النبوءات المستقبلية في القرآن الكريم من أكبر الأدلة على إعجازه - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > منتدى نُصرة الإسلام و الرّد على الشبهات

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

النبوءات المستقبلية في القرآن الكريم من أكبر الأدلة على إعجازه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2025-01-08, 21:40   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عبدالله الأحد
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي النبوءات المستقبلية في القرآن الكريم من أكبر الأدلة على إعجازه

النبوءات المستقبلية في القرآن الكريم من أكبر الأدلة على إعجازه
منذ 2023-01-27
تعد قضية إعجاز القرآن الكريم من أهم القضايا التي اهتمَّ بها علماء المسلمين، وخاصة من المفسِّرين وعلماء الكلام؛ لأن هذا الإعجاز هو الدليل الأقوى والبرهان الأسمى على أن هذا القرآن من عند الله عز وجل ولم يختلقه النبي ﷺ

النبوءات المستقبلية في القرآن الكريم من أكبر الأدلة على إعجازه
تُعَدُّ قضية إعجاز القرآن الكريم من أهم القضايا التي اهتمَّ بها علماء المسلمين، وخاصة من المفسِّرين وعلماء الكلام؛ لأن هذا الإعجاز هو الدليل الأقوى والبرهان الأسمى على أن هذا القرآن من عند الله عز وجل ولم يختلقه النبي صلى الله عليه وسلم من عند نفسه؛ لأنه لو كان مختلقًا لاستطاع البشر أن يأتوا بمثله؛ ولكن إذا عجزوا عن الإتيان بمثله، بل مثل سورة منه، مع ما جابههم به القرآن الكريم من التحدِّي تِلْوَ الآخر؛ دلَّ ذلك بما لايدع مجالًا للشكِّ على صدق النبي صلى الله عليه وسلم في بعثته، وأمانته في تبليغ رسالته.



ولما كان الإعجاز بهذه الأهمية فإن العلماء أخذوا يبحثون عن سبب هذا الإعجاز وسرِّه، ولِمَ كان القرآن معجزًا؟ وما هي وجوه هذا الإعجاز؟

واختلفت آراؤهم وتعدَّدَتْ أفكارُهم، فمن قائل: إن سبب إعجازه هو بلاغته وروعة أسلوبه، ومنهم من قال: إنه مجيئه على لسان نبيٍّ أُمِّيٍّ لا يعرف القراءة والكتابة، ومنهم من قال: إنه معجز بمعانيه وأحكامه وتشريعاته، التي لم يعهد مثلها في دِقَّتِها وشمولها في دنيا الناس آنذاك، فكل هذه أوجه صالحة لأن يُحمَل الإعجاز عليها، وهي لا تتعارض فيما بينها، وإنما هي تتكامَل في رسم صورة هذا الإعجاز، وإبراز ملامحه؛ ولكن يبقى هناك وجه من أوجه الإعجاز ذكره العلماء ونبَّهُوا عليه، ويعد من أهم وجوه الإعجاز، وهو إخبار القرآن الكريم بنبوءات مستقبلية، وأخبار غيبية، وقعت كما أخبر القرآن الكريم، ولم تنخرم منها نبوءة واحدة، أو وقعت على خلاف ما أخبر به.



وهذا مما لا شكَّ فيه دليلٌ قويٌّ جدًّا على صحة القرآن الكريم، وإلا فكيف لرجل أُمِّي أن يخترق حجب المستقبل، فتنكشف له أمور غيبية، فيخبر عنها وتقع كما أخبر، ناهيك أن هذه النبوءات المستقبيلة لا تختص بفرد من أفراد الناس، أو قضايا جزئية قد يسهل التنبُّؤ بها؛ بل إن بعض هذه النبوءات تتعلَّق بمصائر أُمَم، وحروب بين جماعات، وهزيمة ونصر في خضمِّ صراعات، بين قوى كبرى في العالم آنذاك؛ ممَّا يستحيل معه أن يتنبَّأ به رجل أُمِّي قاطن في صحراء مكة، فتقع كما أخبر على هذا النحو المُذْهِل.



وفي هذه المقالة سوف أذكر بعض ما وقع في القرآن الكريم من هذه النبوءات؛ حتى تكون زادًا لتقوية الإيمان وتربية اليقين، وحصنًا نُحصِّن به أنفسنا وقلوبنا من الشُّبُهات والشكوك التي اجتاحت عصرنا، تريد أن تخلع الناس من إيمانهم، وتقتلع شجرة الإسلام من قلوبهم.



1- التنبوء بانتصار الروم على الفرس:

وردت هذه النبوءة في قوله تعالى: {غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 2 - 5].



"فدولة الرومان وهي مسيحية كانت قد انهزمت أمام دولة الفرس وهي وثنية في حروب طاحنة بينهما سنة 614م، فاغتمَّ المسلمون بسبب أنها هزيمة لدولة متدينة أمام دولة وثنية، وفرح المشركون، وقالوا للمسلمين في شماتة العدوِّ: إن الروم يشهدون أنهم أهل كتاب، وقد غلبهم المجوس وأنتم تزعمون أنكم ستغلبون بالكتاب الذي أنزل عليكم، فسنغلبكم كما غلبت فارس الروم، فنزلت الآيات الكريمة يُبشِّر الله فيها المسلمين بأن هزيمة الروم هذه، سيعقبها انتصار في بضع سنين؛ أي: في مدة تتراوح بين ثلاث سنوات وتسع، ولم يك مظنونًا وقت هذه البشارة أن الروم تنتصر على الفرس في مثل هذه المدة الوجيزة؛ بل كانت المقدِّمات والأسباب تأبى ذلك عليها؛ لأن الحروب الطاحنة أنهكتها حتى غزيت في عقر دارها، كما يدل عليه النص الكريم {فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} ولأن دولة الفرس كانت قويةً منيعةً، وزادها الظفر الأخير قوةً ومنعةً حتى إنه بسبب استحالة أن ينتصر الروم عادة، أو تقوم لهم قائمة راهن بعض المشركين أبا بكر على تحقُّق هذه النبوءة[1]؛ ولكن الله تعالى أنجز وعده، وتحقَّقت نبوءة القرآن سنة 622 م الموافقة للسنة الثانية من الهجرة المحمدية" [2].



وفي هذه الآيات نبوءة أخرى ذكرها بعض المفسرين، وهي في قوله تعالى: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ} ؛ حيث قالوا: إن فرح المؤمنين هنا مقصود به فرحهم عندما يهزمون المشركين في غزوة بدر[3]، وعند التحقيق نجد أن هذه الآية ليست ظاهرة الوضوح في التنبُّؤ بانتصار المسلمين يوم بَدْر؛ لأنه من المحتمل أن المقصود هو فرح المؤمنين بانتصار الروم على الفرس؛ لذلك تبقى هذه النبوءة من قبيل الاحتمال وليس الجزم، والله أعلم.



2- التنبُّؤ بانتصار المسلمين في معركة بَدْر:

وذلك في قوله تعالى: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر: 45] في هذه الآية إخبار من الله عز وجل بهزيمة جموع المشركين يوم غزوة بدر، ولأن المسلمين كانوا يؤمئذٍ مستضعفين، وكانوا قليلي العدد والعدة، فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال متعجبًا: أي جمع هذا سوف يهزم؟ "فعن عكرمة، قال: لما نزلت {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} ، قال عمر: أي جمع يهزم؟ أي جمع يغلب؟ قال عمر: فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع، وهو يقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} فعرفت تأويلها يومئذٍ"[4].



إن هذه النبوءة يستحيل أن تكون من اختراع النبي صلى الله عليه وسلم وحاشاه؛ لأنه كان في هذا الوقت أقل عدَّةً وعتادًا من قريش، وكانت كل الظروف والأحوال تشير إلى أن أي معركة بينه وبين المشركين فمآلها قطعًا إلى هزيمة المسلمين؛ لذلك لا يمكن أبدًا أن يُجازف بدعوته، ويجعلها محل شك لدى اتباعه إذا انهزم في هذه المعركة بعد التنبُّوء بانتصاره فيها، فهذا ممَّا لا يصدر عن عاقل؛ لكن مع ذلك أتى بهذه النبوءة بقلب واثق، ونفس مطمئنة، فدلَّ ذلك على أنها من عند الله عز وجل الذي بيده مفاتيح النصر والهزيمة، قال الإمام القرطبي: "وهذا مِن معجزات النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أخبر عن غيب فكان كما أخبر"[5].



ولم يأتِ التنبُّؤ بهزيمة المشركين في هذه الآية فقط، وإنما ورد أيضًا في قوله تعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} [الأنفال: 7] ففي هذه الآية بيَّن الله عز وجل أنه قبل غزوة بدر وعد المؤمنين إحدى الطائفتين، والمراد بالطائفتين: إما الحصول على أموال قافلة قريش التى أراد المسلمون اغتنامها عوضًا عمَّا تركوه من أموالهم في مكة عند الهجرة، وإمَّا النصر على المشركين عند قتالهم في بَدْر، وقد تحقَّق وعد الله عز وجل فاختار لهم الثانية وهي النصر، وعلَّل الله ذلك بأنه أراد إحقاق الحق وقطع دابر الكافرين.



فقل لي: بأي عقل ومنطق، كيف يمكن لإنسان مهما بلغت فراسته، أن يتنبَّأ بهذا التنبؤ، وهو مقبل على معركة مصيرية، عدوُّه فيها يبلغ ثلاثة أضعافه عددًا وعُدَّةً، فقد كان عدد المشركين يومئذٍ ما يقارب الألف، والمسلمون كانوا ثلاثمائة وأربعة عشر، كما هو مشهور في كتب التواريخ والسير، أضِفْ إلى ذلك أن المسلمين لم يكونوا مستعدِّين للقتال، وإنَّما كان خروجهم من أجل قافلة قريش.



قد يقول قائل: إنه فعل ذلك لتقوية قلوب جنوده، وشحذ عزائمهم، حتى يصمدوا أمام العدوِّ في ساحات القتال، والرد على هذا: أنه لا يمكن أن يفعل ذلك؛ لأن فيها مجازفة خطيرة، سوف يترتَّب عليها إظهار عدم صدقه في دعوى النبوَّة لو انهزم في هذه المعركة، ولو كان الأمر هو تقوية قلوب جنوده، فقد كان يسعه أن يعدهم بالجنة إن قتلوا، أو يشحذ عزائمهم بتذكيرهم بما فعلته بهم قريش من ظلم وعدوان، وأنَّ عليهم أن يطلبوا ثأرهم، إلى غير ذلك من المحفِّزات التي لا يترتب عليها مجازفات، قد تقوِّض رسالته، وتئدها في مَهْدِها.



3- التنبُّؤ بموت أبي لهب على الكفر:

وهذه من أعجب النبوءات، وأظهرها وضوحًا في الدلالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم وقد وردت هذه النبوءة في سورة المسد، قال تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} [المسد: 1 - 5].



والنبوءة هنا ليست متعلقة بأبي لهب فقط، وإنما معه زوجه أم جميل، وقد ماتا على الكفر كما أخبر القرآن الكريم، ولك أن تتخيَّل عزيزي القارئ أن أبا لهب عاش بعد نزول هذه السورة ما يقارب العشر سنوات؛ لأن هذه السورة نزلت في بداية الجهر بالدعوة، وذلك بعد ثلاث سنوات من البعثة، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى البطحاء فصعد الجبل فنادى: «يا صباحاه»- وهي كلمة يُنادى بها للإنذار من عدوٍّ قادم- فاجتمعت إليه قريش، فقال: «أرأيتم إنْ حدَّثْتُكم أنَّ العدوَّ مصبحكم أو ممسيكم، أكنتم تصدقوني؟»، قالوا: نعم، قال: «فإني نذيرٌ لكم، بين يدي عذاب شديد»، فقال أبو لهب: ألهذا جمعتنا؟ تبًّا لك، فأنزل الله تعالى هذه السورة[6].



أما موت أبي لهب فقد كان عقب غزوة بَدْر، والدليل على ذلك قصة موته التي رواها الطبراني والحاكم وغيرهما عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كنت غلامًا للعباس بن عبد المطلب، وكنت قد أسلمْتُ، وأسلمَتْ أُمُّ الفضل، وأسلم العباس، وكان يكتم إسلامه مخافة قومه، وكان أبو لهب تخلَّفَ عن بَدْر، وبعث مكانه العاص بن هشام، وكان له عليه دَيْن، فقال له: اكفني من هذا الغزو، وأترك لك ما عليك، ففعل... فوالله ما عاش إلا سبع ليالٍ حتى ضربه الله بالعدسة فقتلته...الحديث"[7]، وغزوة بدر كانت في السنة الثانية للهجرة بعدما مكث النبي صلى الله عليه وسلم في مرحلة الدعوة الجهرية في مكة عشر سنين.



لقد كان من الممكن لأبي لهب أن يعلن إسلامه ظاهريًّا، ويوهم الناس بصحة إسلامه، ثم يوعز للكُفَّار من وراء وراء أن يثيروا هذا التناقض الواضح، كيف لأبي لهب أن يكون من أهل النار، وقد أعلن إسلامَه، وأظهر توبته من الشرك؟ عندها ستكون الضربة القاصمة لهذا الدين، والانهيار التام لصحته عند المؤمنين به، والمصدِّقين له، ولكن لم يقع هذا، ولم يخطر على بال أبي لهب، ولا نظرائه من رؤوس الشرك مع كثرة اجتماعهم خلال مدة حياة أبي لهب؛ ليكيدوا للإسلام، ويحيكوا له المؤامرات؛ لتقويض أركانه، وهدم بنيانه، إن العجب ليس من خفاء هذه الحيلة على أبي لهب فقط، وإنما خفاؤها على كافة المشركين، دعك من الحيلة، ونظرية المؤامرة، أليس من الجائز عقلًا أن يهتدي أبو لهب إلى الإسلام بصدق نيَّة وحسن طويَّة، كما اهتدى قبله وبعده كثير من رؤساء الكفر وزعماء الشرك؟ بلى، ولكن هذا الاحتمال أيضًا لم يقع؛ لذلك كان هذا التنبُّؤ دليلًا قاطعًا على صدق النبي صلى الله عليه وسلم، وأن هذا القرآن من عند الله عز وجل حقًّا، فهو الذي يعلم الغيب، ولا يخفى عليه منه شيء، لا في ماضٍ قد ذهب، ولا في مستقبلٍ هو آتٍ.



قد يقول قائل: إن التنبُّؤ بموت أبي لهب على الكفر، هو من عمل الفراسة المعتمدة على قراءة الواقع، وقرائن الأحوال، وهذا الزعم مردود؛ لأن الأمر لو كان أمر فراسة حسب معطيات الأحوال، لكان الأولى بالتنبُّؤ بموته كافرًا هو أبو جهل، رأس الكفر كله وألدُّ أعداء الإسلام، والذي كان أكثر عداء لهذا الدين والكيد له من أبي لهب، ومع ذلك لم يتنبَّأ القرآن بموته كافرًا مثل أبي لهب، وهذا إن دلَّ فإنما يدل على أن تنبؤات القرآن ليست من قبيل قراءة الواقع التي قد يحسنها عقل أريب، أو ذهن حاد، وإنما هي من عند الله عز وجل، يجعلها أدلَّةً صادقة، وبراهين ناطقة بصدق النبي صلى الله عليه وسلم.



4- التنبؤ بحفظ النبي صلى الله عليه وسلم من القتل:

وقد ورد هذا في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [المائدة: 67].



فالعصمة هنا مقصود بها العصمة من القتل، حتى يكمل رسالته، ويبلغ دعوته على الوجه الاكمل بلا نقصان؛ لذلك لما نزلت هذه الآية أمر الصحابة الذين كانوا يحرسونه بأن ينصرفوا؛ لأن الله قد عصمه، فعن عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْرَسُ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةَ: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسَهُ مِنَ القُبَّةِ، فَقَالَ لَهُمْ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ انْصَرِفُوا؛ فَقَدْ عَصَمَنِي اللَّهُ» [8].



يقول الشيخ الزرقاني: "ولقد تحقَّقت نبوءة القرآن هذه ولم يتمكَّن أحد من أعداء الإسلام أن يقتله عليه الصلاة والسلام مع كثرة عددهم ووفرة استعدادهم ومع أنهم كانوا يتربصون به الدوائر، ويتحيَّنُون الفرص للإيقاع به والقضاء عليه وعلى دعوته، وهو أضعف منهم استعدادًا، وأقل جنودًا، فمن الذي يملك هذا الوعد وتنفيذه إذن إلا الله الذي يَغلِب ولا يُغلَب، والذي لا يقف شيء في سبيل تنفيذ مراده {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الأنعام: 18]، وإن لم تصدقني فَسَلِ التاريخ والمؤرخين: كم من الملوك والأمراء والفراعين ضرجت الأرض بدمائهم وهم بين جنودهم وخدمهم وحشمهم؟! فهل يمكن بعد هذا أن يكون القرآن الذي احتوى ذلك الضمان من كلام محمد وهو من قد علمت ضعفه وقوة أعدائه يومئذٍ؟! حتى لقد كان يتخذ الحرَّاس قبل نزول هذه الآية، فلما نزلت إذا ثقته واعتداده بها أعظم من ثقته واعتداده بمن كانوا يحرسونه، وسرعان ما صرف حُرَّاسه وسرَّحهم عند نزول الآية قائلًا: «أيُّها الناس انصرفوا؛ فقد عصمني الله»،

كما رواه الطبراني عن أبي سعيد الخُدْري، وكذلك روى مسلم في صحيحه عن جابر قال: كُنَّا إذا أتينا في سفرنا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما كنا بذات الرقاع نزل نبي الله تحت شجرة، وعلَّق سيفه فيها، فجاء رجل من المشركين فأخذ السيف فاخترطه، وقال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أتخافني؟ قال: «لا»، قال: من يمنعك مني؟ قال: «الله يمنعني منك، ضع السيف» فوضعه، ومما يجدر التنبيه له أن هذا الأمن كان في الغزوة التي شرعت فيها صلاة الخوف! ومن شواهد حماية الله لرسوله وإنجازه له هذا الوعد ما ورد عن علي رضي الله عنه قال: كنا إذا احمرَّ البأس وحمي الوطيس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون أحد مِنَّا أقرب إلى العدوِّ منه، ومن أبلغ الشواهد على ذلك أيضًا ما ثبت من أنه صلى الله عليه وسلم في يوم حنين حين أعجبت المسلمين كثرتهم وأدَّبهم الله بالهزيمة حتى ولَّوا مدبرين أنزل سبحانه سكينته على رسوله حتى لقد جعل يركض بغلته إلى جهة العدوِّ والعباس بن عبد المطلب آخذ بلجامها يكفُّها إرادة ألَّا تُسْرِع، فأقبل المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما غشوه لم يفر ولم ينكص؛ بل نزل عن بغلته كأنما يمكنهم من نفسه، وجعل يقول: «أنا النبيُّ لا كذب، أنا ابن عبد المطلب»، كأنما يتحدَّاهم ويدلُّهم على مكانه، فوالله ما نالوا منه نيلًا؛ بل أيَّده الله بجنده، وكفَّ أيديهم عنه بيده" [9].



5- وعد الله لرسوله وللمؤمنين بدخول مكة معتمرين بعد منعهم منها:

ورد هذا الوعد في قوله تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 27].



يقول ابن كثير: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أُري في المنام أنه دخل مكة، وطاف بالبيت، فأخبر أصحابه بذلك، وهو بالمدينة، فلما ساروا عام الحديبية لم يشك جماعة منهم أن هذه الرؤيا تتفسَّر هذا العام، فلما وقع ما وقع من قضية الصلح ورجعوا عامهم ذلك على أن يعودوا من قابل، وقع في نفوس بعض الصحابة من ذلك شيء، حتى سأل عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في ذلك، فقال له فيما قال: أفلم تكن تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: «بلى، أفأخبرتك أنك تأتيه عامك هذا»، قال: لا، قال: «فإنك آتيه ومطوف به»، وبهذا أجاب الصديق رضي الله عنه أيضًا حذو القذة بالقذة؛ ولهذا قال تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ} [الفتح: 27] [10].



وكان تحقيق هذا الوعد في السنة السابعة من الهجرة؛ أي: بعد صلح الحديبية بعام، وكان اسم هذه العمرة عمرة القضية.



وفي الآية نبوءة أخرى وهي قوله: {فجعل من دون ذلك فتحًا قريبًا} وهذا الفتح كما ذهب إليه عامة المفسِّرين هو فتح خيبر، وكان أيضًا في السنة السابعة من الهجرة في شهر صفر؛ أي: بعد رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من صلح الحديبية بحوالي ثلاثة أشهر [11].



فسبحان الله تحققت النبوءتان، ولم تتخلَّف واحدة منهما، فتح الله عز وجل عليه خيبر أولًا، ثم مكَّنَه من دخول مكة معتمرًا آمِنًا هو وأصحابه رضوان الله تعالى عليهم.



6- التنبُّؤ بعجز البشر عن معارضة القرآن الكريم:

وذلك في قوله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88]، ولم يقتصر التحدِّي بأن يأتوا بمثل هذا القرآن؛ بل تنزل الله سبحانه وتعالى في هذا التحدِّي، وخفَّفَه على كل من يريد أن يحاول أن يعارض هذا القرآن الكريم، فتحدَّاهم أن يأتوا بعشر سور مثله، قال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [هود: 13]، ولما أعجزهم هذا التحدِّي، وضاقت بهم السُّبُل، وأعيتهم الحيل تنزل بهذا التحدِّي إلى أن يأتوا بسورة واحدة من مثله، فقال لهم: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 23، 24].



ومع كل هذه التحديات الواحد تِلْوَ الآخر، لم يستطع أحد منذ بعثة محمد صلى الله عليه وسلم وإلى الآن أن يأتي بمثل سورة من سور القرآن الكريم، في دقَّة نَظْمِها، وروعة أسلوبها، وإحكام معانيها، مع إقناع للعقل وإمتاع للعاطفة، وتجاوب مع الروح في لغة تجمع بين السهولة والجزالة، والرِّقَّة والفخامة، ومن حاول أن يفعل ذلك كمسيلمة الكذَّاب وأضرابه من ملاحدة العصر الحديث، فإننا نجدهم قد أتوا بكلام ساقط مرذول، ومعانٍ غثَّة باردة، جعلتهم أضحوكةً للناس، ومثارًا للسخرية منهم في مجالسهم وأنديتهم.



أليس هذا التحدِّي دليلًا قاطعًا على صدق النبي صلى الله عليه وسلم؟ وهل يمكن لبَشَرٍ أن يتحدَّى مثل هذا التحدِّي، الذي ظل ثابتًا طيلة هذه القرون، مع كثرة المعارضين للقرآن الكريم، والطاعنين فيه قديمًا وحديثًا، ومع ذلك لم يزده مرور الأيَّام وكرور الأعوام إلا صدقًا على صدقه، وقوة على قوَّتِه.



7- التنبؤ بنصرة هذا الدين وحفظه:

وردت آيات كثيرة جدًّا في القرآن الكريم تُبيِّن أن الغلبة والنصر سيكونان للمسلمين، وأن الله سيمكن لهم في الأرض؛ لكي ينشروا دينه، ويرفعوا رايته، ويغرسوا في الأرض معالمه، فمن هذه الآيات قوله تعالى: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 173]، وقوله: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51]، وكذلك قوله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} [النور: 55].



وقد تحقَّق وعد الله عز وجل بالفعل، فنصر عبده، وأعَزَّ جنده، وأبدل المسلمين ضعفهم إلى قوة، وذلهم إلى عِزَّة ومنعة، وفقرهم إلى غِنًى، وأصبحت للإسلام دولة عالية رايتها، مرفوع لواؤها، دولة بسطت سلطانها على كثير من أقطار الأرض، وأصبحت وريثة لملك كسرى وقيصر، أقوى دولتين على وجه الأرض آنذاك.



يقول الإمام القرطبي: "إن سبب هذه الآية- أي: قوله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} - أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شكا جهد مكافحة العدوِّ، وما كانوا فيه من الخوف على أنفسهم، وأنهم لا يضعون أسلحتهم، فنزلت الآية، وقال أبو العالية: مَكَث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين بعدما أوحي إليه خائفًا هو وأصحابه، يدعون إلى الله سِرًّا وجهرًا، ثم أمر بالهجرة إلى المدينة، وكانوا فيها خائفين يصبحون ويمسون في السلاح، فقال رجل: يا رسول الله، أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع السلاح؟ فقال عليه السلام: «لا تلبثون إلَّا يسيرًا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبيًا ليس عليه حديدة»، ونزلت هذه الآية، وأظهر الله نبيَّه على جزيرة العرب، فوضعوا السلاح وأمنوا، قال النحاس: فكان في هذه الآية دلالة على نبوَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله عز وجل أنجز ذلك الوعد" [12].



وهناك آيات أخرى تنبَّأت بحفظ هذا الدين، متمثلًا في حفظ كتابه القرآن الكريم، وأنه لن تناله يد التحريف والتغيير كما نالت الكتب السماوية من قبله، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، كما تنبَّأت آيات أخرى بظهور هذا الدين وغلبته على سائر الأديان، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا} [الفتح: 28].



وقد تحقَّقَت نبوءة هذه الآيات، فحفظ الله دينه، ومكَّنَ له في الأرض، حتى أصبح أتباعه في هذا العالم ما يقارب مليارَيْن من البشر، وأصبح كتابه في مأمن من التحريف والتبديل، ولك أن تتخيَّل أن كل هذه النبوءات كانت والنبي محمد صلى الله عليه وسلم على ضعف في حاله وقلة من أصحابه، يواجه أعداءه وقد تمالؤوا عليه من كافة شبه جزيرة العرب، يريدون مَحْوَ رسالته، واقتلاعها من الوجود، إن كل موازين القوى لتشير أنه منهزم لا محالة، وأن دينه إلى زوال، ومع كل هذه الصعوبات، وكثرة هذه العداوات حفظ الله دينه، وأعلى مناره، ومكَّنَ لأصحابه في الأرض، وسيظل كذلك إلى أن تقوم الساعة، شاهدَ حَقٍّ، وناطِقَ صِدْقٍ على صِحَّة رسالة النبي محمد النبي صلى الله عليه وسلم.



8- التنبؤ بعدم تمنِّي اليهود الموت:

اختلف المُفسِّرون في المراد بتمنِّي الموت في هذه الآية على قولين:

الأول: أن المراد هو التمنِّي بمعناه الحقيقي، وهو طلب الموت والدعاء بوقوعه، وهذا هو رأي جمهور المفسرين.



الثاني: أن المقصود هو المباهلة، وذلك بأن يجتمع رؤساء اليهود مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدعو كل واحد بأن يهلك الله الكاذب في دعواه، وذلك على غرار المباهلة التي دعا إليها الرسول صلى الله عليه وسلم النصارى فجبنوا عنها[13]، وذلك في قوله تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: 61].



وسواء كان المقصود من الآية هو التمنِّي بمعناه الحقيقي أو المباهلة، فإنها دليل قاطع، وبرهان دامغ على صدق النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه تحدَّاهم بشيء ما أيسر أن يقولوه وينطقوا به، ومع ذلك جبنوا منه وعجزوا عنه، وسبب ذلك أنهم يعلمون أنه نبي الله حقًّا، ورسوله صدقًا، علموا صفته من كتبهم، وعرفوه كما يعرفون أبناءهم؛ لذلك خافوا على أنفسهم إن تمنَّوا الموت صِدْقًا أو كذِبًا، أن يُحقِّق الله عز وجل ما تمنَّوه فيقبض أرواحهم، وعندها يكون مآلهم إلى جهنم وبئس المصير، وقد روي هذا عن ابن عباس، قال الإمام الطبري في تفسيره: «وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «لو أن اليهود تمنَّوا الموت لماتوا ولرأوا مقاعدهم من النار، ولو خرج الذين يباهلون رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لرجعوا لا يجدون أهلًا ولا مالًا» قال حدثنا بذلك أبو كريب، حدثنا زكريا بن عدي، حدثنا عبيدالله بن عمرو، عن عبدالكريم، عن ابن عباس، عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم"[14].



وقد يقول قائل: ربَّما تمنَّوا ذلك؛ ولكن لم يصل إلينا، فيرد عليهم الزمخشري فيقول: "لو تمنَّوا لنُقِل ذلك عنهم كما نقلت سائر الحوادث، ولكان ناقلوه من أهل الكِتاب وغيرهم من أولي المطاعن في الإسلام أكثر من الذرِّ وليس أحد منهم نقل عنه ذلك"[15].



إن هذا التحدِّي المعجز مقصود به اليهود على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، حتى لا يأتي يهودي اليوم فيدعو على نفسه بالموت، فيقول هأنا أتحدَّى القرآن الكريم، وأظهر تناقضه، يقول د/ محمد سيد طنطاوي: "ويكفي في تحقيق هذه المعجزة، ألا يصدر تمنِّي الموت عن اليهود الذين تحدَّاهم النبي صلَّى الله عليه وسلَّم بذلك، وهم الذين كانوا يضعون العراقيل في طريق دعوته، ويصرُّون على جحود نبوَّته فلا يقدح في هذه المعجزة أن ينطق يهودي بعد العهد النبوي بتمنِّي الموت وهو حريص على الحياة؛ لأن المعنيين بالتحدِّي هم اليهود المعاصرون للعهد النبوي"[16].



9- التنبوء بوقوع القحط والجدب بكفار قريش:

وذلك في قوله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ * أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ * ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ * إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ * يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} [الدخان: 10 - 16].



للمفسرين وجهان في تفسير هذه الآية:

الأول: أن المقصود هو وقوع الجدب والقحط بكُفَّار قريش بسبب دعوة النبي صلى الله عليه وسلم عليهم؛ لذلك كان أحدهم يُرى كهيئة الدخان في السماء من شدة الجوع والإعياء.



الثاني: أن المقصود هو عذاب الكُفَّار يوم القيامة، وأن الدخان سوف يغشاهم يؤمئذٍ تعذيبًا لهم، وتنكيلًا بهم.



والرأي الأول هو الأرجح، وهو ما ذهب إليه جمهور المفسِّرين، وعلى رأسهم الإمام الطبري، حيث قال: "وأولى القولينِ بالصواب في ذلك قول ابن مسعود، من أن الدخان الذي أمر الله تعالى نبيَّه أن يرتقبه، هو ما أصاب قومه من الجهد بدعائه عليهم، وإنما قلت القول الذي قاله ابن مسعود رضي الله عنه هو أولى بتأويل الآية؛ لأن الله تعالى توعَّد بالدخان مشركي قريش... ولأن الأخبار قد تظاهرت بأن ذلك كائن، والمعنى: فانتظر يا محمد لمشركي قومك، يوم تأتيهم السماء من البلاء الذي يحل بهم، بمثل الدخان المبين"[17].



وقول ابن مسعود الذي قصده الطبري قول صحيح رواه الإمام البخاري، يقول ابن مسعود: "إنما كان هذا؛ لأن قريشًا لما استعصوا على النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد، فأنزل الله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الدخان: 10، 11] قال: فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل له: يا رسول الله: استسق الله لمضر، فإنها قد هلكت، قال: «لمضر؟ إنك لجريء» فاستسقى لهم فسقوا، فنزلت: {إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} [الدخان: 15]، فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم حين أصابتهم الرفاهية، فأنزل الله عز وجل: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ} [الدخان: 16] قال: يعني يوم بدر"[18].



كما أن سياق الآيات يدل دلالة واضحة على أن هذا العذاب كان في الدنيا، فقوله تعالى: {إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ} [الدخان: 15] لا يناسب الآخرة والعذاب فيها؛ لأن الله عز وجل لا يكشف العذاب عن الكفار يوم القيامة، كما أنهم لا يعودون مرة أخرى إلى الدنيا؛ كي يستدركوا ما فاتهم من عبادة الله وطاعته؛ وبذلك تكون هذه النبوءة قد تحقَّقت بالفعل كما ذكر ابن مسعود رضي الله عنه؛ لتكون دليلًا آخر على إعجاز القرآن الكريم، وعلى صدق النبي صلى الله عليه وسلم في تبليغ هذا القرآن عن الله رب العالمين.



ما ذكرناه من هذه النبوءات فيه غنية لطالب الحق، الباحث عن الحقيقة بصدق، أما المتبع لهواه فلن يقنعه ألف دليل ودليل، وصدق الله عز وجل إذ يقول: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [النمل: 14].



والحمد لله رب العالمين.



الكاتب: د. أنس محمد الغنام









 


رد مع اقتباس
قديم 2025-01-08, 21:41   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
عبدالله الأحد
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي

إعجاز القرآن الكريم
منذ 2014-03-11
تتميز معجزة القرآن الكريم عن سائر المعجزات؛ لأنه حجة مستمرة باقية على مر العصور، والبراهين التي كانت للأنبياء انقرض زمانها في حياتهم ولم يبق منها إلا الخبر عنها، أما القرآن الكريم فلا يزال الحجة البالغة، لذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة»...

المعجزة لغة: ما أُعجز به الخصم عند التحدي (القاموس المحيط) وهي أمر خارق للعادة يعجز البشر مُتفرِّقين ومجتمعين عن الإتيان بمثله يجعله الله على يد من يختاره لنبوته، ليدل على صدقه وصحة رسالته.

والقرآن الكريم كلام الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم هو المعجزة العظمى الباقية على مرور الدهور والأزمان، المعجز للأولين والآخرين إلى قيام الساعة.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من الأنبياء نبي إلا أُعطي من الآيات على ما مثله آمن البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليَّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة» (رواه البخاري: كتاب فضل آيات القرآن، ومسلم: كتاب الإيمان).

وليس المراد في هذا الحديث حصر معجزاته صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم؛ بل المراد أن القرآن الكريم هو المعجزة التي اختص بها دون غيره، لأن كل نبي أُعطِيَ معجزة خاصةً به، تحدى بها من أُرسِل إليهم، وكانت معجزة كل نبي تقع مناسبة لحال قومه، ولهذا لما كان السحر فاشيًا في قوم فرعون، جاءهم موسى عليه السلام بالعصا على صورة ما يصنع السحرة، لكنها تلقف ما صنعوا، ولم يقع ذلك بعينه لغيره.

ولما كان الأطباء في غاية الظهور، جاء عيسى عليه السلام بما حيّر الأطباء من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، وكل ذلك من جنس عملهم ولكن لم تصل إليه قدرتهم.

ولما كانت العرب أرباب الفصاحة والبلاغة والخطابة؛ جعل الله عز وجل معجزة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم الذي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت:42].

وتتميز معجزة القرآن الكريم عن سائر المعجزات؛ لأنه حجة مستمرة باقية على مر العصور، والبراهين التي كانت للأنبياء انقرض زمانها في حياتهم ولم يبق منها إلا الخبر عنها، أما القرآن الكريم فلا يزال الحجة البالغة، لذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة».

والقرآن الكريم آية بينة، معجزة من وجوه متعددة من جهة اللفظ، ومن جهة النظم والبلاغة في دلالة اللفظ على المعنى، ومن جهة معانيه التي أمر بها ومعانيه التي أخبر بها عن الله تعالى وأسمائه وصفاته وملائكته، وغير ذلك من الوجوه الكثيرة التي ذكر كل عالِم ما فتح الله عليه به منها.

ومن وجوه الإعجاز في القرآن الكريم:

1- الإعجاز البياني والبلاغي:

من الإعجاز القرآني ما اشتمل عليه من البلاغة والبيان والتركيب المعجز، الذي تحدى به الإنس والجن أن يأتوا بمثله فعجزوا عن ذلك قال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:88].

وقال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ . فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور:33-34].

فلم يستطيعوا الإتيان بمثله -وأنى لهم ذلك- ولم يكونوا من الصادقين: وتحداهم أن يأتوا بعشر سوره مثله.. {أَمْ يَقُولُونَ اِفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَر مِثْله مُفْتَرَيَات وَادْعُوا مَنْ اِسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُون اللَّه إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [هود:13].

وعجزوا أيضًا عن ذلك: فأفسح لهم في التحدي {وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ . فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة:23-24].

وثبت التحدي في هذه الآية للعرب المعاصرين لنزول القرآن الكريم ولمن يأتي بعدهم إلى آخر الزمان.

وأكد التحدي، وقطع بعجزهم حيث قال: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:88].

2- الإخبار عن الغيوب:

مما يدل على أن القرآن الكريم معجزة من عند الله العلي القدير، أنه اشتمل على أخبار كثير من الغيوب التي لا علم لأحد من المخلوقين بها، ولا سبيل لبشر أن يعلمها.

والإخبار بالغيب أنواع:


النوع الأول: غيوب الماضي، وتتمثل في قصص الأنبياء والسابقين وأقوامهم، وما أخبر به الله عن ماضي الأزمان وبداية الخلق.


النوع الثاني: غيوب الحاضر؛ حيث أخبر الله عز وجل رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بغيوب حاضرة مثل كشف أسرار المنافقين، والأخطاء التي وقع فيها بعض المسلمين، أو غير ذلك مما لا يعلمه إلا الله وأطلع عليه رسوله صلى الله عليه وسلم.

النوع الثالث: غيوب المستقبل؛ أخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأمور لم تقع، ثم وقعت كما أخبر، وعلى أمور سوف تحدث في الأزمان والقرون التالية والتي سوف تأتي بعد ذلك، مما يجتهد العلماء في فهمه وتأويله.

الإعجاز التشريعي:

جاء القرآن الكريم لهداية الإنس والجن، على أن يتبعوه ويعملوا بتشريعاته، التي تفي بحاجات جميع البشر في كل زمان ومكان، لأن الذي أنزله هو العليم بكل شيء، خالق البشر، الخبير بما يصلحهم وما يفسدهم، وما ينفعهم وما يضرهم، فإذا شرع أمرًا جاء في أعلى درجات الحكمة والخبرة {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14].

ويزداد الوضوح عند التأمُّل في أحوال الأنظمة والقوانين البشرية التي يظهر عجزها عن معالجة المشكلات البشرية ومسايرة الأوضاع والأزمنة والأحوال، مما يضطر أصحابها إلى الاستمرار في التعديل والزيادة والنقص، فيلغونَ غدًا ما وضعوه اليوم، لأن الإنسان محل النقص والخطأ، والجهل بأعماق النفس البشرية، وبما يحدث في أوضاع الإنسان وأحواله المختلفة، وبما يصلح البشرية في كل عصر، فهذا هو الدليل الحي الشاهد على عجز جميع البشر عن الإتيان بأنظمة تصلح الخلق وتقوم أخلاقهم، وعلى أن القرآن الكريم كفيل برعاية مصالح العباد دون خلل. وهدايتهم إلى كل ما يصلح أحوالهم في الدنيا والآخرة إذا تمسكوا به واهتدوا بهديه.

قال تعالى: {إِنَّ هَظ°ذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} [الإسراء:9].

وإجمالًا فإن الشريعة الإسلامية الغراء التي جاء بها كتاب الله تعالى مدارها على ثلاث مصالح:

المصلحة الأولى: درء المفاسد عن ستة أشياء: (حفظ الدين، والنفس والعقل والبدن والعِرض والمال).

المصلحة الثانية: جلب المصالح في جميع الميادين وسد كل ذريعة تؤدي إلى الضر.

المصلحة الثالثة: الجري على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات، ولم يترك القرآن الكريم جانبًا من الجوانب التي يحتاجها البشر في الدنيا والآخرة إلا ووضع لها القواعد وهدى إليها بأقوم الطرق وأعدلها، وإذا دققنا النظر وأمعنَّا الفكر لوجدنا أن به الحلول لجميع المشاكل العالمية التي عجز البشر عن إيجاد الحلول الحاسمة لها.

ـــــــــــــــــــــ

المراجع:

- (كتاب: الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى: سعيد بن علي القحطاني).
- (مناهل العرفان في علوم القرآن: للزرقاني).
- (أضواء البيان: للشنقيطي).

منقول منطريق الإسلام










رد مع اقتباس
قديم 2025-01-08, 21:43   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
عبدالله الأحد
عضو مبـدع
 
إحصائية العضو










افتراضي

الأدلة على صحة دين الإسلام...
منذ 2021-07-07
وهو أعظم المعجزات وأجل الآيات وأظهر البينات ، وهو حجة الله البالغة على خلقه إلى يوم القيامة

الأدلة على صحة دين الإسلام

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.

إن الأدلة على صحة دين الإسلام ، وصدق نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم كثيرة لا تكاد تنحصر ؛ وهذه الأدلة كافية لإقناع كل منصف عاقل باحث عن الحق بتجرد وإخلاص ، ويمكن إجمال بعض من هذه البراهين فيما يلي :

أولاً : دلالة الفطرة : فإن دعوة الإسلام هي الموافقة للفطرة السوية ، وإلى ذلك أشار قول الله عز وجل : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم/30] .

وقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ » .

أخرجه البخاري (1358) ، ومسلم (2658) .

وقوله ( تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ ) أي كما تولد البهيمة مجتمعة الأعضاء وسليمة من النقص ، وما يحدث لها من قطع الأذن أو غيرها فيكون بعد ولادتها .

وهكذا كل إنسان يولد مفطور على الإسلام ، وأي انحراف عن الإسلام فهو خروج عن الفطرة ولا شك ، ولذلك فإننا لا نجد شيئًا من تعاليم الإسلام يخالف الفطرة قط ، بل كل الأحكام العقدية والعملية موافقة للفطرة السليمة السوية ، أما ما سوى الإسلام من أديان واعتقادات فتشتمل على ما يخالف الفطرة ، وهذا أمر ظاهر بيّن عند التأمل والتدبر .

ثانيًا : البراهين العقلية :

أكثرت نصوص الشرع من مخاطبة العقل ، وتوجيهه إلى النظر في الحجج والبراهين العقلية ، ومن دعوة أصحاب العقول وأولي الألباب إلى تدبر الدلائل القطعية على صحة الإسلام .

قال الله تعالى : { كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص/29 ] .

قال القاضي عياض في وجوه إعجاز القرآن : " جمع فيه من بيان علم الشرائع والتنبيه على طرق الحجاج العقليات ، والرد على فرق الأمم ببراهين قوية وأدلة بينة ، سهلة الألفاظ موجزة المقاصد ، رام المتحذلقون بعدُ أن ينصبوا أدلة مثلها ، فلم يقدروا عليها " انتهى من " الشفا " (1/390) .

فلم تشتمل نصوص الوحي على شيء تحيله العقول أو ترفضه ، ولم تأت بمسألة تخالف بداهة عقلية أو تناقض قياسًا عقليًا ؛ بل ما جاء أهل الباطل بقياس لباطلهم إلا رده بالحق والبيان العقلي الواضح .

قال الله تعالى: {( وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا )} [ الفرقان /33] .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " أخبر سبحانه أن الكفار لا يأتونه بقياس عقلي لباطلهم إلا جاءه الله بالحق ، وجاءه من البيان والدليل وضرب المثل بما هو أحسن تفسيرًا ، وكشفًا وإيضاحًا للحق من قياسهم " انتهى من مجموع الفتاوى (4/106) .

ومن الأمثلة على الأدلة العقلية في القرآن قوله تعالى : {( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا )} [النساء /82] .

جاء في تفسير القرطبي : " إنه ليس من متكلم يتكلم كلامًا كثيرًا إلا وُجد في كلامه اختلاف كثير ، إما في الوصف واللفظ ؛ وإما في جودة المعنى ، وإما في التناقض ، وإما في الكذب ، فأنزل الله عز وجل القرآن وأمرهم بتدبره ؛ لأنهم لا يجدون فيه اختلافًا في وصف ولا ردًا له في معنى ، ولا تناقضًا ولا كذبًا فيما يخبرون به من الغيوب وما يُسرّون " انتهى من "الجامع لأحكام القرآن " (5/290) .

وقال ابن كثير : " أي: لو كان مفتعلاً مختلقًا ، كما يقوله من يقوله من جهلة المشركين والمنافقين في بواطنهم {لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا } أي : اضطرابًا وتضادًّا كثيرًا ؛ أي : وهذا سالم من الاختلاف ، فهو من عند الله " انتهى من " تفسير القرآن العظيم " (1/802) .

ثالثًا : المعجزات ودلائل النبوة :

إن الله تعالى قد أيد النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بالعديد من المعجزات والخوارق والآيات الحسية التي تدل على صدق نبوته وصحة رسالته كانشقاق القمر له ، وتسبيح الطعام والحصى بين يديه ، ونبوع الماء من بين أصابعه ، وتكثيره للطعام ونحو ذلك من معجزات وآيات رآها وعاينها جمع غفير ، ونقلت إلينا بالأسانيد الصحيحة التي وصلت إلى حد التواتر المعنوي الذي يفيد اليقين .

ومن ذلك ما صح عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود أنه قال : «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَقَلَّ الْمَاءُ ، فَقَالَ : ( اطْلُبُوا فَضْلَةً مِنْ مَاءٍ ) فَجَاءُوا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ قَالَ : ( حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ الْمُبَارَكِ وَالْبَرَكَةُ مِنْ اللَّهِ ) ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهُوَ يُؤْكَلُ )» .

أخرجه البخاري (3579) .

رابعًا : النبوءات :

ويُقصد بالنبوءات هنا : ما أخبر به الوحي من أمور وأحداث تقع في المستقبل سواء في حياته النبي محمد صلى الله عليه وسلم أو بعد مماته .

وما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من الأمور المستقبلية إلا وقع كما أخبر تمامًا ، وهذا دليل على أن الله عز وجل قد أوحى إليه وأطلعه على أشياء من علم الغيب الذي لا يمكن الوصول إليه إلا بالوحي، ومن ذلك:

ما رواه أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : «( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الْإِبِلِ بِبُصْرَى )» . [أخرجه البخاري (7118) ، ومسلم (2902) . ]

وقد وقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم كما أخبر تمامًا في سنة 654هـ ، أي بعد وفاته بما يقرب من 644 سنة ، وقد ذكر ذلك المؤرخون ومنهم العلامة أبو شامة المقدسي في كتابه " ذيل الروضتين "، وهو من العلماء الذين عاصروا هذه الواقعة التاريخية ، وكذلك الحافظ ابن كثير في "البداية والنهاية" (13/219) حيث قال: " ثم دخلت سنة أربع وخمسين وستمائة فيها كان ظهور النار من أرض الحجاز التي أضاءت لها أعناق الإبل ببصرى ، كما نطق بذلك الحديث المتفق عليه ، وقد بسط القول في ذلك الشيخ الإمام العلامة الحافظ شهاب الدين أبو شامة المقدسي في كتابه الذيل وشرحه ، واستحضره من كتب كثيرة وردت متواترة إلى دمشق من الحجاز بصفة أمر هذه النار التي شوهدت معاينة، وكيفية خروجها وأمرها .

وملخص ما أورده أبو شامة أنه قال : وجاء إلى دمشق كتب من المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ، بخروج نار عندهم في خامس جمادى الآخرة من هذه السنة ، وكتبت الكتب في خامس رجب ، والنار بحالها ، ووصلت الكتب إلينا في عاشر شعبان ثم قال : بسم الله الرحمن الرحيم ، ورد إلى مدينة دمشق في أوائل شعبان من سنة أربع وخمسين وستمائة كتب من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيها شرح أمر عظيم حدث بها فيه تصديق لما في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى ) فأخبرني من أثق به ممن شاهدها أنه بلغه أنه كتب بتيماء على ضوئها الكتب .

قال : وكنا في بيوتنا تلك الليالي ، وكان في دار كل واحد منا سراج ، ولم يكن لها حر ولفح على عظمها ، إنما كانت آية من آيات الله عز وجل " انتهى .

خامسًا : الشمائل والصفات : من أكبر الأدلة على صدق نبوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو شخصيته نفسها ، وما تحلى به من مكارم الأخلاق وحسن الخصال وجميل الخلال وعظيم الصفات ، حيث بلغ النبي صلى الله عليه وسلم درجة من الكمال البشري في حسن الصفات والأخلاق لا يمكن أن تكون إلا لنبي مرسل من عند الله ، فما وُجد خلق حميد إلا دعا له وأمر به وحث عليه وعمل به ، وما من خلق ذميم إلا نهى عنه وحذر منه ، وكان أبعد الناس عنه ؛ حتى بلغ اعتناؤه بالخلق درجة تعليل رسالته وبعثته بتقويم الأخلاق وإشاعة مكارمها ، والعمل على إصلاح ما أفسدته الجاهلية منها ، فقد جاء في الحديث الشريف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : «( إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صَالِحَ الْأَخْلَاقِ )» . [أخرجه أحمد (8739) وقال الهيثمي في " المجمع ": " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ". ]

[وصحح العجلوني سنده في " كشف الخفا "، وصححه الألباني في " صحيح الجامع " (2349) . ]

والمعجزة دليل على صدق الرسول ، فإنه يقول للناس إنه مرسل من الله تعالى ، فيتحداه بعضهم أن يبرهن على ذلك ، فيؤيده الله عز وجل بالمعجزة ، وهي الأمر الخارق للعادة ، وقد تحصل له المعجزة من غير أن يتحداه أحد أو يكذبه ، فتكون تثبيتاً لأتباعه.

سادسًا : جوهر الدعوة :

فأصل دعوة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم تتلخص في بناء معتقدات صحيحة على أسس شرعية وعقلية سليمة ، فهي دعوة إلى الإيمان بالله وتوحيده في إلهيته وربوبيته ، فلا يستحق العبادة إلا إله واحد وهو الله سبحانه ؛ لأنه رب هذا الكون وخالقه ومالكه ومدبّر شؤونه ومصرّف أموره والحاكم فيه بأمره ، والذي يملك الضرّ والنفع ، والذي يملك رزق كل المخلوقات ، ولا يشاركه في ذلك أحد ، ولا يكافئه أو يماثله أحد ، فهو منزه سبحانه عن الشركاء والأنداد والأقران والأكفاء .

قال الله تعالى: {( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ.اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ.وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ )} [الإخلاص/ 1-4] .

وقال سبحانه : { ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا )} [الكهف/110] .

فدعوة النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم دعوة تهدم الشرك بكل أشكاله ، وتخلص الثقلين من كل ما عبد بالباطل ؛ فلا عبادة للأحجار والكواكب والقبور ، ولا للمال والشهوات والأهواء والسلاطين وطواغيت الأرض .

إنها دعوة جاءت لتحرّر البشرية من عبادة العباد ، وتخرجها من ذلّ الوثنيات وظلم الطواغيت ، وتخلصّها من أسر الشهوات والأهواء الجائرة .

إن هذه الدعوة المباركة تعد امتدادًا وتقريرًا لكل الرسالات الربانية السابقة الداعية للتوحيد ؛ ولذلك دعا الإسلام إلى الإيمان بالأنبياء والرسل جميعًا ، مع توقيرهم وتعظيمهم ، والإيمان بما أنزل عليهم من الكتب ، ودعوة كهذه لا ريب أنها الحق .

سابعًا : البشارات :

فقد جاءت كتب الأنبياء مبشرة بدين الإسلام وبالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، والقرآن الكريم أخبرنا بوجود بشارات واضحة بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل ، منها ما يصرّح باسمه ورسمه .

فقد قال الله تعالى: {( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ )} [الأعراف/ 157] .

وقال سبحانه: { ( وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ )} [الصف/6] .

ولا يزال في كتب اليهود والنصارى ـ التوراة والإنجيل ـ بشارات تنبئ بقدومه وتبشّر برسالته وتعطي بعض أوصافه ، على الرغم من محاولات الطمس والتحريف المستمرة لهذه البشارات ، ومن ذلك ما جاء في جاء في سفر التثنية الإصحاح (33) العدد (2) :

" جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من سعير، وتلألأ من جبال فاران.." .

جاء في "معجم البلدان" (3/301) : " فاران: بعد الألف راء وآخره نون كلمة عبرانية معربة ، وهي من أسماء مكة ذكرها في التوراة ، قيل : هو اسم لجبال مكة .

قال ابن ماكولا أبو بكر نصر بن القاسم بن قضاعة القضاعي الفاراني الإسكندراني : سمعت أن ذلك نسبته إلى جبال فاران وهي جبال الحجاز .

وفي التوراة : " جاء الله من سيناء وأشرق من ساعير واستعلن من فاران ".

مجيئه من سيناء تكليمه لموسى عليه السلام ، وإشراقه من ساعير وهي جبال فلسطين هو إنزاله الإنجيل على عيسى عليه السلام ، واستعلانه من جبال فاران : إنزاله القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم " انتهى .

ثامنًا : القرآن الكريم :

وهو أعظم المعجزات وأجل الآيات وأظهر البينات ، وهو حجة الله البالغة على خلقه إلى يوم القيامة ، وقد اشتمل على وجوه متعددة من الإعجاز مثل : الإعجاز البياني ، والإعجاز العلمي ، والإعجاز التشريعي ، والإخبار بالأمور المستقبلية والغيبية .

أما عن المقصود بقوله تعالى : ( فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ) الطور /34 ، فهو رد على من زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم تقوَّل القرآن من نفسه ، فتحداهم القرآن أن يأتوا بمثله إن كانوا صادقين في زعمهم ؛ لأن لازم هذا الادعاء أن هذا في مقدور البشر ، فلو كان ذلك صحيحا ، فما الذي يمنعهم من الإتيان بمثله وهم أرباب الفصاحة وأساطين البلاغة ؟

وقد تحدى الله الكفار أن يأتوا بمثله فعجزوا، كما أخبر القرآن : {( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا )} [الإسراء/88] .

وتحداهم أن يأتوا بعشر سور من مثله فعجزوا : { ( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين َ)} [ هود/13] .

وتحداهم أن يأتوا بسورة واحدة من مثله فعجزوا : { ( وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) } [البقرة/23] .

أما وجه الإعجاز الذي وقع به التحدي فقد اختلف فيه العلماء على أقوال أظهرها كما قال الألوسي : " أن القرآن بجملته وأبعاضه حتى أقصر سورة منه معجز بالنظر إلى نظمه وبلاغته ، وإخباره عن الغيب ، وموافقته لقضية العقل ودقيق المعنى ، وقد تظهر كلها في آية ، وقد يستتر البعض كالإخبار عن الغيب ، ولا ضير ولا عيب ، فما يبقى كاف وفي الغرض واف" .

انتهى من "روح المعاني " ( 1/29) .

ويندرج تحت كل من البراهين الإجمالية السابقة العديد من الأدلة التفصيلية ما لا يتسع المقام لسردها ، ويحسن أن تراجع في مظانها ، ويُنصح كل مسلم أن يطلب علم الكتاب والسنة ، وأن يدرس كتب العقيدة الصحيحة ، وأن يتعلم أمور دينه ليحسن إسلامه ويعبد ربه على بصيرة .

والله أعلم .

منقول من موقع طريق الإسلام










رد مع اقتباس
إضافة رد

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 16:16

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc