تذكرة النفس والأخوان بما ينبغي التنبيه له في كل زمان - الصفحة 2 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتاب و السنة

قسم الكتاب و السنة تعرض فيه جميع ما يتعلق بعلوم الوحيين من أصول التفسير و مصطلح الحديث ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

تذكرة النفس والأخوان بما ينبغي التنبيه له في كل زمان

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2014-12-22, 11:42   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
nor alheda
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك اخي وجعل كل كلمة من كلماتك في ميزان حسناتك









 


رد مع اقتباس
قديم 2014-12-22, 12:40   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

أكرم الخلق على الله تعالى


أكرم الخلق على الله -تعالى- من المتقين من لا يزال لسانه رطبًا بذكره، فإنه اتقاه في أمره ونهيه وجعل ذكره شعاره، فالتقوى أوجبت له دخول الجنة والنجاة من النار وهذا هو الثواب والأجر.


والذكر يوجب له القرب من الله -عز وجل- والزلفى لديه، وهذه هي المنزلة, وعمال الآخرة على قسمين:


منهم من يعمل على الأجر والثواب، ومنهم يعمل على المنزلة والدرجة فهو ينافس غيره في الوسيلة والمنزلة عند الله -تعالى- ويسابق إلى القرب منه.


وقد ذكر الله -تعالى- النوعين في سورة الحديد في قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ *﴾ فهؤلاء أصحاب الأجور والثواب ثم قال: ﴿وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ
فهؤلاء أصحاب المنزلة والقرب, ثم قال: ﴿وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ﴾ فقيل: هذا عطف على الخبر من ﴿الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾ أخبر عنهم بأنهم هم الصديقون وأنهم الشهداء الذين يشهدون على الأمم، ثم أخبر عنهم أن لهم أجرًا, وهو قوله تعالى: ﴿لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ﴾ فيكون قد أخبر عنهم بأربعة أمور, أنهم صديقون وشهداء, فهذه هي المرتبة والمنزلة.


وقيل: تم الكلام عند قوله -تعالى- ﴿الصِّدِّيقُونَ ﴾ ثم ذكر بعد ذلك حال الشهداء فقال: ﴿وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ﴾ فيكون قد ذكر المتصدقين أهل البر والإحسان, ثم المؤمنين الذي قد رسخ الإيمان في قلوبهم وامتلؤوا منه فهم الصديقون وهم أهل العلم والعمل والأولون أهل البر والإحسان، ولكن هؤلاء أكمل صديقيه منهم: ثم ذكر الشهداء, وأنه -تعالى- يجري عليهم رزقهم ونورهم؛ لأنهم لما بذلوا نفوسهم لله أثابهم الله عليها أن جعلهم أحياء عنده يرزقون, فيجري عليهم رزقهم ونورهم, فهؤلاء السعداء.


ثم ذكر الأشقياء فقال: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ﴾.


وذكر البيهقي عن محمد بن كعب القرظي رحمه الله -تعالى- قال: قال موسى عليه السلام: يا رب، أي خلقك أكرم عليك؟ قال: الذي لا يزال لسانه رطبًا بذكري. قال: يا رب, فأي خلقك أعلم؟ قال: الذي يلتمس إلى علمه علم غيره. قال: يا رب, أي خلقك أعظم ذنبًا؟ قال الذي يتهمني. قال: يا رب, وهل يتهمك أحد؟ قال: الذي يستخيرني, ولا يرضى بقضائي.


وذكر أيضًا عن ابن عباس قال: لما وفد موسى عليه السلام إلى طور سيناء قال: يا رب, أي عبادك أحب إليك؟ قال: الذي يذكرني ولا ينساني.


وقال كعب: قال موسى عليه السلام: يا رب، أقريب أنت, فأناجيك أم بعيد فأناديك؟ فقال تعالى: يا موسى, أنا جليس من ذكرني. قال: إني أكون على حال أجلك عنها. قال: ما هي؟ قال: عند الغائط والجنابة. قال: أذكرني على كل حال([1]) .


وقال عبيد بن عمير: تسبيحة بحمد الله في صحيفة مؤمن خير له من جبال الدنيا تجري معه ذهبًا.


وقال الحسن: إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: سيعلم الجمع من أولى بالكرم، أين الذي كانت ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ قال: فيقومون, فيتخطون رقاب الناس، قال: ثم ينادي منادٍ: وسيعلم أهل الجمع من أولى بالكرم، أين الذين كانت ﴿لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ قال: فيقومون, فيتخطون رقاب الناس. قال: ثم ينادي مناد: وسيعلم أهل الجمع من أولى بالكرم، أين الحمادون لله على كل حال، قال: فيقومون وهم كثير، ثم يكون التنعيم والحساب فيمن بقي، وأتى رجل أبا مسلم الخولاني, فقال له: أوصني يا أبا مسلم. قال: اذكر الله -تعالى- تحت كل شجرة ومدرة. فقال: زدني. فقال: اذكر الله -تعالى- حتى يحسبك الناس من ذكر الله -تعالى- مجنون. قال: وكان أبو مسلم يكثر ذكر الله -تعالى- فرآه رجل, وهو يذكر الله -تعالى- فقال: أمجنون صاحبكم هذا, فسمعه أبو مسلم فقال: ليس هذا بالجنون يا ابن أخي, ولكن هذا ذو الجنون([2]).

([1]) وذكر الله بالقلب في هذه الحال لا يكره بل مستحب لأنه لا بد للقلب من ذكر، وأما الذكر باللسان في هذه الحال فليس مما شرع لنا, ولا ندبنا إليه رسول الله r, ولا نُقلَ عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم. اهـ. بالمعنى من الوابل الصيب.

([2]) من الوابل الصيب باختصار.









رد مع اقتباس
قديم 2014-12-23, 09:41   رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

أصل موالاة الله عز وجل


الذكر أصل مولاة الله -عز وجل- ورأسها, والغفلة أصل معاداته ورأسها، فإن العبد لا يزال يذكر ربه -عز وجل- حتى يحبه, فيواليه ولا يزال يغفل عنه حتى يبغضه فيعاديه، قال الأوزاعي: قال حسان بن عطية: ما عادى عبد ربه بشيء أشد عليه من أن يكره ذكره أو مَن يذكره، فهذه المعاداة سببها الغفلة, ولا تزال بالعبد حتى يكره ذكر الله, ويكره مَن يذكره, فحينئذ يتخذه عدوًا كما اتخذ الذاكر وليا([1]) .




سبب صلاة الله -عز وجل- على عبده


الذكر يوجب صلاة الله -عز وجل- وملائكته على الذاكر, ومن صلى الله -تعالى- عليه وملائكته فقد أفلح كل الفلاح, وفاز كل الفوز.
قال سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾.




فهذه الصلاة منه تبارك وتعالى ومن ملائكته إنما هو سبب الإخراج لهم من الظلمات إلى النور، فأي خير لم يحصل لهم، وإذا حصلت لهم الصلاة من الله تبارك وتعالى وملائكته وأخرجوهم من الظلمات إلى النور, فأي خير لم يحصل لهم؟ وأي شر لم يندفع عنهم؟ فيا حسرة الغافلين عن ربهم! لماذا حرموا من خيره وفضله؟ وبالله التوفيق([2]) .


مجالس الملائكة


مجالس الذكر مجالس الملائكة، فليس من مجالس الدنيا لهم مجلس إلا مجلس يذكر الله -تعالى- فيه.


كما أخرج في الصحيحين من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن لله ملائكة (فضلا عن كتاب الناس) ([3]) يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله -تعالى- تنادوا: هلموا إلى حاجتكم، قال: فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنياء، قال: فيسألهم ربهم -تعالى- وهو أعلم بهم ما يقول عبادي قال: يقولون يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك، قال: فيقول: هل رأوني. قال: فيقولون لا والله, ما رأوك. قال: فيقول: كيف لو رأوني؟ قال: فيقولون: لو رأوك كانوا أشد لك عبادة وأشد لك تحميدًا وتمجيدًا وأكثر لك تسبيحًا. قال: فيقول: ما يسألوني؟ قالوا: يسألونك الجنة. قال: ويقول: هل رأوها. قال: ويقولون: لا، والله يا رب, ما رأوها. قال: فيقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصًا, وأشد لها طلبًا, وأعظم فيها رغبة. فيقول: فمم يتعوذون؟ قال: يقولون من النار، قال: يقول: وهل رأوها. قال: يقولون: لا والله يا رب, ما رأوها. قال: فيقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فرارًا وأشد لها مخافة. قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم. فيقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة. قال: فيقول: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم».

فلهم نصيب من قوله: ﴿ وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ فهكذا المؤمن مبارك أين حل، والفاجر مشؤم أين حل, فمجالس الذكر مجالس الملائكة، ومجالس الغفلة، مجالس الشياطين، وكل مضاف إلى شكله وأشبه, وكل امرئ يصير إلى ما يناسبه ([4]) .


مباهاة اللهِ بالذَّاكِرِينَ مَلَائِكَتَه

الله -عز وجل- يباهي بالذاكرين ملائكته:
كما روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال: خرج معاوية على حلقة في المسجد فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله -تعالى- قال: آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله, ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل عنه حديثًا مني، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه, فقال: «ما أجلسكم؟» قالوا: جلسنا نذكر الله -تعالى- ونحمده على ما هدانا للإسلام, ومَنَّ علينا بك. قال: «آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟» قالوا: والله, ما أجلسنا إلا ذاك. قال: «أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل, فأخبرني أن الله تبارك وتعالى يباهي بكم الملائكة».


فهذه المباهات من الرب تبارك وتعالى دليل على شرف الذكر عنده ومحبته له، وأن له مزية على غيره من الأعمال([5]) .




المقصود بالأعمال الشرعية

جميع الأعمال إنما شرعت إقامة لذكر الله تعالى، والمقصود بها تحصيل ذكر الله تعالى.
قال سبحانه وتعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾.
قيل المصدر مضاف إلى الفاعل أي: لأذكرك بها.
وقيل مضاف إلى المذكور أي: لتذكروني بها، واللام على هذا لام التعليل.


وقيل هي اللام الوقتية أي: أقم الصلاة عند ذكري كقوله ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ﴾ وقوله ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ﴾ وهذا المعنى يراد بالآية لكن تفسيرها به يجعل معناها فيه نظر؛ لأن هذه اللام الوقتية يليها أسماء الزمان والظروف والذكر مصدر إلا أن يقدر زمان محذوف أي عند وقت ذكرى وهذا محتمل.


والأظهر أنها لام التعليل أي أقم الصلاة لأجل ذكرى، ويلزم من هذا أن تكون إقامتها عند ذكره، وإذا ذكر العبد ربه, فذكر الله -تعالى- سابق على ذكره, فإنه لما ذكره ألهمة ذكره, فالمعاني الثلاثة حق.


وقال سبحانه وتعالى: ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾.


فقيل: المعنى: أنكم في الصلاة تذكرون الله, وهو ذاكر من ذكره, ولذكر الله -تعالى- أياكم أكبر من ذكركم أياه, وهذا يروى عن ابن عباس وسلمان وأبي الدرداء وابن مسعود رضي الله عنهم.
وذكر ابن أبي الدنيا عن فضيل بن مرزوق عن عطية ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ قال هو قوله تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ فذكر الله -تعالى- لكم أكبر من ذكركم إياه.


وقال ابن زيد وقتادة: معناه ولذكر الله أكبر من كل شيء، وقيل لسلمان: أي الأعمال أفضل؟ فقال: أما تقرأ القرآن ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾.
ويشهد لهذا حديث أبي الدرداء المتقدم: «ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند ملكيكم وخير لكم من إنفاق الذهب والوَرِق.. الحديث.


وكان شيخ الإسلام أبو العباس قدس الله روحه يقول: الصحيح: أن معنى الآية أن الصلاة فيها مقصدان عظيمان: وأحدهما: أعظم من الآخر؛ فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهي مشتملة على ذكر الله تعالى، ولما فيها من ذكر الله أعظم من نهيها عن الفحشاء والمنكر.


ذكر ابن أبي الدنيا عن ابن عباس أنه سئل: أي العمل أفضل؟ قال: ذكر الله أكبر.


وفي السنن عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله تعالى» رواه أبو داود والترمذي, وقال: حديث حسن صحيح ([6]) .


أفضل أهل كل عمل صالح


أفضل أهل كل عمل أكثرهم فيه ذكرًا لله عز وجل.
فأفضل الصوام أكثرهم ذكرًا لله -عز وجل- في صومهم.
وأفضل المتصدقين أكثرهم ذكرًا لله عز وجل.
وأفضل الحجاج أكثرهم ذكرًا لله عز وجل، وهكذا سائر الأحوال.


وقد ذكر ابن أبي الدنيا حديثًا مرسلا في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي أهل المسجد خير؟ قال: «أكثرهم ذكر الله عز وجل»، قيل: أي الجنازة خير؟ قال: «أكثرهم ذكر الله عز وجل»، قيل: فأي المجاهدين خير؟ قال «أكثرهم ذكر الله عز وجل»، قيل: فأي الحجاج خير؟ قال: «أكثرهم ذكرًا لله عز وجل» قيل، وأي العباد خير؟ قال: «أكثرهم ذكرًا لله عز وجل».


قال أبو بكر: ذهب الذاكرون بالخير كله. وقال عبيد بن عمير: إن أعظمكم هذا الليل أن تكابدوه, وبخلتم على المال أن تنفقوه, وجبنتم عن العدو أن تقاتلوه, فأكثروا من ذكر الله عز وجل([7]).

([1]) من الوابل الصيب.

([2]) معناه: أنهم ملائكة زائدون على الحفظة.

([3]) من الوابل الصيب.

([4]) من الوابل الصيب.

([5]) من الوابل الصيب.

([6]) من الوابل الصيب.

([7]) من الوابل الصيب.









رد مع اقتباس
قديم 2014-12-23, 09:51   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

إدامة الذكر تنوب عن كثير من الطاعات


إدامة الذكر تنوب عن التطوعات, وتقوم مقامها؛ سواء كانت بدنية أو مالية أو بدنية مالية كحج التطوع.




وقد جاء ذلك صريحًا في حديث أبي هريرة: أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله, ذهب أهل الدثور بالدرجات العلى والنعيم المقيم، يصلون كما نصلي, ويصومون كما نصوم, ولهم فضل أموالهم يحجون بها, ويعتمرون ويجاهدون، فقال: «ألا أعلمكم شيئًا تدركون به سبقكم, وتسبقون به من بعدكم، ولا أحد يكون أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم»، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة» الحديث متفق عليه.


فجعل الذكر عوضًا لهم عما فاتهم من الحج والعمرة والجهاد وأخبر أنهم يسبقونهم بهذا الذكر، فلما سمع أهل الدثور بذلك عملوا به فازدادوا إلى صدقاتهم وعبادتهم بمالهم التعبد بهذا الذكر، فحازوا الفضيلتين فنافسوا الفقراء, وأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم قد شاركوهم في ذلك, وانفردوا عنهم بما لا قدرة لهم عليه, فقال ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء([1]) .


آثار ذكر الله في اليسر والأمن والقوة


ذكر الله -عز وجل- يسهل الصعب وييسر العسير ويخفف المشاق، فما ذكر الله -عز وجل- على صعب إلا هان, ولا على عسير إلا تيسر، ولا مشقة إلا خفت، ولا شدة إلا زالت، ولا كربة إلا انفرجت, فذكر الله -تعالى- هو الفرج بعد الشدة واليسر بعد العسر والفرج بعد الغم والهم.


يوضحه أن ذكر الله -عز وجل- يذهب مخاوفه كلها، وله تأثير عجيب في حصول الأمن، فليس للخائف الذي قد اشتد خوفه أنفع له من ذكر الله عز وجل، إذ يحسب ذكره بجد الأمن, ويزول خوفه حتى كأن المخاوف التي يجدها أمان له، والغافل خائف مع أمنه حتى كأن ما هو فيه من الأمن كله مخاوف، ومن له أدنى حس قد جرب هذا وهذا, والله المستعان.


والذكر يعطي الذاكر قوة، حتى أنه ليفعل مع الذكر ما لم يظن فعله بدونه.


وقد شاهدت من قوة شيخ الإسلام ابن تيمية في سننه وكلامه وإقدامه وكتابه أمرا عجيبًا؛ فكان يكتب في اليوم من التصنيف ما يكتبه الناسخ في جمعة وأكثر.


وقد شاهد العسكر من قوته في الحرب أمرًا عظيمًا، وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة وعليا رضي الله عنهما أن يسبحا كل ليلة إذا أخذا مضاجعهما ثلاثًا وثلاثين, ويحمدا ثلاثًا وثلاثين ويكبرا أربعًا وثلاثين لمَّا سألته الخادم وشكت إليه ما تقاسيه من الطحن والسعي والخدمة، فعلمها ذلك, وقال إنه خير لكما من خادم, فقيل: إن مَنْ دوام على ذلك وجد قوة في يومه مغنية عن خادم.


سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله -تعالى- يذكر أثرًا في هذا الباب ويقول: إن الملائكة لما أمروا بحمل العرش قالوا: يا ربنا, كيف نحمل عرشك, وعليه عظمتك وجلالك ووقارك؟ قال: لذلك خلقتكم, فأعادوا عليه ذلك مرارًا, فقال: قولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله, فلما قالوا, حملوه، حتى رأي ابن أبي الدنيا قد ذكر هذا الأمر بعينه عن الليث بن سعد عن معاوية بن صالح قال: حدثنا مشيختنا أنه بلغهم أن أول ما خلق الله -عز وجل- حين كان عرشه على الماء حملة العرش, قالوا: ربنا, لِمَ خلقتنا؟ قال: خلقتكم لحمل عرشي. قالوا: ربنا, ومَن يقوى على حمل عرشك, وعليه عظمتك وجلالك ووقارك؟! قال: لذا خلقتكم, فأعادوا عليه ذلك مرارا, فقال لهم: قولوا: لا حول ولا قوة إلا بالله, فحملوه.


وهذه الكلمة لها تأثير عجيب في معاناة الأشغال الصعبة، وتحمل المشاق والدخول على الملوك ومَن يُخاف، وركوب الأهوال، ولها أيضًا تأثير في دفع الفقر كما روى ابن أبي الدنيا عن الليث بن سعد عن معاوية بن صالح عن أسد بن وداعة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال: لا حول ولا قوة إلا بالله مائة مرة في كل يوم لم يصبه فقر أبدا» وكان حبيب بن سلمة يحب إذا لقي عدواً أو ناهض حصنًا قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإنه ناهض يومًا حصنًا للروم فانهزم، فقالها المسلمون وكبروا فانهدم الحصن([2]) .



([1]) من الوابل الصيب.

([2]) من الوابل باختصار وتصرف يسير.









رد مع اقتباس
قديم 2014-12-23, 10:02   رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

الأمان من النفاق


كثرة ذكر الله -عز وجل- أمان من النفاق، فإن المنافقين قليلو الذكر لله عز وجل، قال الله -عز وجل- في المنافقين ﴿وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾.


قال كعب: من أكثر ذكر الله -عز وجل- برئ من النفاق، ولهذا - والله أعلم - ختم الله سورة المنافقون بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ فإن في ذلكم تحذيرًا من فتنة المنافقين الذين غفلوا عن ذكر الله -عز وجل- فوقعوا في النفاق.


وسئل بعض الصحابة -رضي الله عنهم- عن الخوارج: منافقون قالوا: لا، المنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا، فهذا من علامة النفاق؛ قلة ذكر الله عز وجل، وكثرة ذكره أمان من النفاق، والله -عز وجل- أكرم من أن يبتلي قلبًا ذاكرًا بالنفاق، وإنما ذلك لقلوب غفلت عن ذكر الله عز وجل([1]) .




السبب في إنقاذ العبد نفسه من أعدائه الشياطين


حاجة كل واحد بل ضرورته إلى معرفة هذه الفائدة عظيمة, وهي أن الشياطين قد احتوشت العبد, وهم أعداؤه, فما ظنك برجل قد احتوشته أعداؤه المحنقون عليه غيظًا, وأحاطوا به, وكل منهم يناله بما يقدر عليه من الشر والأذى، ولا سبيل إلى تفريق جمعهم عنه إلا بذكر الله عز وجل.


وفي هذا الحديث العظيم الشريف القدر الذي ينبغي لكل مسلم أن يحفظه, فنذكره بطوله لعموم فائدته وحاجة الخلق إليه، وهو حديث سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن سمرة بن جندب, قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا, وكنا في صفة بالمدينة فقام علينا فقال: «إني رأيت البارحة عجبًا:
رأيت رجلاً من أمتي أتاه ملك الموت ليقبض روحه، فجاءه بره بوالديه فرد ملك الموت عنه.
ورأيت رجلاً من أمتي قد بسط عليه عذاب القبر، فجاءه وضوءه, فاستنقذه من ذلك.
ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته الشياطين, فجاءه ذكر الله -عز وجل- فرد الشياطين عنه.
ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته ملائكة العذاب فجاءته صلاته, فاستنقذته من أيديهم.
ورأيت رجلاً من أمتي يتلهب - وفي رواية - يلهث عطشًا كلما دنا من حوض منع وطرد، فجاءه صيام شهر رمضان فسقاه وأرواه.
ورأيت رجلاً من أمتي ورأيت النبيين جلوسًا حلقًا كلما دنا إلى حلقة طرد، فجاءه غسله من الجنابة, فأخذ بيده فأقعده إلى جنبي.


ورأيت رجلاً من أمتي بين يده ظلمة, ومن خلفه ظلمة, وعن يمينه ظلمة, وعن يساره ظلمة, ومن فوقه ظلمة, ومن تحته ظلمة, وهو متحير فيها, فجاءه حجه وعمره فاخرجاه من الظلمة, وأدخلاه في النور.
ورأيت رجلاً من أمتي يتقي بيده وهج النار وشرره, فجاءته صدقته, فصارت سترة بينه وبين النار, وظلت على رأسه.
ورأيت رجلاً من أمتي يكلم المؤمنين, ولا يكلمونه، فجاءته صلته لرحمه فقالت: يا معشر المسلمين، إنه كان وصولا لرحمه, فكلموه, فكلمه المؤمنون وصافحوه وصافحهم.
ورأيت رجلاً من أمتي قد احتوشته الزبانية، فجاءه أمره بالمعروف, ونهيه عن المنكر, فاستنقذه من أيديهم, وداخله في ملائكة الرحمة.
ورأيت رجلاً من أمتي جاثيًا على ركبتيه وبينه وبين الله -عز وجل- حجاب فجاءه حسن خلقه, فأخذ بيده فأدخله على الله عز وجل
ورأيت رجلاً من أمتي قد ذهبت صحيفته من قبل شماله، فجاءه خوفه من الله -عز وجل- فأخذ صحيفته فوضعها في يمينه.


ورأيت رجلاً من أمتي خف ميزانه فجاءه أفراطه فثقلوا ميزانه.
ورأيت رجلاً من أمتي قائما على شفير جهنم، فجاءه رجاؤه في الله -عز وجل- فاسنقذه من ذلك ومضى.
ورأيت رجلاً من أمتي قد أهوى في النار فجاءته دمعته التي بكى من خشية الله -عز وجل- فاستنقذته من ذلك.
ورأيت رجلاً من أمتي قائمًا على الصراط يرعد كما ترعد السعفة في ريح عاصف فجاءه حسن ظنه بالله -عز وجل- فسكن رعدته ومضى.
ورأيت رجلاً من أمتي يزحف على الصراط ويحبو أحيانًا, ويتعلق أحيانًا فجاءته صلاته علي, فأقامته على قدميه وأنقذته.
ورأيت رجلاً من أمتي انتهى إلى أبواب الجنة, فغلق الأبواب دونه، فجاءته شهادة أن لا إله إلا الله, ففتحت له الأبواب وأدخلته الجنة» رواه الحافظ أبو موسى الديني في كتاب (الترغيب في الخصال المنجية والترهيب من الخلال المردية) وبنى كتابه عليه وجعله شرحًا له، وقال: هذا حديث حسن جدًا رواه عن سعيد بن المسيب عمرو بن آزر وعلي بن زيد بن جدعان وهلال أبو جبلة.


وكان شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يعظم شأن هذا الحديث.


بلغني عنه أنه كان يقول شواهد الصحة عليه.


والمقصود منه قوله صلى الله عليه وسلم: «ورأيت رجلا من أمتي قد احتوشته الشياطين فجاءه ذكر الله -عز وجل- فطرد الشيطان عنه».


فهذا مطابقاً لحديث الحارث الأشعري الذي شرحناه في هذه الرسالة.


وقوله: «وأمركم بذكر الله -عز وجل- وأن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو فانطلقوا في طلبه سراعًا وانطلق حتى أتى حصنًا حصينًا, فاحرز نفسه فيه» فكذلك الشيطان لا يحرز العباد أنفسهم منه إلا بذكر الله عز وجل.


وفي الترمذي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قال إذا خرج من بيته: بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: كفيت وهديت ووقيت، وتنحى عنه الشيطان، فيقول الشيطان الآخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي»([2]) .


وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: «من قال في يوم مائة مرة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد, وهو على كل شيء قدير كانت له حرزًا من الشيطان حتى يمسى».


وذكر سفيان عن أبي الزبير عن عبد الله بن ضمرة عن كعب قال: «إذا خرج الرجل من بيته فقال: بسم الله. قال: الملك هديت، وإذا قال: توكلت على الله، قال الملك: كفيت، وإذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله قال: الملك حفظت. فيقول الشياطين بعضهم لبعض: ارجعوا ليس لكم عليه سبيل كيف لكم بمن كفي وهدي وحفظ».


وقال أبو خلاد المصري: من دخل في الإسلام دخل في حصن، ومن دخل في المسجد فقد دخل في حصنين، ومن جلس في حلقة يذكر الله -عز وجل- فيها, فقد دخل في ثلاثة حصون.


وقد روى الحافظ أبو موسى في كتابه من حديث أبي عمران الجوني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا وضع العبد جنبه على فراشه فقال: بسم الله, وقرأ فاتحة الكتاب أمن من شر الجن والإنس ومن كل شيء» .


وفي صحيح البخاري عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة, قال ولاني رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة رمضان أن أحتفظ بها, فأتاني آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته، فقال: دعني فإني لا أعود، فذكر الحديث وقال: فقال له في الثالثة: أعلمك كلمات ينفعك الله بهن إذا أويت إلى فراشك, فأقرأ آية الكرسي من أولها إلى آخرها؛ فإنه لا يزال عليك من الله حافظ, ولا يقربك شيطان حتى تصبح فخلى سبيله, فأصبح فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله فقال: «صدقك وهو كذوب».


وذكر الحافظ أبو موسى من حديث أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا أوى الإنسان إلى فراشه ابتدره ملك وشيطان فيقول الملك: اختم بخير، ويقول: الشيطان اختم بشر، فإذا ذكر الله -تعالى- حتى يغلبه يعني النوم، طرد الملك الشيطان وبات يكلأه فإذا استيقظ ابتدره ملك وشيطان فيقول الملك: افتح بخير، ويقول الشيطان: افتح بشر, فإن قال: الحمد الله الذي أحيا نفسي بعد موتها, ولم يمتها في منامها الحمد لله الذي يمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى».


الحمد لله الذي يمسك السموات والأرض أن تزولا, ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده.


الحمد لله الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه طرد الملك الشيطان وظل يكلؤه.


وفي الصحيحين من حديث سالم بن أبي الجعد عن كريب عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إن أحدكم إذا أتى أهله, قال: بسم الله، اللهم, جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا, فيولد بينهما ولد لا يضره الشيطان أبدًا».


وذكر الحافظ أبو موسى عن الحسن بن علي قال: أنا ضامن لمن قرأ هذه العشرين آية أن يعصمه الله من كل شيطان ظالم، ومن كل شيطان مريد، ومن كل سبع ضار، ومن كل لص عاد: آية الكرسي، وثلاث آيات من الأعراف: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾ وعشرًا من أول الصافات، وثلاث آيات من الرحمن ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ﴾ وخاتمة سورة الحشر ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ﴾.


وقال محمد بن أبان: بينما رجل يصلي في المسجد إذا هو بشيء إلى جنبه فجفل منه فقال: ليس عليك مني بأس إنما جئتك في الله تعالى، إئت عروة فسله: ما الذي يتعوذ به، يعني من إبليس الأباليس قال: قل آمنت بالله العظيم وحده، وكفرت بالجبت والطاغوت، واعتصمت بالعروة الوثقى لا انفصام لها، والله سميع عليم، حسبي الله وكفى سمع الله لمن دعا ليس وراء الله منتهى.


وقال بشر بن منصور عن وهيب بن الورد قال: خرج رجل إلى الجبانة بعد سعاة من الليل. قال: فسمعت حسًا أو صوتًا شديدًا, وجيء بسرير حتى وضع، وجاء شيء حتى جلس عليه قال: واجتمعت إليه جنوده ثم صرخ فقال: من لي بعروة بن الزبير فلم يجبه أحد حتى تتابع ما شاء الله -عز وجل- مر الأصوات، فقال واحد: أنا أكفيكه، قال: فتوجه نحو المدينة, وأنا ناظر، ثم أوشك الرجعة فقال: لا سبيل إلى عروة، وقال: ويلكم, وجدته يقول كلمات إذا أصبح, وإذا أمسى فلا نخلص إليه معهن. قال الرجل: فلما أصبحت قلت لأهلي: جهزوني، فأتيت المدينة فسألت عنه حتى دللت عليه، فإذا شيخ كبير، فقلت شيئًا تقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت, فأبى أن يخبرني، فأخبرته بما رأيت وما سمعت، فقال: ما أدري غير أني أقول إذا أصبحت: آمنت بالله العظيم وكفرت بالجبت والطاغوت واستمسكت بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها والله سميع عليم. إذا أصبحت قلت ثلاث مرات وإذا أمسيت قلت ثلاث مرات، وذكر أبو موسى عن مسلم البطين قال: قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: «إن عفريتا من الجن يكيدوك، فإذا أويت إلى فراشك, فقل: أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض, وما يخرج منها ومن شر فتن الليل والنهار, ومن شر طوارق الليل والنهار إلا طارق يطرق بخير يا رحمن».


وقد ثبت في الصحيح أن الشيطان يهرب من الأذان, قال سهل بن أبي صالح: أرسلني أبي إلى بني حارثة ومعي غلام أو صاحب لنا فنادى مناد من حائط باسمه، فأشرف الذي معي على الحائط, فلم ير شيئًا, فذكرت ذلك لأبي فقال: لو شعرت أنك تلقي هذا لم أرسلك، ولكن إذا سمعت صوتًا فناد بالصلاة فإني سمعت أبا هريرة يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الشيطان إذا نودي بالصلاة ولى وله حصاص» وفي رواية: «إذا سمع النداء ولي, وله ضراط حتى لا يسمع التأذين» الحديث.


وذكر الحافظ أبو موسى من حديث أبي رجاء عن أبي بكر الصديق قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « استكثروا من لا إله إلا الله والاستغفار؛ فإن الشيطان قال: قد أهلكتهم بالذنوب, وأهلكوني بقول: لا إله إلا الله والاستغفار، فلما رأيت ذلك منهم أهلكتهم بالأهواء وهم يحسبون أنهم مهتدون, فلا يستغفرون».


وذكر أيضًا عن إبراهيم بن الحكم عن أبيه، عن عكرمة قال: بينما رجل مسافر إذ مر برجل نائم، ورأى عنده شيطانين، فسمع المسافر أحد الشيطانين يقول لصاحبه: اذهب, فافسد على هذا النائم، فلما دنا منه رجع إلى صاحبه فقال: لقد نام على آية ما لنا إليه سبيل، فذهب إلى النائم فلما دنا منه رجع قال: صدقت. فذهب, ثم إن المسافر أيقظه وأخبره بما رأى من الشيطانين فقال: أخبرني على أي آية نمت قال على هذه الآية ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾.


وقال أبو النضر هاشم بن القاسم: كنت أرى في داري... ([3]) فقيل يا أبا النضر تحول عن جوارنا قال: فاشتد ذلك علي فكتبت إلى الكوفة إلى ابن إدريس والمحاربي وأبي أسامة فكتب إلى المحاربي: أن بئرًا بالمدينة كان يقطع رشاؤها فنزل بهم ركب، فشكوا ذلك إليهم، فدعوا بدلو من ماء ثم تكلموا بهذا الكلام, فصبوه في البئر, فخرجت نار من البئر فطفئت بئرًا على رأس البئر. قال أبو النضر: فأخذت تورًا من ماء، ثم تكلمت فيه بهذا الكلام، ثم تتبعت به زوايا الدار فرششته فصاحوا بين أصرفتنا نحن نتحول عنك وهو: بسم الله أمسينا بالله الذي ليس منه شيء ممتنع، وبعزة الله التي لا ترام ولا تضام، وبسلطان الله المنيع نحتجب، وبأسمائه الحسنى كلها عائذ من الأبالسة ومن شر شياطين الإنس والجن، ومن شر كل معلن ومسر، ومن شر ما يخرج بالليل ويكمن بالنهار. ويكمن بالليل ويخرج بالنهار, ومن شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر إبليس وجنوده, ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم. أعوذ بما استعاذ به موسى وعيسى وإبراهيم الذي وَفَّى من شر ما خلق وذرأ وبرأ, ومن شر إبليس وجنوده, ومن شر ما يبغي أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًّا * فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا * فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا * إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ * رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ * إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ * وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ * لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ﴾.


فهذا بعض ما يتعلق بقوله صلى الله عليه وسلم: «كذلك العبد يحرز نفسه من الشيطان بذكر الله تعالى»([4]).

([1]) من الوابل الصيب.

([2]) رواه أبو داود والنسائي والترمذي, وقال: حديث حسن.

([3]) سقط شيء من الكلام والمفهوم بالقرينة أنه كلم من كان يراهم فقيل له: يا أ با النضر.

([4]) من الوابل الصيب.









رد مع اقتباس
قديم 2014-12-23, 21:10   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
عبد الكريم امحمدي
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي










رد مع اقتباس
قديم 2014-12-23, 22:34   رقم المشاركة : 22
معلومات العضو
رزق شعبان
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيرا وجعله في ميزان حسناتك










رد مع اقتباس
قديم 2014-12-24, 11:02   رقم المشاركة : 23
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

أنواع الذكر


الذكر نوعان:


1- ذكر أسماء الرب تبارك وتعالى وصفاته، والثناء عليه بهما, وتنزيهه وتقديسه عما لا يليق به تبارك وتعالى.
2- وذكر أمره ونهيه وأحكامه.


والأول: نوعان: إنشاء وخبر.
فالإنشاء: هو إنشاء الثناء عليه بها من الذاكر، نحو سبحان الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر، وسبحان الله وبحمده, ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك, وله الحمد, وهو على كل شيء قدير.


وأفضل هذا النوع أجمعه للثناء وأعمه نحو سبحان الله عدد خلقه, فهذا أفضل من مجرد سبحان الله، وقولك: الحمد لله عدد ما خلق في السماء, وعدد ما خلق في الأرض وعدد ما بينهما وعدد ما هو خالق، أفضل من مجرد قولك الحمد لله، وهذا في حديث جويرية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: «لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته» رواه مسلم.


وفي الترمذي وسنن أبي داود، عن سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة بين يديها نوى أو حصى تسبح بها, فقال: أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا وأفضل فقال: سبحان الله عدد ما خلق في السماء، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما بين ذلك، وسبحان الله عدد ما هو خالق، والله أكبر مثل ذلك، والحمد لله مثل ذلك، ولا إله إلا الله مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك.


وأما الخبر فهو الخبر عن الرب -تعالى- بأحكام أسمائه وصفاته، نحو قول الله -عز وجل- يسمع أصوات عباده, ويرى حركاتهم، ولا تخفى عليه خافية من أعمالهم، وهو أرحم بهم من آبائهم وأمهاتهم، وهو على كل شيء قدير، وهو أفرح بتوبة عبده من الفاقد راحلته إذا وجدها ونحو ذلك.


وأفضل هذا النوع الثناء عليه بما أثنى به على نفسه، وبما أثنى به عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تشبيه ولا تمثيل.


وهذا النوع أيضًا ثلاثة أنواع: حمد، وثناء، وتمجيد.


فالحمد لله: إخبار عنه بصفات كماله سبحانه وتعالى مع محبته والرضا به، فلا يكون المحب سالكًا حامدًا ولا المثني بلا محبة حامدًا حتى تجتمع له المحبة والثناء فإن كرر المحامد شيئًا بعد شيء كانت ثناء، فإن كان المدح بصفات الجلال والعظمة والكبرياء والملك كان مجدًا, وقد جمع الله -تعالى- لعبده الأنواع الثلاثة أول الفاتحة، فإذا قال العبد ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ قال الله: «حمدني عبدي» وإذا قال: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ قال: «أثنى علي عبدي» وإذا قال: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ قال: «مجدني عبدي».


وأما النوع الثاني من أنواع الذكر وهو: ذكر أمره ونهيه وأحكامه فهو أيضًا نوعان:

أحدهما: ذكره بذلك إخبارًا عنه بأنه أمر بكذا, ونهى عن كذا, وأحب كذا وسخط كذا, ورضي كذا.


والثاني: ذكره عند أمره فيبادر إليه، وعند نهيه فيهرب منه، فذكر أمره ونهيه شيء، وذكره عند أمره شيء آخر، فإذا اجتمعت هذه الأنواع للذاكر, فذكره أفضل الذكر وأجله وأعظمه.


ومن ذكره سبحانه وتعالى ذكر آلائه وإنعامه وإحسانه وأياديه ومواقع فضله على عبيده, وهذا أيضًا من أجل أنواع الذكر, فهذه خمسة أنواع، وهي تكون بالقلب واللسان تارة، وذلك أفضل الذكر، وبالقلب وحده تارة, وهي الدرجة الثانية، وباللسان وحده تارة وهي الثالثة. فأفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان, وإنما كان ذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده؛ لأن ذكر القلب يثمر المعرفة وبهيج المحبة ويثير الحياء, ويبعث على المخافة, ويدعو إلى المراقبة, ويزع عن التقصير في الطاعات والتهاون في المعاصي والسيئات، وذكر اللسان وحده لا يوجب شيئًا من هذه الآثار، وأن أثمر شيئًا منها فثمرة ضعيفة([1]).

([1]) من الوابل الصيب باختصار وتصرف يسير للإيضاح.









رد مع اقتباس
قديم 2014-12-24, 11:07   رقم المشاركة : 24
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

الذكر والدعاء, وأيهما أفضل


الذكر أفضل من الدعاء، الذكر ثناء على الله -عز وجل- بجميل أوصافه وآلائه وأسمائه، والدعاء سؤال العبد حاجاته، فأين هذا من هذا، ولهذا جاء في الحديث: «من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين» ولهذا كان المستحب في الدعاء أن يبدأ الداعي بحمد الله -تعالى- والثناء عليه بين يدي حاجته، ثم يسأل حاجته، كما في حديث فضالة بن عبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو في صلاته لم يحمد الله -تعالى- ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجل هذا» ثم دعاه فقال له أو لغيره: «إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه -عز وجل- والثناء عليه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بما شاء» رواه الإمام أحمد والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، ورواه الحاكم في صحيحه.


وهكذا دعاء ذي النون عليه السلام قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «دعوة أخي ذي النون، ما دعا بها مكروب إلا فرج الله كربته: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين».


وفي الترمذي: «دعوة أخي ذي النون إذا دعا, وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين» فإنه لم يَدْعُ بها مسلم في شيء قط إلا استجاب له.


وهكذا عامة الأدعية النبوية على قائلها أفضل الصلاة والسلام, ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في دعاء الكرب: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم» ومنه حديث بريدة الأسلمي الذي رواه أهل السنن وابن حبان في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يدعو, وهو يقول: «اللهم, إني أسألك بأن أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد, ولم يكن له كفوًا أحد» فقال: «والذي نفسي بيده، لقد سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعا به أجاب, وإذا سئل به أعطى».


وروى أبو داود والنسائي من حديث أنس أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم جالسًا ورجل يصلي ثم دعا: اللهم, إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد دعا الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب، وإذا سئل به أعطى» فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الدعاء يستجاب إذا تقدمه هذا الثناء والذكر، وأنه اسم الله الأعظم، فكان ذكر الله -عز وجل- والثناء عليه أنجح ما طلب به العبد حوائجه, وهذه فائدة أخرى من فوائد الذكر والثناء، أنه يجعل الدعاء مستجابًا، فالدعاء الذي تقدمه الذكر والثناء أفضل وأقرب إلى الإجابة من الدعاء المجرد، فإن انضاف إلى ذلك إخبار العبد بحاله ومسكنته وافتقاره واعترافه كان أبلغ في الإجابة وأفضل؛ فإنه يكون قد توسل المدعو بصفات كماله وإحسانه وفضله وعرض بل صرح بشدة حاجته وضرورته وفقره ومسكنته؛ فهذا المقتضى منه، وأوصاف المسؤول مقتضى من الله، فاجتمع المقتضى من السائل والمقتضى من المسؤول في الدعاء, وكان أبلغ وألطف موقعًا, وأتم معرفة وعبودية.


وتأمل قول موسى صلى الله عليه وسلم في دعائه: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾.


وقول ذي النون صلى الله عليه وسلم في دعائه: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ وقول أبينا آدم صلى الله عليه وسلم ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾.


وفي الصحيحين أن أبا بكر الصديق قال يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي فقال «قل: اللهم, إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت, فاغفر لي مغفرة من عندك, وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم».


فجمع في هذا الدعاء الشريف العظيم القدر بين الاعتراف بحاله والتوسل إلى ربه -عز وجل- بفضله وجوده, وأنه المنفرد بغفران الذنوب، ثم سأل حاجته بعد التوسل بالأمرين معًا, فهكذا أدب الدعاء وآداب العبودية([1]).

([1]) من الوابل الصيب باختصار.









رد مع اقتباس
قديم 2014-12-24, 11:10   رقم المشاركة : 25
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

التفاضل بين القراءة والذكر والدعاء


قراءة القرآن أفضل من الذكر، والذكر أفضل من الدعاء، هذا من حيث النظر لكل منهما مجردًا، وقد يعرض للمفضول ما يجعله أولى من الفاضل بل يعينه, فلا يجوز أن يعدل عنه إلى الفاضل، وهذا كالتسبيح في الركوع والسجود, فإنه أفضل من قراءة القرآن فيها، بل القراءة فيهما منهي عنها نهي تحريم أو كراهة.


وكذلك التسميع، والتحميد في محلها أفضل من القراءة.


وكذلك التشهد، وكذلك: رب اغفر لي, وارحمني, واهدني، وعافني وارزقني بين السجدتين أفضل من القراءة, وكذلك الذكر عقيب السلام من الصلاة ذكر التهليل والتسبيح والتكبير والتحميد أفضل من الاشتغال عنه بالقراءة.


وكذل إجابة المؤذن والقول كما يقول أفضل من القراءة، وإن كان فضل القرآن على كل كلام كفضل الله -تعالى- على خلقه، لكن لكل مقام مقال، متى فات مقاله فيه وعدل عنه إلى غيره اختلت الحكمة, وفقدت المصلحة المطلوبة منه، وهكذا الأذكار المقيدة بحال مخصوصة أفضل من القراءة المطلقة، والقراءة المطلقة أفضل من الأذكار المطلقة، اللهم, إلا أن يعرض للعبد ما يجعل الذكر أو الدعاء أنفع له من قراءة القرآن، مثل أن يتفكر في ذنوبه, فيحدث ذلك له توبة من استغفار، أو يعرض له ما يخاف أذاه من شياطين الإنس والجن, فيعدل إلى الأذكار والدعوات التي تحصنه وتحوطه وكذلك أيضًا قد يحدث للعبد حاجة ضرورية إذا اشتغل عن سؤالها بقراءة أو ذكر لم يحضر قلبه فيهما، وإذا أقبل على سؤالها والدعاء إليها اجتمع قلبه كله على الله -تعالى- وأحدث له تضرعًا وخشوعًا وابتهالا، فهذا قد يكون اشتغاله بالدعاء والحالة هذه أنفع، وإن كان كل من القراءة والذكر أفضل وأعظم أجرًا, وهذا باب نافع يحتاج إلى فقه نفس، وفرقان بين فضيلة الشيء في نفسه وبين فضيلته العارضة، فيعطى كل ذي حق حقه, ويوضع كل شيء موضعه؛ فللعين موضع, وللرجل موضع, وللماء موضع، وللحم موضع, وحفظ المراتب هو من تمام الحكمة التي هي نظام الأمر والنهي, والله -تعالى- الموفق([1]) .




مجالس الذكر


قال في المفهم: مجلس ذكر، يعني مجلس علم وتذكير, وهي المجالس التي يذكر فيها كلام الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأخبار السلف الصالحين وكلام الأئمة الزهاد المتقدمين المبرأة عن التصنع والبدع والمنزهة عن المقاصد الرديئة والطمع.


وقال النووي في الأذكار: اعلم أن فضيلة الذكر غير منحصرة في التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير ونحوها، بل كل عامل لله -تعالى- بطاعة, فهو ذاكر لله -تعالى- كذا قال سعيد بن جبير رضي الله عنه وغيره من العلماء.


وقال عطاء، رحمه الله: مجالس الذكر هي مجالس الحلال والحرام كيف تشتري وتبيع وتصلي وتصوم وتنكح وتطلق وتحج وأشباه هذه. انتهى.


عظم حق الله -تعالى- وتقصير العباد في ذلك

عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله لو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم, وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم كانت رحمته خيرًا لهم من أعمالهم» رواه أبو داود والحاكم في مستدركه.


فأهل السنة قابلوه بالتصديق, وتلقوه بالقبول، وعلموا من عظمة الله وجلاله, وقدر نعمه على خلقه وعدم قيام الخلق بحقوق نعمه عليهم، إما عجزا, وإما جهلا, وإما تفريطًا, وإما إضاعة, وإما تقصيرًا في المقدور من الشكر, ولو من بعض الوجوه، فإن حقه على أهل السموات والأرض أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر، وتكون قوة القلب كلها، وقوة الإنابة والتوكل، والخشية والمراقبة والخوف والرجاء، جميعها متوجهة إليه ومتعلقة به، بحيث يكون القلب عاكفًا على محبته وتألهه، بل على إفراده بذلك، واللسان محبوسًا على ذكره، والجوارح وقفًا على طاعته، قد استسلمت له القلوب أتم استسلام، وذلة له أكمل ذل وخضعت له أعظم خضوع، وقد فنيت بمراده ومحابه عن مرادها ومحابها، فلم يكن لها مراد محبوب غير مراده ومحبوبه ألبتة.


ولا ريب أن هذا مقدور في الجملة, ولكن النفوس تشح به, وهي في الشح على مراتب لا يحصيها إلا الله تعالى، وأكثر المطيعين يشح به من وجه, وإن أتى به من وجه, ولعل ما تسمح به نفسه أكثر مما تسمح به مع فضل زهده وعبادته وعلمه وورعه.


فأين الذي لا يقع منه إرادة تزاحم إرادة الله, وما يحبه منه فلا يعتبر غفلة واسترسال مع حكم الطبيعة والميل إلى دواعيها، وتقصير في حق الله -تعالى- معرفة ومراعاة وقيامًا به.


ومن الذي ينظر في كل نعمة من النعم دقيقها وجليلها إلى أنها منة ربه وفضله، وإحسانه فيذكره بها, ويحبه عليها, ويشكره عليها، ويستعين بها على طاعته، ويعترف مع ذلك بقصوره وتقصيره، وأن حق الله عليه أعظم مما أتى به.


ومن الذي يوفي حقًا واحدًا من الحقوق وعبودية واحدة حقها من الإجلال والتعظيم والنصح لله -تعالى- فيها، وبذل الجهود في وقوعها على ما ينبغي لوجهه الكريم مما يدخل على قدرة العبد ظاهرا أو باطنًا، ومع هذا فيراها محض منة الله عليه وفضله عليه، وإن ربه هو المستحق عليها الحمد، وأنه لا وسيلة توسل بها إلى ربه حتى نالها، وأنه يقابلها بما تستحق أن تقابل به من كمال الذل والخضوع، والمحبة والبراءة من حوله وقوته.


ومن الذي لم يصدر منه خلاف ما خلق له, ولو في بعض الأوقات من حركة نفسه وجوارحه أو يترك بعض ما خلق له، أو يؤثر بعض حقوقه ومراده على مراد الله -تعالى- ومرضاته, ويزاحمه به.


ومن المعلوم عقلا وشرعًا وفطرة أن الله -تعالى- يستحق على عبده غاية التعظيم والإجلال والعبودية التي تصل إليها قدرته، وكل ما ينافي التعظيم والإجلال يستحق عليه من العقوبة ما يناسبه.


والشرك والمعصية والغفلة واتباع الهوى, وترك بذل الجهد والنصيحة في القيام بحق الله باطنًا وظاهرًا، وتعلق القلب بغيره، والتفاته إلى ما سواه، ومنازعة ما هو من خصائص ربوبيته ورؤية النفس والمشاركة في الحول والقوة، ورؤية الملكة في شيء من الأشياء, فلا ينسلخ منها بالكلية، كل ذلك ينافي التعظيم والإجلال، فلو وضع سبحانه العدل على العباد لعذبهم بعدله فيهم, ولم يكن ظالمًا.


وغاية ما يقدر توبة العبد من ذلك واعترافه به، وقبول التوبة محض فضله وإحسانه، وإلا فلو عذب عبده على جنايته لم يكن ظالما له, ولو قدر أنه تاب منها، لكن أوجب على نفسه بمقتضى فضله ورحمته أن لا يعذب من تاب من ذنبه, واعترف به رحمة وإحسانًا، وقد كتب سبحانه على نفسه الرحمة, فلا يسع الخلائق إلا رحمته وعفوه، ولا يبلغ عمل أحد منهم أن ينجو به من النار أو يدخل به الجنة كما قال أطوع الخلق لربه, وأفضلهم عملا وأشدهم تعظيمًا له لن ينجي أحدًا منكم عمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل».


وكان صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق استغفارًا، وكانوا يعدون عليه في المجلس الواحد مائة مرة رب اغفر لي وتب عليَّ إنك أنت التواب الرحيم.


وكان يقول: يا أيها الناس توبوا إلى ربكم، فوالله, إني لأتوب إلى الله وفي لفظ، إني لاستغفر الله في اليوم والليلة أكثر من سبعين مرة.
وكان إذا سلم من صلاته استغفر ثلاثًا.


وكان يقول بين السجدتين رب اغفر لي وكان يقول في سجوده اللهم اغفر لي خطئي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.


وكان يستغفر في استفتاح الصلاة في خاتمة الصلاة, وعلم أفضل الأمة أن يستغفر في صلاته, ويعترف على نفسه بظلم كثير.


وقد قال الله تعالى: ﴿وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ﴾ وقال: ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ﴾.


فأهل السموات والأرض محتاجون إلى مغفرته كما أنهم محتاجون إلى رحمته.


ومن ظن أنه يستغنى عن مغفرة الله, فهو كمن ظن أنه يستغنى عن رحمته. فلا يستغنى أحد عن مغفرته ورحمته كما لا يستغنى عن نعمته ومنته فلو أمسك عنهم فضله ومنته ورحمته لهلكوا وعذبوا، ولم يكن ظالمًا وحينئذ فتصيبهم النقمات بإمساك فضله, وكل نقمة منه عدل.


ومما يوضح هذا أن الظلم الذي تقدس عنه أن يعاقبهم بما لم يعملوا ويمنعهم ثواب ما يستحقون ثوابه, وهو سبحانه لا يعذب إلا بسبب كما إذا أراد تعذيب الأطفال والمجانين، ومن لم تقم عليه حجته في الدنيا امتحنهم في الآخرة، فعذب من عصاه منهم بأسباب أظهرها بالامتحان كما أظهر([2]) امتحان إبليس سبب عقوبته, فلو أراد تعذيب أهل سمواته وأرضه كلهم لامتحنهم امتحانًا يظهر أسباب تعذيب فيكون عدلا منه، فإنه يعلم من العبد ما لا يعلمه العبد من نفسه، قال الحسن البصري لقد دخلوا النار, وإن حمده لفي قلوبهم، ما وجدوا عليه سبيلا([3]) .

([1]) من الوابل الصيب.

([2]) لعل العبارة: (كما أ ظهر بامتحان إبليس سبب عقوبته).

([3]) من مختصر الصواعق باخصار.









رد مع اقتباس
قديم 2014-12-24, 11:12   رقم المشاركة : 26
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

عجز العباد عن القيام بشكر نعم الله على الكمال


فإن كشف علمك عن هذا, ولم يتسع له عقلك، فاذكر النعم وما عليها من الحقوق، ووازن بين شكرها وكفرها، فحينئذ تعلم أنه لو عذب أهل السموات والأرض لعذبهم, وهو غير ظالم لهم، قال أنس بن مالك: ينشر للعبد يوم القيامة ثلاثة دواوين ديوان فيه ذنوبه، وديوان فيه النعم، وديوان فيه العمل الصالح، فيأمر الله -تعالى- أصغر نعمة من نعمه, فتقوم فتستوعب عمله فيه ثم تقول: أي ربي وعزتك وجلالك ما استوعبت ثمني, وقد بقيت الذنوب والنعم، فإذا أراد الله بعبده خيراً قال: ابن آدم ضعفت حسناتك, وتجاوزت عن سيئاتك ووهبت لك نعمي فيما بيني وبينك ومما يوضح الأمر أن من حق الله على عبده أن يرضى به رباً وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم وهذا الرضا يقتضي رضاه بربوبيه له في كل ما يقضيه, ويقدره عليه في عطائه له ومنعه وفي قبضه به وبسطه، ورضاه بالإسلام دينًا يوجب عليه رضاه به, وعنه في كل ما يأمره وينهاه عنه ويحبه منه ويكرهه له, فلا يكون في صدره من ذلك حرج بوجه ما ورضاه بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا يوجب أن يرضى بحكمه له، وعليه أن يسلم لذلك, وينقاد له ولا يقدم عليه غيره, وهذا يوجب أن يكون حبه كله لله، وبغضه كله لله، وعطاؤه لله ومنعه لله، وفعله لله وتركه لله، وإذا قام بذلك كانت نعم الله عليه أكثر من عمله, بل فعله ذلك من أعظم نعم الله عليه، حيث وفقه له, ويسره له وأعانه عليه، وجعله من أهله وخصه به، فهو يستوجب شكرًا آخر عليه، فلا سبيل له إلى القيام بما يجب لله -تعالى- عليه من الشكر أبدًا, فنعم الله تطالبه بالشكر، وأعماله لا يقبلها وذنوبه وغفلته وتقصيره قد يستنفد عمله, فديوان النعم وديوان الذنوب يستنفذان طاعاته كلها، هذا وأعمال العبد مستحقة عليه بمقتضى كونه عبدًا مملوكًا مستعملا فيما يأمره به سيده، فنفسه مملوكة وأعماله مستحقة عليه بموجب العبودية, فلا يستحق ثوابًا ولا جزاء، فلو أمسك الثواب والجزاء الذي يتنعم به لم يكن ظالماً، فإنه يكون قد فعل ما وجب عليه بحق كونه عبدًا, ومن لم يحكم هذا الوضع, فإنه عند الذنوب وعقباتها يصدر منه من الأقوال ما يكون فيها أو في بعضها خصمًا لله متظلمًا منه شاكيًا له، وقد وقع في هذا من شاء الله من الناس, ولو حركت النفوس لرأيت العجب.




ومما يوضح ذلك أنه سبحانه عادل، لو عم أهل السموات والأرض بالعذاب لكان عادلا, فهو إنما ينزل العذاب بسبب من يستحقه منهم ثم يعم العذاب من لا يستحقه، كما أهلك سبحانه الأمم المكذبين بعذاب الاستئصال, وأصاب العذاب الأطفال والبهائم ومن لم يذنب، وكذلك إذا عصاه أهل الأرض أمسك عنهم قطر السماء، فيصيب ذلك العذاب البهائم والوحوش في الفلوات، فتموت الحبارى في وكرها هزلا بخطايا بني آدم, ويموت الضب في جحره جوعًا, وقد أغرق الله أهل الأرض كلهم بخطايا قوم نوح، وفيهم الأطفال والبهائم، ولم يكن ذلك ظلمًا منه سبحانه, فالعقوبة الإلهية التي اشتركت الناس في أسبابها تأتي عامة، وقد كسر الصحابة رضي الله عنهم في يوم أحد بذنوب أولئك الذين عصوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخلوا مركزهم وانهزموا يوم حنين لما حصل لبعضهم من الإعجاب بكثرتهم فعمت عقوبة ذلك الإعجاب، وهذا عين العدل والحكمة لما في ذلك من المصالح التي لا يعلمها إلا الله تعالى.




وغاية ما يقال: فهلا خصت العقوبة صاحب الجريمة فيقال: العقوبة العامة التي تبقى آية وعبرة وموعظة، لو وقعت خاصة لارتفعت الحكمة المقصودة منها، وفاتت العبرة, ولم يظهر للناس أنها بذلك السبيل، بل لعل قائلاً يقول: قدرًا اتفق، وإذا أصاب العذاب من لا يستحقه، فمن يثاب في الآخرة معجل له الراحة في الدنيا بالموت الذي لا بد منه, ويتداخل الثواب في الآخرة، ومن لا يثاب كالبهائم التي لا بد من موتها, فإنها تتعجل الراحة وما يصيبها ([1]) ، من ألم الجوع والعطش، فهو من لوازم العدل والحكمة مثل الذي يصيبها من ألم الحر والبر والحبس في بيوتها التي مصلحتها أرجح من مفسدة ما ينالها، وهكذا مصلحة هذه العقوبة العامة, وجعلها عبرة للأمم أرجح من مفسدة تألم تلك الحيوانات([2]).



([1]) لعل العبارة صوابها: (مما يصيبها) فليحرر.

([2]) من مختصر الصواعق.









رد مع اقتباس
قديم 2014-12-24, 13:04   رقم المشاركة : 27
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

ما يستقيم به السير إلى الله والدار الآخرة




طالب الله والدار الآخرة لا يستقيم سيره وطلبه إلا بحبسين: حبس قلبه في طلبه ومطلوبه، وحبسه عن الالتفات إلى غيره، وحبس لسانه عما لا يفيد، وحبسه على ذكر الله, وما يزيد في إيمانه ومعرفته، وحبس جوارحه عن المعاصي والشهوات، وحبسها على الواجبات والمندوبات فلا يفارق الحبس حتى يلقى ربه فيخلصه من السجن إلى أوسع فضاء وأطيبه, ومتى لم يصبر على هذين الحبسين([1]) وفر منهما إلى قضاء الشهوات أعقبه ذلك الحبس الفظيع عند خروجه من الدنيا، فكل خارج من الدنيا أما متخلص من الحبس, وإما ذاهب إلى الحبس, وبالله التوفيق([2]).

أثر الشهادة عن الموت


لشهادة "لا إله إلا الله" عند الموت تأثير عظيم في تكفير السيئات وإحباطها؛ لأنها شهادة من عبد موقن بها عارف بمضمونها، قد ماتت منه الشهوات, ولانت نفسه المتمردة وانقادت بعد إبائها واستعصائها, وأقبلت بعد إعراضها, وذلت بعد عزها، وخرج منها حرصها على الدنيا وفضولها واستخذت بين يدي ربها وفاطرها ومولاها الحق أذل ما كانت له، وأرجى ما كانت لعفوه ومغفرته ورحمته، وكان لها التوحيد بانقطاع أسباب الشرك, وتحققت بطلانه, فزالت منها تلك النازعات التي كانت مشغولة بها، واجتمع همها على ما أيقنت بالقدوم عليه، والمصير إليه فوجه العبد وجهه بكليته إليه, وأقبل بقلبه وروحه وهمه عليه، فاستسلم وحدد ظاهرًا أو باطنًا واستوى سره وعلانيته فقال: لا إله إلا الله مخلصًا من قلبه, وقد تخلص قلبه من التعلق بغيره، والالتفات إلى ما سواه، وقد خرجت الدنيا كلها من قلبه، وشارف القدوم على ربه، وخمدت نيران شهوته، وامتلأ قلبه من الآخرة فصارت نصب عينيه وصارت الدنيا وراء ظهره، فكانت تلك الشهادة الخالصة خاتمة عمله؛ فطهرته من ذنوبه، وأدخلته على ربه؛ لأنه لقي ربه بشهادة صادقة خالصة، وافق ظاهرها باطنها، وسرها علانيتها, فلو حصلت له الشهادة على هذا الوجه في أيام الصحة لاستوحش من الدنيا وأهلها، وفر إلى الله من الناس، وأنس به دون من سواه، لكنه شهد بها بقلب مشحون بالشهوات وحب الحياة وأسبابها ونفس مملوءة بطلب الحظوظ والالتفات إلى غير الله, فلو تجردت كتجردها عند الموت، لكان هذا نبأ آخر وعيش آخر سوى عيشها البهيمي والله المستعان ([3]) .




ما تتم به الرغبة في الآخرة والزهد في الدنيا

لا تتم الرغبة في الآخرة إلا بالزهد في الدنيا، ولا يستقيم الزهد في الدنيا إلا بعد نظرين صحيحين:


نظر في الدنيا: وسرعة زوالها وفنائها واضمحلالها ونقصها وخستها، وألم المزاحمة عليها والحرص عليها، وما في ذلك من الغصص والنغص والأنكاد, وآخر ذلك الزوال والانقطاع مع ما يعقب من الحسرة والأسف, فطالبها لا ينفك من هم قبل حصولها وهم في حال الظفر بها، وغم وحزن بعد فواتها فهذا أحد النظرين.


النظر الثاني:النظر في الآخرة وإقبالها ومجيئها, ولا بد ودوامها وبقائها، وشرف ما فيها من الخيرات والمسرات، والتفاوت الذي بينه وبين ما ههنا فهي كما قال الله سبحانه ﴿وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾ فهي خيرات كاملة دائمة, وهذه خيالات ناقصة منقطعة مضمحلة, فإذا تم له هذان النظران آثر ما يقتضي العقل إيثاره، زهد فيما يقتضي الزهد فيه، فكل أحد مطبوع على أن لا يترك النفع العاجل واللذة الحاضرة إلى النفع الآجل، واللذة الغائبة المنتظرة، إلا إذا تبين له فضل الآجل على العاجل, وقويت رغبته في الأعلى الأفضل، فإذا آثر الفاني الناقص كان ذلك لعدم تبين الفضل له، وإما لعدم رغبته في الأفضل، وكل واحد من الأمرين يدل على ضعف الإيمان وضعف العقل والبصيرة ، فإن الراغب في الدنيا الحريص عليها المؤثر لها، إما أن يصدق بأن ما هناك أشرف وأفضل وأبقى، وإما أن لا يصدق فإن لم يصدق بذلك كان عادمًا للإيمان رأسًا، وإن صدق بذلك, ولم يؤثره كان فاسد العقل سيئ الاختيار لنفسه، وهذا تقسيم حاضر ضروري لا ينفك العبد من أحد القسمين منه, فإيثار الدنيا على الآخرة إما من فساد الإيمان، وإما من فساد العقل, وما أكثر ما يكون منهما, ولهذا نبذها رسول الله صلى الله عليه وسلم وراء ظهره هو وأصحابه، وصرفوا عنها قلوبهم وطرحوها، ولم يألفوها, وهجروها ولم يميلوا إليها وعدوها سجنًا لا جنة، فزهدوا فيها حقيقة الزهد، ولو أرادوها لنالوا منها كل محبوب, ولوصلوا منها إلى كل مرغوب، فقد عرضت عليه مفاتيح كنوزها فردها، وفاضت على أصحابه فآثروا بها، ولم يبيعوا حظهم من الآخرة بها، وعلموا أنها معبر وممر لا دار مقام ومستقر، وأنها دار عبور لا دار سرور، وأنها سحابة صيف تنقشع عن قليل، وخيال طيف ما استتم الزيادة حتى أذن الرحيل.


قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما لي وللدنيا؛ إنما أنا كراكب قال في ظل شجرة ثم راح وتركها» وقال: «ما الدنيا في الآخرة إلا كما يدخل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بم ترجع».


وقال خالقها سبحانه: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ * وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾.


فأخبر عن خسة الدنيا وزهد فيها، وأخبر عن دار السلام ودعا إليها.


وقال تعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا * الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾.


وقال تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾.


وقال تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾.


وقال تعالى: ﴿وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ﴾.


وقد توعد الله أعظم الوعيد لمن رضي بالحياة الدنيا, واطمأن بها, وغفل عن الآخرة, ولم يرج لقاءه فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾.


وعير سبحانه من رضي بالدنيا من المؤمنين فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ ﴾.


وعلى قدر رغبة العبد في الدنيا ورضاه بها يكون تثاقله عن طاعة الله, وطلب الآخرة, ويكفى في الزهد في الدنيا قوله تعالى: ﴿أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ * ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ * مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ ﴾.


وقوله:﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ﴾ بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون.


وقوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ﴾.


وقوله: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ ﴾.


وقوله: ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾.


وقوله: ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا * يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا ﴾ والله المستعان, وعليه التكلان([4]) .

([1]) بكل واحدة من القلب واللسان والجوارح حبسان فتنبه.

([2]) من الفوائد لابن القيم.

([3]) من الفوائد.

([4]) من الفوائد.









رد مع اقتباس
قديم 2014-12-25, 11:15   رقم المشاركة : 28
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

أساس كل خير ومفتاحه


أساس كل خير: أن تعلم أن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، فتتيقن حينئذ أن الحسنات من نعمه, فتشكره عليها, وتتضرع إليه أن لا يقطعها عنك, وأن السيئات من خذلانه وعقوبته, فتبتهل إليه أن يحول بينك وبينها, ولا يكلك في فعل الحسنات وترك السيئات إلى نفسك.


وقد أجمع العارفون على أن كل خير أصله بتوفيق الله للعبد، وكل شر أصله خذلانه لعبده, وأجمعوا على أن التوفيق أن لا يكلك الله إلى نفسك، وأن الخذلان هو أن يخلي بينك وبين نفسك, فإذا كان كل خير فأصله التوفيق, وهو بيد الله لا بيد العبد فمفتاحه الدعاء والافتقار وصدق اللجوء والرغبة والرهبة إليه, فمتى أعطى العبد هذا المفتاح؛ فقد أراح أن يفتح له, ومتى أضله عن المفتاح بقي باب الخير مرتجًا دونه.




قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: إني لا أحمل هم الإجابة, ولكن هم الدعاء, فإذا ألهمت الدعاء فإن الإجابة معه, وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته في ذلك يكون توفيقه سبحانه وإعانته؛ فالمعونة من الله تنزل على العباد على قدر هممهم وثباتهم ورغبتهم ورهبتهم, والخذلان ينزل عليهم على حسب ذلك, فالله سبحانه أحكم الحاكمين وأعلم العالمين يضع التوفيق في مواضعه اللائقة به، والخذلان في مواضعه اللائقة به, وهو العليم الحكيم.


وما أتى مَن أتى إلا من قبل إضاعة الشكر وإهمال الافتقار والدعاء، ولا ظفر مَن ظفر بمشيئة الله وعونه إلا قيامه بالشكر وصدق الافتقار والدعاء، وملاك ذلك الصبر؛ فإنه من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس فلا بقاء للجسد([1]).

أعظم عقوبة وأسبابها

ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبعد عن الله. خلقت النار لإذابة القلوب القاسية، أبعد القلوب من الله القاسي فإذا قسا القلب قحطت العين.


قسوة القلب من أربعة أشياء إذا جاوزت قدر الحاجة: الأكل، والنوم والكلام، والمخالطة، كما أن البدن إذا مرض لم ينفع فيه الطعام والشراب, فكذلك القلب إذا مرض بالشهوات لم تنجع فيه المواعظ.


من أراد صفاء قلبه فليؤثر الله على شهوته.

القلوب المتعلقة بالشهوات محجوبة عن الله بقدر تعلقها بها، شغلوا قلوبهم بالدنيا، ولو شغلوها بالله والدار الآخرة لجالت في معاني كلامه وآياته المشهودة, ورجعت إلى أصحابها بغرائب الحكم وطرائف الفوائد، إذا غذي القلب بالتذكر، وسقي بالتفكر ونقي من الدَّغَل - رأى العجائب وألهم الحكمة، خراب القلب من الأمن والغفلة، وعمارته من الخشية والذكر إذا زهدت القلوب في موائد الدنيا قعدت على موائد الآخرة بين أهل تلك الدعوة، وإذا رضيت بموائد الدنيا فاتتها تلك الموائد: والقلب يمرض كما يمرض البدن وشفاؤه في التوبة والحمية ويصدأ كما تصدأ المرآة وجلاؤه بالذكر، ويعرى كما يعرى الجسم وزينته التقوى، ويجوع ويظمأ كما يجوع البدن، وطعامه وشرابه المعرفة والمحبة والتوكل والإنابة والخدمة.


للقلب ستة مواطن يجول فيها لا سابع لها: ثلاثة سافلة وثلاثة عالية، فالسافلة: دنيا تتزين له، ونفس تحدثه، وعدو يوسوس له, فهذه مواطن الأرواح السافلة التي لا تزال تجول فيها، والثلاثة العالية: علم يتبين له وعقل يرشده، وإله يعبده، والقلوب جوالة في هذه المواطن([2]) .


أفضل ما اكتسبته النفوس وحصلته القلوب

أفضل ما اكتسبته النفوس، وحصلته القلوب، ونال به العبد الرفعة في الدنيا والآخرة، هو العلم والإيمان, ولهذا قرن بينهما سبحانه في قوله: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ ﴾.


وقوله: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾.


وهؤلاء هم خلاصة الوجود ولبه والمؤهلون للمراتب العالية، ولكن أكثر الناس غالطون في حقيقة مسمى العلم والإيمان الذين بهما السعادة والرفعة، وفي حقيقتهما حتى أن كل طائفة تظن أن ما معها من العلم والإيمان هو هذا الذي به تنال السعادة، وليس كذلك بل أكثرهم ليس معهم إيمان ينجي ولا علم يرفع، بل قد سدوا على أنفسهم طرق العلم، والإيمان اللذين جاء بهما الرسول صلى الله عليه وسلم, ودعا إليهما الأمة, وكان عليهما هو وأصحابه من بعده, وتابعوهم على منها جهم وآثارهم.


والعلم: هو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم عن الله.


قال تعالى:﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾.
وقال: ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾.
وقال في القرآن ﴿أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ﴾ أي: وفيه علمه.
ولقد أحسن من قال:



العلم قال الله قال رسوله



قال الصحابة ليس بالتمويه


ما العلم نصبك للخلاف سفاهة



بين الرسول وبين رأي فقيه


كلا ولا جحد الصفات ونفيهما



حذرا من التمثيل والتشبيه










وأما الإيمان: فأكثر الناس أو كلهم يدعونه، ﴿وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ﴾ وأكثر المؤمنين إنما عندهم إيمان يحمل.


وأما الإيمان المفصل بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم معرفة وعلما وإقرارًا ومحبة ومعرفة بضده وكراهيته وبغضه, فهذا إيمان خواص الأمة، وخاصة الرسول, وهو إيمان الصدق وحزبه.


والإيمان: حقيقة مركبة من معرفة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم علمًا، والتصديق به عقدًا والإقرار به نطقًا والانقياد له محبة وخضوعًا والعمل به باطنًا وظاهرا، وتنفيذه والدعوة إليه بحسب الإمكان، وكما له في الحب في الله، والبغض في الله، والقضاء لله والمنع لله، وأن يكون الله وحده إلهه ومعبوده.


والطريق إليه: تجريد متابعة رسوله صلى الله عليه وسلم ظاهرًا أو باطنًا, وتغميض عين القلب عن الالتفات إلى سوى الله ورسوله، وبالله التوفيق.


وقال أيضًا: الإيمان له ظاهر وباطن وظاهره قول اللسان وعمل الجوارح.


وباطنه: تصديق القلب وانقياده ومحبته, فلا ينفع ظاهر لا باطن له، وأن حقن به الدماء وعصم به المال والذرية، ولا يجزئ باطن لا ظاهر له إلا إذا تعذر بعجز أو إكراه وخوف هلاك, فيخف العمل ظاهرًا مع عدم المانع، دليل على فساد الباطن وخلوه من الإيمان، ونقصه دليل نقصه وقوته دليل قوته، فالإيمان قلب الإٍسلام ولبه، واليقين قلب الإيمان ولبه، وكل علم وعمل لا يزيد الإيمان واليقين قوة فمدخول.


وكل إيمان لا يبعث على العمل فمدخول ([3]) .

([1]) من الفوائد.

([2]) من الفوائد باختصار.

([3]) من الفوائد باختصار.









رد مع اقتباس
قديم 2014-12-25, 11:20   رقم المشاركة : 29
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

نصيحة قيمة


هَلُمَّ إلى الدخول على الله ومجاورته في دار السلام بلا نصب ولا تعب ولا عناء، بل من أقرب الطرق وأسهلها, وذلك أنك في وقت بين وقتين وهو في الحقيقة عمرك، وهو وقتك الحاضر بين ما مضى وما يستقبل، فالذي مضى تصلحه بالتوبة والندم والاستغفار، وذلك شيء لا تعب عليك فيه، ولا نصب ولا معاناة عمل شاق، إنما هو عمل قلب، وتمتنع فيما يستقبل من الذنوب وامتناعك ترك وراحة ليس هو عملا بالجوارح يشق عليك معاناته، وإنما هو عزم ونية جازمة تريح بدنك وقلبك وسرك، فما مضى تصلحه بالتوبة، وما يستقبل تصلحه بالامتناع والعزم والنية، وليس للجوارح في هذين نصب ولا تعب، ولكن الشأن في عمرك، وهو وقتك الذي بين الوقتين، فإن أضعته أضعت سعادتك ونجاتك، وإن حفظته مع إصلاح الوقتين الذين قبله وبعده بما ذكر نجوت وفزت بالراحة والنعيم. وحفظه أشق من إصلاح ما قبله وما بعده، فإن حفظه أن تلزم نفسك بما هو أولى بها وأنفع لها وأعظم تحصيلا لسعادتها.




وفي هذا تفاوت الناس أعظم تفاوت؛ فهي والله أيامك الخالية التي تجمع فيها الزاد لمعادك؛ إما إلى الجنة وإما إلى النار، فإن اتخذت إليها سبيلاً إلى ربك بلغت السعادة العظمة والفوز الأكبر في هذه المدة اليسيرة، التي لا نسبة لها إلى الأبد، وإن أثرت الشهوات والراحات واللهو واللعب وانقضت عنك بسرعة، أعقبتك الألم العظيم الدائم الذي مقاساته ومعاناته أشق وأصعب، وأدوم من معاناة الصبر عن محارم الله، والصبر على طاعته ومخالفة الهوى لأجله ([1])

علامات السعادة وعلامات الشقاوة

من علامات السعادة والفلاح، أن العبد كلما زيد في علمه زيد في تواضعه ورحمته وكلما زيد في عمله، زيد في خوفه وحذره، وكلما زيد في عمره، نقص من حرصه، وكلما زيد في ماله زيد في سخائه وبذله، وكلما زيد في قدره وجاهه، زيد في قربه من الناس وقضائه حوائجهم والتواضع لهم.


وعلامات الشقاوة: أنه كلما زيد في علمه، زيد في كبره وتيهه، وكلما زيد في عمله، زيد في فخره واحتقاره للناس وحسن ظنه بنفسه. وكلما زيد في عمره، زيد في حرصه، وكلما زيد في ماله زيد في بخله وإمساكه، وكلما زيد في قدره وجاهه، زيد في كبره وتيهه، وهذه الأمور ابتلاء من الله وامتحان يبتلي بها عباده فيسعد بها أقوام ويَشقى بها أقوام.


وكذلك الكرامات امتحان وابتلاء: كالملك والسلطان، والمال قال -تعالى- عن نبيه سليمان لما رأى عرش بلقيس عنده: ﴿هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ﴾.


فالنعم ابتلاء من الله وامتحان يظهر بها شكر الشكور وكفر الكفور كما أن المحن بلوى منه سبحانه، فهو يبتلي بالنعم كما يبتلي بالمصائب قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ * كَلَّا ﴾ أي: ليس كل من وسعت عليه وأكرمته ونعمته يكون إكرامًا مني له، ولا كل من ضيقت عليه رزقه وابتليته يكون ذلك إهانة له مني([2]).



([1]) من الفوائد.

([2]) من الفوائد.









رد مع اقتباس
قديم 2014-12-25, 11:23   رقم المشاركة : 30
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

أركان الكفر


أركان الكفر أربعة: الكبر، و الحسد، والغضب، والشهوة؛ فالكبر: يمنعه الانقياد والحسد: يمنعه قبول النصحية وبذلها، والغضب: يمنعه العدل، والشهوة: تمنعه التفرغ للعبادة, فإذا انهدم ركن الكبر سهل عليه الانقياد, وإذا انهدم ركن الحسد سهل عليه قبول النصح وبذله، وإذا انهدم ركن الغضب سهل عليه العدل والتواضع، وإذا انهدم ركن الشهوة سهل عليه الصبر والعفاف والعبادة.


وزوال الجبال عن أماكنها أيسر من زوال هذه الأربعة عمن بلي بها، ولا سيما إذا صارت هيئات راسخة، وملكات وصفات ثابتة، فإنه لا يستقيم له معها عمل ألبتة، ولا تزكو نفسه مع قيامها بها، وكلما اجتهد في العمل أفسدته عليه هذه الأربعة، وكل الآفات متولدة منها، وإذا استحكمت في القلب أرته الباطل في صورة الحق، والحق في صورة الباطل، والمعروف في صورة المنكر، والمنكر في صورة المعروف، وقربت منه الدنيا وبعدت منه الآخرة.


وإذا تأملت كفر الأمم رأيته ناشئًا منها وعليها يقع العذاب, وتكون خفته وشدته بحسب خفتها وشدتها، فمن فتحها على نفسه، فتح عليه أبواب الشرور كلها عاجلا وآجلا، ومن أغلقها عن نفسه، أغلق عنه أبواب الشرور، فإنها تمنع الانقياد والإخلاص والتوبة والإنابة وقبول الحق ونصيحة المسلمين والتواضع لله ولخلقه.


ومنشأ هذه الأربعة: من جهله بربه وجهله بنفسه، فإنه لو عرف ربه بصفات الكمال ونعوت الجلال، وعرف نفسه بالنقائص والآفات لم يتكبر ولم يغضب لها، ولم يحسد أحدًا على ما آتاه الله، فإن الحسد في الحقيقة نوع من معادات الله، فإنه يكره نعمة الله على عبده، وقد أحبها الله، ويحب زوالها عنه، والله يكره ذلك فهو مضاد لله في قضائه وقدره ومحبته وكراهته.


ولذلك كان إبليس عدوه حقيقة؛ لأن ذنبه كان عن كبر وحسد، فقلع هاتين الصفتين بمعرفة الله وتوحيده، والرضا به وعنه والإنابة إليه، وقلع الغضب بمعرفة النفس، وأنها لا تستحق أن يغضب لها، وينتقم لها إن ذلك إيثار لها بالرضا والغضب على خالقها وفاطرها وأعظم ما تدفع به هذه الآفة أن يعودها أن تغضب له سبحانه وترضى له, فكلما دخلها شيء من الغضب والرضا له خرج منها مقابله من الغضب والرضا لها وكذا بالعكس.


وأما الشهوة: فدواؤها صحة العلم والمعرفة بأن إعطاءها شهواتها أعظم أسباب حرمانها ومتعها منها، وحمايتها أعظم أسباب اتصالها إليها، فكلما فتحت عليها باب الشهوات كنت ساعيًا في حرمانها إياها، وكلما أغلقت عنها ذلك الباب، كنت ساعيًا في إيصالها إليها على أكمل الوجوه، فالغضب مثل السبع إذا أفلته صاحبه بدأ يأكله، والشهوة: مثل النار إذا أضرمها صاحبها بدأت بإحراقه، والكبر: بمنزلة منازعة الملك ملكه؛ فإن لم يهلكك طردك عنه. والحسد: بمنزلة معاداة من هو أقدر منك.


والذي يغلب شهوته وغضبه يفرق الشيطان من ظله، ومن تغلبه شهوته وغضبه يفرق من خياله ([1]).

([1]) من الفوائد.









رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
التنبيه, النفس, تذكرة, ينبغي, زمان, والأخوان


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 14:10

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc