونية من وجه آخر .
أما العلاقة الربحية فتتمثل في ما تستحقه هيئة المساهمين من أجور وأتعاب وعوائد مالية نتيجة قيامها بأعباء الإدارة التأمينية والاستثمارية لصندوق المشتركين ، فهي بهذا الاعتبار علاقة ربحية تجارية محضة ، تهدف إلى الربح بالدرجة الأولى ، والتكييف الفقهي لهذه العلاقة يتمثل في أحد ثلاثة عقود فقهية رئيسة ؛ وهي : عقد المضاربة [5] أو عقد الوكالة بأجر[6] أو عقد الإجارة على عمل [7] .
وأما العلاقة التكافلية غير الربحية فتتمثل فيما تقدمه هيئة المساهمين من ( قرض / قروض ) حسنة بلا فوائد لصالح صندوق المشتركين ، والعلاقة بهذا الاعتبار تعتبر علاقة إحسان وتكافل لا ربح فيها باعتبار ذاتها ، والتكييف الفقهي لهذه العلاقة يتمثل في عقد القرض في الفقه الإسلامي[8] ، والذي من شروطه عدم الزيادة نظير الأجل [9] .
وعلى هذا فإن العلاقة بين هيئة المساهمين ( حملة الأسهم ) والصندوق التكافلي للمشتركين هي : علاقة مركبة بين الربحية التجارية من جهة والتكافلية التعاونية ـ غير الربحية ـ من جهة أخرى ، وهذه الحقيقة العلمية المحررة هي على خلاف ما قد يتبادر إلى الذهن عند إطلاق مصطلح التكافل ، حيث قد يُتوهم


أن هيئة المساهمين بالشركة التكافلية تقدم هذه الأعمال والخدمات في نطاق التكافل والتعاون المحض فقط لا غير .


العلاقة الثالثة : العلاقة بين المشتركين و ( هيئة المشتركين )

تعتبر علاقة آحاد المشتركين ( وهم المؤمن عليهم أو حملة وثائق التأمين التكافلي ) تجاه الشخصية المعنوية لصندوق التأمين التكافلي ( هيئة المشتركين ) من أبرز العلاقات المالية التي يقوم عليها نظام التأمين التكافلي ، ذلك أن أركان العقد وطرفيه الرئيسين في هذه العلاقة هما : أولا : المشترِك ( المؤمَّن له ) ، وثانيا : جهة التأمين ( المؤمِّن ) ممثلة بالصندوق التكافلي لهيئة المشتركين ، وصورة هذه العلاقة المالية ـ بين آحاد المشتركين ( المؤمن عليهم ) وهيئة المشتركين ـ أن يقوم المشترك بدفع اشتراك التأمين التكافلي أو التعاوني بصفته مشاركا في الهدف التكافلي مع مجموعة المشتركين ، والذي من أجله أنشئ الصندوق التكافلي ، وهذه الاشتراكات التكافلية إنما تقدم بهدف التعاون والمشاركة في ترميم الأضرار الواقعة على آحاد المشتركين ، فالعلاقة ههنا مشاركة تكافلية تعاونية غير ربحية ، وحكمها عقد التبرع الملزم في الفقه الإسلامي .
وينفصل الاشتراك التكافلي عن ذمة العميل وملكيته بمجرد دفعه واستلامه من قبل الصندوق التكافلي باعتبار أن له شخصية معنوية مالية مستقلة ، وعندها لا يحق للمشترك ( المؤمَّن عليه ) المطالبة به باعتباره قد انتقل من ذمته إلى ذمة الصندوق التكافلي ولمصلحة مجموعة المشتركين ، إذ لو أجيز ـ فنيا ونظاميا ـ استرجاع الاشتراك التكافلي لما انتظمت أحوال الشركة ، ولما أمكن التعويل على حساباتها المؤسسية في مواجهة الأخطار المتوقعة ، ولأفضى ذلك إلى الإخلال بالغايات التكافلية ممثلة بتعويض المتضررين من المؤمَّن عليهم .
وبناء على التصوير الفني السابق فإن التكييف الفقهي الأمثل لخصائص تلك العلاقة المالية المذكورة والمتوافق مع منهجية العقود الفقهية المسماة في الفقه الإسلامي أنها { عقد هبة لازم } من عقود التبرعات في الفقه الإسلامي[10] ، كما أن التخريج الفقهي لتبادل الالتزام بالتبرع في عقد التأمين التعاوني أساسه قاعدة التزام التبرعات عند المالكية [11] .


وأما باعتبار منهجية الضوابط الشرعية في فقه المعاملات المالية فإننا عند فحصنا لعقد التأمين التكافلي لا نجده يتضمن ربا ولا غررا مفسدا ولا أكلا للمال بالباطل ، ذلك أن هذه الموانع أو أسباب الفساد المالية إنما ترد حال كون العقد من عقود المعاوضات المالية المبنية على المشاحة بين الطرفين ، فقد نص الفقهاء على أن { باب التبرعات أوسع من باب المعاوضات }[12] ، وعلى هذا فإن عقود التبرعات المبنية على التكافل والتعاون في صفتها ومقصدها لا ترد عليها تلك الأسباب المانعة من الصحة ، وحينئذ يبقى الحكم الشرعي على الإباحة الشرعية ؛ عملا بقاعدة { الأصل في المعاملات المالية الصحة والإباحة } [13] .

القسم الثاني : الفروقات الجوهرية بين التأمين التكافلي والتأمين التجاري

وإمعانا في إتقان التصور العملي لحقيقة نظام التأمين التكافلي الإسلامي ؛ واتساقا مع أهداف موضوع الورقة ومقاصدها ؛ فلابد لنا من الكشف عن أبرز الفروقات الجوهرية بين نظامي التأمين التكافلي في مقابل التأمين التجاري ( التقليدي ) ، إذ المقارنات تكشف عن حقائق المعاني ، فالضد يظهر حسنه الضد ، وبضدها تتميز الأشياء .
ويمكننا ـ اختصارا وتيسيرا للضبط والحفظ ـ تحديد الفروقات في الخمسة التالية [14] :
أولا : المرجعية النهائية :
تتمثل المرجعية النهائية لجميع الأنشطة والأعمال والعمليات التي تجري في شركات التأمين التكافلي بأنها تنحصر في أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية الغراء ، وذلك يشمل عمليات التأمين والاستثمار والتعويضات وقواعد احتساب الفوائض التأمينية وتوزيعاتها ، وغيرها ، كما تشمل هذه المرجعية أيضا ترشيد سلوك المؤسسة في علاقاتها وسياساتها وخططها بما يتحقق معه امتثالها الفعلي بتطبيق أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية .



ولتفعيل وتأكيد هذا الفرق وتكريسه من الناحية العملية فقد استحدثت المؤسسات الإسلامية ضمن هياكل العمل التنظيمية تشكيل فريق شرعي باسم : { هيئة الفتوى والرقابة الشرعية } بحيث يضم مجموعة من فقهاء الشريعة المتخصصين في فقه المعاملات المالية ليقوموا بدورالترشيد والتوجيه لعمليات الشركة التكافلية في مجالات التأمين والاستثمار معا ، كما يناط بهم ممارسة الرقابة الشرعية للتحقق من مدى جودة وسلامة التزام شركة التأمين التكافلي بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في أعمالها وعملياتها كافة .
في حين إن المرجعية النهائية لشركات التأمين التجاري ( التقليدي ) تخضع إلى التشريعات والأعراف الخاصة بالتأمين في كل دولة ، والتي هي بطبيعة الحال ذات أصل تقليدي تجاري محض ينسجم مع فلسفة المدرسة الرأسمالية في العمل التجاري بصفة عامة ، وما يترتب على ذلك من عدم الاعتراف بتدخل الدِّين في ترشيد المعاملات المالية ، وإجراء عقود عمليات التأمين وفق أساس المعاوضات المبنية على الغرر الفاحش وأكل المال بالباطل والربا ونحوها من المخالفات الشرعية ، وإجراء أساليب وعقود الاستثمار على أساس الفائدة الربوية ، حيث يصعب في الواقع المعاصر تصور شركة تأمين تقليدي لا تقوم على تعظيم مدخراتها واحتياطياتها على ركيزة الودائع الربوية متنوعة الأجل ، وذلك تحوطا من مخاطر السيولة لديها .
ثانيا : العلاقة القانونية :
حيث يقوم عقد التأمين التكافلي على أساس عقود التبرعات في الفقه الإسلامي ، فيكون باذل الاشتراك التكافلي أو التعاوني شريكا مع مجموعة المشتركين في تحمل الأخطار حال وقوعها وتحققها على أفراد المشتركين ، فالعلاقة هنا تكافلية تعاونية هدفها الأساس هو : التكافل في جبر الضرر وترميم الخطر حال وقوعه على آحاد المشتركين ، ولذلك فإن صناديق ومحافظ التأمين التكافلي لا تنتج ربحا ، وإنما قد ينتج عنها فوائض تأمينية تعود لمصلحة المشتركين أنفسهم ، وذلك بعد حسم مصروفات الإدارة ومستحقات التشغيل .
وأما عقد التأمين التجاري فهو : عقد معاوضة قائم على احتمال وقوع الخطر ، فهو عقد بيع للأمان من أعباء المخاطر والتهديدات التي قد تحصل وقد لا تحصل في المستقبل ، فالعلاقة هنا معاوضة ربحية تهدف أساسا إلى : تحقيق الربح من خلال المتاجرة بمخاوف العملاء ( المؤمَّن عليهم ) ، وهندستها المالية تقوم على طرفين هما : ( بائع الأمن × مشتري الأمن ) ، ولذلك فإن هذه العلاقة القانونية الربحية تؤول في نهاية أجل وثيقة التأمين التجاري إلى تحقيق ربح خالص يستحقه ( المساهمون ) وهم ملاك الشركة التقليدية .

ثالثا : العلاقة المالية في العملية التأمينية ( الفائض التأميني ) :
يقوم الهيكل المالي لشركات التأمين التكافلي على قسمين مختلفين من الحسابات هما : حساب المساهمين ( حملة الأسهم ) ، ويمثل نظاميا رأس مال الشركة ، وحساب المشتركين المؤمن عليهم ( حملة الوثائق ) ويمثل نظاميا صندوق التأمين التكافلي ، وقد يعبر عنهما بصندوق المساهمين وصندوق المشتركين .
وفيما يختص بحساب المشتركين ( الصندوق التكافلي ) يقوم المؤمَّن عليه ( المشترك ) بسداد الاشتراك التعاوني لصالح صندوق المشتركين ، ولا يخلو إما أن يقع الضرر عليه فيُعَوَّضُ من صندوق التأمين التكافلي ، أو لا يقع ، فإن عُوِّض نظير الضرر فقد تحقق مقصود التكافل الجماعي بالنسبة له ، وإن لم يقع فقد تحقق أيضا مقصود التكافل الجماعي منه بالنسبة إلى غيره من المشتركين .
فإن تحقق فائض مالي في صندوق التأمين لم يَجُز صرف هذا الفائض لجهة أخرى غير جماعة المشتركين المتكافلين بواسطة الصندوق التكافلي ، ولذلك فإن هذا المشترك ( المؤمن عليه ) حال عدم وقوع الخطر عليه فإنه يستحق نصيبا من هذا الفائض ، لأنه مال مرصد لجبر الضرر خلال أجل محدد ، وقد انتفى غرضه فيعود إلى باذليه ، ويلاحظ ههنا أنه لا يعود بصفته ربحا ناتجا عن تشغيل ربحي تجاري ، وإنما يعود إليه بصفة الفائض في الصندوق ، وذلك بطبيعة الحال وفق الأسس والقواعد والضوابط التي تتبعها كل شركة تكافلية في تنظيم توزيع الفائض لديها .
وأما في شركة التأمين التجاري ( التقليدي ) فإن المؤمن عليه يقوم بأداء العوض الذي يبذله نظير شراء الأمن من الخطر المستقبلي ؛ بمعنى ترميم الضرر الحاصل وجبر الخطر حال تحققه ، فالعميل المؤمن عليه إنما يستهدف شراء الأمن المستقبلي ببذل عوض مالي ، وشركة التأمين بموجب عقد المعاوضة نفسه ( وثيقة التأمين ) تبيع للعميل الأمن الذي يطلبه من احتمال وقوع الخطر مستقبلا ، وذلك نظير أقساط تأمينية معلومة ، والهندسة المالية للعقد تقوم على طرفين هما : ( بائع الأمن × مشتري الأمن ) .
ويدل لهذه العلاقة المالية التجارية القائمة على أساس المعاوضة الربحية أنه في حال انتهاء أجل التغطية المتفق عليه بموجب وثيقة التأمين تنتقل ملكية الأقساط التأمينية ( التي كانت معلقة خلال زمن التغطية التأمينية ) إلى ملكية خالصة تؤول إلى ربح محقق لصالح شركة التأمين التجاري ، والمُسَوِّغ لذلك أن الشركة تكون قد بذلت الوعد بالأمن المستقبلي من الأخطار واستحقت في مقابل ذلك الاشتراكات التأمينية المدفوعة من قبل العميل ( المؤمن عليه ) ، وبناء على هذه الفلسفة فإن العميل لا يحق له المطالبة بأية حقوق لأنه إنما دفع الاشتراكات لشراء مجرد الوعد بالتأمين من الأخطار المستقبلية ، وقد حصل للعميل هذا الوعد الذي طلبه ، وكون الضرر لم يقع فهذا أمر آخر لا يحول دون تملك الشركة للأقساط التأمينية .

رابعا : الأسس الاستثمارية :
تقوم شركات التأمين التكافلي كغيرها من شركات التأمين بتصميم هيكلها المالي وفق مجموعة معطيات فنية واقتصادية تُرَشِّدُ هيكلتها المالية ، حيث يتم بموجب العمليات الرياضية والجداول الإحصائية تقدير احتياجات سوق التأمين من السيولة لمواجهة مختلف التعويضات المحتملة والناتجة عن منتجات التأمين ، وما زاد عن ذلك من أقساط التأمين يتم استثماره بهدف تعظيم إيرادات الشركة وتعزيز مركزها المالي .
وعادة ما يتم تنويع الاستثمارات في صيغ ومجالات مختلفة ، ووفق آجال طويلة ومتوسطة وقصيرة ، وذلك كله من خلال هيكل مالي متحرك دوريا بحيث يراعي مختلف المخاطر المالية المحيطة بعمل الشركة .
والمهم هنا بيان أن هذه الأوجه من الاستثمارات للأموال التأمينية في الشركات التكافلية يشترط فيها أن تكون غير مخالفة للشريعة الإسلامية ، فلا يحل لها أن تستثمر أموالها في الودائع الاستثمارية والادخارية الربوية بأنواعها ، لأن حقيقتها قروض بفوائد ربوية محرمة شرعا ، كما يحرم عليها تمويل عجزها المالي ( الرأسمالي أو التوسعي ) بواسطة الاقتراض الربوي من البنوك التجارية ( التقليدية ) ، بل يشترط عليها أيضا أن يكون استثمارها المالي المباشر محصورا في شركات مالية تكون ـ على الأقل ـ متوافقة مع الشريعة الإسلامية ، فلا يجوز مثلا الاستثمار المالي عن طريق الاكتتاب في أسهم البنوك الربوية ونحوها من الشركات التي تقوم ـ وفق أنظمتها الأساسية ـ على أعمال تصادم أحكام الشريعة الإسلامية .
وأما شركات التأمين التجاري ( التقليدي ) فإنها تقوم باستثمار أموالها التأمينية من خلال توظيفها في مختلف أوجه الاستثمار بعيدا عن مراعاة الأسس الدينية الشرعية ، إذ من مبادئ ومسلمات صناعة التأمين التجاري ( التقليدي ) أنها تقوم أصالة بتوظيف فوائضها المالية في أوعية الاستثمار الربوية المحرمة ، كالودائع التجارية الربوية بأنواعها ، والسندات وأذوانت الخزانة ، وأما في جانب تمويل العجز ( الرأسمالي / التوسعي ) فإنها ستلجأ بداهة إلى الاقتراض بالربا المحرم شرعا .

خامسا : أسس التغطيات التأمينية :
إن من أبرز الفروقات الفنية التي تميز التأمين التكافلي عن غيره أن نطاق التغطيات التأمينية تحكمه الشريعة الإسلامية ، فلا يجوز على سبيل المثال التأمين على الديون الربوية ؛ سواء كانت مديونيات مباشرة أو ممثلة بسندات ربوية ، كما لا يجوز التأمين على مقار المؤسسات الربوية ، وكذا مناشط الفساد الأخلاقي والتجاري كمحلات المتاجرة بالأفلام والأغاني المحرمة ، فضلا عن شحنات الخمور والسجائر ونحوها مما يداخله الحظر الشرعي ، فجميع الصور المذكورة ونظائرها يحظر على شركة التأميني التكافلي الإسلامي أن تغطيها تأمينيا ؛ وإن كانت قد تحقق أحيانا عوائد جيدة للوعاء التكافلي ، وهذا المبدأ تلتزمه ـ بحمد الله ـ عامة شركات التأمين التكافلي الإسلامي .
وفي المقابل نجد أن شركات التأمين التجاري ( التقليدي ) لن تتحفظ على تغطية الصور السابقة ، بل إنها ستبادر إلى اختراع تغطيات يشتد حظرُها عرفا وشرعا ، إذ العبرة لديها تحقيق أعلى معدلات ربحية ممكنة ، وبغض النظر عن أية اعتبارات شرعية أو عرفية أو أخلاقية ، إلا ما قل وندر .
ولنضرب أمثلة فاضحة على التغطيات التأمينية التقليدية ، والتي تخالف مقتضى الشرع والعقل والأخلاق مجتمعين ، وفيها من القبح والوقاحة ما ينسجم مع طبيعة الفكر المادي الغربي ، ومنها [15]:



1- التأمين على حالات الانتحار .
2- التأمين على مواخير الدعارة وبيوت الزنا .
3- التأمين على حالات التهريب .
4- التأمين لمصلحة الزانية المسماة ( الخليلة / العشيقة ) ، بحيث تكون هي المستفيدة في حالة وفاة المؤمن له في وثائق تأمينات الحياة .
والحاصل : أن الأوجه الخمسة السابقة تكشف لنا ـ وبجلاء ـ عن الفروقات الجوهرية بين نمطي العمل التأميني ؛ التكافلي والتجاري ، والحق : إن تظافر هذه الفروقات الفنية بين النظامين ؛ من جهة المرجعية النهائية ، وعلى مستوى العلاقة القانونية ، ثم العلاقة المالية ، ثم الاستثمارية ، ثم نطاق التغطيات التأمينية ، إن كل هذه الفروقات الجوهرية لتؤكد على سعة التباين بين نظامي التأمين التكافلي الإسلامي والتجاري التقليدي ، ويبقى ادعاء المدعي انتفاء الفرق بين النظامين ـ رغم كل الفروقات السابقة ـ محض تعسف ومصادرة وتحامل على الحقيقة والواقع .

القسم الثالث : إحصاءات وبيانات حول صناعة التأمين التكافلي الإسلامي

لقد انطلقت صناعة التأمين الإسلامي منذ عام 1979م حيث أنشئت شركة التأمين الإسلامية بالسودان ؛ كرديف استراتيجي لمسيرة بنك فيصل الإسلامي السوداني ، والذي سبقها في التأسيس عام ( 1977م ) .

وقد تلخصت أهداف الصناعة ـ منذ نشأتها ـ فيما يلي :
1- هدف خاص : توفير الدعم الفني لمخاطر أعمال المصرف الإسلامي ( بنك فيصل الإسلامي السوداني ) ، وذلك من خلال إيجاد منتجات تأمينية تحمي مسيرة المصرف الإسلامي ، كضرورة اقتصادية معاصرة .
2- هدف عام : تقديم صناعة التأمين الإسلامي كبديل رشيد عن صناعة التأمين التقليدي ومنتجاتها ، والتحدي : أن يتم تصميم هذا البديل سليما من المخالفات الشرعية ، وخصوصا تلك المخالفات التي اشتمل عليها عقد التأمين التجاري .
ولقد نجحت صناعة التأمين التكافلي في أن تشق طريقها نحو المنافسة وأن تزاحم التأمين التقليدي في أسواقه وبين عملائه ، حتى باتت واقعا ملموسا تُقِرُّ بِهِ صناعة التأمين التقليدي ذاتها .

وأورد فيما يلي إحصاءات وبيانات حول واقع صناعة التأمين التكافلي الإسلامي في المرحلة الحالية ، وهي المسيرة المباركة التي ناهزت الثلاثين عاما منذ انطلاقتها عام ( 1979م ) .










أولا : إحصاءات وبيانات حول صناعة التكافل بصفة عامة :

في حوار أجري مع الأستاذ / محمد النور أحمد .. مدير عام الشركة الوطنية للتأمين التعاوني بالسودان صرح بالبيانات التالية [16] :
- أول شركة تكافلية إسلامية في العالم أسست في السودان عام 1979م .
- عدد شركات التأمين التكافلي تجاوز ( 100 ) شركة تأمين تعاوني وتكافلي وإسلامي .
- منها : 65 شركة في العالم العربي ، والباقي في دول ( آسيا / ماليزيا / ودول أوروبية / ودول في أمريكا وأمريكا اللاتينية ) .

وبسؤاله عن عدد شركات إعادة التأمين التكافلي .. قال أ . محمد النور أحمد : ( لا توجد الآن سوى شركة واحدة يعتمد عليها ، أو شركة كبيرة ، تليها شركة صغيرة كشركة تكافل ري في الإمارات برعاية البحرين ، وشركة أخرى بست ري ، وهي منتشرة في عدد من الدول ، منها : مصر وتونس ولبنان ) [17] .
ثانيا : إحصاءات وبيانات حول الصناعة بدولة الكويت :
وفي دولة الكويت تأسست أول شركتي تأمين تكافلي عام 2000م ، وهما : الشركة الأولى للتأمين التكافلي ، وشركة التأمين التكافلي ؛ والتي عرفت بعد ذلك باسم شركة " وثاق " .
وفي ( أغسطس 2008م ) وصل عدد شركات التأمين التكافلي ـ المصرح لها بالعمل والمقيدة لدى وزارة التجارة والصناعة ـ إلى ( 12 ) اثني عشر شركة تأمين تكافلية إسلامية .
منها شركة واحدة فقط متخصصة في مجال إعادة التأمين ، حيث تأسست شركة الفجر لإعادة التأمين التكافلي بدولة الكويت ( عام 2007م ) [18] .

ثالثا : إحصاءات وبيانات حول الصناعة بالمملكة العربية السعودية :
وفي المملكة العربية السعودية صدر " نظام مراقبة شركات التأمين التعاوني " بالمرسوم الملكي رقم ( م/32 ) بتاريخ 2/6/1424هـ .. وقد تضمن النص التالي :
[ المادة الأولى ] : ( تعمل شركات التأمين بالمملكة بأسلوب التأمين التعاوني ... وبما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية ) [19] .
وقد بلغ مجموع شركات التأمين التعاوني بالمملكة ( 23 شركة تعاونية ) ، منها (18) تم الترخيص لها فعليا ، ومنها (5) وافق مجلس الوزراء على تأسيسها ولم تمنح الترخيص حتى الآن [20] .
وفي سياق التقييم الشرعي :
يبدي بعض الفقهاء بالمملكة العربية السعودية تحفظات شرعية على لائحة تنظيم التأمين ، حيث إنها قد تضمنت مخالفات شرعية لا تتفق مع الأسس الشرعية المعتبرة للنظام التكافلي المجاز من قبل الهيئات والمجامع الفقهية الدولية ، وبالتالي فهو نظام تجاري تقليدي وليس نظاما تكافليا إسلاميا ، واللائحة بهذا تكون قد خالفت ـ نظاميا ـ نص المرسوم الملكي الذي تضمن النص الصريح على أن : ( تعمل شركات التأمين التعاوني بما لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية )[21] .
رابعا : على الصعيد الفكري لصناعة التكافل الإسلامي :

لقد سبقت الإشارة إلى حجم الإسهامات الفقهية الدولية في تطوير وصياغة وضبط صناعة التكافل الإسلامي ، وفي السنوات القليلة الماضية ظهرت عدة مبادرات كريمة وجهود استهدفت الارتقاء بفكر صناعة التأمين التكافلي، ووضع الحلول لأبرز مشكلاتها ؛ سواء الفقهية منها أو الفنية .

ومن تلك الجهود ما يلي :

1- إنشاء { رابطة شركات التأمين وإعادة التأمين الإسلامية }[22] ، وهي منظمة متخصصة في التأمين التكافلي أسسها الاتحاد العام العربي للتأمين ، وقد عقد اجتماعها الأول بتاريخ 7/2/2007م .
2- إنشاء { مجلس الاتحاد العالمي للتكافل } .. وهو منظمة دولية متخصصة في التأمين التكافلي ، وتضم في عضويتها شركات التأمين التكافلي والتعاوني الإسلامي ، وقد تأسست بالقاهرة بتاريخ 15/1/2007م عبر ملتقى عقد خصيصا لهذه المناسبة ، وقد انتخب لرئاسة المجلس السيد / حسين الميزة .. العضو المنتدب لشركة دبي الإسلامية للتأمين وإعادة التأمين ( أمان ) .
3- عقدت شركة وثاق للتأمين التكافلي بدولة الكويت ندوتين فقهيتين على مدى سنتين ( 2006/2007م ) ، وقد خصصت لبحث مسائل وقضايا فقهية في مجال التأمين التكافلي ، كما استهدفت تقديم المعالجات والحلول الفقهية والفنية بشأن القضايا والمشكلات المطروحة[23] .





المحور الثاني : الإنجازات وجوانب القوة

لقد حققت صناعة التأمين التكافلي العديد من الإنجازات على الصعيدين الفني والشرعي ؛ الكلي والجزئي ، ويمكننا بيان إنجازات صناعة التأمين التكافلي وجوانب الجودة فيها من خلال جملة من العناصر ، فسأوردها مجملة ثم أعود إلى تفصيلها تباعا .

وتتمثل الإنجازات وجوانب القوة لصناعة التأمين التكافلي في العناصر التالية :

أولا : إثبات بقاء الخيرية في الأمة الإسلامية .
ثانيا : المساهمة في تجديد الدين والإنكار العملي لمنكر الربا والمخالفات الشرعية في التأمين .
ثالثا : المساهمة في ترسيخ ظاهرة " الاقتصاد الديني " في المجتمعات الإسلامية .
رابعا : المنافسة الميدانية لسوق التأمين التجاري .
خامسا : بناء خبرات وكوادر تأمينية ملتزمة .
سادسا : استكمال مكونات " الطائر الإسلامي " .
سابعا : نافذة ثرية نحو تطوير منتجات تكافلية إسلامية جديدة .
ثامنا : الأثر الاقتصادي الكلي بالغ الخطورة لصناعة التأمين التكافلي .
تاسعا : إصدار المعيار الشرعي ( 26 ) والمحاسبي ( 12 ) في التأمين التكافلي الإسلامي :

أولا : إثبات بقاء الخيرية في الأمة الإسلامية :

فإنه على الرغم من توالي حملات التشكيك والإرجاف التي احتفت بتطبيقات الاقتصاد الإسلامي ـ منذ نشأتها ـ عموما وبالتأمين التكافلي خصوصا إلا أن هذه التطبيقات الإسلامية المباركة أثبتت اتساع مساحة الخيرية والالتزام في الأمة الإسلامية المرحومة ، إذ إن الحس الإسلامي لدى الشعوب الإسلامية كان له أبلغ الأثر في دعم وإنجاح مسيرة مؤسسات الاقتصاد الإسلامي بصفة عامة والتأمين التكافلي بصفة خاصة .
وقد تكاثرت الشواهد والأدلة العملية الدالة على صدق هذه الحقيقة المعاصرة ، ولقد قمنا بدراسة الأسباب الباعثة على تأسيس المصارف الإسلامية خلال مرحلة الريادة ( 1975-1980م ) فألفيناها دالة بصدق على هذه الحقيقة ، كما صرحت بذلك بعض المذكرات الإيضاحية لقوانين المصارف الإسلامية في بعض الدول الإسلامية [24] .

ثانيا : المساهمة في تجديد الدين والإنكار العملي لمنكر الربا والمخالفات الشرعية في التأمين :

يُعَرَّف " تجديد الدين " بأنه : " اسم جامع لكل ما يحقق الشريعة في واقعها وينفي ما يخل بها " [25] ، وإن من أجل ثمرات تجربة التأمين التكافلي أنها جَدَّدَت ـ نظريا وعمليا ـ الإيمان بكمال الشريعة وقدرتها على استيعاب المستجدات المعاصرة وتقديم البدائل المكافئة لها ، وذلك دون الإخلال بضوابط الشريعة الإسلامية في مجال المعاملات المالية ، فهذا تجديد اعتقادي ، وأما التجديد العملي فيتجلى أثره من واقع تفحص الإنجازات التالية .

وقد كان من أبرز مظاهر التجديد ما يلي :
1- تعزيز الاعتقاد الجازم بكمال الشريعة وقدرتها على استيعاب المستجدات وتقديم البدائل على اختلاف الزمان والمكان والأحول ، فقد قدمت صناعة التأمين التكافلي البرهان العملي على إمكانية توفير خدمات التأمين في إطار شرعي مكافئ ومنافس ، ودون أن تحفه المخالفات الشرعية التي يَعُجُّ بها نظام التأمين التجاري .
2- كما استطاعت صناعة التأمين التكافلي أن تكشف النقاب عن الحكم الشرعي لنموذج التأمين التجاري ؛ وهو " التحريم " وذلك بصورة عملية ملموسة ، وخلافا لما كان عليه الحال حينما كانت تطرح نظرية المنع والتحريم مجملة ؛ ودون أن يكون لها ما يميزها في واقع التعامل بين الناس ، إذ بالأضداد تتميز الأشياء ، وبهذا تكون الصناعة التكافلية أثمرت الإسهام الضمني في عملية الإنكار العملي للتعامل بمنكر الربا والغرر الفاحش وسائر المخالفات الشرعية التي يقوم عليها نظام التأمين التجاري ( التقليدي ) .









ثالثا : المساهمة في ترسيخ ظاهرة { الاقتصاد الديني } في المجتمعات الإسلامية :

لقد كان لصناعة التأمين التكافلي ـ إلى جانب المصارف وشركات الاستثمار الإسلامية ـ دورها البارز في ترسيخ مرجعية الشريعة الإسلامية وحاكميتها على كافة التعاملات المالية ، بحيث تكون الشريعة مقدمة الاعتبار على كافة الأعراف التجارية والأنظمة التقليدية الوضعية ، وهو ما يمكن تسميته بظاهرة { الاقتصاد الديني } ، والتي باتت ظاهرة تنتشر ـ بحمد الله ـ في مختلف الاقتصاديات الإسلامية والعربية المعاصرة .
ذلك أن الخاصية الأهم التي تنفرد بها شركات التأمين التكافلي عن مثيلاتها التقليدية أنها تستمد مشروعية أعمالها وعملياتها من مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية الغراء ، وذلك طبقا لما هو منصوص في عقد تأسيسها ونظامها الأساسي .. وعليه فإن هذا المعيار الاستراتيجي { الالتزام بالشريعة الإسلامية } يشمل كافة أعمال شركة التأمين التكافلية ؛ بدءا من إعداد وصياغة وإصدار وثائق التأمين ، وتحديد شروط وضوابط التعويضات ، وقواعد توزيع الفائض التأميني ، ومجالات وأساليب استثمار أموال التأمين ، بالإضافة إلى عموم الجوانب الإدارية والمالية والتسويقية ، كما يشمل أيضا النظم واللوائح والأخلاقيات العامة بالمؤسسة ، فإن جميع تلك المحاور ووحدات العمل يجب أن لا تخرج في ممارسة أعمالها وأنشطتها عن الالتزام بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية .
ومن هنا جاءت ركيزة { الفتوى والرقابة الشرعية } [26] لتمثل الضمانة العملية لالتزام شركة التأمين التكافلي بالضوابط الشرعية وعدم مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية ، كما جرى العرف ـ والتقنين أحيانا [27] ـ على تمييز سلطة الهيئة الشرعية ورفع صلاحياتها لتربو على صلاحية الإدارة ومجلس الإدارة ؛ كنتيجة لتعيين الهيئة بواسطة الجمعية العامة ، وهو ما يعرف بمبادئ { الإلزام } و { الاستقلالية } .
وعلى هذا فإنه يمكننا القول بأن وجود الهيئات المعاصرة للفتوى والرقابة الشرعية قد بات من أركان المؤسسة المالية الإسلامية ، إذ إن وجود هذه الهيئات لتمارس دورها في الرقابة والإفتاء الشرعيين ليمثل الضمانة الشرعية الوقائية للتأكد من مدى مطابقة أعمال المؤسسة المالية لأحكام الشريعة الإسلامية قبل وأثناء وبعد تنفيذ المنتج أو المعاملة ، وليحصل الاطمئنان والثقة ـ ولو بغلبة الظن ـ بموافقة هذه المعاملات المالية لمرضات الله تعالى في الدنيا والآخرة ، وذلك بواسطة جهة شرعية متخصصة في فقه المعاملات المالية تقوم بمهمة { حفظ أعمال المؤسسة المالية عن المخالفات الشرعية } ، وذلك عملا بقول الله تعالى : {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}[28] .
وبهذا تتلخص الأهمية الشرعية لركيزة الهيئات الشرعية فيما يلي :
1. إنها وسيلة لتحصيل مرضات الله ورحمته واتقاء نقمته وعذابه ، وذلك بتحقيق حفظ أعمال المؤسسات المالية عن المخالفات الشرعية .
2. صون التجربة المالية الإسلامية عن الانحراف والفساد ؛ لتواصل تحقيق نجاحاتها كبديل شرعي عن النظم المالية الوضعية .
3. إن وجود الهيئات الشرعية يمثل إحدى تطبيقات فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باعتبارها فريضة شرعية يتعين على المكلفين لزومها والأخذ بها والعمل بمقتضاها ، كما أنها تحقق معنى التعاون على البر والتقوى في لزوم المأمور وترك المحظور .

والخلاصة : إن شركات التأمين التكافلي قد أسهمت وبكفاءة في ترسيخ وتكريس مبدأ الالتزام الشرعي في التعاملات المالية داخل المؤسسة الإسلامية ، وفي ذلك نقض صريح وإنكار عملي لمبدأ العلمانية ؛ والتي تنادي بإقصاء الدين عن الحياة ، فضلا عن السوق والمعاملات المالية .

رابعا : المنافسة الميدانية لسوق التأمين التجاري :

لقد نجحت صناعة التأمين التكافلي تدريجيا في اقتحام ميدان المنافسة ـ نسبيا ـ ، وذلك من خلال نجاح خبراء التأمين الملتزمين شرعيا في تطوير نظام فني ( مركب من مجموعة علاقات مالية وقانونية ) يقدم خدمات التأمين كأحد الاحتياجات الضرورية في العصر الحديث ، مع الالتزام بأن يكون هذا النظام التأميني المبتكر لا يتضمن ما يخالف الشريعة الإسلامية ، وخصوصا تلك المخالفات الشرعية التي تلبس بها نظام التأمين التجاري .
ولا أدل على ثبوت المنافسة بين النموذجين ( التكافلي الإسلامي والتجاري التقليدي ) من قيام شركات التأمين التقليدي بممارسة التحول نحو الالتزام بالشريعة الإسلامية ، وقد أخذ ذلك التحول صورا وأساليب متعددة ، ونشير إلى أصول عمليات التحول نحو الالتزام بالشريعة على النحو التالي :
أ / التحول الكلي : ومعناه أن تعيد الشركة تصميم عقد التأسيس والنظام الأساسي بحيث ينص فيهما على : أنها تلتزم في كافة أعمالها وعملياتها بأحكام الشريعة الإسلامية ، ومثاله في التأمين : شركة وربة للتأمين الصحي بدولة الكويت .
ب/ التحول الجزئي : ومعناه أن تقوم الشركة التقليدية بتقديم خدمات تأمين تكافلية إسلامية إلى جانب خدماتها التقليدية الأصلية ، وهو ما تُسَوِّقُه بعض الشركات التقليدية ( الربوية ) في عدد من دول الخليج مستغلة الشعار الإسلامي ، وذلك في إطار من الغفلة تارة والعجز تارة أخرى من قبل جهات الإشراف والرقابة على التأمين في الدولة .
وعلى صعيد آخر : فقد صرحت بعض الشركات الغربية العالمية ـ في مجال التأمين وإعادة التأمين ـ وتلبية لرغبة عملائها في العالم العربي فإنها ستقدم خدمات التأمين الإسلامي .
ج / التحول الموازي : ويعتبر هذا الأسلوب من أكثر أساليب التحول تطبيقا لدى شركات التأمين التقليدي ، حيث تقوم بالمشاركة في تأسيس شركات تكافلية تعمل وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية ، وغرضها من ذلك : الاستفادة الربحية من شريحة العملاء الملتزمين شرعيا والذي لا يمكن للشركة التقليدية أن تصل إليهم .
ولقد تعددت الشواهد والأمثلة على هذه الظاهرة ، والتي باتت تعرف باسم " تحول المؤسسات التقليدية نحو الالتزام بالشريعة الإسلامية " ، وسأذكر نماذج منها تؤكد ما أسلفناه .

أ / قامت شركة الأريج ( بمملكة البحرين ) ـ وهي شركة تأمين وإعادة تأمين تقليدية ـ بتأسيس شركة إعادة تأمين إسلامية باسم { تكافل ري } ، كشركة تابعة ومقرها دولة الإمارات العربية المتحدة ، حيث تمتلك الأريج فيها حوالي ما نسبته ( 59 % ) ، ويعزو خبراء الصناعة الخطوة الاستراتيجية لشركة الأريج إلى النمو المضطرد لسوق التكافل الإسلامي بمنطقة الخليج من جهة ، هذا إلى جانب مخاطر وإشكالات مالية أخرى واجهتها الشركة .
ب / قامت شركة البحيرة للتأمين بالإمارات العربية المتحدة ( الشارقة ) بتأسيس شركة تأمين تابعة تعمل وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية ، وذلك كأسلوب آمن من أساليب التحول .
ج / ومن الأمثلة على هذا النمط من التحول قيام عامة شركات التأمين التقليدي ( التجاري ) بدولة الكويت بتأسيس شركات تأمين تكافلية ( إسلامية ) بحصص ملكية متفاوتة .
ولا شك أن فيما ذكرناه شهادة صدق وبَيِّنة ظاهرة على اشتداد رحى المنافسة بين صناعتي التأمين التكافلي ( الإسلامي ) والتجاري ( التقليدي ) في العديد من الدول الإسلامية ، وخصوصا في منطقة الخليج العربي .

خامسا : بناء خبرات وكوادر تأمينية ملتزمة :

إن تمايز الفروقات الجوهرية بين نموذجي التأمين التقليدي ( التجاري ) والتكافلي ( الإسلامي ) أدى إلى بروز نخبة من خبراء التأمين وكوادره الفنية الذين يحملون قيمة الالتزام الشرعي في تصميم وتقديم خدمات


ومنتجات التأمين ، وقد يبشرون بها ويدعون إليها ؛ الأمر الذي كان معدوما أو مفقودا إبان سيادة التطبيق التقليدي للتأمين في مختلف البيئات الاقتصادية [29] .
والحق أن المزاوجة بين الخبرة التأمينية والالتزام الشرعي باتت ظاهرة تتنامى تبعا لتزايد وانتشار شركات التأمين وإعادة التأمين التكافلي ، ولا شك أن التنوع والثراء في آليات التطبيق التكافلي ومدارسه الفنية ـ لاسيما على صعيد الصناعة التكافلية في العالم الإسلامي ـ قد أدى إلى صقل خبرات وتطوير كوادر ومهارات تحمل رسالة التكافل وتبشِّر بها ، وتحرص على تنقيحها وتنقيتها باستمرار ؛ باعتبارها نمطا من أنماط الفكر الاقتصادي الإنساني الملتزم بأحكام الشريعة الإسلامية .

https://poli-droit.blogspot.com/2011/04/blog-post.html









رد مع اقتباس
قديم 2018-11-28, 19:04   رقم المشاركة : 3130
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فوفو-فريدة مشاهدة المشاركة
السلام عليكم من فضلكم هل من مساعدة لدي بحث حول منتجات التأمين التعاوني ( التعاضدي)
https://www.sama.gov.sa/ar-sa/Laws/Pa...egulation.aspx









رد مع اقتباس
قديم 2018-12-05, 11:20   رقم المشاركة : 3131
معلومات العضو
zahiaabdelkader
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي بحث

السلام عليكم ابحث عن بحث
عنوانه : - ريادة الاعمال (المقاولاتية)و تكنولوجيا المعلومات
- فريق اتصال الازمات










رد مع اقتباس
قديم 2018-12-19, 22:09   رقم المشاركة : 3132
معلومات العضو
youyou46
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

من فضلك اخي لدي مذكرة تخرج لسانس اقتصاد كمي بموضوع : البرمجة الخطية باهداف اتخاذ القرار
اريد مساعدة










رد مع اقتباس
قديم 2018-12-26, 12:08   رقم المشاركة : 3133
معلومات العضو
HAMID TACHI
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

كتاب: من فضلك ابحث عن كتاب منهجية البحث العلمي في العلوم الإنسانية الكاتب موريس انجرس
وشكرا










رد مع اقتباس
قديم 2018-12-28, 14:04   رقم المشاركة : 3134
معلومات العضو
houssouava
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
من فضلكم مساعدتي في مرجع ملخص رواية تلك العتمة الباهرة للطاهر ابن جلون و مرجع تحليل قصيدة دع للربع ما للربع ( رحلة إلى خمارة) لأبو نواس










رد مع اقتباس
قديم 2019-01-04, 21:51   رقم المشاركة : 3135
معلومات العضو
hano.jimi
عضو محترف
 
الصورة الرمزية hano.jimi
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة zahiaabdelkader مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ابحث عن بحث
عنوانه : - ريادة الاعمال (المقاولاتية)و تكنولوجيا المعلومات
- فريق اتصال الازمات
الإعلام وإدارة الأزمات.


الإعلام وإدارة الأزمات
العوامل المؤثرة في فهم طبيعة الأزمة:
تنطوي الأزمة عادة على معلومات مفزعة، وتضارب في التصريحات، وعدم ثقة البيانات وقلة الوقت اللازم للتأكد وتحديد المسئوليات، وهنا تساعد الخبرات لدى القائمين على الاتصال في تقليل الخسائر الناجمة عن الأزمة إلى حدها الأدنى، بل في أحيان أخرى كفاءة الاتصال تحول الأزمة وتستثمرها للخروج بمكاسب مادية ومعنوية، فالاتصال الفعال هو العامل الحاسم في الحفاظ على سمعة المؤسسة في مواجهة الإعلام المضاد وجماعات الضغط.
وعند مواجهة الأزمة يتطلب كفاءة الاتصال مراعاة الاعتبارات التالية:
أولاً: استيعاب دروس الأزمات السابقة:
وهذا يتطلب فحص أزمات الآخرين والتساؤل عن:
•ماذا حدث؟
•لماذا حظيت هذه الأزمة بقدر كبير من النشر والشهرة والتداول.
•كيف واجهت الإدارة هذه الأزمة.
•ما هي الإيجابيات والسلبيات عند مواجهة الإدارة لتلك الأزمة.
ومن المهم الاهتمام من قبل المسئولين بالتعرف على كيفية تعامل المنظمات المختلفة مع الأزمات المشابهة وخصائص كل أزمة وكيف كان رد الفعل تجاهها.
وهناك اهتمام في السنوات الأخيرة بإدارة الأزمات للأسباب التالية:
‌أ)تغير المجتمع:
بسبب التطور في تكنولوجيا الاتصال والمعلومات وظهور وسائل اتصال جديدة تسمح بنشر المعلومات بسرعة كبيرة لتحقيق السبق الإعلامي وتزايد التشهير من قبل وسائل الإعلام للنيل من بعض المنظمات.
‌ب)تطور القانون:
حيث تزايد دور القانون والمجالس النيابية في الوقوف إلى جانب المتضرر عند وقوع الأزمة وأصبح الآن المحامون يسارعون للتطوع عبر وسائل الإعلام لإثبات حقوق الضحايا وتوعية الناس عبر الإعلام بعدم التفريط في حقوقهم.
‌ج)تصاعد دور جماعات الضغط:
وهي جماعات غير حكومية تستهدف الوقوف بجانب فئة من المجتمع عمال، فلاحين، مرأة، طفل..، وهكذا لرعاية مصالحهم، وهي جماعات نشطة يظهر دورها بوضوح أثناء الأزمات، حيث تثير جماعات الضغط وسائل الإعلام والجماهير للكشف عن المتسبب في وقوع الأزمة.
‌د)الموظفون الساخطون:
الذين يحاولون نيل الشهرة أو تصفية حساباتهم مع المنظمة عند مواجهتها للأزمة.
‌ه)وعي الإدارة:
تزايد وعي الإدارات في المنظمات الحديثة بأهمية العلاقات العامة وبتدريب العاملين على مواجهة الأزمات، وتشكيل إدارات متخصصة في التعامل مع الأزمات.
ثانياً: المدرك هو الحقيقة:
تقوم وسائل الإعلام بتقديم تفسيرات للواقع بالكلمة والصورة والحركة ويبني الأفراد معاني مشتركة للواقع المادي والاجتماعي من خلال ما يقرءونه أو يسمعونه أو يشاهدونه، وبالتالي يتحدد سلوكهم جزئياً من خلال ما تقدمه وسائل الإعلام من معلومات، فهي بمثابة نافذة يطل منها الفرد على العالم الخارجي.
وينظر البعض لوسائل الإعلام على أنها تقوم بالتركيز على بعض الموضوعات والقضايا لتحقيق مصالح للقائمين على تلك الوسائل ولا تعكس الواقع، بل تخلق عالم يبدو للمتلقي حقيقيا، وقد يتقبل المتلقي هذا لكونه غير مدرك، ومع تراكم التعرض لوسائل الإعلام يبدو العالم الذي صنعته تلك الوسائل حقيقياً في الأذهان.
وبالنسبة للأزمة المهم هو ما يتصور الناس أنه حدث وليس "ما حدث" والمهم أن يعرف القائم بالاتصال كيف يخاطب اهتمامات الناس فهي أهم من الحقائق.
ومثال على ذلك: أزمة مرض "جنون البقر" في بريطانيا عام 1990، حيث أصاب الناس بحالة هستيرية نتيجة نقص المعلومات الدقيقة بالمرض مما أدى لتصاعد الأزمة، حيث أدى تداول وسائل الإعلام لكلمة أبقار وكلمة جنون إلى جعل الناس يعتقدون أنهم سيتجولون إلى أبقار ويصابون بالجنون.
وقد أدركت الحكومة قضية (الواقع المدرك في وسائل الإعلام) في الموجة الثانية من المرض حيث عاد ليظهر في انجلترا عام 1996، حيث عقدت ندوة للخبراء أعلنوا خلالها الحقائق وتم معالجة الأزمة بالأساليب التالية:
- معالجة القضية بشكل جاد وبدون تهوين أو تهويل.
- سرعة التصرف.
- جعل الجمهور على صلة بحقائق الموضوع.
ومع ذلك فإن سوء معالجة الحكومة للأزمة في المرحلة الأولى عام 1990 أفقدها مصداقيتها في عام 1996 بسبب تصورات الناس عن الواقع رغم ذكر الحكومة للحقائق.
ومن هنا نجد ضرورة أن نتعامل مع الحدث من منظور الآخرين وأن تظهر المؤسسة الاهتمام والتعاطف مع الناس وتحاول ترك أثر طيب يخفف من وقع الصدمة.
ثالثاً: خاطب الناس بما يريدون سماعه:
الجمهور يميل إلى تدعيم الاتجاهات التي يتبناها ويقاوم الاتجاهات المضادة وهو ما يطلق عليه (حواجز الاتجاه)، فلكل فرد حواجز نفسية تمنعه من تقبل الآراء المعارضة للاتجاهات التي يتبناها حتى وإن حاول مصدر ذلك سرد حقائق وحجج منطقية، ولكن ينخفض هذا الحاجز ويكون هناك فرصة أكبر للاقتناع بوجهة نظر أخرى إذا استخدم الشخص حملة تأييد أو دعم.
مثال: شخص لديه وجهة نظر سلبية نحو رجال الأعمال والمشروعات ويعتبرها أعمالاً غير أخلاقية وذلك نتاج خبرة مؤلمة سواء مباشرة أو عبر وسائل الإعلام، وهنا يكون لديه حاجز أمام أي وجهة نظر مخالفة.
ولتخفيض هذا الحاجز النفسي وإقناع الشخص بوجهة النظر الأخرى يجب إتباع ما يلي:
1-طرح أسئلة تتفق مع معتقدات هذا الشخص مثل: لماذا تعتقد أن رجال الأعمال يمارسون عملاً غير أخلاقي؟.
2-القفز فوق (الحاجز النفسي) من خلال إظهار الاتفاق مع وجهة النظر الأخرى للتمهيد لطرح الرأي البديل مثل: "أنا أوافقك.. العديد من رجال الأعمال يمارسون أعمالاً غير أخلاقية، ولكن هناك بعض منهم شرفها".
3-يمكن الاستعانة بشخص آخر يتفق مع وجهة نظر مختلفة فهو يجد أن هناك مجموعة كبيرة يفعلون أعمالاً غير أخلاقية ولكن هناك آخرون شرفاء، كذلك الاستعانة برجال الدين والخبراء يساعد على رفع الحاجز النفسي.
رابعاً: اجعل من الأزمة فرصة:
استطاعت العديد من المنظمات الاستفادة من الأزمة كفرصة للاستثمار وتسويق الأعمال، وقد لوحظ إن معظم الناس يتأثرون بالأزمة عند ذروة النشر عنها ولكنهم بعد فترة قد ينسون الأزمة ولكن يتذكرون اسم المنظمة، فالأزمة الفعلية نادراً ما تسبب الدمار، ولكن هذا يتوقف على طريقة المعالجة الإعلامية التي قد ترتفع بسمعة المنظمة أو تهبط بها إذ ليس هناك ما هو أسوأ من النشر السلبي.
خامساً: المنظمات الكبرى تحظى بتغطية أوسع:
يستجيب الناس للأسماء والمنظمات الكبيرة اللامعة أكثر من استجابتهم للمنظمات الصغيرة وهذا يحقق مزايا عديدة للمنظمات الكبرى في الأوقات العادية، ولكن يتحول إلى عيب كبير في الأوقات العصيبة.
سادساً: تأثير الظروف المحيطة:
تؤثر الظروف المحيطة بالأزمة على زيادة أو تقليص آثارها على الجهود:
مثال: واجهت بريطانيا عام 1991 أزمة كبيرة سببت الفزع عند الجماهير نتيجة اكتشاف فساد أنواعد عددية من الأطعمة مثل زيادة السالمونيلا السامة في البيض ووجود ملوثات في أنواع من الجبن والخبز مع أزمة جنون البقر، وكانت تلك الأزمات هي أهم القضايا التي تشغل أغلب الجماهير في بريطانيا وفي نفس الفترة الزمنية قامت العراق بغزو الكويت فتحول اهتمام الجماهير من قضية تسمم الأغذية إلى غزو العراق، وانصرف تركيز وسائل الإعلام من تغطية قضايا تلوث الطعام إلى غزو العراق.
من هنا نجد أن حجم تغطية وسائل الإعلام للأزمة يتوقف إلى حد كبير على الظروف المحيطة وحدوث أزمات أكبر.
سابعاً: تكرار الأزمات وتشابهها يضاعف من تأثيرها:
هناك قول شائع لدى الإعلاميين: ما يحدث مرة يعد حادثاً، فإذ تكرر مرة يعد اتجاهاً وإذا حدث ثلاث مرات يعد وباءً.
مثال:خلال فترة الفزع من الطعام المسمم في بريطانيا أدى تعدد الشركات المتهمة بتلوث الغذاء إلى مضاعفة الإحساس بالأزمة.
وفي مصر: عندما تكررت ظاهرة هروب بعض رجال الأعمال بعد اقتراض الملايين من البنوكونقلها للخارج حدثت أزمات عددية لمصداقية رجال الأعمال.
•دورة حياة الأزمة:
إن تعقيدات الحياة المعاصرة جعلت المنظمات أكثر قابلية للتعرض للأزمات عن الماضي، وذلك جعل معظم المنظمات المتطورة تحرص على تطوير خطط متكاملة لإدارة الأزمات ومن أبرزها الإعداد لاتصالات الأزمة.
والإعداد لمواجهة الأزمة ضرورة لا غنى عنها لمحافظة أية منظمة على صورتها الذهنية ومصداقيتها، وهنا يبرز أهمية الاتصال في مواجهة الأزمات ويعني الاتصال ضرورة التفاعل والتفاهم مع مختلف أطراف الأزمة والمتأثرين بها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر من العاملين بالمنظمة أو الجماهير الداخلية والخارجية ووسائل الإعلام وكافة مؤسسات المجتمع.
واتصالات الأزمة لها دور كبير في حماية سمعة المنظمة في أوقات الشدة وتحسين سمعة المنظمة بشكل عام.
وقد شهدت فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي زيادة مطردة في بحوث اتصالات الأزمة نظراً لزيادة عدد الأزمات القومية والدولية والتطور الكبير في تكنولوجيا الاتصال مما انعكس على كثافة الاهتمام ببحوث اتصالات الأزمات.
دوافع الاهتمام باتصالات الأزمة:
يؤدي الاتصال دوراً مهماً في مختلف مراحل الأزمة، ويمكن حصر دوافع الاهتمام باتصالات الأزمة فيما يلي:
1-تزايد عدد الأزمات التي تعاني منها الشركات والمنظمات في السنوات الأخيرة مما زاد من سخط الجماهير والمقاضاة القانونية للشركات.
2-تزايد اهتمام وسائل الإعلام بتغطية أخبار الأخطار الصناعية والبيئية المؤثرة على الجماهير، وتغطيتها من خلال تقارير تقصي الحقائق.
3-التأثير العميق والمدمر للأزمات على الهيئات والشركات وما يعنيه ذلك من عواقب على السمعة والصورة الذهنية للمنظمة.
4-تخطي الأزمات والكوارث بتغطية واسعة في وسائل الإعلام باعتبارها أخبارا سلبية تحقق الانتشار لوسائل الإعلام لأنها تلبي حاجة الناس من المعرفة وحب الاستطلاع.
5-المشتغلون بالعلاقات العامة هم أحد المصادر الهامة لتدفق الأخبار والمعلومات في وسائل الإعلام وأصبح تواجدهم أمر أساسي في العديد من الشركات، وتؤثر طريقة تعاملهم مع مندوبي وسائل الإعلام على طبيعة التغطية الإعلامية للأزمة، السلب أو الإيجاب.
6-تستقطب الأزمات اهتمام السياسيين وجماعات المصالح الخاصة الذين يحاولون استثمارها لمنافعهم الشخصية.
7-لا يقف تأثير الأزمة ومردودها السلبي على منظمة معينة، بل قد يتجاوز إلى التأثير على قطاع كامل في الاقتصاد أو البيئة.
أهداف إدارة الأزمة:
1-توفير القدرة العلمية على التعرف على مصادر التهديد، والتنبؤ بالأخطاء والاستغلال الأمثل للموارد والإمكانات المتاحة للحد من تأثير الأزمة الضار.
2-تحديد دور الأجهزة المعنية بتنظيم وإدارة الأزمة وقت الأمان ووقت الأزمة والعمل على عدم تكرارها.
3-توفير الإمكانات المادية للاستعداد والمواجهة وسرعة إعادة التعمير بأقل تكلفة.
4-الاستعداد لمواجهة الأزمة من خلال التنبؤ بالمشكلات وتمكين الإدارة من السيطرة على الموقف، والمحافظة على ثقة جميع الأطراف المعنية وتوفير نظم الاتصال الفعالة.
5-التعامل الفوري مع الأحداث لوقف تصاعدها وتحجيمها من خلال تحليل الموقف، ورسم السيناريوهات، وتحليل نقاط القوة والضعف، والتهديدات الناتجة عن كل حدث والاستعداد المستمر للتعامل معها.
أنواع الأزمات المحتملة:
يقسم "كومبس" Coombs الأزمات إلى نوعين أساسيين:
أ‌)غير متعمدة.
ب‌)متعمدة.
‌أ)الأزمات غير المتعمدة وتشمل:
1-الزلات: وهي تصرفات غير مقصودة يسعى أحد الأطراف الخارجية إلى تحويلها إلى أزمة، وغالباً يتسم هذا النوع بالغموض وعدم اليقين.
2-الحوادث: وهي تقع نتيجة أخطاء بشرية مثل الإهمال وعدم الاهتمام بجودة المنتج أو نتيجة أحداث قدرية طبيعية.
‌ب)الأزمات المتعمدة وتشمل:
1-التجاوزات:وهي أزمات تنتج عن تصرفات متعمدة من جانب بعض المسئولين نتيجة سوء التقدير أو تجاوز حدود الاختصاص مما ينتج عنه الإضرار بالمنظمة وجمهورها العام.
2-الإرهاب: وهي أفعال متعمدة يقصد بها تجنيب نشاط المنظمة وسمعتها لدى الجماهير ويقوم بها أطراف من المنافسين أو الأعداء.
ويقسم (ليربنجر) Lerbinger أنواع الأزمات وفق مسبباتها كالتالي:
1-أزمات قدرية: مثل الزلازل والفيضانات.
2-أزمات تكنولوجية: تنشأ عن مخاطر استخدام وسائل تكنولوجية حديثة.
3-أزمات المنافسة: عندما تواجه المنظمة جماعة تهاجمها وتنتقد تصرفاتها.
4-أزمات إرهابية: مثل وضع ملوثات أو سموم أو أعمال عدوانية.
5-أزمات الربحية: من خلال الرغبة في التوسع وفتح الأسواق على حساب الاهتمام بالجودة والإتقان.

6-أزمات الخداع: عندما تتعمد المنظمة خداع جهة معينة أو جمهور محدد.
7-أزمات إدارية: تنتج عن الإهمال وسوء التشغيل وضعف الرقابة.
دورة حياة الأزمة:
يتشابه كل من دورة حياة الأزمة مع دورة حياة الكائن الحي من حيث الميلاد ثم النمو فالنضج وصولاً إلى مرحلة الانحدار والموت.
فحين تظهر الأزمة في بوادرها أو ميلادها يمكن أن تتدخل فنون الإدارة لتحول دون أن تصل الأزمة إلى مرحلة النمو والنضوج وفي هذه الحالة تستطيع الإدارة الرشيدة أن تقتل الأزمة في مهدها (إجهاض الأزمة)، أما عندما تتجاهل الإدارة معالجة الأزمة في مهدها تكون الظروف مهيأة لميلاد الأزمة ونموها ووصولها إلى النضج والتي تشكل تهديداً شديداً على المنظمة.
ومن المهم أن ندرك أن بعض الأزمات لا يمكن تجنبها أو احتوائها في مهدها ولو استطاعت المنظمات التصدي للمشكلات قبل أن تتحول لأزمات فإنها سوف تتجنب التغطية السلبية التي تقدمها وسائل الإعلام نتيجة نقص المعلومات وغموض الموقف.

ويرى البعض أن دورة حياة الأزمات تمر بثلاث مراحل:
1-ما قبل وقوع الأزمة: وهي مرحلة استشعار الأزمة واتخاذ الإجراءات الوقائية.
2-مواجهة الأزمة حال وقوعها: اتخاذ الإجراءات التي تحد من الآثار الضارة ومحاولة تضييق نطاقها.
3-إجراءات ما بعد الأزمة: من خلال دراسة وتقييم ما حدث؟ ولماذا؟ وكيف حدث؟ ورسم سبل عدم تكرار أزمات مشابهة.
أولاً: مرحلة ما قبل الأزمة:
1-رسم خطة الاتصال لاحتمالات الأزمة.
2-التدريب على تنفيذ الخطة من خلال محاكاة مواقف الأزمة.
3-إقامة ودعم العلاقات الإيجابية مع الحلفاء الحاليين والمحتملين والعمل على تحييد الخصوم والمنافسين.
4-بناء سمعة جيدة للمنظمة
ثانياً: مرحلة الأزمة:
1-التعرف على المشكلة وتحديد أبعادها بدقة.
2-السيطرة على الإجراءات والرسائل الاتصالية (البيانات).
3-تفصيل الخطة الموضوعة من قبل بعد تعديلها لمواكبة الظروف الراهنة.
4-سرعة الاستجابة لمتطلبات الجماهير وتلبية حاجاتها للمعرفة.
5-إقامة روابط اتصال قوية مع مندوبي وسائل الاتصال مع التركيز على الحقائق المؤكدة فقط.
ثالثاً: مرحلة ما بعد الأزمة:
1-الاستمرار في إقامة العلاقات الطيبة مع وسائل الإعلام.
2-اتخاذ الإجراءات العلاجية لضمان عدم تكرار الأزمة والحد من أضرارها.
3-إعادة بناء سمعة المنظمة على النحو المرغوب، وهنا لابد من العمل على "تعزيز السمعة" من خلال الحرص على ممارسة أنشطة تدعم المسئولية الاجتماعية للمنظمة.
ولابد أن ندرك أن نهاية إحدى الأزمات عادة ما تكون بداية أزمة جديدة في عملية مستمرة، ومن هنا فإن إدارة الأزمة في المنظور الإعلامي تعني:
"إدارة السمعة" وهي جهود متواصلة تحظى بتعديلات مستمرة لمواكبة الأحداث والمستجدات التي تستهدف في النهاية صياغة وتعزيز الصورة الذهنية للمنظمة.
•الاتصال في مرحلة ما بعد الأزمة :
وتضم هذه المرحلة حصيلة الدروس المستفادة من الأزمة وتقييم الخبرات المكتسبة من تعامل منظمات أخرى مع أزمات متشابهة، وإعادة تقييم الخطط لتحصين ما تم إنجازه ومعالجة السلبيات، كذلك يتم استخدام البحوث العلمية لقياس ردود أفعال الجماهير المتأثرة بالأزمة ورصد الاتجاهات نحو المنظمة، وأثر الأزمة على الصورة الذهنية للمنظمة وإعادة توزيع المسئوليات ومنع تداخلها لتجنب حدوث أزمة مشابهة في المستقبل.
•أهداف الاتصال في مرحلة ما بعد الأزمة:
1-الاستمرار في جذب الجماهير نحو أنشطة المنظمة.
2-عدم إهمال المعالجات السلبية لما تنشره وسائل الإعلام والاهتمام بالرد الفوري على الادعاءات والانتقادات.
3-الاستمرار في تزويد وسائل الإعلام بالمعلومات عن إصلاح المنظمة وكسب ثقة تلك الوسائل.
4-رصد ردود الأفعال الرسمية والشعبية تجاه الأزمة واتجاهات الحلفاء والمنافسين لبناء خطط للاتصال
5-العمل على الحد من الآثار السلبية الناتجة عن الأزمة.
6-بذل الجهود لإعادة بناء سمعة جيدة للمنظمة.
•تقييم كفاءة اتصالات المنظمة بعد الأزمة:
1-هل تمت الاستجابة للأزمة بسرعة وفعالية، وفي حالة النفي لماذا؟
2-هل تمت تلبية الاحتياجات الضرورية لمواجهة الأزمة بالشكل الذي يعطي الانطباع بسيطرة المنظمة على الموقف.
3-هل تم العمل وفق خطط الاتصال سابقة الإعداد؟
4-ما نوعية الفئات التي استهدفها الاتصال؟ وكيف يتم الوصول لكل فئة؟
5-ما نوعية الرسائل التي استخدمت؟ وما أساليب الإقناع المنطقية والعاطفية؟
6-هل تم تجاهل فئة عينة من الجمهور؟ ولماذا؟
7-هل كان عدد فريق إدارة اتصالات الأزمة مناسباً ومتعاوناً؟
8-هل تم تزويد الإعلاميين بالمعلومات التي يحتاجونها في الوقت المناسب وبالشكل المناسب؟

9-كيف تبدو صورة المنظمة في أذهان الجماهير بعد الأزمة؟ وهل اختلفت عنها بعد الأزمة؟
10-ما حجم التغطية الإعلامية؟ وهل كانت مؤيدة أم معارضة للمنظمة؟
11-هل نشرت وسائل الإعلام شائعات أو معلومات خاطئة؟ وما مصدرها؟
12-هل ترك فريق اتصالات الأزمة بالمنظمة أثر طيب أو إيجابي لدى مندوبي وسائل الإعلام.
•أنشطة الاتصال في مرحلة ما بعد الأزمة:
‌أ)بيئة عمل المنظمة:
1-النظر في إعادة هيكلة الإدارة بالمنظمة.
2-التعرف على مصادر التهديد، والتنبؤ بالأخطار واتخاذ الإجراءات الوقائية.
3-تمكين الإدارة من السيطرة على المشكلات واتخاذ الإجراءات لمواجهة الطوارئ.
4-التعامل الفوري مع الأحداث الطارئة لوقف تصاعدها، وتحليل نقاط القوة والضعف في المنظمة

5-مراقبة البيئة من خلال رصد الأفكار والاتجاهات نحو أ،شطة المنظمة وخاصة تلك التي يمكن أن يكون لها أثر في المستقبل.

6-تجميع بيانات عن القضايا التي قد تسبب مشكلات للمنظمة وتقييم هذه المعلومات والحد من تأثير القضايا السلبية على سمعة المنظمة.
7-وضع سياسات وقائية للقضايا المحتملة.
8-إعداد خطط عمل عامة وبرامج تنفيذية لجوانب النشاط.
9-التقييم المستمر للجهود التي تتم في سبيل معالجة القضايا.
10-تدريب العاملين على الاستجابة الإيجابية الفورية لضغوط الأزمات.
11-التدريب على المرونة وعدم التصلب في الرأي واحترام الرأي الآخر.
‌ب)دعم العلاقات بجماهير المنظمة:
1-التعرف المستمر على فئات الجمهور المستهدف وخصائصه ورصد التحولات في رغبات واحتياجات الجماهير.
2-تحليل احتياجات الجماهير ووضع خطط الاتصال القادرة على تلبية تلك الاحتياجات.
3-التفهم الكامل لمدركات الجمهور وتبني قضايا لكسب ثقته.
4-التعامل مع شكاوى الجماهير بجدية ومحاولة حلها بشكل مقبول.
‌ج)دعم العلاقات مع وسائل الإعلام:
1-إقامة صلات قوية مع الإعلاميين قائمة على تبادل المصالح وكسب الثقة والإقناع بمواقف المنظمة ودورها في خدمة المجتمع.
2-المتابعة المستمرة لما تنشره وسائل الإعلام.
3-الاهتمام المستمر بإبراز الجانب الإنساني في نشاط المنظمة.
4-الالتزام بالوضوح والصراحة ودقة المعلومات عند التعامل مع وسائل الإعلام.
‌د)مواجهة جماعات الضغط:
1-تحديد جماعات الضغط المحتملة ورصد أساليبها وبناء خطط التعامل معها.
2-رصد الفئات التي تحتفظ بمشاعر عدائية تجاه المنظمة ومراقبة تصرفاتهم وفضح أساليبهم للحد من قدرات المنظمة ومحاولة القضاء عليها.
3-رصد مواطن الخلل لدى العاملين بالمنظمة بالناتجة عن التنافس وحصرها.
4-معرفة جوانب القصور الإدارية ومحاولة التغلب عليها من خلال الإدارةالإستراتيجية.
5-الحفاظ على المعايير الأخلاقية وآداب المهنة ومعايير الجودة والأمان الدولية.
6-السعي إلى كسب حلفاء من الممولين والمنافسين.
•قوائم تعليمات الأزمة:
تحرص المنظمات الحديثة على بناء قوائم بتعليمات إدارة الأزمة يسهل الرجوع إليها كخطوات إرشادية سريعة عند التعامل مع الأزمات وذلك مع مراعاة المرونة اللازمة للتعامل مع المتغيرات الطارئة وتشمل:
أولاً: الإعداد للأزمة ويشمل:
1)أنواع الأزمات المحتملة:
•انخفاض الروح المعنوية لدى العاملين.
•ضعف كفاءة العاملين.
•شكاوى العملاء.
•ضعف الإجراءات الأمنية.
•الأحداث الإرهابية.
•ارتفاع تكلفة النشاط.
•الشائعات.
•عدم مواكبة التغيرات السريعة.
•تضخم الإنتاج وانخفاض التوزيع.
•ترهل النظم الادارية و عدم كفاءتها.
•تعقيد هياكل المنظمة وعدم إحكام السيطرة عليها.
2)تشكيل فريق اتصالات الأزمة.
3)تحديد المسئوليات وعدم التداخل في الأدوار.
4)التدريب على محاكاة الأزمة ومواجهة الضغوط.
ثانياً: الجماهير:
ويشمل العاملون المنتظمون والمؤقتون- المتعاملون مع المنظمة- المساهمون- الإدارات المختلفة- المستهلكون- المنتجون- أي شخص على صلة بالمنظمة.
1)وسائل الإعلام: القومية أو المحلية، حكومية أو خاصة، عامة أو متخصصة ، وتجارية أم مهنية.
2)المسئولون الرسميون: الحكومة- السلطات التشريعية- المجالس المحلية.
3)الدعم: البوليس- الإطفاء- المستشفيات- الإسعاف.
4)المشاركون: الموظفون- المركز الرئيسي- الشركات التابعة أو الرئيسية- المحامون- المساهمون- شركات التأمين.

5)العمل: المستهلكون- المنافسون- الممولون.
6)أخرى: المجتمع المحلي- جامعات الضغط- المدافعون عن البيئة وذوي الصلة بالمنظمة.
7)الجمهور العام: من خلال وسائل الإعلام.
ثالثاً: الرسائل:
هل هناك رسائل أساسية يمكن تقديمها أثناء الأزمة؟
1-تفاصيل نشر أكبر قدر ممكن من المعلومات المتصلة بالأزمة.
2-تعاطف إنساني مثل: نحن نهتم- نتعاطف- نعتذر- نأسف.
3-بث الطمأنينة: لن توجد أخطار أخرى- لن يمتد الحادث- نادراً ما يحدث- خارج عن الإرادة- إجراءات الأمان المتميزة.
4-ماذا يتم الآن لمعالجتها: نسيطر عليها الآن- شهادات الخبرة مستقلين.
5-تسلسل الأحداث المسجلة: إنجازات المنظمة السابقة- تاريخها الحافل- جودة منتجاتها- سمعتها العالمية.
6-معلومات إضافية: متى وأين تتاح معلومات تفصيلية أخرى- أرقام التليفون للاتصال بالمنظمة- موقعها على النت.
7-معلومات خلفية: تفاصيل عن المنتجات- التشغيل- الإنجازات- عدد العاملين- شهادات الإنجازات والتقدير والجودة.
رابعاً: مكان إدارة الأزمة:
تأسيس مكان لإدارة الأزمة:
-غرفة عقد المؤتمرات.
-مكان ملائم لفريق إدارة الأزمة.
-دخول محاكم (مسيطر على الوضع).
-سبورة.
-عدد من التليفونات.
-خط ساخن.
-تليفون لاسلكي ومحمول.
-فاكس وإنترنت.
-معدات لمراقبة محطات الراديو والتليفزيون وربما وكالات الأنباء.
-الوصول للبريد الجماهيري.
-خدمات صحافة وإذاعة وطباعة وتوزيع.
-تسهيلات قريبة للراحة والنوم.
-مكان ملائم للإعلاميين.
خامساً: أدوات الاستخدام الشخصي:
-الأدوات اللازمة لكل شخص في فريق إدارة الأزمة.
-دليل الأزمة وخلفية معرفية (تصريح- بيان- مذكرة).
-أرقام تليفونات مناسبة للحدث.
-قائمة بالصحف.
-تليفون محمول وكروت تليفون.
-مذكرة.
-جهاز تسجيل وأشرطة.
-راديو.
-تليفزيون جيب.
-ساعة إنذار محمول.
-بطاريات شحن.
-كمبيوتر محمول.
-أموال سائلة.
سادساً: معلومات عن خلفية المنظمة:
1-حجم المنظمة- المنتجات- التشغيل- التاريخ- التمويل.... وهكذا.
2-عمليات وأساليب التصنيع والتشغيل.
3-تفاصيل المنتج.
4-المواد المستخدمة (مكوناتها- مواصفاتها) وما دور كل منها.
5-الأمان والجودة.
6-أي أنشطة تمارسها المنظمة.
سابعاً: تعليمات العاملين للتعامل مع وسائل الإعلام.
استعداد جميع العاملين للتعامل مع وسائل الإعلام وتشمل:
1-لا تعط تفاصيل حتى اسمك ولا تتورط في مناقشات.
2-أكد للصحفي أنك ستلبي طلبه فوراً للحصول على معلومات بعد إبلاغ المتحدث الرسمي بذلك فوراً.
3-في حالة تلقي مكالمات لابد من التعرف على من المتحدث، وظيفته أو مهنته، يتبع أي من الوسائل الإعلامية- رقم التليفون وما الذي يريد معرفته.
4-توصيل المعلومات لمسئول رسمي لكي يتعامل مع هذه التعليمات مع التأكد من أنه قام بالاتصال الصحفي.
5-كن مهذباً في كل الأوقات وتحت كل الظروف.
ثامناً: معالجة الأزمة:
1-الإمساك بالحدث.
2-اجتماعي فريق الأزمة في مكان هادئ.
3-تحديد الموقف.
4-إقرار الإستراتيجية.
5-تحديد الجماهير المستهدفة.
6-إقرار الرسائل الإعلامية.
7-إعداد خطة مؤثرة.
8-إعلام الأشخاص ذوي الصلة.
9-مركزية المعلومات.
10-فهم الجماهير.
11-تقديم المعلومات.
12-بث الطمأنينة.
13-مقاومة التشويش والتداخل في البيانات.
14-كن مرناً.
15-فكر على المدى البعيد.
تاسعاً: إستراتيجية الأزمة:
يعتمد تحديد الإستراتيجية الإجابة على ما يلي:
1-ما هي الأزمة؟ وماذا حدث؟ وهل هناك فهم مشترك لتقييم الموقف؟.
2-هل هناك مشكلة أساسية أخرى- فهل هو نهاية المطاف وهل يؤثر على سمعة المنظمةأو هل ستمتد القضية على نطاق كبير... وهكذا.
3-هل هناك المزيد المتوقع- هل هناك حوادث إرهابية أخرى متوقعة؟
4-ما هي أسوأ الاحتمالات- كن مستعداً لأسوأ الاحتمالات.
5-كيف ترى الجماهير الأزمة من الخارج- تخيل نفسك مكان الجماهير والمجتمع المحليوالعاملين في المنظمة ورجال الإعلام.
6-ما هو المدى الزمني المتوقع للأزمة:
ما هي المدة الكافية قبل نشر أحداث الأزمة في الإعلام لتوضيح وجهة نظر المنظمة في الأزمة؟- ومتى يبدأ الاتصال بالعاملين أن بالمنظمة لتوضيح الصورة وكذا للإدارات والمراكزالرئيسية وشركات التأمين.
7-ما الذي يمكن أن يحدث لو استمرت الأزمة وهل سيستمر الممولين والعملاء والمستهلكين والمساهمين في صف المنظمة في أوقاتها العصيبة؟ والى أي مدى يمكن للناس تذكر تلك> الأزمة؟

8-هل يمكن إشراك حلفاء؟ وذلك لكسب المصداقية مثل الاتحادات المهنية أو منافسين وبرلمانيون.
9-مجموعة المتهمون بالأزمة- شركاء في الصناعة- جماعات ضغط- علماء أكاديميون يدلون بأرائهم.

10-هل يمكن كبح جماح الأزمة. إجراءات السيطرة على الأزمة أو حصر الأزمة في أحد المنتجات بدلاً من كل المنتجات أو الأنشطة من أجل تقليل الدمار
عاشراً: دليل الأزمة:
يجب أن يكون الدليل مدعم بالوثائق والأفكار وليس بعيداً عن الواقع، ولكل منظمة دليلها الخاص.
مكونات الدليل:
1-مدخل: وصف مختصر لما هو متوقع من أعضاء الفريق وكيفية استخدام الدليل.
2-الإجراءات: مذكرة مختصرة من الإجراءات التي يتم إتباعها وقت الأزمة.
3-فريق الأزمة: يتضمن الأسماء والعناوين ومسئوليات كل عضو باختصار وأرقام تليفون.أعضاءالفريق طوال اليوم... وهكذا.
4-الجماهير: قائمة بنوعيات الجماهير وكيفية الاتصال بهم وعناوينهم وتليفوناتهم والمسئولية الرئيسية والمحامية.
5-الرسائل: قائمة بالرسائل المصممة للتقديم عند الأزمات والتي تناسب كل فئة.
6-الموارد: مكان غرفة إدارة الأزمة والمعدات والتجهيزات بوسائل الاتصال.
7-وسائل الإعلام: قائمة بأسماء الصحفيين والإعلاميين المطلوب الاتصال بهم وتجهيز البيان المقدم للإعلام وعقد مقابلات مع مندوبي وسائل الإعلام.
8-معلومات عن المنظمة: نسخ من الكتيبات والنشرات الخاصة بالمنظمة، المنتجات، التشغيل وبيانات فنية مفيدة.
9-أرقام وعناوين مفيدة: وكالات الأنباء- الصحف- المحطات والقنوات الإذاعية.
10-أي معلومات مفيدة أخرى: مثل أماكن الصحفيين وأعضاء البرلمان ورجال الصناعة.. وهكذا

Translate
https://hichamoukal.blogspot.com/p/blog-page_13.html









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
مرجع, يبدة, ساساعده


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 19:32

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc