الاجراءات الجزائية و القانون الجنائي - الصفحة 3 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الاجراءات الجزائية و القانون الجنائي

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2010-09-27, 18:10   رقم المشاركة : 31
معلومات العضو
شهيرة1
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي

) انتفاء وجه الدعوى أن الجريمة غير ثابتة في حق المتهم لسبب ما وهذا مثاله البراءة أمام المحكمة لا وجه للمتابعة للأسباب التالية: كوفاة المتهم مثلا أو الوقائع لا تشكل جريمة جنائية بل مدنية أو أن الجريمة قيدها سبب من أسباب اللإباحة:
- إذا خلص قاض التحقيق أن الوقائع تشكل جناية أو جنحة أو مخالفة.
- الجنايات ترسل إلى محكمة الجنايات.
- الجنح ترسل إلى محكمة الجنح.
- المخالفات ترسل إلى محكمة المخالفات.
- أوامر قاض التحقيق تستأنف أمام غرفة الاتهام ( جميع الأوامر دون استثناء ) النيابة العامة تستأنفه أما غرفة الاتهام ( جميع الأوامر دون استثناء ) النيابة العامة تستأنفه أمام غرفة الاتهام . فالمتهم يستأنف أوامر قاض التحقيق لكن ليس كل الأوامر فيستأنف حقوقه المدنية كالإفراج والمدعي المدني يستأنف ما يمسه لمضرور الشخص الذي يصدر له قاضي التحقيق أمر بانتقاء وجه الدعوى.لا يجوز متابعة ثانية على نفس الوقائع مثل أحضر على سرقة سيارة فأصدر قاضي التحقيق انتقاء وجه الدعوى لا يستدعيه ثانية بعد سنتين أو ثلاث إلا إذا أظهرت أدلة جديـدة
- الدليل الجديــد: م 175 إ ج تعتبر أدلة جديدة أقوال الشهود والمحاضر التي لا يمكن عرضها على قاض التحقيق لتصحيحها مع أن من شأنها تقرير الأدلة التي سبق أن وجد ما يثبت براءة المتهم أو إدانته.
- قد يعرض على قاض التحقيق دليل جديد لكنه لا يعزز الأدلة وليست أدلة نافعة فالدليل الجديد يعرض على قاض التحقيق يفيد القضية.
- الذي يعيد فتح الملف من جديد النيابة العامة فتصبح وكأنها جريمة جديدة لكنها تحركها النيابة العامة ثم ترسلها لقضي التحقيق.
نبذة عن التنظيم القضائي الجزافي:
في المحكمة نجد أقسام حيث نجد القسم الجزائي يوجد فيه فرع الجنح.
فرع المخالفات.
فرع الجنح: ينظر في الجرائم التي تحال إلى المحكمة بوصفها جنحة.
فرع المخالفات: ينظر في الجرائم التي تحال إلى المحكمة بوصفها مخالفة.
أما في المجلس نجد غرف:
الجنح: تختص مكان القبض.
مكان الإقامة.
مكان وقوع الجريمة.
المخالفات: تختص مكان الإقامة.
مكان وقوع الجريمة.

ويوجد أيضا:
قسم الأحداث: قسم يحاكم أمامه الأحداث
والحدث: هو الشخص الذي لم يتجاوز 18 سنة إذا بلغ سن 18 سنة فهو بالغ هذا الحدث الذي يرتكب جريمة يحاكم أمام محكمة الأحداث فقسم الأحداث ينظر في الجنح التي يرتكبها الحدث.
الحدث الذي يرتكب مخالفة مثله مثل البالغ يحال إلى فرع المخالفات .
في الجناية: الحدث الذي يرتكب جناية يختص به قسم الأحداث الموجود بمحكمة مقر المجلس ( في قالمة مثلا ).
في المجلس نجد الغرفة الجزائية وغرفة الأحداث وغرفة الاتهام.
الغرفة الجزائية: تنظر في الاستئنافات الجنح والمخالفات.
غرفة الأحداث: تنظر في الاستئنافات الجنايات والجنح والمخالفات الذي يرتكبها الأحداث.
غرفة الاتهام: تنظر في الاستئنافات جنايات والجنح والمخالفات الذي يرتكبها الأحداث.
غرفة الاتهام: هي جهة استئناف وجهة رقابة على التحقيق تعطي هذه الغرفة الوصف النهائي للجريمة أي الوقائع التي تشكل جناية تحال إلى محكمة الجنايات وإذا رأت أن الوقائع تشكل جنحة تحال إلى محكمة الجنح وإذا لم تشكل الوقائع جريمة تقوم بانتقاء الوقائع.
ما هي محكمة الجنايات ؟
هي قانونية افتراضية تنظر في الجرائم التي لها وصف الجناية وتنعقد بمقر المجلس كل 03 أشهر مرة ويجوز أن تنعقد في دورة طارئة وتسمى بدورة الجنايات وتنظر في الجنايات التي يرتكبها البالغ والقاصر الذي يكون بالغ 16 سنة إذا كانت الجريمة جريمة إرهابية.
ومحكمة الجنايات لها طبيعة خاصة ، فمثلا تتشكل في 05 قضاة أما الجنح والمخالفات يوجد قاضي واحد أما الجنح والمخالفات يوجد قاضي واحد ، أما الأحداث قاضي ومستشارين ( محلفين شعبيين ) في الأحداث ، يتجه لها الحدث والذي ارتكب الجريمة.
فمثلا: إذا ساهم في الجريمة حدث وبالغ يحال الحدث إلى محكمة الأحداث والبالغ يحال إلى محكمة الجنح مثلا سرقة فالعبرة في الحدث بتاريخ ارتكاب الجريمة فلابد من الفصل فبين البالغ والحدث.
كذلك: شخص مضرور من طرف حدث يتجه إلى قسم الأحداث للمطالبة بالتعويض وفي حالة مساهمة بالغ وحدث هنا طلبات التعويض تقدم أمام المحكمة التي يحاكم أمامها البالغ.
أما في الجنايات 05 قضاة / في المجلس 03 قضاة.
كيفية اختيار المحلفين: هناك كشف سنوي لمحلفين يختارون على مستوى المجلس ويوجد فيه 36 شخص أصلي و 12 شخص احتياطي هؤلاء الأشخاص في الدورة ( مثلا دورة ماي ) يختار 12 شخص أصلي و 2 احتياطي عن طريق القرعة يوم المحاكمة والجلسة يأتي 14 شخص يختار بينهم اثنين عن طريق القرعة.

للمتهم الحق في رد ثلاثة دون ذكر سبب والنيابة العامة لها الحق في رد اثنين وأن يكون بالغ 30 سنة وأن يكون ذو جنسية جزائرية وأن يكون ملما بالقراءة والكتابة لكن يفترض أن يكون المحلف قاض.
في محكمة الجنح والمخالفات يتم التأكد من المعلومات الموجودة في الملف وأنه معترف أمام قاض التحقيق والطرف المضرور له الحق الأولي في طلب التعويض ( في الدعوى المدنية ) وليس له علاقة بالدعوى العمومية ثم تأتي النيابة العامة في إبداء طلباتها ثم يأتي في المرتبة الثالثة المحامي وتأتي الكلمة الأخيرة للمتهم خلال المرافعة تعقب النيابة العامة.
في محكمة الجنايات: المشرع غالبا ما يكون المتهم محبوس إذا كان المتهم في مكان حبس مثلا في وهران ولديه جناية في سوق أهراس ينتقل إلى محكمة الجنايات قبل الدورة ( قبل 10 أيم ) (1) والقاضي الذي سينظر في القضية
(2) يتصل بالمتهم ويسأله عن ما إذا كان لديه محامي أم لا لأن المحامي وجوبي للاستعانة به يوم المحاكمة.
(3) فيبلغ بقائمة المحلفين ( 14 شخص ) وهو الذي يختار المحلفين.
(4) وإذا كان لديه شهود يستدعوا قبل الجلسة ويبلغ بقرار الإحالة لكي يعرف المتهم بنوع الجريمة.
(5) في يوم المحاكمة يكون حاضر أما إذا كان في حالة الإفراج مثلا يصدر القاضي أمر بالقبض عليه قبل المحاكمة لضمان حضوره ويتم عرض طلبات المضرور والمتهم والشهود ودفاع المتهم ومن شروط متابعة المتهم:
* حيث لا يعاقب شخص على جريمة لم يتضمنها قرار الإحالة حيث يجب أن يعلم قرار الإحالة وظروف التشديد التي جاء بها قرار الإحالة حيث يقرأ قرار الإحالة من طرف كاتب الجلسة وضبط الجلسة تكون من طرف رئيس الجلسة والأمثلة التي تطرح على المتهم فهي توجه أولا إلى رئيس الجلسة الذي له سلطة توجيه الأسئلة إلى المتهم والذي يباشر الأسئلة مباشرة إلى المتهم هو النيابة العامة لكن بعد إذن من الرئيس.
(6) بعد أن تتم المرافعة يضع القاضي مجموعة من الأسئلة والسؤال الرئيسي هو : هل المتهم مذنب بارتكاب هذه الواقعة ؟ وتسمى هذه الواقعة حسب المادة 305 إ ج ويجاب عليه في غرفة المداولة ولكل ظرف مشدد سؤال مستقل.
(7) وقبل الانسحاب يتلو الرئيس هذه الفقرة حسب المادة 307 إ ج.
هل لديكم اقتناع شخصي ؟
في الجنح والمخالفات هي محكمة دليل.
في الجنايات: هي محكمة اقتناع رغم توفر الأدلة قد تثبت براءة المتهم.
(8) في المداولة: يصوتوا بأوراق سرية بنعم أو لا ؟ إذا كانت الأغلبية بالإدانة فهو مذنب أما إذا كانت الأغلبية تقول بالبراءة فهو بريء أما الورقة البيضاء فهي صالح المتهم فالذي يتقرر بطلانها فهي في صالح المتهم.
في حالة الإدانة يتداولون مرة ثانية في عقوبة المتهم ( مثلا ما بين 10 و 20 سنة ) وسلطة التقدير تكون الرئيس الجلسة ثم ينسحب المحلفين ثم ينظر القضاة في الدعوى المدنية.

- في حالة تخلف المتهم في الجنايات هناك إجراءات تسمى إجراءات التخلف حكم غيابي يعتبر حكم باطل ( في الجنايات ).
- في حالة تخلف المتهم في الجنح والمخالفات بالحكم الغيابي.









 


قديم 2010-09-27, 18:30   رقم المشاركة : 32
معلومات العضو
شهيرة1
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي

الان سنتطرق الي مواضيع القانون الجنائي الخاص
و مرحبا بكل مشاركة من اضافة في صلب الموضوع او معلومات جديدةاو غابت عنا او لم ندرجها سهوا او خطا
فمرحبا بكل ما هو مفيد










قديم 2010-09-27, 18:35   رقم المشاركة : 33
معلومات العضو
شهيرة1
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي

سندرس كل جريمة وفق المنهاج الاتي

المبحث الأول : أركان جريمة القتل العمد
المطلب الأول : الركن المادي لجريمة القتل العمد
الفرع الأول : السلوك الإجرامي
الفرع الثاني : إزهاق روح إنسان حيا
الفرع الثالث : العلاقة السببية بين فعل الجاني والنتيجة
المطلب الثاني : ركن المعنوي أو القصد الجنائي
الفرع الأول : القصد العام
الفرع الثاني : القصد الخاص
المبحث الثاني : قمع جريمة القتل العمد
المطلب الأول : العقوبات المطبقة على جريمة القتل العمد
الفرع الأول : العقوبات الأصلية
الفرع الثاني : العقوبات التكميلية
الفرع الثالث : الفترة الأمنية
المطلب الثاني : الظروف المشددة و الأعذار المخففة
الفرع الأول : الظروف المشددة
الفرع الثاني : الأعذار المخففة
الفرع الثالث : الظروف الخاصة بصفة الجاني
الخاتمة
المبحث الأول : أركان الجريمة
تعرف المادة 254 ‏ق.ع القتل العمد كما يأتي. إزهاق روح الإنسان عمد ا و لا يوجد تعريف أخر و نلاحظ من خلاله ثلاثة أركان المتمثلة في إزهاق الروح إنسان و كذلك لبد أن يكون عمدا

المطلب الأول : الركن المادي
الركن المادي المتمثل في إزهاق روح إنسان و لكي يتم ذلك لبد من فعل أو سلوك إجرامي و وجود علاقة سببية بين ذلك السلوك النتيجة أي الوفاة

‏الفرع الأول : السلوك الإجرامي

وهو الفعل الذي يقوم به الشخص من أجل إزهاق الروح أو القتل المعاقب عليه. و لا تكفي النية أو الرغبة في ذلك و لا حتى المحاولة و‏ويجب أن يكون السلوك عملا إيجابيا دون النظر إلى الوسيلة المستعملة و القانون الجزائري لا يعاقب صراحة على القتل بالامتناع.أي بالسلوك السلبي

الفرع الأول : إزهاق روح إنسان حيا
وهي النتيجة المترتبة على سلوك الشخص أو الجاني ، ولا يهم إن تتحقق الموت أو نتيجة القتل مباشرة أو بعد مدة زمنية
إذا تدخل عنصر أخر حال دون أن تتحقق النتيجة لا دخل للإرادة الجاني فيها، هذا يعتبر شروع في القتل و يعاقب عليها كما لو أنها تحقق القتل. كما يجب أن يكون المجني عليه حيا و ذالك يعني منذ اللحظة التي يعتبر الكائن إنسانا كاملا حيا أي لحظة ميلاده، حيث يبدأ من عندها الاعتراف القانوني بالحياة التي يشكل إهدارها قتلا.

أما القتل الجنين يعتبر إجهاض و له عقوبات خاصة به ، أما مسألة وقوع القتل على ميت وهي صورة من صور الجريمة المستحيلة .

الفرع الثالث : العلاقة السببية بين فعل الجاني والنتيجة
يتطلب توافر رابطة سببية بين فعل الجاني والنتيجة. بمعني أن " الوفاة " كانت نتيجة لسلوك الجاني و هذا إذا صدر الفعل عن قصد وكان بنية القتل. ‏ و نشير إلى أن القانون الجزائري بنظرية السبب المباشر والفوري ، وهذا يعني اشترط لتحقق جريمة القتل العمد توفر رابطة السببية بين نشاط الجاني ووفاة المجني عليه بحيث إذا تدخل عامل خارجي بين نشاط المتهم وموت الضحية انقطعت رابطة السببية. و كذلك يكون الجاني في جريمة القتل العمد مسئولا عن وفاة المجني عليه متى كانت النتيجة وهي الوفاة مرتبطة بنشاطه ارتباطا وثيقا لا يصح بالتردد في القول بأن هذا النشاط هو السبب المباشر في حدوث الموت سواء حصل القتل بالترك أو بالامتناع كالأم التي امتنعت عمدا عن قطع الحبل السري ليموت طفلها حديث العهد بالولادة فمات لأن وفاة المولود مرتبطة بامتناع أمه عن القيام بواجبها ارتباط السبب بالمسبب.

المطلب الثاني : ركن المعنوي أو القصد الجنائي
الفرع الأول : القصد العام

وهو توجه إرادة الفاعل إلى ارتكاب فعل القتل مع علمه بان سوف يقوم بعمل يتسبب فيه بإزهاق روح إنسان حيا. و إذا كان الفاعل لا يعلم من أمامه إنسان حي و لا في نيته القتل فهنا ينتفي القصد العام

الفرع الثاني : القصد الخاص
وهو نية قتل المجني عليه أو إزهاق روحه. وأي ‏انصراف إرادة الجاني وعلمه إلى إزهاق الروح فلا يسأل عن قتل عمد من يوجه فعله إلى إنسان معتقدا أنه ميت ولا يسأل من يكره على إتيان الفعل. كما أن الباعث لا يؤثر على وجود الجريمة كمن يقتل خوفا من العار أو بدافع الشفقة أو أن يصيب شخصا غير الذي يقصده .
المبحث الثاني : العقوبات المطبقة و ظروف الجريمة
تطبق على القتل العمد عقوبة أصلية وعقوبات تكميلية، وتشد العقوبة حال توافر ظروف مشددة وتخفف مع ظروف مخففة.

المطلب الأول : العقوبات المطبقة على جريمة القتل العمد
الفرع الأول : العقوبات الأصلية
‏ ‏يعاقب على القتل العمد بالسجن المؤبد حسب المادة 263 من ق.ع‏ في فقرتها الثالثة.

الفرع الثاني : العقوبات التكميلية
وهي العقوبات المنصوص عليها في المادة 9 ‏المعدلة بموجب قانون 2006 ‏، وتكون إما إلزامية و إما اختيارية .

1. العقوبات التكميلية الإلزامية :
a. الحرمان من حق أو أكثر من الحقوق الوطنية والمدنية والعائلية المنصوص عليها في المادة 9 ‏مكرر1 ‏المستحدثة .
b. ‏الحجر القانوني،
c. المصادرة الجزئية لأموال.
2. العقوبات التكميلية الاختيارية :
a. تحديد الإقامة
b. والمنع من الإقامة
c. والمنع من ممارسة مهنة أو نشاط،
d. وإغلاق المؤسسة نهائيا أو مؤقتا
e. والحظر من إصدار الشيكات أو استعمال بطاقات الدفع
f. والإقصاء من الصفقات العمومية
g. وسحب آو توقيف رخصة السياقة أو إلغاءها مع المنع من استصدار رخصة جديدة
h. وسحب جواز السفر.
‏وتكون هذه العقوبات لمدة لا تتجاوز 10 سنوات
أما تعليق أو سحب رخصة السياقة وسحب جواز السفر مدتها لا تتجاوز5 ‏سنوات

الفرع الثالث : الفترة الأمنية
نصت المادة 275 ‏مكرر على أنه في حالة الحكم بعقوبة سالبة للحرية مدتها تتساوي أو تفوق 10 سنوات تطبق على المحكوم عليه، بقوة القانون، فترة أمنية مدتها تساوي نصف العقوبة المحكوم بها وتكون مدتها 15 سنة في حالة الحكم بالسجن المؤبد.
‏والفترة الأمنية كما هي معرفة في المادة 60 ‏مكرر، المستحدثة في قانون العقوبات إثر تعديله في 2006 يقصد بها حرمان المحكوم عليه من تدابير إجازة الخروج والتوقيف المؤقت لتطبيق العقوبة والإفراج المشروط والوضع في الورشات الخارجية والوضع في البينة المفتوحة والحرية النصفية.
المطلب الثاني : الظروف المشددة و الأعذار المخففة
الفرع الأول : الظروف المشددة
1 إذا اقترن القتل بسبق الإصرار أو الترصد
هذا ظرف مشدد إذن عقوبته الإعدام حسب نص المادة 261 " يعاقب الإعدام كل من ارتكب جريمة قتل ..."
نص المادة 256 ‏ق ع " سبق الإصرار هو عقد العزم قبل ارتكاب الفعل على الاعتداء على شخص معين أو حتى على شخص يتصادف وجوده أو مقابلته وحتى لو كانت الجاني النية متوقفة على أي ظرف أو شرط كان."
نص المادة 257 ق ع " الترصد هو انتظار شخص لفترة طالت أو قصرت في مكان أو أثر و ذلك إما لإزهاق روحه أو اعتداء عليه"
و من نصا هاتين المادتين نستخلص أن عقد العزم أو التصميم بعد التفكير و التدبير و انتظار المجني عليه و ترصده كل هذا ظرف مشدد يؤدي إلى العقوبة القصوى و هي الإعدام
2 إذا اقترن القتل بجناية
نص المادة 263 ‏من ق ع " يعاقب عل القتل بالإعدام إذا سبق أو تلي صاحبها جناية أخرى ..." و من أجل ذلك يجب أن تتوفر الشروط الآتية :
i. لابد من جريمة قتل
ii. يجب أن تقع جناية قتل فالشروع لا يكفي
iii. يجب أن يقترن القتل بجناية أخرى لا يشترط تمامها
iv. يجب أن تكون بين الجنايتين رابطة زمنية
3 إذا ارتباط القتل بجنحة
تنص المادة 263 ‏في فقرتها الثانية على " ... كما يعاقب على القتل بالإعدام إذا كان الغرض منه إما إعداد أو تسهيل أو تنفيذ جنحة أو تسهيل فرار مرتكبي هذه الجنحة أو الشركاء فيها أو ضمان تخليصهم من عقبتها . ... "
وهذا أيضا من الظروف المشددة و يشترط لتحققه 3 ‏شروط :
i. يجب أن يرتكب الجاني قتلا عمدا،
ii. يجب أن يرتكب جنحة تكون مستقلة ومتميزة عن القتل
iii. يجب أن يكون بين القتل والجنحة رابطة سببية أي الغاية من ارتكاب القتل هي إعداد أو تسهيل أو تنفيذ جنحة ‏أي هنا الجنحة هي الهدف الأصلي والقتل يرتكب من أجلها

الفرع الثاني : الأعذار المخففة
‏ نصت عليها المواد 277 إ‏لى 279 ‏ق.ع:
1. الإستفزار:
إذا دفع الجاني إلى ارتكاب جريمة القتل وقوع ضرب شديد من أحد الأشخاص. ‏ويجب أن يكون رد الفعل متزامنا مع الاعتداء أما إذا كانت حياة الجاني في خطر فيكون في حالة دفاع شرعي عن النفس تنعدم فيه الجريمة (المادة 39 ‏ق.ع).
2. إذا ارتكب الجاني جريمة لقتل لدفع تسلق أو ثقب الأسوار أو تحطيم مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو ملحقاتها إذا حدث ذلك أثناء النهار، أما إذا حدث ذلك وهذا أثناء الليل فيعتبر دفاعا مشروعا تنتفي معه الجريمة.
3. مفاجأة أحد الزوجين متلبس بجنحة الزنا : ‏إذا اركب الجاني جريمة القتل على زوجه أو على شريكه في اللحظة التي يفاجئه فيها في حالة التلبس بالزنا،
‏إذا توافر عذر من الأعذار الثلاثة سالفة الذكر، تخفض عقوبة السحن المؤبد أو الإعدام فتصبح الحبس من سنة إلى 5 ‏سنوات ويجوز أن يحكم أيضا على الجاني بالمنع من الإقامة من 5 ‏إلى 10 سنوات.
‏ غير أن المشرع استبعد مرتكب جريمة قتل الأصول من الاستفادة من الأعذار القانونية المخففة إذ لا عذر إطلاقا لمن يقتل أباه أو أمه أو أحد أصوله (المادة 282 ‏ق ع).
الأعذار القانونية المخففة لجريمة القتل العمد

- بعد تناولنا للظروف المشددة لجريمة القتل العمد في القانون الجزائري في الفصل الأول من بحثنا هذا سوف نتناول في هذا الفصل الثاني الأعذار القانونية المخففة لهذه الجريمة في التشريع الجزائري بشيء من التفصيل وقبل الشروع في عرض هذه الأعذار سوف نحاول أولا أن نميزها عن الظروف المخففة والأعذار المعفية من العقاب من خلال إبراز أوجه التشابه وأوجه الإختلاف بينها.
- فالظروف المخففة هي تلك الظروف والوقائع التي تدعو إلى أخذ الجاني بالرأفة وتخفيف العقوبة عليه حالة اقترانها بالجريمة فهي أسباب عامة تركها المشرع لتقدير القاضي لذلك هناك من يطلق عليها إسم الأعذار أو الأسباب القضائية (1). وقد نص المشرع عليها في المادة 53 من ق.ع.ج.
-أما الأعذار القانونية المخففة فهي حالات محددة في القانون على سبيل الحصر ويترتب عليها مع قيام الجريمة المسؤولية تخفف العقوبة وهذا ما نصت عليه المادة 52 ق.ع.
ومن هنا نستنتج أن الأعذار القانونية لا تختلف عن الظروف المخففة من حيث آثارها فكليهما يخفف العقوبة بالنزول عن حدها المقرر قانونا. وإنما تختلف عنها من حيث حصرها مسبقا بنصوص خاصة في صلب القانون أين يتم بيان أحكامها وتحديد العقاب عند توافرها وبالتالي يكون القاضي ملزما بها عندما يصدر حكمه في القضية على خلاف الظروف المخففة التي ينظر إليها القاضي دائما عند الحكم وتقدير العقاب من خلالها، عند النطق به دون الخروج عن الإطار الذي حدده المشرع للجريمة مهما توفرت هذه الظروف.
-أما الأعذار المعفية فهي ظروف تعفي من العقوبة شخص ثبت قضائيا أنه ارتكب جريمة وهذه الأعذار وإن كانت تمحو العقاب عن الجاني إلا أنها لا ترفع المسؤولية ولا تمحو الجريمة وهذا ما نصت عليه المادة 52 ق.ع.
وبعد هذه المقارنة البسيطة بين المصطلحات السابقة نتطرق للأعذار القانونية المخففة لجريمة القتل العمد في المباحث التالية:
المبحث الأول : قتل الأم لإبنها حديث العهد بالولادة.
المبحث الثاني : عذر تجاوز حد الدفاع الشرعي.
المبحث الثالث : عذر تلبس أحد الزوجين بالزنا.
-------------
01) أنظر د.أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجنائي العام المرجع السابق ص 247.

المبحث الأول: قتل الأم لإبنها حديث العهد بالولادة .
- جريمة قتل الأطفال حديثي العهد بالولادة هي أكثر الجرائم اتصالا بأوضاع المجتمعات وشعوبها ونظمها الإجتماعية والدينية والخلقية والإقتصادية والغالب ما ترتكب هذه الجريمة من طرف الأمهات العذارى الخاطئات، لذلك فإن المشرع الجزائري ومن زاوية الإشفاق على النساء اللواتي يردن القضاء على نتائج الخطيئة وإخفاء لعارهن اعتبر الأم التي تقتل وليدها الحديث العهد بالولاد تستفيد من عذر مخفف ونص عليه في المادة 259 و 261 ع. حيث جاء في نص المادة 259 ق.ع تعريف لقتل الأطفال وذلك بقولها: "قتل الأطفال هو إزهاق روح طفل حديث العهد بالولادة.
ونص في المادة 261 ق.ع على استفادة الأم وحدها من هذا العذر بقولها: "...ومع ذلك تعاقب الأم سواء كانت فاعلة أصلية أو شريكة في قتل إبنها حديث الولادة بالسجن المؤقت من 10 سنوات إلى 20 سنة على أن يطبق هذا النص على من ساهموا أو اشتركوا معها في ارتكاب الجريمة".
- وعلى ضوء هاتين المادتين سوف نتطرق للأركان الواجب توافرها لجريمة قتل الأم لإبنها حديث العهد بالولادة (مطلب أول) ثم كيفية إثباته وبيانه في الحكم (مطلب ثاني).
المطلب الأول: أركان جريمة قتل الأم لإبنها حديث العهد بالولادة .
إن بحث أركان جريمة قتل الوليد لا يمس الركنيين المادي والمعنوي لجريمة القتل العمد فحسب ولكنه يتناول أيضا شخص الجاني وشخص المجني عليه والدافع إلى ارتكاب الجريمة وزمن ارتكابها وسوف نحاول إجمال ذلك في أركان عامة، وهذا ما سنتناوله في الفرع الأول وأركان خاصة ومميزة للجريمة في الفرع الثاني.
الفرع الأول: الأركان العامة :
1- تحقق حياة الضحية: فجريمة القتل تقتضي أن يكون الإنسان حي وبما أننا بصدد قتل الأطفال فيجب أن يكون الطفل حي ولمعرفة وقت بداية هذه الحماية يجب بيان بداية حياة الإنسان فمتى تبدأ إذن الحياة التي لا يعود بعدها الكائن البشري جنينا وإنما يكتسب وصف (الإنسان الحي) وتحميه قواعد القتل لا قواعد الإجهاض ؟ المتفق عليه أن الحياة تبدأ لدى الإنسان ببداية لحظة ميلاده، وإن لم تكن عملية الولادة تمت بعد، فالحياة متوفرة في اللحظة التي يقرر فيها الأطباء بداية الحياة، حتى ولو تأخر نزوله بسبب عسر في الولادة أو ضيق في الرحم أو انحراف في وضعه الطبيعي ما دام من المؤكد أنه استقل بدورته الدموية بمعنى أن أحكام قانون العقوبات المجرمة للقتل تمتد لتشمل المولود في أثناء الوقت الذي تستغرقه عملية الولادة ما دام الجنين قد استقل بكيانه عن كيان أمه باكتمال نضجه واستعداده للخروج للحياة مهما تعسرت ولادته وأيا كان الوقت الذي استغرقته (1).
-------------
(1) أنظر د.أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجنائي الخاص المرجع السابق ص 09 وما بعدها

وإثبات حياة الطفل يقع على عاتق النيابة العامة ومن أهم وسائل الإثبات في هذه الحالة اللجوء إلى الخبرة الطبية الشرعية، والتي يمكن لها أن تبين لنا ما إذا كان الطفل قد تنفس بصورة كاملة أم لا، وتكون ظاهرة التنفس تلك أحد دلائل الحياة (1).
ومما تقدم يتضح جليا أنه يشترط تحقق حياة الطفل بالمفهوم الجنائي السابق الذكر وإن كان بعدها غير قابل لأن يعيش طويلا أو كان مشوه الخلقة، ففي كل هذه الحالات تقوم المسؤولية الجزائية ولا تنتفي إلا إذا ولد الطفل ميتا فنكون في هذه الحالة بصدد جريمة مستحيلة.
2- الفعل المادي للقتل:
يعد قتل الأطفال صورة من صور القتل العمد، وعليه يتعين وجود نشاط مادي يقوم به الجاني وتتحقق به وفاة الطفل سواء كان في صورة إيجابية أو سلبية يقصد بها القضاء على حياة المولود، وهذا ما قضت به المحكمة العليا –غرفة جنائية- في قرارها الصادر بتاريخ 04 جانفي 1983 ملف رقم 30100 جاء فيه: "لا يشترط القانون لتطبيق المادة 259 ق.ع. أن يكون السلوك الإجرامي للأم فعلا إيجابيا وإنما يمكن أن يكون إمتناعا كعدم ربط الحبل السري للوليد، وعدم الإعتناء به والإمتناع عن إرضاعه" (2).
ومثال الفعل الإيجابي قضية: "مراح نصيرة المتهمة بقتل طفل حديث العهد بالولادة عن طريق حتفه ولفه في قطعة قماش ثم وضعته داخل كيس من البلاستيك ورمت به في خم الدجاج (3) فهنا النشاط المادي لجريمة قتل طفل حديث عهد بالولادة تمثل في فعل إيجابي وهو الخنق وهناك أمثلة أخرى للنشاط الإيجابي كالإغراق مثلا.
في قضية "دريد نصيرة" المتهمة هي الأخرى بقتل وليدها حديث العهد بالولادة والتي بعد أن وضعت حملها رمت به وسط بركة من المياه العكرة" (4).
3- الركن المعنوي:
فلا بد أن يتوفر في هذه الجريمة القصد العام والمتمثل في العلم بأن الطفل حي المقترن بإرادة إحداث الوفاة (5) وعليه إذا انتفت الإرادة الجنائية لدى الأم المتهمة بقتل وليدها كأن كان سبب الوفاة هو عدم الحذر أو نقص الإسعاف والعناية فهنا تكون المتابعة على أساس وجود قتل خطأ (غير عمدي) لإنتفاء إرادة القتل.
------------
(1) أنظر الأستاذ بن شيخ لحسين المرجع السابق ص 34.
(2) أنظر الدكتور أحسن بوسقيعة قانون العقوبات في ضوء الممارسة القضائية المرجع السابق ص 101.
(3) قرار إحالة صادر عن غرفة الإتهام بمجلس قضاء تبسة بتاريخ 18/03/2003 في القضية رقم 114/2003 رقم الفهرس 352/99.
(4) قرار إحالة صدر عن غرفة إتهام بمجلس قضاء تبسة بتاريخ 8/12/1999 رقم القضية 352/99 رقم الفهرس 352/99.
(5) د.إسحاق ابراهيم منصور المرجع السابق ص 22.

- لذلك يجب إثبات الركن المعنوي في جريمة قتل طفل حديث عهد بالولادة، إلا أن ما تجدر الملاحظ إليه أن وجود آثار العنف على جسم الطفل لا يكون دليلا على أنها كانت تقصد قتله بل على الطبيب المختص أن يبين ذلك بعد الفحص الدقيق لطبيعة الجروح وخطورتها والطريقة التي استخدمت في إحداثها وبالتالي بأنها إرادية أم لا.
2- الأركان أو العناصر المميزة لجريمة قتل طفل حديث العهد بالولادة.
1- صفة المجني عليه: حتى نكون في إطار تطبيق هذا العذر فيجب أن يقع القتل على طفل حديث العهد بالولادة وهذا ما نص عليه المشرع الجزائري في نص المادة 259: "قتل الأطفال هو إزهاق روح طفل حديث العهد بالولادة".
- ما يلاحظ على هذا النص أن المشرع الجزائري لم يحدد المقصود بحديث العهد بالولادة وعليه فالتساؤل الذي يطرح ما هي المدة الزمنية التي يكون فيها الطفل حديث العهد بالولادة والتي يجب أن تقع فيها جريمة القتل حتى يمكننا تطبيق هذا العذر ؟ فكما سبق القول أن المشرع لم يحدد المدة الزمنية التي ينطبق فيها وصف حديث العهد بالولادة ويزول بمرورها تطبيق هذا العذر.
- لذلك فإن الفقه متفق على أن هذه المسألة متروك تقديرها لقضاة الموضوع وتطبيقا لذلك يكون القتل واقعا على وليد إذا نفذ من طرف الأم في مدة قصيرة وقريبة جدا من ميلاده ولم تسترجع فيها الأم بعد هدوئها النفسي وخروجها مما اصابها نتيجة الإنزعاج العاطفي الذي تلى فترة الوضع. (وإلا خضعت في غير هذا إلى النصوص العادية المجرمة للقتل)
ويرى القضاء الفرنسي أن حداثة العهد بالولادة تنتهي بانقضاء أجل تسجيل المولود في سجلات الحالة المدنية (وهو محدد بخمسة أيام في قانون الحالة المدنية الجزائري) (1).
- لذلك فإن الأستاذ لحسين بن شيخ ذهب إلى أن "صفة المولود الحديث تنتفي إذا تم تسجيله في سجلات الحالة المدنية" 5 أيام طبقا للمادة 61 من قانون الحالة المدنية رقم 70/20 المؤرخ في 19 فبراير 1970" (2)
فحسب هذا الرأي أن المدة التي يجب أن تكون بين ميلاد الطفل وواقعة القتل لا تتجاوز 05 أيام. أما إذا كان القتل تم بعد ميلاد الطفل بأكثر من 05 أيام أصبح قتلا عاديا لا قتلا لطفل حديث عهد بالولادة وتخضع بذلك الأم للنصوص المجرمة للقتل العادي ولا تستفيد من العذر.
لذلك فيتعين إذن إثبات أولا بتاريخ ميلاد الطفل وعادة ما يتم بعرض الأم على طبيب مختص في أمراض النساء ليؤكد تاريخ وصنعها لحملها ثم تاريخ ارتكاب الواقعة وعادة ما تتم في نفس يوم وضع نظرا لخصوصية هذه الجريمة.
-----------
(1)أنظر د.أحسن بوسقيعة الوجيز في القانون الجنائي الخاص المرجع السابق ص 32.
(2) الأستاذ لحسين بن شيخ المرجع السابق ص 37.

إلا أنه أمام سكوت المشرع عن تحديد النطاق الزمني لحداثة العهد بالولادة وكذا أمام غياب إجتهاد قضائي يقضي بأن المدة التي تختفي بها صفة حداثة العهد بالولادة هي 05 أيام فإن الأمر يبقى متروك للسلطة التقديرية لقضاة الموضوع المهم أن تكون المدة بين واقعة القتل ولحظة الميلاد قصيرة وقريبة منه ويتقبلها العقل، ومثل ذلك قضية "دريد شهرة" التي سبق ذكرها فإن الفحص الطبي الذي أجري عليها من طرف الطبيب المختص في أمراض النساء أكد وضعها لحملها في غضون الأيام الخمسة الفارطة ثم اعترفت أن واقعة القتل تمت في نفس اليوم الذي وضعت فيه حملها خوفا من أهلها.
والسؤال الذي تبادر إلى أذهاننا في شأن الطفل الحديث بالولادة، هل يشترط أن يعثر عليه لقيام مسؤولية الأم ؟
لقد قضت المحكمة العليا في قرار صادر عنها في 21 أفريل 1987 في الملف رقم 46463 أن: "عدم العثور على جثة الطفل المقتول لا ينفي حتما عدم قيام الجريمة طالما محكمة الجنايات اقتنعت بأن الطفل ولد حيا وأن أمه هي التي أزهقت روحه عمدا (1).
وعلى أساس هذا الإجتهاد إذا كان العثور على جثة الطفل قد يسهل لنا إثبات تحقق حياة الطفل وذلك بإجراء خبرة طبية عليه، إلا أن عدم العثور على الطفل المقتول لا ينفي قيام مسؤولية الأم، إذا ما اعترفت مثلا بأنه ولد حيا وأنها قامت بقتله فاعترافها يعد دليل إثبات يناقش من طرف قضاة الموضوع وإذا ما تم الأخذ به أدينت الأم على أساس تهمة قتل طفل حديث العهد بالولادة بالرغم من عدم العثور عليه.
العنصر الثاني: يجب أن يكون القتل قد وقع من الأم.
لقد رسم المشرع الجزائري حدود تطبيق هذا العذر على الأم وحدها وهذا ما يتضح من خلال ما تناوله في مضمون المادة 261/02 ق.ع بقوله: "ومع ذلك تعاقب الأم سواء كانت فاعلة أصلية أو شريكة في قتل إبنها حديث العهد بالولادة بالسجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين سنة".
وبذلك خالف منهج المشرع المصري الذي لم ينص إطلاقا على هذا العذر، كما اتجه اتجاها معاكسا لما سلكه الشارع الإيطالي، الذي جعل الإستفادة من هذا العذر تمتد لأي شخص تربطه بالطفل قرابة مباشرة كالزوج، الأب، الأم، الأخت، العم أو الخالة أو العمة أو الخال.
وبالتالي في التشريع الجزائري لا يتصور أن يطبق هذا العذر إذا ارتكب القتل من طرف شخص غير الأم حتى وإن كان الأب أو الأخ أو الأخت ومهما كان دافعه إلى ذلك.
كذلك لكي يطبق هذا العذر يجب أن تكون الأم قد ارتكبت جريمتها على طفلها الحديث العهد بالولادة فهذا العنصر والعنصر الأول متلازمان على النحو الذي رأيناه سابقا وإلا فلا يسمح لها بالإستفادة من هذا العذر المخفف المنصوص عليه في المادة 261/02 ق.ع وبالتالي تعاقب بعقوبة القتل العمدي أو الإغتيال حسب الحالات.
كذلك يبدو أن المشرع جعل نص المادة 261 ق.ع مطلقا من خلال عدم تحديده لدافع الأم لقتل ابنها حديث العهد بالولادة. فهل هذا يعني أن الأم تستفيد من هذا العذر ولو لم يكن دافعها هو اتقاء العار ؟ يجمع الفقه على وجوب توفر هذا الدافع بل في الحقيقة هو ما يبرر ارتكاب الأم لجريمة القتل وبالتالي لا يكفي القصد العام المشترط لأية جريمة وإنما لا بد أن يتوفر لدى الأم قصدا خاصا والذي يتجلى في اتجاه نيتها إلى القتل قصد اخفاء الفضيحة وصيانة الشرف في الوسط الإجتماعي الذي تعيش فيه (2).
---------------
(1) أنظر د.أحسن بوسقيعة: قانون العقوبات في ضوء الممارسة القضائية المرجع السابق ص 101.
(2) أنظر د.جلال ثروت نظرية القسم الخاص الجزء الأول جرائم الإعتداء على الأشخاص الدار الجامعية ص 271.

فالمشرع الجزائري شدد العقوبة حيث يتعين التشديد وخففها بدوافع إنسانية حيث يجب التخفيف، فظرف التخفيف لا يتناول سوى الأم الجانية التي حبلت بولدها المجني عليه سفاحا ثم دفعها إلى قتله درء الفضيحة واتقاء العار، وبهذا لا يتوفر هذا التخفيف بالنسبة للأم وإلا إذا كان الولد غير شرعي وكان ذلك لإخفاء العار، وبالتالي تخرج من تطبيق هذا العذر الأم التي لا تصون عرضها ولا تخفي العار بأن جهرت به وذاع أمر حملها بين الناس وانتشرت فضيحتها بعد أن قتلت وليدها بعد الولادة.
كما أن الأم التي قتلت وليدها بعد أن استردت توازنها النفسي وانتهى عنها اضطرابها وانزعاجها العاطفي تكون علة التخفيف بذلك قد انتهت وبالتالي تسأل على أساس القتل العمد طبقا للنصوص العادية المجرمة له.
- وإذا قلنا أنه يشترط أن يكون الدافع هو إتقاء العار يعني ذلك بالضرورة أن يكون الولد غير شرعي (1).
المطلب الثاني: إثباته وبيانه في الحكم
إذا كانت الأم متهمة بقتل طفلها حديث العهد بالولادة، فإنه يقع على النيابة العامة اثبات مسألتين مهمتين، المسألة الأولى هي إثبات أن الطفل ولد حيا، ثم اثبات واقعة القتل في حد ذاتها، ويكون لها في ذلك الإعتماد على جميع وسائل الإثبات القانونية كشهادة الشهود، الإعتراف، التحضير المسبق لوسائل ارتكاب الجريمة من طرف الأم، وكل الظروف السابقة للجريمة أو المصاحبة أو التالية لها، إلا أنه وفي غالب الأحيان يتم اللجوء إلى الخبرة الطبية الشرعية. فإثبات هذه الجريمة يكون بكافة طرق الإثبات ويترك تقدير ذلك فيما بعد إلى قضاة الموضوع.
- وإذا اقتنعت محكمة الجنايات توافر هذه الجريمة في حق الأم وقررت إدانتها على ذلك فإنه يجب أن تستظهر الأسئلة المتعلقة بالإدانة عناصر الجريمة التي سبق ذكرها وعلى الخصوص صفة الأمومة للجانية وكون القتيل طفلا حديث العهد بالولادة.
وهذا ما قضت به الغرفة الجنائية بالمحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 21 أفريل 1981 رقم 24442. (2).
كما صدر عنها قرار في بتاريخ 23/12/1997 ملف رقم 190676 جاء فيه: السؤال يجب أن يتضمن ذكر طفل حديث العهد بالولادة ضحية قتل وقد ولد حيا وليس من الضروري أن يكون قابلا للحياة.
وأنه باغفال إبراز هذا الركن الجوهري في قيام جناية قتل طفل حديث عهد بالولادة تكون محكمة الجنايات قد خرقت مقتضيات المادة 305 ق.إ.ج. و 259 ق.ع ومن ثمة عرض حكمها للنقض" (3).
-----------
(1) هناك من التشريعات لا تشترط أن يكون الولد غير شرعي كما لا يهمها بالتالي أن يكون الدافع إلى قتل الوليد الرغبة في ستر العار كالزوجة التي يهجرها زوجها فلا يعولها ولا ينفق عليها وتضع طفلا شرعيا فقد تشعر بضنك مادي أو معنوي لا يقل مرارة عن الذي تشعر به المرأة الخاطئة فكلتا المرأتين جديرتان بالرأفة وتخفيف العقاب، أنظر د.محمد الفاضل الجرائم الواقعة على الأشخاص الطبعة الثالثة ص 417.
(2) أنظر الدكتور أحسن بوسقيعة قانون العقوبات في ضوع الممارسة القضائية المرجع السابق ص 101.
(3) الموسوعة القضائية قرص مضغوط CD : 01 مارس 2003.

- أما ما توصلت إليه محكمة الجنايات من اقتناع حول إدانة أو تبرئة المتهمة فلا رقابة عليه من طرف المحكمة العليا ذلك أن الأمر يتعلق بمسألة الإقتناع الشخصي لقضاة الموضوع طبقا للمادة 307 ق.إ.ج.
لذلك قضت المحكمة العليا في القرار السابق ذكره بما يلي:
"حيث أنه ومن هذا الوجه الثاني يناقش النائب العام لدى مجلس قضاء سكيكدة إدانة المتهمة المحكوم ببراءتها وهي مسألة تدخل في اختصاص قضاة الموضوع الذين لهم كامل السيادة في التقدير وتخضع لإقتناعهم الشخصي طبقا لمقتضيات المادة 307 ق.إ.ج.
- وقد خص المشرع الجزائري الأم التي تقتل طفلها حديث العهد بالولادة بعذر مخفف، يجعل من عقوبتها السجن من عشر سنوات إلى عشرين سنة بدلا من السجن المؤبد والإعدام حسب الأحوال، وهذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 261 ق.ع.
- وعليه وطبقا لهذا النص فإن القضاة عند توفر هذا العذر فإن العقوبة المذكورة سابقا هي التي تطبق وإلا عرضوا حكمهم للنقض باعتبار الأمر يتعلق بمسألة قانونية، يتعين رقابة المحكمة العليا عليها.
- ثم أن المادة 261 نصت في آخرها على أنه لا يطبق هذا النص على من ساهموا أو اشتركوا معها في ارتكاب الجريمة.
- ومؤدي ذلك أنه إذا ساهم مع الأم مجرم آخر في قتل إبنها الحديث العهد بالولادة فإنه يعاقب طبقا للنصوص العادية المجرمة للقتل وتعاقب هي بالسجن من عشرة إلى عشرين سنة.
- فعذر التخفيف هنا هو عذر شخصي فلا ينبغي أن يتعدى أثره الأم سواء أقدمت على هذا الفعل محرضة أو فاعلة أو شريكة، وتطبيقا لذلك قضت المحكمة العليا-الغرفة الجنائية- في قرارها الصادر بتاريخ 24 جويلية 1990 ملف رقم 69053 ج بما يلي: "يعاقب القانون الأم التي قتلت طفلها حديث العهد بالولادة لا بالعقوبة المقررة للقتل العمد وإنما بعقوبة مخففة هي السجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين عاما غير أنه لا يستفيد من هذا العذر المخفف غيرها ممن ساهموا أو اشتركوا معها في ارتكاب الجريمة كالزوج مثلا وذلك طبقا لأحكام المادة 261 الفقرة الثانية من قانون العقوبات" (1).
- وإن الأم المتهمة بقتل طفلها الحديث العهد بالولادة غالبا ما تستفيد إلى جانب هذا العذر المخفف من الظروف المخففة طبقا للمادة 53 ق.ع وبذلك تنزل عقوبتها إلى غاية 03 سنوات.
-------------
(1) أنظر الدكتور أحسن بوسقيعة قانون العقوبات في ضوء الممارسة القضائية المرجع السابق ص 102.

المبحث الثاني: عذر تجاوز حد الدفاع الشرعي.
- إن المتفحص لقانون العقوبات الجزائري يتبين له أن المشرع الجزائري لم يتناول أحكاما خاصة لهذا العذر، من خلال عدم وضع نصوص أو نص خاص به (1). إلا أن ما ورد في المادتين 277 و 278 من قانون العقوبات يعد من حالات تجاوز حد الدفاع الشرعي التي يترتب على تحققها تخفيف العقوبة.
- وتجاوز الدفاع الشرعي لا يكون له وجود إلا بتوافر حالة الدفاع الشرعي، والمقصود انتفاء التناسب بين جسامة فعل الدفاع والخطأ الذي وقع على المتعدي عليه، وعليه فليس المقصود انتفاء شرط من شروط الدفاع الشرعي، وإنما المقصود انتفاء شرط معين منها وهو التناسب. أما إذا انتفى الشرط آخر سواء لعدم وجود الإعتداء أو عدم وجود خطر حال أو كان هذا الخطر لا يشكل جريمة أو كان استعمال القوة بعد انتهاء الخطر فإن الجاني لا يكون متجاوزا لحدود حقه، و يضحي الدفاع الشرعي لا وجود له أصلا، ولا محل للبحث في تجاوز حدوده، لأن البحث محله إثبات قيام الحق أم لا.
- وسوف نتطرق فيما يلي للحالتين الذين نص عليهما المشرع الجزائري وهما عذر الضرب والعنف اللذان يبرران القتل وعذر التسلق أو ثقب الأسوار أو تحطيم داخل المنازل.
المطلب الأول: القتل لدفع اعتداء شديد.
لقد نص المشرع الجزائري على هذا العذر المخفف في المادة 277 ق.ع كما يلي: "يستفيد مرتكب جرائم القتل و الجرح والضرب من الأعذار إذا دفعه إلى ارتكابها وقوع ضرب شديد من أحد الأشخاص".
- فالحقيقة أن الشخص الذي يتعرض لضرب شديد من آخر إما أن يدفع الاعتداء عليه بالضرب أو باعتداء آخر يتناسب مع الفعل المعتدي به عليه، وفي هذه الحالة يعتبر في حالة دفاع شرعي وإما أن يرتكب في سبيل دفع ذلك الاعتداء جريمة قتل أو جرح وفي هذه الحالة يكون فعل الدفاع غير متناسب مع فعل الاعتداء ويكون المدافع بهذا قد تجاوز حد الدفاع الشرعي ولذا فإن القانون يعتبره معذورا ويعاقبه بعقوبة مخففة إذا حدثت الوفاة.
الفرع الأول: أعمال الإثارة التي تبر التجاوز.
باستقرار نص المادة 277 ق.ع باللغة العربية نستنتج أنه قصر أعمال الإثارة أو الإستفزاز على نوع واحد فهو وقوع ضرب شديد من أحد الأشخاص، إلا أن النص باللغة الفرنسية يلاحظ أنه أضاف عبارة أخرى والمتمثلة في "الضرب والعنف الشديدين "(2).
-------------
(1) إذ هناك العديد من التشريعات التي لم تضع نصوصا تنظم بها حالة تجاوز الدفاع الشرعي مثل قانون العقوبات الفرنسي، ومنها ما نص على هذا العذر في نص خاص كقانون العقوبات المصري في المادة 251 ق.ع على اعتبار تجاوز حد الدفاع الشرعي جنحة في جميع الأحوال يعاقب عليها بالحبس لمدة من 24 ساعة إلى ثلاث سنوات.
(2) Article 277 c.p: "Le meurtre, les blessures et les coups sont excusables s'ils ont été provoqués pas des coups ou Violences graves envers les personnes".

وإن الترجمة الفرنسية هي الأصح لأنها تتماشى مع الآراء الفقهية ذلك أن التهديد الجسيم بالإعتداء يجعل الخطر وشيك الوقوع وعندئذ يتساوى مع الضرب الشديد في أن كلا منهما يصلح علة للإثارة ( 1 ) .
- ومن هذا المنطلق يتجلى أنه ليست كل أعمال الإستفزاز غير المشروعة أو أعمال الإثارة تصح أن تكون علة للإستفادة من هذا العذر، بل حصرها المشرع في الضرب الشديد والعنف الجسيم
1- الضرب الشديد: لقد تم النص على هذا النوع من أعمال الإثارة في المادة 277 ق.ع من خلال عبارة"…وقوع شديد…." وبالتالي نستنتج بمفهوم المخالفة أنه لا يعد الضرب الخفيف عذرا يبرر القتل، فلا يتصور أن يكون رد الإعتداء بالضرب الخفيف بنتيجة القتل وتترك مسألة تقدير ما إذا كان نوع الضرب يدخل في نظاق أعمال الإثارة التي تعتبر عذرا للقتل لسلطة قاضي الموضوع فهو الذي يقرر مدى وجوده من انتفائه.
2- العنف الجسيم.
يعتبر هذا النوع من أعمال الإثارة التي تعتبر عذرا للقتل وفقا لما قررته الترجمة الفرنسية لنص المادة 277 ق.ع كما تم بيانه سابقا، فما المقصود بالعنف الجسيم ؟
- العنف عاد ما يكون عنفا ماديا ويتحقق ذلك بالإعتداء المادي على الشخص لدرجة إيذائه فعليا ومن هذا القبيل استعمال القوة الجسدية او أية وسيلة مادية لإكراه المجني عليها على الصلة الجنسية-(هتك العرض بالقوة) أو استعمال وسائل أدت إلى إحداث جروح بالغة- ففي مثل هذه الحالات إذا ما تجاوز المعتدي عليه لدفع مثل هذا الاعتداء حد فعل الإعتداء اعتبره المشرع معذورا ويعاقبه بعقوبة مخففة إذا حدثت الوفاة.
- ويطرح السؤال بشأن العنف المعنوي فهل يشترط أن يكون الاعتداء الذي يجوز دفعه بالقتل اعتداءا ماديا بحتا ؟
- يرى الدكتور إسحاق ابراهيم منصور"أنه لا يشترط أن يكون العنف ماديا فقد يكون معنويا كالتهديد بالتعدي أو القتل كإستخدام الجاني آلة حادة أو مسدس أو أي وسيلة يمكن أن تتحقق بها نتيجة القتل، فبحمل الجاني لأي نوع من هذه الوسائل تتحقق لدى المجني عليه إثارة تكون عذرا للقتل فهذا التهديد يعتبر عذر مخفف ويستحق تطبيق المادة 277 ق.ع." (2)
- أما إذا كان العنف بسيط لدرجة لا تتحقق معه الإثارة التي تكون عذرا للقتل فإن الجاني في هذه الجريمة يعاقب على أساس النصوص العادية المجرمة للقتل دون أن يستفيد من هذا العذر، ومثال ذلك من يقوم بتهديد آخر شفويا فيقوم هذا الأخير بقتله فلا يمكن أن يتمسك في هذه الحالة بأحكام هذا العذر أو من يدفع شخص إلى أن يسقط أو يجلبه من شعره ويلوى ذراعه، وكل ذلك يبقى لسلطة قضاة الموضوع.
-------------
(1) أنظر د.إسحاق ابراهيم منصور المرجع السابق ص 48.
(2) أنظر د.إسحاق ابراهيم منصور المرجع السابق ص 48.

الفرع الثاني: شروط تطبيق هذا العذر :
يشترط لتطبيق هذا العذر 04 شروط والتي تتضح من خلال قراءة المادة 277 ق.ع والتي يستشفها الدارس لها والمتمثلة فيما يلي:
-أن يكون أعمال الإثارة موجهة لشخص الجاني، أن تكون هذه الأعمال غير مشروعة، حلول الخطر مع عدم التناسب بين الإعتداء، أن يكون تجاوز حد الدفاع الشرعي بحسن نية من جانب الجاني وسوف نتطرق لكل شرط على حدى.
- الشرط الأول : أن تكون أعمال الإثارة موجهة لشخص الجاني: حتى نكون بصدد تطبيق عقوبة مخففة على الجاني بعد ارتكابه لجريمته لتوفر العذر، يجب أن تكون أعمال الإثارة المتمثلة في الضرب الشديد والعنف الجسيم كما سبق بيانه موجهة إلى ذات شخص الجاني، الذي قام بعد ذلك بالرد عليها بالإعتداء بالقتل، وبمفهوم المخالفة فإننا لا نكون بصدد تطبيق هذا النص، إذا كانت هذه الأعمال قد وقعت على الحيوانات أو أشياء يملكها الجاني، وإنما نطبق في هذه الحالة قواعد العامة "حالة الإيذاء الحاصل على الحيوانات أو الأشياء".
- بالإضافة إلى ذلك يجب أن تكون أعمال الإثارة واقعة مباشرة على شخص الجاني ولا تدخل فيها الأعمال الواقعة على شخص الغير. وهذا راجع للعلة التي تبرر عقوبة التخفيف والمتمثلة في الإثارة والغضب اللذان يتملكان شخصية الجاني مما يدفعان به إلى استخدام أية وسيلة لرد الخطر الموجه إليه. وهذا ما لا يتوفر إذا كان الإعتداء موجها لشخص آخر غير شخص الجاني ومثال ذلك لو قام (أ) بالإعتداء بالضرب أو العنف الجسيم على (ب) فقام (ج) بقتل (أ) دفاعا على (ب)، فلا يمكن ل (ج) أن يستفيد من تطبيق هذا النص.
الشرط الثاني : أن تكون أعمال الإثارة غير مشروعة: بالإضافة إلى الشرط الأول، فإنه لا بد من توافر شرط آخر يتمثل في أن تكون أعمال الإثارة المتمثلة في الضرب الشديد والعنف الجسيم غير مشروعة حتى نطبق العقوبة المخففة على الجاني وبالتالي يخرج تطبيق المادة 277 إذا كانت الأعمال التي سببت الإثارة للجاني أعمالا مشروعة وأمثلة هذه الأعمال، أعمال أداء الواجب كالشرطي أو الدركي وغيرهم ممن يمارسون مهمهم بحكم القانون أو الوظيفة.
كذلك الأعمال الناتجة من ممارسة الحق، كحق الأب في تأديب أبنائه، وحق الزوج في تأديب زوجته كالضرب الخفيف الذي لا يترك أثرا لا يجوز دفعها بالقوة ولا التمسك بهذا العذر.
بالإضافة إلى ذلك لا يطبق النص إذا كان العمل متمثلا في الدفاع الشرعي (1).
ويدخل في الأعمال غير المشروعة الأعمال التي تصدر عن موظف عام خارج نطاق وظيفته لأنه يأخذ وصف الفرد العادي لا يمكن له الدفع بأحكام المادة 39 عقوبات (2).
-------------
(1) أسحاق ابراهيم منصور المرجع السابق ص 49.
(2) تنص المادة 39 عقوبات جزائري "لا جريمة إذا كان الفعل قد أمر أو أذن به القانون.

3- حلول الخطر: وقد تضمن مضمون المادة 277 هذا الشرط من خلال قولها: " … .لدفع الضرب … ." حيث يستفاد من هذه العبارة حلول الخطر على الجاني من خلال تلقيه لضرب شديد أو عنف جسيم بشخص ليس له أية سلطة تبرر ارتكابه لهذه الأعمال وبالتالي يتحقق للجاني عذر الإستفزاز الناتج عن ارتكاب أعمال الإثارة عليها وقتها. حيث يشترط أن يكون الإعتداء واقعا وحالا وآتيا على وشك الوقوع، وبمفهوم آخر لا يمكن تطبيق النص إذا تم الإعتداء وانصرف المعتدي عليه ثم وجد المعتدي مرة أخرى فقام بقتله، لأنه في هذه الحالة يعتبر انتقاما شخصي ولا يمكن له الإستفادة من العذر لأن هناك مجالا آخر يمكنه من الإقتصاص من غريمه والمتمثل في القضاء.
الفرع الثالث : الفرق بين عذر تجاوز الدفاع الشرعي وحالة الدفاع الشرعي.
يتفق هذا العذر مع عذر الدفاع الشرعي في أن كليهما يعتبر من الأعذار القانونية التي نص عليها المشرع الجزائري حيث تناول أحكام العذر الأول في المادة 277 وأحكام العذر الثاني المتمثل في الدفاع الشرعي في نص المادتين 39 ف2 والمادة 40 ق. ع. بينما يختلفان عن بعضهما في أن العذر المخفف ينطبق في حالة عدم تناسب الإعتداء والدفاع، بالإضافة إلى ذلك فإن العذر المخفف يطبق إلا في حالة وقوع أعمال الإثارة على شخص الجاني فقط، وبتعبير آخر نقول أن العذر حالة من حالات التعرض للخطر لا يلزم أن تتوفر فيها شروط استعمال حق الدفاع الشرعي كاملا، لأنه إذا توفرت شروط الدفاع الشرعي فهو أولى بالتطبيق لأنه في صالح المتهم، وواقع الحال في رأينا أن هذا العذر لا يطبق إلا في حالات تجاوز الدفاع الشرعي (1).
المطلب الثاني: عذر التسلق أو ثقب الأسوار أو تحطيم مداخل المنازل الذي يبرر القتل :
نص المشرع على هذا العذر المخفف في المادة 277 ق.ع كما يلي: "يستفيد مرتكب جرائم القتل والجرح والضرب من الأعذار إذا ارتكبها لدفع تسلق أو ثقب أسوار أو حيطان أو تحطيم مداخل المنازل أو الأماكن المكونة أو ملحقاتها إذا حدث ذلك أثناء النهار".
وإذا حدث ذلك أثناء الليل فتطبق أحكام الفقرة الأولى من المادة 40 ق.ع أي يعمل هذا ضمن حالة الدفاع الشرعي.
- وقد جعل المشرع الجزائري من هذا الفعل عذرا مخففا لما في السطو على المنازل المسكونة وملحقاتها من خطورة على أموال الناس وأنفسهم ذلك لأن الشخص الذي يتسلق جدران المنازل ويثقبها ليتسلل إلى داخلها قد يكون مجرما شديد الخطورة لا يحجم عن ارتكاب أفضع الجرائم ويخشى أن لا يقف إجرامه عند حد نهب الأموال أو سرقتها بل قد يتجاوز ذلك إلى إيذاء سلامة الأشخاص أو الفتك بحياتهم.
- وقد أراد الشارع بهذا النص أن يضفي على المساكن حصانة وحرمة وأن يضع مؤيدا قويا لمبدأ من مبادئ الحقوق العامة ويصون مظهر من مظاهر الحريات المدنية الواردة في صلب الدستور، ولا جدال في أن حرمة المساكن من الحريات الدستورية الغالية التي ينبغي صونها وفرض احترامها بالمؤيد الجزائي.
-------------
(1) د.إسحاق ابراهيم منصور المرجع السابق ص 48.

الفرع الأول: الأفعال المادية المنصوص عليها في مضمون المادة .
من خلال تحليل نص المادة 278 ق.ع يتضح لنا أن المشرع قد استلزم وقوع أفعال مادية مذكورة على سبيل الحصر في نص المادة السابقة الذكر وهي التسلق الثقب أو التحطيم.
1- التسلق: لقد عرفت المادة 357 ق.ع :"يوصف بالتسلق الدخول إلى المنازل أو المباني أو الأحواش أو حضائر الدواجن أو أي أبنية أو بساتين أو حدائق أو أماكن مسورة وذلك بطريق تسور الحيطان أو الأبواب أو السقوف أو أية أسوار أخرى.
والدخول عن طريق مداخل تحت الأرض غير تلك التي أعدت للدخول يعد ظرفا مشددا كالتسلق.
2- الثقب: وقع الثقب على الأسوار أو الحيطان والمقصود بالثقب هي إحداث فتحة يمكن الدخول منها والتسلل إلى داخل المنزل.
3- التحطيم: حيث يقع على مداخل المنازل كما جاء في نص المادة 278 ق.ع والمقصود بالتحطيم هو تكسير الأبواب أو إتلافها قصد اختراقها والدخول منها، وقد يتحقق ذلك أحيانا باستخدام مفاتيح مصطنعة وقد تم تعريفها من قبل المشرع الجزائري بنص المادة 358 حيث نص على :"توصف بالمفاتيح مصطنعة كافة الكلاليب وال …… والمفاتيح الصالحة لفتح جميع الأقفال والمفاتيح المقلدة أو المزورة أو المزيفة أو التي لم يعد المالك أو المستأجر أو صاحب فندق أو صاحب مسكن لفتح الأقفال الثابتة أو الأفعال غير ثابتة أو أية أجهزة للإغلاق والتي استعملها الجاني ليفتح بها، ويعتبر مفتاحا مصطنعا المفتاح الحقيقي الذي احتجزه الجاني دون حق."
الفرع الثاني: شروط تطبيق هذا العذر .
يستفاد من نص المادة 278 ق.ع أن المشرع الجزائري قد اشترط شروطا معينة حتى ينطبق العذر.
1- أن يقع الفعل المادي على محل مسكون أو معد للسكن :
- وهذا ما يستشف من نص المادة 278ق.ع والتي تقرر بوجوب وقوع فعل مادي من الأفعال المادية السابقة الذكر على محل مسكون أو المعد للسكن ولم يكن مسكونا بقولها: "لدفع تسلق أو ثقب أسوار أو حيطان أو تحطيم مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو ملحقاتها … ولقد تناول المشرع الجزائري تعريف المنزل من خلال نص المادة 335 بقولها:يعد منزلا مسكون كل مبنى أو دار أو غرفة أو خيمة أو كشك ولو متنقلا متى كان معدا للسكن إن لم يكن مسكونا وقت ذلك وكافة توابعه مثل الأحواش وحظائر الدواجن ومخازن الغلال والإسطبلات والمباني التي توجد بداخلها مهما كان استعمالها حتى ولو كانت محاطة بسياج خاص داخل السياج أو السور العمومي".
2- أن يكون وقوع الفعل المادي بقصد إرتكاب الجريمة:
حتى نكون بصدد تطبيق نص المادة 278 ق.ع يجب أن تقع الأفعال المادية التي تناولناها سابقا قصد تحقيق غرض غير مشروع أي القصد منها ارتكاب جريمة كالسرقة أو القتل وغيرها من الأفعال التي يعاقب عليها القانون. وبالتالي تظهر لنا من خلال ما تقدم علة تخفيف العقوبة، في هذه الحالة باعتبار الفعل، الذي وقع من الجاني كان دافعا للإعتداء الآثم على الأشخاص أو الأموال أو الشروع في الإعتداء. إما إذا كان الفعل المادي مع عدم توفر النية الإجرامية تم إرتكابه فلا مجال لتطبيق العذر كالذي يقوم بتسلق سور أو ثقب حائط قصد الهروب من شخص يطارده أو قصد التخفي واللعب مع طفل ففي هذه الحالات لا يتوفر قصد الإعتداء.
3-وقوع الفعل المادي نهارا:
وهذا ما أقرته المادة 278 بقولها: " … .إذا حدث نهارا" فالملاحظ أن النص الجزائري وكذلك بعص نصوص قوانين أخرى قد فرقت بين وقوع الفعل نهارا ووقوعه ليلا. فإذا وقع الفعل أثناء النهار فلا يعد هذا الفعل في قبيل الدفاع الشرعي. إنما يخفف العقاب فقط عن الفاعل على النحو الوارد في القانون ويستفيد القاتل في هذه الحالة بعذر قانوني مخفف فحسب- وذلك لأن منع دخول معتد أو محاولة دخوله إلى منزل أو ملحقاته بالطرق غير المألوفة نهارا لا يجعل الفاعل في حالة دفاع شرعي وبالتالي لا يستفيد من سبب إباحة أو تبرير حيث يمكنه أن يستنجد بالمارة او برجال الشرطة.
المطلب الثالث: استظهار العذر والعقوبة المقررة له .
الفرع الأول : استظهار عذر التجاوز: يعتبر هذا العذر واقعة مادية يتم إثباتها بكافة طرق الإثبات كما يمكن للقاضي أن يعتمد على أهل الخبرة والأطباء لتحديد مدى الضرر الذي تعرض له الجاني أو على ضوء ما ظهر له من ظروف الدعوى وملابساتها والتقارير الطبية وبذلك يتضح له نية المعتدي المرتكب للأفعال المادية هل هي نية سليمة أم إجرامية.
- فإذا توافر هذا بعذر وجب على القاضي تطبيقه وتبيانه في الحكم وذلك بطرح سؤال عنه يشترط أن يكون مستقل ومميز.
وهذا طبقا للمادة 305/04 ق.ع التي تنص على أن كل عذر وقع التمسك به يكون محل سؤال مستقل ومميز لذلك يجب على رئيس محكمة الجنايات أن يضع سؤالا خاصا حول كل عذر قانوني وقع التمسك به أثناء الجلسة وإلا كان الحكم باطلا وتعين نقضه. وهذا ما قضت به المحكمة العليا- غرفة جنائية أولى بتاريخ 6/12/88 في الطعن رقم 52367 (1) جاء فيه: "من المقرر قانونا أنه يجب على المحكمة أن تطرح سؤالا خاصا ومميزا عن كل عذر صار التمسك به، من ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد مخالفا للقانون.
لما كان من الثابت في قضية الحال، أن الدفاع قدم طلبا مفاده وضع السؤالين الإحتياطيين الأول خاص بتكييف الوقائع والثاني بعذر الإستفزاز فإن المحكمة التي لم ترد على طلب الدفاع ولم تطرح السؤال الخاص بعذر الإستفزاز المأخوذ من قرار الإحالة خالفت القانون ومتى كان ذلك استوجب نقص الحكم (1).
-------------
(1)أنظر المجلة القضائية عدد 04 سنة 1990 ص 225.

الفرع الثاني: العقوبة المقررة لهذا العذر .
لقد تناول المشرع الجزائري العقوبة المقررة في حالة قيام أي عذر لم ينص على عقوبة خاصة به في نص عام وهو نص المادة 283 من قانون العقوبات والتي تنص: "إذا ثبت قيام العذر فتخفض العقوبة على الوجه الآتي:
1- الحبس من سنة إلى خمس سنوات إذا تعلق الأمر بجناية عقوبتها الإعدام أو السجن المؤبد.
2- الحبس من ستة أشهر إلى سنتين إذا تعلق الأمر بأية جناية أخرى
3- الحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر إذا تعلق الأمر بجنحة في الحالات المنصوص عليها في الفقرتين 1 و 2 من هذه المادة يجوز أن يحكم أيضا على الجاني بالمنع من الإقامة من خمس سنوات على الأقل إلى عشر سنوات على الأكثر".
- ومن خلال هذه المادة فإن القاضي متى اقتنع بتوافر هذا العذر تعين عليه ترتيب أثره في تخفيف العقوبة على النحو المذكور في المادة السابقة الذكر، وبالخصوص الفقرة الأولى منها لأننا بصدد جريمة القتل والتي عقوبتها الاعتيادية هي السجن المؤبد وعليه:
- فالمتهم بالقتل العمد الذي توفر فيه عذر تجاوز الدفاع الشرعي (وقوع ضرب شديد، أو تسلق أو ثقب الأسوار وتحطيم مداخل المنازل) تكون عقوبته طبقا للمادة 283/01 قانون العقوبات الحبس من سنة إلى 5 سنوات علاوة على جواز الحكم عليه بالعقوبة التكميلية السابقة الذكر (المنع من الإقامة).
وليس للمتهم الذي لم يستفيد من هذا العذر أن يطالب بالإستفادة به أمام المحكمة العليا وهذا ما قض به المجلس الأعلى سابقا في قراره الصادر في 21 أفريل 1981 رقم 282 والذي جاء فيه: "لا يجوز للمتهم أن يطالب أمام المجلس الأعلى بالإستفادة بعذر الإستفزاز الذي يرجع تقديره إلى السلطة المطلقة لقضاة الموضوع" (1) ويرجع أصل هذا الحكم إلى مبدأ الإقتناع الشخصي الذي تقوم عليه محكمة الجنايات.
-------------
(1) أنظر د: أحسن بوسقيعة قانون العقوبات في ضوء الممارسة القضائية المرجع السابق ص 109.

المبحث الثالث: عذر تلبس أحد الزوجين بالزنا.

- لقد تناول المشرع الجزائري هذا العذر من خلال نص المادة 279 ق.ع جاء فيها ما يلي:"يستفيد مرتكب القتل والجرح والضرب من الأعذار إذا ارتكبها أحد الزوجين على الزوج الآخر أو على شريكه في اللحظة التي يفاجئه فيها في حالة تلبس بالزنا.
- فهذا العذر الذي نصت عليه المادة المذكورة أعلاه يعد تطبيقا لفكرة "الإستفزاز" وعلى هذا الأساس اعتبر المشرع الجزائري حالة تلبس أحد الزوجين بالزنا عذرا قانونيا مخففا وذلك بالنظر إلى حالة الإنفعال النفسية التي يحدثها في نفس الزوج أو الزوجة مشهد التلبس بالزنا بحيث يقدم أي منهما على جريمته في غير ترو ولا تدبر للعواقب.
المطلب الأول: شروط قيام العذر .
من مراجعة نص المادة 279 ق.ع يتبين لنا أنه لا بد من توافر شروط ثلاثة:
1- صفة الجاني.
2- مفاجئة أحد الزوجين متلبسا بالزنا.
3-القتل في الحال.
الفرع الأول: صفة الجاني .
- بالرجوع إلى نص المادة 279 ق.ع نلاحظ أنها أوردت على سبيل الحصر صفة الجاني الذي له الحق في الإستفادة من العذر وذلك بقولها: "يستفيد مرتكب القتل...من الأعذار إذا ارتكبها أحد الزوجين على الزوج الآخر أو على شريكه". وعليه يستفيد كل من زوج المرأة الزانية وزوجة الرجل الزاني من هذا العذر، وهذا بصراحة نص المادة السابقة الذكر.
- ولقد أصاب المشرع الجزائري في هذه النقطة حينما ساوى بين الزوجين في الإستفادة من هذا العذر على خلاف المشرعين المصري والفرنسي اللذين قصرا الإستفادة من هذا العذر على الزوج وحده دون الزوجة وذلك في المادتين 237 ق.ع مصري والمادة 324 ق.ع فرنسي.
- غير أنه لا يمكن أن يستفيد من هذا العذر أقارب الزوجين وإن كانت صلتهم بهم وثيقة كالأب أو الأخ أو الإبن فهؤلاء يسألون عن قتل عمد إذا ما اقترفوا فعل الإعتداء على أحد الزوجين في ذات الظروف وهذا محل انتفاء في الفقه.
فحرمان الأهل الأقربين من تطبيق هذا التخفيف عليهم. ظلم فادح لأنهم ألصق بالمرأة من زوجه ثم أليس من الظلم أن تزني بنات الناس وأخواتهم وأمهاتهم، ويطالبون بأن لا يغضبوا ولا نعذرهم إذا إلتحقهم الغضب فأفقدهم شعورهم وأقدموا على قتل من ألحق العار بشرفهم ؟ (1).
-------------
(1) أنظر د.عبد الحميد الشواربي ظروف الجريمة المشددة والمخففة للعقاب الناشر بالاسكندرية ص 38.

- وإن العبرة في تحديد إمكانية الإستفادة من هذا العذر من عدمه، تكمن في قيام الرابطة الزوجية والتي مرجعها قوانين الأحوال الشخصية، وعليه نكون بصدد هذا العذر إذا كانت العلاقة التي تجمع بين الرجل والمرأة لم تتعدى مرحلة الخطبة ينتفي تطبيق هذا العذر بانتفاء قيام رابطة الزواج في حالة الطلاق البائن، على خلاف الطلاق الرجعي الذي لا ينهي وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية صلة الزوجية وتطبيقا لذلك فإن من طلق زوجته طلاقا رجعيا ثم فاجأها خلال فترة العدة متلبسة بالزنا فقتلها يستفيد من العذر.
ويجب أن يكون هناك عقد زواج قانوني معترف به سواء كان عقد زواج رسمي أو عرفي (بالفاتحة).
الفرع الثاني: مفاجأة أحد الزوجين متلبسا بالزنا .
لقد تناول المشرع الجزائري هذا الشرط عند قوله في نص المادة 279ق.ع: "في اللحظة التي يفاجئه فيها في حالة التلبس بالزنا" وما يلاحظ أن هذا الشرط تناول في مضمونه عنصرين أساسيين: المفاجأة والتلبس.
1- المفاجأة:
لكي يستفيد أحد الزوجين من هذا العذر المخفف لابد من وجود عنصر المفاجأة، ذلك أن علة النص تنحصر في "الإستفزاز" الذي يدفع الجاني –نتيجة المفاجأة- إلى القتل في الحال، فلا يكفي إذن مجرد كون الزوجة أو الزوج سيء السلوك ولو باعترافه إذا لم يكن عنصر المفاجأة متوفرا في هذه الحالة.
- وتتحقق المفاجأة في صورتها الكاملة إذا كان الزواج مبنيا على أساس الثقة والإخلاص التام ولا يساور أحد الزوجين أي شك في وفاء الزوج الآخر، ثم شاهده متلبسا بالزنا، كمن يدخل إلى بيته ليلا فيجد زوجته في مخدعه مع شخص غريب متلبسة بالزنا فيقوم بقتلها أو قتل شريكها، كذلك تتحقق المفاجأة إذا كان أحد الزوجين شك في الآخر وشاهد ذلك الوضع صدفة أو عن طريق المراقبة (1).
- وعكس ذلك فلا يستفيد أحد الزوجين من العذر المقرر في المادة 279 ق.ع إذا كان يعلم من قبل بخيانة الزوج الآخر له، فإن دبر قتله بعد هذا لا يصح أن يقال معه أنه مبني على الإستقرار، بل تطبق عليه النصوص المجرمة للقتل العمد مع سبق الإصرار.
2- التلبس:
مما هو جدير بالملاحظة أن "التلبس بالزنا" ليس مقصود به ذلك المعني العادي الوارد في نص المادة 41 من ق.إج فليس المقصود أن يشاهد الزوج زوجته في لحظة ارتكاب فعل الزنا أو عقب ارتكابها بوقت قريب أو أن تتبعه العامة بالصياح إلى آخر ما جاء في نص المادة 41 ق.إ.ج بل يكفي أن يوجد الجاني في وضع لا يدع مجالا للشك في أن فعل الزنا قد تم ارتكابه.
-------------
(1) وهذا ما قضت به محكمة النقض المصرية، أنظر د.جلال ثروت المرجع السابق ص 264 + د.عبد الحميد الشواربي المرجع السابق ص 39.

- ومن قبيل مشاهدة الزوجة متلبسة بالزناأن يضبطها زوجها مرتدية ملابس
الفرع الثالث : الظروف الخاصة بصفة الجاني
1. قتل الأصول: وهو إزهاق روح الأب أو الأم أو أحد الأصول الشرعيين كالجد والجدة سواه من الأب أو من الأم (المادة 258 ‏ق.ع).
‏ولا يوخز في الجاني الجريمة إلا بالعلاقة العائلية الشرعية ، ولا يعتد بغيرها كما في حالتي التبني والكفالة.
‏ تعاقب المادة 261 ‏على جناية قتل الأصول بالإعدام. وإذا كان الجاني لا يستفيد من الأعذار القانونية المخففة، كما سبق بيانه، فإنه من الجائز أن يستفيد من الأعذار القضائية المخففة المنصوص عليها في المادة 53 ‏ق ع.
‏وتطبق على الجاني الجريمة العقوبات التكميلية التي سبق بيانها عند عرضنا لجريمة القتل العمد.
2. قتل الطفل حديث العهد بالولاة
تطبق على مرتكب هذه الجناية نفس العقوبة المقررة للقتل العمد، غير أن الأم سواء كانت فاعلة أصلية أو شريكة في قتل ابنها حديث العهد بالولادة تطبق عليها عقوبة مخففة وهي السجن المؤقت من 10 ‏إلى 20 ‏سنة (الفقرة الثانية من المادة 251 ‏ق ع). ولا يستفيد من الجاني العقوبة المخففة من ساهم أو شارك مع الأم في ارتكاب الجريمة و تطبق عليه الظروف المشددة و الأعذار المخففة المقررة للقتل العمد . ‏كما تطبق على هذه الجريمة العقوبات التكميلية
‏تتطلب جريمة القتل الطفل حديث العهد بالولادة توافر شرطين:
i. يجب أن يقع القتل على مولود حديث العهد بالولادة
ii. يجب أن يكون هذا القتل قد وقع من الأم
الخاتمة
و من هذا كله تستخلص أن جريمة القتل العمد التي تنص عليها المادة 254 من قانون العقوبات الجزائري المتكونة من الركن المادي المتمثل في السلوك الإجرامي الذي يؤدي صاحبه بالزاهق روح إنسان حي وذلك بالقصد الجنائي أي بالنية المبيت لذلك تطرق إليها القانون من كل جوانبها و حدد لها العقوبات ألازمة مع إعطاء السلطة التقديرية للقاضي للحكم لبضع الظروف










قديم 2010-09-28, 08:50   رقم المشاركة : 34
معلومات العضو
جمال لعروسي
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك أختي الفاضلة شهرية على هذا الطرح المميز و المنهجي للقانون الجنائي و الإجراءات الجزائرية، جعله الله في ميزان حسناتك.

عندي سؤالين بخصوص التحقيق الإبتدائي و الإنابة القضائية :
هل يستطيع ضابط الشرطة أن يسأل المتهم دون علم وكيل الجمهورية و قاضي التحقيق ؟
وهل يستطيع وكيل الجمهورية أن يسأل المتهم في غياب محاميه ؟

جزاكم الله كل خير










قديم 2010-09-29, 18:28   رقم المشاركة : 35
معلومات العضو
شهيرة1
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة جمال لعروسي مشاهدة المشاركة
بارك الله فيك أختي الفاضلة شهرية على هذا الطرح المميز و المنهجي للقانون الجنائي و الإجراءات الجزائرية، جعله الله في ميزان حسناتك.

عندي سؤالين بخصوص التحقيق الإبتدائي و الإنابة القضائية :
هل يستطيع ضابط الشرطة أن يسأل المتهم دون علم وكيل الجمهورية و قاضي التحقيق ؟
وهل يستطيع وكيل الجمهورية أن يسأل المتهم في غياب محاميه ؟

جزاكم الله كل خير
و عليك السلام اخي
و فيك بركة اخي
ساجيبك باختار اخي و دلك لان هذا الموضوع سنتطرق اليه بمزيد من التفصيل في الاجراءات الجزائية
طبعا بخصوص حضور المحامي يملي علي المتهم حقوقه بطلب حضور المحامي او لا
ولا يجوز لقاضي التحقيق ان يجري تحقيقا الا بموجب طلب من وكيل الجمهورية
للمتهم الحق في اختيار محام يتم استدعاءه بكتاب موصي عليه بيومين
كما تستطيع النيابة العامة اجراء التحقيق بدون طلب من وكيل الجمهورية اثنايء رفع الدعوي العمومية و شكرا لك









قديم 2010-09-29, 18:34   رقم المشاركة : 36
معلومات العضو
شهيرة1
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي

ماهية الإباحة وأقسامها ومصادرها

"أسباب الإباحة"
لم تتفق التشريعات جميعا على تسمية واحدة للإباحة بل البعض منها يسميها بأسباب التبرير، والبعض الآخر أسباب انتفاء الجريمة، والبعض الثالث أسباب الإباحة، والبعض الرابع الأفعال المبررة، والبعض الخامس بأسباب عدم المؤاخذة بالجرائم، لكن التشريعات ورغم اختلاف التسمية لها لم تعرف الإباحة رغم أن البعض منها يجعلها مجاورة لموضوعات أخرى تشبهها مما أدى إلى اختلاط الموضوعات لدى البعض، فالمطلع مثلا على القانون الجزائري يجد أنه سماها الأفعال المبررة ونص عليها في المادة 39 من قانون العقوبات، ونص في المادتين 47، 48 من نفس القانون على موانع المسؤولية، ونص في المادة 52 من نفس القانون أيضا على الأعذار القانونية معفية كانت أو مخففة، ونص في المادة 53 من قانون العقوبات الجزائري على الظروف المخففة ومع ذلك لم يعرفها.
ونتيجة لذلك فإننا نجد أنفسنا مضطرين إلى اللجوء إلى الفقه قصد تعريفها وبيان أساس وجودها.

تـعـريـف الإباحة

المعنى العام: هي إتيان الشخص لكل فعل لم يجرمه القانون أو هو ما يعبر عنه فقهاء الأصول في الشريعة بأن الأصل في الأشياء الإباحة حتى يأتي النص الذي يحرم.
المعنى الخاص: هو ما يعرف بأسباب الإباحة أو الأفعال المبررة، وهي إخراج فعل من العقاب استثناء بسبب وقوعه في ظروف خاصة، وفي هذا التعريف ركز المعرف على التفرقة بين أسباب الإباحة وما يمكن أن تشتبه معها طبيعة ونتائجها ذلك لأن أسباب الإباحة تمحو الجريمة أصلا، وأما أسباب عدم المسؤولية فتمحو المسؤولية مع بقاء الجريمة بينما الأعذار المعفية من العقوبة لا تمحو الجريمة ولا المسؤولية وإنما تعفي من العقاب.
الأفعال المبررة
هي تلك الأفعال التي يمكن إسقاطها على نص في القانون يجرمها ولكن استثناها المشرع بنص خاص أخرجها من دائرة التجريم وأدخلها مجال المباحات معطلا بذلك الشق الأول من النص القانوني الجنائي،وعلى هذا جاء نص المادة 39 من قانون العقوبات، لا جريمة:
- 1إذا كان الفعل قد أمر أو أذن به القانون.
- 2إذا كان الفعل قد دفعت إليه الضرورة الحالة للدفاع المشروع عن النفس أو عن الغير أو عن مال مملوك للشخص أو للغير بشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع جسامة الاعتداء.

أقسام الإباحة
لقد قسمت الإباحة إلى قسمين، إباحة واسعة أو أصلية، وإباحة ضيقة أو استثنائية.
-الإباحة الواسعة أو الأصلية: وهي تلك الإباحة التي تخول للشخص إتيان كل فعل لا يجرمه القانون ذلك لأن الفعل الذي لم يتناوله المشرع بالتجريم يبقى على أصله وهو الإباحة.
-الإباحة الاستثنائية: وهي تعني إخراج فعل من دائرة التجريم أصلا وذلك بسبب وقوعه في ظروف خاصة قد رأى المشرع أن إدراجه ضمن المباحات أولى من إدراجه ضمن المحظورات وذلك تبعا للموازنة بين الحقوق والمصالح، وعلى هذا فإن الإباحة الاستثنائية أصل الأفعال فيها أنها مجرمة ابتداء ولكن أذن المشرع بارتكابها استثناء متى وقعت في ظروف خاصة ومحددة، وضابط التفرقة بين الإباحة الأصلية، والإباحة الاستثنائية هو مدى إمكانية إسقاط الواقعة على النص القانوني المجرم فمتى أمكن إسقاط الواقعة على النص المجرم وحصل التطابق ولكن لظروف استثنائية رأى المشرع إخراجها من نطاق دائرة التجريم وردها إلى أصلها الأصيل وهو الإباحة كنا بصدد إباحة استثنائية، أما إذا لم يسقط الواقعة على أي نص قانوني يجرمها دل ذلك على أنها لازالت على أصلها الأول وهو الإباحة ومن ثم كانت إباحتها إباحة أصلية.

مصادر الإباحة

مصادر القانون الجنائي هي التشريع فقط وفق ما نص عليه في المادة 1 من ق.ع، ولكن أسباب الإباحة لا تقتصر فقط على التشريع بل تمتد إلى الشريعة والعرف ومبادئ الطبيعة وقوانين العدالة.

أساس الإباحة
-انتفاء القصد الجنائي:إن أساس الإباحة مرده ومرجعه إلى انعدام القصد الجنائي الذي يمثل أحد أركان الجريمة، هذا القصد يتجلى في الخطورة الإجرامية للفاعل التي على أساسها شرعت العقوبة، فالشخص الذي يرتكب فعلا ما ويعترف بأنه على علم ودراية بأنه محظور يستحق العقاب والجزاء دون منازع وهذا لاشتماله على خطورة إجرامية ونية عدوانية تستحق الردع.
الجهة الأولى: إن اعتبار انتفاء القصد الجنائي أساس للإباحة أمر خاطىء ذلك لأن انتفاء لقصد الجنائي مانع من موانع المسؤولية وليس سبب إباحة ذلك لأن القصد الجنائي أمر شخصي وأسباب الإباحة موضوعية وليست شخصية الأمر الذي يهدم التعويل على القصد النائي كأساس للإباحة.
الجهة الثانية: أن القصد الجنائي أمر مختلف من شخص لآخر وإثباته أمر صعب، وترك ذلك للقضاء يؤدي إلى اختلاف القضاة فيه أو يجعلهم يتحكمون في تقديره مما يؤدي إلى زعزعة الثقة في القضاء وضرر هذه الزعزعة أكثر من نفع أسباب الإباحة جملة ناهيك عن السياسة الجنائية الحديثة تدعو إلى حصر أسباب الإباحة وتحديدها، والتعويل على القصد الجنائي باعتباره أساسا للإباحة نقيض ذلك تماما لأنه يؤدي إلى توسيع فيها.
- شرف الباعث:أن الباعث حالة نفسية تختلف من شخص لآخر مما يجعله غير خاضع للحصر وهذا يتنافى مع السياسة الجنائية. أن الباعث أو الدافع لا يتسع لكل أسباب الإباحة ذلك لأن بعض البواعث أو الدوافع قد يكون ضررها أكثر من نفعها ومع ذلك هي مقررة قانونا. الأمر الذي جعلنا نقول أن شرف الباعث ونبل الغاية يصلحان عند تقدير العقوبة في نظر القاضي باعتبار ذلك ظرفا مخففا لا في تأسيس الإباحة عليها.
- إباحة المشرع لها اعتمادا على مصلحة اجتماعية تربو على مصلحة التجريم:المشرع عندما يريد وضع أي نص تجريمي لابد وأن تكون لديه علة التجريم أقوى وأشد من علة الإباحة، فإذا أنتفت علة التجريم أو كانت مصلحة الإباحة أولى من مصلحة التجريم أباح السلوك، وإذا كانت الحكمة والعلة من نصوص التجريم هي حماية مصالح معتبرة للمجتمع أو الأفراد فإنها بعض الأحيان قد ترتكب في ظروف لايصلح معها تطبيق نص التجريم لأن التطبيق لا يحقق في تلك الظروف الغرض المقصود منه وهو حماية مصلحة معتبرة بل يكون عدم القول بالتجريم أول بالاعتبار ومادامت فكرة التجريم تدور مع العلة وجودا وعدما كالمصلحة تماما في الأحكام الشرعية فإنه بذلك متى انتفت علة التجريم أبيح الفعل وأجيز. وهذا الأساس يعد أكثر الأسس قبولا لدى الفقهاء وهذا لتماشيه مع علة الإباحة واقتصاره عليها وحدها دون سواها.










قديم 2010-09-29, 18:55   رقم المشاركة : 37
معلومات العضو
شهيرة1
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي

i
أسباب الإباحة

المبحث الأول : الأحكام العامة لأسباب الإباحة :
أولا - ماهية أسباب الإباحة وطبيعتها :
ان الفعل الذي لا يتناوله المشرع بالتجريم من الأصل يكون مباحا إباحة أصلية عملا بقاعدة ان "الأصل في الأشياء الإباحة"، أما الفعل الذي يخضع لنص تجريم حماية لمصلحة معينة، فان المشرع قد يبيحه استثناء اذا وقع في ظروف معينة، ومن ثم يكون الفعل مباحا إباحة استثنائية0 وان هذه الظروف التي حددها المشرع وجعل من آثارها إباحة الفعل المجرم تسمى أسباب الاباحة0
وتتميز أسباب الإباحة بطبيعة موضوعية حيث يترتب على توافر سبب منها إزالة الصفة الإجرامية عن الفعل، فأثرها ينصرف الى الفعل لا الى شخص الفاعل0 ومن ثم فان أثرها يمتد الى كل شخص ساهم في الجريمة0 فإذا أجرى الطبيب جراحة لمريض فان الإباحة تنصرف الى فعل الطبيب والى فعل كل
من ساعده في هذا العمل0
ثانيا - تقسيم أسباب الإباحة :

-1 يقسم الفقه أسباب الإباحة تبعا لموضوعها الى أسباب عامة وأسباب خاصة:
أسباب الإباحة العامة : هي التي تنتج أثرها بالنسبة الى جميع أنواع الجرائم اي أنها تبيح ارتكاب جميع ا لجرائم مثل استعمال الحق وأداء الواجب0 *
أسباب الإباحة الخاصة: هي الأسباب التي لا تبيح الا جرائم معينة منها حق الدفاع أمام المحاكم حيث لا يبيح الا جرائم القذف والسب. *
2 -وتقسم أسباب الإباحة تبعا لآثارها الى أسباب إباحة مطلقة وأسباب إباحة نسبية:
أسباب الإباحة المطلقة : هي التي يمكن ان يستفيد منها اي شخص بصرف النظر عن صفته، ومثالها حق الدفاع الشرعي0 *
أسباب الإباحة النسبية : هي التي يستفيد منها أشخاص معينون لتوافر صفات خاصة فيهم مثل مباشرة الطبيب للأعمال الطبية والجراحية فلا يستفيد منها الا الطبيب0 *
ثالثا – حكم الجهل بالإباحة و الغلط فيها :
-1 الجهل بالإباحة :
يقصد بالجهل بالإباحة ان يقوم شخص بارتكاب فعل وهو يعتقد ان القانون يعاقب عليه، بينما يكون هناك سبب من أسباب الإباحة يجهله0 ولما كانت أسباب الإباحة ذات طبيعة موضوعية فهي تنتج أثرها وترفع عن الفعل الصفة الإجرامية سواء علم الجاني بتوافرها او جهل وجودها.
-2 الغلط في الإباحة : قد يعتقد الشخص على خلاف الحقيقة توافر الوقائع او الظروف التي يقوم عليها سبب من أسباب الإباحة، في حين ان هذا السبب غير قائم في الحقيقة والواقع0 مثال ذلك ان يعتقد الشخص ان هناك خطر يتهدده في نفسه او في ماله، فيقتل من ظن انه مصدر الخطر اعتقادا منه بتوافر شروط الدفاع الشرعي على خلاف ما ثبت في الحقيقة والواقع0 ولم يرد قانون العقوبات الاتحادي نص في هذا الصدد ولكن ورد في المادة 56/ أولا تطبيق لذلك، حيث لم يستلزم المشرع في الخطر المسوغ للدفاع الشرعي ان يكون خطرا حقيقيا في ذاته بل يكفي ان يبدو كذلك في اعتقاد المدافع وكان اعتقاده مبينا على أسباب معقولة0
ولما كانت أسباب الإباحة ذات طابع موضوعي وكان الغلط في الإباحة يتعلق بالموقف النفسي للجاني، فانه لا يعدل الإباحة وإنما يؤثر في الركن المعنوي للجريمة فينفي القصد الجنائي الذي يقوم على العلم بعناصر الجريمة وإرادة ارتكابها، لان الغلط في الوقائع ينفي ذلك العلم0 الا انه يجوز مساءلة الجاني عن جريمة غير عمدية اذا كان القانون يعاقب عليها بهذا الوصف وثبت إهمال الجاني في التثبت والتحري عن الظروف التي أحاطت بفعله وأدت به الى الغلط0 أما اذا ثبت انه بذل القدر اللازم من التثبت والتحري ومع ذلك وقع في الغلط، فانه لا ينسب اليه الخطأ وتنتفي مسئوليته الجنائية0 وجدير بالملاحظة ان الغلط في الإباحة هو الذي ينصب على الوقائع التي أحاطت بالفعل او على قانون اخر غير قانون العقوبات0 أما الغلط في قانون العقوبات فلا ينفي المسئولية عن الجريمة0
رابعا - المقارنة بين أسباب الاباحة وغيرها من الأنظمة القانونية:
1- أسباب الإباحة وموانع المسئولية: موانع المسئولية هي الأسباب التي تجعل مرتكب الجريمة غير مسئول جنائيا عن الجريمة المرتكبة0 وعلى ذلك فهي تتفق مع أسباب الإباحة في عدم توقيع العقاب على من يستفيد منها0 وتختلف أسباب الإباحة عن موانع المسئولية فيما يلي :
أ- ان أسباب الإباحة ذات طبيعة موضوعية ترفع عن الفعل الصفة الإجرامية وبالتالي يمتد أثرها الى كل من ساهم في الجريمة0 أما موانع المسئولية فترجع الى أسباب شخصية تتعلق بالجاني فتفقده الإدراك والإرادة ومثالها الجنوب والسكر غير الاختياري0 فهي تحول فقط دون قيام المسئولية الجنائية لمرتكب الجريمة فلا يستحق العقاب ولكنها لا تنفي عن الفعل الصفة الإجرامية، ومن ثم يقتصر اثر مانع المسئولية على من توافر لديه دون غيره0
ب- ويترتب على أسباب الإباحة انتفاء المسئولية الجنائية والمدنية لان الفعل المرتكب اصبح مشروعا، أما موانع المسئولية فهي لا تمنع المسئولية المدنية لان الفعل ما زال غير مشروع0
ج- على الرغم من ان العقاب لا يوقع في حالة توافر سبب إباحة او مانع المسئولية، الا انه يجوز الحكم بتدبير احترازي عند امتناع المسئولية الجنائية على اعتبار ان خطورة الجاني قد تكون متوافرة رغم الحكم بامتناع المسئولية الجنائية، وهذا ما يأخذ به قانون العقوبات الاتحادي م 133 و م 62/2 0

-2 أسباب الإباحة وموانع العقاب : تفترض موانع العقاب توافر أركان الجريمة واكتمال المسئولية الجنائية عنها وبالتالي استحقاق العقاب، غير ان المشرع قد لا يرى لاعتبارات معينة إعفاء بعض الأشخاص من العقاب تشجيعا على عدم التمادي في نشاطهم الإجرامي، او منع وقوع بعض الجرائم، او مساعدة السلطات على ضبط الجناة0 مثال ذلك إعفاء الراشي او الوسيط من العقاب اذا بادر بإبلاغ السلطات القضائية او الإدارية عن الجريمة (الرشوة) او اعترف بها قبل اتصال المحكمة بالدعوى0
وتشترك موانع العقاب مع أسباب الإباحة في عدم توقيع العقاب الا انهما يختلفان في :
أ- موانع العقاب تبقي أركان الجريمة متوافرة ويقتصر أثرها على الإعفاء من العقاب، أما أسباب الإباحة فإنها تخرج الفعل من نطاق التجريم فتزيل عنه الصفة الإجرامية وترده الى اصله مباحا0
ب- اثر الإباحة يمتد على كل من ساهم في الجريمة فاعلا او شريكا، أما مانع العقاب فان أثره يقتصر على من توافر لديه كأن يستفيد منه الفاعل دون الشريك الذي يعاقب0
يجوز الحكم بتدبير احترازي في حالة توافر مانع للعقاب وهو ما لا يجوز بالنسبة لحالة الاباحة0
المبحث الثاني : أسباب الاباحة في قانون العقوبات الاتحادي : ج-
المطلب الأول :- استعمال الحق :
نص المشرع الاتحادي على استعمال الحق كسبب إباحة في المادة 53/1 ع0إ
أولا : الشروط العامة لاستعمال الحق :
1- وجود حق مقرر بمقتضى القانون : يقتضي استعمال الحق كسبب للإباحة ان يكون هناك حق0 والحق هو كل مصلحة يعترف بها القانون ويحميها0 فمالك الشيء الموجود لدى الغير يكون ذا مصلحة مشروعة في استرداده، ولكن هذه المصلحة لا يعترف بها القانون كسبب لإباحة استرداد ذلك الشيء بالقوة0 ويفهم الحق هنا بمعناه الواسع اي الحق الذي تقرره قاعدة قانونية سواء تضمنها نص تشريعي أيا كان موضعه بين مجموعات القوانين، او لم يتضمنها نص تشريعي ولكنها تقررت بموجب العرف الذي يتفق مع أهداف القانون، او كان مصدرها الشريعة الاسلامية0
ومن أمثلة الحقوق التي تقررها النصوص التشريعية حق الدفاع الشرعي (م 56 ع0إ) وحق الدفاع أمام المحاكم (م 376 ع0إ)0 ومن أمثلة الحق الذي يجد مصدره في الشريعة الإسلامية حق الزوج في تأديب زوجته0 أما الحقوق التي يقررها العرف فمثالها ممارسة الألعاب الرياضية الذي تقع به جريمة الضرب او الجرح، وكذلك ثقب أذن الفتاة لوضع الحلي فيها0 ولكن اذا تدخل القانون وحظر عملا جرى به العرف فان إتيان هذا الفعل يشكل جريمة مثل ذلك ان يصدر قانون يحظر على حلاقي الصحة بإجراء عمليات الختان0
-2 الالتزام بحدود الحق : لقيام هذا الشرط يجب ان يمارس الحق من يملكه وان يكون ارتكاب الجريمة ضروريا لاستعمال الحق وذلك على النحو التالي :
ممارسة الحق بواسطة من يملكه : اذا قرر القانون لشخص بالذات استعمال الحق وجب عليه ان يمارسه بنفسه، فحق ممارسة الطب والجراحة مخول للطبيب فلا يجوز لغيره استعماله كالممرض0 وحق تأديب الزوجة قاصر على الزوج فإذا مارسه غيره وقع فعله تحت طائلة قانون العقوبات0 ويلاحظ ان القانون المدني يجيز الإنابة في استعمال الحق بمقتضى القانون او اتفاق، وهذه الإنابة جائزة في غير الحقوق المالية كحق الدفاع أمام المحاكم، فمثلا الوكيل في ممارسة الحق في الدفاع أمام المحاكم له ان ينسب الى الخصم وقائع تعد سبا وقذفا ويستفيد من سبب الإباحة المقرر لموكله0 أ-
يجب ان يكون ارتكاب الجريمة ضروريا لاستعمال الحق والا فان هذا الاستعمال لا يكون مباحا0 فحق الدفاع أمام المحاكم لا يبيح للخصم غير أفعال القذف او السب والتي تكون في مقام الدفاع الشفهي او الكتابي أمام المحاكم0 وحق ممارسة الألعاب الرياضية العنيفة لا يبيح غير أفعال الضرب التي تقررها اللعبة وتكون لازمة لها0 ب-
ولا يجوز استعمال الحق لتحقيق مصلحة غير مشروعة لمخالفتها النظام العام والآداب العامة فليس للطبيب ان يستعمل حقه في الجراحة لإجراء عملية غير مشروعة كإجهاض امرأة0

-3 استعمال الحق بحسن نية : يجب ان يهدف الشخص من وراء استعمال الحق تحقيق الغاية التي تقرر من اجلها الحق0 فإذا تبين ان مستعمل الحق كان سيئ النية فانه يسأل عن الجريمة التي ارتكبها0 فالطبيب الذي يجري عملية جراحية لمريض ليس بقصد علاجه وإنما بقصد إجراء تجربة علمية يسأل عن قتل او جرح عمدي حسب النتيجة0
ثانيا : تطبيقات استعمال الحق :
نصت المادة 53/2 ع0إ على استعمال الحق وصوره، وسوف نقتصر على دراسة أهم التطبيقات وأكثرها وقوعا في العمل وهي : حق التأديب، حق ممارسة الألعاب الرياضية وحق مباشر الأعمال الطبية والجراحية0
1 - حق التأديب : حق التأديب نوعان ، حق تأديب الزوج لزوجته وحق تأديب الصغار0
أ- حق تأديب الزوج لزوجته :
حق الزوج في تأديب زوجته مستمد من الشريعة الإسلامية لقوله تعالى : " واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضروبهن فان أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا"0 ونص على هذا الحق المشرع الاتحادي في المادة 53/1 ع0إ ، ويبيح هذا الحق أفعال التعدي والإيذاء الخفيف المجرمة بالمادة 339/2 ع0إ
وحق تأديب الزوجة قاصر على الزوج فلا يجوز لغيره القيام به مهما كانت صلة القرابة التي تربطه به او بزوجته0 ولا يجوز استعماله الا اذا بدرت من الزوجة معصية لم يرد فيها حد مقرر ولم يتم رفعها الى الإمام اي السلطات العامة0 ويقصد بالمعصية اي إخلال من الزوجة بواجباتها قبل زوجها كعدم طاعته بدون موجب والخروج من المنزل دون اذنه0 ولا يجوز للزوج ان يلجأ الى الضرب الا بعد استنفاد وسيلة الوعظ ووسيلة الهجر في المضجع0 والضرب المباح هو الضرب البسيط الذي لا يترك اثرا0 فإذا تجاوز الزوج هذا الحد فأحدث أذى بجسم زوجته خضع للعقاب الذي يقرره القانون0 فإذا ترتب على الضرب وفاة الزوجة يسأل الزوج عن ضرب أفضى الى الموت.
ويشترط كذلك ان يكون تأديب الزوج لزوجته بقصد تهذيبها ومواجهة نشوزها، أما اذا كان بقصد الانتقام او الإهانة فان الزوج لا يستفيد من الإباحة ويستحق العقاب0
ب- حق تأديب الصغار :

نص على هذا الحق في المادة 53/1 ع0إ ومصدر هذا الحق الشريعة الإسلامية التي تجيز للآباء او أولياء النفس عند عدم وجود الأب والوصي والأم حق تأديب الصغار لإصلاحهم وتعليمهم، ويثبت حق تأديب الصغار الى معلمه وملقن الحرفة لارتباط التعليم بالتأديب0 أما الخاضعون للتأديب فهم الأولاد القصر الذين لم يبلغوا من العمر خمسة عشر سنة0 أما من بلغ هذه السن وكان غير مأمون عليه فتنة فيظل خاضعا للتأديب الى ان يبلغ سن الرشد0
-1 ولا يجوز تأديب الصغير الا اذا انحرف عن السلوك الواجب سواء حدده القانون او العرف او الدين، كمن يترك الصلاة او الصيام0

-2 يجب على من يستعمل حق التأديب ان يلتزم بالحدود المقررة شرعا او قانونا، فيجب الا يتجاوز الضرب ثلاثة ضربات وان يكون خفيفا فان كان فاحشا فهو غير مباح0 والضرب الخفيف يكون باليد دون استعمال وسيلة اخرى كالعصا والا يترك أثرا في الجسم0 ويجوز ان يكون التأديب بالتوبيخ او تقييد الحرية الذي لا يصل الى التعذيب او منع الحركة0

3 - ويجب ان يهدف التأديب الى إصلاح الصغير وتهذيبه وتعليمه، فإذا ضرب الأب ابنه لحمله على التسول او السرقة خرج من نطاق الإباحة ودخل حدود التجريم0

2- حق ممارسة الألعاب الرياضية :

أ - ماهية الألعاب الرياضية : يقصد بالألعاب الرياضية مجموعة الألعاب والتمارين البدنية التي يمارسها بعض الأفراد بروح المنافسة من اجل تنمية أجسامهم او من اجل تسليتهم خاضعين في تلك الممارسة لقواعد معينة0 والألعاب الرياضية نوعان : نوع لا يتطلب العنف كالسباحة وحمل الأثقال، فإذا حدثت إصابة أثناء ممارسة هذه الرياضات طبقت قواعد المسئولية الجنائية0 وهناك نوع من الألعاب تتطلب ممارستها استعمال العنف كالمصارعة والملاكمة، وهذا النوع هو المقصود بالإباحة لما يحدثه من إصابات او جروح او كسور0

ب- سند الإباحة : نص المشرع الاتحادي في المادة 53/3 ع0إ على إباحة استعمال العنف في الألعاب الرياضية اي إباحة أفعال الإيذاء التي تحدث أثناء ممارستها0

ج- شروط الإباحة : يتعين لإباحة اعمال العنف التي تصاحب ممارسة الألعاب الرياضية توافر ما يلي :
ان تكون اللعبة من الألعاب التي يعترف بها العرف الرياضي اي لها قواعد تنظم ممارستها0 -
ان تكون اعمال العنف ارتكبت أثناء المباراة الرياضية، فإذا وقعت قبل بدء المباراة او بعدها فلا تكون مباحة0 ويستوي ان تكون قد وقعت في مباراة نظامية او في تمارين الاستعداد لها0 كما يستوي ان يكون اللاعب هاويا او محترفا0 -
يجب ان يراعي اللاعب جميع قواعد اللعبة المتعارف عليها وأصولها المرعية، فإذا وقعت اعمال العنف نتيجة خروج اللاعب عن هذه القواعد خضع لقواعد المسئولية الجنائية0 -
3- حق مباشرة الأعمال الطبية :
لا يجادل أحد في ان الطبيب يمارس أثناء قيامه بعمله بعض الأعمال التي لو وضعت تحت مقياس قانون العقوبات لاعتبرت جرائم، ومع ذلك لا يسأل الطبيب جنائيا0
أ- الأساس القانوني لإباحة العمل الطبي : تعددت الآراء التي قيل بها في أساس إباحة العمل الطبي والجراحي0 والاتجاه الراجح فقها وقضاء يسند إباحة الأعمال الطبية والجراحية التي يقوم بها الأطباء الى الرخصة المخولة لهم قانونا بمزاولة مهنة الطب وفقا للشروط والإجراءات المنصوص عليها في القوانين المنظمة لمزاولة مهنة الطب والجراحة0 فمتى اعترف المشرع بمهنة الطب وقام بتنظيم كيفية مباشرتها فهو يسمح حتما بكل الأعمال الضرورية لمباشرتها0 كما وان الأعمال الطبية لا تنطوي على اعتداء على حق الإنسان في سلامة جسمه، بل أنها تستهدف المحافظة على الجسم ومصلحته في ان يسير سيرا عاديا طبيعيا، أيا كانت النتيجة التي تسفر عنها الأعمال الطبية طالما ان الطبيب بذل العناية اللازمة وفق الاصول العلمية المتبعة في الطب0 وقد تناول المشرع الاتحادي في المادة 53/2 ع0إ اعمال الطبيب باعتبارها استعمالا للحق0

ب- شروط إباحة العمل الطبي : يشترط لإباحة العمل الطبي توافر ما يلي :
1- الترخيص بمزاولة مهنة الطب : يجب ان يكون من أجرى الأعمال الطبية قد حصل على الترخيص الذي يتطلبه القانون واللوائح الخاصة بتنظيم الأعمال الطبية قبل مزاولة الأعمال فعلا0 والترخيص بمزاولة مهنة الطب قد يكون عاما شاملا لجميع اعمال المهنة، وقد يكون خاصا بمباشرة اعمال معينة وفي هذه الحالة لا تتوافر الإباحة الا اذا كان العمل داخلا في حدود الترخيص المقرر كما هو الحال بالنسبة لطبيب الاسنان0 وبناء على ما تقدم يسأل من لا يملك الترخيص عما يحدثه بالغير من الجروح وغيرها باعتباره معتديا على سلامة جسم الغير فضلا على معاقبته على مزاولة مهنة الطب على نحو يخالف القانون0 وكذلك الحال بالنسبة لمن يزاول مهنة الطب او الجراحة خارج النطاق الذي يسمح به الترخيص الممنوح له كطبيب أسنان اذا اقدم على جراحة فتح البطن فانه يسأل عن النتائج المترتبة على ذلك مسئولية عمدية0
-2 رضاء المريض : يتطلب المشرع لإباحة الجراحة الطبية واعمال التطبيب ان تتم برضاء المريض او النائب عنه قانونا صراحة او ضمنا0 فلا يجوز ان يرغم الشخص على تحمل المساس بتكامله الجسدي ولو كان ذلك من اجل مصلحته، ولذلك يسال الطبيب الذي يجري العمل الطبي الجراحي لمريض دون الحصول مقدما على رضائه او رضاء من يقوم مقامه مسئولية عمدية ولو قصد به العلاج واستفاد منه المريض0
ويجب الحصول على رضاء المريض قبل البدء في مباشرة عمله الطبي وبتوافره تنتج الإباحة آثارها بالنسبة لما يحدث من مساس بجسم المريض0 ولا بد من توافر هذا الرضاء في كل مرحلة من مراحل العمل الطبي اي من مرحلة التشخيص الى مرحلة التدخل العلاجي الذي يتم بتعاطي الأدوية او التدخل الجراحي0
وتجدر الإشارة الى ان رضاء المريض او من يمثله قانونا لا يعني إعفاء الطبيب من المسئولية الجنائية والمدنية التي تنشأ عن أخطائه المهنية0
ويستطيع الطبيب ان يتجاوز عن الحصول على رضاء المريض ويظل فعله مباحا اذا كان المريض مصابا بمرض معدي يخشى انتقال عدواه الى غيره فيتم تطعيمه دون رضائه، وكذلك الحال اذا كان المريض مهددا بخطر جسيم حال يقتضي التدخل العلاجي السريع وكان المريض غير قادر على التعبير عن إرادته ولم يوجد من يرضى نيابة عنه0 فإذا شرع الطبيب في إجراء عملية جراحية بناء على رضاء المريض السابق وتبين أثناء إجرائها ضرورة القيام بعمل طبي اخر ضروري لشفاء المريض، استقر الفقه والقضاء على جواز ذلك للطبيب بناء على الرضاء السابق ما دام انه يقصد تحقيق مصلحة المريض وبشرط ان يحاط الجاني علما بعد الجراحة بما تم اجراؤه0
ويشترط لصحة رضاء المريض ما يلي :
* ان يكون الرضاء حرا : فإذا شاب رضاء المريض غلط او تدليس او إكراه فانه يتجرد من قيمته القانونية0
* ان يكون الرضاء متبصرا : يجب ان يعلم المريض بطبيعة ونوعية العمل الطبي الذي ينصرف اليه رضاؤه فضلا عن مخاطره ونتائجه المحتملة حتى يتسنى له قبول او رفض العمل الطبي0
* أهلية المريض : يجب ان يكون المريض بالغا رشيدا متمتعا بكامل قواه العقلية وفي حالة صحية تسمح له بإبداء ذلك الرضاء0
* الرضاء موقف إرادي كامن في النفس يجب ان يفصح المريض عنه بالتعبير عن ذلك الرضاء صراحة بالكلام او الإشارة او الكتابة، او ضمنا كمن يذهب الى غرفة العمليات بعد علمه بماهية العملية الجراحية ونتائجها المحتملة.

-3 قصد العلاج : لإباحة العمل الطبي يجب ان تنصرف نية الطبيب متجهة الى العلاج لا الى غاية اخرى، اي ان يكون غرضه مما يقوم به من اعمال مهنته الوصول الى علاج المريض بتخليصه من الآلام التي يكابدها او التخفيف من حدتها0 فإذا قصد الطبيب من عمله تحقيق غرض اخر غير العلاج انعدم حقه فيسأل جنائيا عن نتائج فعله0 وبناء على ما تقدم يسأل الطبيب عن فعله تبعا لما يترتب عليه من نتائج اذا اقدم على عملية جراحية يعلم عدم جدواها لكنه أجراها بدافع الحقد على المريض0
المطلب الثاني - أداء الواجب :
1 - أساس الإباحة ونطاقها : نص المشرع الاتحادي على أداء الواجب كسبب عام للإباحة في المادتين 54 و 55 ع0إ ويتضح من هذين النصين ان المشرع الاتحادي يقرر أداء الواجب كسبب إباحة للشخص سواء كان موظفا عاما ام لا0 فإذا جرم المشرع فعلا من الأفعال ثم أوجب على شخص إتيانه فأتاه فان هذا الفعل يعتبر مباحا ولا يمكن اعتباره جريمة0 وتقرر هذه الإباحة حماية للأفراد حتى لا يحجموا عن أداء واجباتهم او يترددوا في مباشرتهم لها خشية المسئولية الجنائية0

2- مدلول الموظف العام في قانون العقوبات الاتحادي : عرف المشرع الاتحادي الموظف العام في المادة (5) ع0إ حيث نصت على انه يعتبر موظفا عاما في حكم هذا القانون :
أ- القائمون بأعباء السلطة العامة والعاملون في الوزارات والدوائر الحكومية.
ب- أفراد القوات المسلحة0
ج- رؤساء المجالس التشريعية والاستشارية والبلدية واعضاؤها0
د- كل من فوضته إحدى السلطات العامة القيام بعمل معين وذلك في حدود العمل المفوض0
و- رؤساء مجالس الإدارة وأعضاؤها والمديرون وسائر العاملين في الهيئات والمؤسسات العامة0
ي- رؤساء مجالس الإدارة وأعضاؤها والمديرون وسائر العاملين في الجمعيات والمؤسسات ذات النفع العام0
ويعد الشخص مكلفا بخدمة عامة كل من يقوم بأداء عمل يتصل بالخدمة العامة بناءا على تكليف صادر اليه من موظف عام يملك هذا التكليف بمقتضى القوانين او النظم المقررة0
ويستوي ان تكون الوظيفة او الخدمة دائمة او مؤقتة بأجر او بغير أجر0

أولا - أداء الواجب كسبب لإباحة أفعال غير الموظفين العموميين:
تنص المادة (54)ع0إ ان أداء الفرد ولو لم يكن موظفا عاما للواجبات المفروضة عليه شرعا او قانونا هو سبب لإباحة ما يصدر عنه من أفعال للقيام بهذا الواجب حتى وان كانت تشكل جريمة0 وقد يحدد القانون للفرد الشروط اللازمة لأداء الواجب، فإذا جاء العمل مطابقا لهذه الشروط كان مباحا0 فمناط الإباحة هنا ليس صفة الفاعل بل القيام بواجب تأمره به الشريعة او القانون، فإذا أوجب القانون على شخص إتيان فعل فأتاه فهذا الفعل لا يشكل جريمة0
مثال : شخص يدعى للشهادة أمام المحكمة فعليه واجب أداء الشهادة بما قد يتضمنه من وقائع تعد قذفا او سبا ويعد ذلك مباحا أداء للواجب، والا ترتب على مخالفته لهذا الواجب ارتكاب جريمة اخرى هي جريمة الامتناع عن أداء الشهادة (م 261/1 ع0إ)0
ثانيا : أداء الواجب كسبب لإباحة أفعال الموظفين العموميين :
* حالات الإباحة : نصت المادة (55) ع0إ على حالتين يكون فيهما عمل الموظف العام او المكلف بخدمة عامة مباحا ولو كان مطابقا للنموذج القانوني لجريمة من الجرائم0 والحالتين هما :

-1 العمل المشروع تنفيذا لامر رئيس تجب طاعته قانونا : يكون العمل مباحا اي مشروعا اذا قام به الموظف العام او المكلف بخدمة عامة تنفيذا لامر رئيس تجب طاعته0 مثل ضابط الشرطة الذي يقوم بتفتيش منزل معين تنفيذا لامر المحقق0
ويجب لإباحة العمل توافر شروط شكلية وأخرى موضوعية يتطلبها القانون في أمر الرئيس :
أ- الشروط الشكلية هي :
-1 ان يكون الرئيس مختصا قانونا بإصدار الأمر، فإذا صدر الأمر من شخص ليست له صفة قانونية في إصداره فان الأمر لا يكون مشروعا ولا تجب طاعته0 مثال ذلك ان يقوم عضو النيابة بإصدار أمر بمراقبة المحادثات السلكية واللاسلكية لشخص دون ان تكون هناك موافقة من النائب العام صاحب الاختصاص بذلك (م 75 قانون الإجراءات الجزائية الاتحادي)0
2- ان يكون المرؤوس الصادر اليه الأمر هو المختص بتنفيذه ، فان كان غير مختص اصبح الأمر غير مشروع وتنفيذه أيضا غير مشروع، مثال : الأمر الصادر بتنفيذ الإعدام لغير الجلاد0

-3 ان يفرغ في الشكل الذي يتطلبه القانون ، فإذا اشترط القانون صدور الأمر كتابة فلا يصح صدوه شفويا0 فلا يجوز القبض على شخص بناء على أمر شفوي0
ب- أما الشروط الموضوعية للأمر فهي تتعلق بالمقدمات التي اشترط القانون توافرها لإصدار الامر0 فالأمر بتفتيش منزل شخص او مراقبة محادثاته السلكية واللاسلكية لا يجوز إصداره الا اذا قامت دلائل كافية على انه يخفي في منزله أشياء قد تفيد في كشف الحقيقة في الجريمة محل التحقيق، او ان مراقبة المحادثات تستوجبها مقتضيات التحقيق0 فمتى توافرت الشروط الشكلية والموضوعية للأمر وقام المرؤوس بتنفيذه كان العمل مباحا0

2- العمل المشروع تنفيذا لما أمرت به القوانين : يكون العمل مشروعا اذا أتاه الموظف العام او المكلف بالخدمة العامة تنفيذا لما تأمر به القوانين0 ويكون العمل مطابقا لما أمرت به القوانين اذا كان تنفيذا مباشرا لأداء واجب يفرضه القانون او استعمالا لسلطة تقديرية ممنوحة للموظف0

أ- فقد يكون العمل الذي يأتيه الموظف تنفيذا لأداء واجبه المستمد من القانون مباشرة، وفي هذه الحالة تكون سلطة الموظف مقيدة بشروط معينة لا مجال لتقديره فيها، فإذا نفذ الموظف العمل بناء على الشروط كان العمل قانونيا، مثال ذلك الواجب الذي يقرره القانون على الجلاد فهو مطالب بتنفيذ حكم الإعدام في شخص معين، فلا مجال لإعمال السلطة التقديرية في هذه الحالة0

ب- وقد يمنح القانون الموظف العام سلطة تقديرية في أداء العمل، فإذا توافرت شروط استعمال هذه السلطة ، فان ما يأتيه في حدود هذه السلطة يكون مباحا0 فيجب ان يتوافر السبب المنشئ لهذه السلطة اي الواقعة التي منح بناء عليها سلطته التقديرية، وان يتوافر في عمل الموظف الشروط الشكلية والموضوعية، وان يقصد الموظف الغاية التي أرادها القانون بمنحه هذه السلطة اي ان يكون حسن النية0 فإذا قصد الموظف الانتقام او التشفي كان فعله غير مشروع0

المطلب الثالث - الدفاع الشرعي :

أولا - تعريف الدفاع الشرعي وتحديد أساسه:
الدفاع الشرعي هو حق عام يعطي صاحبه حق استعمال القوة اللازمة لدفع اعتداء يقع على النفس او المال بفعل يعد جريمة0 فهو حق عام يقرره المشرع لكل إنسان في مواجهة الكافة0 وقد عبر المشرع الاتحادي عن الدفاع الشرعي في المواد من 56 الى 58 ع0إ0 والراجح ان أساس الدفاع الشرعي يرجع الى فكرة الموازنة بين المصالح المتعارضة للأفراد وتغليب ما كان منها أولى بالرعاية0 ففعل الدفاع وان هدد مصلحة المعتدي فقد صان في ذات الوقت مصلحة المعتدى عليه، وهذه المصلحة الأخيرة هي الأرجح أهمية في نظر المجتمع، لان اعتداء المعتدي قد هبط بالقيمة الاجتماعية لمصلحته0

ثانيا - شروط الدفاع الشرعي : يقوم حق الدفاع الشرعي اذا توافرت الشروط التالية :
- اذا واجه المدافع خطرا حالا من جريمة على نفسه او ماله او نفس غيره او ماله او اعتقد قيام هذا الخطر وكان اعتقاده مبنيا على أسباب معقولة0
- ان يتعذر على المدافع الالتجاء الى السلطات العامة لاتقاء الخطر في الوقت المناسب0
- الا يكون أمام المدافع وسيلة اخرى لدفع هذا الخطر0
- ان يكون الدفاع لازما لدفع الاعتداء متناسبا معه0


أولا – شروط الاعتداء :

يجب ان يتوافر في الاعتداء لقيام حق الدفاع الشرعي شرطان هما:
وجود خطر بارتكاب جريمة0 *
ان يكون الخطر حالا وشيك الوقوع . *
-1 وجود خطر بارتكاب الجريمة :
يلزم لكي ينشأ حق الدفاع الشرعي ان يكون الاعتداء او خطر الاعتداء بفعل يعد جريمة0 ولا يعتبر الفعل كذلك الا اذا كان غير مشروع يعاقب عليه قانون العقوبات، وهذا ما نصت عليه المادة 56/أولا ع0إ ، فالمشرع يكتفي إذن لتوافر الاعتداء ان يرتكب المعتدي فعلا يحقق خطر وقوع الجريمة0 والأصل ان ينشأ الخطر المهدد بوقوع جريمة عن فعل إيجابي كالسرقة والجرح والضرب، ولكن يمكن ان ينشأ هذا الخطر أحيانا من فعل سلبي او امتناع، كامتناع الأم عن إرضاع طفلها، فيجوز حمل الأم بالقوة على الإرضاع دفاعا عن الطفل0 ولا يشترط لقيام حالة الدفاع الشرعي ان يكون الاعتداء على درجة معينة من الجسامة، ولكنه يجب ان يقتضي قدرا من القوة لدفعه0 ويستوي في جريمة المعتدي ان تكون عمدية او غير عمدية، ان تقع تامة او في حالة شروع، ويستوي ان يكون الاعتداء متحققا فعلا او يكون هناك مجرد خطر اعتداء اي وجود تهديد باعتداء وشيك الوقوع.

* امتناع الدفاع الشرعي ضد الأفعال المباحة : اذا كان فعل الاعتداء لا يعد جريمة فلا يجوز دفعه بالقوة، وعليه فانه لا يجوز الدفاع الشرعي عن فعل مباح في ذاته اذا وقع بغير تجاوز لنطاق الإباحة، ولذلك فانه لا ينشأ حق الدفاع الشرعي لمواجهة استعمال الزوج لحقه في تأديب زوجته، او الوالد لحقه في تأديب ولده، فإذا صدر عن المعتدى عليه عنف او مقاومة للتخلص من هذا الاعتداء فان فعله يخضع للعقاب0
ولكن يشترط ان يلتزم مستعمل الحق شروط الإباحة وقيودها، فان تجاوز ذلك عد معتديا مما يبرر الدفاع الشرعي ضد عدوانه، كما لو ضرب الزوج زوجته ضربا فاحشا فان فعله يعد غير مشروع0
*لا يجوز الدفاع الشرعي ضد الدفاع الشرعي : لا تقوم حالة الدفاع الشرعي ضد من وجد هو أيضا في حالة دفاع شرعي0 فإذا قام زيد بالاعتداء على عمرو، فدافع عمرو عن نفسه دفاعا شرعيا ، الا ان زيد عاجله بضربة قضت عليه، فلا يجوز لزيد ان يحتج بأنه كان في حالة دفاع شرعي عن النفس0 أما اذا تجاوز المعتدى عليه حدود الدفاع الشرعي فان فعله في نطاق هذا التجاوز يصبح غير مشروع ويجوز رده بالدفاع الشرعي0
* موانع مسئولية المعتدي لا تنفي الدفاع الشرعي : اذا توافر للمعتدي مانع من موانع المسئولية الجنائية كصغر السن دون التمييز او الجنون او العاهة في العقل او السكر غير الاختياري فان ذلك لا يحول دون الدفاع الشرعي ضده، لان موانع المسئولية الجنائية لا تنفي عن الفعل صفته الاجرامية0 فمن يتعرض لفعل الاعتداء من مجنون او معتوه يجوز له دفع هذا الفعل بالقوة المادية دفاعا شرعيا عن نفسه0
* الأعذار القانونية لا تحول دون الدفاع الشرعي : متى كان الدفاع يعد جريمة جاز رده بالدفاع الشرعي ولو كان المعتدي يستفيد من عذر قانوني مخفف0 وذلك لان الأعذار القانونية المخففة لا تزيل الصفة الإجرامية عن الفعل وان كانت تخفف العقاب0 ومثال الأعذار القانونية المخففة تجاوز حدود الإباحة بحسن نية (م 59 ع0إ) 0 وقرر المشرع الاتحادي في المادة 334/1 للزوج او الأب او الأخ عذرا مخففا اذا فاجأ زوجته او ابنته او أخته متلبسة بالزنا فقتلها في الحال او قتل من يزني بها او قتلهما معا0 وذات العذر المخفف تقرره المادة 334/2 ع0إ للزوجة التي تفاجئ زوجها متلبسا بالزنا ، الا ان المشرع حرم بمقتضى المادة 334/3 ع0إ مرتكبي جريمة الزنا من رخصة الدفاع الشرعي0

* الدفاع ضد خطر الحيوان : الجريمة لا تقع الا من إنسان فإذا هاجم حيوان شخصا فان ذلك لا يعد عدوانا بفعل يعد جريمة وبالتالي لا يمكن الاحتجاج بوجود الدفاع الشرعي عن النفس0 ولكن يجوز الالتجاء الى القوة المادية لدفع هذا الخطر ولو اقتضى الأمر قتل الحيوان دون ان يعتبر هذا الفعل جريمة ولكن ليس على أساس الدفاع الشرعي وإنما استنادا الى المادتين 426 و 431 ع0إ اللتين تحظران قتل الدواب والمواشي والحيوانات او الإضرار بها الا في حالة هجوم الحيوان على الانسان0
-2 ان يكون الخطر حالا : يكون الخطر حالا في إحدى صورتين:
أ- الخطر الوشيك الوقوع : يكون الخطر على وشك الوقوع اذا كان الاعتداء لم يبدأ بعد ولكن صدر من المعتدي أفعالا تجعل من وقوع الاعتداء هو الحدث التالي مباشرة لتلك الأفعال وفقا للسير العادي للأمور، اي ان يصل المهدد بالضرب الى حد يتعين معه الضرب والا كان هو المضروب0 فيجوز للشخص ممارسة حقه في الدفاع الشرعي بمجرد ان يتهدده خطر وشيك ولا يشترط ان يكون الاعتداء قد بدأ فعلا0
أما اذا كان الخطر ليس وشيكا بل مستقبلا فلا ينشأ به حق الدفاع الشرعي لانه يمكن دفعه بالالتجاء الى السلطة العامة في الوقت المناسب0
ب- الاعتداء الذي لم ينته بعد : الخطر في هذه الصورة يتحول فعلا الى اعتداء ولكنه لم ينته بعد، كما لو وجه شخص ضربة واحدة الى المجني عليه ويستعد لاستكمال الضربات0 في هذه الحالة يظل الدفاع الشرعي قائما0
* زوال الخطر وتمام الاعتداء : اذا زال خطر الاعتداء فلا محل للدفاع الشرعي، ومن ثم فأي فعل يصدر من المعتدى عليه يعد من قبيل الانتقام والثأر وهذا غير مشروع0 وقد ينتهي الخطر قبل حصول الضرر كما لو استطاع المعتدى عليه انتزاع سلاح المعتدي0 وقد ينتهي الخطر بعد حصول الضرر اي بتمام الاعتداء، كما لو قام الجاني بضرب المجني عليه وكف عن ضربه، او جمع المسروقات وخرج من المنزل دون متابعة، فلا يجوز للمجني عليه استعمال القوة او العنف ضد الجاني بحجة الدفاع الشرعي0
*الخطر الوهمي او التصوري : يجب ان يتضمن الاعتداء خطرا حقيقيا، فإذا تصور الشخص على خلاف الحقيقة انه مهدد بخطر حال او وشيك الوقوع ، فاستعمل القوة ضد من توهم انه مصدر هذا الخطر الوهمي فأصابه0 الراجح فقها وقضاء ان الخطر الوهمي كالخطر الحقيقي، كلاهما يكفي لتبرير الدفاع الشرعي ويبيح أفعاله متى استند الى أسباب جدية معقولة، وهذا ما قصده المشرع الاتحادي0
والواقع ان الخطر الوهمي او التصوري يأخذ حكم الغلط في الوقائع الذي ينفي القصد الجنائي كما ينفي الخطأ غير العمدي اذا كانت هناك أسباب جدية معقولة له، أما اذا تخلفت هذه الأسباب سئل المدافع عن فعله بوصف جريمة غير عمدية0
* الجرائم التي يجوز فيها الدفاع الشرعي : أباح المشرع الاتحادي الدفاع ضد كل فعل يعتبر جريمة على النفس او المال، ولم يفرق بين الاعتداء الواقع على المدافع وبين ما اذا كان واقعا على غيره0 فيجوز الدفاع عن نفس المدافع او ماله او عن نفس غيره او ماله على حد سواء0 ويقصد بجرائم النفس تلك التي تقع اعتداء على حق يتعلق بشخص المجني عليه وتشمل :
جرائم الاعتداء على حياة الإنسان وسلامة بدنه : القتل والضرب والجرح والاجهاض0 -
جرائم الاعتداء على العرض : جرائم الاغتصاب وهتك العرض والفعل الفاضح العلني0 -
جرائم الاعتداء على الحرية : القبض والحبس بدون وجه حق، الخطف وجرائم التصنت وإفشاء الاسرار0 -
جرائم تهدد الإنسان في سمعته : كالقذف والسب، على انه يلزم ان يكون استعمال القوة لازما لوقف السب او القذف0 -
أما جرائم المال فهي التي تقع على حق يتعلق بمال المجني عليه ومثالها :
جرائم السرقة -
جرائم إتلاف المال والتعدي على الحيوان -
جريمة انتهاك حرمة ملك الغير ، وغير ذلك من جرائم الاموال0

-
ثانيا : فعل الدفاع : يشترط في فعل الدفاع شرطان هما :
ان يكون لازما لدرء الخطر0 -
ان يكون متناسبا مع جسامة الخطر0 -
-1 لزوم الدفاع : يقصد به ان يكون ارتكاب الجريمة هو الوسيلة الوحيدة أمام المدافع لتفادي خطر الاعتداء، فإذا كان بوسعه رد الاعتداء بوسيلة اخرى غير الجريمة فان الدفاع عن طريق الجريمة يكون غير لازم، وهذا المعنى مستفاد من المادة 56 ثالثا ورابعا عقوبات اتحادي0 وعليه فانه اذا أمكن للمدافع انتزاع وسيلة الاعتداء من يد المعتدي بسهولة فلا يجوز له الاحتجاج بأنه كان في حالة دفاع شرعي0 وتقدير ما اذا كان الدفاع لازما او غير لازم لدرء خطر الاعتداء يعد مسالة موضوعية يختص بها قاضي الموضوع0
وللقول بأن الدفاع كان لازما لدرء خطر الاعتداء يجب التثبت من أمرين هما :
1- استطاعة الالتجاء الى السلطات العامة : لا يجوز للشخص ان يلجأ الى الدفاع الشرعي اذا كان هناك فسحة من الوقت يتمكن فيها من اللجوء الى السلطات العامة لدرء الخطر ومنع تحقق الاعتداء، وهذا ما نصت عليه المادة 56/2 ع0إ 0 أما اذا لجأ الشخص الى السلطة العامة ولكنها تراخت او تباطأت في نجدته كان له ان يرد الاعتداء الواقع عليه بالدفاع الشرعي، وكذلك اذا عجزت السلطة العامة عن رد الاعتداء0
ويثور السؤال هل اذا كان بإمكان المعتدى عليه تفادي العدوان عن طريق الهرب فهل يحق له الصمود ومواجهة العدوان بالدفاع الشرعي ؟
ليس على المهدد بالخطر ان يهرب ليتفادى العدوان حتى وان كان ذلك ممكنا لان ذلك قد يضفي على صاحبه مظهر الضعف او الجبن او التخاذل الذي لا تقرره الكرامة الإنسانية - غير ان المتفق عليه انه اذا كان المعتدي مجنونا او سكرانا او صغيرا غير مميز فان الهروب من مواجهته لا يعد جبنا وذلك اذا كان الفعل الذي أتاه اي من هؤلاء خطرا حقيقيا لا يمكن التخلص منه الا بدفعه.
-2 توجيه فعل الدفاع الى مصدر الخطر : يشترط لإباحة فعل الدفاع ان يتجه الى مصدر الاعتداء ذاته، لان توجيه الدفاع الى غير هذا المصدر ينفي عنه صفة اللزوم وبالتالي ينفي صفة الدفاع0

- 2 تناسب الدفاع مع جسامة الاعتداء :

أ - حد التناسب بين الدفاع والاعتداء : يلزم في القوة التي يستخدمها المدافع ان تكون متناسبة مع خطر الاعتداء، ويقصد به التناسب في الوسيلة المستخدمة في الدفاع ، اي ان تكون الوسيلة المستعملة في ظروف استعمالها هي انسب الوسائل لرد الاعتداء، او كانت هي الوسيلة التي وجدت في متناول يد المدافع لدرء هذا الخطر0

ب- معيار التناسب : يعد فعل الدفاع متناسبا مع جسامة الاعتداء اذا كان لا يجاوز القدر الذي يأتيه الشخص المعتاد الذي يتواجد في نفس ظروف المدافع0 على انه ينبغي ان يأخذ المعيار بعين الاعتبار ظروف وملابسات الحالة الواقعية، اي الظروف التي تمت فيها الوقائع0 ويدخل في تقدير تناسب الدفاع مع الاعتداء الحالة الصحية والقوة البدنية لكل من المدافع والمعتدي، ما اذا كان أحدهما شيخا او صبيا، ذكرا ام أنثى، وزمان ومكان الاعتداء0 مثلا : اذا كانت قوة المدافع البدنية اقل كثيرا من قوة المعتدي كان له ان يستعمل قدرا من العنف يزيد عما يباح له0


ثالثا : قيود الدفاع الشرعي :
أورد المشرع الاتحادي قيدين على استعمال حق الدفاع الشرعي هما: حظر الالتجاء الى القتل العمد الا في حالات محدد على سبيل الحظر ، وحظر مقاومة أفراد السلطة العامة0

-1 أحوال القتل العمد : حدد المشرع الاتحادي في المادة 57 ع0إ على سبيل الحصر حالات معينة يبيح فيها الدفاع الشرعي عن طريق القتل العمد وتتمثل هذه الحالات في الآتي :
فعل يتخوف ان يحدث عنه الموت او جراح بالغة اذا كان لهذا التخوف أسباب معقولة0 -
مواقعة أنثى كرها او هتك عرض اي شخص بالقوة0 -
اختطاف إنسان -
جنايات الحريق او الإتلاف او السرقة -
الدخول ليلا في منزل مسكون او في أحد ملحقاته0 -
فإذا لجأ المدافع الى القتل العمد في غير الحالات المذكورة اعتبر متجاوزا لحدود حقه في الدفاع الشرعي0 كذلك الحال اذا كان بالإمكان دفع خطر الاعتداء بوسيلة اخرى دون القتل العمد0
-2 حظر مقاومة أفراد السلطة العامة :
نطاق القيد : يستفاد من نص المادة 58 ع0إ انه اذا قام رجل السلطة العامة بعمل في حدود الواجبات التي تفرضها عليه وظيفته وكان هذا العمل مشروعا كالقبض على المتهم او تفتيش مسكنه طبقا للقانون، فان رجل السلطة العامة يعد مؤديا لواجب فرضه عليه القانون وبالتالي يكون مباحا لا يجوز رده بالدفاع الشرعي0 فإذا تجاوز رجل السلطة العامة حدود القانون وارتكب عملا غير مشروع فانه يجوز استعمال حق الدفاع الشرعي ضده0 أ-
شروط القيد : تطلب المشرع الاتحادي لمنع الدفاع الشرعي ضد رجل السلطة العامة توافر شرطين هما : ب-
-1 أن يكون رجل السلطة العامة حسن النية : اي ان يعتقد رجل السلطة العامة في مشروعية العمل الذي يؤديه وانه يدخل ضمن اختصاصه الوظيفي0 كأن يقبض رجل السلطة العامة على شخص بمقتضى أمر باطل معتقدا صحته0 أما اذا كان رجل السلطة العامة سيئ النية كأن يعلم بعدم مشروعية العمل الذي يؤديه فان الدفاع الشرعي ضده يكون جائز كأن يقوم رجل السلطة العامة بالقبض على شخص وهو يعلم انه ليس هو الشخص المقصود بشأنه الإذن القانوني0
-2 إذا خيف ان ينشأ عن أفعاله موت او جراح بالغة : أجاز المشرع الاتحادي الدفاع الشرعي ضد رجل السلطة العامة اذا خيف ان ينشأ عن فعله موت او جراح بالغة وبشرط ان توجد أسباب معقولة لهذا التخوف، تستفاد من الظروف التي أحاطت بارتكاب الفعل مثال ذلك ان ينفذ أحد أفراد السلطة العامة أمرا بالقبض على شخص أجريت له عملية جراحية منذ وقت قليل بحيث يخشى ان يترتب على نقله من المستشفى الى مركز الشرطة وفاته او أصابته بضرر صحي خطير، فيجوز الدفاع الشرعي لانه ليس من المصلحة إهدار أهم حقوق الأفراد لمجرد ضمان مباشرة رجل السلطة العامة لوظيفته 0
رابعا : تجاوز حدود الدفاع الشرعي :
لم يقصر المشرع الاتحادي احكام التجاوز على الدفاع الشرعي بل أورد في المادة 59 حكما عاما يسري على كل أسباب الاباحة0
-1 شروط التجاوز : وفقا لنص المادة 59 ع0إ يشترط لاعتبار الجاني متجاوزا حدود الدفاع الشرعي توافر شرطين هما :
- نشوء حق الدفاع : يجب ان ينشأ حق الدفاع الشرعي مستوفيا سائر شروطه التي نص عليها القانون ما عدا شرط التناسب بين فعل الدفاع وخطر الاعتداء بأن تكون الوسيلة التي استخدمها المدافع قد استخدمت بقدر يزيد على القدر اللازم لرد الاعتداء عليه0 فالبحث في أمر تجاوز حدود حق الدفاع الشرعي لا يكون الا حيث تكون حالة الدفاع الشرعي قد توافرت0
- أن يتم تجاوز حدود الدفاع الشرعي بحسن نية : يتوافر حسن النية اذا تم الخروج عن حدود الحق عن غير قصد بأن كان يعتقد انه لا يزال في حدوده وان الوسيلة التي اخذ بها استخدمت بالقدر المناسب لرد الاعتداء0 أما اذا تعمد المدافع تخطي حدود الدفاع الشرعي بأن قصد إحداث ضرر اشد مما يستلزم الدفاع فانه يكون سيئ النية ويسأل عن فعله على أساس انه ارتكب جريمة عمدية غير مقترنة بعذر التجاوز0

-2 حكم التجاوز : فإذا توافر هذين الشرطين التزم القاضي بتخفيف العقاب بل ان نص المادة 59عقوبات أجاز للقاضي الحكم بالعفو عن العقوبة اذا رأى محلا لذلك0










قديم 2010-10-01, 12:56   رقم المشاركة : 38
معلومات العضو
شهيرة1
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي

أركــــان جريمــــة الإيــــــــذاء

يقول الله تعالى : (( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم )) أية رقم (4) سورة التين. واستنادا إلى الآية الكريمة فالإنسان هو أعظم خلق الله ، أوكل إليه الله سبحانه وتعالى مهمة بناء الأرض وإعمارها، ولقد آمنت التشريعات بهذه الحقيقة وكرست نصوص القوانين سيما الجنائية لتوفير الحماية للإنسان كلما استطاعت إلى ذلك سبيلاً ، ليس فقط حماية حقه في حياته وإنما حماية حقه في سلامة بدنه أيضاً .
ويأتي نص المادة (247) من قانون الجزاء تجسيداً لهذه الحقيقة إذ جرم الاعتداء على سلامة جسم الإنسان حيث نص على أن " يعاقب بالسجن حتى ستة أشهر أو بغرامة من ريال واحد إلى عشرين ريالاً أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أقدم على ضرب شخص أو جرحه أو إيذائه دون أن ينجم عن هذه الأفعال مرض أو تعطيل عن العمل لمدة تزيد على عشرة أيام ، تتوقف الملاحقة على شكوى المتضرر وتسقط دعوى الحق العام بتنازل الشاكي عن دعواه وإذا كان قد حكم بالدعوى فتسقط العقوبة "
ومن خلال نص المادة يتضح لنا أن إيذاء الأشخاص جنحة معاقب عليها بالسجن حتى ستة أشهر أو بالغرامة حتى عشرين ريال إذا لم ينجم عن فعل الجاني مرض أو تعطيل عن العمل لمدة تزيد على عشرة أيام فضلا على أنها موقوفة على شكوى المتضرر.
غير أن الأمر ليس بهذه البساطة فقد يكون للإيذاء عقوبة أشد إذا توافرت فيها ظروف مشددة ، و هو ما يتضح من المادة (248) من ذات القانون التي جاء فيها " إذا نجم عن الأذى الحاصل مرض أو تعطيل عن العمل لمدة تزيد على العشرة أيام يعاقب المجرم بالسجن من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وبغرامة من عشرين ريالاً إلى مائة أو بإحدى هاتين العقوبتين ".
ليس ذلك فحسب بل إن جريمة الإيذاء تصل إلى الجناية المعاقب عليها بالسجن حتى عشر سنوات إذا أصبحت محلا لتطبيق نص المادة (249) من قانون الجزاء التي تنص على أن " يعاقب بالسجن من ثلاث سنوات إلى عشر إذا نشأ عن الإيذاء المقصود : 1- مرض لا يرجى الشفاء منه أو يحتمل عدم الشفاء منه ،2- فقد حاسة من الحواس ، 3-فقد أحد الأطراف أو تعطيلها عن العمل أو تعطيل القدرة عن التناسل ، 4- تشويه دائم في الوجه، 5- إجهاض الحامل المعتدى عليها إذا كان المعتدي على علم بحملها ". فجريمة إيذاء الأشخاص وفقا للمنظور السابق تحظى باهتمام بالغ من المشرع في السلطنة ، ولكن كيف تتحقق هذه الجريمة ؟ وما هي أركانها ؟
للباحث عن إجابة هذا التساؤل يبين لنا حكم المحكمة العليا في الواقعة التالية أركان جريمة الإيذاء .
تتحصل وقائع هذه الدعوى في أن المتهمين أقدموا على إيذاء المدعيين بالحق المدني وذلك بأن اعتدوا عليهما بالضرب بواسطة العصي والخيزرانات وأيديهم ملحقين بهم الإصابات الموصوفة بالتقارير الطبية ، وقد أحالهم الادعاء العام إلى المحكمة المختصة وطالب معاقبتهم عملاً بالمادة (247) من قانون الجزاء العماني وتشديد العقوبة عليهم بتطبيق المادة (250) التي تنص على أن " تشدد عقوبات الإيذاء المذكورة في المواد السابقة وفقاً لأحكام المادة (114) من هذا القانون إذا أقترف الفعل بإحدى الحالات المبينة في المادتين (236) و (237) من هذا القانون "وذلك بدلالة المادة (237) من ذات القانون التي تنص على أن " يعاقب بالإعدام على القتل قصداً إذا ارتكب : 1- على أحد أصول المجرم أو فروعه ، 2- في حالة أقدم المجرم على أعمال التعذيب أو الشراسة نحو الأشخاص 3- إذا حصل القتل عن سبق الإصرار و التصميم أو الترصد ، 4- تمهيداً لجناية أو جنحة أو تنفيذاً لها أو تسهيلاً لفرار المحرضين عليها أو فاعليها أو المتدخلين فيها أو للحيلولة بينهم وبين العقاب".
وقد حكمت المحكمة الابتدائية حضورياً بإدانة خمسة من المتهمين بإيذاء المدعيين بالحق المدني وقضت بسجنهم ثلاث سنوات والغرامة مائتي ريال وببراءة باقي المتهمين مما أسند إليهم لعدم كفاية الأدلة .
استأنف المحكوم عليهم الحكم لدى محكمة الاستئناف المختصة كما استأنفه المدعيان بالحق المدني ، وحكمت محكمة الاستئناف بقبول الاستئنافين شكلاً وفي موضوع استئناف المحكوم عليهم بتعديل الحكم المستأنف فيما قضى به بالنسبة لهم إلى الاكتفاء بسجنهم ستة أشهر وفي موضوع استئناف المدعيين بالحق المدني بعدم جواز الاستئناف وألزمت المستأنفين بمصاريف استئنافهما .
وقد جاء في حكم المحكمة العليا:
و حيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه أنه إذ أدانهم بجنحتي الإيذاء قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه وتأويله إذ لم يقم أي دليل في الدعوى على أن جريمة الإيذاء –وهي جريمة عمدية- قد ارتكبها الطاعنون خاصة وأن الحكم المطعون فيه أوضح بجلاء أن لا محل لتطبيق المواد (236 و 237 و 250) بدلالة المادة (237/2) من قانون الجزاء مما ينفي توافر القصد الجنائي لدى الطاعنين ومن ثم انتفاء الركن المعنوي فضلاً عن خلو الأوراق من أية بينة تثبت تهمة الإيذاء وما كان على الحكم المطعون فيه الاعتماد على أقوال المجني عليهما لأنها بينة غير محايدة ولا يجوز التعويل عليها لأنها مشوبة بمظنة المحاباة والموالاة والمساندة وقد أكد الطاعنون أن الإيذاء كان أثناء المشاجرة بينهم وبين المطعون ضدهما الثاني والثالث وكان إيذاء متبادلاً ومثل هذا الإيذاء يحدث في أية مشاجرة.
وحيث أن النعي مردود عليه ذلك أن جريمة الإيذاء تقوم على ركن مادي قوامه سلوك الجاني المتمثل بالضرب أو الجرح أو الإيذاء الذي يؤدي إلى المساس بسلامة جسم المجني عليه وقيام رابطة سببية بين فعله والنتيجة المترتبة عليه ويتوافر القصد الجنائي كلما ارتكب الجاني الفعل وهو عالم بأركان الجريمة واتجهت إرادته إلى تحقيق الفعل والنتيجة ولا تلتزم المحكمة بالتحدث استقلالاً عن القصد الجنائي في هذه الجرائم بل يكفي أن يكون القصد مستفاداً من وقائع الدعوى كما أوردها الحكم .
لما كان ذلك وكان الحكم المطعون قد حصل واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الإيذاء التي أدان الطاعنين بها وأورد على ثبوتها في حقهم أدلة مستمدة من أقوال المجني عليهما – ليس ما يمنع المحكمة الاعتماد على أقوالهما قانوناً عملاً بالمادة (195) من قانون الإجراءات الجزائية مادمت اطمأنت المحكمة إلى أقوالهما- ومن التقارير الطبية المرفقة هي أدلة سائغة من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها ولم ينازع الطاعنون في أن لها أصلها الثابت بالأوراق .



ما يستفاد من الحكم :-

 جريمة الإيذاء تقوم على ركن مادي قوامه سلوك الجاني المتمثل بالضرب أو الجرح أو الإيذاء الذي يؤدي إلى المساس بسلامة جسم المجني عليه وقيام رابطة سببية بين فعله والنتيجة المترتبة عليه
 وعلى القصد الجنائي الذي يتوافر كلما ارتكب الجاني الفعل وهو عالم بأركان الجريمة واتجهت إرادته إلى تحقيق الفعل والنتيجة.
 لا تلتزم المحكمة بالتحدث استقلالاً عن القصد الجنائي في هذه الجرائم بل يكفي أن يكون القصد مستفاداً من وقائع الدعوى كما أوردها الحكم .










قديم 2010-10-01, 13:07   رقم المشاركة : 39
معلومات العضو
شهيرة1
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي

الخــطــة
مـــقدمــة
الفصل الأول : القواعد الموضوعية لجريمة القذف
المبحث الأول : أركان جريمة القذف
المطلب الأول : الركن المادي
المطلب الثاني : ركن العلنية
المطلب الثالث : القصد الجنائي
المبحث الثاني : المسئولية الجزائية و المدنية المترتبة عن قيام الجريمة
المطلب الأول : المسئولية الجزائية
المطلب الثاني : المسئولية المدنية
المبحث الثالث : أسباب الإباحة و الإعفاء و مدى استفادة القاذف منها
المطلب الأول : أسباب الإباحة و الإعفاء وفقا للقواعد العامة
المطلب الثاني : أسباب الإباحة و الإعفاء وفقا للقواعد الخاصة
الفصل الثاني : القواعد الإجرائية لجريمة القذف
المبحث الأول : إجراءات المتابعة
المطلب الأول : الشكوى
المطلب الثاني : التقادم
المطلب الثالث : الاختصاص
المبحث الثاني : إثبات الجريمة و تسبيب الحكم
المطلب الأول : إثبات الجريمة
المطلب الثاني : تسبيب الحكم
المبحث الثالث : الجزاء
المطلب الأول : عقوبة القذف الموجه للأفراد
المطلب الثاني : عقوبة القذف الموجه إلى رئيس الجمهورية و الهيئات
المطلب الثالث : عقوبة القذف المرتكب بواسطة نشرية
الخـاتمـة


الفصل الأول : القواعد الموضوعية لجريمة القذف :
المبحث الأول : أركان جريمة القذف .
القذف لغة هو الرمي والتوجيه ، وفي لغة القانون هو جريمة قوامها فعل الإسناد أو الادعاء ينصب على واقعة محددة من شأنها المساس بشرف واعتبار المجني عليه ، وعليه ومن خلال هذا التعريف الموجز نبين عرضا لأركان هذه الجريمة انطلاقا من تعريفها .
وعليه فان جريمة القذف تقوم على أركان ثلاثة وهي:
الادعاء بواقعة شائنة أو إسنادها للغير، العلنية ، القصد الجنائي.
المطلب الأول : الركن المادي : الادعاء بواقعة شائنة أو إسنادها للغير .
وهذا الركن يتحلل بدوره إلى عناصر سنتناول دراستها بنوع من التحليل.
أولا : الادعاء أو الإسناد.
الإسناد : IMPUTATION : وهذا ما نصت عليه المادة 296 ق.ع. صراحة، وهو يفيد نسبة الأمر إلى الشخص المقذوف على سبيل التأكيد سواء كانت الوقائع المدعى بها صحيحة أو كاذبة مثلا: فلان هو الذي سرق مال المؤسسة وأن هذا التعبير يفيد التأكيد والحزم .
الادعاء : ALLÉGATION ويحمل معنى الرواية عن الغير أو ذكر الخبر محتملا الصـدق أو الكذب مثلا : يقال أن فلان هو الذي سرق مال المؤسسة ، فهذا التعبير يكتنف معنى الرواية ويكون الإسناد أو الادعاء بأي وسيلة من وسائل التعبير سواء بالقول أو الكتابة أو الإشارة ويتحقق سواء على سبيل القطع أو الشك ، المهم أن يكون من شأنه أن يلقى في أذهان العامة من الناس عقيدة ولو وقتية في صحة الإسناد أو الادعاء .
ويستوي في القذف أن يسند القاذف الأمر الشائن إلى المقذوف على أنه عالم به أو يسنده إليه بطريق الرواية عن الغير أو يردده على أنه مجرد إشاعة، فإذا ذكر القاذف الخبـر وأرفقه بعبارة ( والعهدة على الراوي) فإن ذلك لا يرفع عنه مسؤولية القذف ، وتبعا لذلك قضي بأنه يعد قذفا من ينشر في جريدة مقالا سبق نشره في جريدة أخرى وكان يتضمن قذفا على أساس إعادة النشر يعد قذفا جديدا ، وسيان أن يكون الإسناد على سبيل التصريح أو التلميح أو التعريض أو التورية أو في قالب المديح.
وبوجه عام يتحقق الإسناد المعاقب عليه متى كان المفهوم من عبارات القاذف أنه يريد بها إسناد أمر شائن إلى شخص المقذوف .
كما لا يشترط صدور أو ترديد عبارات القذف من القاذف فقد يتحقق القذف بصيغة الإيجاب ردا على استفهام من ردد هذه العبارات فيعتبر قذفا من يجيب بكلمة نعم على السؤال التالي: هل أنت نسبت إلى فلان الموظف أنه اختلس مبلغ من المال مما عهد إليه من أموال .
وقد يلجأ القاذف إلى استخدام الأساليب المجازية ومع هذا يجوز أن يعد قذفا متى أمكن إثبات أنه لم يقصد المعنى الحقيقي للألفاظ المستخدمة بل أراد معناها المجازي . ولكن الأصل في هذا وجوب الأخذ بالمعنى الحقيقي الظاهر إلى أن يثبت العكس .
وخلاصة القول التي يمكن أن نستنتجها فيما يخص هذا العنصر، أن المشرع الجزائري يعاقب على الإسناد أو الادعاء متى كانت العبارات توحي بأن المتهم يريد بها إسناد أو ادعاء بواقعة شائنة إلى الشخص المقذوف ، ولا عبر هنا بالصيغة أو الأسلوب القولي الصادر من المتهم فلقاضي الموضوع سلطة في استنباط العبارات التي تتضمن إسنادا أو ادعاءا والتي تكون ماسة بالشرف والاعتبار ، وهكذا قضي بأن (الادعاء أمام بعض الفلاحين بأن الوثائق المحررة من قبل هذا الموثق لا تكتسي أي حجية قانونية ولا قيمة لها من الناحية القانونية وهو الأمر الذي جعلهم يسحبون وثائقهم من ذلك الموثق والتقدم إلى موثق ثاني دلهم عليه المتهم يشكل مساسا بالاعتبار والشرف ). قرار في 07/11/2000 ملف رقم 129058 عن غ. ج . م .ق 2 . قرار غير منشور إذن الادعاء أو الإسناد الماس بالشرف و الاعتبار من عدمه هو مسألة موضوعية ولقاضي الموضوع السلطة التقديرية في ذلك.
ثانيا: تعيين الواقعة :
إن التشريع الجزائري في المادة 296 ق.ع.يشترط أن ينصب هذا الادعاء أو الإسناد على واقعة محددة ومعينة ، كمان يسند إلى موظف سرقته للمال الذي عهد إليه فهنا الواقعة هي السرقة أما إذا جاء الادعاء أو الإسناد خاليا من الواقعة فإنه يعد تجريما آخر .
ويقصد بالواقعة أي أمر يتصور حدوثه سواء قد حدث فعليا أو كانا محتملا الحدوث ، فالجريمة تكون مستحيلة التحقق إذا كانت الواقعة بدورها مستحيلة الوقوع.
وهناك من عرفها بأنها حادث ايجابي أو سلبي أو مادي أو أدبي يترتب عليه المساس بالشرف والاعتبار .
وما يلاحظ على التشريع الجزائري أنه يعاقب على مجرد الإسناد أو الادعاء سواء صحت وقائعه أم كانت كاذبة ، رغم أنه لا يوجد نص صريح في هذا المجال غير أنه يمكننا أن نستنتج حسب رأينا انه وفي غياب استثناء في هذه النقطة القانونية، فيجب التقيد بما ورد في المادة 296 من ق.ع.(يعد قذفا كل ادعاء بواقعة ) فنلاحظ أن عبارة واقعة جاءت كعبارة عامة دون تحديد هل هي صحيحة أم كاذبة، فنية المشرع حسب رأينا ترمي إلى الأخذ بالواقعة سواء كانت صحيحة أم كاذبة وهذا خلافا مما ذهبت إليه المحكمة العليا في هذه المسألة فنجد في قرار لها صادر بتاريخ 02/11/1999 ملف رقم 195535 وهو قرار غير منشور قد قضي بأنه ( لايقع تحت القانون إسناد الادعاء بواقع إلا إذا لم يتمكن صاحب الادعاء من إثبات ادعاءه ومن ثمة يتعرض للنقض القرار الذي لم يبرر أن الواقعة محل الشكوى غير حقيقية ) وفي قرار آخر بتاريخ 07/09/1999 ملف رقم 179811 وهو قرار غير منشور قضي بأنه (تقوم جريمة القذف في حق المتهم مادام التحقيق قد اثبت عدم صحة الوقائع التي أسندها المجني عليه ).
ويبدو من خلال القرارين المذكورين أعلاه أن المحكمة العليا أضافت إلى أركان جريمة القذف ركنا جديدا غير وارد لا في المادة 296 ولا في المادة 298 ق.ع.ويتعلق الأمر بعدم صحة الواقعة المسندة للمجني عليه وهو اتجاه لا يتفق وأحكام قانون العقوبات الجزائري الذي لا يشترط لقيام القذف عدم صحة الواقعة المسندة وهذا خلافا للتشريع الفرنسي الذي كان واضحا في هذا المجال ، والذي يقر بهذا الشرط، ولكن نظمه وفقا لقواعد وقيده بقيود معينة طبقا للمادة 35 من قانون الإعلام السالف الذكر .
وقد أشرنا سابقا أن الادعاء أو الإسناد يجب أن ينصب على واقعة محددة ومعينة غير انه لا يستلزم أن يكون هذا التحديد مطلقا وشاملا ، بلا يكفي التحديد النسبي إن كان يدل في الظروف التي تم فيها عن قصد الجاني وسلطة التقدير ترجع إلى قاضي الموضوع مثلا ذلك أن ينعت شخص أخر بأنه (ابن زنا) فإذا كان مسند هذه العبارة بقصد التشهير به على أنه ولد غير شرعي فهي جريمة قذف .




ثالثا: الواقعة من شأنها المساس بالشرف و الاعتبار.
قبل ذلك يجب تحديد الفعل المخالف للنزاهة والإخلاص سواء وقع هذا الفعل تحت طائلة قانون العقوبات أم لا، ومثال ذلك ، الادعاء بأن شخص منح مبلغ مالي كرشوة للحصول على منفعة ما، أما الفعل الماس بالاعتبار هو ذلك الفعل الذي له أثر مباشر على قيمة الإنسان سواء عند نفسه أو عند الغير وذلك بأن يحط من كرامته أو شخصيته .
ومسألة الشرف والاعتبار يرجع تقديرها إلى قاضي الموضوع تبعا للظروف المحيطة بالواقعة المسندة ، مع وجوب الاسترشاد بالدلالة العرفية للمتهم ، وهذا ما استقرت عليه المحكمة العليا في قرار لها صادر بتاريخ 03/12/1995 ملف رقم 108616 غيـر منشور الـذي قضت بموجبه (إن المساس بالشرف والاعتبار مسألة موضوعية يرجع تقديرها لقضاة الموضوع.)
وعموما فإن الواقعة الشائنة المسندة لا يمكن حصرها جزما فهي كل ما ينافي القيم الأخلاقية ، والقضاء الفرنسي يوسع من مفهوم الواقعة الشائنة ، فيعتبر قذفا إسناد واقعة تمس بالحياة الاجتماعية ، الخاصة ، العامة ، وحتى المهنية للمقذوف، فقد قضي بأنه يعد قذفا الادعاء بأن الكاتب فلان ليس هو مؤلف كتبه ( crim10/10/1972 B351 ) .
و الواقع أن القضاء لا يميز بين الفعل الماس بالشرف والفعل المساس بالاعتبار فيستعملهما مترادفين ، وفي هذا السياق قضي بأن الادعاء بأن الزوجة لم تكن عذراء عند الدخول بها في حين أثبتت الخبرة الطبية التي أمر بها وكيل الجمهورية ، بعد الواقعة أنها لا تزال عذراء (غشاء بكارة مطاطي سليم) قضي بأن مثل هذا الادعاء فيه مساس بالشرف والاعتبار قرار 15/01/1995 ملف رقم 102628 غ . ج. م.ق 3 غير منشور.
كما قضي بأن ما ورد في الصحافة ( من أن الجد يضطهد حفيده وينتقم منه بكل كراهية وابتزاز دنيء وانه ظالم ومستبد اتجاه أحفاده وان له قلب مليء بالكراهية ) فيه مساس بالشرف والاعتبار . قرار 16/07/95 غ ج م ق 3 ملف رقم 107891 غير منشور .
كما قضي بأن الزعم في رسالة منشورة في الصحافة بأن كل ( المسئولين في القاعدة كاذبون وهم في خدمة الحقرة والظلم والرشوة والتغميس وهم مصنعون من البلاستيك والزفت وهم جهلاء ) يعد مساسا بالشرف والاعتبار . قرار 07/09/99 غ ج م ق 2 ملف رقم 195358 غير منشور .
وعلى عكس ما سبق فإن الادعاء بأن فلان رسب في الامتحان لا يعد قذفا لأن الرسوب لا يستوجب الاحتقار ، وكذا الادعاء بأن فلان مجنون وأنه مريض بمرض ما لم يكن من الأمراض التي تشين صاحبها كداء السيدا مثلا .
وخلاصة لما سبق فإن القانون يحمي أساسا القيم الأخلاقية التي حين يعتدي عليها بادعاء أو إسناد واقعة شائنة فيعد مساسا بالشرف والاعتبار ومع ذلك يجب التوفيق بين حماية شرف واعتبار الأشخاص وحق المواطنين في النقد والمنافسة وكذا اتجاه الفنانين والأعمال الإعلامية حتى لا نصطدم مع حق معترف به دستوريا وهو حق الشخص في حرية التعبير.
رابعا: تعيين الشخص أو الهيئة المقذوفة .
نستنتج هذا العنصر من المادة 296 ق.ع وذلك في عبارة (... الأشخاص أو الهيئة المدعى عليها) فالمقذوف أو المجني عليه في التشريع الجزائري يكون إما شخصا سواء طبيعيا أو معنويا أو هيئة ويجب أن يكون معينا ، وليس من الضروري أن يكونا معينا بالاسم وإنما يكفي لقيام القذف أن تكون العبارات موجهة على صورة يمكن معها فهم المقصود منها ومعرفة الشخص الذي يعنيه القاذف ، وهذه مسألة وقائع تفصل فيها محكمة الموضوع فإذا أمكن لها أن تدرك من فحوى العبارات من هو المعني استنتاجا من غير تكلف ولا كبير عناء قامت الجريمة ولو كان المقام خالي من ذكر اسم الشخص المقصود ،وهكذا قضي بأنه مادام المتهم أشار في المنشور الذي نشره في صحيفة " لومتان " إلى مدير مركب اسميدال فإنه بذلك يكون قد قصد الطرف المدني ل.م وهو مدير المركب إذ من الممكن تحديده من خلال الإشارة إلى صفته كمدير بالمركب غ. ج .م.ق.2 قرار 822000 ملف رقم 200084 غير منشور .
والقانون والقضاء الجزائريان يكتفيان بالتحديد النسبي، وعلته تكمن في لو أن القانون تطلب عكس ذلك ، لضاق نطاق القذف على نحو غير مقبول ، وكان من السهل على الجاني أن يفر من العقاب بأن يخفى في عباراته بيان بعض معالم شخصية المجني عليه
والمقذوف قد يكون شخصا أو هيئة .
أولا :الشخص : ويقصد به أي شخص طبيعيا كان أو معنويا والإشكال يثور بالنسبة للمجموعات أو الجماعات التي لا تتمتع بالشخصية المعنوية مثال: نقابة الأطباء فهنا لا تقوم الجريمة إذا كانت
العبارات موجهة ضد المهنة ككل غير أنه يمكن قيام المسؤولية المدنية للقاذف اتجاه هذه المجموعة
وفي هذا الإطار لم يشر القانون الجزائري ولا حتى القضاء لهذه الحالة ، غير أننا يمكن القول أن هذا المفهوم أو الاتجاه يصلح تطبيقه في الجزائر. ونص قانون الإعلام 90/07 في مادته 45 على هذه الفئة .
ثانيا : الهيئات والمقصود بها :
- الهيئات النظامية: ورد ذكر هذا المصطلح في المادة 146 ق.ع.ولم يعرفه المشرع الجزائري وحسب القضاء الفرنسي هي هيئات لها وجود شرعي دائم والتي خولها الدستور والقوانين قسطا من السلطة والإدارة العمومية، والعنصر المميز لها أنه بإمكانها أن تجتمع في جمعية عامة للتداول وبذلك تعد هيئات نظامية في الجزائر: البرلمان ، مجلس الأمة ، المجلس الشعبي الوطني ، مجلس الوزراء ، مجلس الحكومة، المجالس الولائية والبلدية ، المجلس الأعلى للقضاء ، المحكمة العليا ، مجلس الدولة ، مجلس المحاسبة ، المجلس الدستوري.
الجيش الوطني الشعبي : الذي نص عليه في المادة 146 ق.ع ويدخل ضمن هذه الهيئة الدرك الوطني .
المجالس القضائية والمحاكم: الوارد ذكراهما في نص المادة 146 ق.ع.
- الهيئات العمومية: ويقصد بها الهيئات التي تم تأسيسها بنص صادر عن السلطات العمومية ويحكمها القانون العام ومفهومها أوسع، وينطبق هذا المفهوم على كافة الهيئات المؤسسة وعلى الجيش الوطني الشعبي والمجالس والمحاكم القضائية والوزارات ، مديرية الأمن الوطني ، الجمارك ، المديرية العامة للحماية المدنية ، وكل المؤسسات ذات الطابع الاداري ... الخ بالإضافة إلى المجالس العليا المعروفة .
ثالثا: رؤساء الدول ورؤساء البعثات الدولية وأعضائها المعتمدين : والمشرع الجزائري في هذا الجانب يبين :
- رئيس الجمهورية طبقا للمادة 144 مكرر ق.ع.
- رؤساء الدول الأجنبية طبقا للمادة 97من قانون الإعلام
- رؤساء البعثات الدولية و أعضائها المعتمدين في الجزائر المادة 98 قانون الإعلام .
رابعا: الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وباقي الأنبياء طبقا للمادة 144 مكرر 2 ق.ع.
خامسا : شعائر الدين الإسلامي طبقا للمادة 144 مكرر 2 ق.ع والمادة 97 قانون الإعلام .
والأصل أن القذف لا يقع إلا بالنسبة للأحياء وبالرجوع إلى القانون والقضاء الجزائريان نجد أنهما لم يتطرقا لهذه المسألة ، وقد وقع خلافا بين الشراح والمحاكم في فرنسا حول هذه المسألة والسبب أن دعوى القذف لا ترفع في فرنسا إلا بناء على شكوى المقذوف فإذا مات المجني عليه سقط بموته حق الشكوى.
وكانت محكمة النقض الفرنسية تقضي بأن قذف الأموات جريمة كقذف الأحياء إلى أن استقرت في أحكامها على ضوء المادة 34 من قانون الإعلام الفرنسي الصادر سنة 1881 والتي جاءت في مضمونها أن جريمة القذف في هذه الحالة تقوم إذا قصد الجاني من ورائها المساس بشرف واعتبار الورثة الأحياء، وعلى هذا الأساس نرى أن هذا الحكم واجب الإتباع في الجزائر رغم عدم النص على ما يقابله، ويقوم القذف في حق من يدعى مثلا بأن امرأة متوفية كانت تعاشر غير زوجها فهنا نستنتج أن هناك مساس بشرف واعتبار ورثتها.
ونشير بأن الشخص الغائب الذي لم تعلن وفاته يضل له الحق في الشرف والاعتبار .
أما عن موقف القضاء الجزائري فقد صدر حكم عن محكمة بئر مراد رايس القسم المدني في 22/07/2000 حول قضية القذف ضد ميت وتمثلت وقائع القضية في أنه أصدر الرئيس السابق على كافي كتابا في 1999 وكتب في إحدى صفحاته أن بطل الثورة الجزائرية المتوفي .السيد عبان رمضان كانت له علاقات سرية مع العدو وفي الصفحات من 121 و 123 كتب منه ما يلي :
(... عميروش ، كريم بلقاسم ، بن طوبال أكدوا بوجود علاقات بين عبان و بدون أن يخبرهم ...).
فأصدرت محكمة بئر مراد رايس القسم المدني حكما قضت فيه بما يلي : نزع كل نسخ الكتاب المعروضة للبيع والمتعلق بمذكرات الرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة على كافي وقضي بحذف الصفحات 133 – 134 – 136 من الكتاب التي أشير فيها إلى السيد المتوفي عبان رمضان ودفع مبلغ رمزي كتعويض عن الضرر الذي مس بذكرى الميت وبورثته وزوجته الأرملة
ونبدي ملاحظة هنا وهي كان من المفروض حصر الأشخاص والهيئات محل القذف في مواد قانونية تجسد ترتيب وتسلسل منهجي ، وهذا تجنبا لأي غموض أو تأويل خاطئ ونشير أن المشرع الفرنسي أضاف شخصا طبيعيا آخر وهو المكلف بخدمة عمومية ، غير أننا نلاحظ أن هذه الإضافة والتمييز يدخل في باب توقيع الجزاء أي من شأن هذه الصفة أن تؤدي إلى تشديد العقاب فقط .
المطلب الثاني: ركن العلانية:
أولا : تعريف العلانية .
العلانية اصطلاحا في القانون لا تخرج عامة عن معناها لغة، فكل ما يقع تحت نظر الكافة أو يصل إلى سمعهم أو يمكنهم أن يقفوا عليه بمشيئتهم دون عائق يعتبر علانية
و هي وسيلة علم أفراد المجتمع بعبارات القذف بحيث لا يقوم القذف إلا اذا كان الإسناد علنيا ، و العلنية تقوم على عنصرين هما :
1- العنصر المادي : وهو السلوك المنتج لحدت نفسي من شأنه إيصال الفكرة أو الشعور أو الإرادة الآثمة للجمهور.
2- العنصر المعنوي: وهو تعمد إيصال الفكرة أو الشعور أو الإرادة إلى الغير قصد الإذاعة .
فتعتبر العلنية ركنا مميزا لجنحة القذف فإذا غاب هذا الركن أصبحت الجريمة مجرد مخالفة يعاقب القانون عليها في المادة 463 ف.2 من.ق.ع بعنوان السب الغير العلني، والمشرع الجزائري لم يذكر العلنية كركن في المادة 296 ق.ع . غير أنه حسب بعض شراح القانون .يعتبره مجرد سهو لكونه اقتبس أحكام القذف من قانون الإعلام الفرنسي المؤرخ في 29/07/1881 إذ أغفل نقل ما نصت عليه المادة 23 منه وهي التي عرفت طرق العلانية وانتقل مباشرة إلى نقل محتوى المادة 29 التي تقابل نص المادة 296 من ق.ع.ج ، وبعدها نقل محتوى المادة 32 وتقابلها المادتين 298 مكرر من ق.ع.ج. لكن المتتبع للواقع المعاش فإن طرق العلنية لا يمكن حصرها خاصة مع التطورات التي عرفتها البشرية في شتى المجالات ( المعلوماتية ، السمعي البصري ) غير أنه عموما تتم العلانية بإحدى الطرق الآتية : القول ، الكتابة ، الصور. وهو أيضا ما تضمنته المادة 4 من قانون الإعلام بالنسبة للقذف الذي يرتكب بواسطة وسيلة إعلامية .
ثانيا : طرق العلانية :
الطريقة الأولى : القول
وقد يكون بالجهر به أو ترديده في اجتماع عام أو طريق عام أو أي مكان آخر عمومي أو الجهر بالقول أو الصياح في محل خاص بحيث يستطاع سماعه من مكان عام وكذلك بإذاعة القول أو الصياح أو بطريق اللاسلكي أو بأي طريقة أخرى .
1 – الجهر بالقول أو الصياح في محل عمومي : يجب التمييز هنا بين بعض المفاهيم الأساسية فيما يخص مسألة المكان العمومي .
أ. المكان العمومي بطبيعته : فتتحقق العلانية ولو كان المحل خاليا من الناس ، إذ من المحتمل دائما سماعه وهذا المكان هو الذي يكون بصفة قاطعة ودائمة مباحا للجمهور كالطرق العمومية والشوارع والميادين والمتنزهات العمومية.
ب. المكان العمومي بالتخصيص: ولكن بشرط وجود الجمهور لأن المكان لا يكتسب صفة العمومية إلا بوجود الجمهور ، فمثل هذه الأماكن ليست مباحة للجمهور بصفة دائمة ، بل في بعض الأوقات أو ساعات معينة وفي ماعدا هذه الحالات تعتبر حالات خاصة ، وتطلق عليها صفة العمومية إلا على جزء مخصص للجمهور فيعد من قبيل ذلك ، الملاهي العامة ، المساجد ، قاعة الجلسات ... الخ.
ويذهب عامة الشراح إلى أن وجود الجمهور والسماع الفعلي غير مشترطين لتحقق العلانية حيث تتم ولو كان الجهر في وقت كان فيه المكان خالي من الناس .
وهنا نستنتج أن المكان العام بالتخصيص يمكن أن يتحول إلى مكان خاص ( كمن يتلفظ اتجاه شخص في زاوية من مقهى ولا يسمعه الحاضرون ) والعكس كذلك فالمكان الذي يكون أصلا مكان خاص قد يتحول إلى مكان عمومي كما سبق ذكره.
وهكذا قضي بأن التصريح لعدد من الأشخاص ممن حضروا حفل الزفاف بأن الزوجة لم تكن عذراء عند الدخول بها يشكل العلنية .
فيما قضي بأن العبارات الواردة في مقال تقدم به متقاضي أمام القسم المكلف بالأحوال الشخصية لا تكتسي طابع العلنية .
ج . المكان العمومي بالمصادفة : هي أماكن خاصة بطبيعتها ولكنها تكتسب الصفة العامة من وجود عدد من أفراد الجمهور فيها بطريق المصادفة أو الاتفاق كالمنازل والمحلات التجارية ، رواق العمارة ، مكتب رئيس البلدية؛ ورشة خاصة .
وفي كل الأحوال فإن مسألة تحديد ما إذا المحل عموميا بالمصادفة أو بالتخصيص هي مسألة موضوعية يرجع تقديرها لقاضي الموضوع.
أما الاجتماع العام :
فإن العلنية تتحقق في حالات معينة إذا كان الجهر بالقول أو الصياح في اجتماع عام ومعيار الاجتماع العام هو عدد الحاضرين ، شروط القبول لحضوره ، طبيعة العلاقات التي تربط أعضاءه والقانون الجزائري لم يتطرق إلى تعريفه رغم وقوعه في الحياة اليومية للمواطنين ، وقد عرف من طرف بعض شراح القانون بأنه( كل محفل احتشد فيه عدد كبير من الناس لم يدعو إليه بصفة خاصة ولا حرج على أي إنسان من الاشتراك فيه وذلك بغض النظر عن صفة المكان الذي احتشد فيه الجميع ) مثال ذلك مراسم الأفراح بكل أنواعها والتي تتم في القرى والأرياف والتي يمكن أن يحضر فيها كل شخص فقد قضت المحكمة العليا في قرار لها ( أن التصريح لعدد من الأشخاص ممن حضروا حفل الزفاف بأن الزوجة لم تكن عذراء عند الدخول بها يشكل
العلانية) .
ونشير أن الاجتهاد القضائي في فرنسا قد اعتبر أن بعض الاجتماعات هي عمومية بطبيعتها منها اجتماعات هيئات القانون العام مثل المجالس البلدية .
غير أنه في حالة الاجتماع المحصور في فئة تربطها علاقات قرابة أو عضوية نادي أو حزب أو جمعية ، فالاجتماع خاصا مهما كان عدد المجتمعين . وعلى ضوء هذا المبدأ يعد اجتماعا خاصا مجلس إدارة شركة أو مؤسسة اقتصادية ، أو انعقاد جمعية عامة لنادي أو جمعية مهما كان طابعها .
إن الجهر بالقول أو الصياح ليس من شأنه أن يؤدي إلى توافر العلانية ولا يوجب القانون في القذف أن يقع في حضور المجني عليه ، ذلك أن في اشتراط توافر العلنية ليست مواجهة شخص المجني عليه بما يتأذى به من عبارات القذف ، وإنما هي ما يصاب به المجني عليه من جراء سماع عامة الناس عنه ، ما يشينه في شرفه واعتباره ، وهذه العلة تتحقق بمجرد توافر العلانية وإن لم يعلم المجني عليه بما رمي به .
وهناك من يرى أيضا أن معيار الاجتماع العمومي هو تشكيلة المجموعة ووجود أو عدم وجود شخص أجنبي أو بعبارة أخرى وجود مجموعة تربط بين أعضائها مصالح مشتركة ، وهكذا فإن العبارات المفصح عنها في قاعات محجوزة في مطاعم ومقاهي وأماكن عمل لا تكتسب العلانية .
2 - الجهر بالقول أو الصياح في محل خاص :
تتحقق العلانية هنا بالقول او الصياح في محل خاص إذا كان يستطيع سماعه من كان في مكان عام ، مثلا : من كان في منزل وصدرت منه ألفاظ القذف تعتبر علانية إذا أمكن سماعها من الذين يمرون في الشارع العام .
ولا تتحقق العلانية إذا حصل الجهر بالقول في مكان خصوصي بحيث لا يستطيع سماعه من مكان عام من كان في ذلك المكان ، أما إذا كان المكان عام ، فلا يشترط السماع الفعلي بل تتوفر العلنية ولو كان المكان العمومي خاليا من الناس .
3 – إذاعة القول أو الصياح به بآلية لبث الصوت :
وتحقق العلنية هنا بالقول أو الصياح بطريق اللاسلكي أو بأية طريقة أخرى كالمذياع والتلفاز فيعتبر مكان الجريمة في هذه الحالة محطة الإذاعة أو مكان الإرسال ومن ثمة فإن التلفزيون يحقق العلانية بالنسبة للصور كما تحققها الإذاعة اللاسلكية بالنسبة للكلام إلا ما تعلق بالهاتف النقال أو الثابت وما يدخل في حكمه ، فإن صفة العلنية تنتفي هنا كون أن الألفاظ أو العبارات يكتنفها الطابع السري بين المتهم والمجني عليه .
وكون هذه الوسيلة ذات طابع سري بين الأشخاص إلا أن الاعتداءات على شرف واعتبار الناس قد كثرت بواسطته وهذا ما لمسناه حقيقة في التربص الميداني ضف إلى ذلك فإن الجاني يطمئن لهذه الوسيلة لما توفره من سرية تامة ، حسب رأينا فيجب عقاب القاذف بعقوبة القذف العلني ، وهذا للاعتبارات السالفة الذكر كما ذهب إلى ذلك المشرع المصري في هذا الاتجاه والذي خصص مادة لذلك هي م 308 مكرر من ق.ع
ونفس الأمر يطرح فيما يتعلق بالقذف الموجه عن طريق شبكة الانترنت والتي تثير إشكالات ، فاحتمال ذيوع الادعاءات أو الاسنادات عبر هذه الشبكة واردة بنسبة كبيرة مما قد يحقق العلانية، ورغم أن المشرع تطرق إلى هذه الوسيلة بصفة ضمنية في المادة 144 مكرر والتي خصها فقط بالقذف الموجه إلى رئيس الجمهورية بقولها (أو بأي وسيلة إلكترونية أو معلوماتية ... ) أيفهم أن هذا الحكم لا يطبق على الأشخاص الآخرين ؟ لذا وجب على المشرع التدخل لا زالت هذا الغموض.
الطريقة الثانية : الكتابة :
تم الإشارة إليها في المادة 296 ق.ع بعبارات : الكتابة والمنشورات ، واللافتات والإعلانات ،ونلاحظ أن الوسائل الثلاثة الأخيرة هي من قبيل التزيد كون أن مصطلح الكتابة كافي ويشمل كل ما هو مكتوب في (الجرائد ، المجلات ، الكتب ، المنشور ، اللافتة ، الإعلان الحائطي ... الخ ) وكذلك المادة 144 مكرر ق ع ذكرت وسيلة الرسم وجاء في المادة 90 من قانون الإعلام : الصور ، الرسوم ، البيانات التوضيحية غير أن الإشكال يكمن في كيفية تحقق العلانية بالكتابة .
أ- التوزيع : ويتحقق بتسليم المطبوعات أو الكتب أو اللافتات إلى عدد من الأفراد بغير تميز ، فلا يتوفر التوزيع بالإفضاء الشفوي إلى عدد من الناس بما تتضمنه الورقة ، ولا تتحقق العلنية بالتوزيع على عدد من الأعضاء فالقانون يشترط أن يكون التوزيع على عدد من الناس بغير تميز .
على أنه لا يشترط أن يكون التوزيع بالغا حدا معينا ، بل يكفي أن يكون المكتوب قد وصل إلى عدد من الناس ولو كان قليلا ، سواء أكان ذلك عن طريق تداول نسخة واحدة منه أم بحصول عدة نسخ .
ب ـ حالة التعريض للأنظار:وهنا يكون العرض سواء في مكان عام أو في حالة اجتماع ، وكذا في لوحة الإعلانات ، وبالتالي فلا يتوافر التعريض إذا وجدت الكتابة داخل مظروف ولو كان موضوعا في الطريق العام وبالنتيجة تكون العلنية منتفية .
ويتحقق العرض كذلك حتى في مكان خاص كالمؤسسة، المدرسة ، ففي هذه الحالة يشترط أن يطلع عليها أشخاص أجانب عن المؤسسة .
فقد قضي في فرنسا بموجب قرار صادر بتاريخ 10/07/1973 بأن العلنية متوافرة في حالة إلصاق مكتوب في بهو مدرسة كبيرة كون أن هذا الأخير يمكن أن يمر فيه أشخاص لا ينتمون إلى المؤسسة وبالتالي يكون باستطاعته الإطلاع على هذا المكتوب.
وبخصوص موقف القانون والقضاء الجزائريين فإنهما لم يتطرقا لهذه المسألة بوضوح غير أن مقصد المشرع هو أن الكتابة تعتبر كوسيلة في تحقق العلنية ، ولذلك فإن الأمر يرجع إلى السلطة التقديرية لقاضي الموضوع في استخلاصها في حالة التعريض في محل خاص متى تبين له أن المتهم قصد إذاعة إسناده أو ادعاءاته.

ج – حالة البيع أو العرض للبيع :
وهو ما اصطلح عليه المشرع الجزائري في المادة 296 ق.ع بالنشر وإعادة النشر وهذه الحالة تنطبق على الكتب ، المجلات ، الجرائد ، النشرات ، البحوث ،الرسوم الصور.
يقصد بالبيع نقل الملكية مقابل ثمن محدد ، وتتحقق العلنية في هذه الحالة ببيع المكتوب المتضمن لعبارات القذف إلى الجمهور ولو انصب ذلك على نسخة واحدة أو نسخ عديدة لشخص واحد أما العرض للبيع فهو طرح الكتابة أو ما في حكمها ليشتريها من يريد يثبت سبل الدعاية أو الإعلان حتى ولو حصل البيع أو العرض في مكان خاص . لكون أن مصدر العلنية هنا غير متعلق بصفة المكان ، وإنما الوسيلة هي عملية البيع التجاري المفضية للتداول المكتوب ومن ثم إذاعته .
لكن هناك إشكال: هل يمكن اعتبار القذف بواسطة رسالة هو قذف بالكتابة ؟
المشرع .ج : نص في المادة 296 ق.ع على طرق تحقق العلنية ومن بينها الكتابة وقد وردت هذه العبارة بصورة عامة ، فهل على هذا الأساس يمكن أن نعتبر أن القذف الموجه بواسطة الرسالة عن طريق البريد هو قذف علني ؟
حقيقية أن المشرع الجزائري لم ينظم هذه المسألة وإنما أورد فقط القواعد العامة في المادة 296 ق.ع. فلا يمكن تصور رسالة في ظرف مغلق تتضمن ادعاءات أو اسنادات لوقائع مشينة أنها قذفا علنيا وهذا عكس ما اتجهت إليه المحكمة العليا في قرار لها باعتبار أن القذف الموجه بواسطة رسالة عن طريق البريد هو جنحة ، لكن كما أشرنا سابقا فإن جنحة القذف تتطلب العلنية وهو ركن منعدم في قضية الحال .
غير أن المشرع الفرنسي تفطن لهذا الإشكال الذي من شأنه أن يشكل في نفس الوقت فراغا قانونيا وأصدر قانون 11/06/1887 معدل ومتمم للقانون الصادر سنة 1881 والمتعلق بالإعلام .
فاشترط لتحقق العلانية في هذه الحالة وبالتالي اعتبار القذف جنحة شرطين أساسين وهما:
- أن تكون الرسالة مكشوفة ، - وأن يعهد إلى إدارة البريد في إرسالها، ويدخل في حكم الرسالة المكشوفة البطاقات البريدية ، البرقيات ، التلكس ،... الخ أي كل ما يمكن الإطلاع عليه .
الطريقة الثالثة: الصور:
تتحقق العلنية بنشر الصور أو إعادة نشرها ، ويتسع مفهوم الصور ليشمل على وجه الخصوص الرسوم والكاريكاتور بأنواعها والصور المتحركة والأفلام السينمائية وكل التركيبات السمعية البصرية .
إذن العلنية تعتبر ركنا في جريمة القذف ، وتمت الإشارة إليها ضمنيا في المادة 296 من ق.ع من خلال ذكر وسائل وطرق تحققها ، ولهذا تخلف العلانية تبقى الجريمة قائمة وهذا ما لم يتطرق إليه المشرع الجزائري عكس المشرع الفرنسي والمصري اللذان أفردا مواد خاصة ، فيتم عقاب القذف الغير علني على أساس مخالفة ، لكن العمل القضائي في الجزائر جرى على تطبيق أحكام السب غير العلني المنصوص عليه في المادة 463 /02 ق.ع . و هذا في حالة تخلف ركن العلانية ، وهذا مخالف لمبدأ الشرعية لذا وجب التدخل لسد هذا الفراغ .
وكخلاصة لهذا الركن فإن جريمة القذف لا تقوم مبدئيا إلا بفعلين أولاهما الإفصاح عن الإسناد أو الادعاء المتضمن لعيب فيهما أو خدش للشرف أو الاعتبار ، وثانيها الإذاعة أي إعطائها العلنية التي تفترضها الجريمة وفي الغالب يرتكب الفعلين شخص واحد ولكن إذا ارتـكـب كـل من الفعلـين على حدي ومن طرف شخصين ويعني أن من أقتصر نشاطه على مجرد إعطاء العلنية لواقعة كان قد ذكرها غيره يعد معه فاعلا للقذف .
المطلب الثالث: القصد الجنائي :
أولا : عناصر القصد الجنائي
جريمة القذف من الجرائم العمدية ، فلا تتحقق إلا بتوافر القصد الجنائي لدا مرتكبها ، وهو العلم بعناصر الجريمة وانصراف إرادته إلى ارتكابها أي علم القاذف بحقيقة الأمور التي يسندها إلى المجني عليه وكذا علمه بعلانية الإسناد .
ويتوفر القصد لجنائي في جريمة القذف ، متى أذاع القاذف أو نشر الخبر المتضمن القذف . وهو عالم أن ذلك الخبر فيه مساس بشرف وسمعة المقذوف ، آو انه إذا صح اوجب عقابه ، و لا عبرة بالبواعث ، فقد لا يكون فيه غرض القاذف الإضرار بالمقذوف وقد يكون مدفوعا بعوامل شريفة ولكن الغاية لا تبرر الوسيلة ، وقد يكون من واجب القاضي النظر إلى تلك البواعث والاعتبار بها في تخفيف العقوبة ، ولكنها لا يمكن أن تكون سببا في محو الجريمة وذلك لان القذف ضار بذاته لأنه يترتب عليه حتما مجرد وقوعه ، تعريض سمعة المجني عليه للقيل والقال ، فلا محل لاشتراط نية الإضرار ، حيث لا يتصور إمكان تخلف الضرر ، سواء تعمد القاذف الأضرار بسمعة المقذوف أم لم يتعمد فقد كان في وسعه أن يدرك أن فعله منتج للضرر حتما .
فالقصد الجنائي في جريمة القذف في الأصل ما هو إلا علم القاذف بان ما أسنده للمقذوف من خلال الخبر الذي أذاعه آو نشره في إحدى الجرائد من شأنه أن يلحق ضررا بالمقذوف سواء ماديا أو معنويا .

ثانيا: استخلاص القصد الجنائي .
القصد الجنائي وان كان يجب إثباته لدى القاذف إلا أن عبارات القذف ذاتها قد تكون من الصراحة والوضوح بحيث يكون من المفروض علم القاذف بمدلولها ، وبأنها ماسة بشرف واعتبار المقذوف فالعلم مفترض متى كانت عبارات القذف التي تضمنها المقال شائنة بداتها كأن تكون متضمنة لعيب معين او ماسة بالشرف والاعتبار ، أو مما يمس بسمعته أو يستلزم عقابه وبالتالي يكون مبنى هذه العبارات حاملا بنفسه الدليل الكافي على القصد الجنائي ، ولا حاجة إلى الاستدلال في هذه الحالة على القصد الجنائي بأكثر من ذلك ، وعلى المتهم القاذف في هذه الحالة أن يثبت انعدام القصد الجنائي لديه فيما أذاعه أو نشره ، أما إذا لم تكن عبارات القذف صريحة كأن تكون بأسلوب مجازي ، مما يستعمله القاذف عادة في مقاله لإخفاء قذف ، فلا محل لافتراض العلم أو القصد الجنائي في هذه الحالة بل يجب على المدعي أو النيابة العامة إثبات القصد الجنائي للقاذف ولا يقبل الاعتذار باستفاضة الأمر الذي أسنده إلى المجني عليه ، وشيوعه بين الناس ، فالاعتبار لا يمحو الجريمة سواء كان القذف بالإذاعة أو النشر ولا بالاحتجاج بان المقذوف هو الذي ابتدره بالقذف أولا فان الاستفزاز لا يعد عذرا في جريمة القذف .
وقد استقر القضاء على انه في القذف المرتكب بواسطة النشر ، يتعين بحث وجود الجريمة أو عدم وجودها ، تقرير مرامي العبارات لمعرفة القصد الجنائي ، فإذا اشتمل المــــقـــال علـــى عــبــارات يكون الغرض منها الدفاع عن المصلحة العامة و أخرى يكون القصد منها التشهير فللمحكمة في هذه الحالة أن توازن بين القصدين وتقرير أيهما كانت له الغلبة في نفس صاحب المقال .
إذن إن القصد الجنائي في جريمة القذف مفترض ، ولا يشرط القانون القصد الجنائي الخاص وإنما القصد العام.
وحسن النية لا أثر لها على المسؤولية في جريمة القذف.
حيث استقر القضاء الفرنسي على أن سوء النية مفترضة ، فيقع على عاتق المتهم إثبات حسن نيته ، وقد ذهبت المحكمة العليا الجزائرية في قرار لها بأنه (يفترض في الاسنادات القاذفة بأنها صادرة بنية الإضرار) وما يلاحظ على هذا القرار حسب رأينا أن المحكمة العليا كأنها تتجه إلى الإقرار بضرورة توافر القصد الجنائي الخاص وهو نية الإضرار وأضافت علاوة على ذلك بأنه مفترض ، والقاضي غير ملزم ببيان سوء النية في الحكم لأنه مفترض.
وهذه القرينة يمكن أن تزول إذا ما أثبت المتهم حسن نيته ، والقاضي لا يمكنه أن يرفض أو يستبعد دليل القاذف ،وفي هذا الاتجاه استقر القضاء الفرنسي ، فنجد في بعض الحالات أنه أستبعد فيه حسن النية وحالات أخرى قبل فيها حسن النية التي تذرع بها المتهم ومن حالات استبعاد حسن النية نذكر : حالة عدم وجود عداوة شخصية ، عدم قدرة الصحفيين على تقديم الدليل على أن ما نشروه غير كاذب في نقطة أساسية ، وكذلك أن الغلط لا يشكل وحده دليلا على حسن نية في حين أنه قبل في حالات معينة حسن النية التي تذرع بها المتهم ، مثل رسالة وجهها شرطي إلى رئيس المحكمة أثناء ممارسته وظيفته لإفادة المحكمة بمعلومات حول سيرة وأخلاق المتهمة .
فنلاحظ هنا أن هذه المسألة موضوعية تستخلصها محكمة الموضوع حسب الدليل المقدم من المتهم. أما في ما يخص موقف المشرع والقضاء الجزائريين حول هذه المسألة فلم يتعرضا لها ، غير أننا يمكن القول أنه لا حرج في الأخذ بالاتجاه الذي استقر عليه القضاء الفرنسي.
وعليه فالقذف في جوهره هو توجيه معنى سيء إلى شخص أو أشخاص بقصد الإساءة إليهم .
ويختلف القذف عن السب في كون هذا الأخير لا يقوم على تحديد الواقعة أو المساس بالشرف والاعتبار كما في جريمة القذف وإنما يقوم على كل تعبير يتضمن تحقيرا أو إساءة أو خدشا لكرامة المجني عليهم ، وهذا ما هو مستخلص من نص المادة 297 ق ع ( يعد سبا كل تعبير مشين آو عبارة تتضمن تحقرا أو قدحا لا ينطوي على إسناد أية واقعة ) .
أما تمييز القذف عن الاهانة فهذه الأخيرة هي كل عبارة مشينة تنقص من الاحترام للمواطن ولوظيفة وهي أوسع من القذف وهي لا تحصل إلا في أشخاص حسب وظيفتهم حسب المادتان 144 و 146 ق ع وهي (كل من أهان قاضيا أو موظفا أو قائدا أو ضابطا عموميا أو احد رجال القوة العمومية ).
في حين البلاغ الكاذب هو إسناد واقعة كاذبة تبلغ إلى احد ممثلي السلطة القضائية أو الإدارية أو إلى جهة مختصة في النظر في الجريمة أو إلى احد المسئولين المعنيين وهذا ما هو مستخلص من المادة 300 من قانون العقوبات المعدلة .
المبحث الثالث : المسؤولية الجزائية والمدنية المترتبة عن قيام الجريمة .
المطلب الأول : المسؤولية الجزائية .
طبقا للقواعد العامة فان القاذف إذا ثبت ارتكابه لجريمة القذف، وكان خاليا من موانع المسؤولية وأسباب الإباحة فتنطبق عليه العقوبات المقررة لهذه الجريمة وتقوم مسؤوليته الجنائية ، سواء كان فاعلا أصليا أو شريكا إلا أن القذف الذي يرتكب بواسطة الإعلام فالمسؤولية الجزائية للقاذف تثير عدة إشكالات نظرا لتداخل أكثر من شخص طبيعي أو معنوي اللذين ذكرهم قانون الإعلام في إحداث الجريمة فهناك الصحافي ، الطابع ، الناشر ، الباعة . ومن ابرز هذه الإشكالات تحديد الفاعل الأصلي والشريك وكذلك تحديد مسؤولية الشخص المعنوي الجزائية .
أولا : مسؤولية الفاعل الأصلي .
أ‌- مسؤولية الفاعل الأصلي في وسائل الإعلام التقليدية .
إن أحكام قانون الإعلام نصت على المسؤولية الجزائية للصحافي ومدير النشرية في حالة نشر أي مقال أو بث أي خبر فقد نصت المادة 41 من القانون على ( يتحمل المدير أو كاتب المقال أو الخبر مسؤولية أي مقال ينشر في نشرية دورية أو أي خبر يبث بواسطة الوسائل السمعية البصرية ).
إلا أن هذه المادة لم تحدد بوضوح من هو الفاعل الأصلي ومن هو الشريك فقد يكون حسب هذه المادة المدير هو الفاعل الأصلي وكاتب المقال بصفته كاتب مقال شريك أو العكس . وقد يكون المدير مسولا وحده أو كاتب المقال .
و الأصل المتابع كاتب المقال كفاعل و المدير كشريك لكن يستشف من المادة 43 أنه إذا لم يتابع الكاتب فتكون متابعة المدير كفاعل .
وبالرجوع إلى قانون العقوبات نجد أن المادة 41 منه اعتبرت فاعلا أصليا كل من ساهم مساهمة مباشرة في تنفيذ الجريمة أو حرض على ارتكابها ، بينما اعتبرت المادة 42 الشريك في الجريمة هو من لم يشترك اشتراكا مباشرا ولكنه قدم المساعدة وبكل الطرق مع علمه بذلك .
ب – مسؤولية الفاعل الأصلي في وسائل الإعلام الحديثة
ونقصد بها خصوصا الانترنيت وبشأن الأشخاص اللذين يجب مسائلتهم عن جرائم القذف المرتكبة عبر شبكة الانترنت بصفتهم فاعلين أصليين للنشر هم:
1- مورد المعلومات :وهو الذي يبث الرسائل على الموقع الخاص به إلى المتعاملين .
2- مورد الخدمات : يقوم بتوريد الخدمات والمعلومات للمحتاجين إليها وقد يكون مالكا للخدمة أو منفذا لها وهو ملزم بتعيين شخص طبيعي كمدير للنشر يتحمل المسؤولية على محتوى الخدمة .
3- المتدخل : فهو الذي يتحصل بالشبكة بقصد الحصول على المعلومات او نشرها ويقوم ببث رسائل وهو مسئول عن محتواها .
4- المنفذ المورد أو المتعهد الوصولي : يقوم بتوريد الخدمة للجمهور من خلال الاستخدام عبر هذه الشبكة بعقود اشتراك وغالبا ما يكون شخصا معنوي مثل جامعة أو شركة تجارية .
5- المورد المستضيف أو متعهد الإيواء: يقوم بتأمين الخدمة وتخزين المضمون .
ثانيا : مسؤولية الشريك :
إلى جانب قيام مسؤولية كاتب المقال بصفته الفاعل الأصلي في الجريمة ، تقوم أيضا مسؤولية أشخاص آخرين باعتبارهم شركاء فيها ، فقد نصت المادتان 42-43 من قانون الإعلام على هذه المسؤولية وحددت الأشخاص المشتركين في الجريمة .
نصت المادة 42 على " يتحمل مسؤولية المخالفات المرتكبة، المكتوبة والمنطوقة، أو المصورة المديرون والناشرون في أجهزة الإعلام، والطابعون أو الموزعون، أو الباتون، والبائعون و ملصقو الإعلانات الحائطية "
كما نصت المادة 43 على ما يلي : " إذا أدين مرتكبو المخالفة المكتوبة أو المنطوقة أو المصورة يتابع مدير النشرية أو ناشرها باعتبارهما متواطئين ، ويمكن أن يتابع بالتهمة نفسها في جميع الأحوال المتدخلون المنصوص عليهم في المادة 42 أعلاه "
ومن استقراء هاتين المادتين يتضح لنا أن مسؤولية الشريك يتحملها كل من مدير النشرية كما سبق ذكره و أيضا الناشر الذي يسمح بنشر الخبر المسيء لاعتبار وشرف الغير ولياقتهم . ويعد شريكا أيضا الطابع لما قدم مساعدة للصحافي أو كاتب المقال بواسطة تسخير وسائل مؤسسته والموزع الذي يقوم مثلا بتوزيع النشريات التي تتضمن أخبارا أو معلومات خاطئة أو مشوهة لسمعة وشرف الآخرين ، ولم يستثن القانون حتى الباعة لتلك النشريات من هذه المسؤولية .
ويتحمل أيضا مسؤولية الشريك الأشخاص الذين يقومون ببث الإخبار أو المعلومات غير الصحيحة عبر وسائل الإعلام المختلفة ، المنطوقة أو المصورة والأشخاص الذين يقومون بالعمل الاشهاري من خلال إلصاق إعلانات على الجدران أو اللوحات الاشهارية من شأنها المساس بشرف واعتبار الأفراد . ومساهمتهم في الجريمة هي مساهمة فعلية ومباشرة ولذا يتم متابعتهم ومعاقبتهم عن الأفعال المرتكبة .
وتعتبر مسؤولية هؤلاء مسؤولية مفترضة لا تدفع إلا بان يقيموا من اعتبروا مسؤوليين جنائيا الدليل على حسن نيتهم . إلا أنه عمليا فيما يتعلق بالجرائم الخاصة بالقذف المرتكب بواسطة الإعلام ، تكون الدعاوى مرفوعة ضد كل من الصحافي أو مدير النشرية أو كلاهما فقط ، أي تقتصر على احدهما أو ضدهما معا دون أن تسلط على الأطراف المشاركة فيها والتي حددها قانون الإعلام كما سبق ذكره .
والمسؤولية الجنائية في هذه الحالة ، هي مسؤولية مفترضة ، ويقصد بها إن المشرع يعتبر أن المسؤولية الجنائية موجودة ، دون حاجة لإثباتها ، رغم أن عبء إثبات المسؤولية الجنائية يقع على عاتق النيابة العامة ، و أنها تقع على كل مساهم في النشر ، حتى ولو لم يرق دوره إلى مستوى الفاعل أو الشريك ، في الجريمة وفقا للقواعد العامة في قانون العقوبات .
فالكاتب هو أكثر الناس معرفة بموضوع المقال ، فلا يتصور نفي القصد الجنائي عنه ، على أساس عدم معرفته وعلمه بحقيقة تلك الوقائع موضوع المقال .
ومن تمة يفترض أن المدير مسئول كفاعل أصلي ، على أساس أن الجريمة لا يتصور تماما أو تنفيذها ، إلا بالنشر الذي يباشره المدير ، وذلك طبقا للمواد 41-42-43 من قانون 07.90 . فمسؤولية مدير النشرية مبنية على افتراض قانوني بأنه اطلع على كل ما نشر في الجريدة ، وان قدر المسؤولية التي تنجم على النشر ولو لم يطلع فعلا ، فلا يستطيع دفع تلك المسؤولية بإثبات انه كان وقت النشر غائبا عن مكان الإدارة ، أو أن لم يطلع على أصل المقال المنشور أو لم يكن لديه الوقت الكافي لمراجعتها ، ويظهر من ذلك ، ان المسؤولية الجنائية في الجرائم الإعلامية أتت على خلاف المبادئ العامة ، التي تقضي أن الإنسان لا يكون مسئولا إلا عن العمل الذي يثبت بالدليل المباشر ، أن قام به فعلا .
فهي إذن مسؤولية استثنائية رتبها القانون لتسهيل الإثبات في الجرائم الإعلامية ومع ذلك يستطيع مدير النشرية أن يثبت بالدليل ، أن هناك قوة قاهرة حالت بينه وبين الاطلاع على المقال موضوع الجريمة . فإذا كانت المسؤولية الجنائية لكاتب المقال ومدير النشرية أو الناشر مفترضة ، فانه يمكن ان يتابع بالتهمة نفسها البائعون، الموزعون و ملصقوا الإعلانات الحائطية ، إذا ثبت انه كان في وسعهم معرفة مشتملات الكتابة آو الرسم ، آو غيرها مما استعمل في ارتكاب الجريمة ، غير أنهم لا يسألون بصفتهم فاعلين أصليين ، وإنما كمساهمين في الجريمة الإعلامية . ويمكن لهم دفع هذه المسؤولية إذا أقاموا الدليل على حسن نيتهم . كأن يكون مثلا المطبوع باللغة الأجنبية لا يعرفها البائع أو الملصق ، أو كان بالغة العربية وكان البائع لا يفهم من مراميها أو لا يعرف القراءة.
ومخبر الجريدة ، الذي ينقل إلى رئاسة تحرير ها خبرا عن واقعة أو حديثا ينسبه لشخص يعتبر في حكم المؤلف ، ومن تم يتقرر عليه قانونا ، المسؤولية العقابية للمؤلف ونفس الحكم ينطبق على المترجم الذي ينقل من لغة لأخرى . وكل من يقدم المعلومات والبيانات التي يبنى عليها المقال .
وتجدر الإشارة في هذا المطلب إلى مسؤولية مالك الجريدة ، فتقدير مسؤوليته العقابية يخضع للقواعد العامة للقانون العقوبات ، مادام لم يتم النص على مسؤوليته في نصوص قانون 07.90 المتعلق بالإعلام ، فلا تثبت مساءلته إلا إذا ثبت انه فعلا ساهم في تأليف المقال أو الخبر المعاقب عليه ، أو في نشره ، ولكن في الأصل أن ملكية الجريدة لا تعني مجرد مشاركة بالأموال ، و إنما تعني مشاركة بخط فكري معين في المقال الأول ، قبل اعتبار الموضوع استثمارا ماليا . فمالك الجريدة عادة ما يكون من أهل الفكر ، فيضع الخط العام لسياسة النشر في الجريدة ، ومن ثمة فهو من المشاركين الأساسيين في عملية النشر ، لذا تجدر مساءلته كمساءلة مدير النشرة أو الناشر ، ويجب عدم دفع المسؤولية عنه ، إلا إذا اثبت عدم علمه بحقيقة ما نشر في الجريدة التي يملكها .
ثالثا - مسؤولية المؤسسة الإعلامية :
إن مسؤولية المؤسسة الإعلامية تخص مسألة مسؤولية الشخص المعنوي الجنائية .
وقانون العقوبات الجزائري ينص في أحكامه على عقاب الشخص المعنوي كحل الشخص الاعتباري ومصادرة الأموال والمعدات كعقوبة تكميلية للعقوبة الأصلية التي تسلط على الممثل القانوني له والذي هو في هذه الحالة المسير للمؤسسة الإعلامية .
وحل الشخص الاعتباري يعني عدم الاستمرار في نشاطه حتى ولو كان تحت اسم آخر آو بإدارة من قبل أشخاص جدد مديرين كانوا أم مسيرين أو أعضاء مجلس إدارة .
وقانون الإعلام لم يشذ على هذه القاعدة ، بحيث انه لم يحمل المسؤولية مباشرة إلى المؤسسة الإعلامية وإنما نص على انه يمكن للمحكمة بعد إدانة الفاعلين الأصليين والشركاء في الجريمة ومعاقبتهم إن تأمر بغلق المؤسسة الإعلامية بصفة مؤقتة أو نهائية أو حجز ومصادرة جميع الوسائل التي تملكتها المؤسسة والتي استعملت في ارتكاب الجريمة ولذا تكون الإجراءات التي تتخذ ضد المؤسسة الإعلامية هي عقوبات تكميلية وليست عقوبات أصلية . وعدم نص المشرع على مسؤولية المؤسسة الإعلامية في قانون الإعلام حسب اعتقادنا هو أن العقوبة التكميلية المسلطة عليها تكفي كعقوبة لها ولا بد أن تكون العقوبة الأصلية على الشخص التي يديرها – مدير المؤسسة الإعلامية - لان هذا الأخير قد يفلت من العقاب إذا قلنا بمسؤولية المؤسسة الإعلامية .

المطلب الثاني: المسؤولية المدنية :
أولا : أساسها في حالة القذف العادي :
أن إتيان أي فعل مجرما قانونا يترتب عنه المسؤولية الجزائية وقد تترتب عنه أيضا المسؤولية المدنية وهي القاعدة العامة في المسؤولية وتترتب المسؤولية المدنية للقاذف في حالة القذف العادي فيمكن للضحية طلب التعويض عن كافة أوجه الضرر سواء كانت مادية أو جثمانية أو أدبية ما دامت ناجمة عن الوقائع موضوع الدعوى الجزائية طبقا للمواد 239.3.2من قانون الإجراءات الجزائية.






ثانيا : أساسها حالة القذف المرتكب بواسطة النشر .
ولقدعلمنا أن قانون الإعلام قد رتب المسؤولية الجزائية سواء كانت هذه المسؤولية مسؤولية الفاعل الأصلي ، أو مسؤولية الشريك ، فانه نص أيضا على المسؤولية المدنية لكل منهما .
فقد جاء في المادة 45 من هذا القانون انه ( يمكن لكل شخص نشر عنه خبر يتضمن وقائع غير صحيحة او مزاعم مسيئة من شأنها أن تلحق به ضررا معنويا آو ماديا ، إن يستعمل حق الرد او يرفع دعوى قضائية ضد مدير الجهاز والصحافي المشتركين في المسؤولية ) .
فالشخص الذي نشرت أو بثت حوله إخبار أو معلومات كاذبة ومن شأنها المساس أو النيل من شرفه واعتباره . فإنها تسبب له ضررا معنويا أو ماديا ومن ثم يحق له اللجوء إلى جهة القضاء لإثبات مسؤولية كل من الصحافي ومدير الجهاز الإعلامي المدنية وطلب جبر الضرر ومسؤولية الصحافي والمدير في هذه الحالة هي مسؤولية المتبوع عن افعال تابعه .
فيعد الصحافي تابعا لمدير النشرية بحكم علاقة التبعية المتمثلة في عقد العمل ، ومن ثم تكون لمدير النشرية سلطة تامة في الرقابة والتوجيه والخضوع و إصدار الأوامر والتوجيهات إلى الصحافي ، ونصت على هذه مسؤولية المادة 136 من القانون المدني الجزائري .
وتقتضي المسؤولية عن أعمال التابع حسب المادة توافر شرطين: الأول قيام علاقة التبعية والثاني وقوع خطأ من التابع حال تأدية الوظيفة أو بسببها ما دام له سلطة فعلية عليه في الرقابة والتوجيه .
وعليه فان مسؤولية مدير النشرية بصفته متبوعا تقوم بمجرد قيام الصحافي بعمل غير مشروع ، حيث يعتدي على شرف وكرامة واعتبار الأفراد وهو يؤدي وظيفته تحت رقابته و إشرافه وتوجيهه .
ويتبين من الفقرة الأولى من نفس المادة أن الأساس القانوني لمسؤولية المتبوع عن أعمال التابع هو الخطأ المفترض فرضا لا يقبل إثبات العكس ، أي أن قرينة المسؤولية هنا قرينة قاطعة لا يجوز إقامة الدليل على عكسها ولذلك يستحيل على المتبوع دفع هذه المسؤولية .
ومن ثم فإذا قام الصحافي بعمل إعلامي قد مس فيه بشرف واعتبار الأشخاص أو بسمعة أو شرف الدولة ، فان مسؤولية مدير النشرية تقوم بمجرد قيام مسؤولية الصحافي ولا يمكن له أن ينفيها ، وتكون مسؤوليتهما متضامنة حيث يستطيع المتضرر أن يطلب التعويض من احدهما عن الضرر الذي لحق به سواء كان هذا الضرر ماديا أو معنويا حسب المادة 45 من قانون الإعلام .
و يتمثل التعويض بالنسبة للقذف المرتكب بواسطة النشر في حق الرد و التصحيح ، فحق الرد يكون وسيلة وقائية و هو حق لكل شخص مسمى أو معين في مقال جريدة لتقديم توضيحاته .
و بالنسبة للأشخاص المعنوية فيحق لها الرد بواسطة من يمثله أي رئيس السلم الإداري او الشركة أو الجمعية ... الخ .
و يمارس حق الرد ضمن شروط موضوعية وشكلية .
- الشروط الموضوعية :
o وجوب نشر الخبر في صحيفة او دورية أيا كان نطاق توزيعها .
o وجوب شمول الرد على الوقائع و التصريحات الواردة بالمقال سواء أكانت مقالا أو حديثا .
o لا يجوز الرد على الكتب و المطبوعات لصعوبة نشرها من جديد .
- الشروط الشكلية :
o نشر الرد في نفس المكان الذي نشر فيه المقال .
o ان يكون محررا باللغة التي حرر بها المقال و بنفس حروف المقال .
o ان يكون الرد خلال شهرين من تاريخ النشر حسب المادة 47 من قانون الإعلام اما إذا تجاوز هذه المدة فليس للمضرور إجبار مدير النشر على الرد .
o و يجب أن تنشر الصحيفة الرد في غضون يومين إبتداءا من تاريخ الشكوى
و ما يجب الإشارة إليه هو ان القانون لم يعط للشخص المضرور هذا الحق فقط بل سمح له في نفس الوقت برفع دعوى قضائية ضد مدير النشرية و كاتب المقال ، ويمكن لضحية القذف طلب التعويض النقدي و القاضي يقدر التعويض تقديرا كافيا لجبر الضرر و إعادة المضرور إلى الحالة التي كان عليها قبل حدوث النشر الضار بشرفه و اعتباره .
والضرر المادي الذي يصيب المتضرر يتمثل في الحط من مكانته الاجتماعية أو فقدان منصب عمله إذا كان عاملا أو إصابته بخسارة إذا كان يمارس التجارة أو مهنة حرة إلى غير ذلك من الأضرار المادية ، هذا إذا كان المتضرر فردا عاديا ، أما الأضرار المادية التي قد تصيب الدولة تتجلى خاصة في الخسارة التي تلحقها ، أما الضرر المعنوي فانه يتمثل فيما يصيب المتضرر في شرفه أو سمعته سواء كان هذا المتضرر شخصا عاديا او الدولة .
وللمحكمة السلطة الكاملة في تقدير التعويض ولا يخضع عملها لرقابة المحكمة العليا .

المبحث الثالث :أسباب الإباحة والإعفاء ومدى استفادة القاذف منها .
المطلب الأول: أسباب الإباحة والإعفاء وفقا للقواعد العامة .
أولا : أحكام المادة 39 من قانون العقوبات
تنص المادة 39 من قانون العقوبات الجزائري على أنه ( لا جريمة :إذا كان الفعل قد أمر أو أذن به القانون .إذا كان الفعل قد دفعت إليه الضرورة الحالة للدفاع الشرعي عن النفس أو عن الغير أو عن مال مملوك للشخص أو للغير بشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع جسامة الاعتداء ).
المشرع الجزائري حصر أسباب الإباحة في الأفعال المبررة ، إضافة إلى ذلك نجد في التشريع المقارن حالتين لم يتطرق إليهما تشريعنا وهما حالة الضرورة ورضاء المجني عليه والسؤال الذي يطرح في قضية الحال هو : هل أن المادة 39 السابقة تطبق على جريمة القذف؟
مبدئيا نقول بما أن هذه الجريمة من جرائم القانون العام ، فهي تدخل في نطاق هذه المادة لكن يجب التريث قبل إصدار حكما قطعيا .
فجريمة القذف هي من الجرائم القولية والتعبيرية وليست جرائم النتيجة المادية .
- بالنسبة لحالة الدفاع الشرعي الواردة في المادة 39 ف2 فحقيقة نستبعدها ، كون أن المشرع الجزائري حسب رأينا يقرها في الجرائم المادية والتي تتسم بالاعتداء المادي- lagression – المجرم قانونا مثل السرقة والضرب ، ... الخ .
- أما فيما يخص الفعل الذي قد يأمر به القانون أو يأذن به فهنا مسألة أخرى كون أن الأفعال هنا تنزع عنها صفة التجريم فتصبح مباحة بشرط أن يكون القانون قد نص عليها صراحة أو أذن بها .
وخلاف للقانون المقارن ففي القانون المصري تعد أفعالا مباحة :
الطعن في أعمال الموظف أو من في حكمه (م 302 ف 2 ق.ع .مصري ) ، أخبار الحكام القضائيين أو الإداريين بأمر مستوجب لعقوبة فاعله (م 304)، الدفاع أمام المحاكم ، (م 309 ) ، القذف استعمالا لحق النقد.
أما في التشريع الفرنسي فيباح في حالة ما إذا أثبت القاذف صحة الواقعة ولكن بالشروط الواردة في المادة 35 من قانون الإعلام الفرنسي ، وقد تطرقنا إلى هذا سابقا ، كذلك في حالة الدفاع أمام المحاكم وكذلك حق النقد في حدود معينة .
وما يمكن أن نستنتجه أن المشرع الجزائري لم يأذن ولم يأمر بأي فعل من شأنه أن يشكل قذفا ومنحه صفة الفعل المبرر ، ونفس الأمر بالنسبة للاجتهاد القضائي الذي لم يتطرق إلى هذه المسألة وعلى هذا الأساس وكخلاصة مبدئية فإن التشريع الجزائري لا يقر بأسباب الإباحة بالنسبة لجرائم القذف غير أنه إذا ما طرحت المسألة أو قضية من هذا القبيل على المحاكم حسب رأينا يمكن أن نتصور حلا قانونا إذا ما أثيرا دفعا من طرف المتهم في هذا المجال مع الأخذ بعين الاعتبار أنه يجب على القاضي الجزائي في هذه الحالة التقيد بالتفسير الضيق وهو المبدأ الذي يحكم القانون الجزائي.
فمثلا حالة النقد أو الدفاع أمام المحاكم ، فإذ أثيرت دفوعا على هذا الأساس فوفقا للقواعد الموضوعية التي تحكم جريمة القذف ، فإذا رأي قاضي الموضوع محلا لتوافر أركان الجريمة السابق ذكرها وله السلطة التقديرية في بعض المواطن القانونية فيصرح بالإدانة، أما إذا انعدمت أركان الجريمة وكانت في إطار حق النقد أو الدفاع أمام المحكمة فيجب أن يكون حكمه معلل ومسببا على أساس انعدام ركن من أركان الجريمة، مثلا وليس باعتبار أن هذا الفعل يدخل في نطاق أسباب الإباحة التي لم ينص عليها المشرع إطلاقا .
ثانيا : أحكام المادة 463 فقرة 2 من قانون العقوبات .
تنص المادة 463 من ق.ع ف 2 (... كل من أبتدر أحد الأشخاص بألفاظ سباب غير علنية دون أن يكون قد أستفزه ) .
تتعلق هذه المادة بالسب غير العلني، و يلاحظ أن المشرع أخذ بعذر الاستفزاز كعذر معفي في هذه الحالة أي في حالة المخالفة فقط ، غير أن الإشكال يثور حول مسألة الإثبات ، فالقضاء يتعذر عليه معرفة من بدأ بالسب وعبء الإثبات هنا يقع على من يدعى عذر الاستفزاز ونظرا لهذا غالبا ما يستبعد تطبيق عذر الاستفزاز في الواقع العملي فنجد المتابعة في هذه الحالة تتم على أساس السب العلني المتبادل.
أما بالنسبة للقذف سواء العلني أو غير العلني ، فالمشرع لم يقر بعذر الاستفزاز ، غير أنه بما أن العمل القضائي يطبق أحكام السب الغير العلني من حيث الجزاء والوصف فالسؤال الذي يطرح هل يجوز تطبيق هذا العذر في حالة القذف الغير العلني ؟.
فحقيقة أن القياس مستبعد في القانون الجزائي ، إلا أنه وفي هذه الحالة إذا طبقنا العذر المعفي فإنه أصلح للمتهم إضافة إلى ذلك أن نية المشرع الجزائري اتجهت إلى إباحة الفعل في حالة الاستفزاز كون قصد العلنية متخلفة في حالة المادة 463 ف2 والتي من شأنها المساس بشرف واعتبار الشخص لدى العام وهذا يعتبر أقل ضررا لو أنها توفرت .
إذن حسب الاعتبارين السابقين واللذان توصلت إليهما فإن حسب رأيي يجوز تطبيق عذر استفزاز في حالة القذف الغير العلني ، غير أنه يبقى رأي محل نقاش .




المطلب الثاني : أسباب الإباحة والإعفاء وفقا للقواعد الخاصة.
أولا : صحة الواقعة المسندة .
المشرع الجزائري لا يعتد بصحة الواقعة المسندة ، فالقانون يعاقب على مجرد إسناد صحت وقائعه أم كانت كاذبة ، وهذا ما يميز التشريع الجزائري عن التشريعين الفرنسي والمصري اللذان يشترطان عدا حالات خاصة ، عدم صحة الوقائع المسندة .
غير أنه يستشف من بعض قرارات المحكمة العليا أنها تميل إلى الأخذ بصحة الواقعة كسبب لإباحة القذف ، وهكذا قضي بأنه لا يقع تحت طائلة القانون إسناد الادعاء بواقعة إلا إذا لم يتمكن صاحب الادعاء من إثبات ادعائه ومن ثم يتعرض للنقض القرار الذي لم يبرز أن الواقعة محل الشكوى غير حقيقية .م.ق2 قرار 02/11/1999 ملف رقم 195535 : غ منشور .
وفي قرار آخر جاء فيه أن جريمة القذف تقوم في حق المتهم مادام التحقيق قد أثبت عدم صحة الواقعة التي أسندها المجني عليه غ. ج .م .ق 2 قرار في :07/09/1999 ملف رقم 179811 غير منشور .
ويبدو من خلال القرارين المذكورين أعلاه أن المحكمة العليا أضافت إلى أركان جريمة القذف ركنا جديدا غير وارد في المادة 296 ق.ع ولا في المادة 298 ق.ع . ويتعلق الأمر بعدم صحة الواقعة المسندة للمجني عليه وهو اتجاه لا يتفق وأحكام قانون العقوبات الجزائري الذي لا يشترط لقيام القذف عدم صحة الواقعة المسندة وهذا ما أشار إليه بعض شراح القانون الجزائري .
ثانيا : الحصانة البرلمانية :
والنقطة ما قبل الأخيرة التي نتطرق لها هي مسألة الحصانة البرلمانية المتعلقة بالنواب في المجلس الشعبي الوطني وكذا أعضاء مجلس الأمة طبقا للمادة 109 من الدستور ، والتي تنص في فقرتها الثانية انه *لا يمكن أن يتابعوا او ترفع عليهم دعوى جزائية بسبب ما عبروا عنه من أراء او ما تلفظوا به من كلام* ، وعليه يمكن القول بأن العبارات التي قد تلفظ بها النواب على مستوى الغرفتين أو الآراء التي يبدونها قد تكون منطوية على مساس أو خدش للشرف أو الاعتبار وذلك قد يشكل قذفا ، فالسؤال الذي يطرح : هل تدخل هذه الآراء و الألفاظ في نطاق الأفعال المبررة ? والجواب هو أنها لا تعتبر أفعالا مبررة من منظور المادة 39 من قانون العقوبات لاسيما الفقرة الأولى منها ، وإنما هي امتداد لأثر الحصانة البرلمانية التي يتمتع بها النائب فهناك نحن أمام قيد يرد به رفع الدعوى العمومية أو المتابعة الجزائية فقط ، وما يؤكد قولنا هو ما نصت عليه المادة 110 من الدستور بقولها ( لا يجوز الشروع في متابعة أي نائب او عضو في مجلس الأمة بسبب جريمة او جنحة إلا بتنازل صريح منه أو بإذن .. الخ ) .
وبالتالي إذا كان هناك تنازل صريح من النائب أو إذن من الهيئة المختصة برفع الحصانة البرلمانية ، فتتم متابعة النائب جزائيا على أساس القذف فلا مجال لأسباب الإباحة في هذه الحالة.
ثالثا : حق النقد المباح
عرفته محكمة النقض المصرية ( بأنه إبداء الرأي في أمر أو عمل دون المساس بشخص صاحب الأمر، أو العمل بغية التشهير به ، أو الحط من كرامته ، فإذا تجاوز هذا الحد وجب العقاب عليه باعتباره فدف أو سب أو اهانة حسب الأحوال ) .
ولهذا الحق شروط وهي :.
1- أن يستند النقد إلى واقعة ثابتة ومعلومة للجمهور أي أن لا تكون الواقعة من صنع الخيال و أن لا تكون الواقعة سرية .
2- أن تكون الواقعة ذات أهمية بالنسبة للجمهور .
3- أن تكون عبارات النقد ملائمة للواقعة أي لا يجوز أن يكون النقد مبررا للشتم أو التشهير أو التجريح .
4- أن يكون النقد قائما على حسن النية اتجاه الواقعة أي اعتقاد الناقد بصحة الرأي الذي يبديه ولا يهم إن كان صائبا أو خاطئا وان يكون النقد يهدف إلى المصلحة العامة .


الفصل الثاني : القواعد الإجرائية لجريمة القذف :
المبحث الأول : إجراءات المتابعة :
تثير المتابعة من أجل جريمة القذف عدة مسائل في بالغ الأهمية :
المطلب الأول : الشكوى:
نشير أولا إلى أن قانون العقوبات الجزائري قبل تعديله بموجب القانون 01/09 المؤرخ في 26/06/2001 لم يكن يستوجب شكوى في هذا المجال ، ولكن إثر هذا التعديل نصت المادتان 144 مكرر 144 مكرر 2 ق.ع بصفة صريحة أنه في حالة القذف الموجه إلى رئيس الجمهورية أو إلى الرسول صلي الله عليه وسلم أو بقية الأنبياء أو الاستهزاء بالدين أو بأي شعيرة من شعائر الإسلام ، فإن المتابعة تباشر ها النيابة العامة بصفة تلقائية ، في حين إذا اطلعنا على المادة 146المعدلة بموجب القانون السابق الذكر فإنها لم تتضمن ما يشير بأن المتابعة الجزائية تكون تلقائية في حالة القذف الموجه إلى البرلمان أو إحدى غرفتيه أو ضد المحاكم والمجالس القضائية أو ضد الجيش الوطني الشعبي أو أية هيئة نظامية أو عمومية .
مبدئيا يمكن القول بأن هناك استنتاج منطقي وسليم ،و ذلك باقتران المادة 146 بالمادتين 144 مكرر و 144 مكرر 2 وذلك على النحو التالي :
فعندما يتعلق الأمر برئيس الجمهورية أو الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو باقي الأنبياء وكذا شعائر الدين الإسلامي ، فالمتابعة تكون تلقائية ، أما بالنسبة للحالات الأخرى الواردة في المادة 146 تكون المتابعة بناء على شكوى.
غير أنه إذا رجعنا إلى المادة 296 وما يليها ، نجد أن هذا الاستنتاج لا يستقيم من الناحية القانونية ، كون أن هذه النصوص المتعلقة بالقذف لا تشترط شكوى المجني عليه ، وهذا بخلاف التشريع الفرنسي الذي يشترط الشكوى بصريح نص المادة 48 من قانون الإعلام ، وقد سايره المشرع المصري في ذلك ورفع الشكوى في إطار هذين التشريعين يكون من طرف المجني عليه أو من قبل نائبه القانوني والتنازل عن الشكوى يضع حدا للمتابعة .
إذن نلاحظ أن المشرع خرج على ما هو ساري به العمل في التشريع المقارن غير أننا يمكن أن نبين معالم المتابعة من أجل القذف في ضل التشريع الجزائري على ضوء المواد السابقة وفقا لما يلي :
أولا : المتابعة التلقائية :
إذا كان القذف موجها إلى رئيس الجمهورية أو إلى الرسول ( ص) أو بقية الأنبياء أو الدين أو لأية شعيرة من شعائر الإسلام : يكون على النيابة العامة مباشرة المتابعة تلقائيا أي تخضع المتابعة لمبدأ الشرعية وليس للنيابة سلطة الملائمة .
ثانيا : المتابعة بناءا على شكوى:
وتشمل الهيئات العمومية والنظامية والأفراد ، فتكون المتابعة بناءا على شكوى المجني عليه وإما بمبادرة من النيابة وهنا للنيابة سلطة ملائمة المتابعة ، غير أنه إذا تمت المتابعة بناء على شكوى المجني عليه فإن سحب شكواه لا يوقف المتابعة لأن المشرع لم يعلق المتابعة على شكوى ، وقضاء المحكمة العليا مستقر في هذا المجال ( عدا الحالات الاستثنائية المنصوص عليها في القانون ، لا تتأثر الدعوى العمومية بسحب شكوى الضحية).
والمشرع الجزائري بعدم اشتراطه شكوى المجني عليه يكون قد خرج على ما هو معمول به في القانون المقارن حيث توقف جل التشريعات المتابعة الجزائية على شكوى المجني عليه أو ممثله ولكن برغم جميع ما تقدم نجد أن العمل القضائي يسير في اتجاه مخالف لما أقره قانون العقوبات حيث أننا لم نلاحظ أي قضية تتعلق بالقذف تمت المتابعة الجزائية فيها بصورة تلقائية من النيابة وإنما جميع المتابعات تتم بناء على شكوى المضرور ، بل أن الأمر يتعدى ذلك حيث أن حتى القذف الموجه إلى رئيس الجمهورية والتي جاء التعديل من أجل التشديد سواء من حيث العقوبة أو من حيث التأكيد على أن المتابعة الجزائية يجب أن تكون تلقائية من طرف النيابة العامة ولكننا في الواقع العملي لا نجد ذلك محققا فكم هي الجرائد التي تظهر الرسوم التي قد تشكل مساسا بشرفه أو اعتباره ومع ذلك لا تتحرك النيابة من أجل متابعة الفاعلين فما السبب في ذلك ؟.
إن الإجابة على مثل هذا السؤال لا يمكن أن تكون جازمة ولكن يبدو أن القضاة متأثرين بالقانون المقارن وخاصة المصري والفرنسي حيث أنه لا يجوز رفع الدعوى العمومية في جرائم الاعتبار في القانون المصري إلا بناء على شكوى المجني عليه إلى النيابة العامة أو إلى أحد مأموري الضبط القضائي ، وتسري هذه الجرائم قواعد الشكوى والتنازل وتنقضي هذه الدعوى بتنازل مقدم الشكوى في أي وقت إلى أن يصدر في الدعوى حكم نهائي.
وفي القانون الفرنسي تشترط المادة 48 من قانون الأعلام شكوى المجني عليه أو من ينوب عنه قانونا ، وتوقف المتابعة بسحب الشكوى م 49.
والجدير بالذكر في إطار الإجراءات انه نظرا للخصوصية التي تتميز بها جريمة القذف كجريمة إعلامية و صحفية فان المشرع الإجرائي أضفى نوعا من الخصوصية فيما يخص إجراءات المتابعة ، حول هذه الجريمة وهو الأمر الذي يظهر من خلال المادة 59 من قانون الإجراءات الجزائية الفقرة 04 التي تمنع صراحة اتخاذ إجراءات التلبس بشأن جرائم الصحافة .
وقد رسم المشرع الجزائري لضحية القدف طريقا اخر يتمثل في تكليف المتهم مباشرة بالحضور امام المحكمة طبقا للمادة 337مكرر من قانون الاجراءات الجزائية



المطلب الثاني : التقادم .
بالرجوع إلى قانوني العقوبات والإعلام لاسيما المواد المتعلقة بهذه الجريمة ، لا نلمس منها بأن المشرع الجزائري قد نص على مدة معينة لتقادم جرائم القذف ، وقد سايره القضاء في ذلك بحيث أنه لم يتعرض لهذه المسألة ، وعلى هذا الأساس لا يمكننا الخروج عن القواعد العامة الواردة في قانون الإجراءات الجزائرية فإذا لحق بجريمة القذف وصف الجنحة ، وطبقا م 8 ق أ.ج ، تتقادم الدعوى العمومية فيها بمرور ثلاث سنوات من تاريخ اقترافها إذا لم يتخذ في تلك الفترة أي إجراء التحقيق أو المتابعة .
أما في حالة المخالفة فتنص المادة 9 من ق أ ج ،على أن مدة التقادم تكون بمضي سنتين كاملتين ويتبع في شأنها الحكم السابق ذكره في حالة الجنحة.
ونشير هنا بأن التقادم من النظام العام يمكن إثارته في كافة مراحل الدعوى طبقا للقرار الصادر عن المحكمة العليا ( جنائي 30/04/1981 مجموعة قرارات غ.ج .ص.92 )، ولو لأول مرة أمام هذه الهيئة .
وبخلاف التشريع الجزائري ، فإن معظم التشريعات المقارنة نصت على مهلة جد قصيرة ، نظرا لكون أن هاتين الجريمتين تمتاز بخصوصيات معينة فنجد أن التشريع المصري نص على أنه لا تقبل الشكوى بعد ثلاثة أشهر من يوم علم المجني عليه بالجريمة ومرتكبها ، كما حدد القانون الفرنسي مدة التقادم بثلاثة أشهر من تاريخ ارتكابها (م 65 من قانون الإعلام).
وقد بين بداية حساب التقادم : مثلا في حالة إعادة نشر الكتاب فالمدة تحسب من بيع كل طبعة جديدة للكتاب ، و بالنسبة لجريدة يومية فمن يوم النشر ،و جريدة شهرية فمن اليوم الأول للشهر ، أما الرسالة من تاريخ استلامها .
ويفترض القانون بذلك تنازل المجني عليه عن حقه في الشكوى
المطلب الثالث : الاختصاص.
نتناول هنا نوعين من الاختصاص هما المحلي والنوعي .
أولا: الاختصاص المحلي:
بالرجوع إلى القاعدة العامة أي قانون الإجراءات الجزائية حيث تنص المادة 329 فقرة 01( تختص محليا بالنظر في الجنحة محكمة محل الجريمة أو محل إقامة أحد المتهمين أو شركائهم أو محل القبض عليهم ولو كان هذا القبض قد وقع لسبب آخر) ونصت المادة 37 من نفس القانون على نفس القواعد التي تحكم الاختصاص المحلي فيما يخص وكيل الجمهورية .
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هل أن هذه القواعد العامة تنطبق على جريمة القذف ؟
الجواب هو: أنه لم يتضمن قانون العقوبات ولا قانون الإعلام قواعد للاختصاص المحلي خاصة بجريمة القذف مما يجعل هذه الجريمة تخضع للقواعد العامة للاختصاص المحلي المنصوص عليه أعلاه .
ويثار الإشكال إذا ارتكبت الجريمة بواسطة الصحافة المكتوبة غير أن هذا تم حسمه من طرف القضاء الفرنسي بالاستقرار على أن الاختصاص يكون بالنسبة للصحافة المكتوبة لكل محكمة تقرأ الصحيفة في دائرة اختصاصها ، ولكل محكمة تلتقط فيها الإذاعة بالنسبة للصحافة المسموعة ، غير أنه لا يجوز أن تتم المتابعة من أجل نفس الواقعة أمام محكمتين في آن واحد ، ففي قرار صادر عن المحكمة العليا جاء فيه أنه *ينعقد الاختصاص المحلي في جرائم القذف عن طريق الصحافة المكتوبة أو المسموعة أو المرئية* لكل محكمة قرأت بدائرة اختصاصها الجريدة أو سمعت فيها الحصة الإذاعية أو شهدت فيها الحصة المرئية *، وهذا ما تبنته المحكمة العليا في قضية يومية الخبر حيث قضت في قرارها الصادر في 17/07/2001 بأن *جنحة القذف بواسطة النشر في يومية إخبارية تعتبر بأنها ارتكبت في جميع الأماكن التي توزع فيها اليومية والتي من المحتمل أن يقرأ فيها الخبر* قرار غ.ج.م.ق 2 ملف 240983 غير منشور : حيث نقضت المحكمة العليا قرارا صادرا عن مجلس قضاء قسنطينة بعدم اختصاص بمحكمة قسنطينة بالنظر في جنحة القذف المنسوبة لمدير يومية الخبر بدعوى أن الاختصاص المحلي يؤول إلى المحكمة التي يوجد في دائرة اختصاصها المقر الاجتماعي لمؤسسة الخبر أي الجزائر العاصمة أما إذا ارتكبت الجريمة بواسطة رسالة أو الهاتف فالمستقر عليه في فرنسا والجزائر أن المحكمة المختصة هي تلك التي استلمت الرسالة أو استقبلت المكالمة الهاتفية في دائرة اختصاصها. ففي قرار صادر عن المحكمة العليا جاء فيه ( أنه من المقرر قانونا أن مكان ارتكاب جريمة القذف بواسطة رسالة خاصة مبعوثة من مكان إلى أخر إلى الشخص المعني بالقذف ، هو المكان الذي استلمت وقرأت فيه هذه الرسالة من طرف الشخص الذي بعثت إليه) .
أما إذا ارتكبت جريمة القذف بواسطة الجهر بالقول أو الصياح في مكان عمومي سواء بطبيعته أو بالمصادفة أو بالتخصيص فمنطقيا فإن المحكمة الواقع في دائرة اختصاصها هذا المكان هي صاحبة الاختصاص.
ثانيا : الاختصاص النوعي :
فيما يتعلق بهذه المسألة فالتشريع الجزائري واضح ، فيعتبر جهة القضاء الجزائي هي المختصة بالنظر في جرائم القذف.
غير أن جهة القضاء الجزائي تتضمن محكمة الجنح والمخالفات والجنايات ، وهذه الأخيرة مستبعدة كون أن قانون العقوبات الجزائري أفضي وصف الجنحة والمخالفة فقط على جريمة القذف .
فيختص قسم الجنح طبقا للمادة 328 ق.أ.ج حالة وصف الجنحة .
ويختص قسم المخالفات حالة جريمة القذف التي تخلفت فيها العلنية .
ويختص قسم الأحداث حالة المخالفة مرتكبة من قبل الحدث طبقا للمادة 446 من ق.إ.ج.
المبحث الثاني :إثبات الجريمة و تسبيب الحكم فيها .
المطلب الأول: إثبات الجريمة .
عبء الإثبات في المواد الجزائية يقع على عاتق المتهم وهو سلطة الاتهام والمتمثلة في النيابة وبالتبعية على المدعى المدني وإن كان هذا الأخير ليس منوطا أصلا بهذا العبء فيقتصر دوره على تنوير المحكمة وذلك بسرد الوقائع والمطالبة بالتعويض ، والنيابة تقوم بجمع عناصر الإثبات باعتبارها ممثلة عن المجتمع يهمها إثبات براءة البريء كما يهمها إدانة المدان .
ومن بين الأسئلة التي تطرح ، ماذا تثبت سلطة الاتهام في جريمة القذف ؟ ، وهل وسائل الإثبات مقيدة ؟ ، وما هو موقف القاضي الجزائي من الأدلة المعروضة عليه ؟ .
أولا : إثبات سلطة الاتهام :
- سلطة الاتهام تثبت أركان الجريمة السابقة من فعل الإسناد وركن العلنية ، أما القصد الجنائي هو مفترض وبالتالي على المتهم إثبات حسن نيته .
- فالإثبات يقع على فعل الإسناد المتمثل في إسناد واقعة مشينة للمجني عليه هذا أولا أما ثانيا تثبت النيابة ركن العلنية وهذا الركن مهم جدا فهو يحدد إما جنحة أو مخالفة .
ثانيا : وسائل الإثبات :
- أما بالنسبة لوسائل الإثبات فتعتبر حرية الإثبات ميزة لنظرية الإثبات الجنائي وبالرجوع إلى التشريع الجزائري لم يخصص المشرع طرقا خاصة لإثبات جريمة القذف فإنما أخضعها للقواعد العامة ، حيث نصت المادة 212 ق . ا.ج (على أنه يجوز إثبات الجرائم بأي طريق من طرق الإثبات ماعدا الأحوال التي ينص فيها القانون على غير ذلك ، وللقاضي أن يصدر حكمه تبعا لاقتناعه الخاص ) ، وبمفهوم المخالفة فإن جريمة القذف ليست من الجرائم التي نص القانون فيها على طرق الإثبات الخاصة وعليه فهي تدخل ضمن المادة 212 ق.إ.ج.
ومنه نستنتج أن القانون الجزائري لا يشترط لإثبات وقائع القذف دليلا معينا بل يجوز إثباتها بكافة الطرق بما فيها شهادة الشهود والقرائن .
وعلى هذا الأساس يمكن إثبات قصد العلانية بالقرائن ، وعبارات القذف بواسطة شهادة الشهود كما يمكن الإثبات بأن توزيع المنشورات أو الكتب حصل بدون تمييز بين عدد من الناس وأن المتهم نوى إذاعة ما هو مكتوب، كما يكفي النيابة أن تثبت توافر العلانية بمجرد إثبات صفة المكان ، مثل الجهر بالقول في مكان عمومي بطبيعته، فيكون دليل الإثبات اعتراف المتهم بأنه تلفظ بذلك في حديقة عمومية مثلا.
كما يمكن الاعتماد على جريدة يومية كدليل للإثبات بشرط تحديد اسمها وتاريخ صدورها وعددها ، فصدور المقال يعتبر كدليل على حصول الإذاعة أي توافر العلنية ، أما قصد الإذاعة فيستنبط من الظروف المحيطة بالواقعة ، ويمكن الاعتماد على تسجيل صوتي لمقطع من العبارات التي تم إذاعتها .
كما يعتبر طريقا للإثبات الشهادة مثلا: شخصان كانا في مكتبة عمومية (محل خاص) سمعا صدور عبارات من الجاني اتجاه المجني عليه ينسب إليه مثلا واقعة إتلاف وسرقة الكتب وكان يردد هذه العبارات بواسطة الجهر بالقول والصياح معا في آن واحد ، ففي هذا المثال العلنية متوافرة كون أن الجهر بالقول أو الصياح صدر في مكان خاص غير أنه تحول إلى مكان عمومي بالتخصيص بمجرد أن سمع من كان بالمكتبة من الجمهور هذه العبارات والتي يؤكدها الشاهدين اللذان كانا متواجدين في المكتبة ، إذن فالعلانية هنا كوصف قد تحققت ويبقى قصد الإذاعة ، وهذه المسألة تستنبطها محكمة الموضوع من ظروف الواقع .
والمتهم له كافة لطرق لإثبات حسن نيته .
ثالثا : موقف القاضي الجزائي من الأدلة المعروضة عليه :
أما الإجابة عن السؤال المتعلق بموقف قاضي الموضوع من الأدلة المطروحة عليه فنجد المادة 212 السابقة ، أعطت للقاضي الحرية في أن يصدر حكمه تبعا لاقتناعه الشخصي وعليه فله الحرية الكاملة في تقدير عناصر الإثبات.
فالقاضي يقدر بكل حرية الأدلة المعروضة عليه تقديرا منطقيا ومسببا لكن عليه حين النطق بالحكم سواء بالإدانة أو البراءة أن يبين الأدلة التي أعتمد عليها في حكمه ، وله أن يأخذ بشهادة شاهد ويستغني عن سماع شاهد أخر كما له كامل السلطة في تقدير الاعتراف ، و له أن يعتمد على المحررات كدليل للعلانية أو يستبعدها .
وكخلاصة لهذه المسألة نقول أن التشريع الجزائري أخضع الإثبات في جريمة القذف إلى القواعد العامة وعبء الإثبات أصلا يقع على النيابة وبالتبعية على المدعى المدني وأن إثبات هذه الجرائم يجوز بكافة طرق الإثبات ، ولقاضي الموضوع الحرية في استخلاص الدليل وتقديره طبقا لمبدأ الاقتناع الشخصي للقاضي الجزائي.
المطلب الثاني : تسبيب الحكم.
الحكم الجزائي لابد أن يتضمن بيانا كافيا للواقعة المسندة إلى المتهم فضلا عن بيانات أخرى ، بالإضافة إلى الأسباب التي بني عليها .
وحسب المادة 379 ق.إ.ج .ووفقا لمسايرة القضاء لذلك تطرقت المحكمة العليا في قرار لها إلى أعطاء تعريف الأسباب (الأسباب هي الحيثيات التي يستند إليها القاضي للتدليل على النتيجة التي يصل إليها في منطوق حكمه ، ولقد استلزم المشرع في المادة 379 من ق.أ.ج أن تشمل الأحكام والقرارات الصادرة من الجهات القضائية الفاصلة في الجنح والمخالفات على الأسباب وذلك تحت طائلة البطلان).
فلا بد بيان الواقعة ، وبيان الظروف التي وقعت فيها ، والعلة من تسبيب الأحكام ضمان لحسن سير العدالة وإعطاء لصاحبه رقابة مباشرة على أن المحكمة قد ألمت بوجهة نظره في الدعوى وكذلك حتى تتمكن المحكمة العليا من ممارسة رقابتها .
و لا يمكن الاكتفاء بالإحالة إلى ملف الدعوى أو القول أن التهمة ثابتة دون تبيان عناصرها ، أو تسبيب الحكم عل وجود قرائن متماسكة تدين المتهم وذلك بدون إبرازها أو تحديدها .
وهو ما أكدته المحكمة العليا في قرارها (لا يعتبر كافيا مجرد القول لأنه يستخلص من أوراق ملف القضية وجود قرائن كافية للإدانة). :
وقياسا على ما سبق لابد أن يتضمن الحكم الصادر في جريمة القذف أركانها كاملة. لكن ما لحظناه خلال التربص أن جل الأحكام تتخلف فيها هذه الأركان وتكتفي بالعبارات فقط .
إنما يتعين إثباته في حكم الإدانة : عبارات القذف وعلانية الإسناد.
أولا : عبارات القذف :
لابد على القاضي أن يثبت في حكمه ألفاظ القذف حتى تتسن الرقابة .
فأحيانا يقع خلط بين جريمة القذف وجريمة السب فقد تكون العبارات منطوية على سب وتكيف على أساس أنها جريمة قذف ، فبذكر هذه العبارات أو الألفاظ يمكن للمحكمة العليا فرض رقابتها على التكييف الصحيح وإعطاء تأويل صحيح للعبارات خاصة إذا جاءت بشكل غير مباشر أو على سبيل التلميح ، أي أن دورها يكمن في مراقبة القاضي في صحة ما يستخلصه منها .
إذن لابد إبراز عبارات القذف في الحكم ولا يكفي في الإحالة على محضر الضبطية أو التحقيق
ففي قرارها الصادر بتاريخ 21-11-2000 غ . م .ج .ق 2 ملف رقم 220184 غير منشور نقضت فيه المحكمة العليا قرار كونه لم يحدد عناصر الجريمة ، وجاء فيه ( كان على قضاة المجلس تحديد الأفعال أو السلوكات والعبارات التي مست بشرف واعتبار الشخص) .
كما نقضت من جهة أخرى قرارا أدان المتهم بالقذف استنادا إلى السبب الأتي ( حيث يتبين من الملف ومن المناقشة التي دارت في الجلسة أن تهمة القذف متوفرة الأركان في قضية الحال مما يتعين إدانة المتهم بهذه التهمة ) قرار في 21-09-1999 غ .ج .م .ق 2 ملف رقم 199887 غير منشور .
ثانيا : بيان علانية الإسناد:
بموجب هذا الركن يتحدد الوصف القانوني للجريمة إما مخالفة أو جنحة .
فيلزم حكم الإدانة بأن يثبت علانية إسناد المتهم في القذف ، وقاضي الموضوع لابد أن يبين الوقائع التي تم استخلاص منها هذه العلانية وله السلطة في تقدير الوقائع المادية.
ولا بد ذكر طريقة تحقق العلانية في الحكم فمثلا إذا كانت وسيلة العلانية هي القول تلزم المحكمة أن تبين ما إذا كان محل الجهر أهو مكان عمومي أم مكان خاص ، مع تحديد وصف هذا الأخير بدقة.
وإذا كانت العلانية عن طريق النشر في الجرائد تعين عليها أن تشير إلى اسم الجريدة ، عددها ، وتاريخ النشر، وإذا كانت العلانية عن طريق إعلان حائطي ، يجب أن يبين مضمون هذا الإعلان ومكان عرضه للأنظار ومدى تمكن الجمهور من الإطلاع عليه وعددهم الأدنى إن أمكن ذلك ... الخ.
إن إغفال بيان ركن العلانية يعيب الحكم ويستوجب نقضه والمحكمة العليا مستقرة في هذا الاتجاه كون أن عدم إبراز العلانية في الحكم يعتبر قصورا .
أما في ما يتعلق بالركن المعنوي ومدى إلزامية إبرازه في حكم الإدانة ، فإن التشريع الجزائري يعتبره (القصد الجنائي العام) مفترض في جريمة القذف ، وقد استقر جل الفقهاء والقانونين على أن القاضي غير ملزم ببيانه في أسباب الحكم ، وبالتالي فإن عدم ابرز هذا الركن لا يؤدي إلى القصور في التسبيب .
المبحث الثالث : الجزاء .
لم يكن قانون العقوبات الجزائري يعاقب على القذف الموجه إلى الهيئات رغم تجريمه في المادة 296 منه وجاء قانون 01/09 المعدل من قانون العقوبات بعقوبة لهاته الهيئات .
المطلب الأول : عقوبة القذف الموجه للأفراد:
أولا : الأفراد الطبعيين :
ويقصد بالإفراد الأشخاص المطبعيين إذ يعاقب القانون على القذف بالنسبة لهذه الفئة بالحبس من شهرين إلى ستة أشهر وبغرامة من 250.00 إلى 500.000 دج .أو بإحدى هاتين العقوبتين حسب المادة 298 ق.ع . و يضع صفح الضحية حدا للمتابعة الجزائية .


ثانيا : الأفراد المنتمون لمجموعة أو دين :
أما في حالة القذف الموجه إلى شخص أو أكثر ينتمون إلى مجموعة عرقية أو مذهبية أو إلى دين معين وكان الغرض منه التحريض على الكراهية بين مواطنين ، فتكون العقوبة الحبس من شهر إلى سنة وبغرامة من 10.000 دج إلى 100.000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين طبقا لأحكام المادة 298 ف2 ق.ع.
وتجدر الإشارة أن هذه العقوبات هي عقوبات جريمة القذف المنطوية على وصف الجنحة أما في حالة المخالفة فكما سبق وأن أشرنا فإن التشريع الجزائري لم يتطرق إلى هذه الحالة تاركا فراغا قانونيا ، غير أنه تطبق المادة 463 ف2 وفقا ما استقر عليه العمل القضائي وبالتالي العقوبة تكون الغرامة من 3000 إلى 6000 دج كما أجاز المشرع أن يعاقب الجاني بالحبس لمدة ثلاثة أيام على الأكثر طبقا للمادة 463 المعدلة .
المطلب الثاني : عقوبة القذف الموجه إلى رئيس الجمهورية والهيئات .
بالرجوع إلى المواد 144 مكرر و 146 المستحدثة أو المعدلة تطبق على الإساءة إلى رئيس الجمهورية عن طريق القذف أو على الإساءة إلى الرسول ( ص) والأنبياء الآخرين وشعائر الدين الإسلامي وعلى القذف الموجه إلى الهيئات العقوبات الآتية:
أولا : عقوبة الإساءة إلى رئيس الجمهورية عن طريق القذف : الحبس من 3 أشهر إلى 12 شهرا وغرامة من 50.000 إلى 500.000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط . وتضاعف هاته العقوبات في حالة العود حسب المادة 144 مكرر ق.ع.
والعقوبة هنا مهما كانت طريقة القذف سواء بالكتابة أو الرسم أو التصريح أو بأية آلية لبث الصوت أو الصورة أو بأية وسيلة الكترونية أو معلوماتية أو إعلامية أخرى .
ثانيا : عقوبة القذف الموجه إلى الهيئات : الحبس من 3أشهر إلى 12 شهرا وبغرامة من 50.000 دج إلى 500.000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط ، حسب المادتان/ 141 مكرر و/ 146مكرر 1 و اللتان أشارت إليهما المادة 146 وتضاعف هاته العقوبات حالة العود .
ثالثا : عقوبة الإساءة إلى الرسول (ص) وبقية الأنبياء أو الاستهزاء بالمعلوم من الدين بالضرورة أو بأية شعيرة من شعائر الدين الإسلامي : الحبس من 3 سنوات إلى 5 سنوات وبغرامة من 50.000 دج إلى 200.000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط حسب المادة 144 مكرر 2 .
نلاحظ هنا أن المشرع لم يوفق في مسعاه من الناحية المنهجية ، لذلك أنه كان منتظرا أن تدرج عقوبة القذف الموجه إلى الهيئات ضمن أحكام الفصل الأول من الباب الثاني الخاص بالجنايات والجنح ضد الأشخاص وتحديدا في القسم الخامس بعنوان الاعتداء على شرف واعتبار الأشخاص وذلك مباشرة بعد العقوبات المقررة للقذف الموجه إلى الأفراد في المادة 298 ق ع
لكن المشرع قام بإدراج عقوبة القذف الموجه إلى الهيئات ضمن أحكام الفصل الخامس من الباب الأول الخاص بالجنايات والجنح ضد الشيء العمومي وتحديدا في القسم الأول بعنوان الإهانة والتعدي على الموظف .
و حتى و إن كان المشرع لم يشر إلى القذف غير العلني على أساس ان القذف يقتضي العلنية ، فقط طبق القضاء الفرنسي على القذف الغير علني حكم السب غير العلني و هي مخالفة يعاقب عليها المشرع الجزائري بغرامة من3000 دج إلى 6000 دج حسب المادة 463 ف 2 من قانون العقوبات.
وعلاوة على ذلك يمكن إضافة العقوبات التكميلية للمتهم حسب المادة 9 من قانون العقوبات كتحديد الإقامة والمنع من الإقامة والحرمان من مباشرة بعض الحقوق والمصادرة الجزئية للأموال وحل الشخص المعنوي ونشر الحكم .
ويمكن للمحكمة حسب المادة 99 من قانون الإعلام أن تأمر بحجز الأملاك التي تكون موضوع المخالفة وإغلاق المؤسسات الإعلامية إغلاقا مؤقتا أو نهائيا .
المطلب الثالث:عقوبة القذف المرتكب بواسطة نشرية .
أولا : مسؤولية النشرية :
ما يلفت الانتباه هو تقرير المسؤولية الجزائية لرئيس التحرير عما يتم نشره في النشرية حسب المادة 144 مكرر 01 م ق ع وهو أمر أستحدثه المشرع الجزائري لا يوجد في التشريعات المقارنة ولا ندري ما هو الأساس الذي اعتمده المشرع الجزائري لتحديد هذه المسؤولية؟
كما أنه من اللافت للانتباه استحداث المشرع في تعديله لمسؤولية النشرية كعنوان وتسليط العقوبة عليها بالرغم من عدم تمتعها بالشخصية القانونية من ثم فليس لها كيان قانوني فكيف بإمكان توقيع العقوبة على كيان ليس له شخصية قانونية ؟.
ربما يكون المشرع قد وقع في سهو أو خطأ فذكر النشرية عوضا أن يذكر مؤسسة النشر أو مؤسسة الطباعة والتي تتمتع بالشخصية المعنوية ، و كان أحرى عليه إن كانت نيته تقرير المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي أن ينص على مسؤولية مؤسسة الطباعة و النشر التي تصدر عنها النشرية .
ثانيا : العقوبـة:
تعاقب النشرية بغرامة من 500.000 دج إلى 5.000.000 دج وفي حالة العود تضاعف عقوبة الغرامة حسب المادة 144 مكرر 1 المعدلة .



و كخلاصة لجريمة القذف أنه، هناك قضية انفجرت مؤخرا في الجزائر و هي قضية القذف التي رفعها القائد الليبي معمر القذافي ضد مدير جريدة الشروق و صحافية بنفس الجريدة .
و حيث أدانت محكمة حسين داي بالجزائر العاصمة مدير جريدة الشروق اليومي علي فضيل و الصحافية نائلة برحال ستة أشهر حبس نافذة و 20 ألف دينار كغرامة لكل منهما كما طلبت توقيف صدور اليومية لمدة شهرين ، و دفع 500.000 دج كتعويض عن الضرر عن قضية القذف رفعها مؤخرا امين لجنة العلاقات الجزائرية الليبية ضد اليومية نيابة على القائد الليبي معمر القذافي .
تأتي هذه القضية بعد نشر اليومية تحقيقين في شهر أوت الماضي تضمنا تصريحات لبعض قادة لقبائل التوارق الجزائريين و المليين و النيجريين تتحدث عن وجود مخطط ليبي لضرب استقرار الجزائر و هو ما اعتبره الطرف الليبي مساسا بأمن ليبيا و الجزائر مؤكدا ان ما نشر مجرد أكاذيب خالية من أي تأسيس أو أدلة .










قديم 2010-10-01, 13:13   رقم المشاركة : 40
معلومات العضو
شهيرة1
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي

الخــطــة
مـــقدمــة
الفصل الأول : القواعد الموضوعية لجريمة القذف
المبحث الأول : أركان جريمة القذف
المطلب الأول : الركن المادي
المطلب الثاني : ركن العلنية
المطلب الثالث : القصد الجنائي
المبحث الثاني : المسئولية الجزائية و المدنية المترتبة عن قيام الجريمة
المطلب الأول : المسئولية الجزائية
المطلب الثاني : المسئولية المدنية
المبحث الثالث : أسباب الإباحة و الإعفاء و مدى استفادة القاذف منها
المطلب الأول : أسباب الإباحة و الإعفاء وفقا للقواعد العامة
المطلب الثاني : أسباب الإباحة و الإعفاء وفقا للقواعد الخاصة
الفصل الثاني : القواعد الإجرائية لجريمة القذف
المبحث الأول : إجراءات المتابعة
المطلب الأول : الشكوى
المطلب الثاني : التقادم
المطلب الثالث : الاختصاص
المبحث الثاني : إثبات الجريمة و تسبيب الحكم
المطلب الأول : إثبات الجريمة
المطلب الثاني : تسبيب الحكم
المبحث الثالث : الجزاء
المطلب الأول : عقوبة القذف الموجه للأفراد
المطلب الثاني : عقوبة القذف الموجه إلى رئيس الجمهورية و الهيئات
المطلب الثالث : عقوبة القذف المرتكب بواسطة نشرية
الخـاتمـة


الفصل الأول : القواعد الموضوعية لجريمة القذف :
المبحث الأول : أركان جريمة القذف .
القذف لغة هو الرمي والتوجيه ، وفي لغة القانون هو جريمة قوامها فعل الإسناد أو الادعاء ينصب على واقعة محددة من شأنها المساس بشرف واعتبار المجني عليه ، وعليه ومن خلال هذا التعريف الموجز نبين عرضا لأركان هذه الجريمة انطلاقا من تعريفها .
وعليه فان جريمة القذف تقوم على أركان ثلاثة وهي:
الادعاء بواقعة شائنة أو إسنادها للغير، العلنية ، القصد الجنائي.
المطلب الأول : الركن المادي : الادعاء بواقعة شائنة أو إسنادها للغير .
وهذا الركن يتحلل بدوره إلى عناصر سنتناول دراستها بنوع من التحليل.
أولا : الادعاء أو الإسناد.
الإسناد : IMPUTATION : وهذا ما نصت عليه المادة 296 ق.ع. صراحة، وهو يفيد نسبة الأمر إلى الشخص المقذوف على سبيل التأكيد سواء كانت الوقائع المدعى بها صحيحة أو كاذبة مثلا: فلان هو الذي سرق مال المؤسسة وأن هذا التعبير يفيد التأكيد والحزم .
الادعاء : ALLÉGATION ويحمل معنى الرواية عن الغير أو ذكر الخبر محتملا الصـدق أو الكذب مثلا : يقال أن فلان هو الذي سرق مال المؤسسة ، فهذا التعبير يكتنف معنى الرواية ويكون الإسناد أو الادعاء بأي وسيلة من وسائل التعبير سواء بالقول أو الكتابة أو الإشارة ويتحقق سواء على سبيل القطع أو الشك ، المهم أن يكون من شأنه أن يلقى في أذهان العامة من الناس عقيدة ولو وقتية في صحة الإسناد أو الادعاء .
ويستوي في القذف أن يسند القاذف الأمر الشائن إلى المقذوف على أنه عالم به أو يسنده إليه بطريق الرواية عن الغير أو يردده على أنه مجرد إشاعة، فإذا ذكر القاذف الخبـر وأرفقه بعبارة ( والعهدة على الراوي) فإن ذلك لا يرفع عنه مسؤولية القذف ، وتبعا لذلك قضي بأنه يعد قذفا من ينشر في جريدة مقالا سبق نشره في جريدة أخرى وكان يتضمن قذفا على أساس إعادة النشر يعد قذفا جديدا ، وسيان أن يكون الإسناد على سبيل التصريح أو التلميح أو التعريض أو التورية أو في قالب المديح.
وبوجه عام يتحقق الإسناد المعاقب عليه متى كان المفهوم من عبارات القاذف أنه يريد بها إسناد أمر شائن إلى شخص المقذوف .
كما لا يشترط صدور أو ترديد عبارات القذف من القاذف فقد يتحقق القذف بصيغة الإيجاب ردا على استفهام من ردد هذه العبارات فيعتبر قذفا من يجيب بكلمة نعم على السؤال التالي: هل أنت نسبت إلى فلان الموظف أنه اختلس مبلغ من المال مما عهد إليه من أموال .
وقد يلجأ القاذف إلى استخدام الأساليب المجازية ومع هذا يجوز أن يعد قذفا متى أمكن إثبات أنه لم يقصد المعنى الحقيقي للألفاظ المستخدمة بل أراد معناها المجازي . ولكن الأصل في هذا وجوب الأخذ بالمعنى الحقيقي الظاهر إلى أن يثبت العكس .
وخلاصة القول التي يمكن أن نستنتجها فيما يخص هذا العنصر، أن المشرع الجزائري يعاقب على الإسناد أو الادعاء متى كانت العبارات توحي بأن المتهم يريد بها إسناد أو ادعاء بواقعة شائنة إلى الشخص المقذوف ، ولا عبر هنا بالصيغة أو الأسلوب القولي الصادر من المتهم فلقاضي الموضوع سلطة في استنباط العبارات التي تتضمن إسنادا أو ادعاءا والتي تكون ماسة بالشرف والاعتبار ، وهكذا قضي بأن (الادعاء أمام بعض الفلاحين بأن الوثائق المحررة من قبل هذا الموثق لا تكتسي أي حجية قانونية ولا قيمة لها من الناحية القانونية وهو الأمر الذي جعلهم يسحبون وثائقهم من ذلك الموثق والتقدم إلى موثق ثاني دلهم عليه المتهم يشكل مساسا بالاعتبار والشرف ). قرار في 07/11/2000 ملف رقم 129058 عن غ. ج . م .ق 2 . قرار غير منشور إذن الادعاء أو الإسناد الماس بالشرف و الاعتبار من عدمه هو مسألة موضوعية ولقاضي الموضوع السلطة التقديرية في ذلك.
ثانيا: تعيين الواقعة :
إن التشريع الجزائري في المادة 296 ق.ع.يشترط أن ينصب هذا الادعاء أو الإسناد على واقعة محددة ومعينة ، كمان يسند إلى موظف سرقته للمال الذي عهد إليه فهنا الواقعة هي السرقة أما إذا جاء الادعاء أو الإسناد خاليا من الواقعة فإنه يعد تجريما آخر .
ويقصد بالواقعة أي أمر يتصور حدوثه سواء قد حدث فعليا أو كانا محتملا الحدوث ، فالجريمة تكون مستحيلة التحقق إذا كانت الواقعة بدورها مستحيلة الوقوع.
وهناك من عرفها بأنها حادث ايجابي أو سلبي أو مادي أو أدبي يترتب عليه المساس بالشرف والاعتبار .
وما يلاحظ على التشريع الجزائري أنه يعاقب على مجرد الإسناد أو الادعاء سواء صحت وقائعه أم كانت كاذبة ، رغم أنه لا يوجد نص صريح في هذا المجال غير أنه يمكننا أن نستنتج حسب رأينا انه وفي غياب استثناء في هذه النقطة القانونية، فيجب التقيد بما ورد في المادة 296 من ق.ع.(يعد قذفا كل ادعاء بواقعة ) فنلاحظ أن عبارة واقعة جاءت كعبارة عامة دون تحديد هل هي صحيحة أم كاذبة، فنية المشرع حسب رأينا ترمي إلى الأخذ بالواقعة سواء كانت صحيحة أم كاذبة وهذا خلافا مما ذهبت إليه المحكمة العليا في هذه المسألة فنجد في قرار لها صادر بتاريخ 02/11/1999 ملف رقم 195535 وهو قرار غير منشور قد قضي بأنه ( لايقع تحت القانون إسناد الادعاء بواقع إلا إذا لم يتمكن صاحب الادعاء من إثبات ادعاءه ومن ثمة يتعرض للنقض القرار الذي لم يبرر أن الواقعة محل الشكوى غير حقيقية ) وفي قرار آخر بتاريخ 07/09/1999 ملف رقم 179811 وهو قرار غير منشور قضي بأنه (تقوم جريمة القذف في حق المتهم مادام التحقيق قد اثبت عدم صحة الوقائع التي أسندها المجني عليه ).
ويبدو من خلال القرارين المذكورين أعلاه أن المحكمة العليا أضافت إلى أركان جريمة القذف ركنا جديدا غير وارد لا في المادة 296 ولا في المادة 298 ق.ع.ويتعلق الأمر بعدم صحة الواقعة المسندة للمجني عليه وهو اتجاه لا يتفق وأحكام قانون العقوبات الجزائري الذي لا يشترط لقيام القذف عدم صحة الواقعة المسندة وهذا خلافا للتشريع الفرنسي الذي كان واضحا في هذا المجال ، والذي يقر بهذا الشرط، ولكن نظمه وفقا لقواعد وقيده بقيود معينة طبقا للمادة 35 من قانون الإعلام السالف الذكر .
وقد أشرنا سابقا أن الادعاء أو الإسناد يجب أن ينصب على واقعة محددة ومعينة غير انه لا يستلزم أن يكون هذا التحديد مطلقا وشاملا ، بلا يكفي التحديد النسبي إن كان يدل في الظروف التي تم فيها عن قصد الجاني وسلطة التقدير ترجع إلى قاضي الموضوع مثلا ذلك أن ينعت شخص أخر بأنه (ابن زنا) فإذا كان مسند هذه العبارة بقصد التشهير به على أنه ولد غير شرعي فهي جريمة قذف .




ثالثا: الواقعة من شأنها المساس بالشرف و الاعتبار.
قبل ذلك يجب تحديد الفعل المخالف للنزاهة والإخلاص سواء وقع هذا الفعل تحت طائلة قانون العقوبات أم لا، ومثال ذلك ، الادعاء بأن شخص منح مبلغ مالي كرشوة للحصول على منفعة ما، أما الفعل الماس بالاعتبار هو ذلك الفعل الذي له أثر مباشر على قيمة الإنسان سواء عند نفسه أو عند الغير وذلك بأن يحط من كرامته أو شخصيته .
ومسألة الشرف والاعتبار يرجع تقديرها إلى قاضي الموضوع تبعا للظروف المحيطة بالواقعة المسندة ، مع وجوب الاسترشاد بالدلالة العرفية للمتهم ، وهذا ما استقرت عليه المحكمة العليا في قرار لها صادر بتاريخ 03/12/1995 ملف رقم 108616 غيـر منشور الـذي قضت بموجبه (إن المساس بالشرف والاعتبار مسألة موضوعية يرجع تقديرها لقضاة الموضوع.)
وعموما فإن الواقعة الشائنة المسندة لا يمكن حصرها جزما فهي كل ما ينافي القيم الأخلاقية ، والقضاء الفرنسي يوسع من مفهوم الواقعة الشائنة ، فيعتبر قذفا إسناد واقعة تمس بالحياة الاجتماعية ، الخاصة ، العامة ، وحتى المهنية للمقذوف، فقد قضي بأنه يعد قذفا الادعاء بأن الكاتب فلان ليس هو مؤلف كتبه ( crim10/10/1972 B351 ) .
و الواقع أن القضاء لا يميز بين الفعل الماس بالشرف والفعل المساس بالاعتبار فيستعملهما مترادفين ، وفي هذا السياق قضي بأن الادعاء بأن الزوجة لم تكن عذراء عند الدخول بها في حين أثبتت الخبرة الطبية التي أمر بها وكيل الجمهورية ، بعد الواقعة أنها لا تزال عذراء (غشاء بكارة مطاطي سليم) قضي بأن مثل هذا الادعاء فيه مساس بالشرف والاعتبار قرار 15/01/1995 ملف رقم 102628 غ . ج. م.ق 3 غير منشور.
كما قضي بأن ما ورد في الصحافة ( من أن الجد يضطهد حفيده وينتقم منه بكل كراهية وابتزاز دنيء وانه ظالم ومستبد اتجاه أحفاده وان له قلب مليء بالكراهية ) فيه مساس بالشرف والاعتبار . قرار 16/07/95 غ ج م ق 3 ملف رقم 107891 غير منشور .
كما قضي بأن الزعم في رسالة منشورة في الصحافة بأن كل ( المسئولين في القاعدة كاذبون وهم في خدمة الحقرة والظلم والرشوة والتغميس وهم مصنعون من البلاستيك والزفت وهم جهلاء ) يعد مساسا بالشرف والاعتبار . قرار 07/09/99 غ ج م ق 2 ملف رقم 195358 غير منشور .
وعلى عكس ما سبق فإن الادعاء بأن فلان رسب في الامتحان لا يعد قذفا لأن الرسوب لا يستوجب الاحتقار ، وكذا الادعاء بأن فلان مجنون وأنه مريض بمرض ما لم يكن من الأمراض التي تشين صاحبها كداء السيدا مثلا .
وخلاصة لما سبق فإن القانون يحمي أساسا القيم الأخلاقية التي حين يعتدي عليها بادعاء أو إسناد واقعة شائنة فيعد مساسا بالشرف والاعتبار ومع ذلك يجب التوفيق بين حماية شرف واعتبار الأشخاص وحق المواطنين في النقد والمنافسة وكذا اتجاه الفنانين والأعمال الإعلامية حتى لا نصطدم مع حق معترف به دستوريا وهو حق الشخص في حرية التعبير.
رابعا: تعيين الشخص أو الهيئة المقذوفة .
نستنتج هذا العنصر من المادة 296 ق.ع وذلك في عبارة (... الأشخاص أو الهيئة المدعى عليها) فالمقذوف أو المجني عليه في التشريع الجزائري يكون إما شخصا سواء طبيعيا أو معنويا أو هيئة ويجب أن يكون معينا ، وليس من الضروري أن يكونا معينا بالاسم وإنما يكفي لقيام القذف أن تكون العبارات موجهة على صورة يمكن معها فهم المقصود منها ومعرفة الشخص الذي يعنيه القاذف ، وهذه مسألة وقائع تفصل فيها محكمة الموضوع فإذا أمكن لها أن تدرك من فحوى العبارات من هو المعني استنتاجا من غير تكلف ولا كبير عناء قامت الجريمة ولو كان المقام خالي من ذكر اسم الشخص المقصود ،وهكذا قضي بأنه مادام المتهم أشار في المنشور الذي نشره في صحيفة " لومتان " إلى مدير مركب اسميدال فإنه بذلك يكون قد قصد الطرف المدني ل.م وهو مدير المركب إذ من الممكن تحديده من خلال الإشارة إلى صفته كمدير بالمركب غ. ج .م.ق.2 قرار 822000 ملف رقم 200084 غير منشور .
والقانون والقضاء الجزائريان يكتفيان بالتحديد النسبي، وعلته تكمن في لو أن القانون تطلب عكس ذلك ، لضاق نطاق القذف على نحو غير مقبول ، وكان من السهل على الجاني أن يفر من العقاب بأن يخفى في عباراته بيان بعض معالم شخصية المجني عليه
والمقذوف قد يكون شخصا أو هيئة .
أولا :الشخص : ويقصد به أي شخص طبيعيا كان أو معنويا والإشكال يثور بالنسبة للمجموعات أو الجماعات التي لا تتمتع بالشخصية المعنوية مثال: نقابة الأطباء فهنا لا تقوم الجريمة إذا كانت
العبارات موجهة ضد المهنة ككل غير أنه يمكن قيام المسؤولية المدنية للقاذف اتجاه هذه المجموعة
وفي هذا الإطار لم يشر القانون الجزائري ولا حتى القضاء لهذه الحالة ، غير أننا يمكن القول أن هذا المفهوم أو الاتجاه يصلح تطبيقه في الجزائر. ونص قانون الإعلام 90/07 في مادته 45 على هذه الفئة .
ثانيا : الهيئات والمقصود بها :
- الهيئات النظامية: ورد ذكر هذا المصطلح في المادة 146 ق.ع.ولم يعرفه المشرع الجزائري وحسب القضاء الفرنسي هي هيئات لها وجود شرعي دائم والتي خولها الدستور والقوانين قسطا من السلطة والإدارة العمومية، والعنصر المميز لها أنه بإمكانها أن تجتمع في جمعية عامة للتداول وبذلك تعد هيئات نظامية في الجزائر: البرلمان ، مجلس الأمة ، المجلس الشعبي الوطني ، مجلس الوزراء ، مجلس الحكومة، المجالس الولائية والبلدية ، المجلس الأعلى للقضاء ، المحكمة العليا ، مجلس الدولة ، مجلس المحاسبة ، المجلس الدستوري.
الجيش الوطني الشعبي : الذي نص عليه في المادة 146 ق.ع ويدخل ضمن هذه الهيئة الدرك الوطني .
المجالس القضائية والمحاكم: الوارد ذكراهما في نص المادة 146 ق.ع.
- الهيئات العمومية: ويقصد بها الهيئات التي تم تأسيسها بنص صادر عن السلطات العمومية ويحكمها القانون العام ومفهومها أوسع، وينطبق هذا المفهوم على كافة الهيئات المؤسسة وعلى الجيش الوطني الشعبي والمجالس والمحاكم القضائية والوزارات ، مديرية الأمن الوطني ، الجمارك ، المديرية العامة للحماية المدنية ، وكل المؤسسات ذات الطابع الاداري ... الخ بالإضافة إلى المجالس العليا المعروفة .
ثالثا: رؤساء الدول ورؤساء البعثات الدولية وأعضائها المعتمدين : والمشرع الجزائري في هذا الجانب يبين :
- رئيس الجمهورية طبقا للمادة 144 مكرر ق.ع.
- رؤساء الدول الأجنبية طبقا للمادة 97من قانون الإعلام
- رؤساء البعثات الدولية و أعضائها المعتمدين في الجزائر المادة 98 قانون الإعلام .
رابعا: الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وباقي الأنبياء طبقا للمادة 144 مكرر 2 ق.ع.
خامسا : شعائر الدين الإسلامي طبقا للمادة 144 مكرر 2 ق.ع والمادة 97 قانون الإعلام .
والأصل أن القذف لا يقع إلا بالنسبة للأحياء وبالرجوع إلى القانون والقضاء الجزائريان نجد أنهما لم يتطرقا لهذه المسألة ، وقد وقع خلافا بين الشراح والمحاكم في فرنسا حول هذه المسألة والسبب أن دعوى القذف لا ترفع في فرنسا إلا بناء على شكوى المقذوف فإذا مات المجني عليه سقط بموته حق الشكوى.
وكانت محكمة النقض الفرنسية تقضي بأن قذف الأموات جريمة كقذف الأحياء إلى أن استقرت في أحكامها على ضوء المادة 34 من قانون الإعلام الفرنسي الصادر سنة 1881 والتي جاءت في مضمونها أن جريمة القذف في هذه الحالة تقوم إذا قصد الجاني من ورائها المساس بشرف واعتبار الورثة الأحياء، وعلى هذا الأساس نرى أن هذا الحكم واجب الإتباع في الجزائر رغم عدم النص على ما يقابله، ويقوم القذف في حق من يدعى مثلا بأن امرأة متوفية كانت تعاشر غير زوجها فهنا نستنتج أن هناك مساس بشرف واعتبار ورثتها.
ونشير بأن الشخص الغائب الذي لم تعلن وفاته يضل له الحق في الشرف والاعتبار .
أما عن موقف القضاء الجزائري فقد صدر حكم عن محكمة بئر مراد رايس القسم المدني في 22/07/2000 حول قضية القذف ضد ميت وتمثلت وقائع القضية في أنه أصدر الرئيس السابق على كافي كتابا في 1999 وكتب في إحدى صفحاته أن بطل الثورة الجزائرية المتوفي .السيد عبان رمضان كانت له علاقات سرية مع العدو وفي الصفحات من 121 و 123 كتب منه ما يلي :
(... عميروش ، كريم بلقاسم ، بن طوبال أكدوا بوجود علاقات بين عبان و بدون أن يخبرهم ...).
فأصدرت محكمة بئر مراد رايس القسم المدني حكما قضت فيه بما يلي : نزع كل نسخ الكتاب المعروضة للبيع والمتعلق بمذكرات الرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة على كافي وقضي بحذف الصفحات 133 – 134 – 136 من الكتاب التي أشير فيها إلى السيد المتوفي عبان رمضان ودفع مبلغ رمزي كتعويض عن الضرر الذي مس بذكرى الميت وبورثته وزوجته الأرملة
ونبدي ملاحظة هنا وهي كان من المفروض حصر الأشخاص والهيئات محل القذف في مواد قانونية تجسد ترتيب وتسلسل منهجي ، وهذا تجنبا لأي غموض أو تأويل خاطئ ونشير أن المشرع الفرنسي أضاف شخصا طبيعيا آخر وهو المكلف بخدمة عمومية ، غير أننا نلاحظ أن هذه الإضافة والتمييز يدخل في باب توقيع الجزاء أي من شأن هذه الصفة أن تؤدي إلى تشديد العقاب فقط .
المطلب الثاني: ركن العلانية:
أولا : تعريف العلانية .
العلانية اصطلاحا في القانون لا تخرج عامة عن معناها لغة، فكل ما يقع تحت نظر الكافة أو يصل إلى سمعهم أو يمكنهم أن يقفوا عليه بمشيئتهم دون عائق يعتبر علانية
و هي وسيلة علم أفراد المجتمع بعبارات القذف بحيث لا يقوم القذف إلا اذا كان الإسناد علنيا ، و العلنية تقوم على عنصرين هما :
1- العنصر المادي : وهو السلوك المنتج لحدت نفسي من شأنه إيصال الفكرة أو الشعور أو الإرادة الآثمة للجمهور.
2- العنصر المعنوي: وهو تعمد إيصال الفكرة أو الشعور أو الإرادة إلى الغير قصد الإذاعة .
فتعتبر العلنية ركنا مميزا لجنحة القذف فإذا غاب هذا الركن أصبحت الجريمة مجرد مخالفة يعاقب القانون عليها في المادة 463 ف.2 من.ق.ع بعنوان السب الغير العلني، والمشرع الجزائري لم يذكر العلنية كركن في المادة 296 ق.ع . غير أنه حسب بعض شراح القانون .يعتبره مجرد سهو لكونه اقتبس أحكام القذف من قانون الإعلام الفرنسي المؤرخ في 29/07/1881 إذ أغفل نقل ما نصت عليه المادة 23 منه وهي التي عرفت طرق العلانية وانتقل مباشرة إلى نقل محتوى المادة 29 التي تقابل نص المادة 296 من ق.ع.ج ، وبعدها نقل محتوى المادة 32 وتقابلها المادتين 298 مكرر من ق.ع.ج. لكن المتتبع للواقع المعاش فإن طرق العلنية لا يمكن حصرها خاصة مع التطورات التي عرفتها البشرية في شتى المجالات ( المعلوماتية ، السمعي البصري ) غير أنه عموما تتم العلانية بإحدى الطرق الآتية : القول ، الكتابة ، الصور. وهو أيضا ما تضمنته المادة 4 من قانون الإعلام بالنسبة للقذف الذي يرتكب بواسطة وسيلة إعلامية .
ثانيا : طرق العلانية :
الطريقة الأولى : القول
وقد يكون بالجهر به أو ترديده في اجتماع عام أو طريق عام أو أي مكان آخر عمومي أو الجهر بالقول أو الصياح في محل خاص بحيث يستطاع سماعه من مكان عام وكذلك بإذاعة القول أو الصياح أو بطريق اللاسلكي أو بأي طريقة أخرى .
1 – الجهر بالقول أو الصياح في محل عمومي : يجب التمييز هنا بين بعض المفاهيم الأساسية فيما يخص مسألة المكان العمومي .
أ. المكان العمومي بطبيعته : فتتحقق العلانية ولو كان المحل خاليا من الناس ، إذ من المحتمل دائما سماعه وهذا المكان هو الذي يكون بصفة قاطعة ودائمة مباحا للجمهور كالطرق العمومية والشوارع والميادين والمتنزهات العمومية.
ب. المكان العمومي بالتخصيص: ولكن بشرط وجود الجمهور لأن المكان لا يكتسب صفة العمومية إلا بوجود الجمهور ، فمثل هذه الأماكن ليست مباحة للجمهور بصفة دائمة ، بل في بعض الأوقات أو ساعات معينة وفي ماعدا هذه الحالات تعتبر حالات خاصة ، وتطلق عليها صفة العمومية إلا على جزء مخصص للجمهور فيعد من قبيل ذلك ، الملاهي العامة ، المساجد ، قاعة الجلسات ... الخ.
ويذهب عامة الشراح إلى أن وجود الجمهور والسماع الفعلي غير مشترطين لتحقق العلانية حيث تتم ولو كان الجهر في وقت كان فيه المكان خالي من الناس .
وهنا نستنتج أن المكان العام بالتخصيص يمكن أن يتحول إلى مكان خاص ( كمن يتلفظ اتجاه شخص في زاوية من مقهى ولا يسمعه الحاضرون ) والعكس كذلك فالمكان الذي يكون أصلا مكان خاص قد يتحول إلى مكان عمومي كما سبق ذكره.
وهكذا قضي بأن التصريح لعدد من الأشخاص ممن حضروا حفل الزفاف بأن الزوجة لم تكن عذراء عند الدخول بها يشكل العلنية .
فيما قضي بأن العبارات الواردة في مقال تقدم به متقاضي أمام القسم المكلف بالأحوال الشخصية لا تكتسي طابع العلنية .
ج . المكان العمومي بالمصادفة : هي أماكن خاصة بطبيعتها ولكنها تكتسب الصفة العامة من وجود عدد من أفراد الجمهور فيها بطريق المصادفة أو الاتفاق كالمنازل والمحلات التجارية ، رواق العمارة ، مكتب رئيس البلدية؛ ورشة خاصة .
وفي كل الأحوال فإن مسألة تحديد ما إذا المحل عموميا بالمصادفة أو بالتخصيص هي مسألة موضوعية يرجع تقديرها لقاضي الموضوع.
أما الاجتماع العام :
فإن العلنية تتحقق في حالات معينة إذا كان الجهر بالقول أو الصياح في اجتماع عام ومعيار الاجتماع العام هو عدد الحاضرين ، شروط القبول لحضوره ، طبيعة العلاقات التي تربط أعضاءه والقانون الجزائري لم يتطرق إلى تعريفه رغم وقوعه في الحياة اليومية للمواطنين ، وقد عرف من طرف بعض شراح القانون بأنه( كل محفل احتشد فيه عدد كبير من الناس لم يدعو إليه بصفة خاصة ولا حرج على أي إنسان من الاشتراك فيه وذلك بغض النظر عن صفة المكان الذي احتشد فيه الجميع ) مثال ذلك مراسم الأفراح بكل أنواعها والتي تتم في القرى والأرياف والتي يمكن أن يحضر فيها كل شخص فقد قضت المحكمة العليا في قرار لها ( أن التصريح لعدد من الأشخاص ممن حضروا حفل الزفاف بأن الزوجة لم تكن عذراء عند الدخول بها يشكل
العلانية) .
ونشير أن الاجتهاد القضائي في فرنسا قد اعتبر أن بعض الاجتماعات هي عمومية بطبيعتها منها اجتماعات هيئات القانون العام مثل المجالس البلدية .
غير أنه في حالة الاجتماع المحصور في فئة تربطها علاقات قرابة أو عضوية نادي أو حزب أو جمعية ، فالاجتماع خاصا مهما كان عدد المجتمعين . وعلى ضوء هذا المبدأ يعد اجتماعا خاصا مجلس إدارة شركة أو مؤسسة اقتصادية ، أو انعقاد جمعية عامة لنادي أو جمعية مهما كان طابعها .
إن الجهر بالقول أو الصياح ليس من شأنه أن يؤدي إلى توافر العلانية ولا يوجب القانون في القذف أن يقع في حضور المجني عليه ، ذلك أن في اشتراط توافر العلنية ليست مواجهة شخص المجني عليه بما يتأذى به من عبارات القذف ، وإنما هي ما يصاب به المجني عليه من جراء سماع عامة الناس عنه ، ما يشينه في شرفه واعتباره ، وهذه العلة تتحقق بمجرد توافر العلانية وإن لم يعلم المجني عليه بما رمي به .
وهناك من يرى أيضا أن معيار الاجتماع العمومي هو تشكيلة المجموعة ووجود أو عدم وجود شخص أجنبي أو بعبارة أخرى وجود مجموعة تربط بين أعضائها مصالح مشتركة ، وهكذا فإن العبارات المفصح عنها في قاعات محجوزة في مطاعم ومقاهي وأماكن عمل لا تكتسب العلانية .
2 - الجهر بالقول أو الصياح في محل خاص :
تتحقق العلانية هنا بالقول او الصياح في محل خاص إذا كان يستطيع سماعه من كان في مكان عام ، مثلا : من كان في منزل وصدرت منه ألفاظ القذف تعتبر علانية إذا أمكن سماعها من الذين يمرون في الشارع العام .
ولا تتحقق العلانية إذا حصل الجهر بالقول في مكان خصوصي بحيث لا يستطيع سماعه من مكان عام من كان في ذلك المكان ، أما إذا كان المكان عام ، فلا يشترط السماع الفعلي بل تتوفر العلنية ولو كان المكان العمومي خاليا من الناس .
3 – إذاعة القول أو الصياح به بآلية لبث الصوت :
وتحقق العلنية هنا بالقول أو الصياح بطريق اللاسلكي أو بأية طريقة أخرى كالمذياع والتلفاز فيعتبر مكان الجريمة في هذه الحالة محطة الإذاعة أو مكان الإرسال ومن ثمة فإن التلفزيون يحقق العلانية بالنسبة للصور كما تحققها الإذاعة اللاسلكية بالنسبة للكلام إلا ما تعلق بالهاتف النقال أو الثابت وما يدخل في حكمه ، فإن صفة العلنية تنتفي هنا كون أن الألفاظ أو العبارات يكتنفها الطابع السري بين المتهم والمجني عليه .
وكون هذه الوسيلة ذات طابع سري بين الأشخاص إلا أن الاعتداءات على شرف واعتبار الناس قد كثرت بواسطته وهذا ما لمسناه حقيقة في التربص الميداني ضف إلى ذلك فإن الجاني يطمئن لهذه الوسيلة لما توفره من سرية تامة ، حسب رأينا فيجب عقاب القاذف بعقوبة القذف العلني ، وهذا للاعتبارات السالفة الذكر كما ذهب إلى ذلك المشرع المصري في هذا الاتجاه والذي خصص مادة لذلك هي م 308 مكرر من ق.ع
ونفس الأمر يطرح فيما يتعلق بالقذف الموجه عن طريق شبكة الانترنت والتي تثير إشكالات ، فاحتمال ذيوع الادعاءات أو الاسنادات عبر هذه الشبكة واردة بنسبة كبيرة مما قد يحقق العلانية، ورغم أن المشرع تطرق إلى هذه الوسيلة بصفة ضمنية في المادة 144 مكرر والتي خصها فقط بالقذف الموجه إلى رئيس الجمهورية بقولها (أو بأي وسيلة إلكترونية أو معلوماتية ... ) أيفهم أن هذا الحكم لا يطبق على الأشخاص الآخرين ؟ لذا وجب على المشرع التدخل لا زالت هذا الغموض.
الطريقة الثانية : الكتابة :
تم الإشارة إليها في المادة 296 ق.ع بعبارات : الكتابة والمنشورات ، واللافتات والإعلانات ،ونلاحظ أن الوسائل الثلاثة الأخيرة هي من قبيل التزيد كون أن مصطلح الكتابة كافي ويشمل كل ما هو مكتوب في (الجرائد ، المجلات ، الكتب ، المنشور ، اللافتة ، الإعلان الحائطي ... الخ ) وكذلك المادة 144 مكرر ق ع ذكرت وسيلة الرسم وجاء في المادة 90 من قانون الإعلام : الصور ، الرسوم ، البيانات التوضيحية غير أن الإشكال يكمن في كيفية تحقق العلانية بالكتابة .
أ- التوزيع : ويتحقق بتسليم المطبوعات أو الكتب أو اللافتات إلى عدد من الأفراد بغير تميز ، فلا يتوفر التوزيع بالإفضاء الشفوي إلى عدد من الناس بما تتضمنه الورقة ، ولا تتحقق العلنية بالتوزيع على عدد من الأعضاء فالقانون يشترط أن يكون التوزيع على عدد من الناس بغير تميز .
على أنه لا يشترط أن يكون التوزيع بالغا حدا معينا ، بل يكفي أن يكون المكتوب قد وصل إلى عدد من الناس ولو كان قليلا ، سواء أكان ذلك عن طريق تداول نسخة واحدة منه أم بحصول عدة نسخ .
ب ـ حالة التعريض للأنظار:وهنا يكون العرض سواء في مكان عام أو في حالة اجتماع ، وكذا في لوحة الإعلانات ، وبالتالي فلا يتوافر التعريض إذا وجدت الكتابة داخل مظروف ولو كان موضوعا في الطريق العام وبالنتيجة تكون العلنية منتفية .
ويتحقق العرض كذلك حتى في مكان خاص كالمؤسسة، المدرسة ، ففي هذه الحالة يشترط أن يطلع عليها أشخاص أجانب عن المؤسسة .
فقد قضي في فرنسا بموجب قرار صادر بتاريخ 10/07/1973 بأن العلنية متوافرة في حالة إلصاق مكتوب في بهو مدرسة كبيرة كون أن هذا الأخير يمكن أن يمر فيه أشخاص لا ينتمون إلى المؤسسة وبالتالي يكون باستطاعته الإطلاع على هذا المكتوب.
وبخصوص موقف القانون والقضاء الجزائريين فإنهما لم يتطرقا لهذه المسألة بوضوح غير أن مقصد المشرع هو أن الكتابة تعتبر كوسيلة في تحقق العلنية ، ولذلك فإن الأمر يرجع إلى السلطة التقديرية لقاضي الموضوع في استخلاصها في حالة التعريض في محل خاص متى تبين له أن المتهم قصد إذاعة إسناده أو ادعاءاته.

ج – حالة البيع أو العرض للبيع :
وهو ما اصطلح عليه المشرع الجزائري في المادة 296 ق.ع بالنشر وإعادة النشر وهذه الحالة تنطبق على الكتب ، المجلات ، الجرائد ، النشرات ، البحوث ،الرسوم الصور.
يقصد بالبيع نقل الملكية مقابل ثمن محدد ، وتتحقق العلنية في هذه الحالة ببيع المكتوب المتضمن لعبارات القذف إلى الجمهور ولو انصب ذلك على نسخة واحدة أو نسخ عديدة لشخص واحد أما العرض للبيع فهو طرح الكتابة أو ما في حكمها ليشتريها من يريد يثبت سبل الدعاية أو الإعلان حتى ولو حصل البيع أو العرض في مكان خاص . لكون أن مصدر العلنية هنا غير متعلق بصفة المكان ، وإنما الوسيلة هي عملية البيع التجاري المفضية للتداول المكتوب ومن ثم إذاعته .
لكن هناك إشكال: هل يمكن اعتبار القذف بواسطة رسالة هو قذف بالكتابة ؟
المشرع .ج : نص في المادة 296 ق.ع على طرق تحقق العلنية ومن بينها الكتابة وقد وردت هذه العبارة بصورة عامة ، فهل على هذا الأساس يمكن أن نعتبر أن القذف الموجه بواسطة الرسالة عن طريق البريد هو قذف علني ؟
حقيقية أن المشرع الجزائري لم ينظم هذه المسألة وإنما أورد فقط القواعد العامة في المادة 296 ق.ع. فلا يمكن تصور رسالة في ظرف مغلق تتضمن ادعاءات أو اسنادات لوقائع مشينة أنها قذفا علنيا وهذا عكس ما اتجهت إليه المحكمة العليا في قرار لها باعتبار أن القذف الموجه بواسطة رسالة عن طريق البريد هو جنحة ، لكن كما أشرنا سابقا فإن جنحة القذف تتطلب العلنية وهو ركن منعدم في قضية الحال .
غير أن المشرع الفرنسي تفطن لهذا الإشكال الذي من شأنه أن يشكل في نفس الوقت فراغا قانونيا وأصدر قانون 11/06/1887 معدل ومتمم للقانون الصادر سنة 1881 والمتعلق بالإعلام .
فاشترط لتحقق العلانية في هذه الحالة وبالتالي اعتبار القذف جنحة شرطين أساسين وهما:
- أن تكون الرسالة مكشوفة ، - وأن يعهد إلى إدارة البريد في إرسالها، ويدخل في حكم الرسالة المكشوفة البطاقات البريدية ، البرقيات ، التلكس ،... الخ أي كل ما يمكن الإطلاع عليه .
الطريقة الثالثة: الصور:
تتحقق العلنية بنشر الصور أو إعادة نشرها ، ويتسع مفهوم الصور ليشمل على وجه الخصوص الرسوم والكاريكاتور بأنواعها والصور المتحركة والأفلام السينمائية وكل التركيبات السمعية البصرية .
إذن العلنية تعتبر ركنا في جريمة القذف ، وتمت الإشارة إليها ضمنيا في المادة 296 من ق.ع من خلال ذكر وسائل وطرق تحققها ، ولهذا تخلف العلانية تبقى الجريمة قائمة وهذا ما لم يتطرق إليه المشرع الجزائري عكس المشرع الفرنسي والمصري اللذان أفردا مواد خاصة ، فيتم عقاب القذف الغير علني على أساس مخالفة ، لكن العمل القضائي في الجزائر جرى على تطبيق أحكام السب غير العلني المنصوص عليه في المادة 463 /02 ق.ع . و هذا في حالة تخلف ركن العلانية ، وهذا مخالف لمبدأ الشرعية لذا وجب التدخل لسد هذا الفراغ .
وكخلاصة لهذا الركن فإن جريمة القذف لا تقوم مبدئيا إلا بفعلين أولاهما الإفصاح عن الإسناد أو الادعاء المتضمن لعيب فيهما أو خدش للشرف أو الاعتبار ، وثانيها الإذاعة أي إعطائها العلنية التي تفترضها الجريمة وفي الغالب يرتكب الفعلين شخص واحد ولكن إذا ارتـكـب كـل من الفعلـين على حدي ومن طرف شخصين ويعني أن من أقتصر نشاطه على مجرد إعطاء العلنية لواقعة كان قد ذكرها غيره يعد معه فاعلا للقذف .
المطلب الثالث: القصد الجنائي :
أولا : عناصر القصد الجنائي
جريمة القذف من الجرائم العمدية ، فلا تتحقق إلا بتوافر القصد الجنائي لدا مرتكبها ، وهو العلم بعناصر الجريمة وانصراف إرادته إلى ارتكابها أي علم القاذف بحقيقة الأمور التي يسندها إلى المجني عليه وكذا علمه بعلانية الإسناد .
ويتوفر القصد لجنائي في جريمة القذف ، متى أذاع القاذف أو نشر الخبر المتضمن القذف . وهو عالم أن ذلك الخبر فيه مساس بشرف وسمعة المقذوف ، آو انه إذا صح اوجب عقابه ، و لا عبرة بالبواعث ، فقد لا يكون فيه غرض القاذف الإضرار بالمقذوف وقد يكون مدفوعا بعوامل شريفة ولكن الغاية لا تبرر الوسيلة ، وقد يكون من واجب القاضي النظر إلى تلك البواعث والاعتبار بها في تخفيف العقوبة ، ولكنها لا يمكن أن تكون سببا في محو الجريمة وذلك لان القذف ضار بذاته لأنه يترتب عليه حتما مجرد وقوعه ، تعريض سمعة المجني عليه للقيل والقال ، فلا محل لاشتراط نية الإضرار ، حيث لا يتصور إمكان تخلف الضرر ، سواء تعمد القاذف الأضرار بسمعة المقذوف أم لم يتعمد فقد كان في وسعه أن يدرك أن فعله منتج للضرر حتما .
فالقصد الجنائي في جريمة القذف في الأصل ما هو إلا علم القاذف بان ما أسنده للمقذوف من خلال الخبر الذي أذاعه آو نشره في إحدى الجرائد من شأنه أن يلحق ضررا بالمقذوف سواء ماديا أو معنويا .

ثانيا: استخلاص القصد الجنائي .
القصد الجنائي وان كان يجب إثباته لدى القاذف إلا أن عبارات القذف ذاتها قد تكون من الصراحة والوضوح بحيث يكون من المفروض علم القاذف بمدلولها ، وبأنها ماسة بشرف واعتبار المقذوف فالعلم مفترض متى كانت عبارات القذف التي تضمنها المقال شائنة بداتها كأن تكون متضمنة لعيب معين او ماسة بالشرف والاعتبار ، أو مما يمس بسمعته أو يستلزم عقابه وبالتالي يكون مبنى هذه العبارات حاملا بنفسه الدليل الكافي على القصد الجنائي ، ولا حاجة إلى الاستدلال في هذه الحالة على القصد الجنائي بأكثر من ذلك ، وعلى المتهم القاذف في هذه الحالة أن يثبت انعدام القصد الجنائي لديه فيما أذاعه أو نشره ، أما إذا لم تكن عبارات القذف صريحة كأن تكون بأسلوب مجازي ، مما يستعمله القاذف عادة في مقاله لإخفاء قذف ، فلا محل لافتراض العلم أو القصد الجنائي في هذه الحالة بل يجب على المدعي أو النيابة العامة إثبات القصد الجنائي للقاذف ولا يقبل الاعتذار باستفاضة الأمر الذي أسنده إلى المجني عليه ، وشيوعه بين الناس ، فالاعتبار لا يمحو الجريمة سواء كان القذف بالإذاعة أو النشر ولا بالاحتجاج بان المقذوف هو الذي ابتدره بالقذف أولا فان الاستفزاز لا يعد عذرا في جريمة القذف .
وقد استقر القضاء على انه في القذف المرتكب بواسطة النشر ، يتعين بحث وجود الجريمة أو عدم وجودها ، تقرير مرامي العبارات لمعرفة القصد الجنائي ، فإذا اشتمل المــــقـــال علـــى عــبــارات يكون الغرض منها الدفاع عن المصلحة العامة و أخرى يكون القصد منها التشهير فللمحكمة في هذه الحالة أن توازن بين القصدين وتقرير أيهما كانت له الغلبة في نفس صاحب المقال .
إذن إن القصد الجنائي في جريمة القذف مفترض ، ولا يشرط القانون القصد الجنائي الخاص وإنما القصد العام.
وحسن النية لا أثر لها على المسؤولية في جريمة القذف.
حيث استقر القضاء الفرنسي على أن سوء النية مفترضة ، فيقع على عاتق المتهم إثبات حسن نيته ، وقد ذهبت المحكمة العليا الجزائرية في قرار لها بأنه (يفترض في الاسنادات القاذفة بأنها صادرة بنية الإضرار) وما يلاحظ على هذا القرار حسب رأينا أن المحكمة العليا كأنها تتجه إلى الإقرار بضرورة توافر القصد الجنائي الخاص وهو نية الإضرار وأضافت علاوة على ذلك بأنه مفترض ، والقاضي غير ملزم ببيان سوء النية في الحكم لأنه مفترض.
وهذه القرينة يمكن أن تزول إذا ما أثبت المتهم حسن نيته ، والقاضي لا يمكنه أن يرفض أو يستبعد دليل القاذف ،وفي هذا الاتجاه استقر القضاء الفرنسي ، فنجد في بعض الحالات أنه أستبعد فيه حسن النية وحالات أخرى قبل فيها حسن النية التي تذرع بها المتهم ومن حالات استبعاد حسن النية نذكر : حالة عدم وجود عداوة شخصية ، عدم قدرة الصحفيين على تقديم الدليل على أن ما نشروه غير كاذب في نقطة أساسية ، وكذلك أن الغلط لا يشكل وحده دليلا على حسن نية في حين أنه قبل في حالات معينة حسن النية التي تذرع بها المتهم ، مثل رسالة وجهها شرطي إلى رئيس المحكمة أثناء ممارسته وظيفته لإفادة المحكمة بمعلومات حول سيرة وأخلاق المتهمة .
فنلاحظ هنا أن هذه المسألة موضوعية تستخلصها محكمة الموضوع حسب الدليل المقدم من المتهم. أما في ما يخص موقف المشرع والقضاء الجزائريين حول هذه المسألة فلم يتعرضا لها ، غير أننا يمكن القول أنه لا حرج في الأخذ بالاتجاه الذي استقر عليه القضاء الفرنسي.
وعليه فالقذف في جوهره هو توجيه معنى سيء إلى شخص أو أشخاص بقصد الإساءة إليهم .
ويختلف القذف عن السب في كون هذا الأخير لا يقوم على تحديد الواقعة أو المساس بالشرف والاعتبار كما في جريمة القذف وإنما يقوم على كل تعبير يتضمن تحقيرا أو إساءة أو خدشا لكرامة المجني عليهم ، وهذا ما هو مستخلص من نص المادة 297 ق ع ( يعد سبا كل تعبير مشين آو عبارة تتضمن تحقرا أو قدحا لا ينطوي على إسناد أية واقعة ) .
أما تمييز القذف عن الاهانة فهذه الأخيرة هي كل عبارة مشينة تنقص من الاحترام للمواطن ولوظيفة وهي أوسع من القذف وهي لا تحصل إلا في أشخاص حسب وظيفتهم حسب المادتان 144 و 146 ق ع وهي (كل من أهان قاضيا أو موظفا أو قائدا أو ضابطا عموميا أو احد رجال القوة العمومية ).
في حين البلاغ الكاذب هو إسناد واقعة كاذبة تبلغ إلى احد ممثلي السلطة القضائية أو الإدارية أو إلى جهة مختصة في النظر في الجريمة أو إلى احد المسئولين المعنيين وهذا ما هو مستخلص من المادة 300 من قانون العقوبات المعدلة .
المبحث الثالث : المسؤولية الجزائية والمدنية المترتبة عن قيام الجريمة .
المطلب الأول : المسؤولية الجزائية .
طبقا للقواعد العامة فان القاذف إذا ثبت ارتكابه لجريمة القذف، وكان خاليا من موانع المسؤولية وأسباب الإباحة فتنطبق عليه العقوبات المقررة لهذه الجريمة وتقوم مسؤوليته الجنائية ، سواء كان فاعلا أصليا أو شريكا إلا أن القذف الذي يرتكب بواسطة الإعلام فالمسؤولية الجزائية للقاذف تثير عدة إشكالات نظرا لتداخل أكثر من شخص طبيعي أو معنوي اللذين ذكرهم قانون الإعلام في إحداث الجريمة فهناك الصحافي ، الطابع ، الناشر ، الباعة . ومن ابرز هذه الإشكالات تحديد الفاعل الأصلي والشريك وكذلك تحديد مسؤولية الشخص المعنوي الجزائية .
أولا : مسؤولية الفاعل الأصلي .
أ‌- مسؤولية الفاعل الأصلي في وسائل الإعلام التقليدية .
إن أحكام قانون الإعلام نصت على المسؤولية الجزائية للصحافي ومدير النشرية في حالة نشر أي مقال أو بث أي خبر فقد نصت المادة 41 من القانون على ( يتحمل المدير أو كاتب المقال أو الخبر مسؤولية أي مقال ينشر في نشرية دورية أو أي خبر يبث بواسطة الوسائل السمعية البصرية ).
إلا أن هذه المادة لم تحدد بوضوح من هو الفاعل الأصلي ومن هو الشريك فقد يكون حسب هذه المادة المدير هو الفاعل الأصلي وكاتب المقال بصفته كاتب مقال شريك أو العكس . وقد يكون المدير مسولا وحده أو كاتب المقال .
و الأصل المتابع كاتب المقال كفاعل و المدير كشريك لكن يستشف من المادة 43 أنه إذا لم يتابع الكاتب فتكون متابعة المدير كفاعل .
وبالرجوع إلى قانون العقوبات نجد أن المادة 41 منه اعتبرت فاعلا أصليا كل من ساهم مساهمة مباشرة في تنفيذ الجريمة أو حرض على ارتكابها ، بينما اعتبرت المادة 42 الشريك في الجريمة هو من لم يشترك اشتراكا مباشرا ولكنه قدم المساعدة وبكل الطرق مع علمه بذلك .
ب – مسؤولية الفاعل الأصلي في وسائل الإعلام الحديثة
ونقصد بها خصوصا الانترنيت وبشأن الأشخاص اللذين يجب مسائلتهم عن جرائم القذف المرتكبة عبر شبكة الانترنت بصفتهم فاعلين أصليين للنشر هم:
1- مورد المعلومات :وهو الذي يبث الرسائل على الموقع الخاص به إلى المتعاملين .
2- مورد الخدمات : يقوم بتوريد الخدمات والمعلومات للمحتاجين إليها وقد يكون مالكا للخدمة أو منفذا لها وهو ملزم بتعيين شخص طبيعي كمدير للنشر يتحمل المسؤولية على محتوى الخدمة .
3- المتدخل : فهو الذي يتحصل بالشبكة بقصد الحصول على المعلومات او نشرها ويقوم ببث رسائل وهو مسئول عن محتواها .
4- المنفذ المورد أو المتعهد الوصولي : يقوم بتوريد الخدمة للجمهور من خلال الاستخدام عبر هذه الشبكة بعقود اشتراك وغالبا ما يكون شخصا معنوي مثل جامعة أو شركة تجارية .
5- المورد المستضيف أو متعهد الإيواء: يقوم بتأمين الخدمة وتخزين المضمون .
ثانيا : مسؤولية الشريك :
إلى جانب قيام مسؤولية كاتب المقال بصفته الفاعل الأصلي في الجريمة ، تقوم أيضا مسؤولية أشخاص آخرين باعتبارهم شركاء فيها ، فقد نصت المادتان 42-43 من قانون الإعلام على هذه المسؤولية وحددت الأشخاص المشتركين في الجريمة .
نصت المادة 42 على " يتحمل مسؤولية المخالفات المرتكبة، المكتوبة والمنطوقة، أو المصورة المديرون والناشرون في أجهزة الإعلام، والطابعون أو الموزعون، أو الباتون، والبائعون و ملصقو الإعلانات الحائطية "
كما نصت المادة 43 على ما يلي : " إذا أدين مرتكبو المخالفة المكتوبة أو المنطوقة أو المصورة يتابع مدير النشرية أو ناشرها باعتبارهما متواطئين ، ويمكن أن يتابع بالتهمة نفسها في جميع الأحوال المتدخلون المنصوص عليهم في المادة 42 أعلاه "
ومن استقراء هاتين المادتين يتضح لنا أن مسؤولية الشريك يتحملها كل من مدير النشرية كما سبق ذكره و أيضا الناشر الذي يسمح بنشر الخبر المسيء لاعتبار وشرف الغير ولياقتهم . ويعد شريكا أيضا الطابع لما قدم مساعدة للصحافي أو كاتب المقال بواسطة تسخير وسائل مؤسسته والموزع الذي يقوم مثلا بتوزيع النشريات التي تتضمن أخبارا أو معلومات خاطئة أو مشوهة لسمعة وشرف الآخرين ، ولم يستثن القانون حتى الباعة لتلك النشريات من هذه المسؤولية .
ويتحمل أيضا مسؤولية الشريك الأشخاص الذين يقومون ببث الإخبار أو المعلومات غير الصحيحة عبر وسائل الإعلام المختلفة ، المنطوقة أو المصورة والأشخاص الذين يقومون بالعمل الاشهاري من خلال إلصاق إعلانات على الجدران أو اللوحات الاشهارية من شأنها المساس بشرف واعتبار الأفراد . ومساهمتهم في الجريمة هي مساهمة فعلية ومباشرة ولذا يتم متابعتهم ومعاقبتهم عن الأفعال المرتكبة .
وتعتبر مسؤولية هؤلاء مسؤولية مفترضة لا تدفع إلا بان يقيموا من اعتبروا مسؤوليين جنائيا الدليل على حسن نيتهم . إلا أنه عمليا فيما يتعلق بالجرائم الخاصة بالقذف المرتكب بواسطة الإعلام ، تكون الدعاوى مرفوعة ضد كل من الصحافي أو مدير النشرية أو كلاهما فقط ، أي تقتصر على احدهما أو ضدهما معا دون أن تسلط على الأطراف المشاركة فيها والتي حددها قانون الإعلام كما سبق ذكره .
والمسؤولية الجنائية في هذه الحالة ، هي مسؤولية مفترضة ، ويقصد بها إن المشرع يعتبر أن المسؤولية الجنائية موجودة ، دون حاجة لإثباتها ، رغم أن عبء إثبات المسؤولية الجنائية يقع على عاتق النيابة العامة ، و أنها تقع على كل مساهم في النشر ، حتى ولو لم يرق دوره إلى مستوى الفاعل أو الشريك ، في الجريمة وفقا للقواعد العامة في قانون العقوبات .
فالكاتب هو أكثر الناس معرفة بموضوع المقال ، فلا يتصور نفي القصد الجنائي عنه ، على أساس عدم معرفته وعلمه بحقيقة تلك الوقائع موضوع المقال .
ومن تمة يفترض أن المدير مسئول كفاعل أصلي ، على أساس أن الجريمة لا يتصور تماما أو تنفيذها ، إلا بالنشر الذي يباشره المدير ، وذلك طبقا للمواد 41-42-43 من قانون 07.90 . فمسؤولية مدير النشرية مبنية على افتراض قانوني بأنه اطلع على كل ما نشر في الجريدة ، وان قدر المسؤولية التي تنجم على النشر ولو لم يطلع فعلا ، فلا يستطيع دفع تلك المسؤولية بإثبات انه كان وقت النشر غائبا عن مكان الإدارة ، أو أن لم يطلع على أصل المقال المنشور أو لم يكن لديه الوقت الكافي لمراجعتها ، ويظهر من ذلك ، ان المسؤولية الجنائية في الجرائم الإعلامية أتت على خلاف المبادئ العامة ، التي تقضي أن الإنسان لا يكون مسئولا إلا عن العمل الذي يثبت بالدليل المباشر ، أن قام به فعلا .
فهي إذن مسؤولية استثنائية رتبها القانون لتسهيل الإثبات في الجرائم الإعلامية ومع ذلك يستطيع مدير النشرية أن يثبت بالدليل ، أن هناك قوة قاهرة حالت بينه وبين الاطلاع على المقال موضوع الجريمة . فإذا كانت المسؤولية الجنائية لكاتب المقال ومدير النشرية أو الناشر مفترضة ، فانه يمكن ان يتابع بالتهمة نفسها البائعون، الموزعون و ملصقوا الإعلانات الحائطية ، إذا ثبت انه كان في وسعهم معرفة مشتملات الكتابة آو الرسم ، آو غيرها مما استعمل في ارتكاب الجريمة ، غير أنهم لا يسألون بصفتهم فاعلين أصليين ، وإنما كمساهمين في الجريمة الإعلامية . ويمكن لهم دفع هذه المسؤولية إذا أقاموا الدليل على حسن نيتهم . كأن يكون مثلا المطبوع باللغة الأجنبية لا يعرفها البائع أو الملصق ، أو كان بالغة العربية وكان البائع لا يفهم من مراميها أو لا يعرف القراءة.
ومخبر الجريدة ، الذي ينقل إلى رئاسة تحرير ها خبرا عن واقعة أو حديثا ينسبه لشخص يعتبر في حكم المؤلف ، ومن تم يتقرر عليه قانونا ، المسؤولية العقابية للمؤلف ونفس الحكم ينطبق على المترجم الذي ينقل من لغة لأخرى . وكل من يقدم المعلومات والبيانات التي يبنى عليها المقال .
وتجدر الإشارة في هذا المطلب إلى مسؤولية مالك الجريدة ، فتقدير مسؤوليته العقابية يخضع للقواعد العامة للقانون العقوبات ، مادام لم يتم النص على مسؤوليته في نصوص قانون 07.90 المتعلق بالإعلام ، فلا تثبت مساءلته إلا إذا ثبت انه فعلا ساهم في تأليف المقال أو الخبر المعاقب عليه ، أو في نشره ، ولكن في الأصل أن ملكية الجريدة لا تعني مجرد مشاركة بالأموال ، و إنما تعني مشاركة بخط فكري معين في المقال الأول ، قبل اعتبار الموضوع استثمارا ماليا . فمالك الجريدة عادة ما يكون من أهل الفكر ، فيضع الخط العام لسياسة النشر في الجريدة ، ومن ثمة فهو من المشاركين الأساسيين في عملية النشر ، لذا تجدر مساءلته كمساءلة مدير النشرة أو الناشر ، ويجب عدم دفع المسؤولية عنه ، إلا إذا اثبت عدم علمه بحقيقة ما نشر في الجريدة التي يملكها .
ثالثا - مسؤولية المؤسسة الإعلامية :
إن مسؤولية المؤسسة الإعلامية تخص مسألة مسؤولية الشخص المعنوي الجنائية .
وقانون العقوبات الجزائري ينص في أحكامه على عقاب الشخص المعنوي كحل الشخص الاعتباري ومصادرة الأموال والمعدات كعقوبة تكميلية للعقوبة الأصلية التي تسلط على الممثل القانوني له والذي هو في هذه الحالة المسير للمؤسسة الإعلامية .
وحل الشخص الاعتباري يعني عدم الاستمرار في نشاطه حتى ولو كان تحت اسم آخر آو بإدارة من قبل أشخاص جدد مديرين كانوا أم مسيرين أو أعضاء مجلس إدارة .
وقانون الإعلام لم يشذ على هذه القاعدة ، بحيث انه لم يحمل المسؤولية مباشرة إلى المؤسسة الإعلامية وإنما نص على انه يمكن للمحكمة بعد إدانة الفاعلين الأصليين والشركاء في الجريمة ومعاقبتهم إن تأمر بغلق المؤسسة الإعلامية بصفة مؤقتة أو نهائية أو حجز ومصادرة جميع الوسائل التي تملكتها المؤسسة والتي استعملت في ارتكاب الجريمة ولذا تكون الإجراءات التي تتخذ ضد المؤسسة الإعلامية هي عقوبات تكميلية وليست عقوبات أصلية . وعدم نص المشرع على مسؤولية المؤسسة الإعلامية في قانون الإعلام حسب اعتقادنا هو أن العقوبة التكميلية المسلطة عليها تكفي كعقوبة لها ولا بد أن تكون العقوبة الأصلية على الشخص التي يديرها – مدير المؤسسة الإعلامية - لان هذا الأخير قد يفلت من العقاب إذا قلنا بمسؤولية المؤسسة الإعلامية .

المطلب الثاني: المسؤولية المدنية :
أولا : أساسها في حالة القذف العادي :
أن إتيان أي فعل مجرما قانونا يترتب عنه المسؤولية الجزائية وقد تترتب عنه أيضا المسؤولية المدنية وهي القاعدة العامة في المسؤولية وتترتب المسؤولية المدنية للقاذف في حالة القذف العادي فيمكن للضحية طلب التعويض عن كافة أوجه الضرر سواء كانت مادية أو جثمانية أو أدبية ما دامت ناجمة عن الوقائع موضوع الدعوى الجزائية طبقا للمواد 239.3.2من قانون الإجراءات الجزائية.






ثانيا : أساسها حالة القذف المرتكب بواسطة النشر .
ولقدعلمنا أن قانون الإعلام قد رتب المسؤولية الجزائية سواء كانت هذه المسؤولية مسؤولية الفاعل الأصلي ، أو مسؤولية الشريك ، فانه نص أيضا على المسؤولية المدنية لكل منهما .
فقد جاء في المادة 45 من هذا القانون انه ( يمكن لكل شخص نشر عنه خبر يتضمن وقائع غير صحيحة او مزاعم مسيئة من شأنها أن تلحق به ضررا معنويا آو ماديا ، إن يستعمل حق الرد او يرفع دعوى قضائية ضد مدير الجهاز والصحافي المشتركين في المسؤولية ) .
فالشخص الذي نشرت أو بثت حوله إخبار أو معلومات كاذبة ومن شأنها المساس أو النيل من شرفه واعتباره . فإنها تسبب له ضررا معنويا أو ماديا ومن ثم يحق له اللجوء إلى جهة القضاء لإثبات مسؤولية كل من الصحافي ومدير الجهاز الإعلامي المدنية وطلب جبر الضرر ومسؤولية الصحافي والمدير في هذه الحالة هي مسؤولية المتبوع عن افعال تابعه .
فيعد الصحافي تابعا لمدير النشرية بحكم علاقة التبعية المتمثلة في عقد العمل ، ومن ثم تكون لمدير النشرية سلطة تامة في الرقابة والتوجيه والخضوع و إصدار الأوامر والتوجيهات إلى الصحافي ، ونصت على هذه مسؤولية المادة 136 من القانون المدني الجزائري .
وتقتضي المسؤولية عن أعمال التابع حسب المادة توافر شرطين: الأول قيام علاقة التبعية والثاني وقوع خطأ من التابع حال تأدية الوظيفة أو بسببها ما دام له سلطة فعلية عليه في الرقابة والتوجيه .
وعليه فان مسؤولية مدير النشرية بصفته متبوعا تقوم بمجرد قيام الصحافي بعمل غير مشروع ، حيث يعتدي على شرف وكرامة واعتبار الأفراد وهو يؤدي وظيفته تحت رقابته و إشرافه وتوجيهه .
ويتبين من الفقرة الأولى من نفس المادة أن الأساس القانوني لمسؤولية المتبوع عن أعمال التابع هو الخطأ المفترض فرضا لا يقبل إثبات العكس ، أي أن قرينة المسؤولية هنا قرينة قاطعة لا يجوز إقامة الدليل على عكسها ولذلك يستحيل على المتبوع دفع هذه المسؤولية .
ومن ثم فإذا قام الصحافي بعمل إعلامي قد مس فيه بشرف واعتبار الأشخاص أو بسمعة أو شرف الدولة ، فان مسؤولية مدير النشرية تقوم بمجرد قيام مسؤولية الصحافي ولا يمكن له أن ينفيها ، وتكون مسؤوليتهما متضامنة حيث يستطيع المتضرر أن يطلب التعويض من احدهما عن الضرر الذي لحق به سواء كان هذا الضرر ماديا أو معنويا حسب المادة 45 من قانون الإعلام .
و يتمثل التعويض بالنسبة للقذف المرتكب بواسطة النشر في حق الرد و التصحيح ، فحق الرد يكون وسيلة وقائية و هو حق لكل شخص مسمى أو معين في مقال جريدة لتقديم توضيحاته .
و بالنسبة للأشخاص المعنوية فيحق لها الرد بواسطة من يمثله أي رئيس السلم الإداري او الشركة أو الجمعية ... الخ .
و يمارس حق الرد ضمن شروط موضوعية وشكلية .
- الشروط الموضوعية :
o وجوب نشر الخبر في صحيفة او دورية أيا كان نطاق توزيعها .
o وجوب شمول الرد على الوقائع و التصريحات الواردة بالمقال سواء أكانت مقالا أو حديثا .
o لا يجوز الرد على الكتب و المطبوعات لصعوبة نشرها من جديد .
- الشروط الشكلية :
o نشر الرد في نفس المكان الذي نشر فيه المقال .
o ان يكون محررا باللغة التي حرر بها المقال و بنفس حروف المقال .
o ان يكون الرد خلال شهرين من تاريخ النشر حسب المادة 47 من قانون الإعلام اما إذا تجاوز هذه المدة فليس للمضرور إجبار مدير النشر على الرد .
o و يجب أن تنشر الصحيفة الرد في غضون يومين إبتداءا من تاريخ الشكوى
و ما يجب الإشارة إليه هو ان القانون لم يعط للشخص المضرور هذا الحق فقط بل سمح له في نفس الوقت برفع دعوى قضائية ضد مدير النشرية و كاتب المقال ، ويمكن لضحية القذف طلب التعويض النقدي و القاضي يقدر التعويض تقديرا كافيا لجبر الضرر و إعادة المضرور إلى الحالة التي كان عليها قبل حدوث النشر الضار بشرفه و اعتباره .
والضرر المادي الذي يصيب المتضرر يتمثل في الحط من مكانته الاجتماعية أو فقدان منصب عمله إذا كان عاملا أو إصابته بخسارة إذا كان يمارس التجارة أو مهنة حرة إلى غير ذلك من الأضرار المادية ، هذا إذا كان المتضرر فردا عاديا ، أما الأضرار المادية التي قد تصيب الدولة تتجلى خاصة في الخسارة التي تلحقها ، أما الضرر المعنوي فانه يتمثل فيما يصيب المتضرر في شرفه أو سمعته سواء كان هذا المتضرر شخصا عاديا او الدولة .
وللمحكمة السلطة الكاملة في تقدير التعويض ولا يخضع عملها لرقابة المحكمة العليا .

المبحث الثالث :أسباب الإباحة والإعفاء ومدى استفادة القاذف منها .
المطلب الأول: أسباب الإباحة والإعفاء وفقا للقواعد العامة .
أولا : أحكام المادة 39 من قانون العقوبات
تنص المادة 39 من قانون العقوبات الجزائري على أنه ( لا جريمة :إذا كان الفعل قد أمر أو أذن به القانون .إذا كان الفعل قد دفعت إليه الضرورة الحالة للدفاع الشرعي عن النفس أو عن الغير أو عن مال مملوك للشخص أو للغير بشرط أن يكون الدفاع متناسبا مع جسامة الاعتداء ).
المشرع الجزائري حصر أسباب الإباحة في الأفعال المبررة ، إضافة إلى ذلك نجد في التشريع المقارن حالتين لم يتطرق إليهما تشريعنا وهما حالة الضرورة ورضاء المجني عليه والسؤال الذي يطرح في قضية الحال هو : هل أن المادة 39 السابقة تطبق على جريمة القذف؟
مبدئيا نقول بما أن هذه الجريمة من جرائم القانون العام ، فهي تدخل في نطاق هذه المادة لكن يجب التريث قبل إصدار حكما قطعيا .
فجريمة القذف هي من الجرائم القولية والتعبيرية وليست جرائم النتيجة المادية .
- بالنسبة لحالة الدفاع الشرعي الواردة في المادة 39 ف2 فحقيقة نستبعدها ، كون أن المشرع الجزائري حسب رأينا يقرها في الجرائم المادية والتي تتسم بالاعتداء المادي- lagression – المجرم قانونا مثل السرقة والضرب ، ... الخ .
- أما فيما يخص الفعل الذي قد يأمر به القانون أو يأذن به فهنا مسألة أخرى كون أن الأفعال هنا تنزع عنها صفة التجريم فتصبح مباحة بشرط أن يكون القانون قد نص عليها صراحة أو أذن بها .
وخلاف للقانون المقارن ففي القانون المصري تعد أفعالا مباحة :
الطعن في أعمال الموظف أو من في حكمه (م 302 ف 2 ق.ع .مصري ) ، أخبار الحكام القضائيين أو الإداريين بأمر مستوجب لعقوبة فاعله (م 304)، الدفاع أمام المحاكم ، (م 309 ) ، القذف استعمالا لحق النقد.
أما في التشريع الفرنسي فيباح في حالة ما إذا أثبت القاذف صحة الواقعة ولكن بالشروط الواردة في المادة 35 من قانون الإعلام الفرنسي ، وقد تطرقنا إلى هذا سابقا ، كذلك في حالة الدفاع أمام المحاكم وكذلك حق النقد في حدود معينة .
وما يمكن أن نستنتجه أن المشرع الجزائري لم يأذن ولم يأمر بأي فعل من شأنه أن يشكل قذفا ومنحه صفة الفعل المبرر ، ونفس الأمر بالنسبة للاجتهاد القضائي الذي لم يتطرق إلى هذه المسألة وعلى هذا الأساس وكخلاصة مبدئية فإن التشريع الجزائري لا يقر بأسباب الإباحة بالنسبة لجرائم القذف غير أنه إذا ما طرحت المسألة أو قضية من هذا القبيل على المحاكم حسب رأينا يمكن أن نتصور حلا قانونا إذا ما أثيرا دفعا من طرف المتهم في هذا المجال مع الأخذ بعين الاعتبار أنه يجب على القاضي الجزائي في هذه الحالة التقيد بالتفسير الضيق وهو المبدأ الذي يحكم القانون الجزائي.
فمثلا حالة النقد أو الدفاع أمام المحاكم ، فإذ أثيرت دفوعا على هذا الأساس فوفقا للقواعد الموضوعية التي تحكم جريمة القذف ، فإذا رأي قاضي الموضوع محلا لتوافر أركان الجريمة السابق ذكرها وله السلطة التقديرية في بعض المواطن القانونية فيصرح بالإدانة، أما إذا انعدمت أركان الجريمة وكانت في إطار حق النقد أو الدفاع أمام المحكمة فيجب أن يكون حكمه معلل ومسببا على أساس انعدام ركن من أركان الجريمة، مثلا وليس باعتبار أن هذا الفعل يدخل في نطاق أسباب الإباحة التي لم ينص عليها المشرع إطلاقا .
ثانيا : أحكام المادة 463 فقرة 2 من قانون العقوبات .
تنص المادة 463 من ق.ع ف 2 (... كل من أبتدر أحد الأشخاص بألفاظ سباب غير علنية دون أن يكون قد أستفزه ) .
تتعلق هذه المادة بالسب غير العلني، و يلاحظ أن المشرع أخذ بعذر الاستفزاز كعذر معفي في هذه الحالة أي في حالة المخالفة فقط ، غير أن الإشكال يثور حول مسألة الإثبات ، فالقضاء يتعذر عليه معرفة من بدأ بالسب وعبء الإثبات هنا يقع على من يدعى عذر الاستفزاز ونظرا لهذا غالبا ما يستبعد تطبيق عذر الاستفزاز في الواقع العملي فنجد المتابعة في هذه الحالة تتم على أساس السب العلني المتبادل.
أما بالنسبة للقذف سواء العلني أو غير العلني ، فالمشرع لم يقر بعذر الاستفزاز ، غير أنه بما أن العمل القضائي يطبق أحكام السب الغير العلني من حيث الجزاء والوصف فالسؤال الذي يطرح هل يجوز تطبيق هذا العذر في حالة القذف الغير العلني ؟.
فحقيقة أن القياس مستبعد في القانون الجزائي ، إلا أنه وفي هذه الحالة إذا طبقنا العذر المعفي فإنه أصلح للمتهم إضافة إلى ذلك أن نية المشرع الجزائري اتجهت إلى إباحة الفعل في حالة الاستفزاز كون قصد العلنية متخلفة في حالة المادة 463 ف2 والتي من شأنها المساس بشرف واعتبار الشخص لدى العام وهذا يعتبر أقل ضررا لو أنها توفرت .
إذن حسب الاعتبارين السابقين واللذان توصلت إليهما فإن حسب رأيي يجوز تطبيق عذر استفزاز في حالة القذف الغير العلني ، غير أنه يبقى رأي محل نقاش .




المطلب الثاني : أسباب الإباحة والإعفاء وفقا للقواعد الخاصة.
أولا : صحة الواقعة المسندة .
المشرع الجزائري لا يعتد بصحة الواقعة المسندة ، فالقانون يعاقب على مجرد إسناد صحت وقائعه أم كانت كاذبة ، وهذا ما يميز التشريع الجزائري عن التشريعين الفرنسي والمصري اللذان يشترطان عدا حالات خاصة ، عدم صحة الوقائع المسندة .
غير أنه يستشف من بعض قرارات المحكمة العليا أنها تميل إلى الأخذ بصحة الواقعة كسبب لإباحة القذف ، وهكذا قضي بأنه لا يقع تحت طائلة القانون إسناد الادعاء بواقعة إلا إذا لم يتمكن صاحب الادعاء من إثبات ادعائه ومن ثم يتعرض للنقض القرار الذي لم يبرز أن الواقعة محل الشكوى غير حقيقية .م.ق2 قرار 02/11/1999 ملف رقم 195535 : غ منشور .
وفي قرار آخر جاء فيه أن جريمة القذف تقوم في حق المتهم مادام التحقيق قد أثبت عدم صحة الواقعة التي أسندها المجني عليه غ. ج .م .ق 2 قرار في :07/09/1999 ملف رقم 179811 غير منشور .
ويبدو من خلال القرارين المذكورين أعلاه أن المحكمة العليا أضافت إلى أركان جريمة القذف ركنا جديدا غير وارد في المادة 296 ق.ع ولا في المادة 298 ق.ع . ويتعلق الأمر بعدم صحة الواقعة المسندة للمجني عليه وهو اتجاه لا يتفق وأحكام قانون العقوبات الجزائري الذي لا يشترط لقيام القذف عدم صحة الواقعة المسندة وهذا ما أشار إليه بعض شراح القانون الجزائري .
ثانيا : الحصانة البرلمانية :
والنقطة ما قبل الأخيرة التي نتطرق لها هي مسألة الحصانة البرلمانية المتعلقة بالنواب في المجلس الشعبي الوطني وكذا أعضاء مجلس الأمة طبقا للمادة 109 من الدستور ، والتي تنص في فقرتها الثانية انه *لا يمكن أن يتابعوا او ترفع عليهم دعوى جزائية بسبب ما عبروا عنه من أراء او ما تلفظوا به من كلام* ، وعليه يمكن القول بأن العبارات التي قد تلفظ بها النواب على مستوى الغرفتين أو الآراء التي يبدونها قد تكون منطوية على مساس أو خدش للشرف أو الاعتبار وذلك قد يشكل قذفا ، فالسؤال الذي يطرح : هل تدخل هذه الآراء و الألفاظ في نطاق الأفعال المبررة ? والجواب هو أنها لا تعتبر أفعالا مبررة من منظور المادة 39 من قانون العقوبات لاسيما الفقرة الأولى منها ، وإنما هي امتداد لأثر الحصانة البرلمانية التي يتمتع بها النائب فهناك نحن أمام قيد يرد به رفع الدعوى العمومية أو المتابعة الجزائية فقط ، وما يؤكد قولنا هو ما نصت عليه المادة 110 من الدستور بقولها ( لا يجوز الشروع في متابعة أي نائب او عضو في مجلس الأمة بسبب جريمة او جنحة إلا بتنازل صريح منه أو بإذن .. الخ ) .
وبالتالي إذا كان هناك تنازل صريح من النائب أو إذن من الهيئة المختصة برفع الحصانة البرلمانية ، فتتم متابعة النائب جزائيا على أساس القذف فلا مجال لأسباب الإباحة في هذه الحالة.
ثالثا : حق النقد المباح
عرفته محكمة النقض المصرية ( بأنه إبداء الرأي في أمر أو عمل دون المساس بشخص صاحب الأمر، أو العمل بغية التشهير به ، أو الحط من كرامته ، فإذا تجاوز هذا الحد وجب العقاب عليه باعتباره فدف أو سب أو اهانة حسب الأحوال ) .
ولهذا الحق شروط وهي :.
1- أن يستند النقد إلى واقعة ثابتة ومعلومة للجمهور أي أن لا تكون الواقعة من صنع الخيال و أن لا تكون الواقعة سرية .
2- أن تكون الواقعة ذات أهمية بالنسبة للجمهور .
3- أن تكون عبارات النقد ملائمة للواقعة أي لا يجوز أن يكون النقد مبررا للشتم أو التشهير أو التجريح .
4- أن يكون النقد قائما على حسن النية اتجاه الواقعة أي اعتقاد الناقد بصحة الرأي الذي يبديه ولا يهم إن كان صائبا أو خاطئا وان يكون النقد يهدف إلى المصلحة العامة .


الفصل الثاني : القواعد الإجرائية لجريمة القذف :
المبحث الأول : إجراءات المتابعة :
تثير المتابعة من أجل جريمة القذف عدة مسائل في بالغ الأهمية :
المطلب الأول : الشكوى:
نشير أولا إلى أن قانون العقوبات الجزائري قبل تعديله بموجب القانون 01/09 المؤرخ في 26/06/2001 لم يكن يستوجب شكوى في هذا المجال ، ولكن إثر هذا التعديل نصت المادتان 144 مكرر 144 مكرر 2 ق.ع بصفة صريحة أنه في حالة القذف الموجه إلى رئيس الجمهورية أو إلى الرسول صلي الله عليه وسلم أو بقية الأنبياء أو الاستهزاء بالدين أو بأي شعيرة من شعائر الإسلام ، فإن المتابعة تباشر ها النيابة العامة بصفة تلقائية ، في حين إذا اطلعنا على المادة 146المعدلة بموجب القانون السابق الذكر فإنها لم تتضمن ما يشير بأن المتابعة الجزائية تكون تلقائية في حالة القذف الموجه إلى البرلمان أو إحدى غرفتيه أو ضد المحاكم والمجالس القضائية أو ضد الجيش الوطني الشعبي أو أية هيئة نظامية أو عمومية .
مبدئيا يمكن القول بأن هناك استنتاج منطقي وسليم ،و ذلك باقتران المادة 146 بالمادتين 144 مكرر و 144 مكرر 2 وذلك على النحو التالي :
فعندما يتعلق الأمر برئيس الجمهورية أو الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو باقي الأنبياء وكذا شعائر الدين الإسلامي ، فالمتابعة تكون تلقائية ، أما بالنسبة للحالات الأخرى الواردة في المادة 146 تكون المتابعة بناء على شكوى.
غير أنه إذا رجعنا إلى المادة 296 وما يليها ، نجد أن هذا الاستنتاج لا يستقيم من الناحية القانونية ، كون أن هذه النصوص المتعلقة بالقذف لا تشترط شكوى المجني عليه ، وهذا بخلاف التشريع الفرنسي الذي يشترط الشكوى بصريح نص المادة 48 من قانون الإعلام ، وقد سايره المشرع المصري في ذلك ورفع الشكوى في إطار هذين التشريعين يكون من طرف المجني عليه أو من قبل نائبه القانوني والتنازل عن الشكوى يضع حدا للمتابعة .
إذن نلاحظ أن المشرع خرج على ما هو ساري به العمل في التشريع المقارن غير أننا يمكن أن نبين معالم المتابعة من أجل القذف في ضل التشريع الجزائري على ضوء المواد السابقة وفقا لما يلي :
أولا : المتابعة التلقائية :
إذا كان القذف موجها إلى رئيس الجمهورية أو إلى الرسول ( ص) أو بقية الأنبياء أو الدين أو لأية شعيرة من شعائر الإسلام : يكون على النيابة العامة مباشرة المتابعة تلقائيا أي تخضع المتابعة لمبدأ الشرعية وليس للنيابة سلطة الملائمة .
ثانيا : المتابعة بناءا على شكوى:
وتشمل الهيئات العمومية والنظامية والأفراد ، فتكون المتابعة بناءا على شكوى المجني عليه وإما بمبادرة من النيابة وهنا للنيابة سلطة ملائمة المتابعة ، غير أنه إذا تمت المتابعة بناء على شكوى المجني عليه فإن سحب شكواه لا يوقف المتابعة لأن المشرع لم يعلق المتابعة على شكوى ، وقضاء المحكمة العليا مستقر في هذا المجال ( عدا الحالات الاستثنائية المنصوص عليها في القانون ، لا تتأثر الدعوى العمومية بسحب شكوى الضحية).
والمشرع الجزائري بعدم اشتراطه شكوى المجني عليه يكون قد خرج على ما هو معمول به في القانون المقارن حيث توقف جل التشريعات المتابعة الجزائية على شكوى المجني عليه أو ممثله ولكن برغم جميع ما تقدم نجد أن العمل القضائي يسير في اتجاه مخالف لما أقره قانون العقوبات حيث أننا لم نلاحظ أي قضية تتعلق بالقذف تمت المتابعة الجزائية فيها بصورة تلقائية من النيابة وإنما جميع المتابعات تتم بناء على شكوى المضرور ، بل أن الأمر يتعدى ذلك حيث أن حتى القذف الموجه إلى رئيس الجمهورية والتي جاء التعديل من أجل التشديد سواء من حيث العقوبة أو من حيث التأكيد على أن المتابعة الجزائية يجب أن تكون تلقائية من طرف النيابة العامة ولكننا في الواقع العملي لا نجد ذلك محققا فكم هي الجرائد التي تظهر الرسوم التي قد تشكل مساسا بشرفه أو اعتباره ومع ذلك لا تتحرك النيابة من أجل متابعة الفاعلين فما السبب في ذلك ؟.
إن الإجابة على مثل هذا السؤال لا يمكن أن تكون جازمة ولكن يبدو أن القضاة متأثرين بالقانون المقارن وخاصة المصري والفرنسي حيث أنه لا يجوز رفع الدعوى العمومية في جرائم الاعتبار في القانون المصري إلا بناء على شكوى المجني عليه إلى النيابة العامة أو إلى أحد مأموري الضبط القضائي ، وتسري هذه الجرائم قواعد الشكوى والتنازل وتنقضي هذه الدعوى بتنازل مقدم الشكوى في أي وقت إلى أن يصدر في الدعوى حكم نهائي.
وفي القانون الفرنسي تشترط المادة 48 من قانون الأعلام شكوى المجني عليه أو من ينوب عنه قانونا ، وتوقف المتابعة بسحب الشكوى م 49.
والجدير بالذكر في إطار الإجراءات انه نظرا للخصوصية التي تتميز بها جريمة القذف كجريمة إعلامية و صحفية فان المشرع الإجرائي أضفى نوعا من الخصوصية فيما يخص إجراءات المتابعة ، حول هذه الجريمة وهو الأمر الذي يظهر من خلال المادة 59 من قانون الإجراءات الجزائية الفقرة 04 التي تمنع صراحة اتخاذ إجراءات التلبس بشأن جرائم الصحافة .
وقد رسم المشرع الجزائري لضحية القدف طريقا اخر يتمثل في تكليف المتهم مباشرة بالحضور امام المحكمة طبقا للمادة 337مكرر من قانون الاجراءات الجزائية



المطلب الثاني : التقادم .
بالرجوع إلى قانوني العقوبات والإعلام لاسيما المواد المتعلقة بهذه الجريمة ، لا نلمس منها بأن المشرع الجزائري قد نص على مدة معينة لتقادم جرائم القذف ، وقد سايره القضاء في ذلك بحيث أنه لم يتعرض لهذه المسألة ، وعلى هذا الأساس لا يمكننا الخروج عن القواعد العامة الواردة في قانون الإجراءات الجزائرية فإذا لحق بجريمة القذف وصف الجنحة ، وطبقا م 8 ق أ.ج ، تتقادم الدعوى العمومية فيها بمرور ثلاث سنوات من تاريخ اقترافها إذا لم يتخذ في تلك الفترة أي إجراء التحقيق أو المتابعة .
أما في حالة المخالفة فتنص المادة 9 من ق أ ج ،على أن مدة التقادم تكون بمضي سنتين كاملتين ويتبع في شأنها الحكم السابق ذكره في حالة الجنحة.
ونشير هنا بأن التقادم من النظام العام يمكن إثارته في كافة مراحل الدعوى طبقا للقرار الصادر عن المحكمة العليا ( جنائي 30/04/1981 مجموعة قرارات غ.ج .ص.92 )، ولو لأول مرة أمام هذه الهيئة .
وبخلاف التشريع الجزائري ، فإن معظم التشريعات المقارنة نصت على مهلة جد قصيرة ، نظرا لكون أن هاتين الجريمتين تمتاز بخصوصيات معينة فنجد أن التشريع المصري نص على أنه لا تقبل الشكوى بعد ثلاثة أشهر من يوم علم المجني عليه بالجريمة ومرتكبها ، كما حدد القانون الفرنسي مدة التقادم بثلاثة أشهر من تاريخ ارتكابها (م 65 من قانون الإعلام).
وقد بين بداية حساب التقادم : مثلا في حالة إعادة نشر الكتاب فالمدة تحسب من بيع كل طبعة جديدة للكتاب ، و بالنسبة لجريدة يومية فمن يوم النشر ،و جريدة شهرية فمن اليوم الأول للشهر ، أما الرسالة من تاريخ استلامها .
ويفترض القانون بذلك تنازل المجني عليه عن حقه في الشكوى
المطلب الثالث : الاختصاص.
نتناول هنا نوعين من الاختصاص هما المحلي والنوعي .
أولا: الاختصاص المحلي:
بالرجوع إلى القاعدة العامة أي قانون الإجراءات الجزائية حيث تنص المادة 329 فقرة 01( تختص محليا بالنظر في الجنحة محكمة محل الجريمة أو محل إقامة أحد المتهمين أو شركائهم أو محل القبض عليهم ولو كان هذا القبض قد وقع لسبب آخر) ونصت المادة 37 من نفس القانون على نفس القواعد التي تحكم الاختصاص المحلي فيما يخص وكيل الجمهورية .
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هل أن هذه القواعد العامة تنطبق على جريمة القذف ؟
الجواب هو: أنه لم يتضمن قانون العقوبات ولا قانون الإعلام قواعد للاختصاص المحلي خاصة بجريمة القذف مما يجعل هذه الجريمة تخضع للقواعد العامة للاختصاص المحلي المنصوص عليه أعلاه .
ويثار الإشكال إذا ارتكبت الجريمة بواسطة الصحافة المكتوبة غير أن هذا تم حسمه من طرف القضاء الفرنسي بالاستقرار على أن الاختصاص يكون بالنسبة للصحافة المكتوبة لكل محكمة تقرأ الصحيفة في دائرة اختصاصها ، ولكل محكمة تلتقط فيها الإذاعة بالنسبة للصحافة المسموعة ، غير أنه لا يجوز أن تتم المتابعة من أجل نفس الواقعة أمام محكمتين في آن واحد ، ففي قرار صادر عن المحكمة العليا جاء فيه أنه *ينعقد الاختصاص المحلي في جرائم القذف عن طريق الصحافة المكتوبة أو المسموعة أو المرئية* لكل محكمة قرأت بدائرة اختصاصها الجريدة أو سمعت فيها الحصة الإذاعية أو شهدت فيها الحصة المرئية *، وهذا ما تبنته المحكمة العليا في قضية يومية الخبر حيث قضت في قرارها الصادر في 17/07/2001 بأن *جنحة القذف بواسطة النشر في يومية إخبارية تعتبر بأنها ارتكبت في جميع الأماكن التي توزع فيها اليومية والتي من المحتمل أن يقرأ فيها الخبر* قرار غ.ج.م.ق 2 ملف 240983 غير منشور : حيث نقضت المحكمة العليا قرارا صادرا عن مجلس قضاء قسنطينة بعدم اختصاص بمحكمة قسنطينة بالنظر في جنحة القذف المنسوبة لمدير يومية الخبر بدعوى أن الاختصاص المحلي يؤول إلى المحكمة التي يوجد في دائرة اختصاصها المقر الاجتماعي لمؤسسة الخبر أي الجزائر العاصمة أما إذا ارتكبت الجريمة بواسطة رسالة أو الهاتف فالمستقر عليه في فرنسا والجزائر أن المحكمة المختصة هي تلك التي استلمت الرسالة أو استقبلت المكالمة الهاتفية في دائرة اختصاصها. ففي قرار صادر عن المحكمة العليا جاء فيه ( أنه من المقرر قانونا أن مكان ارتكاب جريمة القذف بواسطة رسالة خاصة مبعوثة من مكان إلى أخر إلى الشخص المعني بالقذف ، هو المكان الذي استلمت وقرأت فيه هذه الرسالة من طرف الشخص الذي بعثت إليه) .
أما إذا ارتكبت جريمة القذف بواسطة الجهر بالقول أو الصياح في مكان عمومي سواء بطبيعته أو بالمصادفة أو بالتخصيص فمنطقيا فإن المحكمة الواقع في دائرة اختصاصها هذا المكان هي صاحبة الاختصاص.
ثانيا : الاختصاص النوعي :
فيما يتعلق بهذه المسألة فالتشريع الجزائري واضح ، فيعتبر جهة القضاء الجزائي هي المختصة بالنظر في جرائم القذف.
غير أن جهة القضاء الجزائي تتضمن محكمة الجنح والمخالفات والجنايات ، وهذه الأخيرة مستبعدة كون أن قانون العقوبات الجزائري أفضي وصف الجنحة والمخالفة فقط على جريمة القذف .
فيختص قسم الجنح طبقا للمادة 328 ق.أ.ج حالة وصف الجنحة .
ويختص قسم المخالفات حالة جريمة القذف التي تخلفت فيها العلنية .
ويختص قسم الأحداث حالة المخالفة مرتكبة من قبل الحدث طبقا للمادة 446 من ق.إ.ج.
المبحث الثاني :إثبات الجريمة و تسبيب الحكم فيها .
المطلب الأول: إثبات الجريمة .
عبء الإثبات في المواد الجزائية يقع على عاتق المتهم وهو سلطة الاتهام والمتمثلة في النيابة وبالتبعية على المدعى المدني وإن كان هذا الأخير ليس منوطا أصلا بهذا العبء فيقتصر دوره على تنوير المحكمة وذلك بسرد الوقائع والمطالبة بالتعويض ، والنيابة تقوم بجمع عناصر الإثبات باعتبارها ممثلة عن المجتمع يهمها إثبات براءة البريء كما يهمها إدانة المدان .
ومن بين الأسئلة التي تطرح ، ماذا تثبت سلطة الاتهام في جريمة القذف ؟ ، وهل وسائل الإثبات مقيدة ؟ ، وما هو موقف القاضي الجزائي من الأدلة المعروضة عليه ؟ .
أولا : إثبات سلطة الاتهام :
- سلطة الاتهام تثبت أركان الجريمة السابقة من فعل الإسناد وركن العلنية ، أما القصد الجنائي هو مفترض وبالتالي على المتهم إثبات حسن نيته .
- فالإثبات يقع على فعل الإسناد المتمثل في إسناد واقعة مشينة للمجني عليه هذا أولا أما ثانيا تثبت النيابة ركن العلنية وهذا الركن مهم جدا فهو يحدد إما جنحة أو مخالفة .
ثانيا : وسائل الإثبات :
- أما بالنسبة لوسائل الإثبات فتعتبر حرية الإثبات ميزة لنظرية الإثبات الجنائي وبالرجوع إلى التشريع الجزائري لم يخصص المشرع طرقا خاصة لإثبات جريمة القذف فإنما أخضعها للقواعد العامة ، حيث نصت المادة 212 ق . ا.ج (على أنه يجوز إثبات الجرائم بأي طريق من طرق الإثبات ماعدا الأحوال التي ينص فيها القانون على غير ذلك ، وللقاضي أن يصدر حكمه تبعا لاقتناعه الخاص ) ، وبمفهوم المخالفة فإن جريمة القذف ليست من الجرائم التي نص القانون فيها على طرق الإثبات الخاصة وعليه فهي تدخل ضمن المادة 212 ق.إ.ج.
ومنه نستنتج أن القانون الجزائري لا يشترط لإثبات وقائع القذف دليلا معينا بل يجوز إثباتها بكافة الطرق بما فيها شهادة الشهود والقرائن .
وعلى هذا الأساس يمكن إثبات قصد العلانية بالقرائن ، وعبارات القذف بواسطة شهادة الشهود كما يمكن الإثبات بأن توزيع المنشورات أو الكتب حصل بدون تمييز بين عدد من الناس وأن المتهم نوى إذاعة ما هو مكتوب، كما يكفي النيابة أن تثبت توافر العلانية بمجرد إثبات صفة المكان ، مثل الجهر بالقول في مكان عمومي بطبيعته، فيكون دليل الإثبات اعتراف المتهم بأنه تلفظ بذلك في حديقة عمومية مثلا.
كما يمكن الاعتماد على جريدة يومية كدليل للإثبات بشرط تحديد اسمها وتاريخ صدورها وعددها ، فصدور المقال يعتبر كدليل على حصول الإذاعة أي توافر العلنية ، أما قصد الإذاعة فيستنبط من الظروف المحيطة بالواقعة ، ويمكن الاعتماد على تسجيل صوتي لمقطع من العبارات التي تم إذاعتها .
كما يعتبر طريقا للإثبات الشهادة مثلا: شخصان كانا في مكتبة عمومية (محل خاص) سمعا صدور عبارات من الجاني اتجاه المجني عليه ينسب إليه مثلا واقعة إتلاف وسرقة الكتب وكان يردد هذه العبارات بواسطة الجهر بالقول والصياح معا في آن واحد ، ففي هذا المثال العلنية متوافرة كون أن الجهر بالقول أو الصياح صدر في مكان خاص غير أنه تحول إلى مكان عمومي بالتخصيص بمجرد أن سمع من كان بالمكتبة من الجمهور هذه العبارات والتي يؤكدها الشاهدين اللذان كانا متواجدين في المكتبة ، إذن فالعلانية هنا كوصف قد تحققت ويبقى قصد الإذاعة ، وهذه المسألة تستنبطها محكمة الموضوع من ظروف الواقع .
والمتهم له كافة لطرق لإثبات حسن نيته .
ثالثا : موقف القاضي الجزائي من الأدلة المعروضة عليه :
أما الإجابة عن السؤال المتعلق بموقف قاضي الموضوع من الأدلة المطروحة عليه فنجد المادة 212 السابقة ، أعطت للقاضي الحرية في أن يصدر حكمه تبعا لاقتناعه الشخصي وعليه فله الحرية الكاملة في تقدير عناصر الإثبات.
فالقاضي يقدر بكل حرية الأدلة المعروضة عليه تقديرا منطقيا ومسببا لكن عليه حين النطق بالحكم سواء بالإدانة أو البراءة أن يبين الأدلة التي أعتمد عليها في حكمه ، وله أن يأخذ بشهادة شاهد ويستغني عن سماع شاهد أخر كما له كامل السلطة في تقدير الاعتراف ، و له أن يعتمد على المحررات كدليل للعلانية أو يستبعدها .
وكخلاصة لهذه المسألة نقول أن التشريع الجزائري أخضع الإثبات في جريمة القذف إلى القواعد العامة وعبء الإثبات أصلا يقع على النيابة وبالتبعية على المدعى المدني وأن إثبات هذه الجرائم يجوز بكافة طرق الإثبات ، ولقاضي الموضوع الحرية في استخلاص الدليل وتقديره طبقا لمبدأ الاقتناع الشخصي للقاضي الجزائي.
المطلب الثاني : تسبيب الحكم.
الحكم الجزائي لابد أن يتضمن بيانا كافيا للواقعة المسندة إلى المتهم فضلا عن بيانات أخرى ، بالإضافة إلى الأسباب التي بني عليها .
وحسب المادة 379 ق.إ.ج .ووفقا لمسايرة القضاء لذلك تطرقت المحكمة العليا في قرار لها إلى أعطاء تعريف الأسباب (الأسباب هي الحيثيات التي يستند إليها القاضي للتدليل على النتيجة التي يصل إليها في منطوق حكمه ، ولقد استلزم المشرع في المادة 379 من ق.أ.ج أن تشمل الأحكام والقرارات الصادرة من الجهات القضائية الفاصلة في الجنح والمخالفات على الأسباب وذلك تحت طائلة البطلان).
فلا بد بيان الواقعة ، وبيان الظروف التي وقعت فيها ، والعلة من تسبيب الأحكام ضمان لحسن سير العدالة وإعطاء لصاحبه رقابة مباشرة على أن المحكمة قد ألمت بوجهة نظره في الدعوى وكذلك حتى تتمكن المحكمة العليا من ممارسة رقابتها .
و لا يمكن الاكتفاء بالإحالة إلى ملف الدعوى أو القول أن التهمة ثابتة دون تبيان عناصرها ، أو تسبيب الحكم عل وجود قرائن متماسكة تدين المتهم وذلك بدون إبرازها أو تحديدها .
وهو ما أكدته المحكمة العليا في قرارها (لا يعتبر كافيا مجرد القول لأنه يستخلص من أوراق ملف القضية وجود قرائن كافية للإدانة). :
وقياسا على ما سبق لابد أن يتضمن الحكم الصادر في جريمة القذف أركانها كاملة. لكن ما لحظناه خلال التربص أن جل الأحكام تتخلف فيها هذه الأركان وتكتفي بالعبارات فقط .
إنما يتعين إثباته في حكم الإدانة : عبارات القذف وعلانية الإسناد.
أولا : عبارات القذف :
لابد على القاضي أن يثبت في حكمه ألفاظ القذف حتى تتسن الرقابة .
فأحيانا يقع خلط بين جريمة القذف وجريمة السب فقد تكون العبارات منطوية على سب وتكيف على أساس أنها جريمة قذف ، فبذكر هذه العبارات أو الألفاظ يمكن للمحكمة العليا فرض رقابتها على التكييف الصحيح وإعطاء تأويل صحيح للعبارات خاصة إذا جاءت بشكل غير مباشر أو على سبيل التلميح ، أي أن دورها يكمن في مراقبة القاضي في صحة ما يستخلصه منها .
إذن لابد إبراز عبارات القذف في الحكم ولا يكفي في الإحالة على محضر الضبطية أو التحقيق
ففي قرارها الصادر بتاريخ 21-11-2000 غ . م .ج .ق 2 ملف رقم 220184 غير منشور نقضت فيه المحكمة العليا قرار كونه لم يحدد عناصر الجريمة ، وجاء فيه ( كان على قضاة المجلس تحديد الأفعال أو السلوكات والعبارات التي مست بشرف واعتبار الشخص) .
كما نقضت من جهة أخرى قرارا أدان المتهم بالقذف استنادا إلى السبب الأتي ( حيث يتبين من الملف ومن المناقشة التي دارت في الجلسة أن تهمة القذف متوفرة الأركان في قضية الحال مما يتعين إدانة المتهم بهذه التهمة ) قرار في 21-09-1999 غ .ج .م .ق 2 ملف رقم 199887 غير منشور .
ثانيا : بيان علانية الإسناد:
بموجب هذا الركن يتحدد الوصف القانوني للجريمة إما مخالفة أو جنحة .
فيلزم حكم الإدانة بأن يثبت علانية إسناد المتهم في القذف ، وقاضي الموضوع لابد أن يبين الوقائع التي تم استخلاص منها هذه العلانية وله السلطة في تقدير الوقائع المادية.
ولا بد ذكر طريقة تحقق العلانية في الحكم فمثلا إذا كانت وسيلة العلانية هي القول تلزم المحكمة أن تبين ما إذا كان محل الجهر أهو مكان عمومي أم مكان خاص ، مع تحديد وصف هذا الأخير بدقة.
وإذا كانت العلانية عن طريق النشر في الجرائد تعين عليها أن تشير إلى اسم الجريدة ، عددها ، وتاريخ النشر، وإذا كانت العلانية عن طريق إعلان حائطي ، يجب أن يبين مضمون هذا الإعلان ومكان عرضه للأنظار ومدى تمكن الجمهور من الإطلاع عليه وعددهم الأدنى إن أمكن ذلك ... الخ.
إن إغفال بيان ركن العلانية يعيب الحكم ويستوجب نقضه والمحكمة العليا مستقرة في هذا الاتجاه كون أن عدم إبراز العلانية في الحكم يعتبر قصورا .
أما في ما يتعلق بالركن المعنوي ومدى إلزامية إبرازه في حكم الإدانة ، فإن التشريع الجزائري يعتبره (القصد الجنائي العام) مفترض في جريمة القذف ، وقد استقر جل الفقهاء والقانونين على أن القاضي غير ملزم ببيانه في أسباب الحكم ، وبالتالي فإن عدم ابرز هذا الركن لا يؤدي إلى القصور في التسبيب .
المبحث الثالث : الجزاء .
لم يكن قانون العقوبات الجزائري يعاقب على القذف الموجه إلى الهيئات رغم تجريمه في المادة 296 منه وجاء قانون 01/09 المعدل من قانون العقوبات بعقوبة لهاته الهيئات .
المطلب الأول : عقوبة القذف الموجه للأفراد:
أولا : الأفراد الطبعيين :
ويقصد بالإفراد الأشخاص المطبعيين إذ يعاقب القانون على القذف بالنسبة لهذه الفئة بالحبس من شهرين إلى ستة أشهر وبغرامة من 250.00 إلى 500.000 دج .أو بإحدى هاتين العقوبتين حسب المادة 298 ق.ع . و يضع صفح الضحية حدا للمتابعة الجزائية .


ثانيا : الأفراد المنتمون لمجموعة أو دين :
أما في حالة القذف الموجه إلى شخص أو أكثر ينتمون إلى مجموعة عرقية أو مذهبية أو إلى دين معين وكان الغرض منه التحريض على الكراهية بين مواطنين ، فتكون العقوبة الحبس من شهر إلى سنة وبغرامة من 10.000 دج إلى 100.000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين طبقا لأحكام المادة 298 ف2 ق.ع.
وتجدر الإشارة أن هذه العقوبات هي عقوبات جريمة القذف المنطوية على وصف الجنحة أما في حالة المخالفة فكما سبق وأن أشرنا فإن التشريع الجزائري لم يتطرق إلى هذه الحالة تاركا فراغا قانونيا ، غير أنه تطبق المادة 463 ف2 وفقا ما استقر عليه العمل القضائي وبالتالي العقوبة تكون الغرامة من 3000 إلى 6000 دج كما أجاز المشرع أن يعاقب الجاني بالحبس لمدة ثلاثة أيام على الأكثر طبقا للمادة 463 المعدلة .
المطلب الثاني : عقوبة القذف الموجه إلى رئيس الجمهورية والهيئات .
بالرجوع إلى المواد 144 مكرر و 146 المستحدثة أو المعدلة تطبق على الإساءة إلى رئيس الجمهورية عن طريق القذف أو على الإساءة إلى الرسول ( ص) والأنبياء الآخرين وشعائر الدين الإسلامي وعلى القذف الموجه إلى الهيئات العقوبات الآتية:
أولا : عقوبة الإساءة إلى رئيس الجمهورية عن طريق القذف : الحبس من 3 أشهر إلى 12 شهرا وغرامة من 50.000 إلى 500.000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط . وتضاعف هاته العقوبات في حالة العود حسب المادة 144 مكرر ق.ع.
والعقوبة هنا مهما كانت طريقة القذف سواء بالكتابة أو الرسم أو التصريح أو بأية آلية لبث الصوت أو الصورة أو بأية وسيلة الكترونية أو معلوماتية أو إعلامية أخرى .
ثانيا : عقوبة القذف الموجه إلى الهيئات : الحبس من 3أشهر إلى 12 شهرا وبغرامة من 50.000 دج إلى 500.000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط ، حسب المادتان/ 141 مكرر و/ 146مكرر 1 و اللتان أشارت إليهما المادة 146 وتضاعف هاته العقوبات حالة العود .
ثالثا : عقوبة الإساءة إلى الرسول (ص) وبقية الأنبياء أو الاستهزاء بالمعلوم من الدين بالضرورة أو بأية شعيرة من شعائر الدين الإسلامي : الحبس من 3 سنوات إلى 5 سنوات وبغرامة من 50.000 دج إلى 200.000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط حسب المادة 144 مكرر 2 .
نلاحظ هنا أن المشرع لم يوفق في مسعاه من الناحية المنهجية ، لذلك أنه كان منتظرا أن تدرج عقوبة القذف الموجه إلى الهيئات ضمن أحكام الفصل الأول من الباب الثاني الخاص بالجنايات والجنح ضد الأشخاص وتحديدا في القسم الخامس بعنوان الاعتداء على شرف واعتبار الأشخاص وذلك مباشرة بعد العقوبات المقررة للقذف الموجه إلى الأفراد في المادة 298 ق ع
لكن المشرع قام بإدراج عقوبة القذف الموجه إلى الهيئات ضمن أحكام الفصل الخامس من الباب الأول الخاص بالجنايات والجنح ضد الشيء العمومي وتحديدا في القسم الأول بعنوان الإهانة والتعدي على الموظف .
و حتى و إن كان المشرع لم يشر إلى القذف غير العلني على أساس ان القذف يقتضي العلنية ، فقط طبق القضاء الفرنسي على القذف الغير علني حكم السب غير العلني و هي مخالفة يعاقب عليها المشرع الجزائري بغرامة من3000 دج إلى 6000 دج حسب المادة 463 ف 2 من قانون العقوبات.
وعلاوة على ذلك يمكن إضافة العقوبات التكميلية للمتهم حسب المادة 9 من قانون العقوبات كتحديد الإقامة والمنع من الإقامة والحرمان من مباشرة بعض الحقوق والمصادرة الجزئية للأموال وحل الشخص المعنوي ونشر الحكم .
ويمكن للمحكمة حسب المادة 99 من قانون الإعلام أن تأمر بحجز الأملاك التي تكون موضوع المخالفة وإغلاق المؤسسات الإعلامية إغلاقا مؤقتا أو نهائيا .
المطلب الثالث:عقوبة القذف المرتكب بواسطة نشرية .
أولا : مسؤولية النشرية :
ما يلفت الانتباه هو تقرير المسؤولية الجزائية لرئيس التحرير عما يتم نشره في النشرية حسب المادة 144 مكرر 01 م ق ع وهو أمر أستحدثه المشرع الجزائري لا يوجد في التشريعات المقارنة ولا ندري ما هو الأساس الذي اعتمده المشرع الجزائري لتحديد هذه المسؤولية؟
كما أنه من اللافت للانتباه استحداث المشرع في تعديله لمسؤولية النشرية كعنوان وتسليط العقوبة عليها بالرغم من عدم تمتعها بالشخصية القانونية من ثم فليس لها كيان قانوني فكيف بإمكان توقيع العقوبة على كيان ليس له شخصية قانونية ؟.
ربما يكون المشرع قد وقع في سهو أو خطأ فذكر النشرية عوضا أن يذكر مؤسسة النشر أو مؤسسة الطباعة والتي تتمتع بالشخصية المعنوية ، و كان أحرى عليه إن كانت نيته تقرير المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي أن ينص على مسؤولية مؤسسة الطباعة و النشر التي تصدر عنها النشرية .
ثانيا : العقوبـة:
تعاقب النشرية بغرامة من 500.000 دج إلى 5.000.000 دج وفي حالة العود تضاعف عقوبة الغرامة حسب المادة 144 مكرر 1 المعدلة .



و كخلاصة لجريمة القذف أنه، هناك قضية انفجرت مؤخرا في الجزائر و هي قضية القذف التي رفعها القائد الليبي معمر القذافي ضد مدير جريدة الشروق و صحافية بنفس الجريدة .
و حيث أدانت محكمة حسين داي بالجزائر العاصمة مدير جريدة الشروق اليومي علي فضيل و الصحافية نائلة برحال ستة أشهر حبس نافذة و 20 ألف دينار كغرامة لكل منهما كما طلبت توقيف صدور اليومية لمدة شهرين ، و دفع 500.000 دج كتعويض عن الضرر عن قضية القذف رفعها مؤخرا امين لجنة العلاقات الجزائرية الليبية ضد اليومية نيابة على القائد الليبي معمر القذافي .
تأتي هذه القضية بعد نشر اليومية تحقيقين في شهر أوت الماضي تضمنا تصريحات لبعض قادة لقبائل التوارق الجزائريين و المليين و النيجريين تتحدث عن وجود مخطط ليبي لضرب استقرار الجزائر و هو ما اعتبره الطرف الليبي مساسا بأمن ليبيا و الجزائر مؤكدا ان ما نشر مجرد أكاذيب خالية من أي تأسيس أو أدلة .










قديم 2010-10-16, 13:03   رقم المشاركة : 41
معلومات العضو
شهيرة1
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي

جريمة إصدار شيك بدون رصيد


تنص المادة 374 من قانون العقوبات على أن يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات و بغرامة لا تقل عن قيمة الشيك أو عن النقص في الرصيد:

1 ـ كل من أصدر بسوء نية شيكا لا يقابله رصيد قائم و قابل للصرف أو كان الرصيد أقل من قيمة الشيك أو قام بسحب الرصيد كله أو بعضه بعد إصدار الشيك أو منع المسحوب عليه من صرفه .

2 ـ كل من قبل أو ظهر شيكا صادر في الظروف المشار إليها في الفقرة السابقة مع علمه بذلك.

3 ـ كل من أصدر أو قبل أو ظهر شيكا و اشترط عدم صرفه فورا بل جعله كضمان .

يستفاد من نص المادة 374 ق ع أنّ جريمة إصدار شيك بدون رصيد قد ترتكبها الساحب في آلة إصداره شيكا لا يقابله رصيد ، و قد يرتكبها المستفيد في حالة قبوله للشيك أو تظهيره و هو يعلم أنه لا يوجد لرصيد يقابله . و لتتكلم فيما يلي في جنحة الساحب في جريمة إصدار شيك دون رصيد م في جنحة المستفيد في هذه الحالة .



1 ـ جنحة الساحب في جريمة إصدار شيك دون رصيد.

يتضح من نص المادة 374 ق ع أنّ جنحة الساحب في جريمة إصدار شيك بدون رصيد تطلب لتحققها توافر أركان ثلاثة و هي :



أ ـ أن يكون محل الجريمة شيك .

يعرف الشيك بأنه أمر مكتوب من الساحب إلى المسحوب عليه ، أحد البنوك أو المؤسسات المالية بأن يدفع بمجرد الإطلاع عليه مبلغا من النقود لمصلحة من عدد الأمر أي المستفيد ، و تصف الشيك بأنه أداة وفاء فحسب ، و لا يمكن أ ن يكون أداة ائتمان ، و يجب أن تحتوي الشيك الذي تعنيه المادة 347 ق ع على البيانات الواردة في المادة 472 من القانون التجاري حتى يستوفي شروطه الشكلية ، و تتمثل هذه البيانات أساسا في البيانات التالية :

1 ـ ذكر كلمة شيك مدرجة في نص السند نفسه باللغة التي تكتب بها .

2 ـ أمر غير معلق على شرط يدفع مبلغ معين .

3 ـ اسم الشخص الذي يجب عليه الدفع ( المسحوب عليه ) .

4 ـ بيان المكان الذي يجب فيه الدفع.

5 ـ بيان تاريخ إنشاء الشيك و مكانه.

6 ـ توقيع من أصدر الشيك ( الساحب ).

و تنص المادة 473 من القانون التجاري على أنّ خلو السند من أحد البيانات المذكورة في المادة 472 من نفس القانون ، فلا تعتبر شيكا إلاّ في الأحوال التالية :

1 ـ إذا خلا الشيك من بيان مكان الوفاء ، فإنّ المكان المبين بجانب اسم المسحوب عليه فيكون الشيك واجب الدفع في المكان المذكور أولا .

2 ـ إذا لم تذكر هذه البيانات أو غيرها يكون الشيك واجب الدفع في المكان الذي به المحل الأصلي للمسحوب عليه .

3 ـ إنّ الشيك الذي لم يذكر فيه مكان إنشائه يعتبر إنشاؤه قد تم في المكان المبين بجانب اسم الساحب.

و الراجح أنّ ليس من العدل أن يلفت من العقاب من استغل لمعرفته لأحكام القانون التجاري و أعطى سندا له مظهر الشيك و أغفل أحد البيانات التي تجعله باطلا أو تحوله إلى سندا ، إذ يكفي لاعتبار الأمر شيكا في نظر القانون الجنائي متى كان لهذا الأمر مظهر الشيك و لو أنّه لا يعد كذلك في نظر القانون التجاري . كما لا يؤثر على اعتبار الشيك شيكا تضمنية بيانات غير صحيحة أو مخالفة للحقيقة طالما أنّ السند أخذ مظهر الشيك و جرى التعامل به على هذا الأساس.



2 ـ أن ترتكب أفعال معينة يترتب عليها عدم إمكان صرف الشيك :

تتطلب المادة 374 ق ع لتحقق جريمة إصدار شيك بدون رصيد ارتكاب فعل الأفعال المادية الآتية :



أ ـ إصدار شيك بدون رصيد أو برصيد غير كاف .

يقتضي توافر السلوك المادي للجريمة أن يقوم الساحب بعد كتابة الشيك بلا رصيد بتسليمه تسليما رضائيا إلى المستفيد ، و على وجه يتخلى فيه الساحب نهائيا عن ملكية الشيك ، و يشترط عند إصدار الشيك أن يكون للساحب رصيد في ذمة المسحوب عليه بقيمة الشيك و قابل للصرف .

و العبرة في تقرير وجود الرصيد و كفايته هي بالتاريخ . لموضوع على الشيك ، فإذا وضع الساحب على الشيك تاريخ لاحق حتى يتمكن من وضع الرصيد أو تكملته قبل حلول هذا التاريخ فالجريمة لا تقوم ، لأنّ الشيك يكون غير قابل للصرف قبل حلول لتاريخ الموضوع عليه ، و ترتيبا على ذلك يتحقق الركن المادي لجريمة إصدار شيك غير موجود ، أو كان موجودا و لكنه غير قابل للصرف ، أو كان موجودا و لكنه غير كاف.

ب ـ إصدار شيك ثم سحب الرصيد قبل صرفه .

يتحقق الركن المادي لجريمة إصدار شيك بدون رصيد أن يصدر الشيك سليما و يكون الرصيد كافيا و قابلا للصرف ، ثم يتعمد الساحب سحب الرصيد كله أو بعضه قبل صرف الشيك بلا يترك مقابلا كافيا للوفاء.

و تتحقق الجريمة حتى و لو كان الساحب قد سحب الرصيد بعد أن تأخر المستفيد في صرف الشيك مدة طالت أو قصرت ، بل حتى و لو تأخر عن الميعاد المقرر في المادة 501 من القانون التجاري.



جـ ـ إصدار شيك ثم إصدار أمر بعدم صرفه .

يتحقق الركن المادي في الجريمة بأن يصدر الشيك سليما و يكون الرصيد وقت الإصدار كافيا و قابلا للصرف ، و لكن يصدر الساحب أمر إلى المسحوب عليه بعدم الدفع دون اعتبار للأسباب التي دفعت الساحب إلى ذلك باعتبارها من قبيل البواعث التي لا تؤثر على قيام المسؤولية .



د ـ إصدار شيك و جعله أداة ضمان

يتحقق الركن المادي للجريمة أن يصدر الشيك سليما ، و لكن الساحب يشترط على المستفيد عدم صرفه فورا : أي جعله مجرد ضمان ، لما ينطوي عليه مثل هذا الفعل من تعد على الشيك باعتباره أداة وفاء لا أداة ائتمان.



هـ ـ إصدار شيك مقابل رصيد غير قابل للسحب .

يتحقق الركن المادي للجريمة إذا كان مقابل الوفاء غير قابل للسحب أو لإشهار إفلاسه شريطة أن يكون الساحب عالما بذلك قبل إصدار الشيك : و الراجح أنّ وضع الرصيد تحت الحراسة بعد إصدار الشيك فعلا لا يؤدي إلى قيام الجريمة .

و لا خلاف في أنّ الأفعال المختلفة السابق بيانها واردة على سبيل الحصر لا المثال ، و أنّ الجريمة تتحقق بإتيان أحدها ، و أنّ جريمة إصدار شيك بدون رصيد تتم بمجرد تسليم الساحب الشيك إلى المستفيد مع علمه بعدم وجود مقابل وفاء قابل للسحب ، و لا ينفي الجريمة تقديم المستفيد الشيك للبنك في تاريخ لاحق لتاريخ إصداره ، و يظل الساحب ملتزما بتوفير الرصيد إلى حين صرف قيمة الشيك ، و ذلك بصرف النظر عن مصير الشيك أو عن الشخص الذي آل إليه . و يثبت الاختصاص بالفصل في الجريمة للمحكمة التي وقع في دائرتها تسليم الشيك بغض النظر عن مكان المحكمة التي يوجد بدائرتها المصرف المسحوب عليه .





3 ـ توافر القصد الجنائي لدى الفاعل :


إنّ جريمة إصدار شيك بدون رصيد جريمة عمدية تتطلب توافر القصد الجنائي . فلا تقوم الجريمة إذا كان الساحب يعتقد خطأ وقت تسليم الشيك أن الرصيد موجود لم يتم سحبه بعد أو انه كاف للوفاء بقيمة الشيك ، أو أنه قابل للسحب ، و لو لم يكن الأمر كذلك ، طالما أنّ اعتقاده مبني على أسباب جدية مقبولة .

و قد أوجبت المادة 374 ق ع توافر سوء النية بأن يكون الساحب عالما بعدم توافر الرصيد المطلوب أو عدم كفايته أو بوجود مانع يحول دون صرفه ، والراجح أنّ عدم وجود رصيد كاف قابل للسحب يعد قرينة على سوء النية إذ أنّ الساحب يعلم عادة بالظروف المحيطة برصيده ،و لكن هذه القرينة قرينة بسيطة أو غير قاطعة فيمكن للساحب أن يثبت انتفاء العلم بهذه الظروف ، و اعتقاده لأسباب جدية بتوافر الرصيد المطلوب ، و هي مسالة تستخلصها المحكمة من كافة القرائن مثل قيمة الشيك و ظروف إصداره ، و تاريخ إصداره و ظروف الرصيد و مبلغ النقص في الرصيد و مكانة الساحب الاجتماعية .













2 ـ جنحة المستفيد في جريمة إصدار شيك بدون رصيد
.

يستفاد من نص المادة 374 ق ع أنّ المشرع قد جرم قبول المستفيد الشيك المسلم له كضمان لما ينطوي عليه مثل هذا الفعل من إخلال بالثقة التي ينبغي أن يكون الشيك محلا لها بوصفة أداة وفاء و تعامل ، لا أداة ائتمان.

و يشترط لقيام جنحة المستفيد في جريمة إصدار شيك بدون رصيد:

أ ـ أن يكون محل الجريمة شيك على النحو الذي سبق تفصيله بمناسبة بيان الشروط قيام جنحة الساحب في جريمة إصدار شيك بدون رصيد.

ب ـ أن ترتكب أفعال معينة تجعل من الشيك وسيلة ضمان و تتمثل هذه الأفعال أساسا في التالي :

* ـ القبول : ويقصد به استلام المستفيد للشيك و جعله في حيازته بدلا من حيازة الساحب ، مع علمه بأنّ لا رصيد له .

* التظهير : و يقصد به تحويل الشي كالذي لا رصيد له من مستفيد إلى مستفيد آخر جديد ، إذ يترتب على التظهير هذا المعني تحويل ملكية الشيك من الأول إلى الثاني ، و يتعدد التظهير بتعدد عملية التداول .

* اشتراط عدم تقديم الشيك للصرف ، و الغالب أن يتولى وضع هذا الشرط الساحب ، و من النادر أن يطلبه المستفيد.

و يكفي حصول أي فعل من هذه الأفعال لتقرير توافر الركن المادي لجنحة المستفيد في جريمة إصدار شيك بدون رصيد.

ب ـ أن يتوافر القصد الجنائي لدى المستفيد : أنّ جريمة المستفيد جريمة عمدية شأنها شأن جريمة الساحب تتطلب توافر القصد الجنائي القائم على العلم و الإرادة ، و العلم المطلوب في جريمة المستفيد هو العلم الحقيقي لا العلم المفترض ، بأن يكون المستفيد عالما فعلا بعدم وجود الرصيد أو عدم كفايته ، و يشترط في العلم أن يكون علم القابل معاصر لعملية الاستلام في جريمة القبول ، و معاصر العملية التظهير في جريمة التظهير .

و يخضع القابل للشيك أو المظهر للشيك الذي لا رصيد له ، أو الذي له رصيد غير كاف لنفس العقوبة المقررة لمصدر الشيك ، و المنصوص عليها في المادة 37.










قديم 2010-10-16, 13:08   رقم المشاركة : 42
معلومات العضو
شهيرة1
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي

جريمة اختلاس الأموال العمومية في ظل القانون الجزائري
إن جريمة اختلاس أموال الدولة وأموال المؤسسات الاقتصادية والمالية مثل المصارف أو البنوك،والشركات قد تكاثرت وتفشت بحيث أصبحت تشكل خطرا على أموال الشعب دافع الضرائب ،وعلى ثروات اقتصاد الأمة ،ولا سيما إذا علمنا أن القلة القليلة فقط من المختلسين هي التي يتم تقديمها إلى القضاء، أما الكثرة الكثيرة فإنها تختلس ما تيسر اختلاسه ثم تختفي أو تفر إلى الخارج البلاد والضعفاء أو البسطاء من المختلسين هم وحدهم الذين تقع متابعتهم وبعد إقامة غير مريحة في غياب السجون على ذمة الحبس الاحتياطي المؤقت تقرر بعض المحاكم الجنائية براءتهم ولا أحد يتعذر لهم أو يشفق على حالهم.
حيث المشرع نص في المادة 119مكرر قانون عقوبات التقليل من أخطار هذه الظاهرة حيث نص على أنه:"... كل قاضي أو موظف أو ضابط عمومي أو كل شخص ممن أشارت إليهم المادة 119من هذا القانون تسبب في إهماله الواضح في سرقة أو اختلاس أو تلف أو ضياع أموال عمومية أو خاصة أو أشياء تقوم مقامها أو وثائق أو سندات أو عقود أو أموال منقولة وضعت تحت يده سواء بمقتضى وظيفته أو بسببها".
وهذه الجريمة تتضمن عناصر أو أركان المتمثلة في : صفة الجاني ، الركن المادي،الركن المعنوي(1).
المطلب الأول: صفة الجاني
حتى تقوم الجريمة المنصوص عليها في المادة 119مكرر من قانون العقوبات الجزائري المتعلقة بالتصرف في الأموال العامة أو الخاصة فإن القانون يوجب أن يكون المتهم ممن يتصفون بأحد الصفات أو يمارس إحدى الوظائف التالية:
_أن يكون قاضيا معينا بموجب مرسوم رئاسي منصبا في مهامه ويمارس وظيفته قبل تاريخ وقوع الجريمة المنسوبة إليه.
_أن يكون موظفا قائما بأعمال وظيفته ومعينا فيها تعيينا رسميا ويباشر مهام وظيفته قبل ارتكاب الجريمة المسندة إليه.
_ أن يكون ضابطا عموميا ممن يمارسون مهام معينة في إطار الخدمة العامة مثل:
الموثقين والمحضرين القضائيين ومثل المستخدمين في المصالح الإدارية التي تشرف عليها الدولة وما شابه ذلك.
فإذا لم تقع هذه الوقائع من الأشخاص الذي تم ذكرهم فإنه لا يمكن قيام جريمة الفقرة الأولى من المادة 119 مكرر ق.عقوبات ولا يمكن اعتبارها قد أنجزت وقامت بشكل تام وموجب للعقاب وذلك دون الإخلال بإمكانية تطبيق جريمة الفقرة الثانية من نفس المادة إذا توافرت شروطها وتحققت عناصرها كاملة،وفي هذا المعنى صدر قرار المحكمة العليا بتاريخ 23\06\1982 في القضية رقم 11\289،جاء فيه :"يجب أن يتضمن السؤال صفة المتهم وكون الأموال قد وضعت تحت يده بموجب وظيفته أو بسببها و إلا كان باطلا وترتب على ذلك بطلان الحكم وإلغاؤه(1).
المطلب الثاني: الركن المادي
يتطلب الركن المادي لجريمة الاختلاس توافر فعل مادي يقوم به هذا الركن وهو فعل الاختلاس مال أو شيء يكون محل لهذا الفعل لذلك ستكون دراستنا لهذا المبحث في فرعين ندرس الأول فعل الاختلاس وندرس الفرع الثاني محل الاختلاس.

الفرع الأول : فعل الاختلاس

إن الركن المادي لجريمة الاختلاس يتحقق عندما يقوم الجاني بإضافة المال الذي بحوزته بسبب الوظيفة إلى ملكه الخاص وتصرفه فيه تصرف المالك.
فالاختلاس ليس فعلا ماديا بل هو عمل مركب من فعل مادي هو الظهور على الشيء بمظهر المالك الذي تسانده نية داخلية وهي نية التملك ولا يشترط لاعتبار الفعل الصادر من الموظف محققا للاختلاس ولا يشترط لقيام هذه الجريمة أن يترتب عليه ضرر فعلي للدولة أو غيرها لأن القانون لا يتطلب أن تتحقق نتيجة إجرامية معينة من فعل الاختلاس فالجريمة تتحقق بمجرد التصرف بالمال تصرف الملاك، ومن تم فالجريمة تتوافر ولو رد المتهم المال المختلس بعد إتمام اختلاسه حتى ولو حصل الرد من الفاعل نفسه وبالتالي فإن رد المال يعتبر من قبيل الظروف المخففة لعقاب الاختلاس وتتضح نية الجاني في التملك في مختلف الأعمال المادية كالتصرف في المال أو رهنه أو عرضه للبيع إلى غير ذلك من الأفعال التي تستشف منها محكمة الموضوع أن الجاني قد تملك مال الغير الذي بحوزته،ويثبت الاختلاس بكل دليل يصلح لإقناع القاضي بحصوله فليس لإثبات جريمة الاختلاس طريقة خاصة غير طرق الاستدلال العامة(1).
الفرع الثاني:محل الاختلاس
محل الاختلاس هنا يكون عندما يوجد مال في حيازة الموظف بسبب وظيفته فيجب أن يكون محل الاختلاس مال وقد عبر المشرع الجزائري عن ذلك في قانون العقوبات حيث اشترط أن يكون موضوع الجريمة أموالا أو أوراقا أو غيرها فالاختلاس يشمل كل شيء ذو قيمة فقد تكون قيمته معنوية ويستوي أن تكون قيمة المال كبيرة أو صغيرة أو أن يكون عاما أو خاصا ما دام قد حازه الموظف بحكم وظيفته.
لا يلزم أن يكون المال في ذاته مشروعا فقد يكون غير مشروعا كالمخدرات ومع ذلك تقوم الجريمة ما دامت مقتضيات الوظيفة توجب على الموظف حفظه فيختلسه كما يتعين أن يكون المال موضوع الاختلاس في الحيازة الناقصة للمتهم بسبب وظيفته ،فحيازة الموظف للمال هنا حيازة ناقصة تسمح له بالسيطرة الفعلية عليه دون أن يكون مالكا له ،فهو يحوز المال باسم الدولة ولحسابها ويلزم هذا المال أو استعماله أو التصرف فيه من الوجه الذي يحدده القانون ،وإذا وجد المال في حيازة الموظف بسبب وظيفته فلا أهمية بعد ذلك إذا كان
هذا المال قد قيد بدفاتره أم لم يقيده ،تسلمه بإيصال عرفي أو بدون إيصال ولا تقوم جريمة الاختلاس إذا كان المال قد دخل في حيازة الموظف بمناسبة الوظيفة وليس بسببها كما لو سلم المال إلى الموظف بناءا على ثقة شخصية وضعها المسلم فيه كما ولو أودع المتعاقدان ثمن البيع لدى الموثق أو أودع الممول مبلغ الضريبة لدى الموظف في مأمورية الضرائب لا يختص بتسليمه.










قديم 2010-10-16, 13:10   رقم المشاركة : 43
معلومات العضو
شهيرة1
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي

جريمة الرشوة
لم يعن المشرع الجزائري بتعريف جريمة الرشوة ، ويعرفها الفقه بأنها اتفاق بين شخصين يعرض بموجبه أحدهما على الآخر عطية أو وعدا بعطية أو فائدة فيقبلها لأداء عمل أو الامتناع عن عمل يدخل في أعمال وضيفته أو مأمور يته.
يستفاد من تعريف جريمة الرشوة أنها تستوجب وجود شخصين وهما :
1 ـ صاحب مصلحة يدفع للموظف أو من في حكمه عطية أو وعدا بعطية أو فائدة، أو يستجيب لطلب هذا الموظف أو من في حكمه بدفع عطية لقضاء مصلحته ، ويسمى بالراشي.
2 ـ الموظف أو من في حكمه الذي يقبل العطية أو يطلبها من أجل أداء عمل أو امتناع عن عمل من أعمال وضيفته، ويسمى المرتشي.
وتختلف التشريعات المقارنة حول ما إذا كانت جريمة الرشوة جريمة واحدة يستوجب لقيامها وجود شخصين الراشي والمرتشي ، أم أنها تتكون من جريمتين مستقلتين: أحدهما يرتكبها الراشي والثانية يرتكبها المرتشي يفرد لكل منهما عقابا منفصلا باعتبارها جريمة تامة بكل عناصرها وأوصافها وعقوبتها.
ويتضح من نص المواد 129و127 و126 من قانون العقوبات أن المشرع الجزائري يجعل من جريمة الراشي بنص المادتين 126 و127 ويطلق عليها الفقه تسمية الرشوة الإيجابية، و جريمة المرتشي بنص المادة 129 ، ويطلق عليها الفقه تسمية الرشوة السلبية .ولنتكلم فيما يلي في هذين الصورتين من جريمة الرشوة.
1 ـ جريمة الرشوة الإيجابية
تنص المادة 129 من قانون العقوبات على أن كل من يلجأ إلى التعدي أو التهديد أو الوعود أو العطايا أو الهيات أو غيرها من الميزات، أو استجاب لطلبات يكون الغرض منها الارتشاء حتى ولو لم يكن هو الذي طلبها وذلك إما للتوصل إلى أداء عمل أو الامتناع عنه أو للحصول على المزايا أو المنافع المنصوص عليها في المواد من 126 128 ق. ع لم تذكر الراشي بصفة مباشرة خلافا للمادة 126ق.ع بالنسبة للمرتشي. وقد اقتصرت المادة 129 ق.ع على تعداد الأفعال التي قد يلجأ إليها الراشي، ويستفاد من هذه المادة أن لجريمة الرشوة الإيجابية أو جريمة الراشي ركنان وهما:
أ ـ الركن المادي : حددت المادة 129 ق ع الأعمال التي يقوم عليها الركن المادي لجريمة الرشوة الإيجابية وهي : التعدي والتهديد وهو ما يعبر عنه بالإكراه ، والوعد أو الهبة أو العطية أو الهدية وهذا ما يعبر عنه بالرشوة الفعلية ، والاستجابة لطلبات يكون الغرض منها الإنشاء.
ويتحقق الركن المادي بقيام الراشي بتهديد المرتشي ـ الموظف أو من في حكمه ـ لإكراهه على قيام العمل أو الامتناع عن عمل ، في حدود وضيفته أو اختصاصه. ويستوي أن يكون التهديد ماديا أو معنويا مهما كانت وسيلتهما .وتقوم جريمة الرشوة بمجرد صدور تهديد من الراشي لإكراه المرتشي على القيام بالعمل أو الامتناع عنه .فإذا ما تجاوز الراشي حد التهديد إلى التنفيذ أعتبر ذلك تعديا.
ويتحقق الركن المادي أيضا إذا أقدم الراشي على إغراء المرتشي الموظف أو من في حكمه وتحريضه على أداء خدمة معينة له أو لغيره مقابل الوعود أو العطايا أو الهبات أو الهدايا أو غيرها من المزايا دون أهمية لموضوعها أن تكون مالا أو سلعة أو غيرها ومهما كان مقدارها وأهميتها ، إذ يكفي أن تكون مما يستهوي المرتشي للاستجابة لطلبات الراشي فيما ينبغي الحصول عليه هذا الأخير من منفعة لنفسه أو لغيره.
ويقتضي الاستجابة لطلبات يكون الغرض منها الارتشاء ، صدور إيجاب من المرتشي الموظف أو من في حكمه يقابله قبول من الراشي والمستقر عليه فقها وقضاءا أن جريمة الرشوة تتحقق سواء أدى الإكراه أو الرشوة إلى تحقيق النتيجة المرجوة أم لم يِؤد بنص المادة 129 ق.ع .

ب ـ الركن المعنوي : يهدف الراشي إلى تحقيق مصلحة يبتغيها لنفسه أو لغيره، فيعتبر هدف الراشي أساس الركن المعنوي الذي تتجه إرادته لتحقيقه فيجب أن يعلم الراشي أنه يوجه التهديد أو التعدي أو العطايا أو الهدايا أو غيرها من المزايا إلى المرتشي الموظف العام أو من في حكمه لحمله على القيام بعمل أو الامتناع عن عمل تبتغيه في حدود وضيفته أو اختصاصه.
وتعاقب المادة 129 ق.ع الراشي بنفس العقوبة المقررة للراشي والمنصوص عليها في المادتين 126 و126 مكرر و127 ق.ع مع مراعاة الظروف المشددة المنصوص عليها في المادتين 130 و 131 ق.ع، والعقوبات التكميلية المنصوص عليها في المادتين 133 و134 ق.ع
2 ـ جريمة الرشوة السلبية
تنص المادة 126 من قانون العقوبات على أن يعد مرتشيا ويعاقب بالحبس من سنتين إلى عشر سنوات
وبغرامة من 500 إلى 5000 د.ج كل من يطلب أو يقبل عطية أو وعدا أو يتلقى هبة أو هدية أو أية منافع أخرى وذلك : ـ ليقوم بصفته موظفا أو ذا ولاية نيابية بأداء عمل وظيفته غير مقرر له أجر سواء كان مشروعا أو غير مشروع أو بالامتناع عن أدائه أو بأداء عمل وإن كان خارجا عن اختصاصاته الشخصية،إلا أن من يشأ وظيفته أن تسهل له أداءه أو كان من الممكن أن تسهل له.
ب ـ ليقوم بصفته محكما أو خبيرا معينا من السلطة الإدارية أو القضائية أو من الأطراف بإصدار قرار أو إبداء رأي لمصلحة شخص أو ضده.
ج ـ ليقوم بصفته عضوا محلفا أو عضوا في جهة قضائية باتخاد قرار سواء لصالح أحد الأطراف أو لضده.
د ـ ليقوم بصفته طبيبا أو جراحا أو طبيب أسنان أو قابلة بالتقرير كذبا بوجود أو بإخفاء وجود مرض أو عاهة أو حمل أو بإعطاء بيانات كاذبة عن مصدر مرض أو عاهة أو عن سبب الوفاة.
وتنص المادة 126 مكرر من قانون العقوبات على أنه إذا كان مرتكب الرشوة قاضيا يعاقب بالسجن المؤقت من 5 إلى 20 سنة وبغرامة من 5000 إلى 50.000دج، إذا كان مرتكب الرشوة كاتب ضبط يعاقب بالسجن المؤقت من 5إلى 10 سنوات وبغرامة من 3000 إلى 30.000 د.ج.
وتنص المادة 127 من قانون العقوبات على أن يعد مرتشيا ويعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات
وبغرامة من 500 إلى 5000 د.ج كل عامل أو مستخدم أو مندوب بأجر أو مرتب على أية صورة كانت ، طلب أو قبل عطية أو وعدا، أو طلب أن يتلقى هبة أو هدية أو جعلا أو خصما أو مكافأة بطريق مباشر أو عن طريق وسيط ، وبغير علم مستخدمه أو رضاه وذلك للقيام بأداء عمل من أعمال وضيفته أو الامتناع عنه أو بأداء عمل وإن كان خارج عن اختصاصاته الشخصية ، إلا أن من شأن وضيفته أن تسهل له أداءه أو كان من الممكن أن تسهله له.
ويتضح من نص المواد 126 و126 مكرر و127 من قانون العقوبات أن لجريمة الرشوة السلبية أو جريمة المرتشي أركان ثلاثة وهي :
الركن المفترض : يعبر عنه بالصفة المفترضة في الجاني ، إذ تعتبر جريمة الرشوة السلبية من جرائم ذوي الصفة لأن المشرع اشترط وصفا خاصا في مرتكبها ، فلا تقع من غيره، ولذلك يجب لقيام جريمة الرشوة السلبية أن تتوافر في المرتشي أوصافا خاصة أوردتها المواد 126 و 126 ،127 ق.ع على سبيل الحصر وهي :
* القضاة
*الموظفون العامون أو من في حكمهم ، ويعتبر شبيها بالموظف العام عملا بالفقرة 3 من المادة 119 ق. ع كل شخص تحت أي عنوان تسمية وفي نطاق أي إجراء ما يتولى ولو مؤقتا وظيفة أو وكالة بأجر أو بدون أجر، ويسهم بهذه الصفة في خدمة الدولة أو الإدارات العامة أو الجماعات المحلية أو الهيئات المصرفية أو الوحدات المسيرة ذاتيا للإنجاز الصناعي أو الفلاح أوفي في أية هيئة من القانون الخاص تتعهد بإدارة مرفق عام .

* الأشخاص ذوي الولاية النيابية من أعضاء المجالس البلدية و المجالس الولائية والمجالس الشعبي
الوطني .
*الخبراء المنتدبون من طرف السلطة الإدارية أو السلطة القضائية أو الأطراف لإبداء الرأي في مسألة فنية.
*المحكومون المختارون من طرف السلطات أو الأطراف للتحكيم بين الأطراف المتنازعة في مسألة معينة.
* الأعضاء المحلفون كالأعضاء في محكمة الجنايات.
* أعضاء الجهات القضائية الذين يشتركون في عمل أو مهمة قضائية كعضو في تشكيلة المحكمة أو كاتب الضبط.
*الأطباء و الجراحون وأطباء الأسنان و القبلات .
* العمال أو المستخدمون أو المتدولون بأجر.
فإذا لم تتوافر صفة من هذه الصفات التي يتطلبها القانون في الفاعل فلا يعد الشخص مرتشيا،
حتى ولو كان قد انتحل إحدى هذه الصفات. وتتحقق صفة الموظف أو من في حكمه عند اكتشاف الجريمة ، وتظل هذه الصفة قائمة حتى بعد التوقف عن الوظيفة متى كانت قد سهلت أو مكنت منت إتمام الجريمة . والراجح أن الموظف لا يفلت من العقاب لأن قرار تعيينه قد صدر باطلا ما دام قد باشر فعلا مهام الوظيفة ، والعلة في ذلك أن تجريم الرشوة إنما تقرر لحماية الوظيفة العامة ومقتضيات الثقة فيها.
ويلاحظ أن المشرع الجزائري وإن كان يشترط إلى جانب توافر صفات خاصة في المرتشي على النحو المتقدم ـ أن يكون العمل من اختصاص الموظف أو من شأن وظيفته أن تسهل له أداؤه أو من الممكن أن تسهله له، فإنه توسع في تحديد مدلول الاختصاص على النحو الذي تتطلبه مقتضيات الحماية الجنائية، فلم يشترط لتحقق جريمة الرشوة أن يكون العمل الوظيفي داخلا في اختصاص الموظف أو من في حكمه فقط ، بل يكفي أن يكون له نصيب من الاختصاص يسمح له بتفنيد الفرض من الرشوة . ومن ثم يكفي لتحقق الرشوة أن يكون الغرض منها أداء عمل أو الامتناع عنه ولو كان خارجا عن اختصاص الموظف أو من في حكمه، طالما أن من شأن وظيفته أن تسهل له أدؤه أو من الممكن أن تسهله له: أي مادام له اتصال بهذا العمل.
2 ـ الركن المادي : تتخلص الأفعال التي يقوم عليها الركن المادي لجريمة الرشوة السلبية وفقا للمادتين126 و127 من قانون العقوبات في الطلب والقبول والتلقي أو الأخذ، نعرضها فيما يلي :
*الطلب : يقصد بالطلب الإيجاب الصادر عن الموظف أو من في حكمه للرشوة ، ويكفي بمجرد تعبير الموظف عن إرادته في الحصول على مقابل لأداء عمل أو الامتناع عنه لتحقق الركن المادي للجريمة حتى ولو لم يقترن الإيجاب هذا الأخير بقبول.
*القبول : يقصد بالقبول قبول الموظف أو من في حكمه الإيجاب صاحب المصلحة الصادر إليه.
ويتحقق الركن المادي للجريمة بمجرد تلاقي قبول الموظف مع إيجاب صاحب المصلحة يصرف النظر عن تنفيذ الراشي لوعده أو عدم تفنيده له بإرادته أو الأسباب خارجة عن إرادته، ولكن يشترط في القبول أن يكون جديا وصادرا عن إرادة حرة وواعية .
التلقي أو الأخذ : يقصد بالتلقي أو الأخذ بتسلم الموظف أو من في حكمه للشيء موضوع الرشوة
والراجح أن الأخذ لا يقع على الوعد وإنما على تلقي هبة أو هدية أو أية مزية أو منفعة أخرى .
ويتم باستلام الموظف لما عرض عليه ، مهما كان شكل هذا الاستلام.
وقد حددت المادة 126 ق.ع في فقراتها الثانية والثالثة والرابعة نوع العمل الذي يعتبر سببا للرشوة في إبداء رأي لمصلحة شخص أو ضده ، أو في إتخاد قرار لصالح أحد الأطراف أو ضده ، أو في التقرير كذبا بوجود أو إخفاء وجود مرض أو عاهة أو حمل أو إعطاء بيانات كاذبة عن مصدر مرض أو عاهة أو عن سبب الوفاة.
ويعتبر سببا للرشوة أيضا الامتناع عن أداء أحد أعمال الوظيفة ، ولا يشترط في الامتناع أن يكون تاما إذ يكفي مجرد التأخير في القيام بالعمل.

3 ـ الركن المعنوي : إن جريمة الرشوة السلبية، شأنها شأن الرشوة الإيجابية، جريمة عمدية تستوجب القصد الجنائي ، أي توافر عنصري العلم والإرادة : أي اتجاه إرادة الموظف أو من في حكمه إلى طلب الرشوة أو قبولها أو تلقيها أو أخذها .وأن يعلم بأن المقصود من المقابل الذي أخده هو أداء عمل أو الامتناع عنه . ويشترط معاصرة القصد الجنائي للركن المادي بمعنى توافر القصد الجنائي لدى الجاني لحظة تنفيذ للركن المادي لجريمة الرشوة .
ويلاحظ في الأخير أن المادة 126 من قانون العقوبات قد أوردت بصورة عرضية إسم الوسيط، ولكن
المشرع لم يبين حكم هذا الوسيط في الرشوة ، والراجح أن تطبق بشأنه المبادئ العامة للشريك، فيعتبر شريكا لمن تعامل معه الراشي أو المرتشي أو معا شريطة أن يكون عالما بأنه يقوم بدور وسيط
بينهما، عملا بالمادة 42 قانون العقوبات .










قديم 2010-10-16, 13:12   رقم المشاركة : 44
معلومات العضو
شهيرة1
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي

جريمة النصب و الاحتيال
ان ادعاء المرء بانه مالك او دائن لا يمكن اعتباره استعمالا لصفة كاذبة

بمعنى المادة 372 من قانون العقوبات .

يعتبر شريكا في النصب الوسيط بين الفاعل الاصلي والضحية والتي تمثل دوره

في حضور جميع المساومة بين الطرفين وتحرير طلب الافراج المؤقت موضوع المساومة

المذكورة .

يرتكب جريمة النصب المتهم الذي يعلم انه غير مالك للباخرة لانعدام التأشيرة .

- ان المفهوم القانوني لجرم النصب يتكون من التوصل الى نيل شيء من الغير

بطرق ومناورات احتيالية ، وكان التوصل الى تلك الغاية غير ممكن بدونها

- تتطلب جريمة النصب بيان المناورات والوسائل الاحتيالية التي يقوم بها المتهم

للحصول على ملك الغير والتي من شأنها ان تؤثر على الرجل العادي

والتي لولاها لما اقدمت الضحية على دفع المبلغ .

- ولما يثبت ان الطاعن ادعى كذبا انه يملك سلطة خيالية تمكنه من شفاء الضحية

وزواج ابنتها وابتز بذلك اموالها فان هذا الفعل يعد صورة من صور النصب

مادام المتهم قد تلقى المبلغ المالي بناءا على عقد الاعتراف بدين المحرر امام الموثق

نتيجة لاستعمال وسيلة من وسائل التدليس المنصوص عليها في المادة 372 من قانون

العقوبات ، فلا تقوم جنحة النصب .

تشترط لقيام جنحة النصب ثلا ث عناصر اساسية لقيامها وهي

- استعمال احدى وسائل التدليس وهي الاسماء او الصفات الكاذبة او المناورات الاحتيالية

- الاستلاء على مال الغير

- العلاقة السبيبية بين وسيلة التدليس المستعملة وسلب مال الغير .

وهي العناصر التي ابرزها قرار الادانة عندما اسس قضاءه على:

كون استعمل شيكا لغيره دون علم صاحبه للحصول على بضاعة ملحقا به ضرر.

يتعين ان يكون حكم الادانة من اجل جريمة النصب معاينة المناورات الاحتيالية

التي سبقت التسليم وهي بيان فيها تمثلت هذه المناورات بانها هي التي

جعلت المجني عليه يسلم ماله للجاني ، ذلك ان التسليم في جريمة النصب لا يتم برضا

حر وانما ينتزع بوسائل تدليسية .

يسري التقادم في جنحة من اليوم الذي تمت فيه الجريمة ويتحدد هذا اليوم بتسليم

الشيء والحصول عليه بطريقة تدليسية بغض النظر على الاحداث التي لحقت هذا

التسليم ومنها العقد التوثيقي الذي بموجبه يقر المتهم لاحقا انه استلم المبلغ المتنازع عليه










قديم 2010-10-16, 13:14   رقم المشاركة : 45
معلومات العضو
شهيرة1
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي

الفرق بين جريمة الاختلاس والسرقة وخيانة الأمانة والنصب



وتعد جريمة النصب من جرائم الاعتداء علي المال وتعرف هذه الأخيرة بأنها الجرائم التي تنال بالاعتداء أو تهدد بالخطر الحقوق ذات القيمة المالية والمقصود بالحقوق ذات القيمة المالية الحقوق الداخلة في دائرة التعامل والتي تعد احد عناصر الذمة المالية علي غرار جريمة السرقة لم يعرف المشرع جريمة النصب عند صياغته للمادة 336 من قانون العقوبات ويتجه الفقه إلي تعريف النصب بأنه (( الاستيلاء علي مال الغير بطريق الحيلة بنية تملكه )) وتتميز جريمة النصب بأنها من جرائم السلوك المتعدد والحدث المتعدد ذلك إن الجاني يرتكب سلوك مادي ذو مضمون نفسي يتمثل في أساليب الاحتيال التي يلجأ إليها للتأثير علي إرادة الشخص المخاطب بهذه الأساليب
الفرق بين جريمة النصب وجريمتي السرقة وخيانة الأمانة
تشترك جريمة النصب مع جريمتي السرقة وخيانة الأمانة في إن هذه الجرائم تقع اعتداء علي الأموال إذا إن موضوع هذه الجرائم الثلاثة مالا منقولا مملوكا للغير ومع ذلك تبقي بين النصب وبين حريمي السرقة وخيانة الأمانة فروق جوهرية
أ- جريمة النصب تقع اعتداء علي حق الملكية لان الجاني يهدف من ارتكاب سلوكه الإجرامي إلي الاستيلاء علي مال منقول مملوك للغير عن طريق حمل المجني عليه علي تسليم ماله بسبب وسائل التدليس التي اتبعها الجاني كما تمثل جريمة النصب اعتداء علي حرية إرادة المجني علية بتأثير الطرق الاحتيالية التي لجأ إليها الجاني إما السرقة فهي تقع اعتداء علي حق الملكية والحيازة إذ تعني انتزاع الشئ من يد حائزه أو مالكه بغير رضاه
ب- وسيلة الاعتداء علي مال الغير في جريمة النصب هي وسائل التدليس التي يلجأ إليها الجاني فينخدع بها المجني علية ويقوم بتسليم ماله وتمثل هذه الوسائل السلوك المكون للفعل كعنصر من عناصر الركن المادي في جريمة النصب أما في السرقة فان السارق يستولي علي الشئ من يد مالكة أو حائزة بدون رضاه فالسلوك المكون للفعل كعنصر من عناصر الركن المادي هو الاختلاس
ج- في جريمة النصب يقوم المجني عليه بتسليم ماله إلي الجاني برضاه وان كان هذا الرضا معيب لأنه تم استنادا إلي غش أو تدليس وقع فيه المجني عليه بتأثير وسائل التدليس التي اتبعها الجاني تجاهه مما ترتب عليه قيامه بتسليم ماله أما السرقة فان التسليم الناقل للحيازة التامة أو الناقصة ناف للاختلاس حتى ولو كان حاصلا عن غش فلا يعد مرتكبا لسرقة من يوهم بائعا علي خلاف الحقيقة بأنة موفد من قبل الشخص الذي اشتري منه سلعه وتركها لديه فيقوم البائع بتسليمها له وذلك لتوافر التسليم النافي للاختلاس وعلي ذلك يمكن القول بأنة في السرقة ينتفي التسليم أما في النصب فيتوافر التسليم الإرادي وان كانت إرادة التسليم معيبة
2- التمييز بين النصب وخيانة الأمانة
ا- تشترك جريمة خيانة الأمانة مع النصب في إنها تمثل اعتداء علي حق الملكية دون الحيازة لان الشئ المستولي عليه يكون في حيازة خائن الأمانة وقت ارتكاب جريمة
ب- وسيلة الاعتداء في جريمة النصب هي أساليب التدليس التي اتبعها الجاني والتي انخدع بها المجني عليه فقام بتسليم ماله أما في خيانة الأمانة فهي تصرف المؤتمن في الشئ المسلم إلية علي سبيل الأمانة كأنة مالك له
ج- تشترك جريمة النصب مع جريمة خيانة الأمانة في أن المجني عليه هو الذي يقوم بتسليم ماله إلي الجاني إلا إنهما يختلفان من حيث سبب التسليم وغايته فالتسليم في النصب ينبني علي الاحتيال الذي أتبعة الجاني فانخدع به الجاني عليه وسلم ماله بهدف نقل الحيازة التامة للجاني أما التسليم في خيانة الأمانة فسببه الائتمان أي الثقة التي وضعها المجني عليه في الجاني فهو تسليم برضا ء كامل وغاية هذا التسليم هو نقل الحيازة المؤقتة أو الناقصة للجاني كما أن التسليم في خيانة الأمانة يكون سابقا علي السلوك الإجرامي الصادر من المؤتمن علي المال بينما في النصب فان التسليم يكون نتيجة السلوك الإجرامي الذي استخدمه الجاني وادي إلي انخداع المجني علية
3- جريمة الاختلاس
يهدف المشرع من تجريم اختلاس المال العام إلي حماية الأموال الخاصة بالإدارة العامة التي توجد بين يد القائمين بأعباء الوظيفة العامة بسبب هذه الوظيفة كما إن فعل الموظف ينطوي علي خيانة للأمانة التي حملتها الدولة للموظف بعبثه بما عهد إليه بحفظه
الصلة بين جريمة الاختلاس وجريمة خيانة الأمانة
** بين جريمة الاختلاس الواردة في المادة 112 من قانون العقوبات وجريمة خيانة الأمانة في المادة 341 صلة وثيقة لذلك اتجهت محكمة النقض إلي اعتبار جريمة الاختلاس صورة من صور خيانة الأمانة كما إن الفقه يعتبر الاختلاس صورة مشددة من خيانة الأمانة فكل من الجريمتين تتطلب ماديتهما تحويل الحيازة الناقصة إلي حيازة تامة من خلال التصرف في الشئ المختلس باعتبار الحائز حيازة ناقصة مالكا له كما يتطلب ركنهما المعنوي اتجاه نية المتهم إلي اعتبار المال مملوكا له وهو يعني إضاعة المال علي ربه وعلي الرغم من هذه الصلة بين الجريمتين إلا بينهما فروق جوهرية فجريمة خيانة الأمانة لا تقتضي توافر صفة معينة في الجاني بينما تجد إن جريمة الاختلاس تتطلب إن تتوافر في الجاني صفة معينة هي إن يكون موظفا عاما وجريمة الاختلاس تفترض إن المال موجود بين يدي الموظف بسبب وظيفته أما جريمة خيانة الأمانة فتقتضي إن يكون المال مسلما إلي أمين بمقتضي عقد من عقود الأمانة الواردة في القانون الخاص وأخيرا تختلف الجريمتان من حيث تكييفهما القانوني فاختلاس المال العام جناية في جميع صوره أما خيانة الأمانة فهي دائما جنحة










 

الكلمات الدلالية (Tags)
الاجراءات, الجزائية, الجنائي, القانون


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 11:07

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc