ما حكم شرب الخمر للضرورة ؟

[amdi]

الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على نبيه الكريم
وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد :

فمن المعلوم أن الله تعالى أباح لعباده ارتكاب المحرمات للضرورة- والتي تقدر بقدرها - فقال تعالى : {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام : 119] وقال : { فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } .

وقد نص أكثر أهل العلم على مشروعية استعمال الخمر لإزالة الغصة .

قال ابن قدامة :
(وكذلك المضطر إليها لدفع غصة بها ، إذا لم يجد مائعا سواها ، فإن الله تعالى قال في آية التحريم : { فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه } وإن شربها لعطش ، نظرنا ؛ فإن كانت ممزوجة بما يروي من العطش ، أبيحت لدفعه عند الضرورة ، كما تباح الميتة عند المخمصة ، وكإباحتها لدفع الغصة ، وقد روينا في حديث عبد الله بن حذافة أنه أسره الروم ، فحبسه طاغيتهم في بيت فيه ماء ممزوج بخمر ، ولحم خنزير مشوي ، ليأكله ويشرب الخمر ، وتركه ثلاثة أيام ، فلم يفعل ، ثم أخرجوه حين خشوا موته ، فقال : والله لقد كان الله أحله لي ، فإني مضطر ، ولكن لم أكن لأشمتكم بدين الإسلام .) [المغني - (20 / 328)]

وقال القرافي :
(وكذلك يستعمل المحرم لدفع الضرر كأكل الميتة لدفع ضرر التلف وتساغ الغصة بشرب الخمر كذلك وذلك كله لتعين الواجب أو المحرم طريقا لدفع الضرر) [أنوار البروق في أنواع الفروق - (3 / 441)]

بل نص السيوطي على وجوب إزالة الغصة بالخمر إذا خاف الهلاك فقال :
(الرخص أقسام : ما يجب فعلها كأكل الميتة للمضطر لمن خاف الهلاك بغلبة الجوع والعطش وإن كان مقيما صحيحا وإساغة الغصة بالخمر). [الأشباه والنظائر (1 / 170)].

ونص على الوجوب أيضا العز ابن عبد السلام فقال :

(وكذلك من أكره على شرب الخمر، أو غص ولم يجد ما يسيغ به الغصة سوى الخمر، فإنه يلزمه ذلك؛ لأن حفظ الحياة أعظم في نظر الشرع من رعاية المحرمات المذكورات.) [قواعد الأحكام في مصالح الأنام - (1 / 80)].

فإذا خاف الشخص على نفسه الهلاك المحقق ولم يجد من وسيلة للتخفي إلا بشرب الخمر ففي هذه الحالة يشرع له .

وأظن والله أعلم أن هذا قد يندر تحققه إلا في صورة ما إذا أمسك به الكفار وامتحنوه بشرب الخمر ,وأما قبل أن يمسك به ويمتحن بشرب الخمر فعليه أن يستعين بما هو أخف من شرب الخمر إن وجد وإن اضطر إلى هذه الوسيلة بعينها فليس له الترخص فيها إلا على درجات : كأن يشتريها بماله ويتظاهر بحملها وإذا لم يكن ذالك مجديا تظاهر بشربها بأن يرفعها إلى فيه ولا يشرب منها حقيقة .

والخلاصة أن شرب الخمر يشرع ضرورة للحفاظ على النفس ومعنى ذالك أن يكون الشخص بين خيارين إما أن يشرب الخمر وإما أن يقتل أو يؤسر فيفتن عن دينه أو يؤذى أذى شديدا ففي هذه الحالة يرخص له في شربها .

والرخصة في شرب الخمر هي فقط حفاظا على نفس المجاهد وليس حفاظا على نجاح العملية.

فلا يترخص في شرب الخمر لأجل نجاح العملية إلا إذا ترتب على فشلها قتل بعض المسلمين أو أسرهم .

والله أعلم
والحمد لله رب العالمين .