لأدلة المادية والكونية على وجود الله - الصفحة 2 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > خيمة الجلفة > الجلفة للمواضيع العامّة

الجلفة للمواضيع العامّة لجميع المواضيع التي ليس لها قسم مخصص في المنتدى

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

لأدلة المادية والكونية على وجود الله

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2010-07-11, 22:18   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
نينا الجزائرية
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية نينا الجزائرية
 

 

 
الأوسمة
وسام احسن عضو 2010 وسام التألق  في منتدى الأسرة و المجتمع وسام العضو المميّز في منتديات الخيمة 
إحصائية العضو










افتراضي

يأتي الله سبحانه وتعالى ليعطينا بالدليل المادي على أنه يعلم غيب السموات والأرض علم اليقين، فينبئنا بنتيجة معركة لا بين قوتين محدودتين، ولكن بين دولتين عظيمتين، وينبئنا عن هذه المعركة قبل أن تبدأ بتسع سنوات، ويخبرنا من الذي سينتصر ومن الذي سيهزم، وتأتي الأحداث وتقع الحرب، وينتصر الروم ويهزم الفرس كما أخبرنا الله سبحانه وتعالى، وماذا كان يمكن أن يحدث لو أن الفرس انتصروا على الروم؟! والقرآن كلام الله المتعبد بتلاوته الى يوم القيامة، وكيف كان يمكن أن يقف المسلمون في المساجد ويقرأون سورة الروم في الصلاة، مع أن نتيجة الحرب قد اختلفت عما في السورة.

وهكذا نرى مدى الاعجاز في أن الله سبحانه وتعالى، قد بيّن لنا بالدليل المادي على أنه يعلم الغيب، وأن علمه للغيب علم يقين لا بد أن يحدث وأن يتم، وأنه مسيطر على أمور الدنيا كلها، حتى في تلك الأشياء التي لا يمكن أن يتنبأ بنتيجتها أحد قبل حدوثها بتسع سنوات، بل لا يمكن أن يتنبأ بنتيجتها أحد حتى ساعة حدوثها، أليس هذا دليلا ماديا على أن الله سبحانه وتالى هو الذي يسيّر الأمر في كونه، وهو الذي اذا قال " كن" يكون، أليس هذا دليلا على أن الله سبحانه وتعالى القائل:
{ انما أمره اذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون" يس 82.
قول من اله الخلق ومسيطر وقادر على كل أحداث كونه، فاذا عرفنا ذلك بالدليل المادي، ألا نفهم معنى الآية الكريمة:
{ أتى أمر الله فلا تستعجلوه}.
ونصدق يقينا بأن الله سبحانه وتعالى وحده هو رب واله هذا الكون.

الوجود وادراك الوجود
(1/38)
على اننا لا بد أن ننتقل بعد ذلك الى نقطة هامة جدا، وهي أن عدم ادراكنا لوجود الشيء، لا يعني أن هذا الشيء غير موجود، فاذا حدثنا الله سبحانه وتعالى عن الملائكة وعن الجنة والنار وعن الشياطين، فلا بد أن نصدّق، ليس بالدليل الايماني فقط، لأن القائل هو الله، ولكنه سبحانه وتعالى في تحد أعطى الدليل المادي لغير المؤمن به على أن الغيب موجود وان لم ندرك وجوده، وأعطاه لنا من أحداث هذا الكون وما يقع فيه من ماديات.

فاذا أخذنا مثلا الجراثيم تلك المخلوقات الدقيقة التي تهاجم جسد الانسان وتصيبه بالمرض، هذه الجراثيم عاشت مع الانسان عمره كله، ولكننا في أول الحياة البشرية وحتى فترة قصيرة لم نكن نعرف عنها شيئا.
ثم تقدم العلم وتوصل العلماء الى الميكروسكوبات الالكترونية التي تكبر حجم الشيء ملايين المرات، فماذا رأينا؟ رأينا عجبا، ميكروبات لها شكل ولها حركة، ولها حياة ولها تناسل وتكاثر، ولها طريقة لتخترق جسم الانسان وتصل الى الدم، ولها تفاعلات مع كرات الدم.
عالم كبير لم نكن نعرف عنه شيئا بل كان غيبا منذ مائة سنة، ومع ذلك، ومع كونه كان غيبا عنا فهل لم يكن موجودا؟ لا، بل كان موجودا يؤدي مهمته في الحياة.
وكان العلماء في الماضي يعتقدون أن المرض معناه أن الأرواح البشرية قد تلبست جسد الانسان، وكانوا يضربون المرضى أو يكون أجزاء من أجسادهم حتى تخرج هذه الأرواح الشريرة، ثم تقدم العلم واستطعنا أن نرى رؤي العين هذه الجراثيم، وهي تتحرك وتتناسل، وتخترق وتحارب، بل استطعنا في تجاربنا العلمية أن ندخل هذه الجراثيم الى أجسدا الحيوانات، لندرس دورة حياتها وكيفية القضاء عليها.

وهكذا أعطانا الله الدليل المادي على أن ما هو غيب عنا موجود ويؤدي مهمته في الحياة، وأن عدم ادراكنا لوجوده لا يعني هذا الوجود.
(1/39)
واذا نظرنا الى قطرة الماء الذي نشربه تحت الميكروسكوب لوجدنا فيها أشياء عجيبة، أشياء فيها حياة ولها حركة، ولها كيان ولها دور في الحياة، ولكننا لم نكن نعرف منذ فترة قصيرة أن هذه الأشياء موجودة فهل كان هذا شهادة بعدم وجودها، أم أنها كانت في الحقيقة موجودة، ولكننا لا ندرك هذا الموجود؟!

فاذا انتقلنا الى الكون كله، وجدناه يشهد أن الوجود شيء وادراك الوجود شيء آخر تماما، وأن ما لا ندرك وجوده يؤدي مهمته في الكون، فلننظر مثلا الى الأقمار الصناعية والارسال التلفزيوني، هل كان أحد يعرف أن ما يقع في مكان ما في العالم يستطيع كل العالم أن يشهده في لحظة واحدة وفي نفس لحظة حدوثه؟ طبعا لم يكن أحد يعرف ذلك.
ثم كشف الله سبحانه وتعالى لنا من علمه ما مكننا من أن نعرف أنه موجود في الكون من الخصائص ما يمكن أن يجعل الانسان في كل الدنيا ليرى ويشهد ما يقع في مكان ما وقت حدوثه، ويرى الانسان وهو ينزل على القمر وهو يمشي فوقه.

كيف توصل الانسان الى هذا التقدم العلمي؟ هل اخترع غلافا جويا يستطيع أن ينقل الصور؟ هل جاء بمواد من خارج الأرض، أم بمواد من خارج خلق الله تعالى ليصنع منها الأقمار الصناعية التي حققت هذه الاتصالات؟ طبعا: لا، ولا يستطيع أن يقول: حتى أكبر الماديين، أن هذه الخصائص التي استخدمت قد أوجدها الانسان وخلقها، ولكن الغلاف الجوي والمواد في الأرض موجودة منذ خلق الله الأرض ومن عليها ولكن خصائصها كانت غيبا عنا.
وعندما جاءت مشيئة الله لتكشفها لنا وجدنا شيئا عجبا فاستخدمناه فأعطانا ما نحن فيه من تقدم علمي، أيستطيع أحد أن ينكر خصائص الكون وأنها كانت موجودة، قبل أن يعلمنا الله كيف نستخدمها وفيم نستخدمها، لا يستطيع أي مكابر أن يقول انها لم تكن موجودة، بل كانت موجودة ولكنها كانت غيب عنا، فلما أرادنا الله أن نعلمها كشفها لنا لنعلم أن ما هو غيب موجود، رغم أننا لم نكن ندرك وجوده.
(1/40)
فاذا نظرنا الى ما في السموات، نجد أننا كلما استطعنا أن نضع ميكروسكوبا أضخم وأقوى، استطعنا أن نكشف أجراما سماوية جديدة ونراها لأول مرة، هل كانت هذه الأجرام التي لم نكن نعرف عنها شيئا غير موجودة؟ أو لم تكن تؤدي مهمتها في الكون؟.
كانت موجودة وكانت تؤدي مهمتها في الكون، ولكن الله سبحانه وتعالى أخفى وجودها عنا الى أجل حدده، فلما كشف لنا هذا الوجود فعرفناه حتى نعلم أن ما هو غيب عنا موجود يؤدي مهمته في الكون ولو لم ندرك وجوده.

الغيب حقيقة

بل ان الله سبحانه وتعالى أراد أن تكون الحياة الانسانية كلها شاهدة على أن الغيب موجود، أرادنا ان نكون شهداء على أنفسنا حتى لا تأتي يوم القيامة، ونقول: يا رب لم تعطنا الدليل العقلي على أن ما هو غيب عنا موجود، فضلّت عقولنا، يا رب لو أعطيتنا الدليل لكنا أمنا، ولذلك جاءت حياة البشر كلها شاهدة على ذلك، فالله سبحانه وتعالى أعطى الانسان وحدةه القدرة على أن يرث الحضارة ويضيف عليها، في حين سلب ذلك من كل مخلوقاته، ولذلك ترى أن حياة الحيوان مثلا كما هي منذ بدء الخليقة لم تتقدم، فلم تسمع عن أن مجموعة من القرود مثلا قد عقدت اجتماعا لترتقي بوسائل حياتها، وتبني لنفسها أماكن مكيفة الهواء تقيها حرارة الجو في المناطق الاستوائية.

ان لم نسمع أن مجموعة من الحيوانات القطبية قد جلست معا لتخترع وسائل تدفئة تقيها برد الشتاء القارس الذي يبيدها ويفنيها ويجعلها تتضور جرعا، ولم نسمع عن مجموعة من الحيوانات جلست تتداول للوصول الى دواء لمرض يفتك بها، أو للوصول الى مبيد حشرات لحشرة تنقل لها الأمراض، بل الرقي في حياة الحيوان أو النبات الذي يضعه هو العقل البشري.
(1/41)
ولكن الانسان مختلف عن ذلك تماما، فالعقل البشري قد أعطاه الله سبحانه وتعالى ميزة وراثة الحضارة البشرية، فكل جيل يبدأ حياته من حيث انتهى الجيل الذي قبله، ثم يضيف اليها، وقدرة العقل البشري على استيعاب التقدم العلمي لا حدود لها، ولذلك فان كل جيل من البشر يعرف شيئا كان غيبا عن الجيل الذي قبله، وكل جيل من البشر يتيح الله سبحانه وتعالى له من أسرار ما وضعه في كونه ومن قوانين هذا الكون ما لم يتح للجيل الذي قبله.
واذا كان هذا الجيل هو جيل الكمبيوتر مثلا، فان الجيل القادم سيكشف الله له من أسرار هذا الكون ما يعطيه علما يجعل أجهزة الكمبيوتر الحالية شيئا من مخلفات الماضي، وهكذا ترتقي الحضارات.
وكلما تقدم الزمن كانت سرعة ارتقاء الحضارات البشرية أكبر، لأن اضافات مستمرة تحدث لهذه الحضارات، وكل اضافة تفتح الطريق أمام اضافة أكبر.

لماذا أعطى الله سبحانه وتعالى البشرية وحدها، هذه القدرة على الرقي الانساني؟ لنعرف جميعا ونحن الذين أعطينا الاختيار في أن نؤمن أو لا نؤمن، لنعرف جميعا أن الجمود الفعلي في أن ما هو غيب عنا غير موجود هو خرافة، ونحس في حياتنا كل يوم ان هناك غيبا يصبح واقعا معلوما، ونرى المعجزة تحدث أمام أعيننا مرات ومرات، ونشهدها برؤية اليقين، علنا نتدبر ونفكر قليلا، فنعلم أن الله سبحانه وتعالى بحكمته ورحمته، قد أعطانا الدليل المادي على أن ما هو غيب عنا موجود.
فاذا اخبرنا بغيب لا ننكره، ولكننا نؤمن بوجوده، وبأن قدراتنا الحالية لا تصل اليه ولكنها قد تصل اليه في المستقبل.
وفي ذلك يلفتنا القرآن الكريم في قوله تعالى:
{ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} فصلت 53.
ونحن نعرف معنى قول الله تعالى:
{ حتى اذا أخذت الأرض زخرفها وازيّنت وظنّ أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس، كذلك نفصل الآيات لقوم يتفركون} يونس 24.
(1/42)
وهكذا ونحن نراقب مسيرة الحضارة البشرية نعلم أن الله تعالى قد أخبرنا أن هذه الحضارة سترتقي وترتقي بما يكشفه الله لنا من قوانين هذا الكون حتى نظن أنا قادرون على أن نفعل ما نشاء في الأرض، وهذا الظن ليس حقيقة ولكنه مجرد ظن، لأن الله الذي كشف لنا هذه القوانين لم يخضعها لارادتنا، ولكنه سبحانه سخرها لنا فقط لنفعل بها ما نشاء.
فاذا اغتر الانسان واعتقد أن هذه القوانين من صنعه، أو أنه أخضعها بذاتية علمه، وبدون أمر الله تبارك وتعالى، يأمر الله سبحانه وتعالى هذه القوانين أن تخرج عن أمر الانسان فتدمره وتقوم الساعة.

الله أخبرنا بكنوز الأرض

واذا كنا نريد أن نتحدث عن دليل غيبي آخر يزيد من الأدلة العقلية التي تثبت وجود الله تعالى، فلا بد أن نقرأ قوله عز وجل:
{ له ما في السموات والأر وما بينهما وما تحت الثرى} طه 6.
فلو قرأنا هذه الآية التي نزلت منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، لعلمنا أن أحدا لم يكن يدري شيئا ولفترة دويلة عن معنى قوله تعالى:{ وما تحت الثرى}.
وكان كل ما تحت الثرى أو تحتت التراب، أو في باطن الأرض غيبا عنا ثم اراد الله سبحانه وتعالى أن يكشف لنا ما هو غيب عنا موجود وان لم نكن ندري بوجوده، فكشف لنا ما تحت الثرى، فوجدنا أن ما تحت الأرض يحتوي على كنوز رهيبة, وجدنا البترول والهب والمعادن والحديد وأشياء نفيسة، ووجدنا المياه الجوفية، ووجدنا عالما هائلا يحتوي على مواد لم نكن نعلم بوجودها ولا نعرف شيئا عنها.
وهكذا أعطانا الحق سبحانه وتعالى دليلا آخر على أن ما هو غيب عنا موجود، وان كنا لا ندرك وجوده، فلا أحد في هذه الدنيا يستطيع أن يدعي أنه هو الذي أوجد ما في باطن الأرض من كنوز، ولا أحد مهما بلغ علمه ولا علماء الأرض مجتمعين يستطيعون أن يدعو أنهم هم الذين أوجدوا هذه البحيرات الهائلة من البترول، أو هذه المعادن النفيسة كالذهب والفضة، أو الماس أو نحاس أو الحديد أو الألمينيوم أ, غيرها.
(1/43)
بل ان هناك كنوزا تحت الثرى مختفية عن أعيننا تفوق الكنوز التي ظاهرها لأعيننا فوق سطح الأرض، وهذه الكنوز لم تات من عدم ولم توجد في السنوات الأخيرة، بل كانت موجودة في باطن الأرض منذ أن خلقها الله سبحانه وتعالى، ولكنها كانت غيبا عنا فلم نكن نعرف بوجودها.
حينئذ نكون قد وصلنا الى أن الله سبحانه وتعالى، قد أعطانا من الأدلة المادية والعقلية ما يؤكد لنا أن ما هو غيب عنا موجود وان لم نكن ندرك وجوده.

فاذا حدثنا الله سبحانه وتعالى عما هو غيب كالآخرة والحساب والجنة والنار، لا نقول ان الله يخاطبنا بما لا نستطيع أن تدركه عقولنا، وأننا لا نستطيع تصديق ذلك، بل نعود الى واقع الكون، ونتأمل ما فيه من آيات، وما وضعه الله لنا فيه من دلائل، ولو أننا تدبرنا لقلنا يا رب لقد أعطيتنا مع الدليل الايماني الدليل الفعلي الذي يقرب الصورة الى أذهاننا حتى ندركها، وليس لنا عذر يا رب يوم الحساب في أن نقول ان عقولنا لم تدرك، لأنك وضعت في كونك الأدلة المادية التي تثبت أن الغيب واقع موجود، وكان يجب أن تكون هذه الأدلة هي طريقنا الى الايمان، لا طريقنا الى الكفر والالحاد.
على أننا سننتقل بعد ذلك الى الآيات الأرضية، التي أراد الله سبحانه وتعالى أن يلفتنا بها، الى أنه لا اله الا هو الخالق والموجد والقادر.








 


قديم 2010-07-11, 22:18   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
نينا الجزائرية
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية نينا الجزائرية
 

 

 
الأوسمة
وسام احسن عضو 2010 وسام التألق  في منتدى الأسرة و المجتمع وسام العضو المميّز في منتديات الخيمة 
إحصائية العضو










افتراضي

الفصل الرابع
الآيات الأرضية ودلالتها

وفي الأرض آيات

الله سبحانه وتعالى له آيات تملأ الأرض والسماء ولكننا غافلون عنها، ومن الاعجاظ الالهي أن آيات الله لا تنتهي، فاذا مشيت في الطريق فهناك آيات، واذا صعدت الى الجبل فهناك آيات، واذا نزلت قاع البحر وجدت آيات، واذا صعدت الى السماء كانت هناك أكثر من آية.
(1/44)
واذا نزلت الى باطن الأرض فهناك آيات وآيات، هناك آية في تلك الشجيرة الصغيرة التي تراها تنبت في سطح الجبل، ساقها هشة لينة ربما لا تحتمل قبضة يدك ومع هذا فقد فتت الصخر ونبتت فيه، واستطاعات الشجيرة الرقيقة الرفيعة أن تمتد وتضرب في باطن الجبل وتحصل على الغذاء.
وتتعجب أنت كيف يمكن أن يحدث ذلك، ومع أنك لو أردت أن تضع ثقبا في سطح الجبل لاحتجت الى آلات حادة وقوى كثيرة، وتعرف أن الله سبحانه وتعالى الذي خلقها قد ألان لها الصخر فنبتت فيه، وألان جذورها صخور الجبل فامتدت حتى وصلت الى المصدر الذي يعطيها االغذاء.
هذه الآيات لا تحتاج الى بحث ولا الى ميكروسكوب، ولكنها تحتاج لمجرد التأمل، وفي الأرض آيات كثيرة لا تحتاج منا أكثر من أن نتأملها لنعرف قدرة الله وعظمته ونؤمن به، ولذلك قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز:
{ انما يخشى الله من عباده العلماء} فاطر 28.

لماذا حضّ الله العلماء بالخشية؟ لأنهم وهم يبحثون في مخلوقات الله في الأرض، يرون أسرارا ودقة خلق وابداع تكوين كان يجب أن يجعلهم أول الساجدين لله، أول العابدين لله. ولكن هؤلاء العلماء الماديين بدلا من أن يفعلوا ذلك، أخذوا يحاولون النيل من الدين ومن الايمان، والانسان يعتقد أنه وصل الى أسرار الكون، ولكنه في الحقيقة لم يصل حتى الى أسرار نفسه، بل انه ينتقل من قانون الى قانون ولا يعرف كيف ينتقل، ولا ما هو سر هذا الانتقال.

فالانسان وهو مستيقظ له قوانين ربما عرفنا بعضها، ولكنه اذا نام انتقل الى قانون مختلف تماما مجهول له، فهو يخرج من الزمن، فالانسان وهو نائم لا يحس بالزمن، فاذا استيقظ فهو لا يعرف كم ساعة نامها ولا بد أن ينظر الى ساعته ليعرف كم ساعة قضاها وهو غائب عما حوله.
اذن قانون الزمن ا يسري على النائم فلا يحس بالوقت، لماذا؟ لأن الزمن هو قياس للأحداث، فنحن نقيس الأحداث بالزمن، والنائم هو خارج عن هذه الأحداث.
(1/45)
والانسان اذا نام رأى وعيناه مغمضتان، ومشى وجرى وقدماه لا تتحركان من فوق السرير، وتحدث لسانه ولم يتحرك، ورأى وتكلم مع أناس انتقلوا الى العالم الآخر منذ سنوات، ومع ذلك فهو يحدثهم ويسمعهم وهم يكلمونه ويسمعونه ويفهم ما يقولون، والعلم خارج هذه المنطقة تماما فلا يستطيع عالم أن يخبرنا كيف يرى الانسان وهو نائم، أو يتحرك أو يلتقي مع أناس انتقلوا للعالم الآخر، وكل ما جاء عن هذه محاولات أطلق عليها اسم العلم، انما هي تخمينات بلا دليل ومعظمها من الخيال أكثر من الواقع، ومع أن كل هذا يحدث لكل منا ويحدث كل يوم، تجد هناك من يعلن بوقاحة، ويقول انتهى عصر الدين وجاء عصر العلم وهؤلاء انما يقولون بهتانا، فالله هو الكاشف لعباده عن العلم، هو القائل في كتابه الكريم:
{ اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الانسان ما لم يعلم} العلق 3_5.

ولكن الناس لا يؤمنون، رغم أن هناك من الأدلة المادية في الكون ما لا يعد ولا يحصى، تهدي الناس الى طريق الايمان والى وجود الله، وهؤلاء الذين لا يؤمنون بعضهم منكر للدين لأنه يريد أن يكون هو مصدر التشريع، لأن منهج الله سبحانه وتعالى قائم على العدل بين الناس، وأعطى كل ذي حق حقه، وهم يريدون أن يتميزوا وأن يأخذوا حقوق غيرهم ولا سبيل الى ذلك الا أن يضعوا منهجا من صنعهم، يعطيهم كل شيء ويسلب غيرهم كل شيء، والطريقة الوحيدة لذلك هي أن ينكروا منهج السماء.
(1/46)
والقسم الثاني فضل أن يعيش مع النعمة بدلا من أن يعيش مع المنعم، وهؤلاء الناس الذين متعهم الله سبحانه وتعالى بنعمه في الدنيا لم يفكروا كيف جاءت هذه النعم ولكنهم أرادوا أن يأخذوا من النعم كل ما يستطيعون، وأعماهم الطمع الانساني، فلم يفكروا الا في الحصول على نعمة المال أو نعمة السلطة أو غيرها من نعم الكون، وهؤلاء شغلوا أنفسهم بالمادة بدلا من أن يفكروا فيمن خلق المادة، وأخذوا النعم في أنهاةحق لهم دون أن يبحثوا عمن أوجدها، فرغم أن قوانينهم المادية التي يؤمنون بها، تقول: انه لا شيء يحدث في الدنيا بدون فاعل، فلم نجد مثلا عمارة نشأت هكذا دون أن يكون لها مهندس وعمال وغير ذلك ممن أقاموها، ولم يجلسوا في بيوتهم مثلا ليجدوا كمية من المال ظهرت أمامهم فجأة، وكل مصالحهم لا بد أن يتحركوا لقضائها.
ومع أن قانون المادة يقول انه لا يوجد فعل دون فاعل، فانهم لم يطبقوا هذا القانون على الكون كله، بل ادعوا أن الكون قد خلق بدون فاعل، بعضهم قال: حدث هذا بتفاعل المواد!! ولو أنصفوا لسألوا من الذي أوجد المادة أولا ومن الذي حركها ثانيا، ولكنهم تناسوا هذا السؤال.
وحتى اذا صدمتهم آية من آيات الله تكبروا عليها، ولعل هذا واضح في العالم الغربي الذي يحاول الفصل بين العلم والدين فصلا تاما، وربما كان السبب في ذلك هو المعركة الرهيبة التي قامت بين العلم والكنيسة واستمرت أكثر من قرنين، وقد كانت المنيسة تنكر العلم تماما استنادا الى التوراة وهو الكتاب المقدس لليهود، والذي تؤمن به الكنيسة، وما جاء في التوراة يقول انه شجرة التفاح التي أكل منها آدم هي شجرة المعرفة، انه حينما أكل آدم التفاحة، كشفت له علوم كثيرة فغضب الله عليه وطرده من الجنة، وكانت هذه هي المعصية الأولى التي ما زالت البشرية تعاني منها حتى الآن، والتي نكفر عنها بحياتنا في الأرض المليئة بالشقاء ولو لم يأكل آدم تفاحة المعرفة لكنا حتى الآن نعيش في الجنة.
(1/47)
هذه الخرافة المحرفة هي التي أدت الى المعركة بين الكنيسة والعلم! تلك المعركة التي تعرّض فيها العالم الايطالي " جاليليو جاليلي" في القرن الخامس عشر الى غضب الكنيسة عندما أثبت بالأدلة المادية كروية الأرض وأصدرت الكنيسة حكما بحرقه حيا لأنه كفر، واضطر العالم الايطالي أن ينكر ما اكتشفه.
ولكن موقف الاسلام مختلف، ذلك أن التفاحة التي أكلها آدم هي منهج الشيطان الذي أظهر عوراته وكشفها، كما يظهر تزيين الشيطان للناس في الدنيا عوراتهم فيكشفها فيصيبهم الخزي والعار.
العلم كاشف قوانين الكون

أما العلم فالاسلام ينظر اليه على أنه من الله أولا، فالله يكشف آياته في الأرض للانسان، ولانسان يكتشف ولا يخلق أو يضع في الكون قوانين جديدة من صنعه، ولكن الله يكشف لمن يشاء قوانين كونه ولكل قانون وكشف ميلاد، فاذا جاء ميلاد لقانون كوني، كشفه الله لمن يبحث عنه من البشر فيعرفونه ويستخدمونه.
والله سبحانه وتعالى الذي قال:{ علم الانسان ما لم يعلم}.
يجب أن نعرف أن كل علم هو من الله، والله سبحانه وتعالى ميز الانسان على الملائكة بالعلم، فقال جل جلاله:
{ وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني يأسماء هؤلاء ان كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم، فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم اني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون} البقرة 31_ 32.
هذا هو موقف الاسلام من العلم وان كان للكنيسة موقف آخر في معركة استمرت قرنين كاملين بين الكنيسة والعلماء، وعندما انتصر العلماء عملوا على تضييق نفوذ الكنيسة بحيث أصبحت لا دخل لها بالعلم، وفصلوا الدين عن الدولة الى آخر ما يرويه التاريخ.
والعلماء في أبحاثهم يحاولون انكار دور الدين ايمانا بذاتيتهم، فهم يريدون أن يقولوا نحن فعلنا ونحن اكتشفنا كما قال قارون:
{
(1/48)
قال انما أوتيته على علم عندي} القصص 78.
ولذلك ليس في بالهم الله وسيفاجأون بالله سبحانه وتعالى في الآخرة، مصداقا لقوله تعالى:
{ والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى اذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه، والله سريع الحساب} النور 39.
ولا يحسب أحد أن هؤلاء الذين كفروا فعلوا ذلك لأن آيات الله لم تصل اليهم، بل الآيات أمامهم ولكنهم هم الذين يتكبرون على الايمان، ويقول الحق سبحانه وتعالى:
{ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم الا كانوا عنها معرضين} الأنعام 4.
ولذلك فان اعراضهم ليس على أن الدليل المادي على وجود الله غائب عنهم ولكن لأنهم يرفضون الايمان، اما ليحققوا مصالح ذاتية، واما لأنهم لا يؤمنون بالآخرة، فيحاولون أن يأخذوا كل ما تعطيهم الدنيا على أن هذا هو كل يء، وتكون النتيجة أنهم يستخدمون كل الوسائل حلالا أو حراما في الوصول الى أهدافهم، عملا بمبدأ أن الغاية تبرر الوسيلة.
ولو أنهم فكروا قليلا لوجدوا الآيات في القرآن الكريم معجزات، ولو أنهم كانوا علماء وباحثين فعلا، لقرأوا القرآن الذي سمعوا عنه، ودرسوا الاسلام دراسة غير مغرضة، ثم بعد ذلك من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، وانهم مثلا لو التفتوا الى الآية الكريمة:
{ فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة} الاسراء 2.
لعرفوا الاعجاز في هذه الآية وحدها، ولكان الاعجاز فيها كافيا لأن يؤمنوا، الله سبحانه وتعالى يقول:
{ وجعلنا آية النهار مبصرة}.
وهكذا وصف الله النهار بانه هو المبصر، ولكن النهار هو الذي يبصر أم العين هي التي تبصر؟ الذي نفهمه من تلقائية الأبصار أن العين هي تبصر، ولكن الحقيقة العلمية تختلف، فلقد ثبت علميا أن ضوء الشمس ينعكس على الأشياء ثم تدخل أشعة النور الى العين فتبصر.
(1/49)
اذن فالعين لا تبصر بذاتها ولا بذاتيتها، ولكنها تبصر بالضوء الذي ينعكس على الأشياء الموجودة أمامهما ويدخل الى العين، فاذا ذهب هذا الضوء وجد الظلام فان العين لا تبصر ولا ترى شيئا في الظلام الدامس، الا أن تأتي بمصباح أو مصدر من نور يلقي الضوء على الأشياء فينعكس على العين فتبصر.
وهكذا نرى دقة التعبير في القرآن الكريم في قوله تعالى:
{فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة}.
فالأبصار نسبه الله سبحانه وتعالى لضوء النهار ولم ينسبه الى العين ولقد نزلت هذه الآية والبشر كلهم لا يعلمون كيف يتم الابصار؟ ماذا كان يحدث لو تقدم العلم وكشف أن العين تبصر بذاتها وليس بانعكاس الضوء على الأشياء، أكنا في هذه الحالة نستطيع أن نقرأ في الصلاة:{ فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة}.
ألم يكن هذا كافيا لهدم قضية الدين من أساسه.

ولو أن هذا القرآن ليس من عند الله، وأنه من عند محمد عليه الصلاة والسلام، فما الذي كان يجعله يغامر بذكر قضية علمية كهذه القضية قد يثبت عدم صحتها فيضيع الدين كله، ومن أين له هذه المعلومات حتى يعرف أن الابصار يحدث بضوء النهار؟ أليس هذا دليلا ماديا كافيا للايمان بالله، وللايمان بأن القرآن منزل من عند الله الخالق لهذا الكون والعالم بأسراره؟!

كعنى كروية الأرض
(1/50)
ان القرآن كلام الله المتعبد بتلاوته الى يوم القيامة، ومعنى ذلك أنه لا يجب أن يحدث تصادم بينه وبين الحقائق العلمية في الكون، لأن القرآن الكريم لا يتغير ولا بتبدل، ولو حدث مثل هذا التصادم لضاعت قضية الدين كلها، ولكن التصادم يحدث من شيئين: عدم فهم حقيقة قرآنية، أو عدم صحة حقيقة علمية، فاذا لم نفهم القرآم جيدا وفسرناه بغير ما فيه حدث التصادم، واذا كانت الحقيقة العلمية كاذبة حدث التصادم، ولكن كيف لا تفهم الحقيقة القرآنية؟ سنضرب مثلا لذلك ليعلم الناس أن عدم فهم الحقيقة القرآنية قد يؤدي الى تصادم مع حقائق الكون، الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز:
{ والأرض مددناها} الحجر 19.
والمد معناه البسط، ومعنى ذلك أن الرض مبسوطة، ولو فهمنا الآية على هذا المعنى لأتهمنا كل من تحدث عن كروية الأرض بالكفر خصوصا أننا الآن بواسطة سفن الفضاء والأقمار الصناعية قد استطعنا أن نرى الأرض، على هيئة كرة تدور حول نفسها، نقول: ان كل من فهم الآية الكريمة:{ والأرض مددناها}.
بمعنى أن الأرض مبسوطة لم يفهم الحقيقة القرآنية التي ذكرتها هذه الآية الكريمة، ولكن المعنى يجمع الاعجاز اللغوي والاعجاز العلمي معا، ويعطي الحقيقة الظاهرة للعين والحقيقة العلمية المختفية عن العقول في وقت نزول القرآن.
عندما قال الحق سبحانه وتعالى:{ والأرض مددناها}.
(1/51)
أي بسطناها، أقال أي أرض؟ لا، لم يحدد أرضا بعينها، بل قال الأرض على اطلاقها، ومعنى ذلك أنك اذا وصلت الى أي مكان يسمى أرضا تراها أمامك ممدودة أي منبسطة، فاذا كنت في خط الاستواء فالأرض أمامك منبسطة، واا كنت في القطب الجنوبي أو في القطب الشمالي، أو في أمريكا أو أوروبا أو في أفريقيا وآسيا، أو في أي بقعة من الأرض، فانك راها أمامك منبسطة، ولا يمكن أن يحدث ذلك الا اذا كانت الأرض كروية، فلو كانت الأرض مربعة أو مثلثة أو مسدسة على شكل هندسي آخر، فانك تصل فيها الى حافة، لا ترى أمامك الأرض منبسطة، ولكنكترى حافة الأرض ثم الفضاء.
ولكن الشكل الهندسي الوحيد الذي يمكن أن تكون فيه الأرض ممدودة في كل بقعة تصل اليها هي أن تكون الرض كروية، حتى اذا بدأت من أي نقطة محددة على سطح الكرة الأرضية ثم ظللت تسير حتى عدت الى نقطة البداية، فانك طوال مشوارك حول الأرض ستراها أمامك دائما منبسطة، وما دام الأمر كذلك فانك لا تير في أي بقعة على الأرض الا وأنت تراها منبسطة أمامك.
وهكذا كانت الآية الكريمة:{ والأرض مددناها}.
لقد فهمها بعض الناس على أن الأرض مبسوطة دليل على كروية الأرض، وهذا هو الاعجاز في القرآن الكريم، يأتي اللفظ الواحد ليناسب ظاهر الأشياء ويدل على حقيقتها الكونية.
ولذلك فان الذين أساؤوا فهم هذه الآية الكريمة وأخذوها على أن معناها أن الأرض منبسطة، قالوا هناك تصادم بين العلم والدين، والذين فهموا معنى الآية الكريمة فهما صحيحا قالوا ان القرآن الكريم هو أول كتاب في العالم ذكر أن الأرض كروية، وكانت هذه الحقيقة وحدها كافية بان يؤمنوا، ولكنهم لا يؤمنون.

الليل والنهار وجدا معا









قديم 2010-07-11, 22:19   رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
نينا الجزائرية
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية نينا الجزائرية
 

 

 
الأوسمة
وسام احسن عضو 2010 وسام التألق  في منتدى الأسرة و المجتمع وسام العضو المميّز في منتديات الخيمة 
إحصائية العضو










افتراضي

فالقرآن الكريم لم يأت بالدلائل التي تؤكد لنا أن الأرض كروية في آية واحدة، بل جاء في آيات متعددة، لماذا؟ لأن هذه القضية كونية كبرى، ولأن الكتب القديمة التي أنزلها الله قبل القرآن الكريم قد حرفت بشريا، فأوجدت تصادما بين العلم والدين، ولذلك يأتي القرآن الكريم ليعطينا الدليل تلو الدليل على كروية الأرض.
يقول الله سبحانه وتعالى:
{ لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار، وكل في فلك يسبحون} يس 40.
الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة يرد على اعتقاد غير صحيح كان موجودا عند العرب وقت نزول القرآن، وهو أن الليل يأتي أولا ثم بعد ذلك ياتي النهار، أي أن النهار لا يسبق الليل،
ويجيء الحق ليصحح هذا الاعتقاد الخاطئ فيقول:
{ولا الليل سابق النهار}.
أي أنكم تعتقدون أن النهار لا يسبق الليل، ولكن الله يقول لكم: ان الليل أيضا لا يسبق النهار، انهما موجودان معا على سطح الكرة الأرضية، وحيث انه لم يحدث تغيير في خلق الكون أو في القوانين الكونية العليا بعد أن تم الخلق، بل بقيت ثابتة تسير على نظام دقيق حتى قيام الساعة، فلو كانت الأرض على شكل هندسي آخر مربع أو مثلث أو غير ذلك، لكان في ساعة الخلق وجد النهار أولا، ولكن لا يمكن أن يوجد الليل والنهار معا في وقت واحد على سطح الكرة الأرضية، الا اذا كانت الأرض كروية، فيكون نصف الكرة مضيئا والنصف الآخر مظلما.
ولكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يؤكد هذا المعنى، فذكر آية أخرى تحدد معنى كروية الأرض ودوراتها فقال جل جلاله:
{ وهو الذي جعل الليلة خلفة لمن أراد أن يذكّر أو أراد شكورا} الفرقان 62.
ما معنى خلفة؟ معناها أن الليل والنهار يخلف كل منهما الآخر، فمثلا في الحراسات المستمرة، تأتي نوبة حراسة لتخلف نوبة سبقتها ثم تأتي نوبة الثالث لتخلف الثانية وهكذا.
(1/53)
واذا فرضنا أن مصنعا يعمل أربعا وعشرين ساعة متوالية، فانه يكون هناك أربع دوريات تخلف كل منهما الأخرى، ولكننا لا بد أن ننتبه الى أنه في كل هذه النظم ، لا بد أن تكون هناك دورية هي التي بدأت ولم تخلف أحدا، فاذا قررنا وضع الحراسة على مكان فان الدورية الأولى تبدأ الحراسة لا نتخلف أحدا لأنها البداية، واذا بدأنا العمل في المصنع فان الدورية الأولى الت افتتجت العمل لم تخلف احدا لأنه لم يكن هناك في المصنع عمل قبلها.
وهكذا في كل شيء في الدنيا، يخلف بعضه بعضا، تكون البداية دائما وليس هناك شيء قبلها تخلفه، ولكن الحق سبحانه وتعالى قال:
{ وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة}.
وما دام الله هو الذي جعل فلا بد أن يكون ذلك حدث ساعة الخلق، فأوجد الليل والنهار خلفة على الأرض، ولكننا كما أوضحنا، فان ساعة البداية في كل شيء لا يكون فيها خلفة، أي لا يخلف شيء شيئا قبله، فهذه هي البدايات، ولكن الله يقول لنا: انه في ساعة البداية كان الليل والنهار خلفة، اذن فلا بد أن يكون الليل والنهار قد وجدا معا ساعة الخلق على الأرض، بحيث أصبح كل منهما خلفة للآخر، فلم يأت النهار أولا ثم خلفه الليل، لأنه في هذه لحالة لا يكون النهار خلف بل بداية، ولم يأت الليل أولا ثم يخلفه النهار لأنه في هذه الحالة لن يكون الليل خلفة بل بداية، ولا يمكن أن يكون الليل والنهار كل منهما خلفة للآخر الا اذا وجدا معا.
ونحن نعلم أن الليل والنهار يتعاقبان علينا في أي بقعة من بقاع الأرض، فلا توجد بقعة هي نهار دائم بلا ليل، ولا توجد بقعة هي ليل دائم بلا نهار، بل كل يقاع الأرض فيها ليل وفيها نهار، ولو أن الأرض ثابتة لا تدور حول نفسها، ووجد الليل والنهار معا ساعة الخلق فلن يكونا خلفة ولن يخلف أحدهما الآخر، بل يظل الوضع ثابتا كما حدث ساعة الخلق، وبذلك لا يكون النهار خلفة لليل ولا الليل خلفة للنهار.
(1/54)
ولكن لكي ياتي الليل والنهار يخلف كل منهما الآخر فلا بد أن يكون هناك دوران الأرض لتحدث حركة تعاقب الليل والنهار، فثبوت الأرض منذ بداية الخلق لا يجعل الليل والنهار يتعاقبان، ولكن حركة دوران الأرض حول نفسها هي التي ينتج عنها هذا التعاقب أو هذه الخلفة التي اخبرنا الله سبحانه وتعالى بها.

اذن فقول الحق سبحانه وتعالى:{ وجعلنا الليل والنهار خلفة}.
يحمل معنيين:
المعنى الأول: أنهما خلقا معا، فلم يسبق أحدهما الآخر، وهذا اخبار لنا من الله سبحانه وتعالى بأن الأرض كروية. والمعنى الثاني: أن الأرض تدور حول نفسها، وبذلك يتعاقب الليل والنهار.
وهكذا نرى الاعجاز القرآني، فالقائل هو الله، والخالق هو الله، والمتكلم هو الله، فجاء في جزء من آية قرآنية ليخبرنا أن الأرض كروية وأنها تدور حول نفسها، ولا ينسجم معنى هذه الأية الكريمة الا بهاتين الحقيقتين معا، هل يوجد أكثر من ذلك دليل مادي على أن الله هو خالق هذا الكون.
ثم يأتي الحق سبحانه وتعالى ليؤكد المعنى في هذه الحقيقة الكونية لأنه سبحانه وتعالى يريد أن يري خلقه آياته فيقول:
{ خلق السموات والآض بالحق، يكوّر الليل على النهار ويكوّر النهار على الليل، وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى، ألا وهو العزيز الغفار} الزمر 5.
وهكذا يصف لحق سبحانه وتعالى بان الليل والنهار خلقا على هيئة التكوير، وبما أن الليل والنهار وجدا على سطح الأرض معا فلا يمكن أن يكونا على هيئة التكوير، الا اذا كانت الأرض نفسها كروية، بحيث يكون نصف الكرة مظلما والآخر مضيئا وهذه حقيقة قرآنية أخرى تذكر لنا أن نصف الأرض يكون مضئيا والنصف الآخر يكون مظلما.
(1/55)
فلو أن الليل والنهار وجدا على سطح الأرض غير متساويين في المساحة، بحيث كان أحدهما يبدو شريطا رفيعا، في حين يغطي الآخر معظم المساحة، ما كان الاثنان معا على هيئة كرة، لأن الشريط الرفيع في هذه الحالة سيكون في شكل مستطيل أو مثلث أو مربع، أو أي شكل هندسي آخر حسب المساحة التي يحتلها فوق سطح الأرض، وكان من الممكن أن يكون الوضع كذلك باختلاف مساحة الليل والنهار، ولكن قوله تعالى:{ يكوّر الليل على النهار ويكوّر النهار على الليل}.
دليل على أن نصف الكرة الأرضية يكون ليلا والنصف الآخر يكون نهارا، وعندما تقدّم العلم وصعد الانسان الى الفضاء ورأى الأرض وصورها، وجدنا فعلا أن نصفها مضيء ونصفها مظلم، كما أخبرنا الله سبحانه وتعالى.
فاذا أردنا دليلا آخر على دوران الأرض حول نفسها لا بد أن نلتفت الى الآية الكريمة في قوله تعالى:
{ وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرّ مرّ السحاب، صنع الله الذي أتقن كل شيء} النمل 88.
عندما نقرأ هذه الآية ونحن نرى أمامنا الجبال ثابتة جامدة لا تتحرك نتعجب لأن الله تعالى يقول:{ تحسبها جامدة}.
ومعنى ذلك أن رؤيتنا للجبال ليست رؤية يقينية، ولكن هناك شيئا خلقه الله سبحانه وتعالى وخفي عن أبصارنا، فما دمنا نحسب فليست هذه هي الحقيقة، أي ان ما نراه من ثبات الجبال وعدم حركتها ليس حقيقة كونية وانما اتقان من الله سبحانه وتعالى وطلاقة قدرة منه بأنه خلق شيئا جعلنا نراه على غير حقيقته وتلك طلاقة قدرة الخالق، لأن الجبل ضخم كبير بحيث لا يخفى عن أي عين، فلو كان الحجم دقيقا لقلنا لم تدركه أبصارنا كما يجب، أو أننا لدقة حجمه لم نلتفت اليه هل هو متحرك أم ثابت، ولكن الله خلق الجبل ضخما يراه أقل الناس ابصارا حتى لا يتحجج أحد بأن بصره ضعيف لا يدرك الأشياء الدقيقة. وفي نفس الوقت قال لنا أن هذه الجبال الثابتة تمر أمامكم مرّ السحاب.
(1/56)
ولماذا استخدم الحق سبحانه وتعالى حركة السحب وهو يصف لنا تحرّك الجبال؟ لأن السحب ليست لها ذاتية الحركة، فهي لا تتحرك من مكان الى آخر بقدرتها الذاتية، بل لا بد أن تتحرك بقوة تحرك الرياح، ولو سمنت الرياح لبقيت السحب في مكانها بلا حركة وكذلك الجبال.
الله سبحانه وتعالى يريدنا أن نعرف أن الجبال ليست لها حركة ذاتية، أي أنها لا تنتقل بذاتيتها من مكان الى آخر، فلا يكون هناك جبل في أوروبا، ثم نجده بعد ذلك في أمريكا وآسيا، ولكن تحركها يتم بقوة خارجة عنها هي التي تحركها، وبما أن الجبال موجودة فوق الأرض فلا توجد قوة تحرك الجبال الا اذا كانت الأرض ذاتها تتحرك ومعها الجبال التي فوق سطحها.
وهكذا تبدوا الجبال أمامنا ثابته أنها لا تغيّر مكانها، ولكنها في نفس الوقت تتحرك لأن الأرض تدور حول نفسها والجبال جزء من الأرض، فهي تدور معها تماما كما تحرك الريح السحاب، ونحن لا نحس بدوران الأرض حول نفسها، ولذلك لا نحس أيضا بحركة الجبال.
وقوله تعالى: { وهي تمر مر السحاب}.
معناها أن هناك فترة زمنية بين كل فترة تمر فيها، ذلك لأن السحاب لا يبقى دائما بل تأتي فترات ممطرة وفترات جافة وفترات تسطع فيها الشمس، وكذلك حركة الجبال تدور وتعود الى نفس المكان كل فترة.
واذا أردنا أن نمضي فالأرض مليئة بالآيات، ولكننا نحن الذين لا ننتبه، واذا نبهنا أحد فان الكفار يعرضون عن آيات الله، تماما كما حدث مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين قال له الكفار في قوله تعالى:
{ وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا} الاسراء 90_92.
وكان كل هذا معاندة منهم، لأن الأيات التي نزلت في القرآن الكريم فيها من المعجزات الكثير الذي يجعلهم يؤمنون.










قديم 2010-07-11, 22:20   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
نينا الجزائرية
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية نينا الجزائرية
 

 

 
الأوسمة
وسام احسن عضو 2010 وسام التألق  في منتدى الأسرة و المجتمع وسام العضو المميّز في منتديات الخيمة 
إحصائية العضو










افتراضي

السير في الأرض
(1/57)
والحقائق الكونية في القرآن تتوالى، والآيات تلو الآيات، ترينا اعجاز الخلق ودقته اخبار الخالق لنا عن أسرار السموات والأرض، الله سبحانه وتعالى بقول:
{ قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين} الأنعام 11.
عندما نزلت هذه الآية الكريمة أخذنا معناها على أننا نسير في أنحاء الأرض، ولم ننتبه الى الحقيقة وهي أننا نسير على الأرض، أي فوق سطحها وليس في بطنها فكيف يقول لنا الحق:{ سيروا في الأرض}.
ولماذا لم يقل سيروا على الأرض؟! ثم تأتي الحقيقة العلمية وهي أننا فعلا نسير في الأرض، وليس على الأرض، لأن هناك غلافا جويا يحيط بالأرض وهو جزء منها، ونحن لا نخرج من الأرض الا اذا خرجنا من هذا الغلاف الجوي.
فالطائرات التي تطير على ارتفاعات مختلفة تطير في الأرض وليس خارج الأرض، ولكن الذي يخرج من الأرض هي سفن الفضاء التي تتجاوز الغلاف الجوي للأرض، وبدون تجاوز هذا الغلاف لا تستطيع أن ترى صورة الأرض كاملة، لأنك ما دمت قد أصبحت خارج هذا الشيء تتضح أمامك الصورة، فأنت خارج العمار مثلا تستطيع أن تعرف شكل العمارة ولكنك من داخلها ومن أي مكان فيها لا تستطيع أن ترى الصورة كاملة.
وعلى أية حال، فانه علميا أنت لا تكون خارج الأرض الا اذا خرجت من الغلاف الجوي المحيط بها، لأن الأرض والغلاف الجوي شيء واحد.
وقوله تعالى:{ سيروا في الأرض}.
يجعلنا نتساءل أين نسير؟ نحن نسير حقيقة على سطح الأرض ولكننا نسير في الأرض، أي بين سطح الأرض والغلاف الجوي، فما تحتنا هو أرض وما فوقنا هو جزء مكمل للأرض، وهو الغلاف الجوي، وهكذا نرى دقة تعبير القرآن الكريم في وصفه لحركة الانسان في الأرض.
واذا كان هذا الوصف يعطينا معجزة فان الأرض نفسها تعطينا معجزة أخرى.

معجزة الخلق في الشجر
(1/58)
نحن نرى ونمشي في مزارع الأرض وحدائقها، ونرى أمامنا الأشجار المحتلفة والنباتات المختلفة، ولكن هل نعرف أن الباتات تحصل على غذائها بواسطة جذورها الشعرية الدقيقة، التي تضرب في الأرض، فتأخذ منها عناصر الغذاء التي تعطيها النمو والثمر، هذه الأرشجار كيف تغذى؟!
يقول العلماء: ان الغذاء يصعد من جذور النباتات الى الساق والأوراق والثمار ليغذيها، بواسطة ما يسمى بالضغط الاسموزي، أو نظرية الأنابيب الشعرية، ويدللون على صحة نظريتهم بأنهم يأتون باناء واسع ويضعون فيه أنابيب شعرية، فنرى الماء يصعد فيها، وهكذا أراد العلم أن يفهمنا أن العملية فيها ميكانيكية الغذاء، دون أن يكون فيها آيات الخلق واعجاز الخالق.
نقول: ان هذا التفسير العلمي قد أوضح شيئا و غابت عنه أشياء، فالماء يصعد فعلا في هذه الأنابيب الشعرية، ولكنه يصعد بكل محتوياته فأنابيب الشعرية لا تميز بين عناصر الماء، فتأخذ عنصر وتترك عنصرا، ولكن في النبات الأمر مختلف تماما.
(1/59)
فالغذاء في الأرض بعناصره كله واحد متجانس، ولكننا نرى كل شجرة تأخذ من هذا الغذاء ما يناسب ثمارها، أي انها تختار العناصر اللازمة لها، وتترك الباقي ولا تأخذه، ولذلك نرى الزرع ينبت في مكان واحد ويسقى بماء واحد، ولكن كل ثمرة لها طعم وشكل ولون ورائحة وحجم يختلف عن الخرى، فهذه حلوة، وهذه مرة، وهذه كبيرة، وهذه لونها أحمر وهذه لونها أصفر، والثالثة لونها أبيض وهذه لها رائحة نفاذة وتلك ليس لها رائحة، أشكال وألوان مختلفة، وكل شجرة من هذه الأشجار تأخذ من الأرض ما يناسبها من عناصر التكوين الدقيق لها بكل تفاصيله وتترك الباقين ونرى شجرة التفاح ثمرها حلو ورائحتها نفاذة، وبجانبها الليمون طعمه حامض، ويجانبها الحنظل طعمه مر، وثمرة نأكلها ونترك ما بداخلها مثل المشمش والخوخ والبلح، وثمرة ننزع غلافها لا نأكله ولكننا نرميه كالبرتقال والبطيخ، وثمرة لها غلاف هش كالبرقوق مثلا، وثمرة غلافها جادم قوي لا تستطيع أن تنزعه بيديك كالجوز واللوز والبندق وجوز الهند، وثمرة صالحة للتخزين أياما أو أسابيع كأنواع من البطيخ، وثمرة صالحة للتخزين شهورا طويلة كالجوز واللوز.
وأستطيع أن أمضي بلا نهاية في وصف انواع الثمر المختلفة التي تنبتها الأشجار، ولكنني أفضل أن أذكر الآية الكريمة التي يقول فيها الحق سبحانه وتعالى.
{ وفي الأرض قطع متجاورات وجنات أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل، ان في ذلك لآيات لقوم يعقلون} الرعد 4.
ونحن نمر على الجنات الموجودة في كل أنحاء الأرض ونرى هذه الآيات، ثم بعد ذلك نتساءل: أين الدليل المادي على أن الله هو الخالق؟!!
سبحانك يا ربي اقائل:
{ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم الا كانوا عنها معرضين} الأنعام 4.
وصدق الله لعظيم في قوله تعالى:{ قتل الانسان ما أكفره} عبس 17.

الفصل الخامس
الأدلة المادية في
أصل الكون وأصل الانسان

في الأنفس والآفاق
(1/60)
الكون مليء بآيات العلم التي تدل على وجود الله، وليس معنى ذلك أننا نستدل على صحة القرآن بالعلم، بل ان القرآن هو المهيمن والمسيطر وهو الحق، وما العلم الا كاشف لقدرة الله في الكون، فما جاء به القرآن ونحن نؤمن به ايمانا غيبيا لا يرقى اليه أي شك ولا نريد عليه دليلا.
لأن دليلنا ويقيننا أن الله هو الذي قال، ولكننا نكتب هذا الكتاب لنرد على غير المؤمنين.
ولذلك فنحن نأتي بالحجة والدليل المادي ما لا يستطيعون أن يردوا عليه، ونحن لا نقدر أن نحيط بكل آيات الله في الكون، ذلك أن آيات الله أكبر من أن يحيط بها بشر مهما كانت قدرته وعلمه.
وفي جولة تشمل الكون المحيط بنا وحسب قدراتنا البشرية سنثبت أن لله آيات ومعجزات ذكرت في القرآن الكريم، واعترف غير المؤمنين أنه لا يمكن ان يكون منزل هذه الايات الا الله سبحانه وتعالى، ولذلك فانا سنجوب الكون لنعطي مثلا واحدا على عدة أماكن، ففي خلق الانسان آيات، وفي الجبال آيات، واذا صعدنا الى السماء وجدنا آيات، واذا نزلنا الى باطن الأرض كانت هناك آيات، واذا عصنا في أعماق البحار كانت هناك آيات، كل هذا موجود، نحن سنعطي لمحات، لأننت اذا اردنا أن نحيط بكل شيء فنحن نحتاج الى مجلدات كثيرة.
وكما قلت فان أي تصادم بين القرآن والعلم لا يمكن الا أن تكون النظرية العلمية خاطئة، أو يكون فهمنا للقرآن غير سليم، وقد تحدثنا عن ذلك في الفصل السابق.

الله سبحانه وتعالى قال في كتابه الكريم:
{ سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} فصلت 53.
(1/61)
ومعنى سنريهم، أي سيرون رؤية العين، ورؤية يقين، ومعنى قوله تعالى: { حتى يتبين لهم أنه الحق} هو أن الذين سيرون غير المؤمنين، والا لو كانوا مؤمنين لعرفوا أنه الحق، ولما احتاجوا الى هذا الدليل المادي، ولذلك فان عددا من غير المؤمنين سيكشف الله لهم عن آياته في الكون، فلا يستطيعون أن ينكروا أنها من عند الله، ولا يستطيعون أن يتكبروا ويقولون أن هذا من عند أي بشر، ولا يستطيعون أن يدعوا أنها المصادفة، ولا يمكنهم الا أن يعترفوا ولكنهم لا يؤمنون.

ولقد اخترنا في هذا الفل أقوال عدد من العلماء الغربيين، كلهم قبل أن يبدأوا الحديث قلوا: اننا علماء لا نصدق الا ما نرى، ولا نتعامل الا مع الأشياء المادية البحتة. ولقد تجنبت الحديث عما قاله علماء مسلمون ولهم كشوفهم العلمية. وبعضهم يعيش في الغرب وله مكانته العلمية، ذلك أن الانسان المؤمن مندفع بحماس الايمان الى أن يصل الى نتائج، لأنه يحب أن يظهر اعجاز القرآن وفيه حماس لأن يجعل غيره يؤمنون، ولذلك استبعدت كل ما قالوه، وأخذت من اقوال الذين بدأوا جدالهم بانه لا علاقة بين العلم والدين، بل ادعوا لأنهما نقيضان لا يلتقيان.
فالعلم يتحدث عن أشياء واقعية ترى وتشاهد، والدين يتحدث عن أشياء غيبيبة يؤمن بها الناس، وكان هذا في رايهم هو نقطة عدم الالتقاء ولكننا نقول لهم: أنه لا الزام عليكم فأنتم غير مؤمنين، تستطيعون أن تقولوا ان ما جاء في القرآن يختلف مع العلم، ذلك انه لا حرج عليكم فيما تقولون، وأنتم لن تخالفوا ضمائركم، ونحن على يقين من أن الله سبحانه وتعالى هو خالق الكون، وأن القرآن الكريم هو كلام الله، واذا تكلم عن كونه فهو أعلم منا جميعا.

خلق الجنين في القرآن
(1/62)
اذا أردنا أن نبدأ بمعجزة الجنين وما يذكر عنها في القرآن الكريم منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، وما كشفه العلم يقينا وصوره وعرض علينا صوره، ان علم الأجنة لم يعرفه العالم بشكل واضح الا في القرن العشرين، ففي القرن السابع عشر كان العلم يقول: الانسان خلق خلقا كاملا في الحيوان المنوي للرجل على صورته الانسانية، أي أنك اذا أخذت الحيوان المنوي واستطعت أن تكبره وجدت فيه الانسان بكامل تفاصيله مخلقا كاملا، أي أن الانسان لا يخلق على اطوار في بطن أمه بل يخلق مرة واحدة.
ولكن في القرن الثامن عشر تغيرت الصورة عندما اكتشفوا بويضة المرأة وركز العلم على دور المرأة في الحمل وأهملوا دور الرجل، وقالوا: ان بويضة المرأة هي التي فيها الانسان الكامل لأنها الأكبر، وأن نطفة الرجل هي مجرد عملية تلقيح فقط لا غير، وظل هذا الرأي سائدا حتى القرن العشرين، وجاء العلم الحديث ليغير الصورة تماما، ويعطينا صورة جديدة للجنين في بطن أمه، وياتي بصور تثبت ذلك، حتى ان العملية أصبحت أمرا يقينيا لا يمكن تصوير الجنين وهو يتطور وينمو في بطن أمه.
وكان للقرآن الكريم في هذا كلمة، ذلك أن القرآن جاء بوصف دقيق لأطوار الجنين منذ أربعة عشر قرنا، يوم أن كانت الدنيا كلها بكل من فيها وما فيها لا تعرف شيئا عما في بطن الأم، وذكر القرآن الكريم لهذه الآيات لا يمكن أن ياتي الا اذا كان هذا القرآن منزلا من عند الله.
(1/63)
ومحمد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم لم يكن يملك من العلم البشري شيئا، وحتى لو كان يملك فلم يكن علم البشر يعرف شيئا، وكما قلت فان المخاطرة بذكر شيء علمي في القرآن لا يمكن أن يقدم عليها بشر، لماذا؟ لأن القرآن هو كلام الله الذي لا يتغير ولا يتبدل والمتعبد بتلاوته الى يوم القيامة، فكيف يكون موقف الدين وموقف المسلمين اذا ذكر في القرآن شيء يمس العلم البشري، ثم جاءت الأبحاث وتقدمت العلوم واكتشفت أن هذا غير صحيح؟ كانت ستضيع قضية الدين كله، وما الذي يجعل محمد صلى الله عليه وسلم يخوض في هذه الأشياء التي كانت البشرية كلها تجهلها، فيتطوع باعطاء أعداء الدين ما يهدمونه به.

ماذا قال القرآن الكريم عن أطوار الجنين؟
قال الله سبحانه وتعالى:{ ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين} المؤمنون 12_14.
فاذا بدأنا بهذه الآية تفصيلا، فهي تذكر أولا ان خلق الانسان من طين، ومعنى ذلك أنها حددت المادة التي خلق منها الانسان وهي الطين، والطين موجود في كل مكان من الأرض، والعلماء اخذوا الطين وححلوه، فوجدوه يتكون من ثمانية عشر عنصرا، منها الحديد والبوتاسيوم والمغنيسيوم وغير ذلك من المواد، ثم درسوا جسم الانسان فوجدوه يتكون من نفس هذه المواد، وهي الثمانية عشر عنصرا التي يتكون منها الطين، وهكذا جاءت الحقيقة الأولى، حقيقة مشاهدة معملية لا تخضع للجدل، ثم بدأ القرآن في وصف خلق الانسان في بطن أمه فتقول الأية الكريمة:
{ ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة}.
(1/64)
والقرار المكين هو رحم الأم، ثم تاتي مسألة العلقة، ونترك الحديث للبروفيسور الكندي " كيث ل. مور" وهو من أشهر علماء العالم في علم الأجنة ورئيس قسم التشريح والأجنة في بجامعة تورنتو بكندا، ورئيس الاتحاد الكندي الأمريكي لعلماء الأجنة، وله عدة كتب مترجمة الى ثماني لغات، وهو الحائز على الجائزة الأولى في العالم عن كتابه " علم الأجنة"، هذه الجائزة التي تعطى لحسن الكتاب تأليفا.
قال الدكتور كيث ل. مور: ان الجنين عندما يبدأ في النمو في بطن أمه يكون شكله يشبه العلقة أو الدودة، وعرض الصورة بالأشعة لبداية خلق الجنين ومعها صورة للعلقة، فظهر التشابه واضحا بين الاثنين، ولماقيل له: ان العلقة عند العرب معناها الدم المتجمد، ذهل وقال ان ما ذكر في القرآن ليس وصفا دقيقا لشكل الجنين الخارجي، ولكنه وصف دقيق لتكوينه، ذلك أنه في مرحلة العلقة تكون الدماء محبوسة في العروق الدقيقة في شكل الدم المتجمد.
فاذا جئنا الى المرحلة الثانية في قوله تعالى:{ قخلقنا العلقة مضغة}.
نعلم أن القرآن الكريم جاء بالوصف الدقيق، فعندما عرضت صورة الأشعة المأخوذة للجنين وهو في مرحلة المضغة، وصورة قطعة من الصلصال أو اللبان الممضوغ، وجد الشكل واحدا، ثم أظهرت صورة الأشعة التي التقطت للجنين في مرحلة المضغة وأن فيها تجويفات تشبه علامات الأسنان، بل ان الله سبحانه وتعالى قد تجاوز مرحلة الشكل الخارجي الى التكوين الداخلي، فقال جل جلاله:
{ مضغة مخلّقة وغير مخلّقة}. الحج 5.
وعندما جيء بالمضغة الآدمية من بطن الأم وطولها سنتمتر واحد، وتم تشريحها تحت الميكروسكوب الالكتروني، وجد أن بعض أجهزة الجنين بدأت تتخلق وبعضها لم يتخلق، ولو أن القرآن الكريم قال مضغة مخلقة، لكان ذلك لا ينطبق على حقيقة التكوين، لأن فيها أجزاء غير مخلقة.
(1/65)
ولو قال القرآن الكريم مضغة غير مخلقة لكان ذلك لا ينطبق على حقيقة التكوين لأن فيها أجزاء مخلقة، ولكن الوصف الدقيق الوحيد الذي ينطبق على المضغة هو قوله تعالى:{ مضغة مخلقة وغير مخلقة}.

ولقد عرض العالم الكندي كل أطوار الجنين في بطن امه، والتي التقطت بأحدث الأجهزة العلمية، فاذا هي تنطبق تماما على كل ما ذكر في القرآن الكريم. من مراحل تكوين العظام واللحم الى غير ذلك.
ولما قيل للدكتور : هل كان من الممكن أن يعرف رسول الله صلى اله عليه وسلم كل هذه التفصيلات عن أطوار الجنين؟ قال: مستحيل ان العالم كله في ذلك الوقت لم يكن يعرف أن الجنين يخلق أطوارا، فما بالكم بتحديد هذه المراحل التي لم يستطع العلم حتى الآن تسمية أطوار الجنين، بل أعطاها أرقاما بشكل معقد غير مفهوم، في حين جاءت في القرآن بأسماء محددة وبسيطة وغاية في الدقة يتضح لي بأن هذه الأدلة حتما جاءت لمحمد من عند الله، وهذا يثبت لي أن محمد رسول الله، فقبل له: بعد أن قلت ما قلت، أفلا تسلم؟ فقال: انه مستعد أن يضع في الطبعات القادمة من كتبه اشارة الى ما علمت.
ولقد قريء معنى الآيات التي جاءت في القرآن الكريم على أكبر علماء الأجنة في العالم، فلم يجرؤ أحد منهم من ان يدعي أن هناك تصادما بين ما جاء في القرىن الكريم وأحدث ما وصل اليه العلم.










قديم 2010-07-11, 22:21   رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
نينا الجزائرية
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية نينا الجزائرية
 

 

 
الأوسمة
وسام احسن عضو 2010 وسام التألق  في منتدى الأسرة و المجتمع وسام العضو المميّز في منتديات الخيمة 
إحصائية العضو










افتراضي

النطفة والوراثة

ولكن احدهم أثار ان الوراثة أو البرنامج الوراثي للانسان يوجد في نطفة الرجل، ويتحدد فيها تفاصيل الانسان الذي سيولد أذكر ام أنثى، ما هو لون العينين ولون الجلد ولون الشعر الى آخره، أي أن الانسان تكون صفات خلقه موجودة في شفرة خاصة في نطثة الرجل، فلما قرئت عليه الآية الكريمة:
{ قتل الانسان ما أكفره من أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقدره} عبس 17_19.
قال: لا يمكن أن أن يكون هذا الا من عند الله.
(1/66)
هذه الأبحاث كلها التي ذكرتها وشهادات العلماء مدونة ومسجلة بالصوت والصورة في المؤتمرات المتعاقبة عن الاعجاز في القرآن الكريم، وهي مؤتمرات عقدت في الدول الاسلامية المختلفة، ويستطيع كل من يريد أن يرجع الى هذه الأشرطة ويشاهد هؤلاء العلماء وهم يتحدثون ويتكلمون، بل ان عالما منهم شهر اسلامه، وشهد أن لا اله الا الله وان محمدا رسول الله أمام الحاضرين في أحد هذه المؤتمرات وهو البروفيسور التايلاندي " تاجاثات تاجاسن" وهو من أكبر علماء العالم في علم التشريح، وذلك عندما كان يتحدث عن الأعصاب، وكيف أنها موجودة تحت الجلد مباشرة، بحيث اذا احترق الجلد انتهى الاحساس بالالم تماما، والله سبحانه وتعالى يقول عن أهل النار:{ كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب} النساء 56.
ذلك أن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يلفتنا الى أن عذاب النار، عذاب دائم مستمر لا يخفف ولا يتوقف، ولما كان في علمه سبحانه وتعالى وهو الخالق، لا يخفف ولا يتوقف، ولما كان من علمه سبحانه وتعالى وهو الخالق، أن الجلود اذا احترقت انتهى الاحساس بالألم، نبهنا أن جلود أهل النار كلما احترقت بدلهم الله جلودا غيرها ليستمر شعورهم بالعذاب.
وعندما عرض معنى هذه الآيات على البروفيسور تاجاثات جاسن، قال: أهذا الكلام قيل منذ أربعة عشر قرنا؟ قالوا: نعم قال: ان هذه الحقيقة لم يعرفها الا العلم الحديث، ولا يمكن أن يكون قائلها بشر، بل هي من الله سبحانه وتعالى، وحان الوقت لأن أشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله.

ولنا أن نتأمل هذه الأية الكريمة:{ كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب}.
ماذا كان يمكن أن يحدث لو أن الله سبحانه وتعالى لم يلفتنا الى أنه كلما احترقت جلود أهل النار بدلهم غيرها، أكان من الممكن أن نعرف كيف سيستمر عذاب اهل النار بلا توقف وأن احساسهم بالعذاب دائم؟
(1/67)
الحقيقة العلمية تقول: ان الأعصاب موجودة تحت الجلد، فاذا احترق الجلد فلت يحس الانسان بالألم، وهذا ما بيّنه لنا القرآن الكريم عن كيفية استمرار العذاب، كان الكفار العاصون سيقولون ستعذب فترة قصيرة حتى تحترق جلودنا، ثم بعد ذلك لا نحس بأي عذاب أو ألم، ولكان هذا تشجيعا للانسان على الاستهانة بعذاب الله في الآخرة، لأنه لن يستمر العذاب الا لفترة قصيرة يحترق الجلد فيها وتموت تحته الأعصاب وينتهي العذاب، لوجد هناك تصادم بين القرآن الكريم والحقائق العلمية، في أن الكفار سيخلدون في عذاب جهنم، وذلك في قوله سبحانه وتعالى:
{ ان المجرمين في عذاب جهنم خالدون لا يفتّر عنهم وهم فيه مبلسون} الزخرف 74_75.
ولا يفتر معناها، لا يخفف، فكيف يقول الله سبحانه وتعالى ان أهل جهنم سيدخلون في العذاب، وأنه لن يخفف عنهم، مع أنهم اذا احترقت جلودهم فقدوا الاحساس بالألم، وهذا ما لم يعرفه البشر الا حديثا؟! ألا يكفي هذا كدليل مادي على أن القرآن الكريم من عند الله؟ ألا يكفي هذا أيضا كدليل مادي، على أن الذي خلق هو الذي قال واذا كان هذا قد دفع عالما من اكبر علماء علم التشريع وهو العارف بأسرار هذا العلم، أن يعلن اسلامه أمام الناس في مؤتمر عام، وقد بهره الاعجاز الالهي ووجد بين يديه الدليل المادي على وجود الله فنطق بالشهادتين، ألا يكفي هذا ليؤمن العالم كله ويؤمن اهل الأرض جميعا؟

الأصل الواحد للكون

ونحن نكتفي بهذا الجزء بالنسبة للانسان، ذلك أننا نريد أن نتحدث عن آيات أخرى في الكون بالنسبة لغير الانسان، بالنسبة للكون نفسه، والأصل الواحد للكون.
يقول الله سبحانه وتعالى:
{ أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رثقا ففتقناهما، وجعلنا من الماء كل شيء حيّ، أفلا يؤمنون} الأنبياء 30.
(1/68)
لقد عرض معنى هذه الآية في مؤتمر الاعجاز القرآني في السعودية على الدكتور ألفرد كرونر، وهو من أشهر علماء العالم في الجيولوجيا، وعندما قرأ المعنى أخذ يصيح: مستحيل، مستحيل أن تكون هذه الحقائق قد ذكرت في أي كتاب منذ أربعة عشر قرنا. اننا لم نصل الى هذه الحقيقة العلمية الا منذ سنوات، وباستخدام وسائل علمية متقدمة جدا وبعد دراسات معقدة طويلة خاصة بعلم الطبيعة النووية، والأصل الواحد للكون لا يمكن أن يكون قد توصل اليه بشر منذ ألف وأربعمائة سنة، ولكن الوسائل العلمية الحديثة الآن في وضع تستطيع أن تثبت ما قاله محمد منذ ألف وأربعمائة سنة.

ولعلنا جميعا نذكر تجربة صعود الانسان الى القمر، وكيف كان العلماء يحلمون قبل اتمام هذه التجربة بالعناصر النادرة التي سيجدونها على سطح القمر، وبالمواد التي سيحضرونها، وكيف أنه سيكون فيها مواد تشفي أمراضا لا يوجد لها دواء على الأرض ومواد اذا أضيفت لعناصر الأرض نتجت عنها عناصر جديدة لم تعرفها البشرية وأخذت أحلامهم تزداد عما سيضيفونه الى الكرة الأرضية من عناصر غير موجودة، واشتد الخيال وامتلأت الرؤوس بالأحلام.
ثم ماذا حدث؟ صعد الانسان الى القمر ومشى فوق سطحه، وجاء بعينات من الصخور الموجودة تحت السطح وعادوا بها الى الأرض. واذا بهم يكتشفون أن سطح القمر مكون من نفس عناصر سطح الأرض، وأن صخور القمر في تركيباتها هي نفس صخور الأرض وأنهما من أصل واحد.
ألم يكن هذا كافيا كدليل مادي قوي لكي يؤمنوا؟ ألم يكن اثبات نظرية الأصل الواحد للسموات والأرض، الذي أخبرنا الله به سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، ومنذ أكثر من ألف وأربعمائة سنة دليلا كافيا على وجود الله، وعلى أنه الخالق؟
(1/69)
ان العالم الذي قال: ان الوسائل العلمية الحديثة الآن في وضع تستطيع أن تثبت ما قاله محمد منذ ألف وأربعمائة سنة، وهو البرفيسور ألفريد كرونر، عالم مراوغ جدا، حتى انه كان يحاول أن يتهرب من الاجابة، لكيلا يشهد بان هذا العلم قد أنزل من الله شبحانه وتعالى، حتى انه في كل ما كان يقول: ( ان محمد قال) فقالوا له: سنثبت لك أن محمد لم ينطق الا بوحي من الله، وأنه في عدد من الأحاديث النبوية اعجاز نرجو أن تفسره لنا.










قديم 2010-07-11, 22:22   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
نينا الجزائرية
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية نينا الجزائرية
 

 

 
الأوسمة
وسام احسن عضو 2010 وسام التألق  في منتدى الأسرة و المجتمع وسام العضو المميّز في منتديات الخيمة 
إحصائية العضو










افتراضي

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث رواه أبو هريرة يقول في جزء منه: ( لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا)، أي مزارع وبساتين وأنهارا، ولما سئل الدكتور كرونر هل كانت ارض العرب بساتين وأنهار كما روى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، فقيل له متى كان ذلك؟ قال: في العصر الجليدي الأول الذي مر به العالم في عصوره الأولى.
وسئل كرونر: ومن الذي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الحقيقة؟ قال: ربما علم ذلك من الرومان الذي كانوا متقدمين في هذه العلوم، فسألوه هل تعود بلاد العرب بساتين وأنهار مرة اخرى؟ قال: نعم هذه حقيقة علمية، قالوا: كيف تقول على شيء سيقع في المستقبل أنه حقيقة علمية، قال: لأن العصر الجليدي الثاني بدأ، ومن مقدماته ذلك الشتاء القارس والعواصف الثلجية التي بدأت تزحف على أوروبا في السنوات الأخيرة وكل شتاء يأتي سيكون أقسى من الذي قبله، فكتلة الجليد في القطب الشمالي بدأت تزحف ببطء نحو الجنوب، وهي في كل عام تقترب، ولكن ببطء جدا من المنطقة التي فيها بلاد العرب، عندما يزداد هذا الاقتراب بعد فترة طويلة من منطقة بلاد العرب ستعود بساتين وأنهارا.
وعندما سئل الدكتور كرونر: هل الرومان هم الذين أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن بلاد العرب ستعود بساتين وأنهارا؟ قال: لا يمكن أن يحدث ذلك الا بوحي من السماء.

اعجاز يتلوه اعجاز

نعود الى الآية الكريمة:
{
(1/70)
أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رثقا ففتقناهما، وجعلنا من الماء كل شيء حيّ، أفلا يؤمنون} الأنبياء 30.
في هذه الآية أعطانا الله سرا من أسرار الحياة وهو الماء.
ولقد اصبح هذا حقيقة علمية يعترف بها العالم أجمع، فالصور الحديثة التي تلتقط بالأقمار الصناعية وسفن الفضاء والكواكب القريبة من الأرض، يستطيع العلماء أن يتنبأوا اذا كان في هذه الكواكب حياة أم لا؟ رغم أن هذه الصور لا تأتي بالتفاصيل الدقيقة التي تبيّن اذا كانت هناك مخلوقات موجودة على سطح هذه الكوكب أم لا؟
ولكن مجرد علمهم بأن الصور لا تدل على وجود الماء على سطح الكواكب فانهم يؤكدون أنه لا حياة فيه، فاذا كان هناك ما يشير الى أن الماء موجود تحدثوا عن احتمالات الحياة، وعملية وجود الماء هي من قدرة الله سبحانه وتعالى التي احتفظ بها لنفسه، وهي عندنا في الأرض تتم دون عمل من الانسان، بل هي عطاء من الله، بخار الماء يتصاعد من البحار والمحيطات، ويتكثف في طبقات الجو العليا وينزل مطرا، ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى:
{ أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون} الواقعة 68_70.
اذن الماء هو رزق من السماء بقدرة الله، وكل من يدعي غير ذلك نطالبه أن ينشيء لنا نخرا صغير وسط الصحراء، ويملأه بالماء ان كان يستطيع، ولن يستطيع، ولكن اعتراف العلم ويقينه من أن وجود الماء معناه وجود الحياة، لم يلفتهم الى ما ذكره القرآن الكريم منذ أربعو عشر قرنا، وكان يجب ان يلتفتوا الى هذا الاعجاز، فيؤمنوا بالله خالقا وموجودا والها واحدا، ولذلك يقول الحق جل جلاله:{ أفلا يؤمنون}.

السماء والدخان وأصل الخلق
(1/71)
لقد قدم لهم الدليل المادي في الأصل الواحد للسموات والأرض، ومن ان الماء هو سر الحياة، فان لم يؤمنوا، حينئذ يكون عدم ايمانهم مكابرة وعنادا، ويكون عذابهم في جهنم عدلا من الله، الذي أعطاهم الدليل تلو الدليل، ومع ذلك لا يؤمنون.
وقبل أن نترك السماء وآياتها، لا بد أن نتحدث عن الاعجاز في خلق السموات والأرض، نحن ننظر الى السماء ونرى أشياء وتغيب عنا أشياء مثلا عندما عرض معنى الاية الكريمة:
{ ثم استوى الى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا او كرها قالتا أتينا طائعين} فصلت 11.
قرأ البروفيسور يوشيدي كوزاي مدير مرصد طوكيو هذا الكلام وقال: ان العلم لم يصل الا منذ فترة بسيطة جدا الى أن السماء كانت دخانا وقد أصبح هذا شيئا مشهودا ومرئيا الآن. بعد اطلاق سفن الفضاء والأقمار الصناعية وعرض صور التقتت لنجم من السماء وهو يتكون، وقد بدا كتلة من الدخان وفي وسطها تكون الجزء المضيء من النجم وحوله الدخان وتحيط لالدخان حافة حمراء دليل على ارتفاع درجة الحرارة.
وقال: لقد كنا نعتقد منذ سنوات فقط أن السماء كانت ضبابا ولكننا عرفنا الآن بعد التقدم العلمي بانها ليست ضبابا ولكنها دخان، لأن الضباب خامد وبارد، والدخان حار وفيه حركة، هذا يدل على ان السماء كانت دخانا، وقال: انني متأثر جدا باكتشاف هذه الحقيقة في القرىن.
(1/72)
واذا كنا نريد أن نمضي في التفاصيل، ليقتنع من لن يقتنع، فاننا نستعرض بسرعة ما قاله أشهر العلماء في العالم في مؤتمرات الاعجاز العلمي في القرآن، الدكتور أستروخ وهو من أشهر علماء وكالة ناسا ألاميركية للفضاء، قال: لقد أجرينا أبحاثا كثيرة على معادن الأرض وأبحاثا معملية، ولكن المعمل الوحيد الذي يحير العلماء هو الحديد لها تكوين مميز، ان الالكترونات والنيترونات في ذرة الحديد لكي تتحد فهي محتاجة الى طاقة هائلة تبلغ أربع مرات مجموع الطاقة الموجودة في مجموعتنا الشمسية، ولذلك فلا يمكن أن يكون الحديد قد تكون على الأرض، ولا بد أنه عنصر غريب وفد الى الأرض ولم يتكون فيها، فلما ترجموا معنى الآية الكريمة:
{ وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس} الحديد 25.
قال: ان هذا الكلام لا يمكن أن يكون من كلام بشر.

وفي البحار أيضا

فاذا تركنا السماء وأسرارها ونزلنا الى أعماق البحار وجدنا شيئا عجيبا، ان الصور الحديثة التي التقطت للبحار قد أثبتت أن بحار الدنيا ليست موحدة التكوين، بل هي تختلف في الحرارة والملوحة والكثافة ونسبة الأكسيجين، وفي صورة التقطت بالأقمار الصناعية، ظهر كل بحر بلون مختلف عن البحر الآخر، فبعضها أزرق قاتم، وبعضها أسود وبعضها أصفر، وذلك بسبب اختلاف درجات الحرارة في كل بحر عن الآخر، وقد التقطت هذه الصورة بالخاصية الحرارية، وبالأقمار الصناعية ومن سفن الفضاء، وظهر خط أبيض رفيع يفصل بين كل بحر وآخر، فاذا قرأت الآية الكريمة:
{ مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان} الرحمن 19_20.
نجد أن وسائل العلم الحديثة قد وصلت الى تصوير البرزخ بين البحرين، وبينت معنى لا يبغيان، بأن مياه بحر حين تدخل الى البحر الآخر عن طريق البرزخ، فانها تأخذ وقت دخولها خصائص البحر الذي تدخل فيه، فلا تبغي مياه بحر على مياه بحر آخر فتغيرها.
(1/73)
ولقد تم الوصول الى هذه الحقائق بعد اقامة مئات المحطات البحرية، والتقاط صور بالأقمار الصناعية، والذي قال هذا الكلام هو البروفيسور شرايدر، وهو من أكبر علماء البحر بألمانيا الغربية، كان يقول: اذا تقدم العلم فلا بد أن يتراجع الدين، لكنه عندما سمع معاني آيات القرآن الكريم بهت وقال:
ان هذا لا يمكن أن يكون كلام بشر.
ويأتي البروفيسور دورجاروا أستاذ علم جيولوجيا البحار ليعطينا ما وصل اليه العلم في قوله تعالى:
{ أو كظلمات في بحر لجيّ يغشاه موج من فوقه موج سحاب، ظلمات بعضها فوق بعض اذا اخرج يده لم يكد يراها، ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور} النور 40.
فيقول: لقد كان الانسان في الماضي لا يستطيع أن يغوص بدون استخدام الآلات أكثر من عشرين مترا، ولكننا نغوص الآن في أعماق البحار بواسطة المعدات الحديثة فنجد ظلاما شديدا على عمق مائتي متر.
الآية الكريمة تقول:{ بحر لجيّ}، كما أعطتنا اكتشافات أعماق البحر صورة لمعنى قوله تعالى:{ ظلمات بعضها فوق بعض}.
فالمعروف أن ألوان الطيف سبعة، منها الأحمر والأصفر والأزرق والبرتقالي الى أخره، فاذا غصنا في أعماق البحر تختفي هذه الألوان واحدا بعد الآخر، واختفاء كل لون يعطي ظلمة.
فالأحمر يختفي أولا ثم البرتقالي ثم الأصفر، وآخر ألوان الاختفاء هو اللون الأزرق على عمق مائتي متر، كل لون يختفي يعطي جزءا من الظلمة حتى تصل الى الظلمة الكاملة، أما قوله تعالى:
{ موج من فوقه موج}، فقد ثبت علميا أن هناك فاصلا بين الجزء العميق من البحر والجزء العلوي، وأن هذا الفاصل مليء بالأمواج، فكأن هناك أمواجا على حافة الجزء العميق من البحر وهذه لا نراها، وهناك أمواج على سطح البحر وهذه نراها، فكأنها موج من فوقه موج وهذه حقيقة علمية مؤكدة.
ولذلك قال البروفيسور دورجاروا عن هذه الآيات القرآنية: ان هذا لا يمكن أن يكون علما بشريا.

الجبال والأوتاد
(1/74)
واذا كانت العلوم الحديثة اكدت أن للجبال جذورا عميقة في الأرض، وهو لم يكن معروفا، ففي كل الخرائط الجغرافية تظهر الجبال بلا جذور ممتدة داخل الأرض، ولكن الصور الأخيرة الت التقطت للجبال، ظهر فيها أن لكل جبل وتدا يقويه يسميه العلماء جذرا، وأن هذا الجذر يمتد الى أعماق بعيدة، وهكذا ظهر اعجاز الآية الكريمة:
{ ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا} النبأ 6_7.
ثم جاءت حقيقة أخرى في قوله تعالى:
{ الم غلبت الروم في أدنى الأرض} الروم 1_3.
وقد فسرت أدنى الأرض على أساس أنها قريبة من أرض العرب، فقد حدثت المعركة قرب بيت المقدس، وجاءت الخرائط الجيولوجية التي صورت أخيرا بالأقمار الصناعية، لتثبت أن المنطقة التي دارت فيها المعركة هي أكثر الأماكن انخفاضا على سطح الأرض، لأن أدنى تعني المكان المنخفض.

لقد أوردنا عددا من الأبحاث التي تمت في مؤتمرات الاعجاز العملي للقرآن الكريم، والتي شارك فيها عدد من أكبر علماء العالم في مختلف فروع العلم من غير المؤمنين، والذين شهدوا جميعا أن الآيات القرآنية التي قرئت عليهم معانيها، لا يمكن أن تكون الا من وحي الهي، ومن خالق لهذا الكون، نقول للناس جميعا: يكفي أن كل ما قلناه كأدلة علكية على وجود الله، كلها جاءت من أفواه الذين لا يؤمنون، ورفضوا الايمان حتى بعد أن سمعوا الاعجاز القرآني.
ان كل ما أوردناه ليس مجال بحث ولكنه قائم على المشاهدة والرؤية، وعلى صور عرضت وقدمت، ولم يكن الذين قدموا هذه الصور يهمهم اثبات معجزات وآيات القرآن الكريم، بل ان معظمهم كان يقول: اذا جاء العلم فليتراجع الدين، وبعضهم عارض في أول الأمر في الاشتراك في حوار يدخل فيه الدين.
واذا كان الله تعالى قد استخدم غير المؤمنين في اثبات قضية الايمان، فلا بد أن نعلم أن المؤمن والكافر كليهما يخدم قضية الايمان في الكون.
الفصل السادس
وفي كل شيء له آية
تدل على أنه واحد

اعجازات القرآن
(1/75)
الله سبحانه وتعالى جعل القرآن معجزة باقية الى يوم القيامة، ولذلك وضع فيه الدليل تلو الدليل على ما يتحدى به غير المؤمنين ليرد على ادعاءاتهم، ولقد قيل ان عصر المعجزات انتهى، ولكن معجزات القرآن لا تنتهي حتى تقوم الساعة، ومعاني الآيات لا تتضح في عصر واحد.
بل كل عصر نصل الي معنى لم نكن قد وصلنااليه، والقرآن معجزة ومنهج، المنهج وهو ما رسمه الله لنا كطريق للعبادة والحياة ثم تفسيره وبيانه كاملا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالعبادات والمعاملات وغيرهما فيما يتصل بـ " افعل" و " لا تفعل" بيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالصلوات الفروضة فيه مثلا خمس لا تزيد ولا تنقص الى يوم القيامة، وكذلك الأحكام وكل ما يتعلق بمنهج السماء، كلها أشياء حسمت وبينت تماما، ولكن المعجزة في القرآن الكريم هي التي بقيت لتعطي كل جيل معنى اعجازيا لم يصل اليه الجيل الذي قبله.
ولو أن معجزة القرآن توقفت عند نزول القرآن لجمد القرآن فلم يعد يعطي شيئا جديدا، ولكن لأن هذا الكتاب معجزة باقية متجددة، فهو يعطي لكل جيل عطاء جديدا، وهكذا نجد في كل عصر عطاء للقرآن لم يكن موجودا في العصر الذي قبله.
فاذا قرأنا مثلا الآية الكريمة:
{ غلبت الروم في أدنى الأرض} الروم 1_3.
وجدنا أن أدنى حين نزل القرآن كانت " كما قلنا" بمعنى المكان القريب من أرض العرب، ولما تقدم العلم واستطاع الانسان أن يصوّر سطح الأرض بالأقمار الصناعية، وجد أن مكان المعركة بين الروم والفرس هو أكثر الأماكن انخفاضا على سطح الأرض، واذا قرأنا الآية الكريمة:
{ اذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والرّكب أسفل منكم} الأنفال 42.










قديم 2010-07-11, 22:23   رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
نينا الجزائرية
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية نينا الجزائرية
 

 

 
الأوسمة
وسام احسن عضو 2010 وسام التألق  في منتدى الأسرة و المجتمع وسام العضو المميّز في منتديات الخيمة 
إحصائية العضو










افتراضي

نجد أن الله سبحانه وتعالى قد حدد ثلاثة مواقع: موقع المؤمنين وهم قريبون الى المدينة المنورة، وموقع الكفار وهم بعيدون عن مكة المكرمة، أي أن المؤمنني أقرب الى مدينتهم واهلهم، والكفار بعيدون عن مدينتهم وأهلهم، ثم قال تعالى:{ والركب أسفل منكم}.
والركب هو قافلة أبو سفيان التي أفلتت من المؤمنين.
والمعروف ان أبا سفيان لكي يفلت من المؤمنين غيّر مساره واتخذ طريق الساحل وهنا يجب ان نلتفت الى قول الله تعالى:
{ أسفل منكم}.
أي موقع منخفض عنكم.
والمعروف أن ساحل البحر هو أكثر الأماكن انخفاضا في الأرض، ولذلك تقاس كل الارتفاعات بسطح البحر، فيقال: هذا المكان يعلو ألف متر مثلا عن سطح البحر أو مائة متر أو غير ذلك.
اذن فسطح البحر المقياس الذي اتخذه العالم كله بيساوي صفرا في الارتفاع، تقاس عليه كل الارتفاعات في الدنيا، ولذلك قوله تعالى:{ أسفل منكم} يلفتنا الى هذه الحقيقة، ولكن القرآن الكريم لم يكتف بأن يبين هذا، بل بين لنا أن هناك بقعة على سطح الأرض هي أكثر انخفاضا على سطحها، وهي التي دارت عليها المعركة بين الفرس والروم.
واذا قرانا القرآن الكريم، نجد ان الحق سبحانه وتعالى قد لفتنا الى مصدر العلم للبشرية كلها، فقال سبحانه وتعالى:
{ وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء ان كنتم صادقين} البقرة 31.
وهكذا حدد القرآن الكريم في اعجاز مذهل مدخل العلم لى البلشر، فأنت حين تريد أن تعلم طفلك عندما يبدأ يميز الأشياء، لا بد أن تعلمه الأسماء أولا، فتقول له: هذا كوب، وهذا قلم وهذا كرسي، وهذا طعام الى غير ذلك.
(1/77)
ونحن نقول اذا لم نعلم الطفل هذا فانه لا يستطيع أنيفهم شيئا ولكنه اذا تعلم الأسماء أصبح بعد ذلك قادرا على استيعاب العلم، ولذلك ففي الدنيا كلها وبالنسبة للبشرية كلها، لا بد أن نبدأ بأن نعلم اطفالنا أسماء الأشياء، ثم بعد ذلك تختلف نظم التعليم من دولة الى أخرى ومن طريقة الى طريقة، ولكنها كلها لا بد أن تبدأ بتعليم الأسماء، وهكذا نعرف أن بداية العلم من الله سبحانه وتعالى.
فقد بدأ الحق جل جلاله بتعليم الانسان الأسماء، وما زالت هذه البداية موجودة حتى الآن في كل نظم التعليم، الأسماء أولا، فاذا تعلم الطفل الأسماء بدأ يستوعب أي شيء آخر، ونحن لا نعلم الطفل الأسماء في المدرسة فقط.
ولكن هذا هو علم الفطرة، تبدأ الأم مع طفلها قبل أن يذهب الى المدرسة، والأم المتعلمة وتلك التي لم تنل حظا من التعليم، كلتاهما تبدأ بتعليم ابنها الأسماء، لأن علم الفطرة تكون منه البداية دائما، ثم بعد ذلك يتطور ويتبدل، ولا يمكن أن يتم التفاهم بين الأم وطفلها ولا بين طفل وطفل آخر الا اذا تعلما الأسماء أولا، والعلم في الدول المتقدمة والدولة المتخلفة أيضا لا بد أن يبدأ بالأسماء باعتبارها أساس التفاهم في الحياة، ولكن هناك اعجاز آخر بالعلم البشري لا بد أن نلتفت اليه، وهو يحمل الينا الدليل اللغوي على وجود الله.

اللغة تدل على الوجود

فاللغة أساس التفاهم بين البشر، واللغة ليست بيئة ولا حضارة ولا جنسا ولا لونا، ولكنها تعتمد أساسا على السماع، فاذا سمع الانسان تكلم، واذا لم يسمع لا يتكلم، ولذلك تجد دائما أن الأصم الي لا يسمع أبكم لا ينطق، فيقال دائما: الصم والبكم، لأن أساس الكلام هو السماع.
(1/78)
ولكي نفهم هذه الحقيقة جيدا وهي أن اللغة لا علاقة لها الا بالسمع، نقول: اننا اذا أتينا بطفل عربي وأخذناه بعد ولادته الى بريطانيا مثلا، بحيث لا يسمع الا الانجليزية فاذا حاولت أن تتحدث معه باللغة العربية فانه لا يفهمك، مع أنه عربي الأصل، من أب وام عربيين، ولكنه لا يستطيع أن ينطق حرفا واحدا من اللغة العربية لأنه لم يسمعها، فاذا جئنا بطفل انجليزي وأخذناه الى بلاد العرب فانه سنيشأ وهو يتكلم اللغة العربية، ولا يعرف حرفا من الانجليزية، مع أنه من أصل انجليزي، واذا اتينا بطفل أفريقي وكررنا معه نفس المحاولة فسنحصل على نفس النتيجة، اذن فاللغة لا علاقة لها بالأصل ولا باللون ولا بأي شيء آخر غير السماع.
وآدم حين خلقه الله وخلق حواء، لا بد أنه كان بينهما طريقة للتفاهم والا كيف تفاهما؟
لا بد أنه كان بينهما لغة ما تفاهما بها، ثم جاء أولاد آدم فكان بين آدم وحواء وأولادهما لغة للتفاهم سجلها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم في قوله تعالى:
{ واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق اذ قرّيا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال انما يتقبل الله من المتقين} المائدة 27.
اذن فالثابت يقينا من القرآن الكريم أنه كانت هناك وسيلة للكلام بين آدم وأولاده، واذا كنا قد اثبتنا بالدليل المادي أن الانسان لا يمكن أن يتكلم الا اذا كان قد سمع، وأن اللغة أساسها السماع، فلا بد أن آدم قد سمع حتى يستطيع أن يتكلم، فاذا قال لنا الله سبحانه وتعالى:
{وعلم آدم الأسماء كلها} البقرة 31.
اذن فلا بد أن يكون آدم قد سمع الأسماء من الله سبحانه وتعالى، وبما أن السمع هو وسيلة النطق بالكلام، فكأن سماع آدم للأسماء من الله هو الذي علمه الكلام بدليل أن الله سبحانه وتعالى قال:
{
(1/79)
وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء ان كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك أنت العليم الحكيم قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم، فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم اني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمونْ البقرة 31_33.
أي أن آدم تكلم وأنبأ الملائكة بالسماء التي علمها الله له، واذا كان آدم نطق وتكلم فلا بد أنه سمع من الله سبحانه، وحواء سمعت من آدم فتكلمت، وأولاد أدم وحواء سمعوا منهما فتكلموا.

الكلام من السماع

هناك بعض الناس يقول: ان الانسان الأول لم يكن يتكلم، وانما كان يتفاهم بالاشارة ثم بعد ذلك تكلم، ونقول: ان هذا غير صحيح، لأن أي انسان لكي يتكلم لا بد أن يسمع أولا، فممن سمع أول انسان تكلم سواء كان آدم أو من بعده؟ ان الكلام لا يأتي الا بالسماع، والذين يتفاهمون بنفس الأسلوب، الا اذا سمعوا من غيرهم، حينئذ تبدأ عندهم ملكة الكلام، والصم والبكم الذين يعالجون من هذا الداء، اذا لم يسمعوا فلن يتكلموا.
فاذا قال أحدهم: ان البشر يتحدثون بلغات مختلفة ولهجات مختلفة، نقول: ان هذا دليل لنا وليس علينا أن اللغة مصدرها البيئة أو أي شيء آخر، وأن الكلام ليس صفة وراثية تولد مع الانسان ولكنها صفة سمعية فلا بد من السمع أولا.
وهكذا تعطينا القرائن كلها أن الله سبحانه وتعالى هو الذي علم البشرية الكلام بأن علم آدم الأسماء كلها، ولا يمكن أن تكون هناك بداية- علما ولا عقلا - الا هذه البداية التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم.

لفظ الجلالة واعجاز التحدي
(1/80)
واذا كنا نريد أن نمضي في هذا الاعجاز فأمامنا مجالات كثيرة، لفظ الجلالة، كلمة "الله" سبحانه وتعالى، من أين جاءت، ان الثابت لغويا أن المعنى لا بد أن يوجد أولا ثم يوجد اللفظ والاسم، فاذا لم يوجد المعنى فلا يوجد اللفظ في اللغة، وكل الاختراعات الحديثة التي لم تكن البشرية تعرف عنها شيئا، لم توجد لها أسماء الا بعد أن وجدت وعرفناها، والانسان لا يستطيع أن يفهم الكلام الا اذا كان المعنى موجودا في عقله، ولذلك فان المجامع اللغوية في العالم تضيف كل فترة ألفاظا لمعان لم تكن موجودة ثم وجدت، فكان لا بد أن توجد لها ألفاظ تعبر عنها.
وعلى أي حال فان العقل البشري يعجز عن فهم أي لفظ اذا لم يوجد في عقولنا المعنى أولا، حتى انك اذا حدثت أي انسان بلفظ لا يفهمه، فلا بد أن يعرف المعنى أولا ثم بعد ذلك يفهم اللفظ، ولكن الله سبحانه وتعالى غيب عنا، لم يره أحد، ومع ذلك فان لفظ الجلالة موجود في كل لغات العالم، والعقول كلها تفهمه، فكيف يمكن أن يحدث هذا؟ الا اذا كان في داخلنا الايمان الفطري الذي يعرفنا معنى لفظ الجلالة.
وهنا تأتي الآية الكريمة لتبين لنا هذا الاعجاز فيقول الله سبحانه وتعالى:{ واذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريّتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا} الأعراف 172.
اذن فلا بدّ أن الله قد أشهدنا على نفسه، وعندما ذكر لفظ الجلالة فهمناه، ولا بد ان الله سبحانه وتعالى أشهد البشرية كلها، لأنه لا توجد لغة في العالم ليس فيها لفظ الجلالة، بل ان التحدي والاعجاز الالهي يمضي أكثر من ذلك، فيقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:
{ رب السموات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته} مريم 65.










قديم 2010-07-11, 22:23   رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
نينا الجزائرية
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية نينا الجزائرية
 

 

 
الأوسمة
وسام احسن عضو 2010 وسام التألق  في منتدى الأسرة و المجتمع وسام العضو المميّز في منتديات الخيمة 
إحصائية العضو










افتراضي

وهكذا أخبرنا الحق سبحانه وتعالى ان لفظ الجلالة لن يطلق على أحد غير ذاته الكريمة، وهكذا تحدى الله البشرية كلها في أمر اختياري، فالاسم هو شيء من اختيار الانسان، ويوجد في هذا الكون الكفرة والملحدون وشياطين الانس وغيرهم، فهل سمعت عن واحد سمى نفسه الله، أواسمى ابنه الله؟ لم يحدث ولن يحدث، لأن الحق سبحانه وتعالى اختص بهذا الاسم ذاته الكريمة، فلا يمكن لبشر أن يتخطى مراد الله ليطلق لفظ الجلالة على نفسه أو أحد أولاده، بل ان الذين ادعوا الالوهية مثل فرعون وغيره، ونصبوا أنفسهم آلهة يعبدون من دون الله، لم يجرؤ أحد منهم ولم يخطر على باله أن يسمي نفسه الله.

وهكذا جاء التحدي للبشر جميعا في أمر اختياري ليؤكد للدنيا كلها أن أحد لا يستطيع أن يخالف مرادات الله في كونه، ولو كانت هذه المخالفة في منطقة الاختيار للانسان، ولو كانت هذه المخالفة من ملحد محارب لدين الله يريد الاضلال في الأرض، أيوجد دليل مادي أكبر من هذا؟

التعداد دليل مع القرآن

فاذا تركنا الأدلة اللغوية فاننا سنجد هناك دليلا احصائيا على وجود الحق سبحانه وتعالى، فالله سبحانه وتعالى يقول:
{ يا أيها الناس انّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، ان أكرمكم عند الله أتقاكم} الحجرات 13.
الحق سبحانه وتعالى يخبرنا أن الخلق بدأ من ذكر وأنثى وهما آدم وحواء، ثم جاء منهما كل هذا الخلق الذي نراه، الدليل الايماني على ذلك أن الله هو الذي قال، والدليل المادي على ذلك هو أن علم الاحصاء يقول ذلك، فاذا تتبعنا البشر في الكون نجد أن تعداد الناس في العالم اليوم يصل الى كذا بليون نسمة.
فاذا فرضنا مثلا أن تعداد سكان العالم اليوم خمسة آلاف مليون، فكم كان عدد سكان العالم منذ قرن مضى، سنجد أن تعدادهم أقل، كان مثلا أربعة آلاف مليون ومنذ ثلاثة قرون مثلا كم كان عدد سكان العالم؟ طبعا كانوا أقل.
(1/82)
ومنذ عشرين قرنا من الزمان كم كان عدد سكان العالم؟ نقول انهم كانوا بضعة ملايين، ومنذ ثلاثين قرنا من الزمان كم كان عدد سكان العالم؟ نقول كانوا مليونين أو ثلاثة، اذا كلما عدنا بالزمان الى الوراء نجد أن عدد البشرية يتناقص، وكلما تقدمنا بالزمن نجد أن عدد البشرية يتزايد، أليسن هذه حقيقة احصائية.
أيستطيع أحد من الماديين أو غير المؤمنين أن ينكر أنه كلما عدنا بالزمن الى الوراء، فان عدد البشر يتناقص؟ واذا كانت هذه القاعدة المعترف بها، فمعنى ذلك أنه كلما عدنا الى الماضي تناقص عدد البشر، ويظل عدد البشر يتناقص ويتناقص حتى نصل الى نقطة البداية التي بدأت عندها حياة البشر، فتكون هذه النقطة من ذكر وأنثى.
اذن التناقص في الأعداد البشرية الذي عرفناه وسجلناه بالاحصاءات لا بد أن ينتهي الى البداية التي بدأ منها تكاثر هذا الخلق وهما الذكر والأنثى، وكلما مرّ الزمن زادت أعداد البشر حتى وصلنا الى تعداد العالم الآن.
فلو أن تعداد البشر كان يتناقص مع الزمن، أي أن الدنيا بدأت بألف مليون انسان وانتهت في عصرنا بمائة مليون، لكان ذلك يؤكد لنا أنه من المستحيل أن تكون البشرية قد بدأت بذكر وأنثى، لأن الدليل العلمي سيكون في هذه الحالة شاهدا على أن ذلك لا يمكن أن يحدث.
ولكن كون البشر يتزايد عددهم مع مرور الزمن ويتناقص عددهم كلما عدنا الى الوراء في الماضي، حتى أنه في العصور الأولى لم تكن الا أجزاء صغيرة من الأرض يعيش فيها الناس، والباقي لا يوجد فيه أحد فهذا يعطينا الدليل على أن البداية كانت من ذكر وانثى.

فاذا ذهبنا الى التاريخ فنحن نجد فيه الدليل المادي على وجود الله سبحانه وتعالى، وعلى علمه وعلى معجزاته، اقرأ قوله تعالى في هذه السورة الكريمة:
{ ألم تر كيف ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميمهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول} الفيل 1_5.
(1/83)
هذه معجزة لم يأت بها رسول الله، ولم تنزل لتثبيت الايمان على قوم نبي كان يدعو قومه للايمان وهم لا يؤمنون، ولكنها حدثت لأثبات تاقدسية والحماية لبيت الله الحرام.
ولقد ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم في عام الفيل، وكانت هذه المعجزة علامة على أن دين الله الذي سينزل على هذا الرسول اذا تخلى عنه البشر جميعا، فان الله جل جلاله سيحميه ويحفظه.
والقصة معروفة وبطلها ملك الحبشة في ذلك الوقت أبرهة، الذي بنى بيتا ليحج اليه الناس بدلا من الكعبة، وجاء بعض الأعراب وألقوا فيه القاذورات، فصمم أبرهة أن ينتقم بهدم الكعبة، وأخذ جيشا ضخما وعددا من الأفيال وذهب الى مكة، فلما رأى أهل مكة هذا الجيش هربوا وفروا، فجاء الطير وألقى عليهم بحجارة من جهنم قضت على أبلاهة وجيشه وأفياله في دقائق.
القصة يرفض تصديقها عقل غير المؤمن، اذ كيف يمكن لطائر صغير أن يقضي على جيش من الفيال، بينما لو وقفت مئات من الطير على جسد فيل واحد لا يحس بها.
ولقد توقف بعض العلماء عند هذه السورة الكريمة فقالوا: ان الله أرسل جراثيم لتقضي على أبرهة وجيشه، وكأنهم يريدون أن يسهلوا الأمر على الله، مع أن الله على كل شيء قدير، نقول: لقد ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم في عام الفيل، وبعث في الأربعين، ونزلت هذه الصورة في مكة بداية الدعوة الاسلامية، وكان المفار هم القوة والعزة، والمسلمون هم القلة والضعف، وكان الكفار يبحثون عن أي شيء للطعن في الدين الاسلامي.
(1/84)
نقول: ان هذه السورة نزلت في مكة، والرسول صلى الله عليه وسلم كلفه الله بالرسالة وعمره أربعون سنة، أي أن هناك من أهل مكة من كان يبلغ الخامسة والخمسين والستين من عمره والسبعين وقد شهدوا هذه المعجزة، ورأوها رؤية العين، ولو أن الطير لم تأت وجيش أبرهة لم يتم افناؤه في لحظات، لقال هؤلاء الناس: ان هذا الكلام غير صحيح، ولقد كنا موجودين في مكة في هذا الوقت ولم نر طيرا جاءت ولا جيشا أفنى، ولطعنوا بذلك في الاسلام وفي القرآن وفي أنه كلام الله ولكن كون الطير جاء، وكون المعجزة تمت، لم يجرؤ أحد من أعداء الاسلام أن يطعن فيه.
وهكذا يعطينا الحق سبحانه وتعالى دليلا من التاريخ لمعجزة مشهودة حدثت، ويعطينا معها الدليل على صدق حدوثها، فاذا أضفنا الى ذلك ما ذكرناه سابقا عن قوله تعالى:
{ الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون} الروم 1_3.
لوجدنا دليلا تاريخيا آخر، ثم ياتي بعد ذلك دليل ثالث يضاف الى هذه الأدلة التاريخية.

شهادة التاريخ

نلاحظ أن الحق سبحانه وتعالى عندما يذكر في القرآن الكريم شيئا عن حاكم مصر في عصر موسى عليه السلام، كان يسميه فرعون، أي أن الذين حكموا مصر أطلق عليهم القرآن اسم الفراعنة، فيقول تعالى:
{ قال ياقوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون} الزخرف 51.
وهذا يتفق مع التاريخ أن الذين حكموا مصر في العصور القديمة هم الفراعنة، اذن حكام مصر القدامى فراعنة، والقرآن سماهم فراعنة، فاذا أتينا الى سورة يوسف عليه السلام وجدنا أن الله سبحانه وتعالى، وهو يروي لنا قصة يوسف في مصر، لم يلقب حاكم مصر بفرعون، بل لقبه بالملك فقال تعالى:
{ وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي} يوسف 54.
وقوله تعالى:{ وقال الملك اني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف} يوسف 43.
(1/85)
اذن فثابت من القرآن الكريم أن يوسف عاش في مصر، وأنه خلال وجوده في صر اختلف في القرآن الكريم اسم حاكم مصر، فلم يكن يلقب بفرعون، بل لقب باسم الملك، ويمضي الزمن ويكتشف حجر رشيد ثم تحل رموز اللغة المصرية القديمة، ويثبت أن يوسف عليه السلام عاش في مصر في الفترة الت احتلها فيها الهكسوس، وأن هؤلاء لم يكونوا من الفراعنة، وأن حاكمهم كان يطلق عليه الملك، ولم يكن يطلق عليه اسم فرعون، وأن المصريين طردوا الهكسوس، وعاد الفراعنة الى الحكم مرة أخرى، من الذي أنبأ محمدا عليه الصلاة والسلام بهذه الحقائق التاريخية التي لم يعرفها العالم الا في الفترة الأخيرة بعد اكتشاف حجر رشيد؟ وكيف علم أن يوسف كان في عهد الهكسوس وأن موسى كان في عهد الفراعنة.

وهكذا يأبى الله تعالى الا أن يعطينا الدليل المادي التاريخي على اعجاز هذا القرآن، وعلى أن الله يعلم ما في الدنيا والآخرة، وأنه بكل شيء عليم، وحتى يظهر ذلك لعباده بالدليل المادي على اعجاز هذا القرآن، وعلى ان الله يعلم ما في الدنيا والآخرة، وأنه بكل شيء عليم، وحتى يظهر ذلك لعباده وبالدليل المادي جاء بحقيقة تاريخية لم سكن يعلمها أحد من البشر وقت نزول القرآن، وذكرها في متابه العزيز، حتى اذا تقدم الزمن وكشف الله لخلقه ما شاء من علمه، وفي الوقت الذي تظهر فيه هذه الحقيقة وتخرج الى علم البشر، حتى تكون معجزة من معجزات القرآن ويظهرها الله، بعد نزول القرآن الكريم بعدة قرون.









قديم 2010-07-11, 22:24   رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
نينا الجزائرية
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية نينا الجزائرية
 

 

 
الأوسمة
وسام احسن عضو 2010 وسام التألق  في منتدى الأسرة و المجتمع وسام العضو المميّز في منتديات الخيمة 
إحصائية العضو










افتراضي

على أن الله سبحانه وتعالى قد أعطى من اسرار ملكه ما شاء لمن يشاء، وكشف عما شاء من علمه لمن شاء، ولكنه احتفظ لنفسه بعلم بدء الحياة أو الخلق، وبعوامل استمرار الحياة، وبنهاية الحياة وهي الموت، فمهما تقدم العلم وازدهر، وكشف الله من أسرار كونه، فان الله هو الذي يحي ويميت، وسيظل يحيي ويميت الى أن تأتي الآهرة ويتم الحساب، وتقبض روح ملك الكزت فلا يصبح هناك موت ولكن خلود، اما في الجنة واما في النار.
(1/86)
الحياة من الله

تأمل قول الله تعالى في سورة الشعراء:{ الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين واذا مرضت فهو يشفين والذي يميتني ثم يحيين} الشعراء.
واذا اردنا أن نتأمل ما جاء في هذه الآيات ونستعرض الاعجاز فيها بايجاز نجد أن قضية الخلق محسومة لله سبحانه وتعالى، فهو وحده الخالق، والكل عاجز، ولا أحد يستطيع أن يدعي أنه يقدر على خلق شيء ولكن قضية الموت فيها جدل فاذا قرأت قوله تعالى:
{ اذ قال ابراهيم ربي الذي يحي ويميت قال أنا أحي واميت} البقرة 258.
والآية تروي قصة الحوار بين من آتاه الله الملك وابراهيم عليه السلام، فلما قال ابراهيم: ربي يحي ويميت، أخذت من أتاه الله الملك العزة فقال: أنا أحيي وأميت، وجاء يرجل من رعيته، فحكم عليه بالاعدام وقال: هو ميت، ثم عفا عنه وقال: أحييته!!.
نقول: ان الناس لا تنتبه للفرق بين القتل والموت، فالقتل هو افساد لجسد الانسان يجعل الجسد غير صالح لبقاء الروح فيه فتغادره، ولكن الموت هو اخراج الروح من الجسد دون هدم أو افساد للجسد، ولذلك فرّق الله بين الاثنين في القرآن الكريم فقال:
{ وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفائن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} آل عمران 144.
وقال جل جلاله:{ ولئن متم أو قتلتم لالى الله تحشرون} آل عمران 158.
اذن الموت لله وحده، وهو الذي يميت، ولكن القتل وهو غير الموت يمكن أن يتم على يد عباد الله.
ولأن الله هو الذي يميت، فلا أحد ينجو من الموت أبدا، لأن امر الله نافذ على خلقه، ولأن الانسان يمكن أن يتم على يده القتل، فهناك من ينجو من القتل مرة ومرات لأن أمر الانسان غير نافذ في الكون، ثم تقول الآية الكريمة:{ والذي هو يطعمني ويسقين} .
(1/87)
ويلاحظ في الآية الاولى أن الحق سبحانه وتعالى لم يستخدم أسلوب التأكيد فقال:{ الذي خلقني فهو يهدين} ولم يقل هو الذي خلقني لأنه لا احد ينازع الله في الخلق ولكن الطعام والشراب جعلهما الله أسبابا للانسان، فجاء التأكيد هنا ليلفتنا الى أن هذه الأسباب ليست هي الأصل، وانما كل شيء من الله، فالحبة في أي نبات خلقها الله سبحانه وتعالى ووضع فيها خصائصها، وخزن فيها الغذاء الذي يلزمها حتى تستطيع جذورها أن تضرب في الأرض لتأخذ منها عناصر الحياة وهو الذي أعطاها خصائصها، وخلق لها الأرض التي تزرع فيها، وأنت تضع الحبة في الأرض فتظل تتغذى على المخزون فيها من الغذاء الذي وجد فيها بقدرة الله، ثم بعد ذلك تمتص من عناصر الأرض ما يلزمها فقط تترك الباقي ثم تظل تنمو وتنمو حتى تثمر بقدرة الله وليس بجهد البشر، فكأن الطعام كله من الله سبحانه وتعالى.

والشراب أيضا من الله

فاذا جئنا للشراب نجد أن كل ما يشربه الانسان هو من الله سبحانه وتعالى، فالماء ينزل من السماء عذبا سائغا بقدرة الله، واللبن نأخذه من الحيوان وهومخلوق بقدرة الله.
ولقد حاول العلم أن يصنع البن فجاء باللبن الطبيعي وحلله الى عناصره، ثم جاء بهذه العناصر وخلطها مع بعضها البعض بنفس النسب الموجودة في اللبن الطبيعي، ثم جاء بعشرين فأرا سقى عشرة منها اللبن الطبيعي والعشرة الباقية سقاها اللبن المصنوع من نفس العناصر، فنمت الفئران التي سقيت اللبن الطبيعي وماتت الفئران التي سقيت اللبن الصناعي.
(1/88)
ومازال العلم حتى الآن عاجزا عن أن يصنع نقطة لبن واحدة، بل ان بعض دول العالم التي تعاني نقصا شديدا في اللبن لا تستطيع أن تحل الأزمة، فتحرم اللبن على الكبار ليكون متوفرا للصغار، ومنها الاتحاد السوفياتي والصين وكوريا الجنوبية وغيرها من دول العالم، ومن الاعجاز الالهي ان هذا اللبن تعطيه لنا حيوانات يجري في عروقها الدم، فلا يختلط الدم واللبن ألدا، وفي ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى:
{ وان لكم في الأنعام لعبرة تسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين} النحل 66.
على أن العلم البشري كله عاجز حتى الأن عن أن يسقي الناس الماء أو اللبن، فالانسان الذي وصل الى القمر عاجز عن أن يصنع ترعة صغيرة، أو كوبا من اللبن، أما باقي الأشياء التي يشربها الانسان فهي ما أوجدها فيها من ثمر يضاف اليها الماء أو لا يضاف.
الشفاء والمرض من الله

فاذا جئنا الى قوله تعالى:{ واذا مرضت فهو يشفين} الشعراء 80.
نجد أن هناك جدلا كثيرا حول هذه الآية، فالناس تقول ان الطبيب هو الذي يشفي! ولكن الحقيقة هي أن الشفاء بيد الله وحده، وأن الطبيب يعالج فقط، وقد يأتي على يده الشفاء، وقد يخطئ في العلاج فيكون على يده الموت.
والله سبحانه وتعالى جعل لكل داء أجلا في الشفاء، ولذلك يحدث كثيرا أن طبيبا مبتدئا يكتب الدواء الصحيح لمريض عرض نفسه على أكبر الأطباء فلم يعرفوا لدائه دواء وفي هذه الحالة قد يتعجب الناس ويقولون ان حديث الطبيب الحديث التخرج أعلم من أساتذته!
نقول لهم: هذا تفسير خاطئ فالأستاذ قطعا أعلم من تلميذه، وهو الذي علمه، ولكن قدر الله سبحانه وتعالى بالشفاء جاء فكشف الله عن الداء لهذا الطبيب المبتدئ فكتب الدواء وتم الشفاء.
وليس معنى أن الله هو الشافي ألا نلتمس الوسيلة للعلاج، فنحن في هذه الدنيا أمرنا الحق سبحانه وتعالى أن نأخذ بالأسباب ثم بعد ذلك نتوكل على الله في النتائج.
(1/89)
والآية الكريمة تقول بعد ذلك:{ والذي يميتني ثم يحيين} الشعراء 81.
ونلاحظ هنا أن الحق سبحانه وتعالى لم يستخدم أسلوب التأكيد فيقول: وهو الذي يميتني ثم يحيين، لأنه لا أحد يستطيع أن ينازع الله في الموت أو البعث، فاذا جاء الموت فلا أحد يستطيع أن يتأبى عليه، أو يقول: لن أموت، واذا جاء البعث، فالله وحده القادر على بعث الموتى، وبذلك نكون قد أثبتنا بالدليل المادي أن بداية الحياة واستمرار الحياة ونهاية الحياة، هي من قدرات الله سبحانه وتعالى وحده.

واذا كنا قد جئنا الى نهاية هذا الكتاب فنرجو من الله سبحانه وتعالى أن يكون هدانا الى ما يثبت الايمان في القلوب، وما يرد على أولئك الملحدين الذي يدعون أنه لا توجد ادلة مادية في الكون على وجود الله، ونرجو من الحق جل جلاله أن يتقبل منا، انه هو السميع العليم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

انتهى شكرا لمن ساعدني ان شاء الله في ميزان حسناته









موضوع مغلق

الكلمات الدلالية (Tags)
ملحمة, المادية, الله, والكونية, وجود


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 21:26

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc