(( فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ )) ... ذكّرونا بآيات استوقفتكم - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الكتاب و السنة > أرشيف قسم الكتاب و السنة

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

(( فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ )) ... ذكّرونا بآيات استوقفتكم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2010-08-31, 19:23   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
مقتفية الأثر الصالح
عضو نشيط
 
الأوسمة
وسام التميز وسام الحفظ 
إحصائية العضو










افتراضي (( فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ )) ... ذكّرونا بآيات استوقفتكم


بسم الله الرحمن الرحيم:
الحمد لله وصلى الله على محمد وآله وسلم وبعد:



فإني عندما قرأت هذا الموضوع في أحد المنتديات، أحببت نقل الفكرة إلى منتديات الجلفة لنفيدكم ونستفيد معكم، خاصة وأننا في شهر القرآن الكريم؛ شهر رمضان العظيم، لعل الله تعالى ينفعنا بما كتبنا ونقلنا وفهمنا ويزيدنا إيمانا ....

على أن ترفق الآية بتفسيرها - إما تفسير السعدي أو تفسير ابن كثير -


وأبدأ بآيات عظيمة استوقفتني، وهي من سورة ق

قال الله تعالى: " وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) "

التفسير: - من تفسير ابن كثير -

وقوله تبارك وتعالى « وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد » يقول عز وجل وجاءت أيها الإنسان سكرة الموت بالحق أي كشفت لك عن اليقين الذي كنت تمتري فيه « ذلك ما كنت منه تحيد » أي هذا هو الذي كنت تفر منه قد جاءك فلا محيد ولا مناص ولا فكاك ولا خلاص وقد اختلف المفسرون في المخاطب بقوله « وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد » فالصحيح أن المخاطب بذلك الإنسان من حيث هو وقيل الكافر وقيل غير ذلك وقال أبو بكر بن أبي الدنيا حدثنا إبراهيم بن زياد سبلان أخبرنا عباد بن عباد عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبيه عن جده علقمة عن أبيه عن جده علقمة بن وقاص قال إن عائشة رضي الله عنها قالت حضرت أبي رضي الله عنه وهو يموت وأنا جالسة عند رأسه فأخذته غشية فتمثلت ببيت من الشعر-من لا يزال دمعه مقنعا فإنه لابد مرة مدفوق-قالت: فرفع رضي الله عنه رأسه فقال: يا بنية ليس وكذلك ولكن كما قال الله تعالى « وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد » وحدثنا خلف بن هشام حدثنا أبو شهاب عن إسماعيل بن أبي خالد عن البهي قال لما أن ثقل أبو بكر رضي الله عنه جاءت عائشة رضي الله عنها فتمثلت بهذا البيت -لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر- فكشف عن وجهه وقال رضي الله عنه: ليس كذلك ولكن قولي « وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد » وقد أوردت لهذا الأثر طرقا كثيرة في سيرة الصديق رضي الله عنه عند ذكر وفاته وقد ثبت في الصحيح « خ6510 » عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما تغشاه الموت جعل يمسح العرق من وجهه ويقول: سبحان الله إن الموت لسكرات.
وفي قوله « ذلك ما كنت منه تحيد » قولان « أحدهما » أن ما ههنا موصولة أي الذي كنت منه تحيد بمعنى تبتعد وتتناءى وتفر قد حل بك ونزل بساحتك « والقول الثاني » أن ما نافية بمعنى ذلك ما كنت تقدر على الفراق منه ولا الحيد عنه وقد قال الطبراني في المعجم الكبير « 7/6922 » حدثنا مؤمل بن علي الصائغ المكي حدثنا حفص عن بن عمر الحدي حدثنا معاذ بن محمد الهذلي عن يونس بن عبيد عن الحسن عن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل الذي يفر من الموت مثل الثعلب تطلبه الأرض بدين فجاء يسعى حتى إذا أعيى وأسهر دخل جحره وقالت له الأرض يا ثعلب ديني فخرج وله حصاص فلم يزل كذلك حتى تقطعت عنقه ومات ومضمون هذا المثل كما لاانفكاك له ولا محيد عن الأرض كذلك الإنسان لا محيد له عن الموت وقوله تبارك وتعالى « ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد » قد تقدم الكلام على حديث النفخ في الصور والفزع والصعق والبعث وذلك يوم القيامة وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كيف أنتم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته وانتظر أن يؤذن له قالوا يا رسول الله كيف نقول قال صلى الله عليه وسلم قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل فقال القوم حسبنا الله ونعم الوكيل « وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد » أي ملك يسوقه إلى المحشر وملك يشهد عليه بأعماله هذا هو الظاهر من الآية الكريمة وهو اختيار ابن جرير ثم روى من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن يحيى بن رافع مولى لثقيف قال سمعت عثمان بن عفان رضي الله عنه يخطب فقرأ هذه الآية « وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد » فقال سائق يسوقها إلى الله تعالى وشاهد يشهد عليها بما عملت وكذا قال مجاهد وقتادة وابن زيد وقال مطرف عن أبي جعفر مولى أشجع عن أبي هريرة رضي الله عنه قال السائق الملك والشهيد العمل وكذا قال الضحاك والسدي وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما السائق من الملائكة والشهيد الإنسان نفسه يشهد على نفسه وبه قال الضحاك بن مزاحم أيضا، وحكى ابن جرير ثلاثة أقوال في المراد بهذا الخطاب في قوله تعالى « لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد » « أحدها » أن المراد بذلك الكافر رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما وبه يقول الضحاك بن مزاحم وصالح بن كيسان « والثاني » أن المراد بذلك كل أحد من بر وفاجر لأن الآخرة بالنسبة إلى الدنيا كاليقظة والدنيا كالمنام وهذا اختيار ابن جرير ونقله عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس رضي الله عنهما « والثالث » أن المخاطب بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وبه يقول زيد بن أسلم وابنه والمعنى على قولهما لقد كنت في غفلة من هذا القرآن قبل أن يوحى إليك فكشفنا عنك غطاءك بإنزاله إليك فبصرك اليوم حديد والظاهر من السياق خلاف هذا بل الخطاب مع الإنسان من حيث هو والمراد بقوله تعالى « لقد كنت في غفلة من هذا » يعني من هذا اليوم، « فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد » أي قوي لأن كل أحد يوم القيامة يكون مستبصرا حتى الكفار في الدنيا يكونون يوم القيامة على الاستقامة لكن لا ينفعهم ذلك، قال الله تعالى « أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا » وقال عز وجل « ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون »








 


قديم 2010-09-02, 17:55   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
سلفية
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

فكرة طيبة
لي عودة للموضوع........










قديم 2010-09-02, 18:37   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
مقتفية الأثر الصالح
عضو نشيط
 
الأوسمة
وسام التميز وسام الحفظ 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سلفية مشاهدة المشاركة
فكرة طيبة
لي عودة للموضوع........

ننتظرك
كما ننتظر باقي الإخوة والأخوات
.
.
.
.
.










قديم 2010-09-03, 00:23   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
salah-19
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي

ان شاء الله ثم بارادتك انت










قديم 2010-09-03, 13:14   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
مقتفية الأثر الصالح
عضو نشيط
 
الأوسمة
وسام التميز وسام الحفظ 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة salah-19 مشاهدة المشاركة
ان شاء الله ثم بارادتك انت

في انتظار مشاركتكم
سررت بمروركم









قديم 2010-09-04, 14:45   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
مريم بوزيدي
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا لك على الإفادة و على النقل الطيب










قديم 2010-09-04, 19:06   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
سلفية
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

استوقفتني الآية 153 من سورة الأنعام
قال الله تعالى: " وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ "

تفسير ابن كثير رحمه الله تعالى لهذه الآية: - مع بعض التصرف مني -

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله « ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله » وفي قوله « أن أقيموا الدين ولاتتفرقوا فيه » ونحو هذا في القرآن قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الإختلاف والتفرقة وأخبرهم أنه إنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله. ونحو هذا قال مجاهد وغير واحد وقال الإمام أحمد بن حنبل: ثنا الأسود بن عامر شاذان ثنا أبو بكر هو ابن عياش عن عاصم هو ابن أبي النجود عن أبي وائل عن عبد الله هو ابن مسعود رضي الله عنه قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا بيده ثم قال: " هذا سبيل الله مستقيما " وخط عن يمينه وشماله ثم قال: " هذه السبل ليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه " ثم قرأ « وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله » ........
عن مجالد عن الشعبي عن جابر قال : " كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فخط خطا هكذا أمامه فقال هذا سبيل الله وخطين عن يمينه وخطين عن شماله وقال هذه سبل الشيطان ثم وضع يده في الخط الأوسط ثم تلا هذه الآية « وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولاتتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون »
قال ابن جرير حدثنا محمد بنعبد الأعلى حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن أبان أن رجلا قال لابن مسعود: ما الصراط المستقيم؟ قال: تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه وطرفه في الجنة وعن يمينه جواد وعن يساره جواد ثم رجال يدعون من مر بهم فمن أخذ في تلك الجواد إنتهت به إلى النار ومن أخذ على الصراط إنتهى به إلى الجنة ثم قرأ ابن مسعود « وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله » الآية
.... عن النواس بن سمعان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ضرب الله مثلا صراطا مستقيما وعن جنبي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة وعلى باب الصراط داع يقول يا أيها الناس ادخلوا الصراط المستقيم جميعا ولاتفرجوا وداع يدعو من فرق الصراط فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الآبواب قال ويحك لا تفتحه فإنك إن فتحته تلجه فالصراط الإسلام والسوران حدود الله والأبواب المفتحة محارم الله وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم "
عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيكم يبايعني على هؤلاء الآيات الثلاث ثم تلا « قل تعالوا أتل ماحرم ربكم عليكم » حتى فرغ من ثلاث آيات، ثم قال: " ومن وفى بهن فأجره على الله ومن انتقص منهن شيئا فأدركه الله في الدنيا كانت عقوبته ومن أخره إلى الآخرة كان أمره إلى الله إن شاء أخذه وإن شاء عفا عنه "









قديم 2010-09-06, 12:58   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
مقتفية الأثر الصالح
عضو نشيط
 
الأوسمة
وسام التميز وسام الحفظ 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سلفية مشاهدة المشاركة


اللهم ثبّت قلبي على دينك...

قال تعالى: " كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ''

التفسير:
يقول تعالى « وما جعلنا لبشر من قبلك » أي يامحمد « الخلد » أي في الدنيا بل « كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام »
وقد استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب من العلماء إلى أن الخضر عليه السلام مات وليس بحي إلى الآن لأنه بشر سواء كان وليا أو نبيا أو رسولا وقد قال تعالى « وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد » وقوله « أفإن مت » أي يا محمد « فهم الخالدون » أي يؤملون أن يعيشوا بعدك لا يكون هذا بل كل إلى الفناء ولهذا قال تعالى « كل نفس ذائقة الموت »
وقد روى عن الشافعي رحمه الله أنه أنشد واستشهد بهذين البيتين
-تمنى رجال أن أموت وإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد**
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى تهيأ لأخرى مثلها فكأن قد-
وقوله « ونبلوكم بالشر والخير فتنة » أي نختبركم بالمصائب تارة وبالنعم أخرى فننظر من يشكر ومن يكفر ومن يصبر ومن يقنط ، كما قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ونبلوكم يقول: نبتليكم بالشر والخير فتنة بالشدة والرخاء والصحة والسقم والغنى والفقر والحلال والحرام والطاعة والمعصية والهدى والضلال
وقوله « وإلينا ترجعون » أي فنجازيكم بأعمالكم









قديم 2010-09-06, 14:09   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
النيلية
قدماء المنتدى
 
الأوسمة
**وسام تقدير** وسام أفضل مشرف عام وسام الحضور المميز في منتدى الأسرة و المجتمع وسام أحسن مشرف 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم
بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا



(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) ) البقرة


أخبر تعالى أنه يبتلي عباده [المؤمنين] أي: يختبرهم ويمتحنهم، كما قال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [محمد: 31] فتارة بالسراء، وتارة بالضراء من خوف وجوع، كما قال تعالى: فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ [النحل: 112] فإن الجائع والخائف كل منهما يظهر ذلك عليه؛ ولهذا قال: لباس الجوع والخوف. وقال هاهنا ( بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ ) أي: بقليل من ذلك ( وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ ) أي: ذهاب بعضها ( وَالأنْفُسِ ) كموت الأصحاب والأقارب والأحباب ( وَالثَّمَرَاتِ ) أي: لا تُغِلّ الحدائق والمزارع كعادتها. كما قال بعض السلف: فكانت بعض النخيل لا تثمر غير واحدة. وكل هذا وأمثاله مما يختبر الله به عباده، فمن صبر أثابه [الله] ومن قنط أحل [الله] به عقابه. ولهذا قال: ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ )
وقد حكى بعضُ المفسرين أن المراد من الخوف هاهنا: خوف الله، وبالجوع: صيام رمضان، ونقص الأموال: الزكاة، والأنفس: الأمراض، والثمرات: الأولاد.


وفي هذا نظر، والله أعلم.


ثم بيَنَّ تعالى مَنِ الصابرون الذين شكرهم، قال: ( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) أي: تسلَّوا بقولهم هذا عما أصابهم، وعلموا أنَّهم ملك لله يتصرف في عبيده بما يشاء، وعلموا أنه لا يضيع لديه مثْقال ذرَّة يوم القيامة، فأحدث لهم ذلك اعترافهم بأنهم عبيده، وأنهم إليه راجعون في الدار الآخرة. ولهذا أخبر تعالى عما أعطاهم على ذلك فقال: ( أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ ) أي: ثناء من الله عليهم ورحمة.


قال سعيد بن جبير: أي أَمَنَةٌ من العذاب ( وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: نعم العدْلان ونعمت العلاوة ( أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ) فهذان العدلان ( وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) فهذه العلاوة، وهي ما توضع بين العدلين، وهي زيادة في الحمل وكذلك هؤلاء، أعطوا ثوابهم وزيدوا أيضًا.


وقد ورد في ثواب الاسترجاع، وهو قول ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) عند المصائب أحاديث كثيرة. فمن ذلك ما رواه الإمام أحمد:
حدثنا يونس، حدثنا ليث -يعني ابن سعد -عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد، عن عمرو بن أبي عَمْرو، عن المطلب، عن أم سلمة قالت: أتاني أبو سلمة يومًا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قولا سُررْتُ به. قال: "لا يصيب أحدا من المسلمين مصيبة فيسترجع عند مصيبته، ثم يقول: اللهم أجُرني في مصيبتي واخلُف لي خيرًا منها، إلا فُعِل ذلك به". قالت أم سلمة: فحفظت ذلك منه، فلما توفي أبو سلمة استرجعت وقلت: اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منه، ثم رجعت إلى نفسي. فقلت: من أين لي خير من أبي سلمة؟ فلما انقضت عدَّتي استأذن علي رسول الله صلى الله عليه وسلم -وأنا أدبغ إهابا لي -فغسلت يدي من القَرَظ وأذنت له، فوضعت له وسادة أدم حَشْوُها ليف، فقعد عليها، فخطبني إلى نفسي، فلما فرغ من مقالته قلت: يا رسول الله، ما بي ألا يكون بك الرغبة، ولكني امرأة، فيّ غَيْرة شديدة، فأخاف أن ترى مني شيئًا يعذبني الله به، وأنا امرأة قد دخلتُ في السن، وأنا ذات عيال، فقال: "أما ما ذكرت من الغيرة فسوف يُذهبها الله، عز وجل عنك. وأما ما ذكرت من السِّن فقد أصابني مثلُ الذي أصابك، وأما ما ذكرت من العيال فإنما عيالك عيالي". قالت: فقد سلَّمْتُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت أم سلمة بعد: أبدلني الله بأبي سلمة خيرًا منه، رسولُ الله صلى الله عليه وسلم .


وفي صحيح مسلم، عنها أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: ( إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ) اللهم أجُرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها، إلا آجره الله من مصيبته، وأخلف له خيرا منها" قالت: فلما تُوُفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخلف الله لي خيرا منه: رسولَ الله صلى الله عليه وسلم .


وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد، وعَبَّاد بن عباد قالا حدثنا هشام بن أبي هشام، حدثنا عباد بن زياد، عن أمه، عن فاطمة ابنة الحسين، عن أبيها الحسين بن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مسلم ولا مسلمة يصاب بمصيبة فيذكرها وإن طال عهدها -وقال عباد: قدم عهدها -فيحدث لذلك استرجاعا، إلا جدد الله له عند ذلك فأعطاه مثل أجرها يوم أصيب" .


ورواه ابنُ ماجه في سُنَنه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وَكِيع، عن هشام بن زياد، عن أمه، عن فاطمة بنت الحسين، عن أبيها [الحسين] .
وقد رواه إسماعيل بن عُلَية، ويزيد بن هارون، عن هشام بن زياد عن أبيه، كذا عن، فاطمة، عن أبيها.


وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن إسحاق السالحيني، أخبرنا حماد بن سلمة، عن أبي سنان قال: دفنتُ ابنًا لي، فإني لفي القبر إذ أخذ بيدي أبو طلحة -يعني الخولاني -فأخرجني، وقال لي: ألا أبشرك؟ قلت: بلى. قال: حدثني الضحاك بن عبد الرحمن بن عرْزَب، عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله :يا ملك الموت، قبضتَ ولد عبدي؟ قبضت قُرَّة عينه وثمرة فؤاده؟ قال نعم. قال: فما قال؟ قال: حَمِدَك واسترجع، قال: ابنو له بيتًا في الجنة، وسمُّوه بيتَ الحمد".


ثم رواه عن علي بن إسحاق، عن عبد الله بن المبارك. فذكره . وهكذا رواه الترمذي عن سُوَيد بن نصر، عن ابن المبارك ، به. وقال: حسن غريب. واسم أبي سنان: عيسى بن سنان.
التفسير لابن كثير









قديم 2010-09-07, 18:28   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
مقتفية الأثر الصالح
عضو نشيط
 
الأوسمة
وسام التميز وسام الحفظ 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بنت جبيل مشاهدة المشاركة
السلام عليكم
بارك الله فيكم وجزاكم الله خيرا



(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) ) البقرة


[/center]
بارك الله فيكم
سررت بمشاركتكم









قديم 2010-09-16, 12:26   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
سلفية
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

قال تعالى في سورة القيامة: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ (24) تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ (25)

التفسير:


قال تعالى « وجوه يومئذ ناضرة » من النضارة أي حسنة بهية مشرقة مسرورة « إلى ربها ناظرة » أي تراه عيانا كما رواه البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه : إنكم سترون ربكم عيانا ، وقد ثبت رؤية المؤمنين لله عز وجل في الدار الآخرة في الأحاديث الصحاح من طرق متواترة عند أئمة الحديث لا يمكن دفعها ولا منعها لحديث أبي سعيد وأبي هريرة وهما في الصحيحين : أن ناسا قالوا: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: هل تضارون في رؤية الشمس والقمر ليس دونهما سحاب قالوا: لا، قال: فإنكم ترون ربكم كذلك
وفي الصحيحين عن جرير قال: نظر رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إلى القمر ليلة البدر ،فقال: إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس ولا قبل غروبها فافعلوا
عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جنتان من ذهب آنيتهما ومافيهما وجنتان من فضة آنيتهما ومافيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى الله عز وجل إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن
عن صهيب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال: يقول الله تعالى تريدون شيئا أزيدكم فيقولون ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجينا من النار قال فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم وهي الزيادة ثم تلا هذه الآية « للذين أحسنوا الحسنى وزيادة »
عن جابر في حديثه إن الله يتجلى للمؤمنين يضحك يعني في عرصات القيامة
ففي هذه الأحاديث أن المؤمنين ينظرون إلى ربهم عز وجل في العرصات وفي روضات الجنات

عن مجاهد « إلى ربها ناظرة » قال تنتظر الثواب من ربها رواه ابن جرير من غير وجه
قال الشافعي رحمه الله تعالى ما حجب الفجار إلا وقد علم أن الأبرار يرونه عز وجل
ثم قد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما دل عليه سياق الآية الكريمة وهي قوله تعالى « إلى ربها ناظرة » قال ابن جرير حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري حدثنا آدم حدثنا المبارك عن الحسن « وجوه يومئذ ناضرة » قال حسنة « إلى ربها ناظرة » قال تنظر إلى الخالق وحق لها أن تتضرع وهي تنظر إلى الخالق وقوله تعالى « ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة » هذه وجوه الفجار تكون يوم القيامة باسرة قال قتادة كالحة وقال السدي تغير ألوانها وقال ابن زيد « باسرة » أي عابسة « تظن » أي تستيقن « أن يفعل بها فاقرة » قال مجاهد داهية وقال قتادة شر وقال السدي تستيقن أنها هالكة وقال ابن زيد تظن أن ستدخل النار وهذا المقام كقوله تعالى « يوم تبيض وجوه وتسود وجوه » وكقوله تعالى « وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة » وكقوله تعالى « وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية » إلى قوله « وجوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية في جنة عالية » في أشباه ذلك من الآيات والسياقات









قديم 2010-09-17, 01:03   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
علي الجزائري
عضو محترف
 
الصورة الرمزية علي الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز لسنة 2013 وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي

قال الله تعالى :
( وَبَرَزُواْ لِلّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ : إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا ،
فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِن شَيْءٍ ،
قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ،
سَوَاء عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ )


- أما مخاصمة الضعفاء للسادة من الملوك والأمراء وشيوخ العشائر الذين كانوا يتسلطون على العباد ،
ويشدُّ الضعفاء أزرهم ، ويعينوهم على باطلهم بالنفس والمال فقد ذكرها الله تعالى في قوله :

( وَبَرَزُواْ لِلّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ
مِن شَيْءٍ قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاء عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ )
[ إبراهيم : 21 ] .

.... ( وَبَرَزُواْ لِلّهِ جَمِيعًا .. ) [ إبراهيم : 21 ] الطغاة المكذبون ، وأتباعهم من الضعفاء المستذلين ..
ومعهم الشيطان .. ثم الذين آمنوا بالرسل وعملوا الصالحات .. برزوا (جميعاً) مكشوفين ..
وهم مكشوفون لله دائماً ، ولكنهم الساعة يعلمون ويحسون أنهم مكشوفون لا يحجبهم حجاب ،
ولا يسترهم ساتر، ولا يقيهم واق .. برزوا وامتلأت الساحة ورفع الستار ، وبدأ الحوار :
( فَقَالَ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِن شَيْءٍ )
والضعفاء هم الضعفاء . هم الذين تنازلوا عن أخص خصائص الإنسان الكريم على الله حين تنازلوا
عن حريتهم الشخصية في التفكير والاعتقاد والاتجاه وجعلوا أنفسهم تبعاً للمستكبرين والطغاة .
ودانوا لغير الله من عبيده واختاروها على الدينونة لله .

والضعف ليس عذراً ، بل هو الجريمة فما يريد الله لأحد أن يكون ضعيفاً ، وهو يدعو الناس كلهم
إلى حماه يعتزون به والعزة لله . وما يريد الله لأحد أن ينزل طائعاً عن نصيبه في الحرية –
التي هي ميزته ومناط تكريمه – أو أن ينزل كارهاً . والقوة المادية – كائنة ما كانت –
لا تملك أن تستبعد إنساناً يريد الحرية ، ويستمسك بكرامته الآدمية . فقصارى ما تملكه تلك
القوة أن تملك الجسد ، تؤذيه وتعذبه وتكبله وتحبسه . أما الضمير. أما الروح . أما العقل .
فلا يملك أحد حبسها ولا استذلالها ، إلا أن يسلمها صاحبها للحبس والإذلال !

من ذا الذي يملك أن يجعل أولئك الضعفاء تبعاً للمستكبرين في العقيدة ، وفي التفكير،
وفي السلوك ؟ من ذا الذي يملك أن يجعل أولئك الضعفاء يدينون لغير الله ، والله
هو خالقهم ورازقهم وكافلهم دون سواه ؟ لا أحد . لا أحد إلا أنفسهم الضعيفة . فهم ضعفاء
لا لأنهم أقل قوة مادية من الطغاة ، ولا لأنهم أقل جاهاً أو مالاً أو منصباً أو مقاماً .. كلا ،
إن هذه كلها أعراض خارجية لا تعد بذاتها ضعفاً يلحق صفة الضعف بالضعفاء. إنما هم ضعفاء
لأن الضعف في أرواحهم وفي قلوبهم وفي نخوتهم وفي اعتزازهم بأخص خصائص الإنسان !

إن المستضعفين كثرة ، والطواغيت قلة . فمن ذا الذي يخضع الكثرة للقلة ؟ وماذا الذي يخضعها ؟
إنما يخضعها ضعف الروح ، وسقوط الهمة ، وقلة النخوة ، والتنازل الداخلي عن الكرامة التي
وهبها الله لبني الإنسان !

إن الطغاة لا يملكون أن يستذلوا الجماهير إلا برغبة هذه الجماهير . فهي دائماً قادرة
على الوقوف لهم لو أرادت . فالإرادة هي التي تنقص هذه القطعان !

إن الذل لا ينشأ إلا عن قابلية للذل في نفوس الأذلاء .. ، وهذه القابلية هي وحدها التي
يعتمد عليها الطغاة !! والأذلاء هنا على مسرح الآخرة في ضعفهم وتبعيتهم للذين استكبروا
يسألونهم : ( إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِن شَيْءٍ ) [إبراهيم : 21] .

وقد اتبعناكم فانتهينا إلى هذا المصير الأليم ؟!

أم لعلهم وقد رأوا العذاب يهمون بتأنيب المستكبرين على قيادتهم لهم هذه القيادة ،
وتعريضهم إياهم للعذاب ؟ إن السياق يحكي قولهم وعليه طابع الذلة على كل حال !

ويرد الذين استكبروا على ذلك السؤال :

( قَالُواْ لَوْ هَدَانَا اللّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاء عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ ) [إبراهيم : 21] .
وهو رد يبدو فيه البرم والضيق :

( لَوْ هَدَانَا اللّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ ) .

فعلام تلوموننا ونحن وإياكم في طريق واحد إلى مصير واحد ؟ إننا لم نهتد ونضلكم .
ولو هدانا الله لقدناكم إلى الهدى معنا ، كما قدناكم حين ضللنا إلى الضلال !
وهم ينسبون هداهم وضلالهم إلى الله . فيعترفون الساعة بقدرته وكانوا من قبل
ينكرونه وينكرونها ، ويستطيلون على الضعفاء استطالة من لا يحسب حساباً لقدرة
القاهر الجبار . وإنما يتهربون من تبعة الضلال والإضلال برجع الأمر لله ..
والله لا يأمر بالضلال كما قال سبحانه ( إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء ) [ الأعراف : 28 ] ..
ثم هم يؤنبون الضعفاء من طرف خفي ، فيعلنوا لهم بأن لا جدوى من الجزع كما أنه لا فائدة
من الصبر . فقد حق العذاب ، ولا راد له من صبر أو جزع ، وفات الأوان الذي كان الجزع
فيه من العذاب يجدي فيرد الضالين إلى الهدى ، وكان الصبر فيه على الشدة يجدي
فتدركهم رحمة الله . لقد انتهى كل شيء ، ولم يعد هنالك مفر ولا محيص :

( سَوَاء عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ ) [ إبراهيم : 21 ] .

لقد قضي الأمر ، وانتهى الجدل ، وسكت الحوار .. وهنا نرى على المسرح عجباً..
نرى الشيطان .. هاتف الغواية ، وحادي الغواة .. نراه الساعة يلبس مسوح الكهان ،
أو مسوح الشيطان ! ويتشيطن على الضعفاء والمستكبرين سواء ، بكلام
ربما كان أقسى عليهم من العذاب :

( وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ
وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم
مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ
إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ )
[ إبراهيم : 22 ] .

الله ! الله ! أما إن الشيطان حقاً لشيطان ! وإن شخصيته لتبدو هنا على أتمها
كما بدت شخصية الضعفاء وشخصية المستكبرين في هذا الحوار ..

إنه الشيطان الذي وسوس في الصدور ، وأغرى بالعصيان ، وزين الكفر ، وصدهم
عن استماع الدعوة .. ، هو هو الذي يقول لهم وهو يطعنهم طعنة أليمة نافذة ،
حيث لا يملكون أن يردوها عليه – وقد قضي الأمر – هو الذي يقول الآن ،
وبعد فوات الأوان :

( إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ) [ إبراهيم : 22 ] .

ثم يخزهم وخزة أخرى بتعييرهم بالاستجابة له ، وليس له عليهم من سلطان ،
سوى أنهم تخلوا عن شخصياتهم ، ونسوا ما بينهم وبين الشيطان من عداء قديم ،
فاستجابوا لدعوته الباطلة ، وتركوا دعوة الحق من الله :

( وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لي ) [ إبراهيم : 22 ] .

ثم يؤنبهم ، ويدعوهم لتأنيب أنفسهم ، يؤنبهم على أن أطاعوه !

( فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم ) [ إبراهيم : 22 ] .

ثم يتخلى عنهم ، وينفض يده منهم ، وهو الذي وعدهم من قبل ومناهم ، ووسوس لهم
أن لا غالب لهم ، فأما الساعة فما هو بملبيهم إذا صرخوا ،
كما أنهم لن ينجدوه إذا صرخ :

( مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ) [ إبراهيم : 22 ] .

وما بيننا من صلة ولا ولاء !

ثم يبرأ من إشراكهم به ، ويكفر بهذا الإشراك :

( إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ) [ إبراهيم : 22 ] .

ثم ينهي خطبته الشيطانية بالقاصمة يصبها على أوليائه :

( إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) [ إبراهيم : 22 ] .

فيا للشيطان ، ويالهم من وليهم الذي هتف بهم إلى الغواية فأطاعوه ،
ودعاهم الرسل إلى الله فكذبوهم وجحدوهم (1) .

وفي موضع آخر يذكر الله تخاصم الضعفاء والسادة المستكبرين فيقول :
( وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا
فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ -
قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ )
[ المؤمن : 47-48 ] .

وهذه الآيات الكريمة تأتي بعد الإخبار بما كان من استعلاء فرعون من تذبيحه الأطفال ،
ومحاولته قتل موسى ، ومحاورته ذلك المؤمن الذي واجه فرعون ودحض حجته وباطله ،
وكيف وقف الشعب موقف التابع الذي ينفذ رغبات الطاغية ، فيقوم أفراده بالتذبيح والإيذاء
والمطاردة ، هؤلاء الذين كانوا في الدنيا أعواناً للظلمة المجرمين يعلمون في يوم القيامة
فداحة الجريمة التي وقعوا فيها ، ويقولون للسادة أمثال فرعون :
( إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ ) [المؤمن : 47] ،
ولكن السادة لا يملكون لأنفسهم شيئاً ، ولا يستطيعون نصر أنفسهم فيقولون :
( إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ ) [ المؤمن : 48 ] .

وهذا الموقف يدلنا على الجواب الذي يمكننا أن نواجه به المقولة الباطلة التي يرددها
بعض الظلمة حيث يقولون لأتباعهم : اتبعوني ، وأنا أتحمل وزركم إن كان عليكم وزر ،
فإن تحملهم مثل أوزار الذين يضلونهم ، لا يمنع العذاب عن الذين اتبعوهم
( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُم بِحَامِلِينَ
مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ - وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ )
[ العنكبوت : 12-13 ] .

وقال في موضع آخر محدثاً عن مخاصمة الضعفاء للمستكبرين :
( وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ
يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ -
قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءكُم
بَلْ كُنتُم مُّجْرِمِينَ - وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَن نَّكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ
وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ )

[سبأ : 31-33 ] .

فالأتباع والضعفاء يتهمون سادتهم وزعمائهم قائلين لهم : أنتم الذين حلتم بيننا
وبين الإيمان ، فلولاكم لكنا من الذين اتبعوا ما أنزل إلينا من ربنا ، ولكن المستكبرين
يرفضون هذه التهمة ، ويقولون لهم : أنتم المجرمون ، كل ما في الأمر أننا دعوناكم
فاستجبتم لنا ، ولم يكن لنا عليكم من سلطان ، فتقول الشعوب المستضعفة الضالة :
بل مكركم بنا في الليل والنهار أضلنا وحرفنا عن جادة الصواب ، فالمؤامرات
والمؤتمرات ، ووسائل الإعلان في مختلف العصور التي تصور الحق باطلاً ،
والباطل حقاً ، وما كان يلقيه الزعماء من شبهات ومزاعم باطلة ، كل ذلك أضلنا
وجعلنا نكفر بالله ، ونشرك به والحق أن الجميع خاطئون ،
وهم غير معذورين في ضلالهم وكفرهم .

ويصف الحق هذا التخاصم بين أهل النار عند دخولهم النار فيقول :
( هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ - جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ -
هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ - وَآخَرُ مِن شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ -
هَذَا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ -
قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ -
قَالُوا رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ -
وَقَالُوا مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُم مِّنَ الْأَشْرَارِ -
أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ -
إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ )

[ص : 55-64] .

فهؤلاء الذين كان بعضهم يرحب ببعض في الحياة الدنيا ، ويوقِّر بعضهم بعضاً ،
يتحول حالهم في ذلك اليوم فيقول بعضهم لبعض :
( لَا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ -
قَالُوا بَلْ أَنتُمْ لَا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ )

[ ص : 59-60 ]
ويتمنى كل فريق على الله أن يزيد من كانوا أحبابه في الدنيا من العذاب والآلام ،
إن هذا التخاصم بين أهل النار حق كائن لا شك في ذلك ،
كذلك يقول ربنا تبارك وتعالى .

من كتاب القيامة الكبرى لعمر سليمان الأشقر
ص119-126
طبعة دار السلام ..









قديم 2010-09-17, 09:49   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
مقتفية الأثر الصالح
عضو نشيط
 
الأوسمة
وسام التميز وسام الحفظ 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علي الجزائري مشاهدة المشاركة


سررنا بمروركم....










قديم 2010-09-18, 13:18   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
علي الجزائري
عضو محترف
 
الصورة الرمزية علي الجزائري
 

 

 
الأوسمة
المشرف المميز لسنة 2013 وسام التميز 
إحصائية العضو










افتراضي

آمين و إياك ...










قديم 2010-09-19, 14:41   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
نايسي
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية نايسي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي










 

الكلمات الدلالية (Tags)
آية، استوقفتك


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 02:33

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc