الفكر الاجتماعي في الحضارات القديمة - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الفكر الاجتماعي في الحضارات القديمة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2010-10-14, 11:14   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
لبنى ممو
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية لبنى ممو
 

 

 
إحصائية العضو










Post الفكر الاجتماعي في الحضارات القديمة

السلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته
من فضلكم اريد بحث حول الفكر الاجتماعي في الحضارات القديمة مع دكر المراجع فانا ادرس سنة اولى علم الاجتماع و هدا البحث في مقياس مدخل الى علم الاجتماع.ساعدوني ارجوكم









 


قديم 2010-10-21, 17:19   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
boukhari14
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية boukhari14
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليك انا طالب ادرس في علم الاجتماع بوادي سوف ارجوا منك المساعدة في بعض المعلومات عن التفكير الاجتماعي في حضارة مصر الفرعونية وشكرا










قديم 2010-10-22, 18:47   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
عزة النفس
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية عزة النفس
 

 

 
إحصائية العضو










B8 طلب مساعدة من من لهم خبرة و معرفة

بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم
انا طلبة سنة اولى علوم اجتماعية احتاج لمعلومات في بحثي لمقياس مدخل الى علم الاجتماع
مع ذكر المراجع بدقة من فضلكم
تحت عنوان:
**الفكر الاجتماعي عند اليونانيين القدماء **









قديم 2010-10-22, 19:24   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
منصور المختار
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية منصور المختار
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الفكر الاجتماعي في الشرق القديم
(اليونان )
المبحث الأول :المعالم الاجتماعية للحضارة اليونانية
المطلب الأول : التعريف بالحضارة اليونانية (750 ق م - 146 ق م)
تشتهر اليونان بجمال وتنوع مظاهر الطبيعة فيها، فهناك الجبال والسهول والجزر والجو الدافئ والشمس المشرقة. وقد نشأت الحضارة اليونانية وسط هذه الطبيعة الساحرة وتأثرت بها . وفي عام 447 قبل الميلاد ، لم تكن مدينة (( أثينا )) هي أكبر مدينة في العالم القديم ، ولكنها كانت بالتأكيد واحدة من أكثر المدن أهمية ونشاطا . في ذلك الوقت كان يعيش في البلاد اليونانية أحد ألمع شعوب العالم القديم ( كان يطلق عليهم (( الإغريق )) )، حيث تم تأليف الكتب والمسرحيات وجرى التعليم والتدريس على نطاق واسع. وكان اليوناني متعلقا بأرضه يزرع فيها بنشاط ثم فتش عن موارد أخرى للعيش مثل صيد الأسماك والتجارة. في اليونان القديمة، كان المواطنون يديرون حكومتهم بأنفسهم، وكان (( المجلس الحكومي )) يتكون من خمسمائة رجل، وهو المسئول مباشرة عن شؤون الدولة. وكان هذا المجلس يجتمع ثلاث مرات كل شهر . وكان أعضاؤه يتناقشون ويصوتون على القوانين والأمور الهامة مثل الدخول في حرب أو عقد معاهدة سلام. وكل عام كان يتم اختيار مجموعة جديدة من خمسمائة شخص آخرين عن طريق إجراء (( قرعة )) بين السكان ، وبهذه الطريقة ، أتيحت لكل المواطنين فرصة لخدمة بلادهم من خلال (( المجلس الحكومي )) . صنع اليونانيون القدماء كثيرا من المنتجات الجميلة والرائعة مثل الفخار والأدوات المعدنية والتماثيل. ودرس أكثر الطلاب اليونانيين، (( الإلياذة (( و (( الأوديسة )) وهي قصائد حماسية طويلة للشاعر (( هوميروس ))، تتناول سير الحروب والأبطال القدماء. كان الرياضيون يشاركون في المسابقات الأوليمبية التي تقام كل أربعة أعوام . وكانوا يتصارعون ويتلاكمون ويقذفون القرص والرمح ويتسابقون في العدو . كما درس اليونانيون القدماء الهندسة والفلك ولاحظوا بدقة الشمس والقمر والكواكب والنجوم . ودرس الطبيب اليوناني (( أبقراط )) الأمراض ، ووصف حالات مرضية معينة لاحظها ، واقترح العلاج المناسب لها ، وقد وضع قواعد أخلاقية ، لكل من يمتهن مهنة الطب ، ولا زال الأطباء يلتزمون بها حتى الوقت الحاضر . وبحث المفكرون اليونانيون ودرسوا من أجل الفهم العميق لأنفسهم وللعالم من حولهم، وأطلق عليهم (( الفلاسفة )) أي (( محبو الحكمة )). ولا شك أن (( سقراط )) و (( أفلاطون (( و (( أرسطو )) يعتبرون أعظم الفلاسفة اليونانيين . والحقيقة أن أفكارهم مازالت تؤثر على تصورات المفكرين المحدثين .


المطلب الثاني : البيئة الاجتماعية
صحيح أن إغريق القرن الخامس كانوا يعيشون تحت دساتير مختلفة، وأنهم كانوا يفكرون بالعالم بطرائق مختلفة جداً عن الرجال والنساء في الحضارات الأولى، إلا أن بعض الأشياء لم تتغير كثيراً منذ نهاية عصور الظلام، إننا قد ننسى أحياناً حتى اليوم الكثيرين من الناس هم فلاحون، وفي العالم الإغريقي كان أكثر الناس يحصلون معيشتهم من الأرض، حيث ظلت الزراعة شاقة
وبدائية حتى مع ظهور الأدوات الحديدية. أما في مجال التصنيع، فلم يكن هناك إلا بضع مئات من الفخارين هم الذين يصنعون الأعمال التي اشتهرت أثينا بتصديرها. وكان أكبر معمل للتروس في المدينة يعتبر هائلاً لأن فيه 120 عاملاً. وكان هناك عدد قليل نسبياً من الحدادين والحجارين وصناع الدروع والمجوهرات وغيرها من الاختصاصات. لقد بقيت الزراعة عماد الاقتصاد، مثلما هي الحال اليوم في كثير من دول العالم، ولكنها لم تنتج ثروة كبيرة، ولو أن الزيتون والكرمة قد وسعا من إمكانياتها، لأن تربة اليونان ليست غنية في العادة، فظلت المحاصيل قليلة وضعيفة النوعية طوال الأزمنة الكلاسيكية. وكانت بقع الأرض صغيرة جداً ، فحتى الرجل الغني لم يملك إلا 20-30 هكتاراً من أراضي الحبوب والكرمة معاً كما يبين تصنيف لمواطني أثينا بحسب الثروة وضع في القرن السادس. وقد ظل الاتجاه العام هو تقسيم الأملاك مرة بعد الأخرى عند الميراث، وكان أكثر الرجال الأحرار من صغار الملاك بمقاييسنا. وقد اقتضى الاعتماد على الزراعة في أراض صغيرة أن تكون الحياة شاقة وبسيطة، فإنك حين تنظر إلى آثار اليونان العظمية مثل بناء البارثينون في أثينا أو المعابد الإغريقية الكثيرة الباقية فقد تشكل انطباعاً خاطئاً عن الحياة في اليونان القديمة، لأن هذه كانت أبنية عامة تمول بموارد جماعية، ولكن الحقيقة أن أكثر الإغريق كانوا يعيشون في بيوت صغيرة متواضعة ويأكلون طعاماً بسيطاً، ولم يكن لديهم عبيد ولا حتى خدم.
ولقد شكلت القبيلة نواة المجتمع الأثيني، وبرزت فئات طبقية متعددة أساسها المهنة كالكهنة والتجار والعمال والصناع والرعاة. وامتاز المجتمع الأثيني بالطبقية على أساس الثروة التي كانت تقدر بمساحة الأرض المملوكة أو المنقولة بالوراثة دون تقسيم، وقد انقسم المجتمع الأثيني إلى الفئات التالية: المواطنون الأصليون، أي من أبوين آثينيين ولهم الحقوق كاملة؛ الميتيك أي الأغراب الذين استوطنوا أثينا وليس لهم أية حقوق سياسية ومدنية؛ والعبيد ومصدرهم الأسر والتوالد والدَّين، ويعتبر الرقيق مالا في تصرف سيده.ولم يكن التشريع الإغريقي يعترف بحقوق المرأة فهو يعتبرها مخلوقاً تقل قيمته الإنسانية عن قيمة الرجل، يعلن عن ذلك أرسطو في قوله: "إنَّ الطبيعة لم تزود المرأة بأي استعداد عقلي يعتد به، ولذلك يجب أن تُقتصر تربيتها على شؤون التدبير المنزلي والأمومة والحضانة وما إلى ذلك"، كما نجده وضع المرأة في مرتبة المحجور عليهم الذين ليس لهم أهلية التصرف في أنفسهم، فقال:
أ- العبد ليس له إرادة.
ب- الطفل له إرادة وهي ناقصة.
ج- المرأة لها إرادة وهي عاجزة.
وظلت المرأة اليونانية سليبة الحق مهضومة الجانب، تتزوج بدون رضاها وتحرم من الثقافة والتعليم، فكل شؤون الحياة الخارجية لاتهم إلاَّ الرجل حتى سمي المجتمع اليوناني بنادي الرجال[10]، وانطلاقاً من نظرة اليونانيين السيئة إلى المرأة اختلفوا فيها: هل هي بشر؟ وهل لها نفس ناطقة؟ وعلى فرض كونها إنساناً فهل وضعها بالإضافة للرجل وضع الرقيق بالإضافة إلى مولاه أو أرفع بقليل؟

وتجسداً لها التفكير كان شأن المرأة في بيت الرجل شان خادمة بسيطة وظيفتها قضاء الحوائج البيتية والجنسية فقط، وللرجل الحق في أن يهديها أو يوصي بمتعتها لمن يشاء، وله منعها ما يتجاوز ثمنه قيمة ستين كيلو جراماً من الشعير[وكانت نتيجة ذلك أنَّ كثر عدد البغايا، وأصبح عدد الأبناء غير الشرعيين وافراً؛ إذ تمردت المرأة على المجتمع لسوء معاملته لها، وخرجت عن حدوده وقوانينه فكان منهن من تتخلص من أعباء الأمومة فتلقي أبناءها على قارعة الطريق
المطلب الثالث: الديانة في الحضارة اليونانية
عبد اليونانيون آلهة عدة، فكان لكل قوة في الأرض أو في السماء أو لكل مهنة أو فن إله خاص، وكانت آلهتهم تنقسم إلى قسمين، الآلهة الصغرى وهي آلهة السماء والأرض. والآلهة الكبرى وهي آلهة الأولمب.. وهم 12 إلهاً.
ويأتي زيوس في مقدمة ارباب الاولمب وهو -في المعتقد اليوناني القديم- رب الارباب والناس جميعا، وكان يتحكم في كل الظواهر الجوية وكانت له قدرة خارقة تفوق قوة الآلهة.. فهو سيد مجلس الآلهة وقد اتصلت عبادته باسماء مناطق كثيرة اهمها اولمبيا التي يوجد فيها معبده.
أما هيرا، واسمها يعني السيدة، فقد جعل الاغريق منها زوجة شرعية لزيوس واختا له، ولا تحكم علاقتهما قوانين..
وكانت هيرا جميلة وقوية الشخصية، متعالية سريعة الانفعال والانتقام، وعرفت الآلهة هيرا بأنها حافظة رباط الزواج المقدس، فكانت ربه للزواج وربة النساء.
وتأتي في المرتبة الثالثة أفروديت ربة الحب والجمال والخصب والتناسل، وقد عبدت في كل ارجاء العالم الهيليني «الاغريقي»،
وقد كان للآلهة الأرضية طقوس حزينة يتقى من خلالها شرها ويسكن وكان للآلهة الأولمبية طقوس سارة كلها ترحيب وثناء عليها. ولم تكن هذه أو تلك تحتاج إلى كهنة يقومون بها . فقد كان الأب يقوم مكان الكاهن في الأسرة، وكان الحاكم الأكبر يقوم مقامه في الدولة. وكانت كل حكومة ترعى الطقوس الدينية الرسمية وترى أنه لا بد منها للنظام الاجتماعي والاستقرار السياسي.
وكان الاحتفال يتألف من موكب، وأناشيد، وقربان؛ وأدعية، يضاف إليها في بعض الأحيان وجبة مقدسة؛ وقد يشمل الموكب سحرة وجماهير من الممثلين يعملون مجتمعين، ومسرحية تمثيلية. وكان أهم أجزاء الطقوس في معظم الأحيان تحددها العادات المألوفة؛ وكانت كل حركة فيها، وكل كلمة في الترانيم أو الصلوات، مدونة في كتاب محفوظ عند الأسرة أو الدولة مقدس لديها، لا يكاد يتغير فيه لفظ، أو جزء من لفظ، أو نغمة من النغمات
خشية ألا يحب الإله هذه البدعة أو ألا يفهمها كما سادت المجتمع اليوناني الكثير من الخرافات التي أوشكت أن تصبح علما من علوم الطبيعة ونذكر كمثال على ذلك سكن الجن للمريض وإنتقال العدوى في حالة ملامسته
المبحث الثاني : معالم الفكر الاجتماعي في الحضارة اليونانية
المطلب الأول : سقــراط ( 469 ق م– 399 ق م)
سقراط فيلسوف ومعلم يوناني جعلت منه حياته وآراؤه وطريقة موته الشجاعة، أحد أشهر الشخصيات التي نالت الإعجاب في التاريخ. صرف سقراط حياته تمامًا للبحث عن الحقيقة والخير. لم يعرف لسقراط أية مؤلفات، وقد عُرِفت معظم المعلومات عن حياته وتعاليمه من تلميذيه المؤرخ زينفون والفيلسوف أفلاطون وليس من سقراط نفسه مم شكل المشكل السقراطية، بالإضافة إلى ما كتبه عنه أريسطو فانيس وأرسطو. وُلد سقراط وعاش في أثينا. وكان ملبسه بسيطًا. وتعلم في بداية حياته الموسيقى والأدب والرياضة وعُرف عنه تواضعه في المأكل والمشرب. وولد لأب نحات وأم قابلة وفي ربيع حياته اشتغل نفسه بالنحت ونحت 3 تماثيل وضعت بالقرب من الاكرابولس وتزوج من زانْثِب التي عُرف عنها حسب الروايات أنها كانت حادة الطبع ويصعب العيش معها. وقد كان قصير القامة وبشع وخدم في الجندية وعدة معارك وقد أنجبت له طفلين على الأقل. وكان يهرب منها صباحا إلى مكان بعيد وقد قال تفلسف مرة قائلا تزوج يا بني فن وفقت أسعدت والا اصبحت فيلسوفا .
فلسفة سقراط
كان سقراط يعلم الناس في الشوارع والأسواق والملاعب. وكان أسلوب تدريسه يعتمد على توجيه أسئلة إلى مستمعيه، ثم يُبين لهم مدى عدم كفاية أجوبتهم. قُدّمَ سقراط للمحاكمة وُوجهت إليه تهمة إفساد الشباب والإساءة إلى التقاليد الدينية. وكان سقراط يؤمن بأن الأسلوب السليم لاكتشاف الخصائص العامة هو الطريقة الاستقرائية المسماة بالجدلية؛ أي مناقشة الحقائق الخاصة للوصول إلى فكرة عامة. وقد أخذت هذه العملية شكل الحوار الجدلي الذي عرف فيما بعد باسم الطريقة السقراطية. ومنهجه التهكم والتوليد حيث كان يطرح أسئلة على خصومه متسلسلا إلى أن يحرجهم وتمتاز عادة اسئلته بالسخرية ، وقد خاض سقراط جدلا قويا مع السفسطائيين الذين كانوا يتقاضون الأجر لتعليمهم. ولم يهتم بالطبيعة ولكنه اهتم بالعقل والإنسان وقد خدم كثيرا فلسفة الأخلاق من آراءه أن الفضيلة هي المعرفة والجهل هو سبب الرذيلة وأن المعرفة الحقيقية تأتي من الداخل . وقد قدم اسهامات جيدة للمنطق ومبحث المعرفة ، وقد إعتبرت طريقته في وضع الأسئلة بداية لطريقة الفرض العلمي . حيث يناقش اي موضوع بوضع جميع الفروض الأسئلة ثم يعرفعها وينقض ما فيه تناقض وله مقولة في ذلك أن أحدا لن يصدقني ولكن السعادة العظمى أن أسأل نفسي والآخرين
اعتقد "سقراط" بأن أفضل طريقة يحيا بها البشر هي أن يركزوا على تطوير الذات بدلاً من السعي وراء الثروة المادية. وقد كان دائمًا ما يدعو الآخرين لمحاولة التركيز على الصداقات وعلى الإحساس بالمجتمع الحقيقي، لأن "سقراط" شعر بأن هذه هي الطريقة الفضلى لكي ينمو البشر كمجموعة. وقد وصل تطبيقه لهذه المبادئ إلى درجة أنه قبل في نهاية حياته الحكم بالإعدام في الوقت الذي ظن فيه الجميع أنه سيغادر أثينا هربًا منه، وذلك لأنه شعر بعدم القدرة على الهروب أو معارضة إرادة مجتمعه؛ وكما ذكرنا من قبل كانت بسالته المعروفة في أرض المعركة لا جدال فيها.
إن فكرة أن البشر يملكون فضائل معينة كانت تشكل ميزة مشتركة في كل تعاليم "سقراط". وتمثل هذه الفضائل السمات التي يجب أن يحظى بها كل إنسان، وعلى رأسها الفضائل الفلسفية أو العقلية. وقد أكد "سقراط" على أن "الفضيلة هي أقيم ما يملكه الإنسان؛ والحياة المثالية هي تلك الحياة التي تنقضي في البحث عن الخير. وتكمن الحقيقة وراء ظلال الوجود، ومهمة الفيلسوف هي أن يوضح للآخرين مدى ضآلة ما يعرفون بالفعل
ولقد عرف عنه أنه صاحب المثل والحكم منها:
-المرأة العظيمة هي التي تُعلمنا كيف نُحب عندما نريد أن نكره، وكيف نضحك عندما نريد أن نبكي وكيف نبتسم عندما نتألم
- لا فضيلة بلا معرفة-
- كل ما أعرفه أني لا أعرف شيئاً-
-إذا قلت للمرأة: أنتِ جميلة فافعل ذلك همساً، لأن الشيطان إذا سمعك ردد في أذنها صدى قولك مرات -
-خير الأمور أوسطها
-العقول مواهب والعلوم مكاسب -
-العلم هو الخير والجهل هو الشر
-كن مع والديك كما تحب أن يكون بنوك معك -
- لا تركن إلى الزمن فإنه سريع الخيانة-
-أقرب شيء الأجل و أبعد شيء الأمل-
-حسن الخلق يغطي عيوب المرء وسوء الخلق يقبح محاسن المرء
المطلب الثاني :أفلاطون (427 ق.م - 347 ق.م)
فيلسوف يوناني قديم,واحد من أعظم الفلاسفة الغربيين,حتى ان الفلسفة الغربية اعتبرت إنها ماهي الا حواشي لأفلاطون.عرف من خلال مخطوطاته التي جمعت بين الفلسفة والشعر والفن.
.. ولد أفلاطون في أثينا لعائلة ارستقراطية, اسمه الحقيقي هو "أرسطو كليس", سمي أفلاطون لعرض كتفيه, حيث كلمة أفلاطون تعني "عريض الكتفين كان أفلاطون جندياً ومصارعاً بارزاً ,ونال جائزة الألعاب مرتين. أصبح تلميذاً لسقراط وتعلق به كثيراً ,وكان لأعدام استاذه سقراط بالسم وقع كبير على افلاطون, حيث ظهر ذلك جلياً في كتاباته الأولى. بعد اعدام سقراط غادر أفلاطون أثينا, حيث كان ساخطاً على الحكومة الديموقرطية هناك, وهو في الثامنة والعشرين من عمره, وجال عدة بلدان وتأثر بفلسفاتهم,ثم عاد الى أثينا وهو في الأربعينات من عمره.
كانت كتاباته على شكل رسائل وإبيغرامات(ابيغرام:قصيدة قصيرة محكمة منتهية بفكرة بارعة او ساخرة)لحكام الفلاسفة في الدولة المثالية . إختلفت كتابات أفلاطون مع تقدمه في العمر, حيث يظهر في كتاباته المبكره تأثره بسقراط, أما في كتاباته المتأخره أخذ يأخذ منحى آخر يختلف عن أستاذه
نظرية المُثُـل:
يعتقد أفلاطون اننا نسمي عدة اشياء بمسمى واحد لأنها تتضمن شيئاً مشتركاً, وهذا الشئ المشترك يمثل كمال هذه الصفة, وأطلق على هذا الشئ اسم "المثال".كما اعتقد انه لايمكن معرفة المُثُل بالحواس بل يمكن معرفتها فقط بالذهن, فهذه المُثُل غير موجودة في الواقع, ولأشياء الموجودة لاتعكس سوى قدر ضئيل من المواصفات الحقيقية للمثال, تماماً مثلما نرى فوهة الكهف التي لا تمثل الا جزءاً ضئيلاً من الكهف نفسة. ونظراً لثبات وكمال هذه المثل فإن المعرفة الحقيقية هي معرفة المُثُـل.
أفكاره عن المرأة:
تبدو أفكار أفلاطون عن المرأة، في البداية، لغزا لا يقبل الحل، وقد يتساءل المرء: كيف يمكن لفيلسوف متسق التفكير بصفة عامة، أن يؤكد من ناحية أن جنس الأنثى خُلق من أنفس الرجال الشريرة، من أنفس غير العقلاء، ثم يقترح من ناحية أخرى تربية متساوية، ودوراً اجتماعياً واحداً للجنسين؟



جمهورية أفلاطون :
الجمهورية كتاب فلسفي ألفه أفلاطون في عام 360 قبل الميلاد, الجمهورية هي المؤلف السياسي الرئيسي لافلاطون وسماها كاليبوس مقترنة بالعدل ماهي الدولة العادلة ومن هم الافراد العادلون .الدولة المثالية بناء على افلاطون مكونة من ثلاث طبقات ، طبقة اقتصادية مكونة طبقة التجار والحرفيين طبقة الحراس وطبقة الملوك الفلاسفة يتم اختيار أشخاص من طبقة معينة يتم اخضاعهم لعملية تربوية وتعليمية معينة يتم أخيار الاشخاص الأفضل ليكونوا ملوك فلاسفة حيث استوعبوا المثل الموجودة في علم المثل ليخرجوا الحكمة .
ربط افلاطون طبقات المجتمع مع فضائل اجتماعية معينة مثلا طبقة التجار والحرفيين مرتبطة بفضيلة ضبط النفس ، طبقة الحراس مرتبطة بالشجاعة وطبقة الملوك الفلاسفة مرتبطة بالحكمة وفضيلة العدالة مرتبطة بكل المجتمع حيث دعا لفصل مهام الطبقات .
وقد شابه طبقات المجتمع بالنفس حيث العاقلة المريدة والمشتهية وقد قدم أول مفهوم للشيوعية التي تخص طبقة الملوك الفلاسفة حيث تنزع ثروتهم ويحدد لهم دخل ثابت و يمنعون من الزواج لانهم مرجعية كاملة كتشريع وقضاء وحكم .
المطلب الثالث : أرسطو(384 ـ 322 ق.م)
رفض أرسطو شيوعية أفلاطون وقال بأن إلغاء الملكية الخاصة يقضي على الحافز لدى المتفوقين من الناس فالناس عادة لا يهتمون إلا بما يملكون ، كذلك فإن أرسطو (المتزوج والأب) رفض فكرة أفلاطون القائلة بإلغاء نظام الأسرة .
كذلك فقد طالب أرسطو بتحقيق العدل الاجتماعي بهدف تلافي المنازعات الداخلية.
وبالنسبة للطبقات قال بأن طبقة المواطنين هي التي تمتاز بالتشريف السياسي وهى القادرة على الحكم .أما الطبقات العاملة والحرفية فهي غير مؤهلة للاشتراك في الحكم حيث إن الطبيعة قد أهلتها فقط لتلقي الأوامر.اشتهر أرسطو بكتابه ’’السـياسـات‘‘ الذي احتوى على جانبين هامين ، يتعلق الأول بالدولة المثالية ، والثاني بالدولة القائمة فعلاً وأسباب انهيارها وكيف تحقق استقرارها .
الدولة المثالية ، هي الدولة التي يظلها القانون ، فالقانون في أية دولة صالحة يجب أن يكون هو السيد الأعلى ، وليس أي شخص كائناً من كان .


إن العلاقة بين الحاكم ورعيته تختلف عن أي نوع آخر من أنواع الخضوع ، لأنها لا تتعارض مع احتفاظ كل من الطرفين بحريته ، وعلى ذلك فهي تقتضي قدراً من المساواة بينهما ، على الرغم مما يمكن أن يكون بينهما من فوارق .
إن القانون هو العقل مجرداً عن الهوى ، والحكومة التي تستشير الفضلاء من رعاياها لا تتعارض مع القانون ، وللحكم الدستوري من وجهة نظره عنصران أساسيان :
1. يهدف للصالح العام (أي لصالح الرعية(
2. تدار الحكومة فيه بمقتضى قوانين تنظيمية عامة وليس تبعاً لأهواء الحاكم الشخصية .
رفض أرسـطو شـيوعية الأسـرة ، إذ لا تعارض بين وجودها ووجود الدولة ، وأباح الملكية الفردية . ورأى في التعليم قوة مساعدة على تكوين الرعايا الفاضلين .
إن الغايات التي توجد من أجلها الدولة ، هي : تحقيق المثل العليا ، سيادة القانون ، الحرية ، المساواة ، والتقدم الإنساني .
تنقسم الحكومات إلى أنواع ثلاثة :
1. حكومة الفرد : وهي حكومة الفرد الواحد بسبب تفوقه في عمله وحكمته ، وإذا انحرفت نشأت الحكومة الإستبدادية .
2. الحكومة الأرستقراطية : وتمثل حكم الأقلية العاقلة الممتازة (الصفوة) ، وإذا انحرفت نشأت الحكومة الأوليغارشية .
3. الحكومة الجمهورية : وتقوم على مساواة الأفراد واشتراكهم في شؤون الدولة ، فإذا انحرفت نشأت الحكومة الديموقراطية . واعتبر أرسطو أن أفضال أشكال هذه الحكومات من الناحية العملية هي الحكومة الدستورية ، لأنها تجمع بين العناصر الصالحة في الديموقراطية والأوليغارشية [أي الحكومتين الجمهورية والأرستقراطية] ، وأساسها يتمثل في وجود طبقة متوسطة قوية
أرسطو و الطبيعة الاجتماعية للإنسان:
إن الإنسان بالنسبة لأرسطو " حيوان مدني " ( من اليونانية Polis أي " المدينة ") هو كائن اجتماعي بالطبع ، مضطر للاجتماع مع أمثاله لتكوين مجتمع، لذلك فإن فكرة إنسان " طبيعي " قبل ـ اجتماعي ليست إلا وهما ؛ وذلك لأن الإنسان ليس إنسانا إلا لكونه يجتمع مع أفراد آخرين غيره. " وأيضا فإن من لا يستطيع أن ينتمي لأي اجتماع بشري ، أو ذاك الذي ليس في حاجة إلى غيره باعتباره مكتفيا بذاته ، لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يشكل جزءا من المدينة : وتبعا لذلك فهو إما حيوان وإما إله "

ارسطو و المثالية:
ان الانسان المثالي في رأي ارسطو هو الذي لا يعرض نفسه بغير ضرورة للمخاطر، ولكنه على استعداد ان يضحي بنفسه في الازمات الكبيرة، مدركا ان الحياة لا قيمة لها في ظروق معينة.
وهو يعمل على مساعدة الناس ، ولكنه يرى العار في مساعدة الناس له ، لان مساعدة الناس ونفعهم دليل التفوق والعلو، ولكن تلقي المساعدات منهم دليل التبعية وانحطاط المنزلة، لا يشترك في المظاهر العامة ويناى بنفسه عن التفاخر والتظاهر، وهو صريح في كراهيته وميوله وقوله وفعله، بسبب استخفافه بالناس وقلة اكتراثه بالاشياء.
لا يهزه الاعجاب بالناس او اكبارهم اذا لا شيء يدعو للاعجاب والاكبار في نظر، ، وهولا يساير الاخرين الا اذا كان صديقا ، لان المسايرة من شيم العبد، ولا يشعر بالغل والحقد ابدا، يغفر الاساءة وينساها ولا يكترث الحديث ولا يبالي بمدح الناس له او ذمهم لغيره. لا يتكلم عن الاخرين حتى لو كانوا اعدءا له ، شجاعته رصينة، وصوته عميف، وكلامه موزون، لا تأخده العجلة لان اهتمامه قاصر على اشياء قليلة فقط.
لا تأخده الحدة او يستبد به الغضب لانه لا يبالي بشيء، لان حدة الصوت وحث الخطى تنشأ في الشخص بسبب الحرص والاهتمام. يتحمل نوائب الحياة بكرامة وجلال ، بذلا جهده قدر طاقته وظروفه، كقائد عسكري بارغ ينظم صفوفه وبكل ما في الحرب من خطط. وهو افضل صديق لنفسه، يبتهج في الوحدة، بينما نرى الجاهل العاجز المجرد عن الفضيلة او المقدرة عدو نفسه ويخشى الوحدة. هذا هو الرجل المثالي في نظر ارسطو .
أرسطو و العدالة وبعدها الاجتماعي
يوحي مفهوم العدالة عند أرسطو إلى دلالتين: عامة وخاصة؛ فهو يشير في دلالته العامة إلى علاقة الفرد بالمؤسسات الاجتماعية، وهنا يكون مرادفا للفضيلة بالمعنى الدال على الامتثال للقوانين؛ فالإنسان الفاضل هو الذي يعمل وفقا للقانون، شريطة أن يكون هذا القانون مبنيا على أساس مبدإ الفضيلة. ومع ذلك فإنه لابد من الإشارة إلى وجود فرق طفيف بين مفهوم العدالة الكونية ومفهوم الفضيلة من حيث أن الأولى تقتصر على العلاقات بين الأفراد والمؤسسات، بينما تشمل الثانية علاقات الأفراد فيما بينهم. وأما العدالة بالمعنى الخاص فتدل على ما ينبغي أن يكون عليه سلوك الفرد في تعامله مع غيره من أفراد المجتمع، وهنا تقترن العدالة بالفضيلة باعتبارها جزءا لا يتجزأ منها، وتدل على السلوك الفاضل في جميع مجالات النشاط الإنساني. إن العدالة بهذا المعنى تقتضي أن يقنع المرء بقسمته ولا يطمع بما في أيدي الناس وفي حقوقهم، وتعني الاعتدال، وهو الحد الوسط بين قيمتين متطرفتين أو بين الزيادة والنقصان، ومعنى ذلك أن يسعى الإنسان الفاضل دائما إلى الحصول على القسمة التي تمثل القيمة التي تقع بين الحد الأدنى والحد الأعلى، وهذا ما تدل عليه العبارة الأرسطية المشهورة: "الفضيلة هي الوسط". تدل هذه العبارة من الناحية العملية على أن يقنع الشخص الفاضل بأقل قدر ممكن.


إن العدالة بالمعنى السياسي للكلمة تدل عللا علاقة الدولة بمواطنيها، ولا تتحقق العدالة في هذا الإطار إلا إذا كان جميع المواطنين يتمتعون بنمط عيش مشترك يلبي حاجاتهم الأساسية، ويوفر لهم إمكانية الاستقلال الذاتي والحرية والمساواة في جميع مجالات الحياة الاجتماعية بناء على مبدإ التناسب الهندسي أو مبدإ التناسب الحسابي حسب طبيعة النظام الاجتماعي-السياسي. ففي الأنظمة الأرستقراطية تتحدد المساواة بين المواطنين وفقا لمبدإ التناسب الهندسي، لأن توزيع الحقوق في هدا النظام يتم بالنظر إلى وضعية الأفراد واستحقاقاتهم، ويتحدد مفهوم المساواة في الأنظمة الديمقراطية وفقا لمبدإ التناسب الحسابي ما دام كل مواطن حر يتمتع بنفس الحقوق والواجبات.
ولما كانت وظيفة القوانين والتشريعات هي التمييز بين العدل والجور فإنه لا يمكن الحديث عن العدالة في مجتمع لا تخضع فيه العلاقات بين الأفراد للقوانين؛ ما وجدت القوانين في الواقع إلا بسبب قابلية الإنسان لأن يكون عادلا أو جائرا، بل إن طبيعته الأنانية، وميله إلى التمركز حول الذات يؤهلانه لأن يكون أكثر ميلا إلى الظلم منه إلى العدل، وخاصة إذا تمركزت السلطة بين يديه وتوفرت له أسباب القوة. ولهذا السبب يكون نظام الحكم الفردي أكثر الأنظمة السياسية ظلما وجورا وفسادا؛ لأن الحاكم المستبد يجعل مصالحة الأنانية فوق مصلحة الأمة أو الوطن. ولذلك يقال بأن القانون هو الحاكم الفعلي في الدولة العادلة، ويقتصر دور القادة فيها على السهر على تطبيق القوانين وتحقيق العدالة ولو على أنفسهم. ولقد ضربت الولايات المتحدة الأمريكية على ذلك مثالا للعالم عندما مثل الرئيس كلنتون أمام العدالة في قضية مونيكا التي باتت مشهورة.









خاتمة البحث
ونستنتج - مما سبق ذكره- أن بلاد اليونان هي مهد الفكر الفلسفي والثقافة العقلانية خاصة مع سقراط وأفلاطون وأرسطو، وقد تأثرت في ذلك بالحضارات الشرقية السابقة وبحضارات الشعوب المجاورة. ويعني هذا أن إرث الفلسفة لم يكن يونانيا محضا، بل ساهمت فيه الشعوب الشرقية بقسط وافر. كما أن تأثير الفلسفة اليونانية في الشعوب اللاحقة سيكون له أثر كبير في تطوير حضاراتها. وساهمت الفلسفة الإغريقية في عقلنة الفكر الإنساني بعد أن كان تفكيرا أسطوريا خرافيا وتخييلا شاعريا مجازيا وفكرا لاهوتيا يؤمن بالأفكار الوثنية والمعتقدات الدينية والنحل العرفانية الصوفية. ونلاحظ كذلك أن الفلسفة اليونانية لم تنشأ إلا في جو سياسي ديمقراطي ، وتعايشت مع العلوم والفنون والآداب وانصهرت في بوتقة فكرية واحدة كانت فيها الفلسفة أم العلوم والمعارف. ومن أهم المناهج الني استعملها الحكماء والفلاسفة اليونانيون منهج البرهان والإقناع والحجاج العقلاني ومناهج التعليم والتبليغ التي تتمثل في أسلوب التهيئة والحوار والأسطورة والشعر علاوة على مناهج الاستكشاف التي تستند إلى تشغيل الحدس واللجوء إلى التمثيل والاستعانة بالأمثلة والاستقراء والاستنباط والتحليل












المدرسة الرواقية
اسست على يد العالم الشهير زينون حوالي 300ق.م ،وهو زينون الكيتيومي (335-264 ق م)، الذي كان قبرصيًّا، ثم جاء إلى أثينا، حيث تتلمذ على يد فيلسوف صلفي، حتى طفق يعلِّم تلاميذه في ظلِّ ممرٍّ مكشوف مسقوف بعقود على أعمدة (أو رواق)، ما أسمى فلسفته بـ"الرواقية" أو "فلسفة الرواق". ثم تبعه كليانثوس (331-232 ق م)، الذي كتب نشيدًا إلى زيوس. ثم أتى بعد ذلك، وبشكل خاص، تلميذه كريسيبوس (280-204 ق م)، الذي وضع منظومة العقيدة والذي يمكن اعتباره بحق الأب الثاني للرواقية.(1)
وقدر لمبادئ الفلسفة الرواقية أن تلعب دورا ذا شن في مسار الفكر السياسي وتطوره في فترات لاحقة ، ويذهب رواد المدرسة الرواقية إلى الاعتقاد بأن الغرض من الحياة هو تحقيق سعادة الفرد ومفهوم السعادة لديهم لايتمثل في اشباع الرغبات المطلقة كما يذهب غيرهم ، وإنما السعادة عندهم تتمثل في كبت الانفعالات العاطفية وإخضاع الرغبات غير الخلاقية لحكم العقل
عتمد المدرسة الرواقية التي ظهرت بعد فلسفة أرسطو على إرساء فن الفضيلة ومحاولة اصطناعها في الحياة العملية، ولم تعد الفلسفة تبحث عن الحقيقة في ذاتها ، بل أصبحت معيارا خارجيا تتجه إلى ربط الفلسفة بالمقوم الأخلاقي، وركز الكثيرون دراساتهم الفلسفية على خاصية الأخلاق كما فعل سنيكا الذي قال:” إن الفلسفة هي البحث عن الفضيلة نفسها، وبهذا تتحقق السعادة التي تمثلت في الزهد في اللذات ومزاولة التقشف والحرمان”.[9] وقد تبلور هذا الاتجاه الفلسفي الأخلاقي بعد موت أرسطو وتغير الظروف الاجتماعية والسياسية حيث انصرف التفكير في الوجود إلى البحث في السلوك الأخلاقي للإنسان.
هذا، وقد ارتبطت المدرسة الرواقية بالفيلسوف زينون (336-264ق.م) الذي اقترنت الفلسفة عنده بالفضيلة واستعمال العقل من أجل الوصول إلى السعادة الحقيقية. وتعد الفلسفة عند الرواقيين مدخلا أساسيا للدخول إلى المنطق والأخلاق والطبيعة. وقد كان المنطق الرواقي مختلفا عن المنطق الأرسطي الصوري، وقد أثر منطقهم على الكثير من الفلاسفة والعلماء.
لرواقية مدرسة فلسفية تعتمد على تعاليم زينون الرواقي (333 ق.م. - 264 ق.م.).
تزعم الرواقية أن التحكم الذاتي، الثبات وعدم الالتهاء بالعواطف، التي قد تفسّر باللامبالاة بالمتعة والألم، تجعل الإنسان مفكرا سليما، متزن التفكير وموضوعي. أحد جوانب الرواقية الأساسية هي تحسين رفاهة الفرد الروحية.
الفضيلة، المنطق والقوانين الطبيعية هي تعليمات أساسية.
الفلسفة الرِّوَاقِيَّة مذهب فلسفي ازدهر حوالي القرن الرابع قبل الميلاد واستمر حتى القرن الرابع الميلادي. بدأت في اليونان ثم امتد إلى روما. اعتقد الفلاسفة الرواقيون أن لكل الناس إدراكًا داخل أنفسهم، يربط كل واحد بكل الناس الآخرين وبالحق ـ الإله الذي يتحكم في العالم. أدى هذا الاعتقاد إلى قاعدة نظرية للكون، وهي فكرة أن الناس هم مواطنو العالم، وليسوا مواطني بلد واحد، أو منطقة معينة. قادت هذه النظرة أيضًا إلى الإيمان بقانون طبيعي يعلو على القانون المدني ويعطي معيارًا تقوَّم به قوانين الإنسان. ورأى الرواقيون أن الناس يحققون أعظم خير لأنفسهم، ويبلغون السعادة باتباع الحق، وبتحرير أنفسهم من الانفعالات، وبالتركيز فقط على أشياء بوسعهم السيطرة عليها.
لقد كان للفلاسفة الرواقيين أكبر الأثر في القانون والأخلاق والنظرية السياسية. على أنهم وضعوا أيضًا نظريات مهمة في المنطق، والمعرفة، والفلسفة الطبيعية.
كان الرواقيون الأوائل، وخاصة كريسيبيس، مغرمين بالمنطق، والفلسفة الطبيعية وكذلك بالأخلاقيات. وشدد الرواقيون المتأخرون ـ خاصة سنيكا وماركوس أورليوس وإپيكتتوس ـ على الأخلاقيات.
مقتطفات من فكر الفيلسوف اليوناني هيراقليطس

هيراقليطس، هو فيلسوف يوناني ولد في أفسوس بآسيا الصغرى حوالي 540 ق.م وهو من أسرة أرستقراطية. عين كبيرا للكهنة لكنه رفض المنصب وتوفي حوالي عام 475 ق.م.
قال عنه سقراط إن ما فهمه من كتاباته شيء عظيم وما لم يفهمه شيء عظيم بالمثل، غير أن كتاباته تحتاج إلى غواص ماهر.


يقول هيراقليطس:

* إن أجمل قرد قبيح إذا ما قورن بالإنسان.
* إن أحكم الرجال يبدو قردا بالمقارنة مع الآلهة.
* بالنسبة للآلهة كل الأشياء جميلة ورائعة وعادلة، ولكن الناس هم الذين يفترضون في
بعض الأشياء أنها جائرة وفي بعضها الآخر أنها عادلة.
* الاعتدال هو أكبر الفضائل، والحكمة هي أن تنطق بالحق وتسلك بمقتضى الطبيعة.
* يفضل خيرة القوم شيئا واحدا على ما عداه ألا وهو المجد الخالد بين الفانين. أما الغالبية العظمى
فتقنع بأن تكون كالسائمة التي تقتات.
* لا تعربدوا في الأوحال فإن الخنازير تستمتع بالأوحال أكثر مما تستمتع بالماء النقي.
* تفضل الحمير التبن على الذهب.
* الذين يبحثون عن الذهب يحفرون في الأرض كثيرا ولا يجدون إلا القليل.
* السيئون هم الأدعياء بنشدان الحقيقة.
* التربية هي شمس أخرى لمن يتعلمون.
* عندما ينصتون – لا لي بل – للوغوس أو القانون العقلي، فإن من الحكمة الاتفاق على أن الأشياء
جميعا واحدة.
* يجب أن يقاتل الناس من أجل اللوغوس أو القانون العقلي كما لو كانوا يقاتلون دفاعا عن أسوار
مدينتهم.
* لن يتسنى لهم أن يعرفوا معنى الحق لو كانت الأضداد غير موجودة.
* لا يمكن للإنسان أن يستحم في النهر مرتين.
* الطريق الصاعد والطريق الهابط طريق واحد.
* البداية والنهاية شيئان عموميان في محيط الدائرة.
هنا: منتديات ملاك روحي https://www.malak-rouhi.com/vb/t5466.html#post25035
* إن النار توجه العالم.
* النار تعيش موت الأرض والهواء يعيش موت النار، والماء يعيش موت الهواء والأرض تعيش
موت الماء.
* إن الشمس لا تتجاوز مداراتها، وإلا فإن ربات العدالة توقفها عند حدها.
* من الأشياء التي تختلف يظهر أجمل تناغم.
* التناغم الخفي أقوى من التناغم المرئي.
* لقد نقبت في نفسي.
* أقصر طريق للشهرة أن يصبح الإنسان خيرا.
* إن الرب الذي تقوم معجزته في معبد دلفي لا يفصح ولا يخفي ولكنه يلمح.
* لو كانت السعادة قائمة في المباهج الجسدية، لكان يمكننا أن نعد الثيران سعيدة عندما تجد علفا
تقتات به.

من كتاب " هيراقليطس: جدل الحب والحرب"، ترجمة وتقديم وتعليق مجاهد عبد المنعم مجاهد، الطبعة الثانية 2006










قديم 2010-10-22, 19:39   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
عزة النفس
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية عزة النفس
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

و الله مانعرف واش نقول
الله يرزقك اخي
الله يهنيك و يعينك و يعيشك و يبارك لك في اهلك و مالك و عمرك
اللهم اجعلها في ميزان حسناتك اخي
اللهم فرج كرب اخي كما فرج عني










قديم 2010-10-22, 23:29   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
boukhari14
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية boukhari14
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا لك اخي منصور على المساعدة و بارك الله فيك وفي امثالك










قديم 2010-10-23, 13:36   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
boukhari14
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية boukhari14
 

 

 
إحصائية العضو










B8

مرحبا بالجميع ارجوا المساعدة في العثور على كتاب عن الحضارة الفرعونية ...................










قديم 2010-10-23, 16:43   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
عزة النفس
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية عزة النفس
 

 

 
إحصائية العضو










Mh04 الى زميلي الجزء الاول 1

المجتمع المصري القديم
مصر واحة طويلة صنعها النيل على امتداد آلاف السنين، وقد مارس المصريون الصيد والرعي عندما كانوا قبائل متفرقة تعيش على شواطئ النيل وحوله مستنقعات الدلتا، ولكنهم انتقلوا بسرعة إلى الزراعة بفضل النيل حيث قام النيل بدور رئيسي في تكوين المجتمع المصري الموحد، فقد أدت الزراعة إلى استقرار القبائل وتكوين القرى ونشأة المدن حول انعقاد الأسواق. فقد عرف المصريون القدماء نظام المدينة بوصفه (وحدة سياسية) قبل أن يعرفه اليونان وكانت مدنهم تتمتع باستقلال ذاتي.
وقد توحدت البلاد على يد الملك مينا 3200 ق.م وقضى على الفرقة نهائيًا ومنذ ذلك الوقت تمسك المصريون بهذه الصورة الوحيدة للمجتمع المصري، ولم يقبلوا صورة أخرى برضاهم بل كافحوا كل ألوان التجزئة والفرقة في تاريخهم.
وهذا الإصرار على وحدة المجتمع المصري هو أول صفات هذا المجتمع وهو سر حضارته المبكرة واستمرار شخصيته، رغم موقعه كمعبر بين الشرق والغرب فقد عمل هذا الإصرار على وحدة المجتمع طوال التاريخ المصري بصورة فريدة، وبذلك يسر التجانس العنصري والثقافي وأكد التعاون الاجتماعي ووطد النظم الاجتماعية على مستوى الدولة( ).
وبفضل الزراعة وارتباطها بفيضان النيل اهتدى المصريون إلى التقويم الشمسي حيث جعلوا السنة 365 يومًا، كما اهتدوا إلى العلوم الهندسية الخاصة بإنشاء الترع وتنظيم الري وتخطيط الأحواض وبناء المدن وتشييد المعابد والهياكل والمقابر والأهرامات وابتكروا الآلات الزراعية ومخازن الحبوب، كما اتقنوا منذ وقت مبكر بعض الصناعات كالفخار والجلود وغيرها وعرفوا الكتابة وصناعة الورق، وقد بلغ فن النحت المصري والعمارة كما لهما في الدولة القديمة لارتباطهما بالدين( ).
- النظام الأسري: حظيت النساء في مصر القديمة بالمساواة الكاملة تقريبًا مع الرجال. وتمتعن باحترام كبير، حيث الوضع الاجتماعي يحدده مستوى الشخص في السلم الاجتماعي وليس نوع الجنس وتمتعت نساء مصر بقدر أكبر من الحرية والحقوق والامتيازات مقارنة بما عرفته نساء الإغريق. وحظي عدد وافر من الربات بالتقديس عبر تاريخ مصر. وكان إظهار عدم الاحترام لامرأة، وفقًا لقانون (ماعت) يعني معارضة أسس المعتقدات المصرية والوجود المطلق.
وأجاز المصريون للمرأة أن تصبح وريثة للعرش، إلا أن الرجل الذي تختاره زوجًا لها هو الذي يصبح حاكمًا أو فرعونًا. وتتمثل مهمتها في الحفاظ على الدم الملكي واستمراره.
وتمتعت النساء بالعديد من الحقوق القانونية، مثل المشاركة في التعاملات التجارية، وامتلاك الأراضي والعقارات الخاصة، وإدارتها وبيعها. وكان للناس حق ترتيب عمليات التبني، وتحرير العبيد، وصياغة التسويات القانونية، وإبرام التعاقدات. وكن يشهدن في المحاكم، ويقمن الدعاوي ضد أطراف آخرين، ويمثلن أنفسهن في المنازعات القانونية من دون حضور قريب أو ممثل لها من الرجال.
وفتح باب العديد من الوظائف المهنية أمام النساء مثل النساجة والحياكة والقابلة ومستشارة الفرعون، واستطعن أيضًا تولى مناصب عليا في المعبد، مثل الراقصات أو كبيرة الكاهنات وهو منصب بالغ الاحترام.
ولم يكن مستغربًا أو محظورًا أن ترتقي امرأة عصامية من ناحية الوضع الاجتماعي أو المنصب فمن بين النساء الشهيرات من خارج الأسرة الملكية امرأة تدعى (بنِتِ) بكسر النون والباء. كانت متزوجة من حاكم أحد الأقاليم خلال عهد الأسرة السادسة، وقد حملت (بنِِتِ) أعلى الألقاب مكانة، لقب الحاكم، والقاضي ووزير الفرعون.
واتيح للنساء العمل كاتبات وطبيبات وأن كن بأعداد أقل من نظرائهم الرجال. وترجع السجلات التي ورد فيها أسماء طبيبات إلى الدولة القديمة. ومن هؤلاء الطبيبات السيدة (بيشيشت) التي عاشت إبان عهد الأسرة الخامسة، وحملت لقب (رئيسة الأطباء) وفقًا للنقش الموجود على شاهد قبرها.( )
- الحياة العائلية: حظيت علاقة الزواج بأقصى قدر من الاحترام. ويتم الزواج عادة بين نفس الطبقة الاجتماعية، غير أن قواعد خاصة تطبق على أفراد الطبقة العليا، وبوجه خاص داخل الأسرة الملكية، حيث يجوز للرجل اتخاذ أكثر من زوجة واحدة، كما يحدث الزواج غالبًا بين أبناء العمومة وغيرهم من ذوي القربى القريبين (أو البعيدين). وكانت حالات الاقتران بين الأخوة تحدث داخل الأسرة الملكية فقط. فتتزوج الابنة الكبرى للفرعون غالبًا من شقيقها أو أخيها غير الشقيق. بهدف الحفاظ على السلالة الملكية.
وفي مصر القديمة، كان الزوجان يشيران في حب على بعضهما البعض بلفظ (أخ) أو (أخت) وأثناء الدولة الحديثة، كانت لفظة (أختي) مرادفًا للفظة (عزيزتي) أو (زوجتي).
- زوجة واحدة ثم زوجات: كان للفرعون أن يتخذ زوجة رئيسية، وعدة زوجات أقل مرتبة يتخذهن من بناته أو أخواته، فضلاً عن العديد من الخليلات. وكان لدى (رمسيس الثاني) سبع زوجات أساسيات، وعدة زوجات ثانويات، وجناح للنساء يزخر بالخليلات الشرعيات ويعتقد أن وجود أجنحة للنساء يرجع إلى عصر الأسرات الأولى. فكانت الأميرات الأجنبيات يصبحن غالبًا حريم الفرعون، كزوجات سياسات أرسلهن آباؤهن لتعزيز التحالف الدبلوماسي بين الحاكمين.
وشملت المرشحات للحريم الملكي الراقصات، وغيرهم من الجميلات اللاتي يلفتن نظر الفرعون ويجوز أن يحسب أبناؤهن ضمن الأسرة الملكية، أو لا بناء على اختيار الفرعون.
وكانت الفتيات يتزوجن في سن مبكرة تتراوح بين الثالثة عشر والخامسة عشرة، وغالبًا ما تتزوج بنات الفلاحين في الثانية عشرة، وبوصولهن إلى سن الثلاثين يكن قد أصبحن جدات. وكان المتوقع أن يتخذ الشاب زوجة له بمجرد أن يمتلك السبل المادية لإعالة حياتهما معًا وبناء أسرة.( )
وبينما اعتبر اختيار الشريك اختيارًا حرًا للزوجين عادة، فإن معظم الارتباطات يرتبها زوج المستقبل مع والد العروس الصغيرة، ومع ذلك يتعين موافقة كل من المرأة والرجل على الزواج الذي يتم بموجب عقد يجوز إلغاؤه أو إنهاؤه فيما بعد بالطلاق. وخلال الحقبة المتأخرة أصبحت لعقود الزواج صياغة متعارف عليها.
وليس هناك دليل يثبت وجود حفلات للزواج في مصر القديمة. إنما يقام حفل كبير بعد الزفاف يتلقى فيه المتزوجان حديثًا الهدايا ويشاركان مع الأسرة والأصدقاء في الاحتفال بالزواج. وتنتقل العروس إلى بيت الزوج، الذي يضم غالبًا عائلته أيضًا. وتتولى العروس الجديدة دورها باعتبارها (سيدة البيت) أو (بينت بر) ولا يسع المرء سوى أن يتعجب من قاموس الحياة في تلك الأسر الجديدة، حيث ينهي اعتبار الحماة كسيدة لبيتها.
- الطلاق: ولم يكن الطلاق شائعًا بين المصريين القدماء، ولكن في حالة حدوثه يحق للزوجة السابقة الاحتفاظ بما كانت تملكه عند زواجها بالإضافة إلى ثلث العقارات والممتلكات المشتركة التي كسبها الزوجان أثناء فترة الزواج. وتؤول حضانة الأبناء للأم (مات). وكان الطلاق في حد ذاته شأنًا بسيطًا وخاصًا، يتمثل في إعلان بإنهاء العقد والارتباط أمام شهود وبمجرد إنهاء هذا الإجراء يصبح كل من الشريكين حرًا في الزواج مرة أخرى.
وإذا كانت الزوجة غير مخلصة لا تستحق المساندة، بل إنها غالبًا ما تخضع لعقوبة جدع الأنف المؤلمة والمشوهة. ولأن الخيانة من جانب المرأة من شأنها إثارة شكوك حول أبوة الطفل، فإن النساء تتعرض لعقوبة أشد من عقوبة الرجال بسبب الخيانة.
وفي حالة وفاة الزوج، تستحق الزوجة ثلثي أملاكهما المشتركة، ويقسم الثلث الباقي بين الأبناء ويليهم أخوة الزوج. وقبل وفاة الرجل، يجوز له أن يتبنى زوجته كابنة له (سيت) حتى ترث نصيبًا أكبر، وليس فقط كقرينة له، بل كوريثة أيضًا.( )
واعتبر المصريون إنجاب وريث ذكر مهمة رئيسية للزوجة ويشكل الفشل في أدائها سبباً للطلاق. وكان الزوجان يشجعان على الإنجاب بمجرد زواجهما. فالأبناء يعتبرون أعظم النعم، وكانوا يقولون أن الآلهة تبتسم لأجل أولئك الذين يعولون أسراً كبيرة العدد. ويمكن لبعض الأسر أن تفاخر بأن لديها 10 أو 15 طفلاً بينما كانت الآلهة تتجهم في وجه البيت الذي يخلو من أصوات ضحك الأطفال وكان من المفترض أن يلجأ الزوجان العقيمان إلى التبني إذا لزم الأمر لتعويض النقص فأي إعجاب واحترام ناله رمسيس الثاني، وهو الذي يردد أنه كان أبا لمائة ابن على الأقل وخمسين ابنه.
وإذا وجد زوجان صعوبة في الإنجاب، فبإمكانهما اللجوء للسحر. وتشمل طقوسه جلوس المرأة الراغبة في الحمل في وضع القرفصاء فوق بخار مزيج من الزيت والبخور فإذا تقيأت من الروائح الناجمة عن هذا الخليط تعتبر قادرة على الحمل، أما إذا لم تتقيأ، فيعتقد أن رائحة المزيج حبست داخل جسد المرأة بما يمنعها من الحمل. ويتضرع الزوجان المحرومان من الإنجاب للإلهات طلباً للعون الإلهي. وتكتب الرسائل وتوضع فوق مقابر الأقارب الراحلين. وإذا فشلت كل هذه السبل، يصبح التبني البديل الأخير.
وكان للأبناء أهمية قصوى، فهم يعينون الوالدين عندما يتقدمان في السن. وفي حال عجز الزوجين عن إنجاب ذكر يرعاهما عندما يتقدم بهما العمر، يجوز للزوج بموافقة الزوجة إنجاب ابن من زوجة ثانوية أو ذات منزله أدنى، وربما تكون خادمة أو جارية فإذا جاء الطفل ذكر يتبناه الأب وزوجته العاقر. وإذا لم يكن للفرعون أبناء ذكور تنتقل وراثة العرش إلى الرجل الذي تتزوج منه كبرى بناته، أو إلى ابن ينجبه الفرعون من زوجة ثانوية.
- الأطفال هم المستقبل: تعتمد تسمية الطفل على أسماء المعبودات، التي يعتقد أنها تحمى الأطفال الذين يحملون أسماءها، وعلى سبيل المثال ميريت أتون (محبوبة أتون) وسيت آمون (ابنة أمون) ورع حتب (رع راض). وكثيراً ما تختار الأسماء لتضفي على الأبناء صفات معينة يرغب فيها الوالدين، فعلي سبيل المثال. نفرحتب (جميلة وراضية)، وسينب (وافر الصحة). كما شاع إطلاق أسماء تدليل الحيوانات الأليفة على الأبناء مثل (ميوشيرى) (القطيطه الصغيرة).
وفي طبقات المجتمع الدنيا تتولي الأم تربية الأطفال، بينما في الطبقات العليا توفر الخادمات الرعاية اليومية للطفل. ويتولي الأبناء مسئولياتهم في الحياة عند سن مبكرة، ويسلك البنين والبنات مسالك مختلفة. فالبنون يتعلمون تجارة أو حرفه من الأب (ات) أو من عضو أخر من أعضاء الأسرة أو من حرفي أو فنان أو نجار أو صانع فخار. ويتوقع من الصبى أن يسير على خطى والده، ويتولي المهمة المقدسة المتمثلة في أن يمنح الحياة لاسم والده بعد انتقال الأب للعالم الآخر.
أما الفتيات فيتلقين تدريبهن في البيت، بينما يساعدن في أعمال المنزل وعند الحاجة يسهمن أيضاً في العمل بالحقل. وتتعلم الفتيات من أمهاتهن أعمال البيت من طهى وحياكة ونسيج وتنظيف. كما يتعلمن فنون العلاج والرقص والموسيقى والغناء، فضلاً عن تعلم أساليب التعامل في الحياة والتجميل، وتربية الماشية إلى جانب كيفية أن تصبح الفتاة زوجه وأما مثالية.
وعند وفاة الأبوين، يرث الأبن الأرض بينما ترث الابنة المجوهرات والأثاث وأدوات المنزل، وإذا لم يكن هناك أبناء في الأسرة تصبح الابنة مالكة كل شئ ( ).
وكانت أسر الطبقة العليا وحدها هي القادرة على إرسال أبنائها للمدرسة. ويتلقى أبناء الفرعون تعليمهم وتدريباتهم في فصول دراسية بالقصر الملكي، أما الأولاد الآخرون من أبناء الطبقة العليا، فلهم من الحظ ما يتيح إرسالهم إلى مدارس المعابد، منذ سن الثامنة تقريباً وكان الصبية، سواء من يتلقون التعليم في القصر أو على أيدي كهنة مدارس المعبد، يتعلمون الفضائل مثل آداب السلوك والأمانة والقراءة والكتابة والحساب والتاريخ والجغرافيا والدين ( ).
وكرس بتاح حتب نفسه لتعليم الأطفال لاعتقاده أنه وريث الحكمة على الأرض، وكان يؤمن بأن العقاب البدني يحث على الفضيلة فيجب الالتزام بقانون السماء والأرض الذي يخبرنا أن نتعلم عن طريق التألم والمعاناة يقول (إن كل طفل في بدء تطوره ليس إلا حيواناً تقريباً،والنتيجة المترتبة على ذلك أنه إذا أهملت العصا فسد الطفل، فيجب أن يتعلم الصغير كيف يطيع بالسوط تماماً كالحصان الجموح، لكن بالإضافة إلى العقاب فالطفل في حاجة إلى النصح، فعليه أن يتعلم النظرة الفلسفية إلى الحياة، فالنظرة الفلسفية هي أحسن ميراث أستطيع أن أتركه لابني ( ).
- الملكــات: شغلت المرأة في مصر القديمة بصفة عامة مكانة لم تصل إليها المرأة في أى مجتمع معاصر لها وإن اختلفت هذه المكانة من عصر إلى آخر.
وقد استخدم المصرى القديم ألقاب مثل (زوجة الملك) (سيدة كل السيدات) (سيدة السيدات) (سيدة زوجات الملك) (الأخت الملكية والزوجة الملكة) (الزوجة الملكية الأولي).
وفى عصر العمارنة كان يطلق على الملكة أيضاً (كبيرة حريم الملك) (كبيرة حريم الآلة) وألقاب أخرى في نهاية الدولة الوسطى (الأميرة الوراثية) (عظيمة المديح) (عظيمة الحسن) (أميرة كل النساء) (أميرة البلاد كلها). ( )
حتشبسوت: 1490-1468ق. م.، استطاعت أن تحكم مصر طيلة عشرون عاماً وفقاً للأسطورة، أعلن (آمون – رع) أمام مجمع الآلهة أن مصر يجب أن تحكمها ملكة عظيمة وتقدم (تحوت) وحدد المرأة التي ستنجب هذه الملكة بأنها زوجة (تحتمس الأول) السيدة الجميلة التى تدعى (أحمس) والتي يعنى أسمها (المولودة للقمر) واستدعى (أمون – رع) (خنمو) ليصنع على دولاب فخاره جسد والتي ستولد من الملكة (أحمس) والتي ستصبح ملكة عظيمة على مصر.
وفى عام 1504 ق. م.، أصبحت الملكة حتشبسوت في سن الثالثة والثلاثين أول امرأة ترتدى التاج المزدوج أو (بشنت) تاج الأرضيين. ويعنى أسمها (في مقدمه النساء النبيلات).
وكثيراً ما صورت حتشبسوت نفسها في هيئة رجل، بل ذهبت أبعد من ذلك إلى حد ارتداء الثوب الفرعونى التقليدى للرجال فضلاً عن اللحية المزيفة( ).
وكانت حتشبسوت امرأة قوية الإرادة لم تترك أحداً يتدخل في خططها أو يعوق طموحاتها. وشهدت مصر ازدهاراً تحت قيادتها، ونالت احترام شعبها الشديد وإعجابه، وانتعش الاقتصاد ولم تقع أى حرب خلال عهدها. وأثبتت سيادتها بإعداد وتمويل مشروعات عامة ضخمة لترميم المعابد والآثار التي ضربها أو دمرها الهكسوس ودشنت أيضاً عدة مشروعات للبناء. وفي 1493 ق. م، وخلال العام السادس أو السابع من حكمها، امرت بإعداد أسطول من خمس سفن وشاركت في بعثة تجارية إلى بلادبونت وجلبت البعثة معها شحنات ضخمة من العطور والذهب والابنوس والعاج( ).
- نفرتيتى: اسم نفرتيتى يعنى حرفياً الجميلة قادمة، وقد لقبت نفرتيتى بعده ألقاب (الزوجة الملكية العظمى) (سيدة مصر العليا والسفلى) (سيدة الأرضيين) (الأميرة الوراثية).
وتعد الملكة نفرتيتى من أهم الشخصيات في عصر العمارنة واقترن اسمها عالياً باسم زوجها اخناتون على النقوش. ومثلت بوجهها معه في أغلب المناظر سواء الأسرية أو الرسمية.
وكان لنفرتيتى دورها في الحياة العامة والسياسية وهناك الكثير من الأمثلة التى تدل على ذلك حيث تظهر الملكة تقوم بأعمال كانت مخصصة فيه للملك مثل ضرب الأعداء وقيادة العربة الملكية شأنها شأن الملك وتوزيع الذهب على كبار الموظفين.
أحمس – نفرتيرى: الملكة أحمس نفرتيرى ابنه (سقنرع تاو الثانى) والملكة (أحوتب) من الأسرة السابعة عشرة. وعندما مات (سقنزع تاو الثانى) ميتة عنيفة في قتال الهكسوس، نسب إلى (أحوتب) تشجعيها للقوات المصرية على مواصلة القتال. وعاصرت الملكة أحمس نفرتيري الكفاح ضد الهكسوس مثل الملكة (حوتب) وكان لشخصيتها النشطة دور هام في عملية إعادة البناء الكبير في تلك الفترة التى أعقبت النصر على الهكسوس( ).
- كليو باترا السابعة الأسرة البطلمية 69-30 ق.م.:
كليو باترا السابعة المقدونية، المولودة في الإسكندرية، آخر فراعنة مصر. وكانت كليو باترا السابعة التى يعنى أسمها (مجد والدها) امرأة ذكية، ذات شخصية كارزمية كرست نفسها لمصر، ورثت كليو باترا السابعة الحكم في سن الثامنة عشرة بعد وفاة والدها بطليموس الثانى عشر ولما كانت التقاليد أن تتولى الحكم بمفردها، عين شقيقها بطليموس الثالث عشر ذو الاثنى عشر عاماً شريكاً لها فى الحكم، لكن طموحات كليوباترا السياسية دفعها إلى الإزاحة بشقيقها.
وبعد موت قيصر أخذت تباشر حكم البلاد. ونظمت الضرائب واهتمت بالزراعة والرى وقوت جسور القنوات المهملة وحققت قدر من الرخاء والطمائنينة واكتسبت محبة الناس وولائهم لها.
وكانت امرأة ممتازة لصفاتها الشخصية وقوه أعمالها. ولم ينجز أحد من الملوك من أسلافها مثل تلك الأعمال العظيمة التى أنجزتها، فقد زادت من تجميل الإسكندرية وشجعت العلماء والمشتغلين بالعلوم الكيميائية والرياضيات والفلاسفة، ورعت فنون التصوير والنسيج، كما شجعت أيضاً الصناعات المحلية( ).
- المرأة فى حكم وأمثال الفراعنة:
- الزوجة الصالحة هبه من الإله لمن يستحقها.
- يا ولدى إذا كنت عاقلاً فأسس لنفسك بيتاً وأحب زوجتك من قلبك، أملأ بطنها واكس ظهرها واشرح صدرها. إياك أن تقسو عليها فإن القسوة خراب للبيت الذى أسسته فهو بيت حياتك. لقد اخترتها أمام الله فأنت مسئول عنها أمام الإله).
- إذا أردت رضا الله فأحب شريكه حياتك اعتن بها تعتن ببيتك وترعاه. قربها من قلبك فقد جعلها الإله توأماً لروحك.
- إذا أسعدتها أسعدت بيتك وإذا أسعدت بيتك أسعدت نفسك زودها بكسوتها ووسائل زينتها وزهورها المفضلة وعطرها الخاص فكل ذلك سينعكس على بيتك ويعطر حياتك ويضفى عليها الضوء أسعدها مادمت حياً فهي هبه الإله الذي استجاب لدعائك بها عليك فتقديس النعمة إرضاء للألهة. ومنعاً لزوالها. (الحكيم سنب حوتب لابنه).
- ولتكن شريكة حياتك التي تختارها امرأة قنوعة ومتواضعة في أحلامها ومطالبها وسعة تفكيرها. كبيرة القلب. امرأة يجعل منكما الرباط المقدس روحاً واحدة وقلباً واحداً وأمالاً واحدة تربطها الثقة المتبادلة.
- علموا المرأة يتعلم الرجل.. ويتعلم الشعب (كاجمنى).
- إذا أحببت فتاه وبادلتها حب بحب فإياك أن تخونها. إن الحفاظ على الرباط العائلى المقدس حياة للمجتمع. إذا اقترفت هذا الجرم خنت المروءة وأغضبت الإله وجلبت على نفسك العار والضرر والاحتقار. (بتاح حوتب)( ).
- يا بنى.. الزواج هو رحلة العمر في بحر الحياة إن تلك الرحلة تحتاج إلى زاد حتى تنتقل بأمان إلى شاطئ نهر الحياة. تحتاج إلى زاد من الثقة والصبر والتسامح تحتاج إلى زاد من قوة السواعد المشتركة التي تمسك المجدافين حتى يضربا صفحة الماء معاً فتحتفظ السفينة بتوازنها وتحنى لها العاصفة رأسها فتشرق الشمس بعدها فيساعد النسيم على أمان سير السفينة وهو يداعب شراعها ليكن ساعدك قوياً فلا تيأ س ولا تترك المجداف حتى لا تسير السفينة على غير هدى إنها رحلة العمر فليباركها الإله يا ولدى. (برديات العمارنة)
- الأم هبه الإله. ضاعف لها العطاء فقد أعطتك كل حنانها، ضاعف لها الغذاء فقد غذتك من عصارة جسدها. أحملها فى شيخوختها فقد حملتك في طفولتك أذكرها دائماً فى صلاتك وفى دعائك للإله الأعظم فكلما تذكرتها تذكرتك وبذلك ترضى الإله. فرضاؤه يأتي من رضائها عنك.
- الأم هبه الإله للأرض. فقد أودع فيها الإله سر الوجود فوجودها استمرار لوجود البشر.
- لا تنس أمك وما عملته من أجلك ضاعف لها غذاءها. أحملها كما حملتك فإذا نسيتها نسيك الإله. لقد حملتك تسعة أشهر وحينما ولدت حملتك ثانية حول رقبتها وأعطتك ثديها سنوات لم تشمئز من قذارتك ولما دخلت المدرسة وتعلمت الكتابة كانت تقف بجوار معلمك ومعها الخبز والحبة جاءت بها من البيت. (بردية الحكيم آني)
- إذا مات الأب هتفت الملائكة مات من كان يكرمك الناس من أجله. وإذا ماتت الأم هتفت الملائكة ماتت من كان الآلة يكرمك من أجلها( ). (بردية الحكيم آني)
النظام الأخلاقي:
إن المطالع لكتاب (أدب الحكمة) عند الفراعنة يعثر على كثير من المفاهيم الأخلاقية المرتبطة بعقيدة البعث أو بيوم الحساب بعد الموت. فالسلوك المستقيم هو إقرار للنظام الأخلاقي الذي وضعته الآلهة (ماعت) Maat في بداية الخلق وهي ربة الحقيقة والعدالة والوفاق. وهناك نصوص تمتدح فضائل كالتواضع وضبط النفس والحكمة والصبر.
وقد عرف المصريون الضمير منذ أقدم العصور ووصفوه (إن قلب الإنسان هو إلهه الخاص، وإن قلبي قد رضي عن كل ما عملته وكل من رضي قلبه عما عمله التحق بمرتبة الآلهة).
ويلاحظ أن معرفة المصريين ما للقلب أو الضمير من دور بارز وحاكم في عملية تبرئة الميت أمام الإله الأكبر أو عدم تبرئته كان له شأن عظيم في إذاعة الاعتقاد بالمسئولية الخلقية وأوجدت شيوعاً عاماً عن القيمة البالغة للفضائل الخلقية التي تتمثل في الاستقامة والحق والعدل والتي بفضلها يصبح الفرد مقرباً لدى الإله أوزيريس أو رع.
وكان المصريون القدماء يرون أن القتل والسرقة وأكل مال القاصر واليتيم والكذب والخداع والزنا وهتك العرض وشهادة الزور وانتهاك حرمات الموتى ونبش القبور من كبائر الإثم.
وتمثلت الأخلاق المصرية في البداية بالمحافظة على العادات والأواصر الأسرية والبر بالوالدين واحترامهما. وكان البر بالوالدين من أهم الفضائل الخلقية التي يحرص عليها المصري القديم، لذا فإن مواعظ (آني) لابنه خنس حوتب تركز على الرابطة الأسرية وتكريم الأب والأم وتذكر بفضل الأم عليه.
ومن تعاليم المفكر آني إلى ابنه خنس حوتب يوصيه بمساعدة المسنين والفقراء والمحتاجين لأن النعمة لا تدوم ولأن الموت هو نهاية المطاف، وصاحب القلب القاسي لن ينال عطف الإله في الآخرة( ).
وكان بتاح يحث على تعلم وتعليم الفضيلة (فضيلة ضبط النفس)، ويقول: إذا كنت ذا سلطان فاسع لأن تنال الشرف عن طريق العلم ورقة الطباع، احذر أن تقاطع الناس وأن تجيب على الأقوال بحرارة، ابعد ذلك عنك وسيطر على نفسك). ويقول أيضاً: (ولتكن أعمالك في مناسباتها وكلماتك في موضوعها، اكبح جماح نفسك والجم لسانك).
وهناك مختارات من الأدب الفرعوني القديم عن فكرة الحساب في الآخرة (عقيدة الثواب والعقاب كما جاء في كتاب الموتى في دخول قاعة الصدق (الحق) ودفاع عن النفس يوم الحساب.
- إني لم أرتكب ضد الناس أي خطيئة - إني لم أسرق.
- إني لم أرتكب القتل - إني لم أسبب تعساً لأي إنسان.
- إني لم أرتكب الزنا - إني لم أترك أحداً يتضور جوعاً.
- إني لم أفعل ما يمقته الإله - لم أغتصب طعاماً
- إني لم أنطق كذباً - إني لم أنقص مكيال الحبوب.
- لم أكن طماعاً - إني لم أسب
- لم يكن صوتي عالياً فوق ما يجب - لم أكن متكبراً.
- فمي لم يثرثر - لم أعب في الذات الملكية ( ).
النظام الديني:
لقد كان أثر المفكرين القدامى من الكهنة المصريين في مجال النظم الدينية والأدبية كبيراً ففي مجال علم الاجتماع الديني يظهر إسهام الحضارة والفكر الاجتماعي المصري، حيث ترجع فكرة وحدة الله، فالثورة التي قام بها إخناتون الكاهن المصري، الذي أصبح فيما بعد امنحتب الرابع كانت تستهدف إحلال فكرة الوحدانية، مكان فكرة الآلهة المتعددة. وأصبح الآن معظم المشتغلين بالدراسات المصرية القديمة يذهبون إلى أن الديانة الموسوية إذ نادت بالوحدة، إنما كانت متأثرة في ذلك بهذه الثورة ومما كان سائداً في مصر منذ القرن الخامس عشر قبل الميلاد من حركة تدعو إلى تمجيد إله أعظم يعتبر إله الآلهة ورب الأرباب ومعظمهم لا يتردد في القول بأن موسى عندما خرج من مصر إنما كان حاملاً معه هذا التراث المقدس وما نادت به الثورة الدينية المقدسة من وحدة الله التي حدثت قبل ظهوره بقليل، والتي كان العقل المصري مشبعاً بها وبمقدساتها في ذلك الوقت، حتى إن هؤلاء المؤلفين ليعقدوا موازنات بين بعض الأناشيد الدينية المصرية وبعض الأناشيد والفصول التي أتت في العهد القديم ومزامير داود وهي موازنات تبين أن ثمة نصوصاً بأكملها من الكتب السماوية اليهودية تكاد تكون قد نقلت في معناها وفي مبناها من الأناشيد والأفكار المصرية ( ).
ومن هذه الأناشيد مثلاً التي قيلت في مدح الإله – الشمس أو آمون رع، ثم أنشودة اخناتون في مدح الإله – الشمس والأنشودة ترجع إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد ولا زالت موجودة للآن على ورق البردي في متحف القاهرة، ففي أنشودة رع نجد أن المصريين يخاطبونه بأنه (أعظم شخص في السموات وأقدم شخص على الأرض وسيد كل المخلوقات) وأنه (وحيد بين الآلهة) وهو أيضاً (سيد الحقيقة) (ووالد الأرباب وهو الذي شكل الآدميين وخلق الحيوانات) وهو إلى جانب ذلك خالق كل شيء (قاهر السموات) (فاضل).
وهذه النصوص وغيرها قد عرفت عند الإسرائيليين منذ زمن طويل قبل ظهور المزامير نجد أن نفس الأوصاف التي يطلقها المصريون على الإله آمون رع هي نفسها التي أطلقها الإسرائيليون على الإله يا هوه أو الرب: من في السموات يمكن أن يقارن بالرب؟ من ذا الذي يشبه الرب بين أبناء الآلهة؟ (المزمار 99-6) ولا شبيه لك بين الآلهة أيها السيد (86-8) وفي المزمار (31-5) قيل: (أيها الرب أنت إله الحقيقة).
ولعل الفكر الديني المصري يمثل التطور المعروف في الاجتماع الديني من الاتجاه عن عبادة الماديات إلى عبادة الروحانيات ثم من التعدد للوحدة، فالمصريون القدامى قد بدأوا بعبادة مظاهر الطبيعة المادية لذاتها مثل النيل والشمس وبعض الحيوانات ثم انتقلوا من ذلك إلى تقديس هذه الآلهة بوصفها رمزاً لآلهة روحية وأخيراً أحلوا الوحدة محل التعدد على أثر ثورة إخناتون وما سبقها من مقدمات( ).
وكان اختراع الكتابة جزءاً هاماً من التقدم الذي تم مع بداية العصر التاريخي (3000 ق.م) وتمثل ألواح (مينا أو نارمر) مرحلة أولية في الكتابة الهيروغليفية. فقد نظر المصريون إلى الإله تحوت Thoth كاتب الآلهة على أنه مخترع الكتابة، لكنهم ربطوا بين وظيفته ووظيفة زميلته الإله سيشات Seshat الكاتبة وسيده دور الكتب أي المكتبات، وكان يعهد إليها بأرشيف الحوليات الملكية. ولاشك أن الكتابة كانت دائماً هامة في الطقوس الدينية.
والكهنة كانوا يقرأوا التعاويذ من نصوص مكتوبة على أوراق البردي، كما احتفظت النقوش المنحوتة على الحجر بأسماء الأشخاص الذين دفنوا في المقبرة ثم أضيفت بعض التعاويذ التي تضمن استمرار تقديم القرابين، مثلما تضمن الهناء أو السعادة الأبدية للمتوفى.
كما كانت تكتب هذه النصوص والمتون على مجموعة من أوراق البردي ثم تودع القبر مع المتوفى، وقد أطلق عليها (متون التوابيت).
أساطير الخلق: إن الصدارة في أي مجمع للآلهة تكون هي المسئولة عن الخلق، وكانت أسطورة (هليوبوليس) أوسعها انتشاراً، وتقول هذه الأسطورة إن الإله الخالق هو أتوم Atum الذي اتحد في هوية واحدة مع إله الشمس رع.
وتقول الأسطورة أن (أتوم) خرج من عماء المياه الذي يسمى Nun ثم ظهر فوق تل وأنجب بغير زواج الإله شو Shu الهواء. والإله (تف نون) أو تفنت Tefenet (الرطوبة) وكان إله الهواء (شو) هو الذي زج بنفسه بين آلهة السماء نوت Nut وزوجها إله الأرض جب Geb، وبذلك فصل السماء عن الأرض وهكذا كانت بداية خلق الكون من انبثاق الأرض من الماء عظة لأن المصريين كانوا يستهلون أفكارهم من جزر الطين التي تظهر في النيل. وعندما تأمل المصريون خصوبة أرضهم أدركوا أن النيل والشمس مسئولان عن هذه الخصوبة، وارتبط فيضان النيل باسم الإله (حابي) ( ).
أما بالنسبة للشمس، فالإله (رع) إله هليوبوليس هو الذي يمثل أساساً قوتها في مجمع الآلهة. وقد استخدم المصريون لفظ (رع) كاسم عام يعني (الشمس) ثم توحد (رع) مع آتون في صيغة واحدة هي (رع – آتون) وقد أصبح فرعون يسمى (ابن الإله رع)، كما ارتبطت فكرة العدالة ونظام العالم باسم (رع) ونظر المصريون إلى الآلهة ماعت Maat ربة العدالة والحقيقة على أنها ابنته( ).
الطقوس الجنائزية:
دأب المصريون على الاهتمام الشديد بالاحتفال بدفن الموتى، إذ اعتقدوا أن سعادة الشخص الميت في المستقبل تتوقف على هذا الاحتفال، وعلى المعتقدات المرتبطة بالطقوس، كان الميت يدفن دائماً ولا تحرق جثته. وتشمل هذه الطقوس على ممارسات التطهر والقربان.
واعتقد المصريون أن من المهم الاحتفاظ بالجسد نفسه وقد ساعدهم على ذلك جفاف التربة في الأماكن الصحراوية لدفن الموتى، وقد كان الأسلوب المتقن في عملية التحنيط يستلزم إزالة المخ والأمعاء، كما يستلزم أحياناً في حالة الذكور إزالة الأعضاء الجنسية ثم يوضع على الجسم من الخارج النطرون (أو الصو









قديم 2010-10-23, 16:49   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
عزة النفس
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية عزة النفس
 

 

 
إحصائية العضو










New1 الجزء الثاني

وكان ابنه مردوخ Marduk هو الذي عهد إليه برئاسة مجمع الآلهة كله عندما كانت مدينة بابل هي مركز الدولة القوية التي سيطرت على معظم بلاد ما بين النهرين، وفي ذلك الوقت كان الإله نابوا Nabu ابن مردوخ هو راعي العالم لاسيما الفلك، وفنون الكتابة وقد استولت الآلهة العظيمة عشتار بالتدريج على وظائف كثيرة من الآلهات الإناث السابقات وأصبح اسمها مرادفاً للفظ (الالهة) في حين أنها كانت هي نفسها راعية الحرب والحب في آن معاً.
أما آشور فقد كانت آلهة أخرى موضع تقدير وتبجيل عندها فإله الجو (حدد) يركب العاصفة وهو يرعد كالثور، ممسكاً في يده بشوكة البرق، وعلى الرغم من أنه يجلب الخراب والدمار عن طريق ما يسوقه من فيضانات فإنه كان أيضاً شخصية محبوبة تجلب الرخاء عن طريق المطر.
ولقد احتاجت آشور باستمرار لتأكيد وضعها السياسي والاقتصادي أن تقوم بحملات عسكرية مستمرة، ولهذا نرى آلهتها تتسم بسمات عسكرية مثل نينورتا Ninurta إله الحرب والصيد وربما هو نفسه نمرود Nimrod الذي يذكره الكتاب المقدس ( ).
وظهرت أساطير حول أصل العالم وكيفية خلق السموات والأرض، فالبطل (مردوخ) حارب تعامة أوتيمات Tiamat ((تنين البحر) ومعناها الحرفي أليم أفعى الظلام، وقتلها ثم شقها إلى نصفين، فانفتحت كالصدفة فصنع السماء من نصفها الأول والأرض من نصفها الثاني.
وتصور ملحمتا أتراجيس وجلجاميش الطوفان على أنه عقاب أنزلته الآلهة بالجنس البشري. ولقد ظفر البطل في كل ملحمة منهما بالخلود وبقى بفضل ما قدمه له الإله إنكي من تحذيرات (أو الإله أيا Ea) وكذلك عن طريق بناء سفينة تهرب عليها عائلات البشر والحيوانات.
الملك مثل الآلهة على الأرض أو أنه ينوب عنها، فقد منحته الآلهة السلطة لكي يتصرف نيابة عنها، وهي تتوقع منه أن يعامل الناس بالعدل وبلا محاباة، بحيث يدافع عن الضعيف أمام القوي، وأن يكون نصيراً لليتامى والأرامل، وقد كان يوجه الاعتبارات الأخلاقية لما تجلبه من رضا الآلهة وبركاتها وما يمنع لعناتها، وقد كانوا يعتقدون أن سلامة الملك تقوم عليها سلامة الجماعة، ولهذا فإنها تتخذ إجراءات عامة لضمان ذلك.
وما يقوم به الملك طوال حيواته من أعمال يحكمه طقوس دينية واحتفالات تضمن طهارته وتحرس شخصه والملك يعهد إلى كهنة مختصين ببعض الواجبات الخاصة وتقديم القرابين والمسح بالزيت وتلاوة التعاويذ والرقى عن طريق الغناء والإنشاد الديني( ).
الخطيئة والعذاب:
هناك أخطاء تستوجب القصاص الإلهي في صورة المرض أو الاضطراب، بل وحتى الموت. أما نتائج الأفعال الحسنة فكانت تسجل أيضاً. وهنا نصوص من التعاويذ تصف الإثم بأنه ذلك الذي يأكل ما حرمه على آلهة أو يحتقر آلهته أو يسخر منها، أو ينطق بالباطل ولا يحكم بالحق، وهو الذي يظلم الضعيف ويباعد بين الابن وأبيه وبين الصديق وصديقه ولا يعتق الأسير، ويمكن أن تغفر هذه الخطايا بتلاوة تراتيل التوبة والصلاة أو النواح، كذلك يمكن التحرر فيها بتقديم قربان التكفير( ).
الطاعة جوهر الحياة الفاضلة عند العراقي القديم:
آمن إنسان وادي الرافدين بأن كل ما في الكون يسير حسب (خطط) إلهية تستند على قواعد ونواميس مقررة وما على الإنسان إلا ينقاد لها طائعاً مختاراً لأن الآلهة استهدفت من ورائها خير الإنسان وعدالته، كما استهدفت تسيير الكون دونما اضطراب أو خلل فوضعت له نظاماً دقيقاً عادلاً من أجل الحفاظ على التوازن والانسجام الكلي فيه، ما على الفاضل إلا طاعته.
واحتلت فضيلة (الطاعة) الواعية موقعاً مهماً في الأخلاق الرافدية تعضدها مفاهيم خلقية ظهرت في مجرى التطور اللاحق لمدارك ووعي الإنسان الرافدي، أهمها (فضيلة الانسجام والتوافق) والحياة الفاضلة هي الحياة "المطيعة" والعصر الذهبي هو عصر الطاعة حيث تندرج فيه هذه الفضيلة من دائرة الأسرة، فالمجتمع، فالدولة والنظام وفق سلطة موجهة، إذ يستحيل في عرف العراقيين القدماء وجود عالم منظم دون سلطة تكون دائماً على (حق) لأنها تطبق (القانون العام) و(النظام الإلهي)، وعلامة التنظيم في حياة الفرد هي الطاعة والتخطيط للمستقبل من أجل حياة أفضل، ومركب الطاعة والتخطيط هو الصحة والعمر الطويل والمركز المرموق والأبناء الكثر، والمال.
وهنا نشيد يصف عصر الطاعة:
يوم يحج المرء عن السفاهة إزاء غيره، ويكرم الابن أباه
يوم تبين الاحترام جليا في البلاد، يتحمل صغيراً لقدر الكبير
يوم يحترم الأخ الصغير... أخاه الكبير
ويرشد الولد الأكبر الولد الأصغر، ويتمسك الأخير بقراراته

ويوصي العراقي القديم دائماً بأن (اسمع كلام أمك كما تسمع كلمة إلهك)، (واحترم أخاك الأكبر)، (واسمع كلمة أخيك الأكبر كما تسمع كلمة أبيك)، (ولا تغضب قلب أختك الكبرى).
وما طاعة المرء للإفراد الذين يكبرونه سنا في العائلة إلا البداية، فوراء العائلة دوائر أخرى الدولة والمجتمع والملك( ).
والعراقي القديم ينظر إلى الجمهور الذي لا قائد له نظرة الاستياء والشفقة، ونظرة الخوف أيضاً. والجنود بلا ملك غنم بغير راعيها.
ولذا يستحيل وجود عالم منظم إذا لم تفرض عليه سلطة عليا إرادتها والفرد هنا يشعر بأن السلطة دائماً على حق (أوامر القصر) كأوامر الإله لا تتبدل، كلمة الملك حق، ونطقه كنطق الإله لا يغيره شيء( ).

الفكر الفارسي : الزراد شتيه
الزرادشتيه من أقدم الديانات الفارسية، ومؤسسها زراد شت أو زور استر Zoroaster وهو الاسم الذي ذاع استخدامه عند اليونان.
وعاش زرادشت في منتصف القرن السابع قبل الميلاد، وتوفي عام 583 ق. م، وكان يقيم بازريمان وقد انتشر الدين الذي بشر به من بلخ إلى فارس وذلك على أثر إيمان الملك الفارسي به.
وظهر زرادشت بين أسلافه الميديين والفرس وجد بني وطنه يعبدون الحيوانات كما يعبد أسلافهم، ويعبدون الأرض (أنا هيتا) آلهة الخصب والأرض ويعبدون (ميثرا) إله الشمس و(هوما) الثور المقدس، ولقد ضاق زرادشت ذرعاً بتلك الآلهة البدائية وراح يثور على الكهنة ويعلن أنه ليس في العالم إلا إله واحد هو (أهورمزدا) إله النور والسماء وأن ما عداه ليست إلا مظاهر له وصفات من صفاته.
وقد جمع أصحاب زرادشت أقواله وأفعاله وأدعيته في الكتاب المقدس المسمى (زندافستا) Zend Avesta أو (الابستاق). والفكرة السائدة في الكتاب المقدس هي ثنائية العالم الذي يقوم على مسرحه صراع بين الإله أهورامزدا والشيطان أهريمان، وأن أفضل الفضائل هما الطهر والأمانة ويؤديان إلى الحياة الخالدة.
وأهورمزدا إله الكون كله الذي ليس له شريك وله خصم هو دون في الرفعة وهو أهريمان إله الشر الذي سينهزم على مر الزمان، وأهورامزدا هو دائرة السموات كلها نفسها، يكتسي بقية السموات الصلبة يتخذها لباساً له، وجسمه هو الضوء والمجد الأعلى، وعيناه هما الشمس والقمر ولقد جعل زرادشت من النار الصادرة من الإله أهورامزدا عنصراً مشتركاً بين جميع الموجودات كل شيء يخرج منها، وكل شيء يعود إليها، فهي جوهر وماهية هذا الشيء، إذ أن أهورامزدا قد احتوى على الوجود كله. إنه يعيش في وحدته المترفعة محتوياً على أفكار الخلق الروحي والمادي في عقله، فعقل أهورامزدا بمثابة العالم المعقول الذي يحتوي على أصل الأشياء والأفكار، وأنه عندما تفيض من نوره الأشكال المتعددة تكون بمثابة مرآه لذاته.
إن إله زرادشت يسمو على كل شيء وقد عبر عن هذه الفكرة بعبارات لا تقل جلالاً عما جاد في سفر أيوب يقول: (هذا ما أسألك عنه فاصدقني الخير يا أهورمزدا منذ الذي رسم مسار الشموس والنجوم، منذ الذي يجعل القمر يتزايد ويتضاءل؟ ومنذ الذي رفع الأرض والسماء تحتها وأمسك السماء وارتفع؟ منذ الذي حفظ المياه والنباتات؟ ومنذ الذي سخر الرياح والسحب سرعتها؟ ومنذ الذي أخرج العقل الخير يا أهورامزدا( ).
إن الأساس الذي قامت عليه الزرادشتيه هو مبدأ تعميم الخير وإبادة الشر، وأنه من الوسائل الضرورية لتحقيق هذه الغاية هو تقوية النوع الإنساني ونشر الخصوبة والعمران على الأرض وكذلك وحد زرادشت بين الإله (مازدا) وبين (الخير) وجعلهما اسمين لمسمى واحد، ونتيجة لذلك أصبح الخير قلب الديانة الزرادشتيه وسيعم الكون كله عندما تسود الفضيلة وينهزم (أهريمان) إله الشر).
ويعلى زرادشت من شأن إله الخير على إله الشر من ناحية الأخلاق والأبدية، بيد أن هذا الإله مع علوه وسموه وجلاله لم يسلب القوة والإرادة من البشر حتى الأشرار منهم، بل ترك لهم قدراً من الإرادة يكاد يساوي إرادته حتى يكونوا كاملي الحرية في الاختيار.
ورأى زرادشت أنه لكي نفهم الله ونعرفه حق المعرفة يجب أن نتعلم كيف نفهم إخواننا في الإنسانية وفي طريقنا إلى هذا الفهم لابد أن نمر بعدد من علامات الطريق (العدالة – التعاون – الإيمان – السعي وراء الكمال).
وعن المصير الأخروي للروح فنجد صورة للثواب والعقاب، فيذكر زرادشت أنه عندما تنتهي مهمتنا في الحياة فيستدعي كل إنسان ليقدم حسابه عن عمله، وكان لابد لأرواح الموتى بأجمعها أن يجتاز قنطرة ممتدة فوق الجحيم، تجتازها الأرواح الخيرة الطيبة حيث يستقبلهم (أهورامزدا) إله النور وهناك يعيشون حياة كلها سعادة وغبطة في كنف الإله مازدا إلى أبد الدهر.
أي أن الروح الطيبة تلقاها وترحب بها فتاة عذراء ذات قوة وبهاء وهناك تعيش مع أهورامزدا سعيدة منعمة إلى أبد الدهر.
أما الأشرار فإنهم يسقطون في هوة من الظلمة في خارجها يطمعون سماً زعافاً، أما من استوت حسناتهم وسيئاتهم فإنهم يضعون في مكان فسيح بين السماء والأرض يقاسون فيه ألم الحر والبرد ويحسون بجميع التغيرات الجوية ويظلون ينظرون في أمل ورهبة الحكم الأخير على مصيرهم وكان من الطقوس والممارسات الشعائر المتعلقة بالزرادشتيه أنهم كانوا يتخذون النار إلهاً يعبدونه ويسمونه (أنار) وينشئون المذابح المقدسة ويوقدون فيها النيران تكريماً (لأهورامزدا) فضلاً عن أن كل أسرة كانت تجتمع حول موقدها في سبيل أن تظل نار بيتها موقدة لا تنطفئ أبداً( ).
ومن أهم التعاليم الأخلاقية الزرادشتيه ما يلي:
- الحفاظ على ما يسمى بحسن السمعة حتى يمكن أن تفوز بالاحترام.
- أن تتجنب كل الظروف التي تجعلك تتردى في الخطايا.
- أن تعترف علانية بالخطايا التي ارتكبتها، إذ بتخلصك مما هو شر يبقى على عقلك صافياً.
- يجب على الفرد أن يكون ورعاً تقياً مطيعاً لكل من معلمه وكاهنه وأن يكون قدوة للجميع.
- واجب الإنسان عندهم أن يفعل الفضيلة ويقول الصدق والحق.
- عدم الخروج على القوانين التي وضعها إله الخير (أهورامزدا) ليجنب نفسه ومجتمعه سخط إله الشر ومن ثم فهو يعمل على انتصار الخير على الشر.
- إن على الإنسان واجبات ثلاث أن يجعل العدو صديقاً وأن يجعل الخبيث طيباً وأن يجعل الجاهل عالماً.
- الالتزام بالفضائل ولذلك فإن واجب الإنسان أن يتجه إلى عبادة الله بالطهر والتضحية والصلاة ( ).
وقد مارس زرداشت أو زوراستر Zoroaster نشاطه في شمال شرق إيران، ووصلتنا تعاليم زاردشت في سبع عشرة ترنيمة من ترانيم المسماة جاثا Gathas وعلى الرغم من أنه يصعب ترجمتها فإن حماسه وحبه لله وحكمته كانت أموراً مذهلة. إن الله عند زاردشت هو السيد المهين الحكيم، أهورمزدا، خالق السموات والأرض، وهو الأول و الآخر، ومع ذلك فهو أيضاً الصديق الذي دعاه من البداية، ولا يمكن أن تكون لله علاقة بالشر، فروحه المقدسة هي التي تقيم الحياة وتخلق الرجال والنساء. وتعارضه الروح الشريرة أو القوة المدمرة التي تتسم بالنوايا الشريرة، والتكبر والكذب، وعلى البشر أن يختاروا بين هاتين القوتين المتعارضتين أو بين التوأم من الآلهة، فإن سلكوا طريق الشر فسوف تمتلئ حياتهم بالأفكار الشريرة والكلمات الشريرة والأعمال الشريرة وإن سلكوا طريق الحق فسوف يشاركون في العقل الخير، ويبلغون الكمال والخلود والورع.
والله هو الموجود الأعظم والأفضل والأسمى من حيث الفضيلة والاستقامة والخير، والله لا يمكن أن يكون مسئولاً عن الشر، لأن الشر جوهر مثله مثل الخير، وكل منهما يرجع في النهاية إلى سبب أول هو الله، والشيطان أهرمان Ahriman الموجود بصفة مستمرة والمسئول عن كل شرور العالم، وعن الأمراض والموت والغضب. وبما أنهما جوهران متعارضان تعارضاً أساسياً فهما لا محالة يشتبكان في صراع. وهناك صراع بين الله والشيطان، وسوف ينهزم الشيطان في النهاية.
وزاردشت لم يقابل بين الروح والجسد كما فعل القديس بولس، لأن النفس والبدن وحدة واحدة، وإذا ما انسحب المرء من العالم كما يفعل الناسك، فإنه بذلك ينبذ عالم الله. ومن هنا كان الزهد خطيئة كبرى مثله مثل الانغماس في الشهوات( ).
وعلى الرجال واجب ديني يفرض عليهم أن تكون لهم زوجة وأطفال وبذلك يزيدون من أتباع ديانة الخير ومن المؤمنين بالأفعال المقدسة. كذلك حرث الأرض وفلاحها ورعي الماشية، ولما كانت الصحة هبة من الله، فإن على جميع البشر أن يسعوا إليها لكي تصح أجسامهم (فالعقل السليم في الجسم السليم، وهذا بدوره يمكن الإنسان من القيام بالأعمال الصالحة).
وللزرادشتيه أخلاق اجتماعية قوية، وفي مقابل الهندوسية، نجد أخلاقياتها في أساسها إيجابية فعالة، فالعمل هو ملح الحياة. لكن خلق الشخصية لا يعبر عنه فقط فيما يفعل المرء ويقوله، بل بأفكارهما. ولابد للناس أن يقهروا بعقولهم الشكوك والرغبات السيئة، وأن يقهروا الجشع بالرضا، والغضب بالصفاء والسكينة، والحسد بالإحسان والصدقات، والحاجة باليقظة، والنزاع بالسلام والكذب بالصدق( ).

الفكر العبري
إن تاريخ الإسرائيليين القديم يستحيل إثباته من أي مصدر غير (العهد القديم) ومحال علينا أن نعلم عند أي نقطة يبدأ ذلك التاريخ في ألا يكون مجرد أساطير من نسج الخيال، فربما جاز لنا أن نقبل (داود) و(سليمان) على أنهما ملكان لهما وجود فعلي، لكن أول مرحلة نصل إليها بحيث نجد أنفسنا إزاء شيء لا شك في حقيقته التاريخية، نرى عندها أن ثمة مملكتين قد قامتا بالفعل، وهما مملكة إسرائيل، ومملكة يهوذا، فأول شخص مذكور في العهد القديم ممن تؤيد وجودهم وثائق غير العهد القديم نفسه هو أهاب Ahab ملك إسرائيل الذي ذكر في خطاب أشوري عام 853 ق. م فقد انتهى الأمر بالآشوريين إلى غزو المملكة (الشمالية) سنة 722 ق. م، وبعدئذ أصبحت مملكة يهوذا وحدها هي التي تصون الديانة والتقاليد الإسرائيليتين، ذلك أن مملكة يهوذا قد أفلتت من اعتداء الآشوريين بعد أن كادت تقع في نطاقهم، إذ بلغ سلطان الآشوريين ختامه باستيلاء البابليين والميديين على نينوي سنة 606 ق. م. غير أن (بنوخذ نصر) قد استولى سنة 586 ق. م على أورشليم، ودمر المعبد وأبعد جانباً كبيراً من سكانها إلى بابل، ثم سقطت مملكة بابل سنة 538 ق.م حين اغتصب كورش ملك الميديين والفرس بمدينة بابل، وأصدر كورش سنة 537 ق. م مرسوماً يبيح لليهود العودة إلى فلسطين، فعاد الكثيرون منهم تحت قيادة (نخمتا) و(عزرا) وأيد بناء (المعبد) وأخذت العقيدة اليهودية الأصلية تتبلور في نصوص محدودة.
ولقد طرأ على الديانة اليهودية تطور غاية في الأهمية، إبان فترة الأسر، وقبلها إلى حين وبعدها إلى حين فمن الوجهة الدينية، يظهر أنه لم يكن أول الأمر اختلاف كبير بين الإسرائيليين وبين القبائل المحيطة بهم فلم يكن (يهوا) بادئ ذي بدء سوى إله قبلي يقرب إليه أبناء إسرائيل، لكن أحداً لم ينكر أن قد كان ثمة آلهة أخرى، وأن عبادة الناس لهذه الآلهة كانت قائمة، فإذا ما جاءت (الوصية) الأولى تقول (لا ينبغي لك أن تعبد آلهة من دوني) فإنما كانت بذلك تعبر عن حقيقة جديدة بالنسبة للعصر الذي سبق الأسر مباشرة، فإنك لتجد في أقوال الأنبياء السابقين نصوصاً كثيرة تؤيد هذه الحقيقة، فالأنبياء في هذا العصر هم أول من راح يعلم الناس بأن عبادة الآلهة الوثنية خطيئة وأذاعوا في الناس بأن النصر في حروب ذلك الزمان التي لم تنقطع، مرهون برضا (يهوا) ولا يتردد (يهوا) في منح رضاه عن الناس إذا هم كرموا آلهة أخرى سواه، والظاهر أن (إرميا) و(حزقيال) هما اللذان ابتكرا الفكرة القائلة بأن كل العقائد الدينية باطلة إلا واحدة وأن (الله) يعاقب على الوثنية( ).
تروي الأسفار السبعة الأولى في العهد القديم أن العبرانيين انحدروا من إبراهيم زعيم آرامي من عشيرة كان موطنها الأول في أقصى الجنوب من أرض الجزيرة بإقليم (أور).
وينسب العبرانيون إلى تاريخ أبي إبراهيم زعامة القبيلة أثناء هجرتها نحو الشمال وبعد وفاة تارح قاد ابنه إبراهيم جزءاً من هذه القبيلة متنقلاً به في صحراء الشام بين الجنوب والغرب ملتمساً مواطن الكلأ لماشيته حتى وصلوا تخوم مصر، وسمح لهم المصريون بالإقامة، فأقاموا زهاء سنة ثم تابعوا تجوالهم، كعادةالرعاة، فأخذوا يزرعون صحراء الأردن شرقاً وغرباً، وكانت هذه المنطقة تموج بعديد من القبائل السامية مثل الآمونيين والعموريين والأدوميين والخبيرو والأرامين والمؤابين والعماليق، وكانت هذه القبائل في صراع دائم، وقد لجأت قبائل يوسف العبرية إلى مصر وسكنت شرق الدلتا.
وكان يسكن المنطقة الداخلية من فلسطين القبائل الكنعانية، وكانت فلسطين نفسها تسمى (أرض كنعان) أما الساحل فكانت تسكنه قبائل الفلسطين الكريتية التي هاجرت من الجزر الايجية وخاصة كريت نتيجة غزو موجات من الآرين الذين زحفوا جنوباً على هذه الجزر ونهبوا كنوس عاصمة كريت 1400 ق. م ودفعوا أهلها إلى الهجرة بأعداد وفيرة إلى سواحل البحر المتوسط الشرقية والجنوبية حيث فلسطين ومصر وأسسوا مدن غزة وجات وأسدود وعسقلان وعترون.
وتحالفت القبائل العبرية التي كان يقودها إبراهيم مع قبائل الحابيرو الذين استعانوا بالخيانة والغدر لاحتلال فلسطين التي كانت تابعة لمصر في القرن الرابع عشر قبل الميلاد.
وتزعم موسى ثورة من قبائل يوسف في مصر في عهد مرنبتاح بن رمسيس الثاني هرباً مما لاقوه من انتقام رمسيس الثاني نتيجة غدرهم بالمصريين.
وكان موسى قبل ذلك قد وثق صلاته بقبائل البدو بزواجه من ابنة زعيم قبيلة مدين واستطاع بعد هروبة من مصر أن يجمع بعض القبائل البدوية في شعب واحد بعد تجوال طويل في شبه جزيرة سيناء واتخذوا لهذا الشعب إلهاً خاصاً هو (يهوه) استعاره من قبيلة كانت تسكن حول جبل في سيناء. إذ رأى موسى تشابهاً بين معتقداتها والمعتقدات السامية الشائعة، ونشأت اليهودية من الجمع بين اعتبار (يهوه) إلهاً واحداً وبين طقوس العبادة في المعابد التي اقترحها حزقيال ( ).
وقاد موسىجموع شعبه إلى واحة قادش وعبرت قبائل يوسف نهر الأردن بزعامة يشوع، ولكنها لم تصادف نجاحاً تاماً. فاضطرت إلى الدخول في معارك ضارية مع القبائل الأخرى. واتخذت بعض القبائل الكنعانية (يهوه) إلهاً لها وتولى قادتها (القضاة) شئون الحكم فيها، وانضمت إلى القبائل العبرية في حروبها.
وطال الصراع بين العبرانيين وحلفائهم الكنعانيين والفلسطينيين وأدى هذا الصراع إلى أن تستقر بعض القبائل في الشمال مكونة دولة يهوذا، وأن تستقر بعض القبائل في الجنوب مكونة دولة إسرائيل، وتفصل بين المجموعتين قبائل كنعان المستقلة في الداخل والقبائل الفلسطينية على الساحل.









آخر تعديل عزة النفس 2010-10-23 في 16:52.
قديم 2010-10-23, 16:56   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
عزة النفس
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية عزة النفس
 

 

 
إحصائية العضو










New1 الجزء الثالث

ودخل الإسرائيليون في حروب كثيرة ضد الكنعانيين والفلستين وانهزم الإسرائيليون هزائم منكرة فاختاروا شاوول ملكاً عليهم، ولكنه قتل عندما انتصر عليه الفلستين في جلبوع وقدموا دروعه إلى معبد مينوس الفلستيني قرباناً.
وغزا داوود ملك يهوذا أورشليم التي كانت مركزاً لإحدى القبائل وجعلها عاصمة له، ثم حارب المؤابين والأمونيتين والأدومبين وانتصر عليهم ولكن العداء بين يهوذا وإسرائيل كان قوياً. وتبع داود ابنه سليمان (973-933) ق. م الذي تحالف مع فرعون مصر، ومع حيرام ملك صور، وأثرى كثيراً من التجارة ومع ذلك أدخل نظام الضرائب والسخرة، وكان مغرماً بالبناء فأقام المعبد الملكي وسوراً حول أورشليم، وقد بالغ الكتاب الإسرائيليون (في العهد القديم) بالإشادة بعظمة حكمة وثراء الدولة في عهده، ولكن ذلك لا يقاس بعظمة أي ملك مصري أو بابلي.
ولم يتمسك اليهود بإلههم دائماً بل عبدوا (بعل) إله مدينة صور، كما عبدوا (آمون) إله المصريين وحالفوا كل دولة تقوى ضد كل دولة يظنون ضعفها، فكانوا كالمقامرين يكسبون حيناً، ويخسرون في أغلب الأحيان، لذلك تعرضوا لكثير من النكبات، فتآمرت إسرائيل ضد سارجون فاستولى على عاصمتها ساريا ونفى أكثر من سبع وعشرين ألفاً من أهلها. وبذلك قضى على دولة إسرائيل وتحالفت يهوذا مع آشور ضد مصر فاجتاحتها جيوش الفرعون نخاو الثاني في موقعة مجدو (609) ق. م. وانضمت إلى مصر ضد بابل فاجتاحتها جيوش بختنصر الذي أنتصر علىنخاو في موقعة قمريش (605) ق. م وضرب بختنصر أورشليم 586 ق. م وساق غالبية الشعب العبري أسرى إلى بابل ( ).
وهكذا انتهت القرون الأربعة التي عاشتها المملكة العبرانية، وكانت من بدايتها إلى نهايتها مجرد حدث صغير على هامش أحداث تاريخ مصر وسورياً وآشور وفينيقيا، ذلك التاريخ الأكثر سعة وعظماً.
وفي بابل كتب العبرانيون تاريخهم وأدبهم وبكوا طويلاً على ماضيهم وبالغوا في تصوير أمجادهم، ومن ذلك التسجيل نشأت كتب العهد القديم إلا قليلاً مما أثر على موسى في الأسفار الخمسة الأولى.
ولما انتصر قورش الفارسي على بابل 539 ق. م سمح لليهود الذين أزروه بالعودة إلى أورشليم وأعطاهم ما بقي من خزائن بابل من أنيتهم الثمينة التي كان قد نهبها بختنصر عندما دمر أورشليم عن آخرها، وسمح قورش أيضاً بإعادة بناء الهيكل وممارسة عبادتهم.
ولكن اليهود الذين عادوا إلى أورشليم بأمر قورش كانوا شعباً يختلف في الدم والحضارة عن أولئك الأسرى الذين استاقهم بختنصر إلى بابل فإن هؤلاء الأسرى اختلطوا بالشعب البابلي وأخذوا عنهم ثقافتهم وحضارتهم كما دخل كثير من البابليين في الديانة اليهودية، ولذلك لا نعجب كثيراً إذا رأينا كثيراً من الأفكار التي احتواها العهد القديم مقتبسة من الثقافة البابلية مثل قصة الخلق وقصة الطوفان، وآدم وحواء، وقصة حياة موسى.
ولعل ثقافة بني إسرائيل في القرن الثامن كانت في أغلبها بابلية، فإننانجد لشرائعها أو سننها وعاداتها الاجتماعية نظائر في أرض الجزيرة، وليس من المعقول أن بني إسرائيل استعاروا هذه الشرائع والسنن والعادات مباشرة، وإنما الأقرب إلى المنطق في تفسير هذه الحقائق هو أن الكنعانيين هم الذين انتقلت هذه الأشياء بواسطتهم إلى العبريين، إلا أنه يظهر أن الخزف والعمارة وصياغة المعادن عند بني إسرائيل قد تأثرت في فلسطين ومصر.
والثابت تاريخياً أن اليهود قد اقتبسوا كثيراً من ثقافة المصريين حينما نزلوا لديهم مثلما اقتبسوا من ثقافة البابليين. ويقارن المؤرخون بين أقوال أمينوي الحكيم المصري القديم (القرن العاشر قبل الميلاد) وبين آيات سفر الأمثال وسفر الملوك في العهد القديم فيجدون تماثلاً يكاد يكون تاماً كما يجدون تشابهاً بين صلوات إخناتون للإله آتون وبين أقوال أنبياء العهد القديم ( ).
وفيما عدا ذلك نجد العهد القديم ما كتب فيه بعد الأسر حافلاً بكثير مما يعكس نفسية الشعب المضطهد المريض بكراهية الناس وحب نفسه والناقم على كل الشعوب لأنه أحق منها بكل ما لها من خير، لأنه شعب الله المختار، فلعن كاتبوا العهد القديم كل الشعوب التي حاربت العبرانيين وشوهوا تاريخها.
وفي بعض الفقرات نثبتها هنا، لتوضح لنا تعاليمهم، كما نوضح انتشار الشعائر الوثنية التي كانوا يناهضونها: ألست ترى ما يصنعون في مدن يهوذا وفي طرقات أورشليم؟ إن الأطفال يجمعون الحطب، والآباء يشعلون النار، والنساء يعجن العجين ليخبزن الكعك لمملكة السماء (عشتروت) ويصببن الشراب لسائر الآلهة ويحرقون أبنائهم وبناتهم في النار وذلك ما نهيتهم عن فعله، فالله يغضب لمثل هذا.
وفي (أرميا) فقرة غاية في الأهمية، يهاجم يهود مصر لوثنيتهم، فترى النبي ينبئ اليهود اللائذين بمصر أن (يهوا) سيفنيهم جميعاً، لأن زوجاتهم قد حرقن البخور لآلهة أخرى. وعندما لاحظ يهوذا هذه الأفعال الوثنية قال: لقد أقسمت باسمي العظيم أن اسمي لن يجري بعد الآن على لسان رجل من يهوذا، في أرجاء مصر كلها، سأرقب أهل يهوذا لتلحق بهم الشر، لا ليصيبهم الخير، وسيكتب على أهل يهوذا جميعاً، الذي يسكنون أرضي مصر، أن يفنوا بالسيف وبالمجاعة حتى يزولوا فرداً فرداً.
ولو كان (يهوا) قادراً على كل شيء، وإذا كان اليهود (شعبه المختار) لما وجدنا تعليلاً لما كان يعانيه اليهود من عذاب إلا سوء أفعالهم، والموقف النفسي هنا موقف الوالد يرى أبناءه، فاليهود ينالون العقاب لكي يطهروا من آرائهم، وقد فعلت بهم هذه العقيدة فعلها وهم في المنفى، بحيث طوروا في أنفسهم تعصباً أشد عنفاً وأسرف تطرفاً في الروح القومية التي لا تقبل في الشعب دخيلاً.
وكان اليهود يتميزون عن سائر أمم العالم القديم باعتدادهم القومي الذي ذهبوا فيه إلى حد العناد، فكل من عداهم كانوا إذا أصابهم الغزو، يستسلمون باطناً وظاهراً، أما اليهود فهو الشعب الوحيد الذي احتفظ لنفسه بعقيدته في امتيازه على سواه، وبإيمانه بأن ما أصابهم من الكوارث، إنما جاء نتيجة لغضب الله، لأنهم قصروا في صيانة ما لعقيدتهم الدينية ولطقوسهم من صفاء. وأخذت تنمو بين اليهود كل العوامل التي تعمل على تميزهم.
(أنا الله مولاكم الذي فصل بينكم وبين سائر الناس)
(إنكم ستكونون شعباً مقدساً، لأني – أنا مولاكم – مقدس)( ).
وأخذوا يعنون بالختان ليكون علامة تميز اليهودي عن غيره، ويزيدون من عنايتهم بيوم السبت ومبادئهم الخلقية نراها مبسوطة في سفر الجامعة الذي ربما كتب حوالي سنة 200 ق. م وهنا نجد الأخلاق مصطبغة بصبغة دنيوية إلى حد بعيد.
(حسن الأحدوثة بين الجيران له قيمة كبرى)
(الصدق خير سياسة) (التصدق مشكور)
(لا ينبغي أن نبالغ في الرأفة مع العبيد، فالعلف والعصار والأثقال للحمار، وكذلك الخبز والتأديب والعمل للخادم، أشغله في عمل، فذلك ما يصلح له، فإذا لم يكن مطيعاً زده أغلالاً على أغلال. واذكر في الوقت نفس أنك قد دفعت ثمنه وأنه إذا فر هارباً فقد ضاع عليك مالك. وفي هذا الحد للشدة النافعة.
(البنات مصدر قلق نفسي عظيم) و(من المرأة يأتي الخبث).
من الخطأ أن تكون مرحاً مع أبنائك والتصرف الصحيح معهم هو أن تحني رقابهم منذ الصغر.
والتعاليم الخلقية اليهودية قريبة الشبه جداً بتعاليم الأناجيل.
(ليحب كل منكم زميله من قلبه، وإذا أخطأ أحد في حقك فتحدث إليه في رفق، ولا تحمل في نفسك ضغينة، وإذا ندم الخاطئ واعترف بخطئه، فسامحه، أما إذا أنكر وقوع الخطأ منه فلا يأخذنك الغضب منه، حتى لا تنتقل عدوى العاطفة منك إليه فيأخذ في السباب وعندئذ يصبح خطؤه ضعفين. وإذا لم يكن ذا حياء، ومضى في اقترافه الخطأ فسامحه من قلبك، واترك الانتقام لله.
أحب ربك وجارك.
أحبوا ربكم طوال حياتكم، وأحبوا بعضكم بعضاً من قلوبكم.
أحب ربي كما أحب كل إنسان بكل قلبي.
الغضب أعمى، ولا يسمح لإنسان أن يرى وجه إنسان آخر رؤية الحق.
الكراهية إذن شر، لأنها دائماً تقترن بالكذب( ).


الفكر الاجتماعي في الصـــــيـن
تقف الصين وحدها وسط حضارات العالم العظيمة فقد تطورت في عزلة تامة، تقريباً، عن بقية الحضارات، ولهذا كانت إنجازاتها فريدة. وهذه الخاصية الفريدة جعلتها في آن معاً ممتعة لمن يشاهدها، محيرة لمن يحاول فهمها، أجل فقد تطورت الصين بنفسها وساعدتها على ذلك عزلتها الجغرافية عند النهاية الشرقية القصوى (في الطرف الشرقي الأقصى) من العالم الأوروبي الأسيوي القديم، تحيط بها جبال وصحراء ولا تمر بها أية طرق للتجارة.
كان الشعب الصيني في تراثه التقليدي يعتبر نفسه مركزاً للكون. وكلمه شنج – كيو Chun-Kuo وهي الاسم الصيني للصين. تعني حرفياً (مملكة الوسط) فقد عد الصينيون أنفسهم، على نحو ما فعل الإغريق، جزيرة من الثقافة وسط بحر من التوحش والهمجية.
ويبدأ التاريخ المسجل للصين بأسره شانج Shang التي استمر حكمها من القرن السادس عشر حتى القرن الحادي عشر قبل الميلاد، وكانت سجلاتها تتألف من مجموعة من العظام نقشت عليها نبؤات، وتم اكتشافها قرب نهاية القرن التاسع عشر، حيث أصبحت منذ ذلك الحين المصدر الرئيسي لتاريخ أسرة (شانج) كانت هذه العظام إجابات عن أسئلة قدمت إلى العرافين، وكانت الأسئلة تحفر على عظام الحيوانات والقواقع والأصداف، وتوجه إلى الأرواح طلباً للهداية والإرشاد. وبعد أن يحفر السؤال يقوم العراف بتسليط النار على ثقوب يحدثها في العظم ثم يؤول ما ينتج عن الحرارة من تصدعات بأن الأرواح تجيب ببشائر خيراً ونذير شؤم( ).
ونحن نحصل من طبيعة الأسئلة المطروحة على صورة لمجتمع ينظمه، في كل جانب تقريباً، من جوانب الحياة اليومية – التنبؤ بالغيب، وتحكمه اعتبارات الحظ الحسن أو الفأل السيء، أما (القوى) التي يستشيرونها في عملية التنبؤ بالغيب فهي أرواح الموتى من الملوك أو تي Ti وكذلك أرواح الأسلاف. ونحن نعرف أن هناك عنصراً جنسياً في هذه العبادة، وذلك من الآثار الباقية من أشكال الخطوط التي لا يزال من الممكن تمييزها. ولكننا نعرف أيضاً من الأسئلة التي تطرح حول آداب تقديم القرابين وتأدية الطقوس، أن آلهة التلال والأنهار وغيرها من آلهة الطبيعة والأرواح الحارسة كانت تعبد إلى جانب أرواح الموتى، ولم يكن الموتى وحدهم هم الذين يسألون عن الهداية والإرشاد في مسائل السلوك، بل كان يتوسل إلى قوتهم الداخلية (مانا) Mana حتى تكفل خصوبة الرجال والنساء والمحاصيل والحيوانات.
ولم تكن الأرواحية أو الأنيمزم Animism (عبادة آلهة الطبيعة) وطقوس الخصوبة وعبادتها – ولاسيما عبادة الأسلاف – مجرد مظاهر لأقدم الممارسات الدينية الصينية التي حفظها التاريخ فحسب، وإنما هي تتكرر في صور منوعة ومختلفة في (الديانة الشعبية) للعصور التالية ( ).
الملك ابن السماء: كان ملوك الصين ملوكاً وكهنة في آن واحد، وتعتمد سيادة الملك على أن السماء هي التي قلدته منصبه، وعندما ثار (ون Wen) على أسرة شانج تولى ابنه الملك (وو Wu) 1027 – 1025 ق. م العرش وأسس أسرة تشو. وحكمت هذه الأسرة على نحو ما تؤكد وثائق عهدها، معتقدة أن رسالتها قد قضت بها السماء، فالسماء هي التي أزاحت أسرة شانج وأنهت تفويضهم بالحكم، وهي التي كلفت أسرة تشو الملكية بتولي هذا المنصب الذي هو (تفويض من السماء).
وتعتقد أسرة (تشو) أن الإله الأعلى هو السلف الأعظم (شانج – تي Chang – Ti) وهو لفظ مرادف لـ تين Tien (أي السماء) وتمسك السماء – أو هكذا كان الاعتقاد السائد – بيدها الكون بأسره، وتقضي بتعاقب الفصول في مواقيتها وتأمر بدورة الموت والتجدد، وتكفل خصوبة الرجال والنساء والحيوانات والمحاصيل. غير أن السماء تمنح مسئولية تنظيم الكون لوصيتها على الأرض وهو (ابن السماء تين تزو Tien – Tzu ولقد وقع الاختيار على أسرة تشو للقيام بهذا الدور كما تزعم. (وتنظيم الكون) مسألة لابد أن تكون مقبولة عند السماء (بي Pei) عن طريق الطقوس والشعائر ومن خلال تأدية هذه الطقوس التي تستحدث وقائع النظام الطبيعي وتسلسله في الكون ووسط الجنس البشري.
وكانت الوظائف الكهونية للملوك تعتمد على تقديم القرابين للملوك الأموات وإلى شانج – تي Shang Ti الأكثر بعدا، ومن ثم الأكثر قوة من بينهم. كما تعتمد على تقديم تقرير لله عن مسار الأحداث الدنيوية، والانخراط في طقوس إيمانية مثل حرث الأرض، وبذر البذور.
ولقد كانت عبارة (مقبول من السماء) عن طريق الشعائر (باي Pei) هي رخصة الملك إلى السيادة وهي التي تزوده بالنفوذ السياسي القوي الذي يلزم رعاياه بالولاء له، ويساعد الملك في التأدية الصحيحة لواجبات الكهنة.
ويشهد على طبيعة الملك شبه الإلهية اختيار السماء له على أنه ابنها، مما يعطي للملك سلطة سياسية على رعاياه الذين يكلفون بدورهم (بالمناصب) عن طريقه. وكما أن الملك يحكم بفضل (تفويض) السماء له فكذلك بفعل أمراء الإقطاع في مملكته، إذ تكون لهم سيادة محلية تحت إشراف الملك( ).
الخصائص الأساسية للفكر الصيني:
تقوم الحضارة والثقافة الصينيتان على أساس فلسفي تشكله في المقام الأول مبادئ الكونفوشسية والتاوية والكونفوشسية الجديدة. وقد قامت هذه الفلسفات الثلاث بتشكيل حياة الشعب ومؤسساته، وكانت مصدر إلهام لها عبر ما يزيد على خمسة وعشرين قرناً من الزمان، وكانت الفلسفة الصينية التي أكدت على أهمية المحافظة على الحياة الإنسانية العظيمة ورعايتها مرتبطة أوثق الارتباط بالسياسة والأخلاق، واضطلعت بمعظم وظائف الدين.
ولم يكن الهدف الرئيسي للفلسفة الصينية هو في المقام الأول فهم العالم وإنما جعل الناس عظماء وعلى الرغم من أن الفلسفات الصينية المختلفة يشكل هذا الهدف قاسماً مشتركاً بينها، فإنها تختلف إلى حد كبير نتيجة الاستبصارات المختلفة عن مصدر العظمة الإنسانية. ففي التاوية ينصب التأكيد على اكتساب العظمة بالتوحد مع المنهج الداخلي للكون، ومن ناحية أخرى انصب التركيز في الكونفوشسية على تطوير الإنسانية من خلال النزوع الإنساني للقلب والفضائل الاجتماعية، وتجمع الكونفوشسية الجديدة التي استمدت إلهامها إلى حد ما من البوذية الصينية بين هذين الاتجاهين.
ولكون المرء عظيماً وجهان، في الفكر الصيني، فهو في المقام الأول يتضمن (عظمة داخلية) هي شموخ الروح منعكساً في سلام الفرد ورضائه بكماله. وهو يتضمن ثانيا (عظمة خارجية) تظهر في القدرة على العيش بصورة جيدة على الصعيد العملي، مع الشعور بالعزة في السياق الاجتماعي الذي يوجد فيه المرء في حياته اليومية المألوفة. وهذا المثل الأعلى يسمى (بالحكمة في الداخل والنبل في الخارج) وتعد هذه العظمة المزدوجة شيئاً أساسياً بالنسبة لكل من الكونفوشسية والتاويه.
وقد كانت العظمة الداخلية وإظهار هذه العظمة خارجياً إلى جعل الفلسفة الصينية شاملة لكل جوانب النشاط الإنساني، فالفلسفة ليست منفصلة عن الحياة، والممارسة لا يمكن أن تنفصل عن النظرية والاهتمام بالناس يأتي أولاً، فالعالم الإنساني له الصدارة، أما عالم الأشياء فيحتل مرتبة ثانوية.
وقد أدى ذلك إلى التأكيد على الأخلاق والحياة الروحية، فالروح وليس الجسد، هي الجانب الأهم في الوجود البشري وهذه الروح لابد من تغذيتها ورعايتها، لكي تتطور بحسب قدراتها، والهدف هو الوصول إلى مستوى اسمي للوجود الإنساني.
وقد أدى وضع العظمة الإنسانية موضع الممارسة إلى التأكيد على الفضائل العائلية وخاصة على مفهوم حب الأبناء للآباء، الذي يشكل حجر الزاوية في الأخلاق الصينية، فالبيئة المباشرة المحيطة بالصغار في المجتمع المتحضر هي بناء اجتماعي تشكله العائلة، وهنا يجري تشكيل وصياغة شخصية الطفل الأخلاقية والروحية، وهنا يتم إقرار بدايات العظمة، ومن خلال حب واحترام عظيمين في داخل العائلة يمكن غرس العظمة في الأفراد( ).
كونفوشيوس: ولد كونفوشيوس عام 551 ق. م في مملكة (لو) Lu والتي تعرف الآن بولاية شان تونج Shan – tung فتوفر كونفوشيوس على دراسة الأدب الصيني وألم بثقافات ومعارف عصره إلماماً كبيراً وعرف بفصاحته.
كان كونفوشيوس رزيناً منذ نعومة أظفاره، مثالاً لرفعة النفس وسمو الأخلاق إذ كان يستنكر دسائس الساسة ومؤمرات رجال الدولة وتقلد وظائف هامة وهو في العشرين من عمره، مثل كبير القضاة ووكيل وزارة الأشغال العامة وانتهى به المطاف إلى أن أصبح وزيرًا للعدل.
وكان متواضعاً ولم يكن لديه نزعة التمييز العنصري ويبدو ذلك واضحاً في قبوله لتلاميذه من أحط الطبقات، يقول: (في مجال التربية يجب ألا تكون هناك تفرقة طبقية).
وقدم كونفوشيوس فلسفة إنسانية اجتماعية استمدت مادتها من الأخلاق وكانت تدور حول البشر ومجتمعهم وقد ناقش أهم المبادئ وهي:
• جين Jen: ومعناها الود أو العطف أو الشفقة، صفة أخلاقية أساسية في الكونفوشية لابد من توافرها في الحكم الصالح. يرى كونفوشيوس أن الجين أو ما يعرف بطيبة القلب الإنسانية، أمر متعلق بالشعور والتفكير معاً وأنه أساس العلاقات الإنسانية كافة، وهنا نلحظ مدى اهتمام الفكر الصيني وتركيزه على القلب وليس على العقل.
• لي Li: وتعني قواعد اللياقة أو آداب المجتمع التي تحكم العادات والتقاليد التي تم الاعتراف بها من خلال ممارسة الناس لها عبر العصور.
• هسياو Hsiao: وتعني فضيلة توقير العائلة واحترامها وهذه الفضيلة التي تنشأ في العائلة تؤثر في الأفعال خارج المحيط العائلي وتصبح فضيلة أخلاقية واجتماعية. إن حب الأطفال لوالديهم ولإخوانهم يولد حب الإنسانية جمعاءً.
• يي Yi: وتترجم بمعنى الاستقامة، فالرجل الأسمى أو النبيل ينظر إلى الاستقامة باعتبارها جوهر كل شيء وهو يلتزم بها بحسب مبدأ آداب المجتمع Li ويبرزها في تواضع ويمضي بها إلى نهايتها في إخلاص ( ).
رأى كونفوشيوس أنه لا سبيل للقضاء على هذه الفوضى الأخلاقية إلا بالبحث عن تجديد أخلاقي قائم على تنظيم حياة الأسرة على أساس صالح قويم لأن أساس المجتمع هو الفرد المنظم داخل الأسرة المنظمة، فإذا أحسن الفرد حكم نفسه، استقر النظام في الأسرة وبذلك تصلح الدولة ويسهل حكمها ويرى أن الأسرة عاجزة عن تهيئة النظام الاجتماعي الطبيعي لأن الناس ليس بإمكانهم تنظيم أسرهم دون أن يقوموا أنفسهم ويعجزون عن تقويم أنفسهم لأنهم لم يطهروا قلوبهم أي نفوسهم من الشهوات والملذات، وقلوبهم غير طاهرة لأنهم غير مخلصين في تفكيرهم، ولا يخلصون لأن أهواءهم تشوه الحقائق وتحدد لهم النتائج.
وعلى ذلك ينصح كونفوشيوس بضرورة تقويم النفس وإصلاح العقل وبالتزود من المعارف الإنسانية بالقدر الذي يكفل القضاء على بواعث الشهوة الفاسدة الدنيئة.
ووضع كونفوشيوس قواعد الأسرة على أسس فلسفية ورأى أن طريق الفضيلة يبدأ بالأسرة إذ عندما تسود الألفة بين الزوجة والأولاد والزوج، فما أشبه المنزل بربابة وعود قد تآلفت أنغامها وعندما يعيش الأخوة في تآلف وسلام فحينئذ يظل إلى الأبد في وحدة وانسجام ويقول أيضاً: عامل أفراد أسرتك معاملة فاضلة، تستطيع بعد ذلك أن تعلم وتقود أمة بأكملها.
ويرى كونفوشيوس أن القانون الأخلاقي يقوم على أساس فكرة الوسط العدل أو الذهبي، فالاعتدال أصل أساسي في النفس، فالفرد الذي يتصرف أخلاقياً هو الذي يستطيع تحديد القانون الأخلاقي بالضبط، فلا يتعالى عليه أو يغالي في تصرفاته من جهة ومن جهة أخرى لا يصل في تخلقه إلى أقل من مستوى هذا القانون.
ويرى كونفوشيوس أن الحروب التي تهدد العالم إنما مردها إلى فساد الحكم، ويرجع هذا الأخير إلى أن القوانين الوضعية مهما بلغت من الدقة والرقي لا تستطيع أن تحل محل النظام الاجتماعي الطبيعي الذي تفرضه الحياة الأسرية المنتظمة. فإن كانت الأسرة فاسدة مختلة النظام فلا يمكنها أن تهيئ النظام الاجتماعي المنشود.
ودعا كونفوشيوس إلى توزيع الثروة والعناية بالعجزة والمسنين والأرامل، وناشد الحكام بالجد والاقتصاد من مظاهر البذخ والترف ( ).
وبالنظر إلى مظاهر الفوضى الضاربة في مختلف أوجه الحياة الصينية، فقد بدا هم كونفوشيوس الأساسي متمثلاً في كيفية تهذيب النفس الإنسانية وتربية العقل البشري وتنميته من ناحية، ومن الناحية الثانية كيفية العثور على أمير أو حاكم يستطيع أن يعيد الأمور إلى نصابها، وأن يحيل أفكاره في التربية والتشريع إلى قواعد وقوانين منظمة تصلح من أحوال الدولة وتحفظ عليها هيبتها.
وقد أوضح كونفوشيوس أنه لا توجد أية مقاييس أو معايير عقلية نهائية أو مبادئ أخلاقية يمكن القول بأن العقل قد اكتشفها أو أنه توصل إليها قائمة بعيدة عن المجتمع، ومن هذا الإدراك فقد استطاع أن يستخلص إحدى النتائج الرئيسية تلك أن أسمى الأخلاقيات جميعاً هو الواجب الاجتماعي Social duty وأن النظام الوحيد في الكون الذي يمكن أن يشارك بفاعلية في إثرائه وتطويره هو النظام الاجتماعي Social order.
وقد كان هم كونفوشيوس هو كيف يصبح الناس نبلاء فاضلين ليحققوا بذلك العالم الفاضل والسلوك الفاضل يتضمن العديد من الخصائص في مقدمتها الوضوح والصدق والصراحة والغيرية وربما قبل كل هذا حب الآخرين.
والدين بالنسبة لكونفوشيوس هو مجموعة من السلوك الخلقي القويم الذي يتمثل في مواساة اليتيم والبر بالفقراء والمعوزين وحفظ اللسان عن الزلل، وكف اليد عن الاعتداء على الغير، وانتهى إلى مبدأه الأخلاقي الشهير (لا تعامل الناس بما لا تحب أن يعاملوك به). وفي ضوء هذا المبدأ سعى إلى تهذيب السلوك وتنميته، وهذا لا يتم إلا عن طريق التهذيب والتربية ( ).
ويهتم كونفوشيوس في حديثه عن الخير، وتهذيب القوة التي تولده وأداء الإيماءات والإشارات المناسبة التي هي علامته الخارجية – يهتم بالأخلاق الشخصية والأخلاق الاجتماعية لأن هذا هو الطريق إلى الإنسان المهذب الحقيقي، أو المثل الأعلى عند كونفوشيوس، وتلك هي إضافة كونفوشيوس نفسه المتميزة للديانة القديمة إذ أضفى على الدين مضموناً أخلاقياً.
ويبدو أن كونفوشيوس أثناء انشغاله بالسلوك الشخصي، وبالواجب الشخصي قد أوحى بأنه لا يهتم إلا قليلاً بعالم الأرواح وعالم ما فوق الطبيعة، لم يتحدث عن مشيئة السماء أو عن معجزات الطبيعة، ولم يتحدث عن الأرواح، وقد أكد كونفوشيوس أن خدمة الإله تصبح لا معنى لها إذا أهملت خدمة الناس، ومن هنا انصب اهتمامه الأساسي على مشكلات الإنسان الأخلاقية والاجتماعية وفي علاقته برفاقه من البشر وذلك هو جوهر تعاليمه.
ولاء الأبناء: الولاء البنوي هو أحد تعاليم كونفوشيوس، وهو باللغة الصينية هسياو Hsiao التي تعني أصلاً الولاء للآباء الموتى وللأسلاف، والواجبات التي ينبغي أن تؤدي لهم كتقديم القرابين والطعام. أما بالنسبة لكونفوشيوس الذي كان يشدد على تأدية الواجب للأحياء، فقد أصبح الولاء البنوي يعني خدمة (الوالدين أثناء حياتهما) ومن ثم اكتملت العلاقات الخمس لتعاليم كونفوشيوس وهي علاقة الأمير بالرعية، وعلاقة الابن بأبيه، والأخ الأكبر بأخيه الأصغر، وعلاقة الزوج بزوجته، وعلاقة الصديق بصديقه. واحترام الابن لأبيه عند معظم الصينيين ينطوي في التطبيق العملي، على مواقف احترام الصغير للكبير، والحب والمودة المتبادلين من جانب الكبير للصغير، فكلاهما جزء من السلوك اليومي بين الأحياء، ومن الالتزام الديني في مراسم العبادة بعد الموت ( ).
أي أن فلسفة كونفوشيوس فلسفة إنسانية اجتماعية تدور حول البشر ومجتمعهم، وليس حول الطبيعة أو معرفة الطبيعة. ويقول كونفوشيوس أن ما يجعل البشر إنسانيين على نحو فريد هو الجين Jen أو طيبة القلب والتعبير الإنجليزي Human Heartedness . أي أن حب البشر وقدرتنا على الحب تشكل جوهر إنسانيتنا.
ويرى أنه لابد من تطوير محبة البشر ومد نطاقها إلى الآخرين حتى يتحقق قاعدة كونفوشيوس الذهبية الشهيرة (عامل الآخرين بما تحب أن يعاملوك به) أو (لا تفعل بالآخرين ما لا تريد أن يفعلوه بك)، وتتحقق إنسانية الإنسان من خلال الإيثار وقهر الأنانية.
ويؤكد كونفوشيوس على ضرورة احترام آداب المجتمع (لي Li) التي تحكم العادات والعلاقات التي تم الاعتراف بها من خلال ممارسة الناس لها عبر العصور.
ويشير كونفوشيوس إلى ضرورة مراعاة القواعد والأعراف والأخلاق السائدة ومراعاة آداب المجتمع والممارسات الاجتماعية والعلاقات الاجتماعية من جانب كل طرف تجاه الآخر، الحب في حالة الآباء، الولاء البنوي في حالة الأبناء، الاحترام في حالة الأخوة الأصغر، الصداقة في حالة الأخوة الأكبر، الولاء بين الأصدقاء، الاحترام للسلطة بين الرعايا، النزوع إلى الخير في حالة الحكام. أن الانضباط الأخلاقي في السلوك الشخصي، والآداب العامة في كل شيء.
وقد شدد كونفوشيوس على فضيلة الاستقامة (يي Yi) والتي تترجم Righteousness والتي هي جوهر كل شيء وهو يلتزم بها بحسب مبدأ آداب المجتمع (لي Li) ويبرزها في تواضع ويمض بها إلى نهايتها في إخلاص.
والاستقامة تدلنا على الطريق الصحيح للتصرف في مواقف محددة، والقدرة على إدراك ما هو صحيح وتعمل كنوع من الحس أو الحدس الأخلاقي ( ).
واهتم كونفوشيوس بالأسرة حيث إنها تشكل البيئة الاجتماعية المباشرة للطفل، ففي العائلة يتعلم الطفل احترام الآخرين وحبهم، حيث يأتي الآباء أولاً، فالأخوة والأخوات، والأقارب، ثم باتساع النطاق التدريجي، الإنسانية كافة.
فالولاء البنوي أو هيساو Hsiao هو فضيلة توقير العائلة واحترامها، فأولاً وقبل كل شيء يتم توقير الأبوين، لأن الحياة نفسها مسئولة عنهما، والتوقير ينبغي إظهاره للأبوين من خلال حسن السلوك في الحياة؛ وجعل إسهامهما معروفاً ومبجلاً، وإذا لم يكن بمقدور المرء أن يشرف اسم أبويه فعليه ألا يجلب لهما الخزي والعار على الأقل.
كما تمتاز تعاليم كونفوشيوس بأنها تستبعد الموضوعات المتصلة بتمجيد البطولة الجسمانية والمعجزات والخوارق الطبيعية، وكان كونفوشيوس نفسه شديد العطف على الكائنات الحية، ومما يروى عنه أنه لم يرتدي الملابس الحريرية لأنه لم يكن يستبيح لنفسه أن يقتل دودة القز ليستولى على نسيجها الخاص ليصنع منه ملابس لنفسه، وكان يفخر بأنه لم يستعمل الشبكة قط لصيد السمك، أو أنه لم يرم طائراً بسهم، وكان مبدؤه السلوكي أن الإنسان عليه أن يرد على الإحسان بالإحسان، وكذلك دعا كونفوشيوس إلى أن يقوم كل مواطن بواجبه حيال الدولة على الوجه الأكمل وأن يكون رائد كل فرد العدل والاستقامة ( ).
وقد أكد كونفوشيوس ضرورة ارتكاز المعرفة على الفضيلة، بل إن الفضيلة والعلم في نظره صنوان، فليس هناك أفضل من أن يداوم الإنسان على طلب التعلم ويثابر عليه أن الرجل المتعلم يكون متفوقاً بالطبع، والرجل المتفوق لا يعرف القلق أو الخوف، ثم إنه يوصي من وفق في تحصيل العلم أن يقوموا بتعليم غيرهم، فعلى المتعلم ضريبة تعليم من حالت ظروفه الاجتماعية دون ذلك.
وأشار كونفوشيوس إلى الشروط التي يجب توافرها في الحاكم الصالح ومنها أن يلتزم فضيلة الاعتدال والتوسط فيكون جواداً في غير إسراف؛ جاداً في طلب ما يرغب دون جشع، وأن يكون مهيباً دون عنف أو شراسة. وأن يؤيد القضايا والمبادئ السامية دون كبرياء أو غرور. وأن يكل تصريف الأمور إلى الشعب دون تذمر، وبذلك يمكننا أن نقر أن تفكير كونفوشيوس انطوى على المبدأ السياسي الهام، ألا وهو سيادة الشعب في نظره يجب أن يكون المصدر الحقيقي للسلطة السياسية، وندد بالحكام الذين يغفلون هذا المبدأ، بل إنه برر عن طريق تحمسه لهذه القاعدة السياسية الكبرى، الثورات التي زخر بها التاريخ القديم للصين ضد بعض الأباطرة الظالمين.
ويبدو أن كونفوشيوس لم يتحرر مع ذلك من الآراء الثيوقراطية إذ أنه كان يرى أن الحاكم إنما يستمد سلطته المطلقة من الآلهة، فيجب أن يعمل وفق مشيئتها، غير أن الحكم ليس حكماً مطلقاً لأن الآلهة إنما يمنحون سلطة الحكم لمن يرضى الشعب عن ولايته له، ولا يعطي الشعب ولايته إلا لحاكم عالم عادل، وإلا سقطت ولايته وجاز عزله ( ).
التاوية:
التاوية من المدارس الفلسفية المعارضة للكونفوشيسية رأسها لاو- تسي أو المعلم العجوز حيث أن (لاو) تعني العجوز و(تسي) (المعلم) وولد لاو- تسي حوالي عام 604 ق. م وتشير كلمة (تاو) إلى الدرب أو الطريق وهي تعني في التاوية المصدر أو المبدأ الذي يعمل على أساسه كل ما هو موجود وكلمة (تاو) عرقت بمعاني متعددة منها (الصراة السوى)، (واجب الإنسان) أو (الفضيلة العليا) أو (الغاية المثلى) والتاوية (الطاوية) هي فلسفات دعاة السكينة والطمأنينة، وانصب اهتمام هذه الفلسفات على (العالم الآخر) وسعت إلى إدراك الذات وتهذيب النفس من خلال تمرينات (اليوجا) للوصول إلى أقصى درجات العلو. وهم يرون في العلو تلك الواحدية الثابتة التي تكمن خلف عالم التغير وتعطي في نفس الوقت كلاً من









قديم 2010-10-23, 17:07   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
عزة النفس
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية عزة النفس
 

 

 
إحصائية العضو










New1 الجزء الرابع

قوة الدفع وحركة الحياة، وهذه الواحدية التي يسمونها تاو Tao.
وكانت أفكار هؤلاء التاويين هي التي أوحت في النهاية بالديانة التاوية وذلك جانب من الحياة الدينية الصينية يمكن أن نقول عنه إنه جانب صوفي.
لقد الهمت الكونفوشوسية ديانة الأخلاق والسلوك الاجتماعي، وكانت لها جذور في ديانة القدماء الأرستقراطية. أما التاوية فقد ألهمت ديانة التصوف، وأصولها أقرب إلى الديانة الشعبية عند القدماء ( ).
فقد دعا (لاوتسو) الذي ولد في أواخر القرن السادس قبل الميلاد، إلى حياة بسيطة ومتناسقة حينما يتم التخلي فيها عن دافع الربح، وتنحية الحذق جانباً، والتخلص من الأنانية، وتقليل الرغبات.
وقد ذهب يانج تشو Yang Chua حوالي 440 – 366 ق. م إلى القول بأنه لا يعطي شعرة واحدة لقاء أرباح العالم بأسره، وقد ذهب إلى أنه مادام الطمع وحب اكتساب المال يشكلان دوافع الأفعال الإنسانية، فليس هناك أمل في تحقيق السلام والرضا، وبناء على هذا فقد دعا إلى المبدأ القائل بأنه لا ينبغي القيام إلا بتلك الأفعال التي تتسق مع الطبيعة ( ).
وتنشد التاوية خلافاً للكونفوشوسية، مبادئها وقواعدها الخاصة بالحياة الإنسانية في الطبيعة لا في الإنسان، ومن هنا فإن هذه الفلسفة تؤكد على الأسس الميتافيزيقية للطبيعة بدلاً من التشديد على المجتمع الإنساني.
وبينما شددت الكونفوشسية على خير البشر الأخلاقي باعتباره مفتاحاً للسعادة، أكد التاويون على تناسق الطبيعة وكمالها. وقوام الموقف التاوي هو أن حيل البشر وأفاعليهم تفضي إلى الشر والتعاسة.
ويرى لاوتسو Lao Tzu أن الحياة المثالية هي الحياة البسيطة التي يتم فيها تجاهل الربح والتخلي عن الحذق والتقليل من الأنانية إلى حدها الأدنى، وكبح جماح الرغبات، ويمكن تلخيص تعاليم لاوتسو للحفاظ على الحياة الإنسانية ورفع مستواها فيما يلي:
- يتحرك الناس بصفة عامة لتحقيق رغباتهم.
- ينتج عن محاولات الأفراد العديدة لإشباع رغباتهم حدوث التنافس والصراع.
- لإقرار السلام والتناسق بين الأفراد الذين يكافحون لإشباع رغباتهم يتم التوصل إلى معايير للاستقامة والأخلاق الإنسانية.
- من الواضح أن وضع المعايير الأخلاقية لا يحل المشكلات، ذلك أن التنافس والصراع يبقيان على حالهما، والقواعد تنتهك، ويتم إقرار قواعد جديدة لحماية القواعد القديمة، ولكن القواعد القديمة والجديدة تنتهك وتظل الرغبات دونما إشباع بينما يتدعم الشر واقتراف الخطأ.
- بما أن التوصل إلى معايير أخلاقية لا يحل المشكلة، فإن الحل يكمن في التخلي عن هذه المعايير
- لا يمكن التخلي عن الأفعال الصادرة من الرغبات إلا عندما يتبنى الناس (الطريق السهل) للفعل.
- الطريق السهل في الفعل يفترض مقدماً التناغم مع الكون والتصرف وفقاً للنظام الكوني الشامل.
- ينبغي أن يكون تنظيم المجتمع وحكم الناس وفقاً للطريق الطبيعي السهل، كما ينبغي أن يدعم الطريق الطبيعي في نفوس الناس.
- ويشير شوانج تسو Chuang Tzu 369 – 286 ق. م إلى أن السعادة الحقيقية تعتمد على تجاوز عالم التجربة العادية ومعرفة ذات المرء وتوحيدها مع لا تناهي الكون ( ).
وتقوم التاوية Taoism على مبدأين الأول (Tao) ومعناه القانون السماوي الأعظم، وهو أصل الحياة والنشاط والحركة لجميع الموجودات في السماء والأرض، ولكنه ليس متعالياً على الموجودات، بل هو فيها نفسها. والمبدأ الثاني (Te) ومعناها الاستقبال أي أن الأشياء تستقبل حياتها ونشاطتها وشكلها ولونها بفضل (التاو)، وعلى هذا النحو يمكن فهم التاويه على أنها قريبة الشبه بمذهب وحدة الوجود Pantheism الذي يوحد بين الخالق والمخلوق من جهة، وأيضاً قريبة الشبه من مذهب الحلول الذي يذهب إلى أن الخالق حال في كل الموجودات.
وقد استخدم لاو – تسي الطاو بمعنى المطلق The absolute فهي مادة أساسية تصنع منها كل الأشياء.
ويرى لاو تسو أن (التاو) هو المبدأ الذي يعمل على أساسه كل موجود، والحقيقة أو المعرفة عند التاويين لا يمكن الوصول إليها بالعقل أو المنطق، ولا بالمعرفة التحليلية بل بالكشف الصوفي أو بالاستشراق، فالمعرفة لا تحصل بالعلم والاستدلال وإنما هي إلهام وكشف، فهي معرفة صوفية.
وبينما دعت الكونفوشية إلى العمل والاجتهاد اتخذت الطاوية موقفاً سلبياً فلم تشجع على العمل واقتصرت على التأمل والتجربة الصوفية ( ).
وبينما اعترفت الكونفوشية بنظام الطبقات ووجدت في هذا النظام أساساً هاماً للاجتماع، رفضت التاوية الاعتراف بالنظام الطبقي، فالجميع في نظرهم متساوون لأن السماء لا تفرق بين شخص وآخر.
وقد رفض لاو تسي التمايز الاجتماعي ولذلك نصح الحكام بالامتناع عن ألقاب الشرف التي تميز بعض الناس وتلحق أبلغ الأضرار بالمجتمع.
ويرى لاو – تسي أن الحاكم ينكر ذاته في علاقته بالشعب، يقول (على الحاكم أن يتواضع أمام رعاياه، ومن يتصدى لقيادة شعب فمكانه آخر الصفوف)( ).
منشيوس 371-289 ق. م
ولد منشيوس بعد وفاة كونفوشيوس بقرن، وقد ولد عام 390 ق. م، وتوفي عام 305 ق. م. وكان مثل كونفوشيوس سليل طبقة أرستقراطية.
وقد جمع أتباعه أقواله وتعاليمه في كتاب بعنوان (أعمال) وهو يسير على غرار كتاب (المختارات) لكونفوشيوس، فهو يحتوي على أقوال للمعلم على شكل جمل وفقرات وحكايات توضيحية وحكم وأمثال سائرة وما شابه ذلك.
اهتم منشيوس بالعدالة، الاهتمام بالناس العاديين أو الشعب في مقابل الأرستقراطية واهتم بضمان وصول الشعب إلى حقوقه، وهذا هو واجب الأمير، ثم إن السماء هي حارسة الشعب، وهي تبدي استياءها و غضبها عندما يعاني الناس.
ولقد كان لدى منشيوس الشيء الكثير ليقوله عن الاقتصاد، وعنده أن حلقة الاتصال بين الاقتصاد والأخلاق حلقة محكمة: فالذهن الثابت بلا معيشة ثابتة أمر مستحيل، وهكذا يصبح هدف الحكومة هو توفير ضرورات الحياة بكميات كافية).
والرجل المهذب عند منشيوس (هو الذي يكون مهذباً بحق) فلا يكفي أن يكون قادراً على تحقيق الخير، بل يجب أن يكافح لتحقيقها بالفعل. والأمير الذي تتحقق فيه هذه الصفات هو الذي يحقق أهداف الحكم الملكي الصحيح، وهي رفاهية الدولة.
ورأى أن الحكم ينبغي أن يعتمد على المصداقية وليس القوة البدنية أو الإكراه أو القوة، أي الحكم عن طريق فضيلة علياً بدلاً من الحكم عن طريق القوة.
أما التزامات الطاعة والولاء البنوي فهو يلقي تأييداً خاصاً عند منشيوس، وإذا كانت إحدى الفلسفات المعارضة تذهب إلى (أن الناس ينبغي أن يحبوا بعضهم بعضاً على قدم المساواة، فإن منشيوس يرى تعارضاً بين (الواجب الأسري الخاص) وتدرج العواطف بأولياتها من حيث كبر السن، والتماسك الاجتماعي الذي يكفل ذلك، وبين (حب البشرية بأسرها) وهو الحب الذي رأى أنه يدير التنظيم الاجتماعي للأسرة والدولة ( ).
كانت الطبيعة البشرية عند منشيوس خيرة بفطرتها فيشد على صدق خيريتها الفطرية وجود إحساس عام شامل عند الناس بالتقارب وبالصواب والخطأ، ووجود هذا الإحساس يجعل الموجودات البشرية مختلفة عن غيرها من الكائنات الحية الأخرى، بيد أن الطبيعة البشرية يمكن أن تشوه أو تصاب بالضمور والاختفاء ما لم ترب على نحو قويم. وتعتمد تربية الطبيعة البشرية على حماية الذهن، وذلك لأن العقل هو مستقبل العدالة الإنسانية والطبيعية.
والطبيعة والعقل يحددان من نحن وماذا نكون. فقدرنا هو الذي يتحكم في خطنا ويحد فرصنا في الحياة. ولقد كان القدر أو المصير في يد صاحب الإقطاعية، وكان منحة من ابن السماء بوصفه نائباً عن السماء في حكم الإقطاعية. ثم أصبح في الاستخدامات الأوسع هو نصيبنا في الحياة أو المصير الذي رسمته السماء. وإذا كان الناس قادرين على حماية عقولهم وتحديد سلوكهم، فإنهم لا يستطيعون تحديد مصيرهم الذي هو بين يدي السماء. وهكذا اعتقد منشيوس أنه على الرغم من أن جميع البشر بفطرتهم خيرون، فإن حقيقة هذا الخير يرتبط بمعرفة الذات وتهذيب النفس ( ).
يرى منشيوس أن الاستقامة هي قبل كل شيء آخر تحتوي المفتاح المفضي إلى تنمية الخير، فالخير هو أساس الطبيعة الإنسانية. والاستقامة أي صحة الأفعال تخلص العالم من الشرور.
ويختلف منشيوس مع كونفوشيوس فيما يتعلق بالطبيعة البشرية والعلاقة بين الخير والصواب، فقد ذهب كونفوشيوس إلى القول بأن الناس لديهم (إمكانية) بالنسبة للخير، أما كنفوشيوس فذهب إلى أنهم يحظون بـ (خير فعلي) كجزء من طبيعتهم. ونظر كونفوشيوس إلى الخير والصواب على أنهما شيء واحد، بينما ميز منشيوس بينهما ولم يذكر منشيوس فحسب أن الناس يحظون بخير فطري، وإنما طرح حججاً لتأييد وجهة النظر.
فالبشر أخلاقيون بالفطرة، وبسبب هذا الخير الفطري، فإنهم يعرفون الصواب والخطأ، ويستشعرون الشفقة والتوقير والتواضع، ويعرفون الشعور بالخجل، وهذا يعني أن بمقدورهم التمييز بين الصواب والخطأ، وتلك ناصية أساس الحكم الأخلاقي والشخصية الأخلاقية ( ).
هسون تو: 312 – 238 ق. م:
أصبحت الكونفوشية عند (هسون تو) في مثل هذا الجو العقلي الصارم أكثر عقلانية وأكثر مادية، صارت السماء غير مشخصة، وغدت هي الطبيعة، والطبيعة البشرية التي هي أبعد من أن تكون خيرة بالفطرة كما ذهب إلى ذلك متشيوس، كانت في أساسها شريرة في رأي هسون تو.
وربما كانت كونفوشية (هسون تو) أقل من غيرها تعالياً (ترنسندنتالية) وأكثر تركيزاً على الجانب الإنساني، فقد بدأ من مقدمة قاسية تقول إن البشر ولدوا شريرين لكنه في الوقت نفسه يؤكد بقوة عن اعتقاد بأنه في استطاعتهم أن يصبحوا أخياراً بالتربية والتهذيب الأخلاقي، وتستمد التربية والتهذيب الأخلاقي من النصوص الكلاسيكية ومن النظر إلى حكماء الماضي باعتباره قدوة، وهؤلاء الحكماء لا يختلفون عن سائر البشر في طبيعتهم ومواهبهم الأساسية، وإنما هم نماذج لما يمكن للمرء بلوغه بالفهم والبصيرة الأخلاقية، إذ هو استخدم العقل استخداماً سليماً.
ومادام النظام الأخلاقي والكمال البشري يبدآن من العقل، فإن العقل البشري يصبح في نظر (هسون تو) مركزاً للكون، ولقد قادته هذه الفكرة إلى نظرة إنسانية وعقلانية للدين، فأدان بغير تحفظ بعض الممارسات الدينية واعتبرها من قبل الخرافات، ومن ذلك الصلاة استجلاباً للمطر، وطرد المرضى بالرقى والتعاويذ، وقراءة بخت المرأ من ملامح وجهه. لكنه أباح غير ذلك من أمور كالتنبؤ بالغيب، شريطة أن تقوم التأويلات على ضوء العقل البشري، كما أنكر وجود الأرواح الشريرة والأشباح الضارة وأصحبت أرواح الأسلاف وقوى الطبيعة عند (هسون تو) تجليات للسمو الخلقي وبالفهم الكامل للطبيعة يستطيع الناس في رأيه أن يسيطروا على الكون وعلى بيئتهم ( ).
وعارض هسون تو آراء منشيوس وقال إن الطبيعة الإنسانية شريرة أصلاً، ومن خلال المؤسسات الاجتماعية والثقافية يصبح الناس أخياراً، فالبشر يمتلكون فعلاً بدايات الشر في رغبتهم الكامنة في الربح والمتع. ومع ذلك فإنه من الممكن لكل شخص أن يصبح حكيماً، ذلك أن كل شخص يحظى بالعمل ومن خلال إعمال العقل يظهر الخير، فيما يقول هسون تسو. وقد قال منشيوس إن البشر يولدون أخياراً، ويقول هسون تسو إنهم يولدون أشراراً، وقال منشيوس إن المجتمع والثقافة يجلبان الشر، يقول هسون تسو إن المجتمع والثقافة يجلبان الخير، بينما يقول منشيوس إن أي شخص يمكن أن يصبح حكيماً بسبب خيره الأصلي، فإن هسون تسو يقول إن أي شخص يمكن أن يصبح حكيماً بسبب عقله الأصلي وقابليته للتربية.
وقد أوضح هسون تو إنه إذا كان البشر يولدون أخياراً، فإن بمقدورهم أن يصبحوا أخياراً، وهو يذهب إلى القول بأن الخير يجيء كنتيجة للتنظيم الاجتماعي والثقافي وكيف يجلب التنظيم الاجتماعي الخير؟ يجيب هون تسو إن التنظيم الاجتماعي يقتضي قواعد للسلوك وأتباع هذه القواعد من شأنه أن يجلب الخير. ونظريته هي أن الناس يولدون برغبات لا يتم إشباع بعضها عادة. وعندما تظل الرغبات غير مشبعة، فإن الناس يبذلون قصارى جهدهم لإشباعها، وعندما يقوم عدد كبير من الأشخاص ببذل قصارى جهدهم لإشباع رغباتهم المتضاربة دون قواعد أو قيود ينشأ تنافس وصراع يجلبان الفوضى، الأمر الذي يضر بالجميع، ومن هنا فقد قام الملوك الأوائل بوضع قواعد للسلوك تضم الأنشطة المتضمنة، وفي محاولة إشباع الرغبات، وبهذه الطريقة استخدمت القواعد المختلفة المطلوبة للحياة الاجتماعية، وبمقتضى هذه الطريقة في التفكير فإن الخير الأخلاقي قد تم جلبه نتيجة لتنظيم السلوك الإنساني الذي تقتضيه الحياة الاجتماعية ( ).

الفكر الاجتماعي في حوض نهر السند Indus Valley
الهند أو شبه القارة الهندية هي موطن الهندوكية Hinduism ثالثة أكبر الديانات التي عرفها العالم، كما تحتل في الوقت نفسه موقع القلب بالنسبة إلى الديانة الرابعة ونعني بها البوذية Buddhism.
ويقسم علماء الأديان الديانات الهندية القديمة إلى ثلاثة أقسام هي: الفيدية Vedism والبارهمية Brahmanism والهندوكية Hinduism ويؤكد العلماء أن أفضل المصادر التي تمكن من الوقوف على ملامح الفكر الاجتماعي والديني في الهند هي نصوص وترانيم الفيدا Vedas التي تعتبر أول كتب الهندوس وأقدسها لدرجة أن وصفها البعض بأنها إنجيل الهند. والفيدا بحكم تعريفها أو معناها الذي يعني المعرفة القدسية التي يفترض أنه يوحى بها إلى نفر متميز من البشر الموهوبين ليقوموا بنقلها إلى الأفراد العاديين.
وتتكون الفيدا من أربعة كتب أساسية:
1- الرجفيدا Rig – Veda والتي تعني أغنية المعرفة.
2- ياجور فيدا Yajur Veda أو معرفة الطقوس.
3- ساونا فيدا Sawna Veda الأناشيد الخاصة التي يلقيها الكهنة في الاحتفالات المقدسة.
4- آثارفا فيدا Atharva Veda يحتوي على الأدعية والطقوس التي تقام داخل البيوت.
والرجفيدا تشرح دقائق الشعائر والقرابين البراهمية، وتشمل أناشيد وترانيم مرفوعة إلى إله المطر أندرا Andra الذي يعتبر أعظم( ).
وفي الرجفيدا يتصور مجتمع الآلهة على أنهم أسرة واحدة، فهم جميعاً أطفال الدايوس Dyaus فهو إله السماء الذي أصبح رباً للأرباب. ويعتبر دايوس هو الخالق للكون، وقد كون اتحاداً مع باراتيفي Prathive الأرضي فأنجبا أندرا Indra إله العواصف والمطر الذي يحطم بقوته الخارقة وبسيطرته على الرعد والبرق أعداء الآريين.
ثم هناك أيضاً آلهة السماء مارونا التي تبث روح النظام، وأجني Agni النار أو إله النار بكافة صورها.
أما الكتاب الثاني ياجورفيدا فهو عبارة عن مجموعة من الأناشيد والأغنيات التي يتعين إنشاءها والتغني بها عند تقديم القرابين والأضحيات للآلهة.
ويتضمن الكتاب الثالث الذي يعرف باسم ساونا فيدا Sawna Veda تلك الأناشيد الخاصة التي يلقيها الكهنة في الاحتفالات المقدسة. وهي أناشيد على قدر من السرية، ولذا فهي لا تخرج عن طائفة الكهنة وتلقن ترانيما للتلاميذ الذين يعدون للانخراط في الطبقة المغلقة.
أما الكتاب الرابع آثارفا فيدا Atharva Veda وهو يحتوي على الأدعية والطقوس التي يقيمها ويؤديها الأفراد في داخل بيوتهم أثناء صلواتهم وتقربهم إلى الآلهة، وكذا أدعيتهم والتي يستهدفون بها إبعاد الشياطين أو الأرواح الشريرة التي تؤتمر بأوامر سيفا Siva أوتشيفا Shiva الذي يرمز إلىالموت والمعارك والقوة المدمرة ويرتبط على أية حال بإله الشمس فيشنو Vishnu حيث يتصل اتصالاً مباشراً ببراهما Brahma.
ومن الواضح أن دور الدين كان متعاظماً في المجتمع الهندوسي، ويظهر في حقيقة أن هذه التصورات العقيدية والأفكار المرتبطة بالآلهة التي تعتبر في مجملها من أبعاد الديانة البراهيمية إنما تتصل اتصالاً مباشراً بقانون مانو Manu وهو القانون المدني (الوضعي) الذي ينظم حياة الأفراد والجماعات على أساس نظام الطوائف والطبقات الاجتماعية الذي وإن كانت العوامل الاقتصادية والقرابية تقوم بدور كبير إلا أنه يقوم أصلاً على أساس ديني هو بلا شك الذي يعطي نظام الطوائف ما نراه فيها من طابع الصرامة والجمود، فالإله براهما نفسه هو مصدر كل هذه القوانين وقد سعت جماعة من أئمة البراهمة إلى وضع مجموعة من التشريعات الوضعية للحفاظ على الأوضاع الاجتماعية التي كانت سائدة في صورة تحوطها القداسة والتبجيل ( ).
النظام الطبقي في الهند:
ميز الآريين أنفسهم في أربع طوائف رئيسية هي:
- رجال الدين الذين يحتلون قمة الهرم ويصيرون بذلك أكثر أفراد المجتمع امتيازاً، حيث لهم وحدهم حق السلطة، وعلى الآخرين واجب التقديس والاحترام.
- طبقة الحكام والجند وهؤلاء أقل من سابقيهم في المنزلة الاجتماعية.
- المزارعين والجند تأتي بعد الطبقتين المتميزتين إلى ابعد الحدود طبقة المزارعين والجند، وهاتان تمثلان في الحقيقة عصب الحياة الاقتصادية في المجتمع الهندي حيث يعمل أفرادها في التجارة والصناعة وفلاحة الأرض وتربية الماشية.
- المنبوذون: وهم الأفراد الذين يحرمون من ممارسة أي حق من الحقوق المدنية والسياسية.
ولا شك أن نظام الطوائف في الهند إنما يعكس في آخر الأمر جوهر الفلسفة الهندية ذاتها التي تؤمن بالقدر والمصير باعتبار أن الآلهة أدرى بما هو في صالح البشر، ولهذا وضعت كل إنسان في المكان الصحيح الذي يتعين عليه الرضا تحقيقاً لانسجام المجتمع( ).
وتعتبر الحياة في الهند القديمة ربيبة البراهمية، بمعنى أن الاعتقاد الذي ساد في تلك الحقبة الموغلة في القدم هو أن مصدر هذه القوانين المنظومة في قصائد وأشعار كان الإله براهما نفسه، وإن كان من المحقق أن هذه المجموعة التشريعية الوضعية كانت من صنع جماعة من أئمة البراهمة حاولوا الحفاظ على الأوضاع الاجتماعية التي كانت سائدة في صورة جامدة مقدسة، وكان أهم ما يميز البناء الاجتماعي في المجتمع الهندي القديم ارتكازه على النظام الطائفي المغلق، وهذا النظام يدعمه الدين البراهمي، فقد شاءت الإرادة البراهمية أن يوضع سلم طبقي للناس، في قمة الهرم يتربع رجال الدين من البراهمة وهم أكثر أفراد المجتمع امتيازاً ولهم وحدهم حق السلطة وواجب التقديس والاحترام. وهم يعتمدون على من يليهم في المنزلة الاجتماعية من طبقة الجند المعروفة باسم الكشائرين، وهؤلاء وأولئك يعيشون على ما تنتجه الطبقة الأدنى من التجارة والصناعة وفلاحة الأرض وتربية الماشية، ويأتي في الدرك الأسفل من السلم الطبقي طائفة المنبوذين المعروفين باسم السودرا وهم الأفراد المحرومون من ممارسة أي حق من الحقوق المدنية أو السياسية( ).
وبالرعم من صرامة هذا التسلسل الطبقي نجد أن المنزلة الاجتماعية لكل طائفة قد تطورت تبعاً للظروف السياسية، فنجد مثلاً أن الزعامة كانت لطبقة الكشائرين المحاربة، أثناء اشتعال الحروب الوطنية التي نشأت بين السكان الأصليين والنازحين المهاجرين، ومن المحتمل أن يكون خوف الأجناس النازحة إلى الهند على خصائصهم السلالية وثقافتهم الراقية، كان من أهم الحوافز لهم على وضع نظم المحرمات المقدسة Tabao التي تحرم عليهم التزاوج أو الاختلاط بغيرهم من السلالات الأخرى وخاصة من القبائل الوطنية التي كانت تسكن









قديم 2010-10-23, 17:12   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
عزة النفس
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية عزة النفس
 

 

 
إحصائية العضو










New1 الجزء الخامس

الهند. وبهذا استطاعت الطبقات البراهمية الدينية والغازية صاحبة السيادة والسلطة في عزلة أرستقراطية عن بقية قطاعات البنية الاجتماعية الأمر الذي أظهر النظام الطائفي على أنه أداة تعويق للتطور الاجتماعي، ووسيلة جمود في المجال الحضاري ( ).
الهندوسية:
الهندوسية هي اتباع أو عبادة الإله فيشنو Vishnu أو شيفا Shiva أو الآلهة شاكتي Shakti أو تجسيداتهم أو مظاهرهم أو ازواجهم أو ذريتهم. وهكذا يندرج ضمن الهندوسيين عدد كبير من اتباع عبادة راما وكرشنا Rama & Krishna (وهما تجسيدان لفشنو) واتباع عبادة درجا Darga وسكاندا Skanda وجانيشا Ganesha وهم على الترتيب زوجة شيفا وابناه.
إشعال النار المقدسة: يوجد في البيت الأري نار مقدسة تشتعل منذ بداية إنشائه، أعني خلال حفل الزواج وهي ليست ناراً عادية، ينبغي ألا تستخدم في إعداد الطعام أو الأغراض المنزلية الأخرى، وكذلك ينبغي إشعالها بأنواع خاصة من الخشب، وبطريقة معينة هي حك العصى ببعضها، وينبغي ألا تترك حتى تخمد. ولابد أنه يتقدم رب الأسرة لهذه النار يومياً بقرابين للآلهة بل إنه في الواقع ملزم بالقيام ثلاث مرات في اليوم.
عبادة البراهمان Brahman روح العالم وقوامها تعاليم الفيدا أو تلاوتها، وعبادة آباء بتقديم الطعام والماء لتغذيتهم، وعبادة الآلهة بإحراق القرابين، وعبادة بهوتاس Bhutas (وهي الموجودات الحية أو الأرواح) بنشر الحبوب في الجهات الأربع والمركز وفي الهواء، وعلى أواني المنزل، ووضع الطعام على عتبة الدار للمنبوذين والحيوانات والطيور والحشرات.
وأهم الواجبات التي يلتزم بها رب الأسرة فهي واجبات نحو الآباء أو الأسلاف، فهو ليس ملزماً فقط بأن يقدم القرابين من الماء أوالطعام يومياً إليهم، وإلى روح البيت التي تسكن الركن الشمالي الشرقي من المنزل، بل إن عليه أيضاً أن يقدم لهم البندا Pinda أي كره الأرز Rice – Ball في يوم ظهور القمر الجديد من كل شهر.
وتسمى العناصر الرئيسية في هذا الاحتفال شراذا Shradha ويجلس فقهاء البراهمة في مكان مكشوف. ويفتتح رب الأسرة الاحتفال وينهيه بحرق قرابين للآلهة في النار المقدسة. لكن الحدث الرئيسي هو التقرب للآباء، فهو يصنع ثلاث كرات أرز وتذهب هذه إلى الموتى الثلاثة من أسلافه الأب، الجد، وأب الجد.
وهذه النظرية الخاصة بالشراذا Shradha هي أن يقدم الأحياء الطعام إلى الأسلاف الذين يقطنون (عالم الآباء) ويضفي الأسلاف النعم على أحفادهم الأحياء بمنحهم إياهم النجاح والازدهار والذرية ( ).
وهكذا تكون (شراذا) هذه هي همزة الوصل بين الأحياء والأموات، وهي التعبير عن التعاون المتبادل بينهم. غير أن هذه العلاقة يمكن أن تنقلب رأساً على عقب إذا لم تؤد الطقوس الجنائزية المناسبة للميت، فما لم يستقر أرواح الموتى في عالم الآباء تظل عرضة لأن تصب البلاء على رؤوس نسلها الذين لم يقوموا بإطعامها عن طريق القرابين، أو ضمان انتقالها إلى عالمها المناسب.
قوانين الزواج: ليس الزواج ضرورة مقتصرة على عبادة الأسلاف، بحيث ينبغي على الرجل أن يتزوج لينجب ابناً يواصل العبادة، ويقدم البندا (أقراص الأرز) لكي تستريح روح ابنه، وإنما الزواج ضرورة مطلوبة لذاتها أيضاً، فليس ثمة ما يبرر الاعتقاد بأن الرجل المتزوج هو وحدة القادر على تقديم قرابين الطعام للأسلاف، وعندما يصبح أرملاً فإنه يتخلى لابنه عن رئاسة الأسرة، وعن القيام بدور الكاهن المسئول عن نارها المقدسة ويقرر التقاعد.
فالزواج في النظام الهندي إجباري للجميع، والرجل الأعزب طريد الطبقات ليس له في المجتمع مكانة ولا اعتبار، وكذلك الفتاة إن طال بها الأمد وظلت عذراء بغير زواج على أن الزواج لم يكن يترك لأهواء الفرد يختار من يشاء، فهو لا يستطيع أن يتزوج كيفما اتفق، لأن الزوجة الكفء المساوية في المولد والمنحدرة من أسرة أرية أتمت عملية الترسيم وغيرها من الطقوس، هي وحدها القادرة على ممارسة الطقوس المنزلية دون أن تدنسها، وهي وحدها القادرة على إنجاب الابن الطاهر النقي المؤهل لمواصلة عبادة الأسلاف بعد والده.
قانون الأسرة الهندوسية: رب الأسرة هو كاهن دينها وهذا المنصب وراثي –عبادة الأسلاف فيها- وهذه الخاصية تؤول إلى أولئك الأكفاء القادرين على تقديم القرابين إليه بعد الموت وإلى أسلافه، أي إلى أبنائه المتزوجين قبل غيرهم. وفي حالة نقص النسل في نوع الذكور يؤول الإرث إلى أولئك الذين قدموا (البندا) إلى واحداً أو أكثر من الأسلاف، ذلك لأن الإرث يحمل معه الالتزام بتقديم البندا.
ولهذا السبب فإن البنت لا يمكن أن ترث مادام الذكور وحدهم قادرين على تقديم القرابين ( ).
الأهداف الإنسانية: يتعين على المرء لكي يتم تنظيم حياة الفرد ومؤسسات المجتمع، أن يكون في المقام الأول واضحاً فيما يتعلق بالأغراض الأساسية للحياة. وقد تم إنجاز ذلك في الهند، من خلال بحث الأهداف الرئيسية في الحياة، التي من شأنها أن تسهم في كل من رخاء المجتمع أو تحقق سعادة الفرد.
ولكل إنسان أربعة أهداف أساسية في الحياة (العيش الفاضل، وسائل الحياة، المتعة، تحرير النفس) وهذه الأهداف يكافح للوصول إليها، لأن الإنسان مركب من وجود عضوي وروحي، فإن من الضروري إشباع الحاجات العضوية والروحية.
اليوجا: الطريق إلى ضبط النفس: أساليب ضبط النفس المعروفة باسم اليوجا Yoga وهي ممارسة مطلوبة لتحقيق الحكمة التي من خلالها يمكن القضاء على الجهل الذي يتسبب في الخلط بين الروح والمادة، ويمكن إدراك الطبيعة الجوهرية للذات باعتبارها (الروح).
وتبدأ اليوجا بمجموعة من الأوامر الأخلاقية يقصد بها إعادة توجيه إرادة الشخص وأعماله، فبدلاً من التصرف انطلاقاً من قوى الأنا العمياء، فإن الشخص يتصرف انطلاقاً من التعاطف حيال رضاء الآخرين.
ويستبعد كافة التصرفات التي تؤذي الكائنات الأخرى، وكل الأعمال التي تقوم على أساس الكراهية وسوء النية. والتخلص من النوازع الأنانية للأنا.
وكذلك يتعين تجنب الكلمات التي تؤذي الآخرين والحديث الأجوف والثرثرة الخرقاء، كما يستبعد ما هو ملك الآخر أي لا ترغب فيما يملكه شخص آخر، بل ينبغي القضاء على الرغبة بأسرها في امتلاك الخيرات، حتى ما يدعى بـ (الملكية المشروعة) ويقضي هذا المبدأ بأنه بينما يجوز استخدام كل ما هو ضروري للحياة من قبل أي شخص يحتاجه، فإن مبدأ الملكية نفسه هو تعبير عن الطمع.
كما أن من يمارس اليوجا ينبغي أن يلتزم العفة ولا يمارس النشاط الجنسي، لأن ممارسة الجنس يمثل لوناً من القيد والعبودية.
فممارسة اليوجا تقضي على الدوافع التي تؤدي إلى النشاط المحرم وتقوم بإحلال الحب المفعم بالتعاطف محل الرغبة والكراهية كمنبع أساسي للفعل، فإن من يمارس اليوجا يخطو خطوة أولى رائقة نحو التحرر.
وكذلك فإن ممارسة اليوجا تدفع المرء لأن يكون أكثر روحانية والنقاء الداخلي، فمن يمارس اليوجا يقضي على كل الآثار المترتبة على الأفكار والأفعال السابقة. وكذلك تؤدي ممارسة اليوجا إلى الرضا والقناعة والزهد والتقشف وكبح جماح الشهوات ونكران الذات ( ).
وقد ساد التفكير الهندوسي نزعتان فيما يتعلق بالألوهية، وهما نزعة التعدد أي تعدد الآلهة في المرحلة الأولى حيث عبدوا مظاهر الطبيعة من جبال وأنهار وحيوانات ونار، واعتقدوا أن لهذه المظاهر الطبيعية أرواحاً فجعلوا لكل مظهر من مظاهرها إلهاً يعبدونه، نزعة أخرى مقابلة للنزعة الأولى وهي نزعة الوحدانية، وتلك كانت في المرحلة الثانية من حياتهم، فقد تخلوا عن عبادة الآلهة المتعددة ليعبدوا إلهاً واحداً. أي أنهم جمعوا الآلهة المتعددة في إله واحد ورأوا فيه خالق للعالم وحافظ له ثم يهلكه ويرده إليه في نهاية المطاف، وأطلقوا عليه ثلاثة أسماء فهو (براهما) من حيث هو خالق أو موجود، وهو (فشنو) من حيث هو حافظ، وأخيراً هو (سيفا) من حيث هو مهلك.
فكأن الهندوس قد آمنوا بثالوث مقدس مؤلف من:
براهما: سيد جميع الآلهة وهو القوة الخالقة في الطبيعة.
فشنو: إله الحب ويعاون المصابين ويذود عن الفقراء ويبعث الموتى من القبور.
وسيفا أو شيو: فهو إله الإرادة ولا تظهر عادة إلا في ميادين القتال والمنازعات، فهو يمثل الدمار ويضع نهاية لكل شيء ( ).
الكرما: Karma كلمة سنسكريتية معناها الحرفي (الفعل) وهو من أهم العقائد في الديانة الهندوسية، قانون الجزاء المسيطر على حياة سائر الأحياء، في الكون، ليس لأحد أن يتخلص منه، فالحياة بمثابة حلقة في سلسلة حياة يحياها المرء يحددها فعله في الحياة السابقة.
وهذا القانون هو المسئول عن الثواب والعقاب وإليه يرجع اختيار الصورة التي تتناسخ فيها الأرواح على أساس ارتباط المعلول بالعلة فتناسق الروح تلقائياً داخل إطاره للتلبس بالجسد الجديد الذي تتوافق ملابسات حياته مع الميول الذاتية لهذه الروح ومع أعمالها في دورة حياة سابقة.
تناسخ الأرواح: Transmigration
يرجع اعتقادهم في التناسخ إلى سببين: أولهما أن الروح عندما تفارق الجسد لا تزال على صلة بالعالم المادي بما فيه من شهوات وملذات لم تتحقق بعد، وثانيهما أن النفس خرجت من الجسم وعليها ديون كثيرة لابد من أدائها وأن تتذوق ثمار أعمالها التي قامت بها في حياتها السابقة.
فالأرواح لا تموت ولا تفنى أبدية الوجود، لا سيف يقطعها ولا نار تحرقها ولا ماء يغرقها ولكنها تنتقل من بدن إلى بدن كما يستقبل البدن اللباس إذا بلي وتترمى النفس في الأبدان المختلفة كما يترقى الإنسان من طفولته إلى شباب إلى كهولة إلى شيخوخة، وذلك أن النفس طالبة للكمال مشتاقة إلى العلم بكل شيء، وهذا يحتاج إلى زمن فسيح، ولما كان عمر الإنسان قصيراً كان لابد أن تنتقل النفس من بدن إلى بدن، وفي كل بدن تستفيد تجارب ومعلومات جديدة ( ).
فالأرواح الباقية تتردد بين الأبدان البالية من الأذل إلى الأفضل دون عكسة تترقي النفس في الكمال حتى يتحقق شوقها إلى علم ما لم تعلم، وتستوفي بذلك شرف ذاتها.
وحدة الوجود:
ساد مذهب وحدة الوجود في العقيدة الهندوسية، فهم يوحدون الله والعالم ويزعمون أن كل شيء هو الله، ويردون كل شيء إلى الله ويعتقدون أن براهمان هو الحقيقة الكلية وأن جميع الأشياء الأخرى ليست سوى أعراض ومظاهر لهذه الحياة الحقيقية.
فالحياة كلها مظاهر لتلك القوة الوحيدة الأصيلة (براهما) فالجبال والبحار والأنهار تنفجر من تلك الروح المحيطة المستقرة في الأشياء وليست الروح الإنسانية إلا جزءاً من الروح الإلهية (براهمان) ( ).
الجينية Jainism
من المذاهب الدينية في الهند، واسم الجينية مستمد من كلمة Jina ومعناها القاهر أو المنتصر أو البطل في اللغة السنكريتية، وهو وصف أطلقوه على معلميهم الكبار الذين يسمون (تيرثانكارا) Tirthankara الذين رسموا الطريق إلى الخلاص من التناسخ.
ويعتبر مهافيرا Mahavira مؤسس المذهب الجيني، وعاش مهافيرا حياة الزهد والتنسك وأعلن عن رغبته الشديدة في التخلي عن الملك والألقاب ومتاع الدنيا والدخول في حياة الرهبنة.
الألوهية: أنكر مهافيرا وجود إله ذلك أن الاعتراف بوجود آلهة قد يخلق طبقة براهمة أو كهنة تمارس استبداداً على الناس وقرر أنه لا يوجد روح أكبر أو خالق أعظم لهذا الكون. ولقد ترتب على عدم اعتراف مهافيرا وأتباعه بالإله والآلهة سلبيات كثيرة متعلقة بالعقائد منها عدم قولهم بالصلاة وامتناعهم عن تقديم القرابين.
والكرما تعني عندهم كائن مادي كثيف ينزلق إلى الجسم ويخالط الروح المنيرة بطبيعتها، ويحجب نورها بكثافة، ولا سبيل لتحرير الروح إلا شدة التقشف والحرمان من الملذات، ولكي تتخلص الروح من الكارما يظل الإنسان يولد ويموت حتى تطهر نفسه وتنتهي رغباته ومعها حياته المادية، فيبقى روحاً خالداً في نعيم خالد، وهذا الخلود في النعيم يسمى عندهم النجاة، وهو ما يعادل الانطلاق في الهندوسية والنرفانا في البوذية.
وخلاص النفس وتحريرها من ربقة الجسد، إنما يكون بالزهد والتجرد من الدنيا حتى العري، فالنجاة خلاصة من الجسد، ولذلك كان الانتماء غاية أو جائزة لا يحصل عليها إلا الخاصة، ومن شروط النجاة أو سبيل الوصول إليها وقتها أنه يتحتم على الناسك ألا يوقع أذى بإنسان أو حيوان، فالحياة بكافة أشكالها مقدسة مصونة ولا يجوز الاعتداء عليها، وعلى ذلك يحرم قتل الحيوان، وبالتالي أكل اللحوم.
ومن شروط النجاة قهر جميع العواطف والمشاعر والحاجات لكي لا يحس الراهب بحب أو كره ولا بسرور أو حزن ولا بحر أو برد ولا بخوف أو بحياء ولا بجوع ولا عطش ولا بخير أو شر، ومن أجل طهارة الروح، فضرورة تمسك المريد بالخلق الحميد والإقلاع عن الخلق السيء وتجنب الأذى والضرر لأي كائن حي والتحلي بالفضائل التالية (العفو – الصدق – الاستقامة – التواضع – النظافة – ضبط النفس – التقشف الظاهري والباطني – الزهد – اعتزال النساء – الإيثار – السيطرة على متاعب الحياة وهمومها – القناعة الكاملة – الطمأنينة – الطهارة الظاهرية والباطنية). وكذلك تجنب الكذب – السرقة – الخيانة – الجشع – العنف .. إلخ ( ).
البوذية:
ظل التفكير الاجتماعي الذي ارتبط بالهندوكية مسيطراً في الهند إلى أن بدأت في الظهور تعاليم البوذية التي تنسب إلى جواتاما بوذا مؤسسها في القرن الخامس قبل الميلاد. وبوذا ينتمي إلى عائلة نبيلة هي عائلة جواتما Gautama وأطلق عليه منذ مولده في نيبال حوالي 565 ق. م اسم سيداهارتا Siddahartha وإن كان قد اشتهر مع ذلك بنسبته إلى العائلة التي عاش في كنفها حتى بلغ الخامسة والعشرين من عمره عيشة مليئة بالرفاهية. ولكن فجأة ترك زوجته وابنه وعائلته كلها ليبدأ حياة العزلة والتقشف ليستغرق في النهاية في التأمل تحت شجرة الحقيقة Bo – Tree حيث تكشفت له أصول الدين البوذي ومعالمه، وبزغت في نفسه النيرفانا Nervana التي أدرك في ضوئها أن العالم بكل ما فيه إنما ينتهي مآله للعدم.
ويتمثل الاعتقاد الأساسي في البوذية في أن الذات الإنسانية وشهواتها وملذاتها هي السبب فيما يعيشه البشر من شقاء وألم، فقد انتهى إلى أن الخلاص من كل هذا إنما يتوقف على القدرة على نبذ هذه الذات وملذاتها، وذلك هو السبيل الوحيد للتحرر من الألم المتمثل في سجن تطلعات النفس المادية.
وقد دعت البوذية إلى القضاء على مظاهر المغالاة والتطرف في التفرقة بين الطوائف المختلفة من حيث الحقوق والواجبات والمسئوليات والالتزامات. وفي هذا الصدد نجد له موقفاً محدداً من البراهمية التي وضعت للناس أقدارهم المحتومة، ثم حثت على التقرب للآلهة وطلب المساعدة منها مؤكداً بذلك نظرة جديدة إلى العالم، حيث رأى أنه أزلي أبدي والأفراد والأشياء تولد وتعيش وتفنى لكي تولد من جديد في سلسلة متصلة لا أول لها ولا نهاية، وبذا تبدو الحوادث وكأنها سلسلة من العلل والنتائج التي تتبادل الفعل والتأثير. وهي نظرة تختلف مع ما ذهبت إليه البراهمية التي أكدت على أن الإنسان إنما يفعل الخير خوفاً من أن يستحيل بعد الموت إلى حيوان( ).
ثمة أساس أخلاقي في البوذية لم تلتفت إليه البراهمية يقوم على إدراك الإنسان لحقيقة الدهارما Dharma التي تعني الوسطية في تناول الأمور حتى بين المادية والانغماس في إشباع الغرائز والزهد والتقشف. أو هي بمثابة مبدأ نظري يتجسد في مجموعة من التعاليم التي تقدم للإنسان وسائل الاكتساب عن طريق التعلم والامتثال للقواعد التي تسير بموجبها الحياة الصحيحة.
وقد وضع الإله ياما Yami نظام العالم أو الكرما Karma ليؤكد أن كل إنسان لابد أن يلقى ما يتكافأ مع ما قدمت يداه إن خيراً أو شراً.
ومع أن هناك من يرى أن مثل هذه الفلسفة التي تنطوي عليها الكرما إنما تعكس ملامح نفعية بحتة، وذلك على اعتبار أن الإنسان لاشك سوف يحسب أفعاله في ضوء ما سيعود عليه وعلى الآخرين من خير ومنفعة إلا أن مثل هذه النظرة لا تخلو من مغالاة حيث لا تضع اعتباراً كثيراً لطبيعة الإنسان الاجتماعية.
ولعل الشيء الواضح هو أن البوذية لها موقف خاص من فكرة الآلهة ذاتها، حيث لا نلمح فيها ذلك التقديس والخضوع التام لها، وإنما في الوقت الذي لم تتجاهلها فيه تماماً، فقد أفسحت للإنسان مجالات الفعل والاختيار.
وقد يكون صحيحاً أنها انتهجت في ذلك طرقاً تدور حول مجاهدة النفس وتعتمد على أساليب التقشف والزهد والتأمل، ولكنها وضعت قواعد سلوكية عملية يجب أن يلتزم بها الأفراد لكي يحيوا حياة فاضلة.
فالبوذية ولو أنها سعت إلى ابتعاد الناس عن شئون الحياة الدنيوية، إلا أنها أعلنت في الوقت نفسه مبادئ الإنسانية التي تدعو إلى نبذ الطبقية والقضاء على المزايا الوراثية وهو ما تنطوي عليه الكرما التي تذهب إلى أن الناس قد وجدوا في الأصل متساويين، وقد عملت البوذية على خلاص المجتمع من براثن النظام الطائفي الطبقي عن طريق هذه العقيدة البراهمية التي تزعم أن البراهمي من طبيعة مقدسة وأن المنبوذين يعيشون على هامش الحياة محرومين من كل الحقوق من طبقة دنسة، لذا حرمت عليهم حتى ممارسة الشعائر الدينية، كذلك أوضحت البوذية أن صفات اللاهوتية والقدسية ليست أبداً صفات وراثية أو فطرية تختص بها









قديم 2010-10-23, 17:19   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
عزة النفس
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية عزة النفس
 

 

 
إحصائية العضو










New1 الجزء السادس

السلالة البراهمية وإنما في استطاعة الإنسان أياً كانت الطائفة أو الطبقة التي ينتمي إليها أن يكتسب مثل هذه الصفات عن طريق ما يكتسبه من فضائل سلوكية وعملية في مقدمتها الوسطية والاستقامة والتأمل والحكمة ( ).
تعاليم بوذا في جملتها تمثل ثورة جذرية على الأسس الاجتماعية التي ارتكزت عليها الديانة البراهمية، تلك الديانة التي أقامت في المجتمع الهندي القديم نظاماً عبودياً ليس له مثيل، وكان أول الآراء التي دعت إليها البوذية هو القضاء على مظاهر المغالاة في التفرقة بين الطوائف من حيث الحقوق والالتزامات، وانتهجت في سبيل ذلك أساليب حول تلك المجاهدات الصوفية والأساليب التقشفية، ومحاولة خلاص الفرد من نزواته وشهواته الملحة، وليس معنى ذلك أن البوذية تعني بالتأملات العقلية والتصورات الميتافيزيقية إنما إذا نظرنا إليها من وجهة نظر تحليلية ألفينا أنها مجموعة من القواعد السلوكية العملية التي يجب علىالفرد التزامها لكي يحيا حياة فاضلة خلواً من الآلام والآثام، والسبيل إلى ذلك هو أن يسلك الفرد سلوك العدل والإخاء بعد التحرر من الشهوات ومن هنا امتزجت البوذية بالآراء الصوفية.
ومن ناحية أخرى، فإن البوذية وإن كانت قد أبعدت الناس عن التفكير في شئون الحياة الدنيوية والحقوق والوجبات الاجتماعية، إلا أنها أعلنت في نفس الوقت مبادئ الإنسانية التي تدعو إلى نبذ الطبقية وتقضي على المزايا الوراثية، فهناك قانون أبدي أطلق عليه مصطلح الكرما Karma ووفق هذا القانون، وجد الناس متساويين في الخلقة والحقوق بقدر مساواتهم في حظوظهم من الآلام، إن الوجود مرتبط بالألم والرغبة في الحصول على أي شيء تنطوي على عنصر الألم لهذه الرغبة، ومن ثم كان القصد في الرغبات والشهوات وسيلة فذة للتقليل من شقاء الحياة وهمومها، وتنتهي هذه الفلسفة السلوكية إلى شبه إنكار للشخصية الإبداعية الإيجابية، وإلى إعلاء لنظرية التوسط والاعتدال في أمور الحياة، ومن هنا جاء التفكير الاجتماعي البوذي ذا طابع أخلاقي سلوكي يعمل على خلاص المجتمع الهندي من براثن النظام الطائفي عن طريق هدم العقيدة البراهمية التي كانت تزعم أن البراهمي من طبيعة مقدسة، وأن السودرا من طبيعة مدنسة يحرمه من ممارسة الحياة الدينية، وأثبتت بالتفسيرات العقلية لأسفار الفيدا Vidas التي يقدسها البراهمية والقوانين المانوية التي تنظم حياتهم الاجتماعية، إن اللاهوتية والقدسية ليست صفة ولادية أو فطرية للسلالة البراهمية، وإن كل الطبقات تتساوى في طبيعتها الحيوية والاجتماعية وإنه في استطاعة أي إنسان أيا كانت الطائفة التي ينتمي إليها أن يكتسب هذه الصفة عن طريق فضائل سلوكية عملية هي الاستقامة والتأمل والحكمة( ).
والجوهر الأساسي لمذهب (بوذا) هو فكرة الألم، فالوجود الإنساني بعيد عن الكمال، وحتى أسعد الناس وأوفرهم حظاً يتعين عليه التسليم بقدر من البؤس أو التعاسة. ولا شك أن هذه الفكرة قد ترسخت لديه منذ الصغر، فقد أحس بما يشوب من نكد وكد وتعب وشعر بما يصاب به الإنسان من مصائب تبليه بالشيخوخة والمرض والموت، ومن ثم أهدته خبرته إلى أن الحياة أساسها الألم ولا تبعث إلا على الحزن، ولا يمكن للإنسان الخلاص منها ما لم يبحث عن علة هذا الألم وأسبابه الحقيقية.
يقول: (أيها الرهبان أو النساك هذه هي الحقيقة المقدسة عن الألم: المولد ألم، والهرم (الشيخوخة) ألم والموت ألم، والاجتماع بغير المألوف ألم، وعدم الحصول على ما يهوى ألم).
لقد بحث بوذا عن علة الألم وأسبابه الحقيقية في الوجود أو العالم فوجدها ترجع إلى كل من الشهوة والجهل. أما الشهوة وخصوصاًَ شهوة الحياة التي تسبب الولادة بعد كل موت، فالجهل يدفع الإنسان إلى حب الحياة والتعلق بمفاتنها وتمعن الشهوة في طلب المزيد من اللذة والشهوة، وعلى من يعرف أن الجهل هو سبب شقائه وعلة عودته إلى الحياة فيجب عليه أن يبحث عن المعرفة الحقة التي تمحو جهله ليخلص من الآلام.
يقول: (أيها الرهبان، هذه هي الحقيقة المقدسة عن مصدر الألم الطمأ، الشهوة، الهوى، الرغبة في التلذذ، فالهوى والشهوة يجران من مولد إلى مولد، ومن ألم إلى ألم).
وسبب الألم هو ميل الإنسان إلى الشر وإلى الملذات الحسية ( ).
ويقوم الطريق النبيل على حقائق مقدسة:
- العقيدة الصادقة (سلامة الرأي) - النية الصادقة (سلامة النية)
- القول الطيب (سلامة القول) - الفعل الحسن (سلامة الفعل)
- العيش السوي (سلامة العيش) – الجهد القيم (سلامة الجهد)
الوعي السليم (سلامة الوعي) – التأمل الصالح (سلامة التركيز)
والإيمان بهذه العقيدة لا يكفي طالما كان سلوك الفرد غير فاضل، ولذلك يجب أن يكون صافي النية، لا يكن للغير أي شراً وحقداً وحسد، يحب خير للجميع ويعمل لخير الغير والآخرين على الدوام، وذلك لا يتحقق ما لم يتجنب الكذب والنفاق والرياء والنميمة والغيبة، يتوخى الصدق في القول ويبعد عن لغو الحديث، فلا يسب أحداً سباً يشين سمعته ويخدش كرامته، كما يجب أن يكون سلوكه فاضلاً لا يأتي بمنكر الأفعال، ولا يعتدي على حقوق الغير ولا يقتل أي كائن حي، ولا يسرق ولا يغش ولا يتعاطى الخمور والمخدرات ولا يزني، أي أن السلوك على نحو أخلاقي يعني سلامة القول وسلامة الفعل، ووسائل الكسب العيش.
ووجد بوذا أن طريق الخلاص لا يمكن للإنسان بلوغه إلا إذا تخلص من النواقص: الوهم – الشك – العمل لكسب القوت – الشهوة الجنسية – الكراهية والحقد – حب الحياة الأرضية – الرغبة في الحياة السماوية – الكبرياء – الغرور.
وقد أحدث بوذا ثورة دينية قلبت الأوضاع الدينية والاجتماعية المألوفة رأساً على عقب، وحارب نظام الطوائف، فلا وجود لطبقة البراهمة أو الكهنة ورجال الدين، وما كانوا يتمتعون به من حظوة ونفوذ وسطوة. فقد نادى بالمساواة بين جميع الأفراد وإنه لا فرق بين الطبقات الثرية والطبقات الدنيا إلا بالجهاد في سبيل تحقيق النرفانا التي لا يمكن الوصول إليها إلا بالجهد الذاتي.
خواطر وتأملات وعظات هندية قديمة من إنجيل بوذا
- العالم مملوء بالشر والعذاب لأنه مملوء بميول الإنسان إلى الشر وبالملذات الحسية، الناس ضائعون ضالون تائهون لأنهم يفكرون بأن الضلال والغواية أفضل بكثير من الحقيقة
- سبب الألم هو ميل الإنسان إلى الشر وإلى الملذات الحسية.
- ارفضوا جشع أنانيتكم تصلوا إلى حالة الفكر الهادئ الذي يصنع الطيبة والرفق والحكمة والتساهل.
- لا تخادعوا، لا تحتقروا ولا تمقتوا بعضكم البعض، وفي أي مكان وجدتم، لا تغضبوا لا تشتموا ولا تهينوا ولا تحقدوا.
- ازرعوا اللطف والعطف والرفق يميناً وشمالاً، وفي كل مكان.
- إن قاعدة الحياة التي هي دائماً الأحسن والأفضل هي الامتلاء بالمحبة، اطرد من قلبك الغضب والحسد والغيرة.
- الشر هو القتل والسرقة والفجور والكذب والاغتيال والحق والإيمان بعقائد باطلة( ).
- الخير هو الامتناع عن القتل والسرقة والفجور والكذب.
- خطايا الجسد الثلاث هي: القتل والسرقة والزنا.
- خطايا اللسان الأربع وهي: الكذب والافتراء والشتم والكلام بالباطل.
- خطايا الفكر الثلاث وهي الطمع والبغض والضلال ( ).
الطريق البوذي
أ- الأخلاق ب- التأمل ج- الحكمة
إن الوصف الأساسي للطريق البوذي هو أنه ذو ثلاث شعاب هي: الأخلاق والتأمل والحكمة، وهي ليست ثلاث مراحل متعاقبة يمر المرء بالواحدة منها تلوا الأخرى، وإنما هي شعاب أو دروب نسير عليها جميعاً في وقت واحد.
أ- الأخلاق: يعبر عن القواعد الأخلاقية الخمس الأساسية – بالنسبة للرهبان ولعامة الناس على حد سواء في صيغة تستخدم بانتظام في العبادات اليومية، ويمكن ترجمتها على وجه التقريب كما يلي، أتعهد بالإحجام عن إلحاق أي أذى بالكائنات الحية، وأن لا آخذ شيئاً لم يعط لي (أي أن أمتنع عن السرقة)، وبأن أمتنع عن الممارسات الجنسية اللاأخلاقية، وعن الكذب، وتناول الخمر والمخدرات التي تذهب العقل.
وهناك درجة أكثر تقدماً في النظام الأخلاقي يتبعها البعض من عامة الناس وتعتمد على مراعاة ثلاثة مبادئ إضافية هي: أن أمتنع عن تناول الطعام بعد الظهر، وأن أمتنع عن الرقص والغناء وألعاب التسلية، وأن أمتنع عن استخدام أكاليل الزهور أو مستحضرات التجميل، وأن لا أتزين بأي نوع من أنواع الزينة، وكذلك الامتناع عن قبول الذهب والفضة والامتناع عن استعمال فراش وثير.
ب- التأمل: السلوك الحق ينبغي أن يصحبه الفكر الحق أو المواقف الحقة، والفكر والعمل مرتبطان بالوجود الحق، لأن تنمية الفكر الحق هي من أول أهداف التأمل.
ج- الحكمة: السمات الرئيسية للحكمة التي أعلنها بوذا هي أن الحياة فانية (والكل زائل) فلا شيء يمكن أن يبقى نفس الشيء أو أن يظل على حاله، فالكون كله الذي يمثل الإدراك الحسي هو في حالة تدفق مستمر والناس لا ينظرون إلى الأشياء على أنها دائمة إلا على سبيل الخطأ ( ).
وتشمل الحكمة كلاً من الفهم الصحيح للأشياء على ما هي عليه، والعزم على السلوك طبقاً لهذا الفهم.
وتكشف الحكمة عن طبيعة الأشياء وأسباب المعاناة، ولكنها لا تتوقف عند هذا الحد، وإنما هي تعبر كذلك عن نفسها في التصميم على قهر المعاناة من خلال تنحية الرغبة الأنانية، ويتضمن هذا التطعيم غرس حب شامل في عمقه ومداه، يكشف عن نفسه في الشفقة واللا أذى، حيث يتم التخلي كلية عن الرغبات الأنانية وسوء النية والكراهية والعنف، عندما نبلغ الحكمة.
والسلوك الأخلاقي هو في آن واحد انعكاس للحكمة والانضباط وشرط لهما، فالشخص الحكيم هو وحده الذي يمكن أن يكون خيراً، والشخص الخير هو وحده الذي يمكن أن يكون حكيماً، وكل من الحكمة والخير يقتضي الانضباط، وبناء على هذا فإن المرء بدأ وينتهي بالأمور الثلاثة بصورة متزامنة، والسلوك على نحو أخلاقي يعني سلامة القول وسلامة الفعل وسلامة كسب العيش.
وسلامة القول تعني بصفة عامة تجنب كل قول يفضي إلى التعاسة واستخدام العبارات التي تجلب السعادة. ويشمل تطبيقه السلبي.
- لا كذب
- لا نميمة ولا اغتياب ولا حديث قد يجلب الكراهية أو الغيرة أو العداء أو الفرقة بين الآخرين.
- لا حديث يتسم بالشدة أو الوقاحة، ولا حديث يشوبه الخبث، ولا أسلوب ينقصه الأدب أو الاحتشام.
- لا ثرثرة نابعة من الكسل أو الخبث أو الحمق.
وسلامة السلوك تعني تجنب القتل أو الإيذاء، والتعفف عن السرقة والغش والنشاط الجنسي غير الأخلاقي وهو على الصعيد الإيجابي يعني أن سلوكيات الفرد ينبغي أن تهدف إلى دعم السلام والسعادة للآخرين.
أما سلامة العيش فهي تمد نطاق مبدأ السلوك الحق إلى المهنة التي يختارها المرء على امتداد حياته، وبناء على هذا فإنها تستبعد المهن التي من شأنها أن تؤذي الآخرين، مثل الإتجار في الأسلحة النارية و الخمور والمخدرات والسموم والقتل والدعارة .. إلخ. وسبل كسب العيش التي تنشر السلام والخير ( ).
مذهب السيخ Sikhism
ولد المعلم الروحي ناناك Nanak عام 1469م، والمكان الحقيقي الذي ولد فيه موضع خلاف، ولكن لا يمكن أن يكون هناك شك في أن والديه ينتميان إلى قرية تلفاندي Talivandi التي تبعد أربعين ميلاً عن جنوب غربي (لاهور) وتعرف الآن باسم ننكانا – صاحب Nankana – Sahub، ولقد قضى ناناك طفولته وشبابه في هذه القرية ولم يتركها إلى بعد أن تزوج وأنجب غلامين.
ثم انتقل ناناك وهو لا يزال شاباً إلى مدينة سلطانبور Sultanpur وفي أواخر عام 1500 غادر هذه المدينة وتبنى حياة الزهاد المتجولين داخل الهند وخارج حدود الهند.
مع بداية أول مؤلف تم تسجيله من كتب السيخ المقدسة نجد فكرة واحدانية الله، فالله عند المعلم (ناناك) واحد، وهو الخالق، المفارق المتعالي الذي يجب أن يرتبط به ارتباطاً وثيقاً أولئك الذين يبحثون عن الخلاص.
ويصف المعلم ناناك الله بأنه الواحد الذي لا شكل له، وهو الأزلي وهو (ما لا يوصف)، والله حاضر في كل مكان وموجود في كل مكان.
طريق الخلاص:
إن العقبة الرئيسية التي تعوق عملية السعي إلى الخلاص هو الوضع البشري، فالناس في ضلالهم واقعون في عبودية العالم، لأن ولاءهم للعالم ولقيمة، وهذا التعلق بالعالم يسجنهم داخل دورة تناسخ لا نهاية لها من الميلاد والموت.
فالناس يسعون إلى تحقيق الخلاص عن طريق التعلق بالقيم الدنيوية، ولذلك فهم ضحايا الوهم الذي يصور لهم أن التعلق بالقيم الدنيوية هو الحقيقة في ذاتها. وهذه الحالة من الضلال أو الوهم تمنع الكشف أو التجلي الإلهي.
وعلى الإنسان أن يتجاوز هذا العالم الدنيوي بنظام العبادات والزهد لكي تجد الروح اتحادها الصوفي بالله، وتبلغ الروح مرحلة الانعتاق باندماجها في الله ( ).

الفلسفة اليونانية
- طاليس:
أدرك طاليس 546 ق. م أن الماء ضروري لحياة الإنسان والحيوان والنبات وإن شيئاً ما لا يمكن أن يثمر أو يتوالد بدون الماء، كما أننا نجد أن البذور الأصلية لجميع الأحياء تحتفظ بقدر من الرطوبة.
ويذكر أرسطو أن طاليس هو القائل: (بأن الماء هو العلة المادية للأشياء جميعاً، وأن الأرض تطفو فوق الماء، وأن للمغناطيس قوة حيوية، وأن العالم مليء بالآلهة).
فما معنى قول طاليس أن الماء هو العلة المادية للموجودات؟ يقصد بذلك الإشارة إلى أن الماء هو المادة الأولى الخام لجميع الأشياء، هذه المادة تتشكل بعد ذلك وتتخذ صوراً أو هيئات مختلفة.
وكأن طاليس يريد أن يصل إلى مبدأ أول مادي يفسر به التغيرات المختلفة التي تطرأ على الظواهر الطبيعية، فرأى أن الماء هو العنصر الوحيد الذي يمكن أن يتخذ أشكالاً مختلفة، فقد يتحول هذا السائل إلى مادة غازية أو إلى مادة جامدة التراب والثلج، ويذكر طاليس أنه رأى بنفسه كيف تتم هذه التحولات في الطبيعة وكيف أن هذه التحولات تبدأ من الماء لتعود إلى الماء، فالماء يتحول بفعل الحرارة إلى بخار، ثم يعود ليتساقط على هيئة مطر، ثم يتحول بعد ذلك إلى تراب يتحول إلى ماء كما نشاهد في الينابيع الأرضية مثلاً، ومن ناحية أخرى فقد أوحت إليه ظاهرة التبخر القول بأن الرطوبة المتصاعدة من البحر على هيئة بخار هي التي تحفظ نار الأجسام الإلهية السماوية( ).
وينسب أرسطو لطاليس قوله: (بأن العالم مليء بالآلهة)، ويفسر أرسطو هذا القول بأن طاليس ربما يعني بذلك أن للعالم نفساً، أو هناك عقل للعالم، فهناك عقل إلهي أوجد الأشياء من الماء، وقد أرجع طاليس الظواهر الكونية إلى أصل واحد على أساس منطقي، والنظر إلى العالم على أنه وحدة متناسقة في الوجود ( ).
انكسمندر: يرى أن الأشياء كلها مستمدة من عنصر أول أوحد، لكن هذا العنصر ليس هو الماء كما ظن طاليس، ولا هو أي عنصر آخر مما نعرف، بل إنه لا نهائي وخالد ولا حدود لزمانه، وهو (يحتوي على العوالم كلها) ذلك لأنه ظن أن عالمنا هذا إن هو إلا عالم واحد من طائفة كبيرة، وهذا العنصر الأول يتحول إلى العناصر المختلفة التي نألفها، ثم تتحول هذه العناصر المألوفة أحدها إلى الآخر، وله في ذلك عبارة هامة تستوقف النظر (إن الأشياء تعود فترتد إلى العنصر الذي منه نشأت، كما جرى بذلك القضاء، لأنها تعوض بعضها بعضاً، ويرضى بعضها، لما وقع منها من إجحاف، كما يقضي بذلك أمر الزمان).
ففكرة العدالة، سواء في ذلك العدالة الكونية والعدالة الإنسانية، قد لعبت دوراً في الفلسفة اليونانية، وقد عبر انكسمندر عن فكرة العدالة بأنه لابد أن يكون هناك نسبة معينة من النار ومن التراب ومن الماء في العالم، لكن كل عنصر من هذه العناصر (وقد تخيلها آلهة) لا يغني عن السعي في سبيل اتساع رقعة ملكه، غير أن ثمة نوعاً من الضرورة أو القانون الطبيعي لا ينفك يرد التوازن إلى حيث كان، فحيث كان نار مثلاً نرى الآن رماداً، والرماد من التراب – هذه الفكرة عن العدالة، والعدالة هنا معناها عدم مجاوزة الحدود المفروضة منذ الأزل، هي من أعمق العقائد اليونانية، وكانت الآلهة خاضعة لحكم العدالة خضوع البشر له.
وكان لانكسمندر حجة يدلل بها على أن العنصر الأول لا يمكن أن يكون ماء ولا عنصر آخر غير الماء مما نعرف لأنه لو كان من هذه العناصر عنصر أولي لاكتسح العناصر الأخرى، ويروي عنه أرسطو أنه قال: إن هذه العناصر المعروفة لنا يعارض بعضها بعضاً، فالهواء بارد والماء رطب والنار حارة، وعلى ذلك فلو كان أحد هذه العناصر لا نهائياً، لزالتا العناصر الباقية قبل اليوم) وإذن فلابد أن يكون العنصر الأولي محايداً في هذا الصراع الكوني( ).
ويقول انكسمندر إن اللامتناهي هو العلة المادية والعنصر الأول في وجود الأشياء جميعاً، ورفض القول بأن اللامتناهي ماء أو أي عنصر آخر، إذ أنه في نظره جوهر مختلف عن كل هذه العناصر. وهذا اللامتناهي أزلي لا زمن له تصدر عنه كل السموات والعوالم الموجودة في هذه السماوات ويوضح انكسمندر أن هناك شيء أزلي لا يفنى هو مصدر الأشياء جميعاً وترجع إليه هذه الأشياء، فهو معين لا ينضب.
والواقع أن موقف انكسمندر تطور طبيعي لفكرة طاليس، لقد رأى انكسمندر أن الماء لا يمكن أن يكون مصدراً لجميع الموجودات، ولابد أن تكون العلة الأولى شيئاً عاماً يقبل التشكلات المختلفة، كما يقبل الأضداد، وإذن فقد قال باللامتناهي السابق على العناصر، أما هذه المادة اللامحدود فإنها تشتمل على الأضداد، ويظل النزاع مستمراً بين هذه الأضداد، إذ أن كلا منها يحاول التغلب على ضده، فيتغلب الحار على البارد في فصل الصيف مثلاً، ويحدث العكس في فصل الشتاء، وينتهي هذا الصراع في الغالب لمصلحة أحد الطرفين لمدة موقوتة ليعود فيتلاشى في المادة الأولى( ).









قديم 2010-10-23, 17:22   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
عزة النفس
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية عزة النفس
 

 

 
إحصائية العضو










New1 الجزء الثامن

انكسيمانس: لم يوافق انكسيمانس رأي انكسيمندر على أن الجوهر الأول لامتناه، وقال بل العكس من ذلك بأنه مبدأ محدود معين هو الهواء. ومن هذا المبدأ تصدر الأشياء جميعاً بما في ذلك الآلهة والموجودات الإلهية. وهذا الهواء ليس مرئيا لنا، ولكن البرودة والحرارة والرطوبة تجعل من الممكن رؤيته. والهواء في حركة دائمة لأنه لو كان ساكناً لما حدث تغير ما، واختلافه في الموجودات المتكثرة يكون بفعل التكاثف والتخلخل Coudensation and rarefaction فعندما يتمدد يخلخل ويصبح ناراً، وعندما يتكاثف يصبح رياحاً، وعندما يتبدد يصبح سحباً وإذا ازدادت درجة تكاثفه فوق هذا أصبح الماء تراباً، وإذا تكاثف هذا التراب فوق ذلك أصبح صخراً، وإذن فالتغيرات التي تطرأ على المبدأ الأول هي تغيرات كمية ( ).
والعنصر الرئيسي عنده هو الهواء، فالروح هواء، والنار هواء مخلخل، وإذا ما تكثف الهواء انقلب بادئ الأمر ماء، ثم إذا مضيت في تكثيفه، انقلبت تراباً، وبعدئذ يكون صخوراً، ولهذه النظرية حسنة هي أنها تجعل الفوارق كلها بين العناصر المختلفة اختلافاً في الكمية، يعتمد كل الاعتماد على درجة التكثف.
ومن رأيه أن الأرض تشبه المنضدة المستديرة، وأن الهواء يحيط بكل شيء (فكما أن روح الإنسان لكونها هواء تمسك جسده، فكذلك ترى النفس والهواء يحيطان بالعالم كله، فقد يظهر أن العالم يتنفس)( ).
الفيثاغورية 532 ق.م
الفيثاغورية فلسفة رياضية كونية وطريقة صوفية تؤمن بتطهير الروح من البدن، وتعد اتباعها لحياة التأمل والرياضة الروحية.
والفيثاغورية جاءت في موضعها الصحيح من حلقات تطور الفكر الفلسفي عند اليونان، وذلك أن العقل اليوناني بعد أن اتجه إلى المحسوس الخارجي يتلمس الحقيقة في ثناياه، اكتشف أن هذا المحسوس إنما يخضع لنظام معين، وأن الرياضة هي التي تترجم عن هذا النظام، وكان على الفيثاغوريين أن يقوموا بهذا الدور، وأن يكشفوا ما تنطوي عليه المحسوسات من نظام وترتيب تمثله الأعداد والخطوط، وهنا نجد أن الفلسفة تجاوزت المحسوس إلى نوع من التجريد الوسط وهو التجريد الرياضي.
لقد اختلطت تعاليم الفيثاغوريين الروحية بأرائهم العلمية ونظرياتهم الرياضية، ولكن غلبة الاتجاه الرياضي على اتباع هذه المدرسة جعلت المؤرخين يطلقون اسم (فيثاغوري) على المشتغلين بالرياضيات منهم فحسب، أما التعاليم أو الوصايا الروحية التي عرفت عن هذه المدرسة فأهمها اعتقادهم بوجود نوع من القرابة بين الإنسان والحيوان، ومن ثم فهم يحرمون تقديم القرابين الدموية ويمتنعون عن أكل اللحم، ويذكر بعض المؤرخين أنهم كانوا يمتنعون فقط عن أكل لحم الحملان وثيران الحرث، وما ذبح على النصب من قرابين مقدمة للآلهة.
ومن وصاياهم: امتنع عن أكل البقول – لا تقطف زهرة من إكليل لا تلمس ديكاً أبيض – لا تأكل من رغيف بأكمله – لا تعبر فوق عارضة طريق.
ويبدو من هذه الوصايا أن الفيثاغوريين قد ضمنوا تعاليمهم الكثير من آراء اللاهوتيين ومحترفي السحر في عصر ما قبل الفلسفة.
وكانت الطريقة التي أسسها فيثاغورث تجمع بين حياة التقشف والرياضة الروحية والفكر الرياضي، وكانت عقيدة التناسخ محور تعاليم فيثاغورس وعليها تدور مجاهدات الفيثاغوريين وطقوسهم الدينية ومبادئهم الأخلاقية( ).
ويستهدف الفيثاغوريون من التناسخ تحرير النفس وخلاصها إلى المقام الأعلى حيث السعادة التامة، وذلك بعد سلوك طريق التطهر من الحس.
وقد أشار هرقليطس إلى أن فيثاغورث هو أول من ميز بين أنواع ثلاثة من الحياة: الحياة النظرية، والحياة العملية وحياة التأمل والعكوف على الذات. ومهما كانت صور الحياة التي نحياها إلا أننا يجب أن نسلم بأننا غرباء في هذه الدنيا وأن الجسم الذي يربطنا به إن هو إلا مقبرة النفس ( ).
ويرى الفيثاغوريون أن الحياة مرحلة صعبة ويتعين على كل من يريد أن يجتازها بنجاح، أن يتلقى تدريباً منظماً، وأن يطيل فترات الصمت وأن يستبطن نفسه يومياً ليختبر جوانبها وأطوارها ويقول أفلاطون إن فيثاغورث وأتباعه يرون أن المجهود العقلي هو أسمى صور التطهر، وهو أضمن الطرق لتحرير النفس في حياتهما هذه قبل الموت البدني، وكان الفيثاغوريون يستخدمون الموسيقى والرياضة لشد أزر النفس، وقمع نزوات البدن، ومقاومة المؤثرات الخارجية حتى تسيطر القوى الروحية على الفرد، وتتغلب على كل ما له علاقة بالحس والمحسوس. وقد رتب المتأخرون من الفيثاغوريين لكل من النفس والبدن أساليب خاصة للتطهر من المؤثرات الخارجية. فتطهير النفس يتم بالموسيقى والعكوف على الدراسات العلمية، أما تطهير البدن فإنه يتم بممارسة الرياضة ويلاحظ أن فكرة (الأخوة) التي نادى بها الفيثاغوريون مستمدة من عقيدتهم في التناسخ، ذلك إنهم يرون أن الموجودات كلها بما في ذلك النبات والحيوان والإنسان ترتبط فيما بينها برباط وثيق، وإنه في مرحلة الولادات قد تتقمص النفس جسم حيوان آخر أو إنسان آخر أو نبات مثلاً، وكان من نتائج مذهبهم هذا أن اعتبرت المرأة في جماعتهم مساوية للرجل ولها نفس حقوقه، معاملة العبيد معاملة إنسانية، ومن الناحية الاجتماعية أيضاً نجد أن الفيثاغوريين كانوا لا يميزون بين الأفراد إلا من حيث مواهبهم، فهم يصنفون الناس حسب طباعهم ومميزاتهم، وقد تحقق هذا التدرج بين الناس في التناسخ ( ).
وتميل المذاهب التي أوحى بها فيثاغورس إلى البحث في العالم الآخر، إذ تجعل القيمة كلها لوحدة الله التي لا تراها العيون، وتتهم العالم المرئي بالبطلان والخداع.
وقد أوضح فيثاغورس أن الروح خالدة، وأنها تتحول ضروباً أخرى من الكائنات الحية، وكل ما يظهر في الوجود يعود فيولد في دورة معلومة فلا شيء جديد كل الجدة، وأن كل ما يولد وفيه دبيب الحياة، ينبغي أن ينظر إليه جميعاً نظرتنا إلى أبناء الأسرة الواحدة.
نحن في هذا العالم غرباء، والجسم هو مقبرة الروح، ومع ذلك فلا يجوز لأحد منا أن يلتمس الفرار بالانتحار، لأننا ملك الله، هو راعينا، والناس في هذه الحياة ثلاثة ضروب تقابل الضروب الثلاثة من الناس الذين يفدون إلى الألعاب الأوليمبية فأحط الطبقات جماعة جاءت تبيع وتشتري ويتلوها ارتفاعاً أولئك الذين يتنافسون في المضمار، وخير الناس جميعاً هم أولئك الذين جاءوا ينظرون إلى ما يجري وحسبهم ذلك، وعلى ذلك فأعلى درجات التطهير النفسي هو العلم الذي لا يجعل الهوى أساسه، وإن من يستطيع تكريس نفسه لذلك هو الفيلسوف الحق.
ولذلك فإن التأمل العاطفي الوجداني عند فيثاغورس هو الفهم العقلي الذي يتمثل في المعرفة الرياضية. فالفيلسوف التجريبي عبد لمادته، أما الرياضي البحت فهو كالموسيقى يخلق عالمه بتنسيقه الجميل خلقاً حراً.
فالتأمل العقلي قد أدى إلى خلق الرياضة البحتة، وذلك أدى إلى نجاح الفيلسوف في اللاهوت والأخلاق والفلسفة وهو نجاح لم يكن ليظفر به لولا ما أظهره من نفع في عالم الرياضة( ).
فالرياضة هي المصدر الأساسي الذي عنه تفرع الاعتقاد في حقيقة أبدية مضبوطة، وفي عالم معقول فوق مستوى الحس، فالفكر أسمى منزلة من الحواس، وإن ما ندركه بالتفكير أقرب إلى الحق مما ندركه بالحواس. وكان تأثير فيثاغورس بأن العالم الأزلي ينكشف للعقل ولا ينكشف للحواس ( ).
هرقليطس 540/ 475 ق. م
يرى هرقليطس أن الأشياء في تغير مستمر، وأن القانون العام الذي ينظم الوجود هو التغير وعدم الثبات، والتجدد المستمر، فكل شيء في سيلان مستمر، ولا يوجد شيء باق على الإطلاق، فالإنسان لا يستطيع أن يضع قدمه في نهر واحد مرتين لأن النهر يكون قد تغير بين الخطوتين، ونحن موجودون وغير موجودين، وكما يوجد الواحد من الأشياء جميعاً، كذلك الأشياء تصدر عن الواحد، والله هو النهار والليل، والصيف والشتاء، والسلام والحرب، وهي ماهية الأشياء جميعاً، وهذا العالم لم تصنعه الآلهة أو البشر، ذلك أنه وجد هكذا، وسيستمر هكذا، وهو نار حية. والسبب الذي دعاه إلى القول بأن النار هي العنصر المكون للوجود هو أنها أقل العناصر ثباتا. وهو لا يقصد بالنار هنا اللهيب فحسب، بل أيضاً الدفء والحرارة على وجه العموم، ولذلك فقد سماها (البخار المتصاعد).
وتتكون الأشياء من النار ثم تعود إليها، وهكذا، ولما كان لا يوجد شيء ثابت على الإطلاق، فلا توجد إذن أي صورة باقية، إذ كل شيء في تحول مستمر من حالة إلى ضدها، فالشيء الواحد يتضمن في ذاته الأضداد جميعاً، والصراع قانون العالم، والتنازع أبو الأشياء، وكل ما يتفرق ويتحطم يعود ليلتئم من جديد، ويتحكم القانون الإلهي والقدر والحكمة والبقاء الكلي في كل شيء، ولو أن هناك تغيراً دائماً إلا أن هذا التغير يتم حسب قوانين ثابتة، إذ تتغير الأشياء ثم تعود ثانية. وتمر العناصر الأولية في تحولاتها بثلاثة مراحل أساسية: فمن النار يتكون الماء، ومن الماء يتكون التراب، وعلى العكس يعود التراب فيصبح ماء ثم يصبح الماء ناراً، وجميع الموجودات عرضة لهذا الأسلوب في التغير.
ولكن الموجودات تبدو لنا في الظاهر كما لو كانت ثابتة، ذلك لأنها تتلقى من جانب نفس المقدار الذي تفقده من جانب آخر، ويضرب لنا هرقليطس مثلاً بالشمس فإنها تتجدد كل يوم، فما تفقده بالنهار تتلقاه في الليل نتيجة للأبخرة المتصاعدة من البخار، إلا أنه إذا ما انتهت الأشياء جميعاً إلى النار الأصلية بحيث لا يبقى في العالم سوى النار، فإنه يكتمل دور من أدوار الوجود المتعاقبة، وتتكرر هذه الأدوار إلى مالا نهاية.
والنفس الإنسانية جزء من النار الإلهية، وكلما كانت هذه النار أكثر جفافاً، كانت أقرب إلى الكمال، وإذن فالنفس الأكثر جفافاً هي أحكم النفوس وأفضلها، وعندما تترك النفس الجسم تعود من حيث أتت، إلى عالم النار، ومن ثم فإن المذهب لا يعترف بخلو فردي للنفس مادام هناك تغير مستمر ( ).
أي أن النار هي العنصر الرئيسي، فكل شيء مثل لهب النار يولد بموت غيره، (إن أصحاب الفناء خالدون، والخالدين هم أصحاب الفناء، وكل واحد يعيش بموت غيره ويموت بحياة غيره). وفي العالم وحدة واحدة لكنها وحدة مؤلفة من اجتماع الأضداد (إن الأشياء جميعا ًتخرج من الواحد، والواحد يخرج من الأشياء جميعاً) لكن الكثرة أقل واقعية من الواحد الذي هو الله.
ونزعته الخلقية ضرب من التقشف، فيذهب إلى أن النفس مزيج من نار وماء، والنار منها جانب شريف، والماء جانب وضيع، ويسمى النفس التي رجمت فيها النار نفساً (جافة) إن النفس الجافة أحكم النفوس وأفضلها.
إنه من العسير على الإنسان أن يحارب رغبات قلبه، فكل ما يشتهيه القلب إنما يشترى على حساب النفس، ليس من الخير للناس أن يحصلوا على كل ما يريدون الحصول عليه، أي أن هيرقليطس يقدر القوة إن ظفر بها الإنسان، من سيطرته على نفسه، ويحتقر العواطف التي تصرف الناس عن مطامحهم الأساسية.
ويوضح هيرقليطس فكرة التغير، فكل شيء في تحول دائم، (إنك لا تستطيع أن تخطو مرتين في نهر بعينه، لأن ماءا ًجديداً سيظل دفاقاً عليك)، (إن الشمس تتجدد كل يوم) (إن كل الأشياء تتحول إلى نار والنار تتحول إلى أي شيء)، (إن النار تحيا بموت الهواء والهواء يحيا بموت النار، والماء يحيا بموت التراب، والتراب يحيا بموت الماء).
كما اهتم هيرقليطس بمذهب امتزج الأضداد، فهو يقول: (إن الناس لا يعرفون كيف يعود ما هو متباين التكوين إلى الاتفاق مع نفسه، والأمر هنا عبارة عن اتساق الأنغام الصادرة من أوتار متضادة لنغم القيثارة. إن في العالم وحدة، ولكنها وحدة نتجت عن تباين، فالأضداد تشترك لتنتج حركة الانسجام.
أزواج الأشياء هي أشياء كاملة وأخرى غير كاملة، هي ما ينجذب بعضه إلى بعض، وما ينفصل بعضه عن بعض، هي المتناغم والناشز، إن الواحد متألف من كل الأشياء، وكل الأشياء صادر عن الواحد)، ونراه أحياناً يتحدث كأنما الوحدة أصل التباين؛ (الخير والشر واحد).
(كل الأشياء بالنسبة لله عادلة وخيرة وصحيحة، أما الناس فيرون بعض الأشياء خطأ وبعضها صواباً). (الطريق الصاعد والطريق الهابط هما طريق واحد بعينه).
الله هو النهار والليل والشتاء والصيف والحرب والسلام، والشبع والجوع، لكنه يتخذ أشكالاً عدة، (فإذا لم يكن هناك أضداد يلتئم بعضها مع بعض لما كان هناك اتحاد) (إنه الضد الذي يكون مصدر الخير لنا)( ).
بارمنيدس: 450 ق.م
وإذا كان هرقليطس قد رأى أن الأشياء في حركة دائمة، وأن الأضداد تتمدد لتؤلف الانسجام في الكثرة فإننا نرى على العكس من ذلك أن بارمنيدس كان يقف على النقيض من هذه الآراء فينفي بارمنيدس ومدرسته الكثرة والتغير، ويقول بالثبات والوحدة، ويذهب إلى أن وراء التغيرات الظاهرية توجد ضرورة وقانون ثابت، وأن هناك وحدة ووجود ثابت، وعلى هذا، فالحركة والكثرة ليستا إلا عرضين ظاهريين. وليس ثمة قانون للوجود الحقيقي، غير الوحدة الشاملة والثبات الدائم.
ويرى بارمنيدس أن الوجود موجود ويستحيل ألا يكون موجود، وقد فهم من فكرة الوجود أنها ليست مجرد تصور منطقي بل إنها تشير إلى كتلة الموجودات ذاتها في الماء، أما اللاوجود فلا وجود له في الواقع أو في التصور، فاللاوجود غير موجود ولا يمكن تصوره، ومن هذه القاعدة استمد بارمنيدس مذهبه في طبيعة الوجود، فليس للوجود مبدأ ولا نهاية، لأنه لا يمكن أن يخلق من العدم، أو اللاوجود، وكذلك لا يمكن أن ينتهي إلى العدم، فلم يكن الوجود غير موجود في الماضي ولن ينقطع عن الوجود، بل هو موجود الآن وفي كل وقت بصفة مستمرة، وهو أيضاً غير منقسم لأنه هو في كل مكان، ولا يمكن أن يوجد ما يقسمه، ولا حركة فيه ولا تغير، متشابه الأجزاء، شبيه بشكل كري مستدير له أبعاد متساوية من مركزه إلى جميع جوانب سطحه، والفكر لا يختلف عن الوجود، لأنه ليس إلا فكر الوجود، والإدراك الوحيد الغير متغير في كل شيء. أما الحواس التي ندرك عن طريقها ظواهر الكون والفساد والتغير، هذه الحواس هي مصدر الخطأ. فالحواس تخدعنا، إذ أنها لم تظهر لنا الأشياء كما لو كانت في تغير مستمر، وأنها إلى فناء محقق، بينما الواقع بخلاف ذلك، إذ الوجود واحد ثابت غير متغير ( ).
ويقوم مذهب بارمنيدس على أن الحواس خادعة، ويعتبر كثرة الأشياء المدركة بالحواس أوهاماً لا أكثر، والكائن الحقيقي الوحيد هو (الواحد) الذي هو لا نهائي ولا يقبل الانقسام، وليس هذا الواحد –كما ارتأى هرقليطس- وحدة قوامها الأضداد، لأنه ليس هناك أضداد، فالظاهر أنه رأى مثلاً أن (بارد) معناها غير حار و(مظلم) معناها (غير ذي ضوء) ولا ينظر بارمنيدس إلى (الواحد) نظرتنا نحن إلى الله، إذ الظاهر أنه يتصوره مادياً وله امتداد لأنه يتحدث عنه على أنه كري الشكل، لكنه مع ذلك لا يقبل الانقسام لأنه بأسره موجود في كل مكان.
ويقسم بارمنيدس تعاليمه قسمين يسميها على التوالي (طريق الحقيقة) و(طريق الظن)، ويقول عن طريق الحقيقة (إنك لا تدري ما ليس بموجود –لأن ذلك مستحيل- بل لا يمكنك أن تنطق به، لأن ما يمكن التفكير فيه وما يجوز وجوده في شيء واحد في كلتا الحالتين.
إذن فكيف يمكن لما هو موجود فعلاً أن يصير موجوداً في المستقبل؟ أو كيف يمكن له أن يجيء إلى عالم الموجود؟ إنه لو كان قد جاء إلى عالم الموجود، إذن فليس هو بالموجود، وليس هو بالموجود أيضاً لو كان سيصير موجوداً في المستقبل، وعلى ذلك فالصيرورة تنمحي، وانقضاء الشيء في عالم الماضي يزول الكلام فيه).
(إن الشيء الذي يمكن أن يكون موضوعاً للتفكير، والشيء الذي من أجله يوجد التفكير، هو هو بعينه شيء واحد في كلتا الحالتين، لأنك لن تجد تفكيراً بغير









قديم 2010-10-23, 17:24   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
عزة النفس
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية عزة النفس
 

 

 
إحصائية العضو










New1 الجزء التاسع

شيء موجود، يدور حوله الكلام)( ).
ومغزى هذا القول هو ما يأتي: (إنك إذا فكرت، كان تفكيرك عن شيء، وإذا استعملت اسماً فلابد أن يكون اسماً لشيء، وعلى هذا فالفكر واللغة كلاهما يستلزمان وجود أشياء خارجة عنهما، ولما كان في مقدورك أن تفكر في شيء أو تتحدث عنه في أي لحظة، لا فرق بين لحظة وأخرى، فما يمكن التفكير فيه أو الكلام عنه، كائناً ما كان، لابد أن يكون موجوداً في كل آن، وينتج عن ذلك ألا تغير مادام التغير معناه أن الأشياء توجد بعد أن لم تكن، أو ينعدم وجودها بعد أن كانت( ).
- أمبادقليس 440 ق. م
يرى أن العناصر الأربعة التراب والهواء والنار والماء قديمة، لكن العناصر يمكن أن تمتزج بنسب مختلفة فينتج عن امتزاجها المواد المركبة المتغيرة التي نصادفها في العالم، والحب هو الذي يصل هذه العناصر، والبغضاء هي التي تفصلها، وكان الحب والبغضاء في رأي امبادقليس عنصرين أولين يتساويان منزلة مع التراب والهواء والنار والماء، وقد مضت دهور كان الحب فيها صاحب السيادة، ودهور أخرى كانت البغضاء أقوى الجانبين، وجاء عصر ذهبي كان فيه النصر للحب، وعندئذ كان الناس لا يعبدون إلا أفروديت القبرصية. وليست تغيرات العالم مسيرة وفق هدف منشود. لكنها (المصادفة) و(الضرورة) وحدهما هما اللذان يسيرانها، والعالم يسير في دورات متعاقبة، فإذا ما مزج الحب العناصر مزجاً تاما، أخذت البغضاء شيئاً فشيئاً بشنها حرباً من جديد، حتى إذا ما وفقت البغضاء إلى التفرقة بينها، عاد (الحب) فوحد شيئا ًفشيئاً، وعلى ذلك تكون كل مادة مركبة مؤقتة. وليس ثمة من دوام إلا للعناصر ولقوتي (الحب والبغضاء). فالبغضاء لا تسيطر وحدها على العالم بل يعمل الحب إلى جانبها، فينتجان التغير.
وذهب إمبادوقليس إلى أن العالم المادي كروي الشكل، وأنه في العصر الذهبي كان البغضاء خارج الكرة والحب داخلها، ثم أخذت البغضاء تتسلل إلى الداخل فتطرد الحب، وهذه الدورة تتكرر وبهذا يفسر إمبادوقليس التغير في الكون، ودوام الصراع بين التنافز والوئام، ويظهر الواحد تلو الآخر، ويسود السلام والوحدة أحياناً في ظل أفروديت، ثم يتلوها مرة أخرى القتال بسبب مبدأ التنافر.
وبعض الناس يحظى في النهاية بالنعيم الأبدي في رفقة الآلهة، ولعل هؤلاء هم الذين يترفعون عن الخطيئة خلال التجسدات الكثيرة التي تظهر فيها أرواحهم (ولكنهم يظهرون آخر الأمر بين البشر الفاني سنظهر أنبياء وناظمي أناشيد وأطباء وأمراء، وبعدئذ يصعدون آلهة مجدهم الشرف، يقاسمون سائر الآلهة مدفأتهم ويجلسون معهم إلى مائدة واحدة أحراراً من متاعب بني الإنسان، آمنين من بطش القضاء، وبمنجية من الأذى)( ).
مذهب أنبادوقليس هو محاولة التوفيق بين آراء هيرقليطس في التغير المستمر وآراء بارمنيدس في الثبات الدائم، فقد رأى أن الكون والفساد والتغير ليست سوى اتصال وانفصال الجواهر الآلية غير المتغيرة، والتي تختلف عن بعضها من حيث الكيف، ولكنها منفصلة كماً، وهذا لا يعني أنها ذرات إذ هي في حقيقة الأمر العناصر الأولى للموجودات. وكان أنبادوقليس يرى أن العناصر الأربعة الماء والنار والهواء والتراب هي الأصول للأشياء جميعاً، وهذه العناصر لا يتحول أحدها إلى الآخر، ولا تأتلف لتكون عنصراً جديداً، فأي اجتماع لها هو مجرد اختلاط لأجزاء صغيرة تحتفظ بقوامها أو بطبائعها المميزة دون مزج أو اندماج يفقدها خواصها المميزة. وتؤثر الأجسام بعضها في البعض الآخر بأن تخترق أجزاء صغيرة من جسم ما إلى مسام جسم آخر، وإذا توافقت هذه الأجزاء الصادرة من الجسم مع مسام الجسم الآخر، فإنه يحدث جذب بين الجسمين.
مصدر الحركة مبدآن هما سبب انفصال العناصر واتصالها، أحدهما قوة توحيد ووصل وهو المحبة والآخر قوة التفريق أو الفصل وهو الكراهية، والعالم تتعاقب عليه أدوار من المحبة والكراهية إلى مالا نهاية.
ويفسر أنبادوقليس تكوين العالم بواسطة الحركة الدائرية، حيث تنفصل السموات والنجوم والهواء والأرض تدريجياً عن كتلة الوجود الأولى، وذلك بفضل الحركة الدائرية المتصلة. ولأنبادوقليس نظرية في التطور التاريخي للموجودات سواء كانت نباتاً أو حيواناً أو إنساناً، فعنده أن الأطراف الجسمية تكونت أولاً على أشكال منفصلة ثم اجتمعت هذه الأطراف بفعل المحبة واتحدت لتكون أشكالاً ضخمة غير مهذبة.
وقد اعتقد أنبادوقليس بتناسخ الأرواح، وهذه الأرواح تحيا حياة أزلية كلها سعادة وغبطة، ويعتبر الوجود الأرضي نوعاً من العقاب للأرواح التي أسقطت على هذه الأرض.
وقد حرم هذا المذهب أكل اللحم وتقديم القرابين الدموية، وكذلك فقد اعتبر الحرب مظهراً من مظاهر الكراهية وعلى العكس فالسلام مظهر من مظاهر المحبة( ).
أنكساجوراس 500 – 428 ق. م
كان انكساجوراس على العكس من أبنادوقليس مبتعداً عن أي اتجاه صوفي، فقد اتبع طريقة التفسير العقلي المحض، وقد رفض فكرة التفكير الكيفي للأشياء، وفسر الوجود باتصال وانفصال الجواهر الموجودة بالفعل، وعلى ذلك فإن تغير كيفي لن يكون في حقيقة الأمر سوى تغير في التركيب المادي للجوهر.
ورأى أنكساجوراس أن المحبة والكراهية لا يمكن أن يكفيا لتفسير الحركة، لذلك فقد قال بأن هذه الحركة لابد وأن تكون من فعل موجود تسمو معرفته وقدرته على الموجودات جميعاً. وهذا الموجود يحب أن يكون مفكراً ومعقولاً وقادراً، هو العقل Nous وهذا العقل لا يختلط بأي شيء من الأشياء، وهو متميز عن المادة كل التميز، إذ هو موجود بسيط غير قابل للقسمة، بينما المادة مركبة. ووظيفة العقل الأساسية هي تفريق كتلة المادة المختلطة، فهي خليط من عدد لا يحصى من الأجزاء القديمة الغير متغيرة والغير منقسمة، والغير قابلة للعدم.
ويفسر أنكساجوراس وجود الأرض والكواكب بالحركة الدائرية التي لا تنقطع أبداً، ويرجع الفضل إلى انكساجوراس لقوله بمبدأ عقلي متمايز عن المادة، ولذلك فهو يعد أول المتكلمين عن الثنائية الفلسفية بين العقل والمادة، وهو يرى أنه على الرغم من تدخل العقل في عمليات الإيجاد والحركة والتنظيم إلا أن العقل يوجد بنفسه، ولا يختلط بالمادة أصلاً رغم تصرفه في جميع الأجسام، ورغم كونه القوة المحركة والمسيطرة على جميع الأشياء المرتبطة بالعالم كله( ).

وذهب اناكساجوراسي إلى أن كل شيء قابل للانقسام إلى مالا نهاية، وإن أصغر أجزاء المادة لا يخلو من آثار لشتى العناصر جميعاً، وإنما تبدو الأشياء على ما هي تبعاً للعنصر الغالب عليها، فمثلاً كل شيء يحتوي على نار، لكننا لا نسمي الشيء ناراً، إلا إذا كان عنصر النار هو السائد.
وهو يختلف عن أسلافه في اعتبار العقل (ناوس) عنصراً أصيلاً يدخل في تركيب الكائنات الحية جميعاً، فيفرق بينها وبين المادة الميتة، وهو يقول أن في كل شيء جزءاً من كل شيء، ماعدا العقل، وبعض الأشياء يحتوي عقلاً إلى جانب شتى العناصر، وللعقل قوة على كل شيء تدب فيه الحياة، والعقل لا نهائي يحكم نفسه بنفسه ولا يخالطه عنصر آخر، فلو استثنيت العقل وحده، وجدت كل شيء يحتوي على أجزاء من الأضداد جميعاً، كالحار والبارد، والأبيض والأسود.
والعقل مصدر الحركة كلها، فهو يسبب حركة دائرية تنتشر في أرجاء العالم، وتجعل أخف الأشياء ينزاح إلى الحافة، وأثقلها يهوي تجاه المركز، والعقل متجانس، فهو لا يختلف سمواً في الحيوان عنه في الإنسان، وإنما ترجع سيادة الإنسان الظاهر إلى أن له يدين، وكل الفوارق البادية بين درجات الذكاء، إن هي في حقيقة أمرها إلا نتيجة لفوارق في الأجسام.
ولهذا نرى أرسطو وسقراط يأسفان على أن أنكساجوراس قد أدخل عنصر العقل في حسابه، لكنه لم يستفد منه إلا قليلاً، فيذكر أرسطو أن أنكساجوراس لم يجعل العقل عنصراً إلا ليتخذ منه سبباً حين تعز عليه الأسباب، وهو لا يحجم عن تفسير الأشياء تفسيراً آلياً إذا وجد إلى ذلك سبيلاً، وأنكر أن تكون الضرورة والمصادفة أصلية لوجود الأشياء ومع ذلك لا تراه يذكر (تدبيراً إلهيا) في فلسفته عن الوجود، والظاهر أنه لم يفكر طويلاً في أمور الأخلاق والدين، ومن المحتمل أن يكون منكراً للآلهة ( ).
الذريون:
ديمقرطيس : 420 ق. م
يعتقد أن كل شيء مكون من ذرات، والذرات لا تقبل الانقسام من الوجهة المادية، وإن لم تكن قابلة للانقسام من الوجهة الهندسية، ويذهبان إلى أن الذرات يفصلها عن بعض فراغ، وأن الذرات يستحيل فناؤها، وأنها كانت منذ الأزل، وستظل إلى الأبد في حركة دائمة، وأن هنالك من هذه الذرات عدداً لا نهاية له، بل لا نهاية لعدد أنواع الذرات التي يختلف بعضها عن بعض شكلاً وحجماً.
ويقول أرسطو أن الذريين يذكرون أيضاً أن الذرات تختلف في درجة الحرارة، فأشدها حرارة هي الذرات الكرية التي يتألف منها النار، وأنها كذلك تختلف في الثقل، وهنا يقتبس من ديمقطريس العبارة الآتية: (كلما كبر حجم الذرة غير القابلة للانقسام ازداد ثقلها).
وقد أنكر ديمقرطيس صراحة إمكان أن يحدث أي شيء بفعل الصدفة، فقد كان يؤمن بأن كل شيء يحدث وفق قوانين طبيعية (فلا شيء يحدث بلا شيء، بل يحدث كل شيء على أساس وبحكم الضرورة).
وقد أراد الذريون أن يفسروا العالم بغير اعتماد على فكرة الغاية أو العلة الغائية (فالعلة الغائية) لحادثة ما، هي حادثة في المستقبل من أجلها حدثت الحادثة التي نحن بصددها فالسببية لابد لها أن تبدأ من شيء، ومادامت قد بدأت، فلا يمكن أن نلتمس سبباً لذلك الشيء الأول الذي عنده بدأت، فقد تنسب العالم إلى (خالق) لكنك في هذه الحالة نفسها لابد أن تترك (الخالق نفسه) بغير تعليل.
وذهب ديمقرطيس لأن هناك إدراك بالحواس وإدراك بالعقل، والإدراكات التي من النوع الثاني لا تعتمد إلا على الأشياء المدركة، بينما إدراكات النوع الأول تعتمد إلى جانب ذلك على الحواس، لذا فهي معرضة للخداع.
وأوضح ديمقرطيس أن النفس تتركب من ذرات، والتفكير عملية فيزيقية، وليس للكون في رأيه غاية ينشدها، إذ ليس هناك إلا ذرات تسير بمقتضى قوانين آلية، ولم يؤمن بالديانة الشعبية.
وفي الأخلاق اعتبر البهجة غاية الحياة، وعد الاعتدال والثقافة خير وسيلتين تؤديان إلى تلك الغاية، وكره كل ما يتصف بالعنف وحده العاطفة، ولم يشجع على الاتصال الجنسي لأنه ينطوي على طغيان اللذة على الإدراك الشعوري طغياناً ساحقاً، وكان للصداقة عنده قيمة كبرى، لكنه أساء الظن بالنساء ولم يرغب في أن يكون له أبناء، لأن تربيتهم تعطل الفلسفة( ).
كان ديمقريطس مقتنعاً بموقف بارمنيدس في نفي التغير المركب ولكنه أراد










 

الكلمات الدلالية (Tags)
الاجتماعي, الحضارات, الفكر, القديمة


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 14:51

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc