مالذي يربيه فينا رمضان

[♥ وآثقة الخطــــى ♥]

بسم الله الرحمن الرحيم
رمضان و بناء الأمة

من وسائل رمضان لبناء الأمة الإسلامية:

التربية:

الصف المسلم الذي يُؤهل لقتال في بدر أو ما شابه بدر يحتاج لنوع خاص جداً من التربية، رمضان يقوم بهذه المهمة.ليس أي أحد يستطيع أن يجاهد و يثبت.

رمضان يربيك لتكون أهلاً لهذه المهمة.



تُرى ما الذي يربيه فينا رمضان؟؟

طبعا بركات رمضان لا تحصى ولكن أحصيت منها سبعاً:

أولاً: الاستجابة الكاملة لأوامر الله عز وجل(بصرف النظر عن الحكمة)

الله عز و جل يحب من عبده أن ينصاع له دون جدل و أن يطيعه دون تردد.أحياناً يُظهر الله عز و جل الحكمة من الأمر و أحياناً يخفيها،ولكن في جميع الحالات على المؤمنين أن يطيعوا

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} (36) سورة الأحزاب

لماذا رمضان بالذات نصومه و ليس رجب أو شعبان؟

لماذا من الفجر إلى المغرب و ليس من الفجر إلى العصر أو إلى العشاء أو من الشروق إلى الغروب؟

لماذا كانت كفارة الجماع في رمضان 60 يوما متصلا وليست 30 أو50؟

وهكذا...أسئلة بلا إجابات و مقصود ألا يكون لها إجابات.

و الغرض؟

تربية المؤمنين على الطاعة لله عز وجل و لرسوله الكريم صلى الله عليه و سلم.حتى و إن ظهر لعيوننا القاصرة طرفاً من الحكمة فهي ليست كامل الحكمة أو قد لا تكون الحكمة مطلقاً!!

فهل سمعتم عن أستاذ بالجامعة يقول: إنما شُرع الصيام للشعور باحتياج الفقراء و جوعهم و أنا أشعر باحتياجهم و أعطيهم..فما الداعي لصيامي؟ و لذلك هو يُفطر في نهار رمضان..سبحان الله!!!

و هذا رئيس راحل لدولة عربية شقيقة كان يقول أن الصيام يُضعف الأفراد و يقلل الإنتاج و لذلك فهو يُفطر في نهار رمضان و يحض شعبه على الإفطار.فُتن بعقله و لم يفهم البُعد التربوي العميق في صيام رمضان.

إذا هذه واحدة من تربويات رمضان.

و لا يجوز لك بعد رمضان أن تسمع حكم من أحكام الله عز وجل أو أمر من الرسول ثم تجادل {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} (65) سورة النساء

إن هذا التسليم نتعلمه في رمضان.

ثانيا: كبت الشهوات(أو قل التدريب على التحكم في الشهوات إلى أن تُصرف في

مكانها الصحيح)

روى البخاري و مسلم عن سهل ابن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "من يضمن لي ما بين لحييه و ما بين رجليه أضمن له الجنة".

"لحييه" هما عظمتي الفك.ترى ما الذي بينهما؟...اللسان و الفم و يشمل ذلك الكلام و الطعام والشراب.و ما بين رجليه الفرج.

ما دور رمضان في هذا الأمر رمضان يُدرب المؤمنين تدريباً عظيماً على حفظ هذه الأشياء جميعاً.

استمع إلى حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم و الذي رواه الإمام أحمد بسند صحيح عن عبد الله ابن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:

"الصيام و القرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام أي رب منعته الطعام و الشهوات بالنهار فشفّعني فيه(لاحظ الصيام منع الطعام"ما بين لحييه" و منع الشهوات "ما بين رجليه") و يقول القرآن منعته النوم بالليل فشفّعني فيه(أي لقيام الليل) فيُشفّعان."

انتبه لشيء هام جداً.المؤمن يمتنع في رمضان عن أشياء هي في الأصل حلال و لكن حُرّمت في نهار رمضان فقط و هي حلال طوال العام بل هي حلال في ليل رمضان فهذا الذي يستطيع أن يمنع نفسه من أمر حلال اعتاد عليها سيكون أقدر على منع نفسه من الطعام و الشراب الحرام و العلاقات المحرّمة...و هكذا.

و السؤال الهام هو:

ما دور التحكم في الشهوات في بناء الأمة المجاهدة؟

لماذا يحتاج المجاهد أن يتدرب جيدا في مدرسة الصيام؟وما علاقة الجهاد بالصيام؟

1-الجهاد مشقة شديدة، و ستأتي على الأمة أوقات لا تجد فيها طعاما و لا شرابا

و لا زوجة و من كان معتادا على الصيام فهو على الجهاد أقدر من غيره.

في غزوة تبوك كان الطعام كل يوم لا يعدوا حفنة تمر، و انقطع عنهم الماء

فترة كبيرة...فتنة كبيرة لا يثبت فيها إلا الصائمون الذين اعتادوا الصيام في

أيام الرخاء فمن الله عليهم في أيام الشدة.

كانوا يغيبون في الثغور مدة طويلة تصل أحيانا إلى شهور بل سنوات.نعم

قيّدها عمر ابن الخطاب بأربعة أشهر و لكن ذلك عندما يكون هناك جيش

بديل.ولكن قد يحتاج الجهاد لكل الطاقة فيمكثون في الثغور إلى ما شاء الله.

فالمسلم صيامه تدريب عملي على الجهاد.

2-الأمر الثاني في علاقة الصيام بالجهاد هو أن الجهاد سيفتح بلادا كثيرة و ستقع

السلطة في أيدي المسلمين و سيباشرون أمور الناس و ان لم يكن

المؤمن مؤهلا تربويا للتحكم في شهواته فسيقع في كثير من المحذورات لا

محالة لكون السلطة في يده و الغلبة في صفه.لكن المسلم المُدرّب في مدرسة

الصيام يسيطر على هذا الأمر كما كان مسيطر عليه و هو صائم.



ثالثاً: التحكم في الأعصاب

الأمر الثالث الذي يربيه رمضان في المؤمنين هو التحكم في الأعصاب و القدرة على كظم الغيظ.فالفرد المتسرع المنفلت الأعصاب لا يصلح لبناء الأمم.

ما دور رمضان في هذا الموضوع؟

روى البخاري و مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال الله عز و جل: "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي و أنا أجزي به و الصيام جُنّة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفُث و لا يصخب و لا يجهل، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني صائم إني صائم"

إلى هذه الدرجة ؟ إلى السباب بل القتال؟ أرأيتم كيف يربي الصيام على التحكم في الأعصاب و عدم انفلات اللسان، وعلى كظم الغيظ و العفو عن الناس؟و كلها صفات أساسية للأمة المجاهدة.

في مجال الحروب كم من الأسرى سيُؤسرون، و المسلمين يجب أن يتعاملوا مع أسراهم بالسمات الإسلامية بالرغم من العداوة بينهم...لا سباب و لا تعذيب و لا إيذاء..و لا يجب أن يتجاوزوا في قتالهم إلى المدنيين أو النساء و الأطفال. {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} (8) سورة الإنسان

إسلامنا دين راقي يُدرّب جنوده على حسن معاملة الآخرين حتى في حالة العداوة و الكراهية {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (8) سورة المائدة

رابعاً: الإنفاق في سبيل الله

روى البخاري و مسلم عن عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه و سلم أجود الناس و كان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل.و كان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن. فلرسول الله صلى الله عليه و سلم حين يلقاه جبريل أجود من الريح المرسلة"

فالجهاد يحتاج إلى إنفاق و بذل و عطاء.مدرسة الصيام تعلم الناس الإنفاق.

إن نفس الصائم تسخو بالخير على غيره، وهي ظاهرة ملحوظة فعلا.لاحظ ظاهرة إطعام الفقراء في رمضان كثيرة جدا.فالفقراء هم الفقراء و المتصدقون هم المتصدقون و لكن معدل الإنفاق يرتفع جدا في رمضان.

قد يُفهم أن الغني يعطي، و لكن أن يُعطي الفقير؟فهذه بركات مدرسة الصوم.فقد فرض الله عز و جل على كل المسلمين غنيّهم و فقيرهم زكاة الفطر.نعم زكاة الفطر يسيرة و لكنها تُشعر الجميع أن له القدرة على العطاء. و على سبيل المثال في غزوة تبوك كان الجميع الفقير و الغني يُنفق في سبيل الله.حتى الفقراء ما كانوا يمتلكون إلا القليل من التمر و مع ذلك كانوا يأتون بها حتى سخر منهم المنافقون...يقول الله عز و جل{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (79) سورة التوبة



خامساً: الشعور بالوحدة و الألفة

فكل المسلمون في كل بقاع الأرض سيصومون في يوم واحد و يفطرون في يوم واحد.سيصومون من وقت واحد"الفجر" و يفطرون في وقت واحد "المغرب".

أي بقعة على الأرض بها مسلم ستشهد صياما في وقت واحد بكيفية واحدة.

و صلة الرحم تزداد في رمضان، و بر الوالدين يزداد، و الزيارة في الله عز و جل تزداد في رمضان، و التواد بين الجيران يزداد في رمضان.جو عام جميل يربي المسلمين على أن يكونوا يدا واحدة.

و في صلاة القيام في كل مساجد العالم يصطف المسلمون بأعداد كبيرة الواحد يلتصق بأخيه يشعر بدفء الأخوة و دفء السجد و دفء الإسلام.

تخيل أمة يرتبط أفرادها بمثل هذا الشعور هل يمكن أن تنهار؟أبداً لأن من سنة الله عز وجل أن المسلمين إذا اجتمعوا انتصروا و إذا تفرقوا انهزموا وتشتتوا {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ} (4) سورة الصف...هذه تربيةرمضان.





سادساً: الشعور بآلام الغير و مشاكل الآخرين

هذا هو الشيء السادس الذي يربيه رمضان فينا.المؤمن الذي يشعر بالجوع و العطش لفترة معينة، سيدرك أن هناك إخوانا له في الله في الصومال وفي بنجلادش و في السودان و في العراق و في غيرها من البلاد يعانون نفس الألم و لكن بصورة دائمة لا ينتظرون مغربا و لا إفطارا.

إذا شعر المسلم بآلام غيره من المسلمين فسيحدث التكافل و سيحدث التعاون و ستحدث النُصرة.

اسمع هذا الحديث الرائع الذي رواه البخاري عن أي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا...و شبك بين أصابعه"

أترى هذه العلاقة؟هل تخيلت يد الرسول صلى الله عليه و سلم وهي مشبوكة

ببعضها؟رمضان يربينا على هذه العلاقة.

سابعا: التقوى

هي لب الصيام... هي الغاية الرئيسية منه.

رمضان يربي فينا التقوى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (183) سورة البقرة

ما هي التقوى؟

-التقوى هي وصية الله عز و جل إلى خلقه{وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا} (131) سورة النساء

-التقوى هي وصية رسول الله صلى الله عليه و سلم لأمته فيما رواه الترمذي عن معاذ ابن جبل رضي الله عنه "اتقي الله حيثما كنت و أتبع السيئة الحسنة تمحها و خالق الناس بخلق حسن" حسنه الألباني.

- التقوى هي أن تتقي غضب الله عز وجل في السر و العلن.إذا كنت في بيتك و لا يراك أحد و أنت صائم و بجوارك الطعام الشهي و الماء العذب و أنت جائع عطش و لكن لا تقترب منه مخافة الله عز و جل فذاك التقوى.

تخيل يا أخي أمة يكون الله عز و جل معها فمن يكون عليها؟.. لا أحد.

[♥ وآثقة الخطــــى ♥]

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم الذي جمعنا في دنيا فانية أن يجمعنا في جنة قطوفها دانية آمين يا رب العالمين