التاريخ الاسلامي - الصفحة 6 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية

قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية تعرض فيه تاريخ الأمم السابقة ( قصص الأنبياء ) و تاريخ أمتنا من عهد الرسول صلى الله عليه و سلم ... الوقوف على الحضارة الإسلامية، و كذا تراجم الدعاة، المشائخ و العلماء

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

التاريخ الاسلامي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-03-18, 16:00   رقم المشاركة : 76
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 صيرورة تونس ولاية عثمانية

صيرورة تونس ولاية عثمانية:

سبق ذكر الحروب التي جرت بين خير الدين باشا بارباروس والسلطان حسن الحفصي والتجاء السلطان حسن لشارلكان إمبراطور إسبانيا ثم تنازله عن بعض الجهات للإسبانيول الذين ردوه إلى نخته وكان الإسبانيول بنوا قلعة متينة في ممر حلق الوادي وعينوا لها أربعة من المحافظين وبعد مدّة توفي السلطان حسن المذكور وخلفه ولده السلطان حميد ولما كان ظالماً عاتياً كأبيه نفرت منه الأمة وكاتبت القبودان قلنج علي باشا مذ كان والياً على الجزائر واتفقوا معه سراً على خلع السلطان حميد وكان القبودان المذكور أطلع الدولة على هذا الأمر فأمدّته بالسفن والجنود وأمرته بفتح تونس فحمل على تونس وهرب بالسلطان حميد كأبيه إلى الإسبانيول وعينت الدولة جعفر باشا والياً لتونس وأبقت معه الجنود الكافية ولكن بقيت قلعة حلق الوادي المذكورة بيد الإسبانيول.

ولما حضر الأميرال دون جوان سنة 881هـ بأسطوله المركب من 150سفينة وحاصر تونس التزم جعفر باشا بالرجوع إلى مدينة القيروان لعدم قدرته على المقاومة لقلة جنوده فعاد السلطان حميد عند ذلك لكرسيه وشرع يعامل الأهالي بالقساوة انتقاماً منهم على ما فعلوه معه ولما رأى الإسبانيول أنه يسعى في نقض الشروط التي بينهم وبينه أحضروا أخاه محمداً وكان محبوساً في مسيني من أعمال صقلية وأجلسوه على التخت مكانه فقبض على أخيه وحبسه وألزمه مساعدوه أيضاً التوقيع على معاهدة من ضمنها أن يكون تحت حماية إسبانيا وأن يحتل بلاده ثمانية آلاف من جنود إسبانيا لحمايتها وغير ذلك من الشروط.

ولما علم السلطان سليم بما فعله الإسبانيول صمم على فتح تونس كما قلناه وعين الوزير سنان باشا سردار لجيشها وفي 23 محرم سنة 982هـ 1574 م أقلعت العمارة العثمانية من إستانبول وكانت مركبة من 26سفينة حربية و 15ماعونة و15 غليوناً تحت قيادة القبودان قلنج علي باشا قاصدة مياه تونس ومرت في طريقها بايطاليا فغزت جملة قلاع وبلاد منها ومن جزيرة صقلية لمساعدتهما أعداء الدولة عليها في كل وقت وبذلك انتشر خبر قدوم الدوننما العمثانية عند دول أوروبا.

وفي تلك الأثناء كان استولى طورغود باشا على طرابلس الغرب ويقال إن عمارة سنان باشا مرت بها عند ذهابها لتونس وساعدته على فتحها وفي أوائل ربيع الأول من السنة المذكورة وصل سنان باشا إلى تونس وأخرج عساكره إلى البر بلا ممانع ثم أخذ في محاصرة قلعة حلق الوادي ولم يستول عليها إلا بعد مضي33 يوماً من حصارها وقتل من حاميتها نحو ستة آلاف جندي وأسر ألفين وغنم منها خمسمائة مدفع وكثيراً من آلات الحرب.

ولما رأى أن إزالة تلك القلعة أصوب من بقائها أمر فوضعوا تحتها ثلاثين لغماً من البارود ودمروها تدميراً وبعد استيلائه على باقي الاستحكامات دخل بالجنود المدينة في رمضان من تلك السنة ونادى في الناس بالأمان فهدأ روعهم وعادوا إلى أعمالهم وأقيمت الخطبة باسم السلطان وضربت السكة باسمه أيضاً وعين أحد القواد محافظاً عليها وأبقى معه قوة كافية لحفظها بعد أن رتب الحكومة وجعل لها ما يناسب من القوانين وصارت تونس من وقتئذ أيالة عثمانية ودخلت في عداد الوجاقات كالجزائر وطرابلس الغرب ثم عاد هو وقلنج علي باشا بالعمارة إلى دار الخلافةومعهم ما اكتسبوه من الغنائم ولما وصلوا رحب السلطان بهم وكافأه وكافة من كان معهم من الجنود.

وفاته:

وكانت وفاة هذا السلطان في سنة 982هـ وعمره اثنتان وخمسون سنة وسبب وفاته أنه أنشأحماماً بقصره وأحكمه وأبدع فيه غاية الإبداع حتى صار لا مثيل له وبينما هو يمشي فيه اذ زلقت قدمه فسقط سقطة عظيمة مرض منها أياماً ثم توفي وكان أوصى بالملك لولده الأكبر السلطان مرادخان الثالث.

وكان رحمه الله شهماً شجاعاً زكياً تقياً محباً للصالحين ضاعف مرتبات الحرمين الشريفين وشيد مسجداً في أدرنة 981هـ وكان محباً للعمارة صنع جسراً جسيماً في قصبة جكمجة وأصلح جامع أياصوفية ولم يكن حصل به إصلاح من تاريخ إنشائه وكان تخرب من الزلازل وأضاف إليه جملة مبان.

السلطان الغازي مرادخان الثالث ابن السلطان سليم الثاني 982-1003

لما توفي السلطان سليم كان ابنه السلطان مراد بمدينة مغنيسيا والياً عليها فأخفى الصدر الأعظم خبر موت السلطان أحد عشر يوماً إلى أن حضر وجلس على تخت أجداده وكان عمره وقتئذ عشرين سنة وبعد دفن أبيه في تربته المخصوصة صرف للجنود عطايا الجلوس المعتادة وقدرها 110000 . من الذهب فمنع بذلك الاضطرابات التي كانت تحدث عادة إذا تأخر صرف تلك الهبات.

واقعة وادي السبيل 983هـ:

اعلم أنه في السنة الثانية من جلوس السلطان مراد جهز دون سبستيان ملك البرتغال حملة قوية ظاهرها مساعدة عم أمير فاس الشريف محمد المتوكل السعدي ونقل الجيوش بالأساطيل العديدة إلى بلاد فاس. فعندها استنجد الشريف عبد الله بالسلطان مراداً فأمر السلطان رمضان باشا بكلر بك الجزائر بالأخذ بناصره بالقوّة بعد أن يتوسط في الصلح أولًا ليمنع إراقة الدماء ولما لم تفلح مساعي الوالي المذكور في التوفيق بين المتخاصمين تلاقى جيش والي الجزائر ومن انضم إليه من شيعة عبد الملك بجيش سبستيان ومحالفه الشريف محمد المتوكل وبعد قتال شديد دار بين الطرفين هزم جيش سبستيان ومحالفه وقتل سبستيان.

الحملة على بلاد العجم:

لما قامت الثورات في بلاد العجم بين أولاد العائلة الملوكية عقب وفاة الشاه طهماسب كتب خسرو باشا والي أرضروم إلى الدولة يعلمها بالحاصل في بلاد العجم ويحرضها على فتحها فعين السلطان لالا مصطفى باشا فاتح قبرس وسر عسكر الشرق قائداً لهذه الحملة فلما وصل إلى أرضروم بالعساكر تقدم إلى حدود العجم وحاربهم بجوار قلعة جلدير وقهر قائدهم طوقان خان وبعد ذلك فتحت الجيوش العثمانية كرجستان ثم دخلت تفليس وتعين جعفر باشا محافظاً لقلعتها.

وسنة 987هـ ساقت العجم أربع فرق لإعادة البلاد التي فتحتها الدولة فقابلهم عثمان باشا ابن أوزتيمور وردهم على أعقابهم خاسرين وفي هذه السنة تعين لالا مصطفى باشا المذكور صدراً أعظم بدلاً عن صوقللي محمد باشا الذي جلس في دست الوزارة 15 سنة خدم فيها الدولة والملة بالصداقة والأمانة مما خلد له أجمل الذكر وأحسن السيرة.

محاربات النمسا 1001-1015هـ:

لما تمردت طائفة اليكجرية وقرع الاختلال أبواب الدولة رأى الوزراء أن من حسن السياسة إشغال العساكر بالمحاربات ثم الالتفات إلى تقرير الأحوال وتسكين الأعمال فأوعزوا إلى حسن باشا والي بلاد البوشناق بشن الغارة على بلاد النمسا لمساعدة ملكهم رودلف الثاني أمة المجر إلا أنه لما تقدّم جيش حسن باشا ببلاد كرواسيا وقع في كمين للنمساويين فقتل هو وغالب عسكره ولم ينج منهم إلا القليل ولما بلغ هذا الخبر الدولة العثمانية أخذ الوزراء يتذاكرون في الديوان العالي فيما إذا كان الواجب الانتقام من دولة النمسا بإعلان الحرب عليها أم لا وكان رأي كثير من الوزراء تجنب الحرب لما فيه من الارتباك حتى إن الشيخ سعد الدين أفندي معلم السلطان قال في ذلك المجلس: إني أكتب تاريخاً للدولة العلية وصلت فيه إلى هذا العصر وأريد أن أجعل خاتمته قولي أن أحد عبيد السلطان أخذ ابن أخي شاه العجم وأحضره بين يديه وأن ملك النمسا عجل بدفع الجزية عن سنتين آتيتين.

وبذلك كان يرجح جانب الصلح غير أن سنان باشا وهو الصدر الأعظم فاتح بلاد اليمن لما كان يحسد فرهاد باشا على ما ناله من الشأن والشهرة في حرب العجم أراد أن يفوقه شهرة فرجح جانب الحرب وقال مخاطباً لسعد الدين يمكنك أن تختم الوقائع بقولك: إن أحد مماليك السلطان قبض على ابن أخي شاه العجم وأخذه رهينة وقبض مملوك آخر على ملك النمسا وأحضره بين يدي السلطان وبمثل ذلك من أقوال الغرور وفتح باب الحرب مكفراً كل من خالفه في رأيه هذا وأمر في الحال بناء على أمر السلطان بسرعة التجهيزات وكان الفصل شتاء ثم تحرك الجيش إلى أن ركز أعلامه بمدينة بلغراد ولما كان حرب النمسا هذا قد طالت مدته وامتدت أيامه أكثر من حرب العجم بحيث لم ينته إلا في زمن السلطان أحمد الأول 1015م بمعاهدة زيدوه تروك (Sitovatorok) رأينا من المناسب الكلام على ما كان له من النتائج مدة هذا السلطان.

وفاته:

وقد كانت وفاة هذا السلطان سنة 1003هـ وعمره خمسون سنة ويروى أنه لإنهماكه الزائد بالنساء خلف مائة ولد وخمسة عشر ولداً كان له اشتغال ومشاركة ببعض العلوم وله شعر بليغ بالعربية والفارسية والتركية وكان يميل إلى علم التصوف محباً للعلماء تقياً وفي زمنه تطرق الخلل إلى نظامات وقوانين الدولة.

السلطان محمد خان الثالث ابن السلطان مرادخان الثالث 1003-1012هـ

لما مات السلطان مرادخان كان ولده السلطان محمد بمغنيسيا والياً لما حضر جلس على تخت أجداده بلا منازع وعمره إذ ذاك 29سنة ولما تمت له البيعة كان أول أمر اهتم به أن أمر بقتل جميع إخوته الذكور وكانوا تسعة عشرة أميراً وكان لأبيه عشر نساء حبالى فأمر بإغراقهن في البحر ثم التفت إلى أتباع السراي السلطانية فشتت شملهم وحل نظامهم وكان يقصد بذلك استئصال الفتنة والوساوس حسبما وصل إليه عقله وأشار به عليه أخصاؤه وغير أيضاً الوزراء فعين فرهاد باشا للصدارة وخليل باشا قبودانا للبحرية بدلاً عن سنان باشا.









 


رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 16:01   رقم المشاركة : 77
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 محاربات النمسا

محاربات النمسا:

قد سبق ذكر حوادث الحرب التي اشتعلت نيرانها بين الدولة والنمسا وعصيان ميخائيل بك أمير الأفلاق وسجسموند ملك الأردل ولما رأت الدولة استفحال أمر ميخائيل المذكور سيرت عليه جيشاً تحت قيادة سنان باشا الكبيرة وعينت ابنه محمد باشا قائداً لجيوش المجر لصد النمساويين عن التقدم ومع ذلك فلم تأت هذه الاستعدادات بفائدة لأن ميخائيل تقدم منصوراً واستولى على قلعتي بكرش (Bucharest) وترغووشته (Tergovist) بعد أن قتل حاميتهما وكان العثمانيون اهتموا بتحصينهما تحصيناً جيداً وفي أثناء رجوع الجيش العثماني كمن له جيش من جيوش الأفلاق في الطريق وخرح عليه فجأة فبدد نظامه وهزمه هزيمة منكرة ومن جهة أخرى فإن الجيش الذي كان خرج لصد عساكر النمسا قهر وغلب لجهل قواده واستولى النمساويون على قلعة استرغون1004 هـ .

ولما وقعت هذه الهزيمات بجيش السلطنة العثمانية رأى الوزراء وأرباب الدولة أن ذلك مخل بشأنها ووقارها سيما وأن العساكر العثمانية التي دوخت جيوش أوروبا مدّة قرون لا يتأتى لها الآن التغلب على أميراً فلاقي صغير فالح سنان باشا الصدر الأعظم وسعد الدين أفندي شيخ الإسلام على السلطان وحرضاه على الخروج إلى الحرب بنفسه فقبل وأمر بالاستعدادات وقبل خروجه من إستانبول توفي سنان باشا وتولى الصدارة مكانه إبراهيم باشا وكان متهماً بالمداخلة في قتل فرهادباشا وبغير ذلك مما يشين بمقامه ولما وصل الجيش السلطاني إلى بلغراد صار يقصد قلعة أكرى (Erlau) وبعد أن حاصرها نحو عشرين يوماً تم له الاستيلاء عليها 1005م .

ولما علم ملك النمسا مكسيميليان وسيجسموند ملك الأردل بخروج السلطان إلى الحرب بنفسه جمعا عسكريهما وزحفا لملاقاة الجنود العثمانية ثم وقع بين الطرفين محاربة عظيمة بالمكان المدعو خاج أوه (Kerestez) سنة 1005هـ 1596 م وقد استمر القتال طول النهار ولم تخرج جنود المتفقين من استحكاماتهم لقتال العثمانيين بل كانوا يراقبون حركات الجيوش العثمانية ثم انتهزوا فرصة في الجيش العثماني وخرجوا عليه على حين غفلة فاخترقوا صفوفه وبددوا جموعه وفرّ معظم الجيش وتقدمت خيالة الأعداء حتى صارت على مقربة من خيمة السلطان عند ذلك قابلهم خدام الخيمة وحراسها وقاوموهم أشد المقاومة.

وأخذ الأمراء يعملون الحيلة في خلاص السلطان من هذه الورطة إلا أن الشيخ سعد الدين أفندي شيخ الإسلام أخذ يحرض السلطان والأمراء على الصبر والثبات الواجبين في هذا الوقت وأنهما سبب الفوز والنجاة ويشجع الوزراء حتى فاضت قلوبهم حمية وامتلأت أبدانهم جسارة ومقاومة أما الأعداء فإنهم اغتروا بما نالوه من النصرة وأخذوا في تعقب الفارين فكمن لهم قائد المقدمة جغاله زاده سنان باشا واسعتد السلطان فيمن معه من الجنود وحصروهم في وسطهم وأعملوا فيهم السيف والنار حتى أبادوهم عن آخرهم تقريباً وانقلب الحال عليهم من الغلبة إلى الهزيمة.

ثم عاد بعد ذلك السلطان إلى استنابول غانماً منصوراً قال إبراهيم أفندي في تاريخه وكان حاضراً في تلك الواقعة: أنه لو أمضت العساكر العثمانية شتاء ذلك العام بالحدود ثم تقدمت في الربيع لكان أمكنها افتتاح مدينة فينّا وكانت تمكنت الدولة من عقد مصالحة كما تحب إلا أن عودة السلطان إلى إستانبول جعل للنمسا الوقت الكافي للاستعداد وملافاة ما خسرته في الهزيمة المذكورة.

واقعة قنيجة الشهيرة:

أنه بعد حدوث الحوادث السابق ذكرها اضطر الصدر الأعظم إبراهيم باشا المذكور لقيادة الجيوش بنفسه وكان هذا الوزير سافل الأخلاق من ذوي المطامع والأغراض إلا أنه كان جسوراً ذا لياقة واقتدار فتقدم بالجيوش سنة 1008هـ وفتح قلعة قنيجة (Kanescha) وهي من أشهر وأحصن قلاع بلاد النمسا وتقدم أيضاً سر عسكر الطونة كوزلجة محمود باشا وهزم جيوش ميخائيل بك هزيمة تامة بعد أن قاوم عساكر الدولة وتمرد عليها مدّة خمس سنوات.

ولما رأى الشاه عباس ملك إيران 1012هـ اشتغال الدولة بمحاربات النمسا نقض معاهدة الصلح كان عقدها مع فرهاد باشا 998هـ وقصد استرداد مقاطعات آزربيجان وشيروان فأعلن الحرب سنة 1012 على الدولة ثم تقدّم واستولى على تبريز من زنجير قزان علي باشا ثم أغار على جهات روان.

وفاته:

وفي خلال ذلك توفي السلطان محمد خان الثالث ولم يتجاوز سنه 37 سنة وكان رحمه الله سلطاناً عظيم القدر عالي الهمة مظفراً في وقائعه تقياً محباً للعدل والإنصاف يميل إلى العلماء والصلحاء محباً للعلوم والصنائع راغباً في ترقية أسبابها ورواج سوقها وكان عادلاً مستقيماً غير أن طول زمن الحروب مع دولة النمسا أوجب اشتغاله بها وعدم الاهتمام بغيرها.

السلطان أحمد خان الأول ابن السلطان محمد الثالث 1012-1026هـ:

جلس هذا السلطان على تخت السلطنة بعد وفاة والده ولم يكن له من العمر إذ ذاك غير 14سنة ولم يجلس أحد قبله من سلاطين آل عثمان على التخت في هذا السن وكانت أحوال الدولة في ارتباك شديد لاشتغالها بحروب النمسا بأوروبا وبحروب الشاه عباس وغيرهما من أصحاب الثورات الداخلية بآسيا وكان أوّل شيء اهتم به بعد قبضه على الأحكام إتمام ما كان شرع فيه والده من التجهيزات الحربية بناء على ما أشار به وزراءه.

بقية حروب النمسا:

أعلم أنه لما تمت المعدّات الحربية المذكورة عين السلطان لالا محمد باشا للصدارة العظمى وسرداراً عاماً للجيوش التي سافرت لحرب النمسا وكان هذا الصدر من قوّاد الجيوش بدار الحرب منذ انتشابها بين الدولتين، لهذا كانت له معرفة تامة بتلك الجهات سيما وأنه يتصف بالمهارة العسكرية والشهامة الحربية ولما سافر بالجيوش العثمانية أهتم أوّلاً بتقوية الجنود النازلة بقلاع الحدود ثم تقدّم وحاصر قلعة استرغون فتمكن من استردادها وكانت هذه المدينة وقعت في يد الأعداء منذ ما كان هو محافظاً عليها ولذلك داخله السرور باستردادها.

ولما كانت إمارات الأفلاق وبغدان والأردل في خصومة وحرب مع الدولة العثمانية من أوّل قيام هذا الحرب وكانت هذه الممالك الثلاث تخدم بذلك مصلحة النمسا وكان اعتراها الوهن والخراب مما ساقته الدولة العثمانية عليها من الجيوش العديدة ومما وطأ بلادها من عساكر التتار الآتية من بلاد القريم التمس البرنس بوجقاي (بوسكاي) الذي تولى بلاد الأردل بعد نكبة ميخائيل بك بعد موافقة أمراء ملته الصلح من الصدر الأعظم بمكاتيب أرسلها إليه وذلك لما رآه من الذل والخسارة التي أصابت الإمارات الثلاث أثناء هذه المحاربة فقبل الصدر الأعظم التماس البرنس وساق جنوده على قلاع بلاد الأردل لإخراج عساكر النمسا منها وافتتح مدينة إيوار وهي من قلاع الجسيمة.

حرب إيران:

قد علمت مما سبق أن شاه العجم نقض معاهدة الصلح التي بينه وبين الدولة واستولى على تبريز حين اشتغال الدولة بحرب النمسا ولما جلس السلطان أحمد عزل شغاله زاده سنان باشا من إمارة البحرية وعينه قائداً عاماً على جيوش بلاد الشرق وأمده بالجيوش والمعدات لصدّ العجم إلا أنه لم يتمكن من تخليص قلعة روان التي كانوا يحاصرونها ثم اضطر بعد ذلك إلى الرجوع إلى بلاد كردستان بجيشه في حالة سيئة وذلك لأن ضباط جيشه خالفوا أوامره وامتنعوا عن الرضوخ لرأيه الصائب وهو تمضية فصل الشتاء بجهة يقال لها قره باغ حتى إذا ما أقبل الفصل الموافق كانوا قريبين من دار الحرب.

وفي السنة التالية لما سافر يريد فتح تبريز تقابلت طليعة جيشه وكانت تحت قيادة صفر باشا محافظ أرضروم مع جيش الشاه عباس بجوار بلدة يقال لها سلماس ولما انتشب الحرب بينهما وكان الجيش العثماني لم يصل بعد أن انهزمت الطليعة تماماً وقتل قائدها فأثر هذا الانهزام في الجيش العثماني تأثيراً سيئاً وحل عزيمته وتفرق عنه أمراء الأكراد خصوصاً فتقهقر عند ذلك سنان باشا بمن بقي معه من الجنود القليلة إلى مدينة وان ومنها إلى ديار بكر فمات هناك حزناً على ما أصابه من الفشل.










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 16:02   رقم المشاركة : 78
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 أحوال البحرية في الوقت المذكور

أحوال البحرية في الوقت المذكور:

لما تعين القبودان حافظ باشا لرئاسة البحرية في عهد هذا السلطان التفت نوعاً لإصلاح العمارة التي كان تقهقر شأنها تبعاً لتقهقر حالة الدولة ولما تمت معداتها أقلع بها سنة 1016من استانبول يريد ثغر الإسكندرية لإحضار ويركو بلاد مصر كما جرت العادة بذلك ولما عرج في طريقه على مدينة رودس عند ذهابه ترك بها بعض السفن إلى حين عودته ولما كانت طائفة هذه السفن قليلة لأن حافظ باشا المذكور كان أخذ معه معظمها هجمت عليها قرصان البحر فاستولوا عليها بمن فيها ولما عاد القبودان من مصر إلى الاستانة تكدر السلطان بما فعله ووبخه على ذلك ثم عزله وعين بدله على العمارة القبودان خليل باشا القيصري 1018هـ .

ولم يأت هذا القبودان بإصلاح جديد في أحوال العمارة لعدم التفات السلطان إليها في ذلك الوقت إلا أنه لما كثر عيث قرصان القوزاق بالبحر الأسود وأخذوا يشنون الغارة على سواحل بلاد الدولة ينهبون ويحرقون هاجت السكان وكتب الولاة إلى دار الخلافة ببث شكواهم فسافرت العمارة العثمانية إلى البحر الأسود وتمكنت من ملاشاة طائفة قرصان القوازق ثم عادت إلى استانبول وقد روى بعضهم إن العمارة العثمانية لما خرجت لطرد قرصان القوازق تحت قيادة حافظ خليل باشا صادفت صعوبات جمة لعظم سفنها وخفة سفن القرصان التي أرعبت الشواطئ وأزعجت التجار حتى ضواحي البوسفور وفي هذا الوقت كانت دول أوروبا التفتت إلى تقوية وتحسين السفن وتغيير أشكالها وتسليحها بأسلحة أكثر وأضخم مما كان بها.

وكان في مقدمة هذه الدول إسبانيا وإنكلترة وأنشأت الأولى منهما سفينة عظيمة تدعى فيليب 1591م ذات ثلاث طبقات بها من المدافع سبعة وستون وأنشأت الثانية سفينة عظيمة سمتها برش 1610م كان طولها 114 قدماً وعرضها قدما بها من المدافع ثمانية وستون وبعد قليل اقتدى باقي دول أوروبا بهاتين الدولتين وقوّت أساطيلها وبحريتها ومما يذكر أيضاً في هذا الوقت أن أسماء السفن الحربية تغيرت من غالي وغليون وغراب وشانية وغيرها إلى قرويت وفرقاطة وقباق.

وفاته:

وكانت وفاة هذا السلطان في سنة 1026هـ وهو الرابع عشر من سلاطين آل عثمان العظام تولى السلطنة وعمره أربع عشرة سنة وجلس على التخت أربع عشرة سنة وقد كان صالحاً يميل إلى العلماء والسادات خيراً وكان عزم لشغفه بأمر بيت الله الحرام على أن يكسوه بالذهب والفضة فمنعه المفتي محمد بن سعد الدين من ذلك فجعل للكعبة ثلاث مناطق من الفضة المحلاة بالذهب صوناً لها من الهدم وكساها هي والحجرة النبوية والأضرحة بأفخر المخيشات المقصبة وعمر مسجد البيعة قرب عقبة مني وأصلح جملة جهات بمكة وأوقف من قرب مصر وقفاً على خدام الحرمين الشريفين وفي سنة 1024هـ أرسل حجرين من ألماس للحجرة النبوية قيمتها ثمانون ألف ليرة وأبدل شبابيك الحجرة وجعلها من الفضة المحلاة بالذهب وأخذ الشبابيك القديمة ووضعها في مدفنه بالاستانة تبركاً.





السلطان مصطفى الأول ابن السلطان محمد خان 1026-1027هـ

لما توفي السلطان أحمد بايع الوزراء والأمراء السلطان مصطفى قياماً بحق الوصية وكان عمره لا يتجاوز العشرين سنة إلا أنه لما كان أمضى أيامه قبل ذلك في حالة حجر وممنوعاً عن مخالطة الناس مسجوناً داخل القصر لا يسمع ولا يرى شيئاً مما يحصل بالدولة ظهرت عليه علامات عدم القدرة بشؤون الدولة بمجرد جلوسه على التخت وأخذ يبدد أموال الخزينة بطرق صبيانية ولذلك كثر القيل والقال بين الناس حتى خيف حدوث اضطراب عام داخلي ولم يكن مضى على حكمه ثلاثة شهور وعشرة أيام حتى تقدم مصطفى أغا دار السعادة وقبض عليه وسجنه بمكان داخل السراي في يوم صدور الفتوى من شيخ الإسلام بخلعه وبويع لأكبر أولاد السلطان أحمد المتوفي.



السلطان عثمان خان الثاني ابن السلطان أحمد الأول 1027-1032هـ

جلس هذا السلطان وكان سنة أصغر من سن سابقة لا يتجاوز 13سنة إلا أنه كانت تلوح عليه علامات الشجاعة والإقدام لنباهته وجودة قريحته وفي أول حكمه أرسلت الدولة السفراء إلى كافة الجهات وعقدت معاهدات الصلح مع فرنسا وأكثر الدول الأوروباوية وسوت أيضاً مسألة بوهيميا مع إمبراطور ألمانيا لأن هذا الإقليم لما كان عصى عليه طلب أهله من الدولة حمايتهم وبما بذله وزراء الدولة من المساعي تحسنت علاقات الإقليم المذكورة مع الإمبراطورية الإلمانية وفي السنة الأولى من حكم هذا السلطان عاد القبودان جلبي علي باشا بالدوننما من البحر الأبيض ومعه ست سفن للقرصان اغتنمها مدة سفره وأكثر من مائتي أسير من أجناس مختلفة ومقدار عظيم من الغنائم ولما عرض على السلطان ما فعله في سفرته هذه من يوم خروجه إلى وقت مجيئه كما هي العادة أنعم عليه وقربه إليه.

ولما كانت أحوال العجم لا زالت تستدعي اهتمام الدولة لسعي ملكها في بث الدسائس وإقلاق الراحة جردت الدولة سنة 1027جيشاً عظيماً تحت قيادة خليل باشا الصدر الأعظم لمحاربة العجم ولما التقى بجيوش الشاه عباس حدثت بينهما معركة انتهت بانتصار العثمانيين انتصاراً باهراً واستخلصوا من الأعجام الجهات التي كانوا اختلسوها من الدولة العثمانية أثناء الوقائع والاختلالات الماضية مثل تبريز وغيرها.

وقبل الشاه عباس تجديد أمر الصلح على أساس مصالحة نصوح باشا وكان السلطان عثمان يرى أن كل الفخر في ظلال السيوف فاجتهد في تنظيم القوة البرية والبحرية والإكثار منهما ومداومة الحروب والغزوات وقد ساعدته المقادير لإتمام بعض أغراضه، من ذلك وهو أن ملك بلاد الأردل كان يرغب في توسيع نطاق ملكه من أقاليم النمسا ولما اطلع السلطان على مرغوبه حسن له الإغارة على بلاد النمسا وسهل عليه فتح عاصمتهم فأصدر السلطان الأوامر بتجهيز الجيوش لمحاربة بولونيا أولاً.

ثم قبل أن يبارح استانبول أمر بأخيه الأمير محمد فقتل اتباعاً للقاعدة القبيحة التي سنها بعض السلاطين خوفاً من أن يخرج عليه أثناء غيبته وأصدر أمراً بتقليل اختصاصات مفتي استانبول ونزع منه ما كان له من السلطة في تعيين وعزل الموظفين وجعل وظيفته قاصرة على الإفتاء ليس إلا مخافة أن يصيبه منه ما أصاب سلفه من العزل إلا أنه لما كان الحذر لا يمنع القدر لم يأت الأمر كما كان يبتغي كما ستعلم.

وبعد هذه الترتيبات خرج بجيش مؤلف من 300 ألف مقاتل وانضم إليه جانيك كراي خان القريم وبتلن غابور أمير الأردل وأمير المملكتين وما زال هذا الجيش يسير بنظام حتى نزل أمام مدينة شوكزم أوخوتين (Ch) ثم تلاقى بجيش البولونيين وكان يرأسه القائد (ولنا) أحد مشاهير قوادهم وكان متحصناً في هذه المدينة وبعد أن هاجمه العثمانيون عدّة مرات ارتدوا عنه بلا فائدة لتمرد الانكشارية وطلبهم الكف عن القتال واتفق أن طلب البولونيون أيضاً الصلح لموت قائدهم المذكور وغيره من ضباطهم في القتال فعقد الصلح بين الطرفين وبعد التوقيع على شروطه التي لم يستفد منها العثمانيون أدنى فائدة عاد السلطان إلى استانبول 1029هـ .

ومن حوادث تلك السنة أن اشتدّ البرد جدّاً حتى جمد البوسفور وصار الناس يعبرون على البحر من استانبول إلى أسكدار.

ولما عاد السلطان عين الدفتر دار مصطفى باشا قبودانا للدوننما العثمانية وعزم على السفر إلى بلاد الشام ومصر وشاع أنه متوجه من هناك لتأدية فريضة الحج ولما كان يسعى في تدمير وجاق الانكشارية لما ظهر منهم من التوقف والتمرد في محاربة بولونيا وزيادة طغيانهم وكونهم أصبحوا أصحاب العقد والحل في الدولة هاجوا وماجوا لما بلغهم نية السلطان على الحج وألزموا المفتي بإخراج فتوى مضمونها أن السلاطين لا يتكلفون الحج وبعثوا للسلطان بعض الشيوخ يعلمونه بالمركز الحرج الذي بات فيه فلم يلتفت إلى أقوالهم بل هدّدهم وقال وهو في غضبه: إنني سأدمر وجاق هؤلاء المردة الملاعين فلما عادوا وأخبروهم بما حصل هاجوا هياجاً كبيراً ونادى أحدهم بالسلطان مصطفى وتبعه الباقون ثم هجموا دفعة واحدة على السراي وأخرجوا السلطان مصطفى من حبسه وعند ذلك خاف السلطان وندم على ما فعل وأراد أن يسلم للعصاة دلاور باشا الصدر الأعظم وسليمان أغا أغاي السراي فلم يرضوا بذلك وقال لهم العلماء: إن السلطان مصطفى مسلوب العقل ولا تجوز مبايعته فهجموا على العلماء أيضاً وألزموهم البيعة له وأخيراً قبضوا على السلطان عثمان وأخذوه ماشياً بكل احتقار حتى أوصلوه إلى بعض الثكنات العسكرية وحبسوه فيها 1031هـ ثم نقلوه إلى قلعة يدي قله ولم يكتفوا بخلعه بل قتلوه بأمر داود باشا الذي تقلد الصدارة في أثناء ذلك ولما زاد لهيب الثورة تجمع كثيرون من أهل الفساد وصاروا يقتلون كل من خالفهم وبنهبون خزائن الذولة ثم قامت طائفة تطالب بدم السلطان عثمان المقتول ظلماً فقتلوا داود باشا وكل الذين لهم يد في قتله.










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 16:04   رقم المشاركة : 79
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 عصيان أباظة باشا

عصيان أباظة باشا:

لما انتشر خبر قتل السلطان عثمان قام أبازه باشا بكلر بك أرضروم مطالباً بثأره واجتمع عليه نحو ثلاثين ألفاً من الأتباع وصار يقتل من يقابله في طريقه من السباهية واليكجرية إلى أن وصل سيواس وألزم بعض أمراء تلك الأطراف بالإنضمام إليه وأخذ يخرب البلاد ويقتل العباد وينادي بأنه سيدخل استانبول وينتقم من كافة طبقات الجنود فهال الدولة أمره وخافت امتداد نفوذه واجتهد الوزراء في توقيف حركته فلم يوفقوا حتى إن السلطان عزل لذلك أربعة من الصدور في مدّة ثلاثة شهور وكان ملك الروسيا أرسل سفيراً إلى الدولة في ذلك الوقت يطلب عقد اتحاد معها ولمحاربة بولونيا ومحو استقلالها فلم تتمكن الدولة من المفاوضة معه بالنسبة لارتباك الأحوال وأخيراً لما رأى رجال الدولة وقواد الجيوش سوء الحالة ندموا على ما حصل منهم من الموافقة على خلع السلطان عثمان وقتله وصمموا على خلع السطان مصطفى ثانية ولما علم السلطان بذلك بادر فخلع نفسه بعد أن حكم سنة وشهرين 14ذي 1032 هـ القعدة وبويع لابن أخيه السلطان مراد الرابع أما السلطان مصطفى فإنه سجن إلى أن مات وعمره 16 سنة.

السلطان مرادخان الرابع ابن السلطان أحمد خان الأول 1032-1049

محاربة العجم وثورة أبازه باشا:

جلس هذا السلطان على التخت وعمره 14سنة ولما علم أن الصدر الأعظم كمنكش علي باشا أخفى عليه خبر سقوط بغداد في يد العجم عده خائناً وعزله وعين بدله جركس محمد باشا، أول شيء أجراه هذا الصدر أنه توجه بجيش جرار لإطفاء ثورة أبازه باشا وبعد واقعتين حصلت بينهما تمكن الوزير من تشتيت شمل جموع أبازه باشا واستأمن من كثير من قواده وبعد ذلك أرسل أبازه باشا يلتمس العفو من السلطان فعفا عنه وجعل بكلر بك أرضروم كما كان 1034هـ .

ولما خمدت نيران هذه الفتنة من جهات أرضروم وسيواس أخذ الصدر المذكور يجهز الجيوش بعد عودته إلى توقات لاستراد بغداد إلا أنه مات بعد عودته بقليل ولما وجه مسند الصدارة إلى حافظ أحمد اشا جهز جيشاً بديار بكر يبلغ عشرين ألف مقاتل ثم سار به وحاصر بغداد وانتشب القتال ودام أياماً ولما طال الحصار وسئمت العساكر وأخذوا يهزأون بحافظ باشا لأنه قال لهم: إن مفاتيح بغداد في جيبه ثم تآمروا عليه وعزلوه وحبسوه في قلعة خارج بغداد وأقاموا عليهم مراد باشا ثم عزلوه هو أيضاً وأرجعوا حافظ أحمد باشا ثم قاموا عليه أيضاً يريدون قتله وأخيراً اتفقوا معه ثم نهض بهم راجعاً عن حصار بغداد بعد أن دفن في الأرض ما كان بجيشه من المدافع وآلات الحصار وأرسل الشاه عباس خلفه فرقة من الجنود تتعقبه فعاد إليها وأوقع بها ثم قتل مراد باشا لأنه السبب في تحريك طوائف السياهية وتمردهم ثم تقدم إلى الموصل وأقام به حتى أتاه السلطان بالتقدم إلى حلب حيث يصله المددو بعد ذلك عزل حافظ باشا ووجهت الصدارة إلى خليل باشا.

ولما عاد حافظ باشا مهزوماً تقدّمت الأعجام واستولت على قلعة أخسخه وحاصروا قارص ولما وصل الصدر الجديد خليل باشا مركز الجيش بتوقات عين أبازه باشا والي أرضروم المتقدم الذكر لاسترداد أخسخه إلا أنه بينما كان يستعد للسفر أتى أمر بتعيين قائد آخر بدله يدعي حسين باشا فحنق لذلك أبازه باشا وداخله الخوف واحتال حتى اغتال حسين باشا وأتباعه شاقاً عصا الطاعة ثم تحصن في أرضروم وأتى الصدر خليل باشا وحاصره إلا أنه لم يتمكن من عمل شيء لنقص ذخائره الحربية ولما توفي خليل باشا بعد ذلك ولي الصدارة خسروباشا ولما كان من رجال اليكجرية ومن ذوي التدبير والشدّة تمكن من تنظيم الجيوش قمع من تمرد منها وبعد أن أصلح ذات البين بين شريف مكة ووالي اليمن ووالي مصر قاد جيشاً يبلغ 150000مقاتل وتقدّم لحصار بغداد وأرسل وهو في الطريق جيشاً مع جعفر باشا بكلر بك قارص فهزم جيش العجم الذي كان يقصد مساعدة أبازه باشا ثم أخضع أبازه باشا 1038هـ ولما حاصر الصدر المذكور بغداد لم يتمكن من فتحها فعاد إلى الموصل وهناك صنع وليمة لبعض طوائف الجنود ولما اجتمعوا خرج عليهم من أكمنهم لهم فقتلوهم لأنهم السبب في عدم نجاح حصار بغداد ثم طلب الإمداد من الدولة لإعادة حصار بغداد.

وبعد حوادث طويلة مات الشاه عباس بعد أن حكم 43 سنة فأرسل حفيده الشاه صفين الذي جلس مكانه جيشاً عجمياً يبلغ 40 ألف مقاتل تحت قيادة زينل خان للمحافظة على الحدود فقابله الصدر الأعظم وباشا وهزمه أمام قلعة مهربان وقتل من الإيرانيين30 ألف نفس واستأمن من زينل خان بمن معه إلا أنه قتل أيضاً وهرب الشاه وأغار الصدر الأعظم خسروباشا على جهات همذان ودركزين ونهاوند 1040هـ وبينما كان يقصد مهاجمة أصفهان مقر الدولة الصفوية أتاه مرسوم السلطان بالعودة إلى حصار بغداد ولما كان يستعد لإنفاذ الأمر عزل من الصدارة وولي مكانه الصدر الأسبق حافظ أحمد باشا 1041هـ .

سفر السلطان إلى آذربيجان وفتح روان:

لما كانت سوق الحرب قائمة بين الدولة ومملكة العجم منذ زمن طويل لم تنقطع وإن كانت توقفت في بعض الأحيان أي عقب موت الشاه عباس للأسباب السابق ذكرها صمم السلطان على قيادة الجيش بنفسه لفتح بغداد واستعدّ للحملة على العراق إلا أنه حوّل بعد ذلك عزمه وأراد فتح مدينة روان فقصدها 1044هـ بعد أن ترك بيرام باشا للمحافظة على دار الخلافة وفي أثناء ذهابه قتل كثيراً من الأمراء الجلالية الذين تحقق له ارتكابهم المفاسد والتعديات ثم تقدم وفتح روان وكان قصده تمضية فصل الشتاء في حدود العجم ثم يقصد أصفهان في الربيع إلا أنه أصيب بالنقرس في ركبتيه فعاد إلى الاستانة وترك مرتضى باشا للمحافظة على روان وأخذ معه خان روان المدعو أميركون وكان استسلم للدولة 1045هـ .

ولما أقبل الشتاء جمع الشاه جيشاً وحاصر روان واستردّها بعد حصار جرح فيه مرتضى باشا جرحاً بليغاً مات به ولما كان الصدر الأعظم محمد باشا بالجيش في أرضروم ولم يمدّ مرتضى باشا قصداً كما ظهر من التحقيقات التي أجريت بعد ذلك لكراهية الصدر لمرتضى باشا عزل الصدر المذكور وولي مكانه بيرام باشا 1046هـ .

استرداد بغداد:

لما كانت مدينة بغداد من المراكز المهمة التي يجب أن تكون في يد الدولة وكان السلطان صمم على استردادها بنفسه ولم يصرفه عنه إلا فتح مدينة روان أمر سنة 1047 هـ بالتجهيزات ثم قصد العراق على رأس جيش يبلغ مائة ألف مقاتل ورافقه شيخ الإسلام يحيى أفندي والقبودان قره مصطفى باشا وقبض وهو في الطريق على رجل كان يدعى المهدوية ويسمى بالشيخ كامل وقتله بعد أن أفتى له العلماء وأراح من بدعته العباد ولما وصل إلى الموصل قدم عليه سفراء من قبل ملك الهند شهاب الدين جهان شاه وأعلموه أن ملكهم سيهجم على بلاد العجم من جهات قندهار ثم بعد أيام توفي الصدر الأعظم بيرام باشا فتولى الصدارة طيار محمد باشا ولما قرب السلطان من حدود العجم كان انضم إلى جيشه جميع الجنودالمعسكرة ببلاد الأناضول حتى بلغ جيشه فيما قيل 300 ألف مقاتل.

ثم وصل الجيش أخيراً إلى بغداد بعد خروجه بمائة يوم وسبعة وتسعين يوماً وفي الحال أحاطت العساكر بأطرافها وكان الشاه لما بلغه تقدّم الجيش السلطاني أتى من تبريز بالجيوش والتقى بعساكر الدولة على شاطئ الدجلة فقاتلوه قتالًا شديداً ثم هزموه هزيمة منكرة ثم شددوا الحصار على بغداد وسلطوا المدافع على الأبراج وكانت مائتي برج فخربت وهدمت كثيراً منها وأمر المهندسون بعمل لغم عظيم وملؤه بالبارود ولما أطلقوه هدم جانباً عظيماً من الأسوار فلما رأى أهل بغداد ما دهمهم بعثوا إلى الشاه بأنهم سيضطرون إلى التسليم إن لم ينجدهم فبعث الشاه إلى السلطان في طلب الصلح فلم يقبل منه ثم شدّد الحصار وأكثر من الهجوم ليلاً ونهاراً حتى قتل الصدر الأعظم وبعد مضي أربعين يوماً من حصار المدينة استأمن محافظها بكتاش خان فدخلها الفاتحون يوم الجمعة الثامن من شعبان سنة 1048هـ وقتلوا في ذلك اليوم من العجم أكثر من عشرين ألفاً وأسروا كثيراً منرؤسائهم.

ولما كان مرض النقرس يشتد بالسلطان ترك أمر الصلح والحرب بيد الصدر الأعظم قره مصطفى باشا الذي تولى بعد محمد باشا ورجع هو إلى دار السلطنة سالماً غانماً منصوراً وكان لدخوله فيها احتفال عظيم وكان معه خمسون من خانات العجم بملابسهم مكبلين بالسلاسل وكان حاملاً بيده حزمة من الأسلحة مشتملاً جلد نمر كما فعل اسكندر الأكبر حينما فتح مدينة بابل وبعد عودة السلطان طلب شاه العجم الصلح من الصدر الأعظم وأرسل لذلك سفراء على شرط أن تستولي الدولة على بغداد وترد لإيران مدينة روان وبعد أن نقل الصدر هذه الشروط إلى السلطان وتبودلت المخابرة فيها بين الطرفين تمّ أمر الصلح وأمضيت شروطه 1049هـ 1631م .

وفاته:

ثم اشتد المرض بالسلطان فعاجلته الوفاة في السادس عشر من شوّال من السنة المذكورة وكان رحمه الله عاقلاً ثاقب الرأي شجاعاً له قوّة يفوق بها أعظم الأبطال حتى لقبه المؤرخون باسكندر الثاني وكان على جانب عظيم من الاقتدار والهمة قبض مع صغر سنه على زمام الإدارة وهي على ما هي عليه من الاختلال فأحسنها وقهر المفسدين وقمع العصاة واستأصل الطغاة من جنود اليكجرية الذين قتلوا أخاه ومدحته الشعراء وقد لقب هذا السلطان بمؤسس الدولة الثاني لأنه أحياها بعد السقوط ونشرها بعد الحشر بسبب تلك الثورات وأكثر من الفتوحات وأصلح حال ماليتها حتى أمست في يسر وسن لها النظامات العادلة والقوانين الموافقة.

السلطان إبراهيم خان ابن السلطان أحمد خان الأول 1049-1058هـ:

لما لم يترك السلطان مراد خان الرابع من يرث تخت السلطنة بعده من صلب آل عثمان إلا السلطان إبراهيم جلس هذا على التخت بعد وفاة السلطان أحمد وكان عمره إذ ذاك 25 سنة وأقيمت له حفلة المبايعة على الطريقة القديمة ووزعت عطايا الجلوس على أربابها.

وقد زاد اختلاطه بالنساء كثيراً بمجرد جلوسه إكثاراً للذرية حتى أدى به الأمر أن هام بهن شغفاً ولازم الحرم فصار لا يخرج منه وقد أثر ذلك على صحته فأصبح نحيلاً ضئيلاً ولهذا حاز نساء السراي السلطانية نفوذاً عظيماً وتداخلن في أمور الدولة بأجمعها وبمساعيهن وصل رجل يدعى حسين أفندي ويعرف بخواجه جنجي إلى رتبة قاضي العسكر في زمن وجيز وصار يتداخل في كل أمور الدولة إلا أن الصدر الأعظم قره مصطفى باشا لما كان من أصحاب الدراية لم ترج لدية هذه الأعمال المفسدة وبمساعيه تمكن من قطع دابر هؤلاء الأشقياء 1053هـ وتمكن أيضاً من تسوية مسألة المسكوكات وكانت من المسائل المهمة أحدثت ارتباكاً في أحوال الدولة.

وفي سنة 1050هـ سعى هذا الوزير حتى جدّد المعاهدات مع الدول الأوروباوية وكل ذلك بمشاورة ومساعدة والة السلطان المسماة ماهيكر سلطانة وسوّى المعارضات التي حدثت بخصوص حدود النمساء والمجر على حالة ترضي الطرفين ثم أتت الجزية من بلاد الأردل وراغوزة والهدايا من الروسيا والعجم على يد السفراء فراجت الأحوال ولما كان استعمال التبغ لا يزال ممنوعاً لما أفتى به بعض العلماء ولما أحدثه من الأضرار شدّد هذا الصدر في هذا المنع حتى إنه لشدّة التضييق والجزاء على مستعمله قالوا إن أكل الأفيون واستعمال السعوط راجت سوقهما في جهات غلطة.

وفي سنة 1051هـ قبض على الأشقياء الذين حرقوا كنيسة بروسة وعاقبهم أشدّ العقاب وبعث بقوّة عسكرية إلى ولاية بغداد لردع العربان الذين أخذوا في قطع الطريق ونهب القرى فأعاد النظام والسكينة بالولاية المذكورة.

ابتداء محاربة جزيرة كريد 1055هـ:

لما رأت الدولة العثمانية أنه صار في قبضتها معظم سواحل البحر الأبيض المتوسط وخصوصاً سواحل أفريقية رأت أن من الضروري فتح جزيرة كريد لحفظ وحراسة مستملكاتها وسواحلها لأن موقع الجزيرة الجغرافي يستدعي الاهتمام بذلك فأخذت تتخير الأوقات وتنتهز الفرص وبينما كانت ألمانيا وأوربا مشتغلة بحروبها بخصوص مسألة البروتستانت اتفق أنه في سنة 1054هـ 1644 م تعدت بعض سفن قرصان مالطة وقبضت على سفينة عثمانية تجارية كان بها حجاج وبينهم سنبل أغا أغاي دار السعادة ولما وصلت سفن القرصان المذكورة إلى جزيرة كريد تقاسم أصحابها ما بها من الأسلاب مع حاكمها ليدافع عنهم وبعد أن أقاموا مدّة في هذه الجزيرة ارتحلوا عنها إلى جزيرة مالطة وأخذوا معهم تلك السفينة.

هذا ولما علم السلطان بهذا الخبر غضب جداً على هذه التعديات وأصدر أمره في الحال لجميع دور الصناعات ببذل الاهتمام في بناء السفن وإصلاحها لتقوية الدوننما وأمر الولايات بتجهيز الجيوش وعين القبودان يوسف باشا الذي تقلد رياسة البحرية 1054هـ بعد أبي بكر باشا سرداراً على الجيوش أيضاً وبعد أن استعرض هذا القائد جنود البحرية في نظارة البحرية وزعهم على السفن 1055هـ 1645 م ثم أقلع بالدوننما وكانت مشكلة من 150سفينة حربية بها نحو مائة وخمسين ألف قنطار من البارود ونحو خمسين ألف من مقذوفات الحديد وخمسين مدفعاً للحصار وغير ذلك من الآلات الحربية الأخرى.

ولما خرجت هذه العمارة من الدردنيل توجه منها تسعون سفينة لمينا سلانيك وستون سفينة لمينا جشمه لتأخذ منهما العساكر التي كانت استعدت بالجهتين المذكورتين واكترت العمارة أيضاً خمسين سفينة تجارية لحمل الأرزاق والمهمات وبعد ذلك قصدت هذه السفن جميعها مينا ناوراين للسفر منها إلى مالطة بعد أن التحق بها أساطيل طرابلس الغرب وكانت ثمانية تحت قيادة حاكم طرابلس عبدالرحمن باشا وبوصولهم جميعاً إلى مينا ناوارين أخذوا المياه اللازمة لهم ثم دعا السردار كافة الأمراء وقرأ عليهم الفرمان السلطاني الآمر بالسفر إلى كريد لأجل فتحها ثم أبحرت العمارة قاصدة تلك الجهة إلى أن وصلت إلى ساحلها وأنزلت الجيوش في مكان يدعى غرامبوسة ثم وصلت الجيوش بعد يومين قرب بلدة خانية وبقيت على بعد أربعة أميال منها بين ساحل كريد وجزيرة أيا تودوري (Theodoro) ثم ألقت مراسيها وخرج منها كو ك حسن باشا بكلر بك الرومللي بعساكره وكل من مراد أغا كتخداي اليكجرية ومن معه من الجنود بمهماتهم وعددهم وعسكروا بشاطئ نهير بلاطانية واستولت الدوننما على القلعتين الموجودتين بجزيرة تودوري المذكورة ثم حاصرت الجيوش قلعة خانية الشهيرة من كل جانب إلى أن استولت عليها بعد خمسين يوماً من حصارها وذلك في 29جمادى الآخرة سنة 1055هـ 1645 م .

وبعد مضي أربعة عشر يوماً من افتتاحها حضرت عمارة البنادقة لما عملوا بمجيء العثمانيين تحت قيادة الأميرال العام يارونيمو موروزوني (Morozini) فمرت أمام القلعة المذكورة ثم دخلت مينا سودة وهو أكبر ثغر في جزيرة كريد وبعد أن جمع الأميرال المذكور كافة سفن البنادقة الموجودة بمياه الجزيرة المذكورة في مركز واحد خرج بها وأتى أمام خانية وكانت السفن الكبيرة من الدوننما العثمانية مستقبلة بجوار جزيرة أيا تودوري وكانت الصغيرة في مينا خانية وكان البنادقة طلبوا مساعدة أوروبا فلم تجبهم لقيام الحروب بين ممالكها وأرسل لهم أهل مالطة عشرين سفينة وأمدهم الفرنسويون بالنقود سراً مخافة الإخلال بالمعاهدات التي بينهم وبين العثمانيين ولما أراد سردار الجيش إخراج الدوننما في صباح اليوم المذكور لمحاربة البنادقة اتفق قيام زوبعة قوية جلبت أضراراً عظيمة بعمارة البنادقة فانهزمت بقدون قتال وبينما هي تسير صادفها في الطريق غلايين من الدوننما العثمانية فاشتبك القتال بينهما وبعد قتال عنيف أسر البنادقة غليوناً واحداً وتمكن الاثنان من الهرب.

ولما ازدادت الاضطرابات بالآستانة وكان منبعها في الحقيقة ضباط اليكجرية أراد السلطان الفتك بهم في ليلة زفاف إحدى بناته على الصدر الأعظم لانتقادهم أعماله وميلهم المستمر إلى المداخلة في أعمال الدولة ولما عملوا ما عزم السلطان عليه أجمعوا آراءهم وتآمروا على عزله وانضم إليهم بعض العلماء وأثاروا اليكجرية و السياهية فتم لهم خلعه وسجنوه وولوا ابنه محمد خان الرابع إلا أنه بعد أيام من عزل السلطان إبراهيم تذمر السياهية وأظهروا عدم ارتياحهم من السلطان الجديد لصغر سنه وهموا بإقعاد السلطان إبراهيم على كرسي الخلافة ثانية فخشى عند ذلك رؤساء العصابة التي عزلته من أن يبطش بهم إن عاد وصمموا على قتله ثم ذهبوا إلى السراي ومعهم الجلاد قره علي فقتله خنقاً 1058 هـ وقد كان هذا السلطان غير ميال إلى الحرب إلا أنه كان شديد المحافظة على كرامة الدولة لا يغتفر لمن يمسها بسوء أصلاً.

السلطان محمد خان الرابع ابن السلطان إبراهيم خان 1058-1099هـ:

تولى هذا السلطان وعمره سبع سنوات وكان أكبر إخوته ولما تقلد السيف وأقيمت له الرسوم المعتادة وصرفت للجنود ما جرت به العادة من الأموال أخذ ينظر في الأعمال بمساعدة وزرائه فقتله عدّة من رؤساء الفتن مثل جنجي خواجه وأضرابه وقد صودرت أموال هذا الرجل فبلغت ألفي ألف من الذهب وكانت الأحوال مختلة لقيام الجنود بالإفساد في كل جهة وخلعهم طاعة أولياء أمورهم وقتل الصدر الأعظم صوفي محمد باشا من الجنود الثائرة نحو ثلاثمائة ومع ذلك فلم يرتدعوا ثم عزله السلطان وسلم خاتم الصدارة إلى قره مراد أغا اليكجرية فجمع هذا هيئة جديدة من ضباط اليكجرية واشترك معهم في إدارة شؤون الدولة ولما ظهر له أنه لا يمكنه إدارة الأمور استعفى وتولى ولاية بودين ووجهت الصدارة إلى ملك أحمد باشا 1060هـ .

ومع تعاقب عزل وتنصيب الصدور ولم تحصل فائدة بل كانت الثورات متوالية تارة من اليكجرية وتارة من السياهية وطوراً من الأهالي وقد تداخلت جدّة السلطان المسماة ماهييكر في إدارة الدولة وكانت هذه السيدة من أفاضل النساء عقلاً وتدبيراً وكانت رأت حكم أربعة من السلاطين فاكتسبت عقلاً وتجربة وقد أعانت كثيراً على إصلاح الأحوال ثم سعوا في حقها حتى قتلوها وقتل معها كثير من ضباط اليكجرية والكبراء وأحيلت مشيخة الإسلام إلى شيخ الإسلام الأسبق أبي سعيد أفندي ثم عزل الصدر الأعظم وتولى بعده كورجي محمد باشا ولم يلبث أياماً حتى خلفه طرخونجي أحمد باشا 1062هـ .










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 16:05   رقم المشاركة : 80
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 أحوال البحرية في المدة المذكورة

أحوال البحرية في المدة المذكورة :

اعلم أنه بما كانت عليه الدولة في هذه المدّة من الاختلال وفساد الإدارة والأحكام انتهزم البنادقة فرصة ذلك وأرسلوا عمارة لتهديد مضيق الدردنيل ولما أتت هذه العمارة حصل بينها وبين العثمانيين عدّة وقائع يأتي ذكرها ولما رأت الدولة أن سفن البنادقة قوية وجسيمة وأن معظم سفنها هي صغيرة أصدرت الأوامر مدة صدارة صوفي محمد باشا إلى دار الصناعة بالمبادرة فيبناء وتشييد سفن كبيرة من نوع الغليون لتكون العمارة على الدرجة الكافية من القوّة فشرعت دور الصناعة في العمل وأرسلت الدولة أيضاً مبلغاً من المال لاوجاقات ولايات المغرب لتجهيز أساطيلها وإحضارها في فصل الربيع لإتمام فتح كريد ثم في سنة 1058هـ 1648م أقلعت العمارة العثمانية قاصدة جزيرة كريد تحت قيادة القبودان وينق أحمد باشا وكانت مؤلفة من ستة غلايين وخمسة وستين غراباً ومعها ما يلزم من الذخائر والأدوات.

ولما وصل خبر قيامها لعمارة البنادقة أقبلت سريعاً إلى بوغاز الدردنيل ورست بقرب المكان المدعو كفز الكائن بالبوغاز فالتقت بها الدوننما العثمانية المذكورة حين خروجها وحصلت بينهما محاربة قوية تمكنت الدوننما العثمانية في آخرها من الخروج إلى البحر الأبيض المتوسط ثم تقابلت العمارتان ثانية ولما صارتا بالقرب من بعضهما أخذتا في إطلاق المدافع مدّة على غير طائل ثم انسحبت عمارة البنادقة إلى جهة أيمروز (Imbros) أما الدوننما العثمانية فإنها رست تحت قلعة فوجه (Foggia-Nova) وفي صباح اليوم التالي حملت عمارة البنادقة على العمارة الثعمانية بغتة فقابلها القبودان العام ببعض سفنه وانتشب بينهما الحرب ثم حملت إحدى سفن العدوّ على سفينته ولكن العساكر صدتها ودخلت إلى سفينة العدوّ تقتل جنودها وبينما هي تجاهد في ذ لك إذ أشعل أحد ملاحي سفينة البنادقة النار في مخزن البارود فتكسر غليون العدوّ وطار قطعاً في الهواء وأثر ذلك على السفينة العثمانية التي كان خلف سفينة القبودان باشا فغرقت.

محاربة نقشة البحرية:

لما تم تسليح الدوننما وتجهيزها أقلعت من استانبول ثم عبرت مضيق جزيرة ساقز (Chios) حيث التحق بها سفن البكوات ثم قامت بجميع ملحقاتها قاصدة جزيرة كريد وبمرورها على جزيرة نقشة (Naxia) تلاقت مع دوننما العدوّ في الممر الواقع بين جزيرة دكر منلك (Milo) وجزيرة بوليقاورو (Policandro) وكانت مركبة من ستين غليوناً ثم وقع الحرب بين الطرفين وامتد من الصباح إلى المساء وكان قاصراً على إطلاق المدافع من الجانبين بشدة بحيث أضر بالطرفين ولما أقبل المساء انسحب حسام بك زاده علي باشا ودخل في ليمان نقشة وأمضى الليل هناك يصلح ما لحقه التلف من سفنه وأخذ المياه العذبة اللازمة وفي الصباح خرج بالعمارة وكان خروجه بهيئة غير منتظمة فقابلته دوننما العدوّ بإطلاق المدافع واشتبك القتال بينهما ثانياً.

ثم قسم القبودان باشا العمارة إلى قسمين وضع الأول تحت قومندانية كتخدا الترسانة وقاد الثاني بنفسه ثم هاجم العدوّ من الجانبين واشتد الحرب بينهما وتقاربت السفن من بعضها إلا أن الملاحين الذين كانوا بسفن العثمانيين لم يكونوا يشبهون من كان منهم مع خير الدين باشا بارباروس أو مع يياله باشا المشهور بل كانوا من المتشردين الإغمار الذين لم يخوضوا بحار المعامع ويتدربوا على أعمال الوقائع فلهذا لما هجم القبودان على الأعداء لم يجد بجانبه سوى عشر سفن فقط وتأخر الباقي إلى الخلف تاركين القبودان وسط النيران أما فرقة كتخدا دار الصناعة فإنها لم تتجاسر بالكلية على الهجوم بل ولت الإدبار وعند ذلك ارتبك القبودان في أمره وضاع رشده فتقدم أحد القواد المدعو بوصله جي أوغلو وتوسط النيران وربط سفينة القبودان بسفينته وأخرجها سالمة أما سفن كتخدا دار الصناعة الجبان وباقي سفن اليكجرية التي هربت فإنها بقيت تتفرج من بعيد على القتال.

فتكدر القبودان باشا من هذه الحالة كدراً لا مزيد عليه وكتب في الحال الأوامر الأكيدة إلى قواد السفن يأمرهم بالعودة إلى قتال العدوّ ويخوفهم عاقبة الامتناع ولما شاهد اليكجرية الزوارق قابلة تحمل الأوامر وعلموا مقتضياتها بداهة ملؤوا بنادقهم ووجهوها نحو حملة تلك الأوامر قائلين إن ليس منهم من يخاطر بنفسه إلى هذه الدرجة ويلقيها في الهلاك وبذلك لم يمكن تبليغ تلك الأوامر لأربابها.

وقد نشأ عن هذه الحالة التعيسة تعطيل سفن الجبجية وبعض الغلايين عن الحركة لما أصابها من التلف واحترق الغليون الكبير الذي كان بناه الوزير الأعظم وغليون آخر مشحون بالعساكر ولم يقبل البكوات أيضاً الهجوم على الأعداء ثم هجم الأعداء على سفن المعطلة وقتلوا جميع من بها واستولوا عليها وما زال أحمد باشا بكلر بك الرومللي المذكورة يقاتل الأعداء بغليون واحد فقط إلى أن قتل في الواقعة واستولى الأعداء على غليونه بمن فيه وقصد سفينتان من سفن اليكجرية البر وخرج من بهما فأحرقهما الأعداء وقبضوا على غالب من كان بهما وقتلوهم عن آخرهم.

ولما رأى القبودان باشا أن لا فائدة في البقاء أخذ ما بقي من السفن وفرّ إلى جزيرة رودس والتحق به هناك باقي السفن التي كانت تفرّقت عنه ثم عقد مجلساً حربياً بسفينته لمحاكمة كل من تمرد أو أخطأ أو قصر في واجباته من العمال وفرض على كل ما يناسبه من العقاب وكان منهم كتخدا الترسانة المذكور الذي كان تولى رياسة أحد قسمي الأساطيل كما سبق وكان الحكم عليه بالتجريد من الدرجات وحلق لحيته وكان هذا الأمر في الوقت المذكور من الإهانات العظيمة وجعله مع طائفة الفورسة التي تعمل بالمقاذيف ثم بعث تقريراً مفصلاً عن ذلك كله إلى استانبول وتعين قورد جلبي كتخدا للترسانة مكانه ثم أقلعت الدوننما من رودس إلى كريد لتسليم ما بها من الأرزاق والذخائر إلى سردار الجيوش ثم عادت إلى الآستانة.

واقعة بشيكة الشهيرة:

اعلم إنه في 21جمادى الآخرة من سنة 1064هـ 1654 م صدر مرسوم سلطاني للقبودان مراد باشا بأن يتوجه بالدوننما إلى كريد ولما أراد العبور من بوغاز الدردنيل وجد في ساحل خليج بشيكة (Beshika) عمارة البنادقة وكانت مركبة من 26غليوناً فتربص القبودان في البوغاز إلى أن وصلته أربعة غلايين تونسية وسفن البكوات وبعد أن انضمت إلى أساطيله واستعرضها عزم على الهجوم على عمارة الأعداء وعباها على الكيفية الآتية فجعل الغلايين الحاملة لعساكر الأيالات وسفن البكوات في الجناح الأيمن وجعل غلايين طرابلس الغرب وغلايين الدولة العثمانية في الجناح الأيسر وجعل المواعين والأغربة التي بها اليكجرية في القلب.

ثم تقدم بالجميع هاجماً على سفن البنادقة الذين لم تحصل منهم أدنى حركة حربية ارتكاناً على ما نالوه قبل ذلك من الانتصارات العديدة على أساطيل العثمانيين ولم يشعروا إلا والمراكب العثمانية محدقة بهم من كل صوب والتصقت بسفنهم فاعترتهم الحيرة والاندهاش الكلي وحمل غليون أمين قبودان القاسم باشا على أحد غلايين البنادقة فضبطه من أوّل هجمة وضبط غزاة طرابلس الضرب غليوناً آخر من العدوّ وهجمت إحدى المواعين على غليون ثالث ولما كادت تستولي عليه أشعل جنوده النيران في مخزن بارودة فتفرقع ووقع معظم عساكره في البحر فالتقط جنود العثمانيين من منهم على قيد الحياة وأسروه واشتعلت النيران بغليون رابع وقبض العساكر العثمانية الذين كانوا تحت قيادة محمد قبودان الإسكندري على غليون خامس ولما صعدوا فيه أشعل أحد طائفته النار بباروده فطار مع مركب محمد قبودان الإسكندري المذكور لأنه كان ملاصقاً له والتقط العثمانيون من كان على قيد الحياة من جنودهما.

وقبض العثمانيون أيضاً على ثلاثة غلايين أخرى وعند ذلك نشر أميرال البنادقة قلوعه وكانت الريح تهب بشدّة والتجأ إلى الفرار وتبعه بقية السفن إلى جزيرة إيمروز وكانت خسارة البنادقة ثمانية غلايين بمن فيها غنم العثمانيون خمسة منها واحترق ثلاثة وكان بالسفن التي غنمها العثمانيون ثمانمائة أسير منهم ابن الجنرال نيقو وكاتب سره وكان الجنرال قتل في الحرب.

ثم إن الدوننما العثمانية انتقلت أمام بوغجه أطه في ليمان بو يراز وهناك دفن العثمانيون موتاهم ثم بعث القبودان الكتخدا قره كوز محمد أفندي إلى استانبول لإخبار الدولة بذلك رسمياً وطلب ما يحتاجه من ذخائر وجنود وأدوات ولما بلغ هذا الرسول رسالته أنعم عليه السلطان وأمر بالإسراع في إنجاز مطلوبه وبعد أن وصل إلى العمارة ما يلزمها أقلعت قاصدة جزيرة ساقز وهناك انضم إليها أحد عشر غليوناً من أسطول طرابلس الغرب ثم سافرت إلى جهة أغريبوز ثم وصل إلى الحكومة العثمانية خير حاصله أنه لما بلغ جمهورية البنادقة انهزام عمارتها كما سبق أرسلت إليها 18غالياً و 28غليوناً لتقويتها وأنها حضرت إلى جزائر الأرخبيل أما العثمانيون فإنهم ذهبوا إلى جزيرة استنديل وكانت بيد البنادقة وأخرجوا فيها فرقة من جنودهم فعاثوا بالجزيرة ثلاثة أيام ثم عادوا غانمين إلى سفنهم.

ولما بلغ القبودان باشا أن دوننما البنادقة بجزيرة دكر منلك (Milo) أقلع إليها وهاجمها ثاني يوم وصوله قرب كوجك دكر منلك (Anti-Milo) وكانت سفن العدوّ على غاية ما يكون من الاحتراز من مهاجمة العثمانيين لها ولهذا استمر الترامي بالمدافع بينهما من بعيد ولاشتداد الريح ومخالفته لم تتمكن الأساطيل العثمانية من القرب من سفن العدو ولهذابقيت طول النهار ترمي بالمدافع ولما أسبل الليل سدوله انفصل الدوننمنان عن بعضهما وعاد القبودان باشا إلى ساقز وترك الغلايين والسفن الجسيمة في جهة فوجه وخصص خمسين غليوناً تسير حول سواحل الرومللي ثم ذهبت تلك الغلايين إلى جزيرة أغريبوز واستمرت في جهات الأرخبيل مدة لم تصادف دوننما العدوّ ولا سفن القرصان أما القبودان باشا فإنه ذهب إلى كريد حيث تلاقى مع السردار العثماني.

ثم مر بجزيرة رودس ثم قصد أزمير وبعد أن أمضى بها عيد الفطر رخص لأمراء أساطيل الغرب وللبكوات بالعودة إلى بلادهم وعاد هو إلى دار الخلافة ومعه الغنائم والأسرى فرحب به السلطان وأنعم عليه والتمس من السلطان إبقاء طواقم السفن وعساكرها على ما هي عليه حيث كان المعتاد أن يوزعوها في فصل الشتاء فأجيب طلبه ونتج عن ذلك تحسينات مهمة في العمارةواكتسب ملاحوها وعساكرها مهارة تذكر.

محاربة كفز البحرية:

لما علمت الدولة بحضور دوننما البنادقة إلى جهات البوغز أمرت القبودان مصطفى باشا الأرنؤدي بالخروج بالدوننما وكان تولى رياسة البحرية بعد مراد باشا فخرج في أوائل شعبان من سنة 1065هـ 1655 م فوجد عمارة البنادقة أمام كفز فأراد مهاجمة الغلايين الأمامية منها إلا أن سكون الريح لم يمكن غلايينه من الحركة بالأشرعة وساقها التيار قسراً إلى ساحل الرومللي فاشتبك بين الطرفين الحرب بالمدافع من وقت الزوال إلى الغروب وكانت أتلاف الطرفين كثيرة حتى تغطي سطح البحر بقطع السفن وقد أظهر كثير من العثمانيين في هذه الواقعة تجلداً وصبراً جديراً بالذكر وأغرق العثمانيون للبنادقة غليونين وفقد العثمانيون تسع سفن ثم أخذ القبودان الدوننما وذهب إلى ساقز وذهب البنادقة إلى جزيرة دكر منلك ولما بلغ القبودان باشا أن البنادقة حاصروا جزيرة نقشة للاستيلاء عليها قصدها بعمارته فهرب العدوّ وخاف لقاءه وقد عد المؤرّخون هذه الجسارة للقبودان تعويضاً لخسائره التي فقدها ف ي الواقعة السالفة.

ثورة أبازة حسن باشا 1068هـ:

بينما كانت الدولة مشتغلة بحرب البنادقة لطردهم من بوغاز الدردنيل كما سبق قام أبازه حسن باشا وأصله من أبناء السياهي بثورة عظيمة بجهات الأناضول والتف عليه نحو خمسة عشر من الباشوات المعزولين وغيرهم وجملة من عساكر السياهي الذين فروا من عقاب الوزير الشهير كويرلي محمد باشا وطلب هذا الخارج من الدولة عزل الوزير المذكور من الصدارة ومعاقبته وتوجيهها إلى طيار زاده أحمد باشا وكان من حزبه ثم أخذت شيعة هؤلاء الأشقياء تتزايد يوماً عن يوم حتى ارتعب الوزراء والسلطان منهم ثم جهز السلطان عليهم جيشاً جعل عليه مرتضى باشا والى ديار بكر وطلب الصدر الأعظم وكان ببلاد الأردل إلى أدرنة للمفاوضة معه ثم انضم كنعان باشا والي بروسة للثائرين ثم تقدّمت الجنود وكسرت الثوار وأرجعتهم إلى قونية بعد أن خسروا خسائر عظيمة.

وتتابعت الفتاوى الشرعية من جانب شيخ الإسلام للثوار بالنصائح المؤثرة فترك كثير منهم طريق الشقاوة والتجؤا إلى الجيش السلطاني فضعف أمر الثوار جدّاً حتى التزم أبازه حسن باشا بالتسليم إلى مرتضى باشا بمدينة حلب بعد أن أمنه على نفسه وعلى جميع أتباعه إلا أنه لم يوف له بالعهد بل قتله هو ورؤساء الثورة 1096هـ ثم أتى السلطان إلى بروسة وعين إسماعيل باشا النائب عنه بإسلامبول قائداً عاماً على الأناضول لقطع دابر ما بقي من أشقياء الجلالية فتمكن من ذلك.










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 16:08   رقم المشاركة : 81
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 وقائع حدود الدولة الشمالية

وقائع حدود الدولة الشمالية:

اعلم إنه في هذه الفترة 1069هـ كانت نيران الحرب مشتعلة بين ملك يولونيا ميخائيل وشارل غوستاف ملك السويد الذي طلب من الدولة أن تتحد معه على محاربة ويلونيا وإدخالها تحت حماية السلطان بالفعل فلم يقبل السلطان ذلك ثم لما بلغ السلطان آن راكوكسي أمير ترانسلفانيا الأول أمير الإفلاق اتحدا مع ملك السويد على محاربة يولونيا أمر بعزلهما وعين مخنة بك (Mihne) الرومي الأصل أميراً على الإفلاق إلا أن راكوكسي لم يمتثل للأمر وقابله بالعصيان واستظهر على جيش للعثمانيين بالقرب من ليا (Lippa).

ثم تعين القبودان كوسه على باشا سر عسكراً على الجيوش فتقدم بها وقهر أمير الأردل المذكور مع ابن راكوكسي وكان من المتفقين معه وعين بارقجاي أقوشي (أشانيوس بركسي) قرالا على الأردل وخرب مدينة ترغو ويشتة التي كانت لذلك العهد دار إمارة الإفلاق وشيد نحو عشرين بلدة أخرى ولما كانت هذه الوقائع التي جرت بالمملكتين والأردل حصلت في حدود المجر وتولد منها بعض مضايقات لحكومة النمسا طلبت على يد سفيرها باستانبول تسويتها فلم يقبل منه بل تقدم السر عسكر كوسة علي باشا المذكور واسترد قلعة وارات (Grosswardein) وكانت استولت عليها النمسا من الدولة من مدة 1071هـ .

وبعد سنة من ذلك عينت الدولة أبافي ميخائيل قرالا على الأردل وكان من أمرائها وهو آخر قرال نصبته الدولة بمعرفتها على تلك البلاد وقد استمر جالساً على تختها مدة عشرين سنة وبعد محاصرة ويانة خلفه ابنه وفي تلك الأثناء قبضت الدولة على بعض أوراق استدلت منها على أن دولة فرانسا تداخلت سراً المساعدة البنادقة للدفاع عن جزيرة كريد وأمدتها بالسلاح وكانت تلك الأوراق مرسلة إلى المسيو دي لاهي سفيرها باستانبول فوقعت في يد الصدر كويرلي محمد باشا 1070هـ فقبضت الدولة على ابن سفير فرانسا لمخالفة وقعت منه وألقته بالسجن مدة سنة من الزمان.

ثم توفي كويرلي محمد باشا بمدينة أدرنة في 6ربيع أول سنة 1072هـ وسنه 80 سنة ولقد كان من أمهر رجال السياسة وأصدقهم وأصحهم نظراً وعقلاً خدم الدولة خدامات جليلة وتمكن من طرد البنادقة من اليوغاز وجدد به القلاع وأصلح أمور الداخلية وحارب الحروب الطويلة ولما مات ولى السلطان ابنه فاضل أحمد باشا مكانه وسنه عشرون سنة وكان والده أوصاه بما يلزم ورسم له خطة السير وكان هذا الوزير كأبيه ذكاء ومهارة سلك مسكله بناء على وصيته.

محاربات النمسا وفتح أيوار وواقعة سان غوتار:

قد كانت النمسا لما تجاوزت حدودها وتداخلت في أحوال بلاد ترانسلفانيا ولت عليها من قبلها أميراً يدعى كميانوس (Komeny) بعد أن ولت الدولة عليها ميخائيل أبافي فتقدّم السر عسكر كوسة علي باشا وهزم كميانوس وقتله وأخرج جيوش النمسا من داخلية الأيالة المذكورة وطلب من الدولة تكليف النمسا بهدم قلعة زه رينوار التي شيدها الأمبراطور ليو يولد الثاني وأن لا تقبل مقترحات دولة النمسا وجمهورية البنادقة في أمر الصلح ولما توقفت النمسا أعلنت عليها الدولة الحرب.

وأخذت في سنة 1073 هـ 1662م تسير عليها الجيوش وأتى السلطان أدرنة وقلد الصدر الأعظم أحمد باشا وظيفة القيادة العامة وسيره على رأس جيش يبلغ 120000جندي فتقدم به على طريق أوسك وبودين وأسترغون حتى وصل إلى قلعة أيوار (Nouhensel) وضرب عليها الحصار وكان العثمانيون فتحوا هذه القلعة سابقاً سنة 1012هـ ثم عادت للنمسا وبينما العثمانيون يحاصرون المدينة المذكورة أتتهم نجدة عظيمة تحت قيادة ابن خان القريم أحمد كراي تبلغ ألف جندي ونحو عشرين ألفاً من القوزاق وبعد ما شددوا الحصار على القلعة شهراً كاملاً التزمت بالتسليم فدخلها الوزير فاتحاً 1074هـ .

ثم بعد ذلك أقام على نهر الطونة جسراً من جهة أسترغون وعبر بالجيوش وتلاقي مع جيش النمساويين الذي كان أتى لقتاله تحت قيادة الجنرال مونتيكوكولي (Montecuculli) وهزمه وأسر منه ثمانين ألف أسير وغنم غنائم لا تحصى فاندهش لهذه الأخبار أمبراطور النمسا حيث رأى جيوش العثمانيين انتشرت في بلاده بإقليمي مورا فيا وسيليزبا وفتحوا نويغراد (Novigrad) وأطرافها.

وكان اندهاشه هذه المرة عظيماً أكثر مما اندهش منه أسلافه من قبل مدة السلطان سليمان القانوني الذي وطئ بلادهم المرار العديدة وذلك لأنه كان يظن أن قوّة العثمانيين قد انحطت في أوروبا لما اعترى دولتهم من الفتن والاختلالات الداخلية منذ نصف القرن الماضي أي منذ معاهدة زيدوه توروك السابق ذكرها ولما خاف الأمبراطور من تقدم العثمانيين واستيلائهم على أوروبا طلب من البابا إسكندر وساطته في دعوة لويز الرابع عشر ملك فرانسا لينضم إليه ويحاربا العثمانيين معاً فأسرع البابا في الوساطة ودعا ملك فرانسا الذي لبى الدعوة وأرسل قوّة عسكرية تحت قيادة الكونت دي كوليني (Coligny).

وفي خلال ذلك عاد الصدر الأعظم إلى مشتى بلغراد وأذن لقرال الأردل وأميري المملكتين بالانصراف إلى إماراتهم وقبل مضي فصل الشتاء حاصر الجنرال زريني الملقب في التواريخ العثمانية بالخازوق الحديدي قلعة قنيثره ولما بلغ الصدر هذا الخبر وكان ببلغراد استعد في الحال وكان الفصل شتاء وجمع الجنود من مشاتيها وزحف على قنيثره فخاف الجنرال زريني (Zriny) ملاقاته وترك الحصار ثم تقدمت الجنود العثمانية نحو حصون زه رينوار الواقع الخلاف عليها واستولت عليه ثم هدمتها وعند عبورها نهر مور (Morr) واشتباكها مع العدو هزمته وقتل في الواقعة الجنرال أستروزي (Strezzi) قائد الجيوش النمساوية.

فقطع أمبراطور النمسا عند ذلك العشم من الانتصار وأرسل إلى الصدر سفيراً يطلب الصلح طبقاً لمعاهدة زيدوه توروك التي عقدت مع قبوجي مراد باشا وتعهد بدفع جزية قدرها ثلاثون ألفاً من الذهب إلا أن الصدر الأعظم ماطله وتقدم نحو قلعة يانيق يريد فتحها وبينما كانت الجنود العثمانية تعبر نهير راب (Raab) تقابلت مع جيش للنمسا يقوده القائد العام الجنرال مونتيكو كولي السابق وبعد واقعة دموية شديدة استمرت يوماً بتمامه 1075هـ لم يثبت فيها هذا القائد الشهير بل تقهقر أمام الجنود العثمانية الذين فقدوا في هذا اليوم العصيب نحو عشرة آلاف جندي وكان يساعد جيش النمسا في هذه الواقعة القونت كوليني (Coligny) مع ستة آلاف من الفرنسويين أرسلهم ملك فرانسا لمساعدة النمسا وكانت هذه المساعدة سبباً لحدوث النفور الآتي ذكره بين فرانسا والدولة العثمانية وتسمى هذه الواقعة بواقعة سان غوتار نسبة إلى الكنيسة التي حصلت الواقعة بقربها ثم جمع الصدر بقية جنوده في قصبة واسوار (Vasvar) حيث عقدت شروط الصلح بين الدولتين 1075هـ وكان من مقتضاها أن النمسا لا تتداخل في أمر بلاد الأردل فيما بعد وتعترف بإمارة أبافي ميخائيل عليها وأن تهدم قلعة زه رينوار ولا تصلح بعد ذلك وأن تدفع 200000غرش غرامة وأن تبقى قلعتي أيوار ونويغراد للدولة العثمانية وأن تبقى أربع مقاطعات من بلاد المجر للدولة العثمانية وأن تراعى العهود السابقة المعقودة بين الطرفين.

محاربة يولونيا ومعاهدة بوجاش 1083هـ

لما قام النزاع والشقاق بين القوزاق المشهورين باسم صاري قامش النازلين في ديار أوقرين وبين قوزاق زايوروغ المتوطنين بين مدينة أوزي (Otchacov) وفم نهر بوغ وطلب كل منهم المساعدة والحماية من خان القريم دخلت أخيراً قوزاق صاري قامش في حمى السلطنة السنية وبذلك امتدت أملاك الدولة في تلك الجهات فاحتج ميخائيل ملك يولونيا على ذلك مدعياً أن ولاية أوقرين (Ukrain) هي من بلاده وإن دور وشنقو أمير القوزاق المذكورين (Dorozensko) من الذين يفسدون في الحدود ثم جرد عليه يريد حربه فعدت الدولة ذلك إجحافًا بحقوقها وأعلنت الحرب على بولونيا في أوائل سنة1083 هـ .

وخرج السلطان بنفسه مع الجيش وعبر نهر الطونة من جهة إيساقجي وما زال يتقدم حتى وصل إلى بلاد لهستان يولونيا عن طريق خوتين (Chokzim) وحاصر قلعة قامنيجه (Kaminiee) وفتحها ثم دخل بجيشه في أيالة ويودوليا واستولى على مدينتي إيلبو (Lemberg) ولوبلن (Lublen) المشهورتين وعل جميع ما يتبعهما من الدساكر وعاثت بهما الجنود العثمانية كالعادة المتبعة إذ ذاك فطلب قرال بولونيا المذكور الصلح بشرط أن يترك ولاية أوقرين للقوزاق وإقليم ودوليا للدولة وأن يدفع جزية سنوية قدرها من الذهب فقبل السلطان منه ذلك وأمضيت به معاهدة 1083 هـ 1672 م في بوجاش (Busacs).

ثم عاد السلطان إلى أدرنة وأمر سليم كراي خان القريم بالعودة إلى بلاده وكان يصحبه في هذا الحرب ولما مات أمير يولونيا المذكور وانتخبوا بدله حنا سوبيسكي ولم يف بشروط المعاهدة المذكورة اشتعلت نار الحرب ثانية بين الطرفين وامتدت إلى سنة 1087 هـ وكانت سجالاً وكانت بلاد خوتين وقامنيجه وأيالتي يودوليا وأوقرين تقع في يد التتار والعثمانيين تارة وفي يد اليولونيين أخرى ثم توسط سليم كراي خان القريم في الصلح أخيراً وتجددت معاهدة بوجاش بعد أن حذفت منها المادة المختصة بدفع الجزية.










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 16:09   رقم المشاركة : 82
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 السلطان سليمان خان الثاني

السلطان سليمان خان الثاني ابن السلطان إبراهيم خان 1099-1102هـ

استمرار الفتن والارتباكات:

بويع هذا السلطان بالخلافة بعد أخيه وعمره 47 سنة وبمجرد جلوسه أمر بصرف هبات الجلوس على أربابها قبل سكون الاضطراب بين الجنود بفكرة إن ذكر يسكن الثائرة وقد كانت أحوال الدولة في ارتباك بمحاربات النمسا والبنادقة من جهة وثورات اليكجريةالمتزايدة في داخل عاصمة الدولة من الجهة الأخرى وبلغت الجراءة والوقاحة عند هؤلاء الجنود حتى إنهم صاروا يتداخلون في أمور الدولة فيولون من أرادوا ويعزلون من أرادوا.

ولما كان فاضل مصطفى باشا القائمقام يسعى في تسكين الاضطراب بكل جهده أرادوا التخلص منه فعينوه محافظاً لبوغاز الدردنيل ونفوا شيخ الإسلام دباغ زاده محمد أفندي وعينوا يكن عثمان باشا سر عسكراً على الرومللي وقتلوا الصدر الأعظم سياوش باشا ونهبوا منزله ولما ارتقى إسماعيل باشا المرعشي لمنصب الصدارة بعده بذل غاية مجهوده في إعادة النظام وتسكين الاضطراب بمساعدة أهالي استانبول الذين تسلحوا وهاجموا اليكجرية وقتلوا منهم جملة فسكن اضطرابهم ولزموا حدهم نوعاً وفي خلال ذلك عادت الدوننما إلى استانبول ودخل الخليج بالرسم المعتاد وخلع السلطان على ضباطها الخلع النفيسة وتعين القبودان باشا محافظاً لأغريبوز وخلفه في رياسة البحرية القبودان قلايلي أحمد باشا وقاد الدوننما لمياه أغريبوز ثم عاد.

وكانت النمسا انتهزت فرصة وقوع الاضطرابات المذكورة وأغارت بجيوشها على حدود الدولة واستولت على قلعة أكري وأيوار وأستوني بلغراد وواردين ثم دخلت بلغراد بدون مقاومة تذكر وعند ذلك طلب الصدر الصلح من النمسا فلم تجبه فعزل وخلفه تكفور طاغلي مصطفى باشا ثم خلفه عرب رجب باشا ولم يتمكن رجال الدولة من منع النمسا عن التقدم وقد استولت على قلاع سمندرة ونيش وودين ثم تقدم جندها من جهات أسكوب وشهركوي إلى صوفية واستولت البنادقة أيضاً على أتينة من أعمال اليونان وعلى حوالي بنالوقة وأبزورنيك من أعمال بوسنة.

ولما كانت هذه الأحوال موجبة للضعف وناشئة عن عدم كفاءة المأمورين عقد السلطان مجلساً في أدرنة للمداولة فيما يلزم عمله ووجهت الصدارة إلى كويرلي زاده مصطفى باشا 1100 هـ ولقد كان هذا الوزير ورث من أبيه وجده المهارة الحربية والسياسة معاً فلهذا تكللت مساعيه بالنجاح وتمكن من تخليص الدولة من الحالة السيئة التي وصلت إليها.

نجاح كويرلي فاضل مصطفى باشا:

لما استلم هذا الوزير زمام الإدارة شمر عن ساعد الجد فأظهر ما فطر عليه من الحزم والفطانة وصرف متأخرات الجنود والموظفين ثم التفت إلى الأحوال الداخلية فأحسن نظامها وقوي بنيانها ثم جهز جيشاً عظيماً قاده بنفسه وتقدم به من شهر كوي فاستردنيش ووددين وسمندرة وبلغراد وطارد النمساويين حتى أبعدهم إلى الضفة الأخرى من الطونة وفي تلك الأثناء ساق الروسيون جيشاً عظيماً على بلاد القريم فقابلهم سليم كراي خان بجيشه وهزمهم عند برزخ أورقبو Pere cop) ( وهزمت فرقة جركس أحمد باشا الذي أرسل إلى بلاد الأردل برفقة توكلي بك جيوش النمسا في الجهة المذكورة.

وتمكن قو ه خليل باشا الذي تعين واليالمورة من استمالة الروم الذين كانوا يكرهون إدارة البنادقة الكاتوليك واستخلص أولونية وغيرها وقد كانت هذه البشائر من الأسباب التي أنعشت القلوب وقوّت الأمل وشجعت الجنود وفي سنة 1102 هـ توفي السلطان سليمان خان الثاني بأدرنة من مرض اعتراه وكان رحمه الله حليماً تقياً سعيد الطالع تمكن في زمن قليل من إعادة مجد الدولة في أعين أوروبا بعد أن اعتراه الضعف لجهل الوزراء السابقين بأمور السياسة والإدارة.

السلطان أحمد خان الثاني ابن السلطان إبراهيم خان1102-1106هـ

واقعة صلانقمين ومقتل الصدر فاضل مصطفى باشا:

لما جلس هذا السلطان عل تخت أجداده كان سنه 50 سنة فأجريت له رسوم التولية بأدرنة وأرسل الفرمانات إلى الجيوش المحاربة ببقاء الصدر الأعظم فاضل مصطفى باشا وباقي الوزراء في مناصبهم وكان الصدر تقدم لملاقاة عساكر النمسا وبعد وصوله إلى بلغراد عبر نهر صاوا على جسر ثم تلاقى مع جيوش الأعداء الذين كانوا تقدموا من وارادين تحت قيادة الجنرال لويز دي باد بمكان يقال له صلانقمين (Salankemen) فهاجمهم بشدة والتحم الفريقان وأزاح العثمانيون أخصامهم من مواقفهم وتقدموا حتى ضربوا قلب الجيش وبينما كان طائر النصر يرفرف على رؤس العثمانيين إذ أصيب الوزير برصاصة كان فيها حتفه ولما شاع خبر وفاته بين العساكر تقهقرت وتفرقت 25 ذي القعدة 1102 م .

وتقرر بين الأمراء انتخاب أقدم الوزراء ليكون قائداً عاماً فانتخبوا خليل باشا الذي تمكن من إرجاع الجيش بحالة منتظمة إلى بلغراد وخسر النمساويون في ذلك اليوم خسائر كبيرة توازي خسائر العثمانيين إن لم تزد عليها وكان لهم على بعد ست ساعات من محل الواقعة المذكورة أساطيل كثيرة في نهر الطونة فهاجمتها الدوننما العثمانية وأحرقتها عن آخرها ولما بلغ السلطان خبر وفاة الصدر تكدر لذلك ووجه مسند الصدارة لعربه جي علي باشا والسر عسكرية لخليل باشا وأخذت الدولة في إعداد الجيوش وتجنيد الجنود لعزمها على مناصبة العدو القتال.

أما البنادقة فإنهم لما لم يتمكنوا من زعزعة مقام العثمانيين بجزيرة كريد مع ما بذلوه من المساعي وما نالوه من الانتصارات فترت همتهم حتى إن القبودان البندقي لما لم ير نجدة من وطنه سلم1103 هـ قلعة قرابوسة (Carabusa) من أعمال كريد للوزير علي باشا محافظ خانية بنفس شروط تسليم مدينة قندية. وفي سنة 1104 هـ خرج القبودان يوسف باشا الذي تعين لرياسة البحر في السنة السابقة بباقي الغلايين و الأغربة إلى البحر الأبيض كالمعتاد. وصدرت الأوامر بجمع الجنود في أدرنة وتعين عليها بيقلي مصطفى باشا سرداراً ثم قصد روسجق وأمر السلطان أيضاً سليم كراي خان القريم بالانضمام إلى الجيش العثماني لمحاربة النمسا ببلاد الأردل فلما علم القائد النمساوي بذلك رفع الحصار عن مدينة بلغراد وتركها راجعاً ولما بلغ خان القريم خبر رجوعه عن بلغراد اقتفى أثره وفتح قلعتي طمشوار وكيوله ومن الحوادث التي حدثت في زمن هذا السلطان ظهور ثورة ببلاد الشام فأرسلت الدولة جيشاً لإطفائها وحدوث حريق باستانبول جهة أيازمه قبوسي امتد إلى أون قبان وآت يازار وكان جسيماً أحرقت فيه عدة منازل ومبان وجامع السلطان سليمان 1104 وكان الجيش السلطاني حاصر 1105 سنة واردين واستولى جيش بوسنه على قلعة غبله من يد البنادقة وشتت شمل جيشهم في تلك الأطراف ودخل جيش التتار إلى بلاد الأردل وشتت شمل عساكر النمسا.

ولما كانت حكومة البنادقة غير قادرة على محاربة العثمانيين بمفردها وكثيراً ما ساعدها البابا بضم بعض دول أوروبا إليها وكانت دول أوروبا لا تمكنها حالتها كل وقت من مساعدتها انضم إليها هذه المرة البابا وأهالي مالطة وأرسل الكل أساطيلهم بها جنودهم فأنزلوها بجزيرة ساقز سنة 1106هـ1694م فأمر السلطان بجمع العساكر من كافة الجهات وتجهيز الدوننما وإنشاء مراكب جديدة بغاية السرعة لتقوية العمارة وقد تم ذلك في فصل الشتاء.

ثم اشتكى بعضهم القبودان يوسف باشا بأنه كان بالعمارة في بحر الأرخبيل وقت استيلاء البنادقة ومساعديهم على جزيرة ساقز وكان في إمكانه المدافعة عنها إلا أنه لم يفعل ولما حاكمته الدولة وجدت للشكوى بعض الحقيقة فعزلته عن رياسة البحرية ونفته إلى قلعة مديللي وتعين الوزير عموجه زاده حسين باشا وكان محافظاً لقلعة سد البحر بالدردنيل قبوداناً للدونما وقد أظهر اهتماماً زائداً بأمرها وفي تلك الأثناء اشتد المرض بالسلطان فتوفي بأدرنة ودفن بجامعه الذي شيده قرب باغجه قيوسي 1106 .

السلطان مصطفى خان الثاني ابن السلطان محمد الرابع1106- 1115هـ:

بويع له بالخلافة يوم وفاة السلطان أحمد وكان سنه 22 سنة وفي اليوم الثاني من جلوسه أصدر فرماناً شديد العبارة مضمونه إن الحالة التي وصلت إليها الدولة من الضعف مدة أسلافه الذين رقدوا على بساط الراحة والدعة أدت لحصول الخلل في النظامات والإدارة وإنه سيقبض بيده على زمام الأعمال مستطلعاً الحركات والسكنات وإنه ترأس بنفسه على الجنود في ميدان القتال وما مثال ذلك من الترتيبات والتدبيرات المفيدة ثم أمر بالتجهيزات الحربية براً وبحراً ولما طلبت اليكجرية منه إنعامات الجلوس كالعادة نبههم إلى عسر المالية وضنك الأحوال ووعدهم بمطلوبهم بعد النصر فقبلوا ثم ساق معظمهم إلى ميادين القتال وأمر بسرعة الحركة لإعادة جزيرة ساقز.

حرب ساقز:

لا أشمر السلطان مصطفى الثاني عن ساعد الجدّ وعزم على السير في طريق الحزم ليرجع للدولة مقامها السابق وشرفها القديم ويسترد ما استولى عليه أعداؤها من أملاكها أمر العمارة فأقلعت من استانبول وكانت مركبة من عشرين غليوناً و 24 غراباً تحت قيادة عموجه زاده القبودان حسين باشا ومعه حسين باشا الجزائري الملقب عند الفرنج ميزه مورتو بوظيفة نائب عنه بطرونه ومعهما العدد الكافي من الجنود وبعد مضي ثلاثة أيام من خروج العمارة صادفت قرب جزيرة قيون أطه (Spalmatori) عمارة البنادقة تقودها سفن السحب لسكون الريح وقتئذ وكانت مؤلفة من عشرين غليوناً وست ماعونات عند ذلك أمر القبودان باشا ستة عشر غليوناً بالحملة على غلايين البنادقة المذكورة وخصص الأربعة غلايين الباقية للهجوم على مواعينهم.

وأمر قوّاد السفن بدقة الملاحظة والانتباه وإجراء الحركات الحربية بكل نظام وترتيب وتروّ ثم حمل القبودان ميزه مورتو على غليون أميرال البنادقة وأطلق عليه مدافع الجنب الأبانده مرة واحدة فتعطل من ذلك بعض مدافعه وطارت قطع من أخشابه فأصابت أكثر من مائة نفس من طائفته ووقع الهرج والاضطراب بين من في الغليون المذكور وفي الحال اقتربت منه سفينة رئيس يدعى عبدالفتاح وألقت عليه أقمشة مغموسة بالزفت والنفط والقطران ياغلي بجاوره من مدافعها فأصابت مؤخره فالتهب في الحال ولم تتمكن عساكره من إخماد النيرن فزاد ويلهم وعظم عويلهم وأراد غليون آخر من سفن البنادقة أن يمدّ له يد المساعدة إلا أنه لم يكد يقرب مه حتى عمت النار أرجاءه ووصلت إلى جبخانته فطار الغليونان في الجوّ صعداً.

أما عساكرهما فمنهم من قتل ومنهم من ألقى نفسه في البحر فقبض عليه العثمانيون وحملت المركب التي كان يقودها عبدالقادر باشا زاده على ماعونات العدو وقويت عليها وعطلت مدافعها ثم التحم الفريقان واشتد بينهما القتال بالأسلحة البيضاء وتصاعد دخان المدافع فكسا الجوّ حلة سوداء وأظلم المكان بعد الضياء بحيث صار لا يمكن أن السفن ترى بعضها أصلاً وأخيراً لم يسع العدوّ إلا الانسحاب من مياه الحرب بما بقي معه من سفنه وفرّ هارباً والتجأ إلى مينا تيرفيل واستمرّت هذه المحاربة من ضحوة النهار إلى الغروب.

وغرق من سفن العدوّ عدة غلايين وانكسر منها عدة أيضاً وكانت خسائر الدوننما العثمانية قليلة جداً ففرح الجنود وتشجعوا ثم سار القبودان باشاً فائزاً منصوراً إلى أن وصل إلى ساحل الأناضول فأرسى هناك وصمم على إعادة الكرة على العدوّ لزيادة الإيقاع به فأمر بالاستعداد ثم قام بالدوننما في اليوم الرابع من رجب من السنة المذكورة ولما قرب من ساقز ورآه العدوّ مقبلاً سار نحوه إلى خارج المينا ومعه ستة وعشرون غليوناً وقبل أن يشتبك الطرفان في القتال جعل العثمانيون عمارتهم على الترتيب الآتي وهو أن القبودان باشا جعل نائبه بستة غلايين عند أوّل مضيق ساقز فوق الريح وجعل ما بقي من السفن تحت الريح.

وبعد أن أخذت كل سفينة موقعها اشتعلت نيران الحرب بينهما وقذفت المدافع من فوهاتها المقذوفات العظيمة فوجم العدوّ لذلك وعلم أن لا طاقة له بالوقوف بسفنه بين نارين شديدتين وليس في إمكانه أيضاً المقاومة أمام هذه التعبية العجيبة فالتزم أن يدخل الغلايين التي تعطلت إلى داخل الميناء ثم ولى هارباً بما بقي معه منها وعددها أربعة عشر وأخذت العمارة العثمانية مع ذلك في تعقب البنادقة وإطلاق المدافع عليهم ورمت سفينة آشجمي زاده محمد قبودان مقذوفات على غليون للبنادقة فأصابت مخزن باروده وكان يحمل 25 مدفعاً فتفرقع لوقته وتبدد في الجوّ قطعاً.

أما الأربعة الغلايين التي تعينت لمحاربة الماعونات في مبدإ الأمر فقد فازت فوزاً مبيناً ولما عطلت ما كان أمامها من سفن البنادقة قبضت عليها وعلى جميع من كان بها بكل سهولة وقد تكبد البنادقة في هذه الواقعة خسائر شتى وهربت باقي سفنهم ودخلت سفن الأميرال مينا ساقز وأنزلت في قلعتها خمسمائة خيال ولما دخلت الدوننما العثمانية ساقز لم تجد فيها للعدوّ أثراً وصادفت في البوغاز إحدى المواعين المعطلة المشحونة بالذخائر فاستولت عليها بمن فيها وكان بها 16 مدفعاً من النحاس وستة هوانات وخمسة آلاف بندقية وكثير من المهمات والذخائر والجبخانات و 280 جندي.

ولما استولت الدوننما على القلعة والمينا وجدت بها أيضاً أربع مراكب للسحب وأربعة غلايين كبيرة مشحونة بالأسلحة ودخل العساكر المدينة ولم يتعرّضوا لأحد بسوء مطلقاً فقابلهم السكان بالترحاب وقد اغتنمت الجيوش العثمانية ما استجد بالقلعة من الأدوات وكانت 16 مدفعاً وثمانين ألف مقذوف وكثيراً من المهمات والجبخانات وغيرها ولما انتهت المحاربة وأنزل بساقز الحامية الكافية من العساكر الذين نقلوا من جشمة بساحل الأناضول عادت الدوننما ظافرة إلى الآستانة فسر السلطان من القبودان حسين باشا ورقاه إلى مسند القائمقامية وخلفه على رياسة البحرية القبودان ميزه مورتو حسين باشا وقد اهتم من يوم توليته في إنشاء السفن الحربية وإصلاحها لتقوية الدوننما وأتقن آلاتها ولوازمها وانتخب لها العدد الكافي من الملاحين وأرباب الفن ثم أكثر من التدريبات والتمرينات حتى صير طوائف السفن على غاية من الاستعداد والمهارة والاجتهاد في الفنون الحربية البحرية.

محاربات النمسا وهزيمة زانتا 1109 هـ:

اعلم إنه بعد الانتصار البحري المذكور واسترداد ساقز قاد السلطان بنفسه الأوردي الهمايوني سنة 1107هـ 1695 م وعبر به نهر الطونة فوصل إلى يانجوه وعسكر في صحراء طمشوار واستولى على قلعة لييوه (Lippa) وجميع ما بها من الذخائر والمهمات وانتصر في واقعة لوغوس (Lugos) الدموية وقتل قائد جيش النمسا الجنرال وتران(veterani) بعد أن شتت شمل جيشه وأسره ثم عاد الجيش بعد ذلك لتمضية الشتاء في بلغراد وسار السلطان إلى القسطنطينية فائزاً منصوراً إلا أن هذه الهزيمة المذكورة لم تكن بالقاضية على النمساويين لأنهم أعادوا الكرة على الحدود العثمانية ثانية 1108 هـ 1686 م .

وحاصروا طمشوار بجيوش عديدة فتقدم السلطان بالجيش وردهم عن القلعة المذكورة وقهر للنمساويين جيشاً عظيماً كان مجتمعاً في مضيق بتلك الأطرال تحت قيادة منتخب ساكن فريدريك قرب مدينة أولاش (Olasch) وكانت هذه النصرة الثانية سبباً لبث روح الشجاعة والإقدام في الجنود العثمانية ثم عاد السلطان إلى أدرنة بعد أن قوى طمشوار وأكثر من بناء القلاع بالحدود ثم اهتم في تحسين وإصلاح الأمور العسكرية والملكية.

وكان الروس أثناء هذه الحروب حاصروا مدينة أزاق (Azov) 1107هـ فقاومتهم جيوش خان القريم والحامية العثمانية هناك وتغلبوا عليهم وطردوهم وقتلوا منهم نحو ثلاثين ألف جندي إلا أن بطرس الأول قيصر الروس عاد بجيش كثيف يتجاوز 60 ألف جندي 1108هـ وحاصرها ثانية.

ولما كانت الدولة مشتغلة بالحروب القائمة بجهات مورة والمجر و يولونيا وبوسنة لم تتمكن من نجدة تلك المدينة فتم له الاستيلاء عليها وجعلها ثغراً له على البحر الأسود لأن قبائل القوزاق كانت حائلاً بين البحر وبين الروس.

وفي سنة 1109 هـ قاد السلطان الجيش بنفسه لمحاربة النمسا ولما وصل بلغراد عقد مجلساً للمداولة فاستقر الرأي على أن يسير الجيش إلى جهة طمشوار كما سار في العامين السابقين ثم عبر الجيش الطونة إلى يانجوه وتقدم حتى وصل إلى مدينة زانتا (Zenta) الواقعة على نهر تيس ونصبوا هناك جسراً ليعبروا إلى الضفة الأخرى وبينما الجيش آخذ في العبور إذ هاجمه القائد النمساوي العام البرنس أوين دي سافوا الشهير (Eugne de Savoie) ولما اصطدم الجيشان انكسر الجسر فانقسمت القوة العثمانية إلى قسمين وضعف أمرها وظهرت عليها علامات الهزيمة وكان القتال عنيفاً.

ومات من العمثانيين عدد عظيم بين أنفار وقواد منهم الصدر الأعظم الماس محمد باشا ووالي الأناضول مصرلي زاده إبراهيم باشا ومحافظ طمشوار جعفر باشا ووالي أذنه أطنه فضلى باشا واغاة الينكجرية بالطه زاده محمود باشا وعشرة من البكوات ونحو خمسة عشر ألفاً من الجنود بين قتيل وغريق ولولا وجود السلطان بالضفة الأخرى لوقع أسيراً في يد الأعداء وبهذه الهزيمة ضاعت كافة قلاع بلاد المجر من العثمانيين 23 صفر 1109هـ واستولى النمساويون على بلاد بوسنة وغيرها ولما عاد السلطان وجه مسند الصدارة إلى كويريلي عموجه زاده حسين باشا.

معاهدة قارلوفجه 1110 هـ:

لما قبض الصدر الأعظم الجديد الذي هو من أولاد الوزير الشهير صاحب الأفكار العالية والآراء السديدة المرحوم كويريلي باشا الكبير على زمام الأحكام أخذ ينظم الإدارة ويدبر المصروفات والإيرادات فزادت بذلك الأموال في الخزينة وانتعشت الآمال وابتهجت الأحوال حتى تمكن من تجهيز جيش جديد بلغ خمسين ألفاً من الرجالة وأربعين ألفاً من الخيالة خلاف الطوبجية ثم تقدم به نحو بلغراد وتقابل مع البرنس أوجين المذكور بإقليم بوسنة واستظهر عليه حتى ألزمه الرجوع إلى ما وراء نهر صاوه (Save) تاركاً بلاد بوسنة.

وبينما كان السلطان مصطفى مصراً على استرداد جميع ما فقد من أملاك الدولة كان أمبراطور النمسا يميل جداً للصلح والمسالمة لما لحقه من الخسائر مدة الحروب الطويلة المذكورة ففتح باب المخابرات بين الدولتين وتداخل لويز الرابع عشر ملك فرانسا وأراد أن يدخل الدولة العثمانية في معاهدة ريسويك (Ryswyck) التي أمضيت في 20 سبتمبر سنة 1697 بين فرانسا من جهة والنمسا وإسبانيا وإنكلترة وهولاندة من جهة أخرى وهي المعاهدة التي أرجع بها لإسبانيا ما كانت فقدته من أملاكها فلم تقبل الدولة لتعصب دول أوروبا عليها وسعيهم في محو نفوذها.

والحاصل إنه بعد مخابرات استغرقت مدة طويلة قبلت دول النمسا والروسيا والبنادقة و يولونيا شروط معاهدة قارلوقجه المذكورة (Carlowitz) قطعياً مع الدولة 1110 هـ 1699 م وتم بذلك الصلح وكان أهم شروطه مهادنة النمسا لمدة عشرين سنة وأن يبقى للدولة العلية ولاية طمشوار (Temeswar) المعروفة ببانات وتأخذ النمسا بلاد الأردل وما استولت عليه من بلاد المجر وعلى ذلك تكون الحدود بين الطرفين أنهار ماروش وتيس والطونة وصاوة ومهانة مع دولة يولونيا لمدة عشرين سنة أيضاً.

وإن ترد للدولة العثمانية البلاد التي استولت عليها من بغدان وتبقى الحدود القديمة على ما كانت عليه ويعاد ل يولونيا إقليمي يودوليا وأوقرين وقامنيجه وتعفى من الجزية التي كانت تدفعها لخان التتار وأن تتنازل الدولة العثمانية للبنادقة عن شبه جزيرة مورة وأقليم دالماسيا وأن تعفى النمسا وغيرها مما كانت تدفعه للدولة العثمانية ولما كان مرخص الروسيا غير حائز للثقة التامة عقدت معه متاركة لمدة ثلاث سنين تحت شرط بقاء قلعة أزاق بيد الروس ثم تأيدت هذه المتاركة فيما بعد بينهما 1113 هـ وبعد ذلك استمرة هذه المهادنات حتى صارت صلحاً دائماً بين الطرفين.










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 16:10   رقم المشاركة : 83
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 اصلاحات داخلية

اصلاحات داخلية:

إنه بعد أن تقررت مصالحة قارلو فجة بين العثمانيين ومن مر ذكرهم من دول أوروبا عاد السلطان من أدرنة إلى استانبول فقابل السفراء ثم أخذ ينظر فيما يقتضيه ملكه من التحسينات وأخذ الصدر الأعظم عموجه زاده حسين باشا في إصلاح الأحوال الداخلية التي أصابتها المضار من طول زمن الحروب المذكورة فرفع عن عاتق الأهالي ما عجزوا عن أدائه من الضرائب بعد أن قللها وقبض على كل المفسدين وأصحاب الدسائس والسوابق منبين الجيوش وأبادهم نفياً وقتلاً وأخذ في تشجيع الأهالي وحثهم على زيادة الاعتناء بالزراعة والصناعة إذ عليهما مدار تقدم البلاد.

وبينما كان الصدر يهتم في هذه الإصلاحات النافعة حدث بينه وبين شيخ الإسلام فيض الله أفندي اختلاف لأن فيض الله أفندي المذكور كان معلم السلطان قبل جلوسه على كرسي السلطنة وكان السلطان ولاه مسند المشيخة الإسلامية وصار يستشيره في كل الأمور فأغاظ ذلك الصدر لتداخل شيخ الإسلام في الأحوال السياسية التي ليست من تعلقات وظيفته أصلاً وكان القبودان ميزه مورتو حسين باشا مدة حياته يجتهد في التأليف بينه وبين الصدر ويزيل النفور من قلوبهما إلا أنه بعد وفاته استبد الشيخ في آرائه وأظهر العظمة فلم يتحمل الصدر ذلك وقدم استعفاءه 1114 هـ وأقام في ضيعة له منفرداً حتى مات بعد سبعة عشر يوماً ونقلت جثته إلى استانبول ودفن في مدرسته المشهورة.

واقعة أدرنة 1115هـ:

اعلم إنه بعد أن استقال الصدر حسين باشا وجه السلطان مسند الصدارة إلى دال طبان مصطفى باشا الذي التزم السير على الخطة التي يرسمها له شيخ الإسلام المذكور ولما كان هذا الصدر يميل من طبيعته للحرب والقتال في الوقت الذي كانت الدولة فيه في أشد الاحتياج للمسالمة والراحة بعد الحروب الطويلة لتلتفت لإصلاح أحوالها الداخلية اختلت بذلك أحوال السياسة وارتبكت العلاقات الخارجية حتى خيف على روابط السلم أن تنقطع ثم عزل وقتل لما تحقق للسلطان وبقية الوزراء أنه بخطته هذه يوقع الدولة فيما تخافه من الحروب.

ولما كان الوزير المذكور من مشاهير الأبطال وقع اضطراب وشغب بسبب ذلك بين صنوف الجنود وتعين للصدار رامي محمد باشا وكان مرخصاً للدولة في صلح قارلوفجة وكان عالماً بالأمور الإدارية والأحوال السياسية وقد تمكن بمساعدة محاميه شيخ الإسلام من تحسين الأحوال وإصلاحها إلا أن شيخ الإسلام لما كان يميل إلى التغلب والتحكم في كافة الأمور والصدر يريد مراعاة حقوق مقامه أخذ يفكر في منع تسلط الشيخ المذكور الذي لما أحس بذلك أشعل نار الفتنة حتى استفحل أمر الهياج بين الجنود وكان السلطان في ذلك الوقت بأدرنة لتولعه بالقنص كأبيه ثم انتهت الفتنة بقتل شيخ الإسلام فيض الله أفندي المذكور.

ولما بلغ السلطان مصطفى أنهم يريدون خلعه دخل على أخيه أحمد خان وأعلمه بالأمر وتنازل له عن كرسي السلطنة في 9 ربيع الأوّل سنة 1112 هـ ثم مات بعد مائة وأربعين يوماً وكان شجاعاً يميل إلى الاقتداء بجده السلطان سليمان في الفتوحات حضر بنفسه ثلاث غزوات مهمة وكان فطناً شفوقاً عادلاً محباً للعلماء والعلوم والمعارف ولما كانت هذه الواقعة حدثت باستانبول وقصد أربابها مدينة أدرنة للإفساد بها دعيت بواقعة أدرنة.

السلطان أحمد خان الثالث ابن السلطان محمد خان الرابع 1115-1143هـ:

لما تبوّأ هذا السلطان التخت العثماني بعد تنازل أخيه له كان عمره ثلاثين سنة واستمرت الفتنة في أوّل حكمه ولم يتمكن من إخمادها وبقيت نحو ستة أسابيع وقتل فيها أكبر أولاد شيخ الإسلام فيض الله أفندي المقتول ثم نفوا باقي عائلته إلى قبرس وخرب الثائرون جملة منازل وقتلوا جاليق أحمد باشا أغاة اليكجرية وكان نال رتبة الوزارة وعزلوا الصدر الجديد قوانوز أحمد باشا وشيخ الإسلام إمام محمد أفندي وغيرها لتساهل السلطان لهم خوفاً على مركز السلطنة من أن يكون ألعوبة في يد أرباب الغايات وما زالت عوامل الثورة قائمة حتى تمكن السلطان ووزراؤه من نفي بعض أرباب المفاسد فهدأت الأحوال نوعاً.

وبينما كانت الاضطرابات بالآستانة تعدت عربان الحجاز على قوافل الحجاج بالنهب والقتل فاهتمت الدولة بتأديبهم وسيرت عليهم العساكر من طرابلس الشام وبيروت وجبل عجلون والقدس فأوقعت بهم وعادت الأمنية إلى ربوعها وأبقت الدولة الشريف سعد شريفاً لمكة المكرمة كما كان مع قيام الأدلة على اشتراكه مع العرب 1116 هـ ولما رأت الدولة سعي دولة الروسيا في مد نفوذها بجهات البحر الأسود شيدت بباطوم وبغداد جك وطمرق قلاعاً لحماية البلاد الآسيوية وعزل السلطان الصدر داماد أحمد باشا لخلاف وقع بينه وبين أوزون سليمان أغا أغادار السعادة وقد اهتم هذا الصدر كثيراً بنافع الإصلاحات فنظم دار الصناعة وأكثر من إنشاء المدارس والمعامل وغيرها وخلفه في الصدارة قلايلي قوز أحمد باشا فلم يلبث بها طويلاً.

بطرس الأكبر وشارل الثاني عشر وبالطه جي محمد باشا وواقعة بروت

اعلم أنه من يوم أن تبوّأ السلطان أحمد الثالث التخت والحروب قائمة بين دولة السويد ودولة الروسيا ولما دخل شارل الثاني عشر المعروف عند العثمانيين بتيمور باش رأس الحديد بجيشه الجسيم في بلاد الرسوم وانتصر عليهم في واقعة ناروا (Narva) وقهر جيوش الساقسون واليولونيين المتفقين واستولى على بلدتي لمبرغ ووارسوفا ونصب أحد ضباطه المدعو أستانسلاس ولهجنكي (Stanislas Leczinski) أميراً على اللهستان ثم اقتفى أثر ملكها السابق أغست الثاني (Auguste II de Saxe) حتى أغار على ساكسونيا واضطره إلى طلب الصلح والتنازل عن دعواه في مملكة اللهستان.

وكانت دولة الروسيا من منذ معاهدة قارلوفجه أخذت تبني قلاعاً في بحر أزاق وحدود أوزي وبندر وتشيد سفناً لأنها كانت تنوي الضرر للدولة العثماينة وغفلت الدولة عن مراقبة حركاتها مراقبة شديدة دقيقة لاستصغار العثمانيين شأن هذا العدوّ الجديد وكانت الدولة لما وقعت الحرب بين شارل وبطرس افتكرت أن شارل ربما قام بتنفيذ ما يجب عليها هي من إضعاف شأ الروسيا وأرسلت له يوسف باشا محافظ باباطاغ ووالي أوزي يشجعه على دوام القتال ويعده بأن الدولة أمرت خان القريم بمساعدته متى دخلت عساكره داخل بلاد الروسيا ويروي أيضاً أنها كانت تريد أن تعقد معه اتفاقية سرية مبنية على الهجوم والدفاع لولا معارضة الصدر الأعظم جورليلي علي باشا الذي كان يرغب التمسك بشروط المعاهدة الصلحية المعقودة بين الدولة والروسيا وخير البقاء على الحيادة مدة المحاربات المذكورة.

ثم لما انتصر بطرس الأكبر على شارل الثاني عشر في ملحمة بلطاوة (Poltawa) وانهزم مجروحاً التجأ للممالك العثمانية 1121 هـ 1709 م وتوسط له يوسف باشا المتقدم الذكر حتى تحصل على رخصة من السلطان تجيز لشارل الإقامة بمدينة بندر ولما تعدت فرسان الروسيا الذين كانوا يتعقبونه حدود الدولة من جهة أوزي وبغدان وكانت الروسيا أدخلت تحت سلطتها جميع القوزاق وهددت الحدود السلطانية بما شيدته من الحصون والمعاقل وكانت دائبة على إثارة أهالي المملكتين على العثمانيين عدت الدولة كل ذلك من الأسباب الشرعية لمحاربة الروسيا وسجنت سفيرها في قلعة يدي قله كالمعتاد لأن هذه العادة في الوقت المذكور كانت بمثابة أخذ السفير رهينة حتى تخرج تجار العثمانيين ورعاياهم من أراضي الدولة المراد محاربتها.

ثم أعلنت الدولة الحرب على بطرس الأكبر1122 هـ وتقدم الصدر الأعظم بالطه جي محمد باشا يقود جيشاً عظيماً يزيد عن مائة ألف مقاتل إلى جهة الطونة في أوائل سنة1123 هـ ولما عبر مضيق إيساقجي وخرج إلى صحراء قارتال بلغه خبر وصول جيش الروس وعدده أربعون ألف جندي من جهة حدود البغدان فتقدم الجيش العثماني وأحاط بجيش الروس بقرب قرية قالجي في المستنقعات الكائنة بجانب نهر بروت حتى أضحى بطرس الأكبر بجيشه في قبضة العثمانيين ونفد منهم الزاد والذخيرة وقطعوا الأمل من النجاة إلا بالاستسلام.

ولولا إن زوجته كاترينا تداركت الأمر بفطنتها وحيلتها لكان قضى على الروس سياسياً وذلك إنها عمدت إلى ما معها من المجوهرات والنفائس وما مع من برفقتها من الأميرات والوصائف فجمعتها وأرسلتها إلى الصدر الأعظم بالطه جي محمد باشا فتقبلها منها لخسة نفسه ودناءة أصله وأفرج عن الجيش وعقد معهم صلحاً من شروطه تنازلهم عن قلعة أزاق بما فيها من المدافع والآلات للدولة وأن يهدموا جميع القلاع التي شيدوها حديثاً في حدود الدولة وأن لا يتداخلوا فيما بعد في أحوال القوزاق وأن لا يتعرضوا لشارل الثاني عشر عند عودته إلى وطنه.

وهذا الصلح وإن كان صلحاً مجيداً يناسب مقام العثمانيين إلا أنه كان أكثر فائدة للروس لأنه خلصهم من ورطة لو وقعوا بها لما كانت تقوم لهم بعدها قائمة وتسمى هذه المعاهدة بمعاهدة فلكزن (Falksen) ولما سمع شارل ملك السويد بما فعله بالطه جي باشا اغتاظ جداً واجتهد في أعلام السلطان بخيانته ويقال إنه لما لام الصدر على عدم قبضه على بطرس الأكبر قال معتذراً من الذين كان يحكم بلاده بالنيابة عنه وليس من الصواب أن يكون كل الملوك خارج بلادهم.

وبعد التصديق على المعاهدة المذكورة 1122 هـ 1711 م استولى العثمانيون على قلعة أزاق بلا قتال ثم إن ملك السويد ورجاله اشتكوا للسلطان مما فعله الوزير بلطه جي محمد باشا وكيف إنه أخذ الرشوة من كترينه وأطلق السراح لجيش الروس وقد صادق خان القريم على أقوال ملك السويد المذكورة وثبتت هذه الأقوال حينما توقف مأموراوالروسيا عن تنفيذ بعض بنود المعاهدة المذكورة فعزل الوزير بلطه جي محمد باشا ونفي إلى ليمنى وأحيل مسند الصدارة على يوسف باشا ولما رأى السلطان منه استحساناً للمعاهدة التي عقدها بلطه جي باشا عزله وولى مكانه سليمان باشا واستعد السلطان بنفسه لمحاربة الروسيا فقصد أدرنة في الشتاء وعزل الصدر لأنه لم يوافقه على الحروب ونصب بدله القبودان خواجه إبراهيم باشا 1124 هـ وأصله قبودان غليون ونال القبودانية بعد حاجي محمد باشا ثم تداخلت دولتا إنكلترا وهولاندة في حسم الخلاف الذي بين الروسيا والدولة لأن الحرب يضر بمصالحهما التجارية وانتهى الأمر بعقد معاهدة أدرنة1125 هـ 1713م .

وكان من مقتضاها أن تنازلت الروسيا عن كافة ما لها من الأراضي على البحر الأسود بحيث لم يبق لها عليه ولا مينا واحدة ورفع عن عاتقها نظير ذلك المبلغ الذي كانت تدفعه سنوياً لخانات القريم وعزل سليمان باشا من القبودانية ووجهت إلى خواجه سليمان باشا ووجهت الصدارة العظمى للداماد علي باشا بعد عزل خواجه إبراهيم باشا لجهله بالأمور السياسية ثم إن شارل لما لم يتحصل على مرغوبه عاد إلى بلاده ثانية بعد أن أقام بأراضي الدولة ست سنوات.

حالة البحرية في الوقت المذكور:

إن النظامات التي كان أدخلها في البحرية ميزه مورتو حسين باشا عادت على الدوننما بالنجاح والفلاح وصيرتها قوية مهيبة ووصلت إلى درجة عظيمة من الاتقان والانتظام حتى أوقعت الرعب في قلوب الأعداء ولما تعين جانم خواجه محمد باشا1126هـ قبوداناً عاماً للدوننما تلقى الضباط والأفراد عموماً تعينه بالسرور والانشراح لأنه أول قبودان عام تخريج من الوجاقات البحرية ولما كان السلطان شديد الغيرة على إرجاع ما كان للدولة من البلاد أراد استرداد جزيرة مورة وكان البنادقة استولوا عليها كما سبق وتأيد حكمهم لها بمعاهدة قارلوفجه.

وفي مدة الحروب المتقدمة كانت الدولة مهتمة بتقوية أساطيلها كاهتمامها في تنظيم جيوشها وتقوية قلاعها وكانت دار الصناعة تبني ثلاثة غلايين كبيرة ولما كملت احتفلوا بإنزالها في البحر احتفالاً شائقاً حضره السلطان بنفسه وخلع على الصدر الأعظم والقبودان باشا ومدحهما على اهتمامها 1122 هـ .

ثم أرسلت الدولة أسطولاً مؤلفاً من ثمان سفن حربية للمحافظة على جزائر الأرخبيل من تعديات البنادقة خصوصاً وقد قبض هذا الأسطول على فرقاطة ابن مانيات أحد مشاهير قرصان البحر وكان بها نحو ستين شخصاً وبذلك عادالا من نوعاً إلى تلك الجهات لكثرة تعدى هذا الشقي على سفن التجارة العثمانية ثم عاد القبودان إلى استانبول وبعد عودته باشر بناء عدة سفن من النوع الخفيف لتكون صحبة العمارة عند استرداد مدينة أزاق من الروسيين ولما تمت التجهيزات خرجت العمارة 1123هـ 1711 م وكانت مركبة من22 قطيرة من قطائر أمراء البحرية و27 غليوناً و60 فرقاطة و120 سفينة خفيفة لنقل المهمات ومائة صندل من النوع المسمى قانجه باش وبروليق وغيرها فكان الجميع360 سفينة بها نحو ثلاثين ألف مقاتل تحت قيادة الحاج محمد باشا ومع ذلك فإن الدولة استولت على المدينة المذكورة بموجب معاهدة يروت السابق ذكرها بلا احتياج لحركات حربية وبعد ذلك أبحر أسطول مركب من ثمانية غلايين تحت قيادة خواجه إبراهيم باشا للمحافظة على سواحل الدولة في البحر الأبيض المتوسط.

حرب البنادقة واسترداد مورة:

لما كانت الدولة العلية لا يقر لها قراراً إلا باسترداد موره لما في تملكها من المنافع السياسية والتجارية واهتمام السلطان بهذا الأمر كثيراً أرسلت سنة 1127 هـ 1715 م دوننما مركبة من ثلاثين غليوناً وأربعين غراباً يقودها القبودان العام جانم خواجه محمد باشا وكانت العساكر البرية في تلك الأطراف يقودها الصدر الأعظم داماد علي باشا ولما وصلت العمارة إلى سلانيك استأذن القبودان الصدر الأعظم في فتح جزيرة إستنديل (Tinos) :

فلما صرح له ذهب وحاصرها من كل جانب وبعد قليل من الزمن استولى عليها وطرد حامية البنادقة منها وكانت هذه الجزيرة في قبضة البنادقة مدة أربعة قرون تقريباً وكثيراً ما حاولت الأساطيل العثمانية افتتاحها فلم يتيسر لها فلما افتتحوها هذه المرة فرحوا واستبشروا وقويت آمالهم ثم تقدم الجيش البري تحت قيادة السردار المذكور وحاصر قلعة أنايولي وساعدته الدوننما بحراً فتم له الاستيلاء عليها بعد أن مكث على حصارها ثمانية أيام وما زالت الجنود العثمانية بعد ذلك تتقدم غانمة منصورة حتى أخضعت مدن متون وقرون وكردوس (Corinthes) وغيرها في زمن يسير وفتحت العمارة جزيرة جوقه (Serigo) بحيث لم يمض إلا القليل من الزمن حتى استردت الدولة شبه جزيرة مورة مع ملحقاتها من الجزائر وأسست فيها إدارة منتظمة كما كانت قبل تعدي البنادقة عليها هذا.

وقد أمرت الدولة الوزير محمد باشا محافظ قلعة خانية وأزميرلي علي باشا محافظ قلعة قندية من جزيرة كريد بالاستيلاء على قلعة سودة وأسبر لونغه وكورا بوزه وكانت لا تزال باقية تحت يد البنادقة بالجزيرة المذكورة من حين فتح قندية وقد تمكن القائدان المذكوران من تنفيذ ما عهد إليهما تماماً ومن ذلك الوقت صارت كريد بأجمعها تابعة للدولة العثمانية وزال من تلك الأطراف ما كان يأتيه قرصان البنادقة من المفاسد والأضرار بالأرواح والأموال إذ كانت تلك الجهات مركزاً لأعمالهم ومأوى لمفاسدهم ولما عادت الراحة والطمأنينة إلى هاتيك المعالم والمعاهد وانقشعت غياهب المظالم قفلت الدوننما عائدة إلى استانبول وذهب الصدر الأعظم إلى أدرنة لمقابلة السلطان.

وقائع النمسا ومحاصرة كورفو ومحاربة وارداين:

لما عاد الصدر الأعظم شهيد على باشا من مورة اهتم كثيراً في إصلاح الأمور الداخلية بينما كان يجهز أسطولاً وجيشاً لفتح جزيرة كورفو وفي تلك الأثناء كانت انتهت الحروب التي حدثت بسبب وراثة الملك بإسبانيا وعقد الأمبراطور شارل السادس أمبراطور ألمانيا مع ملك فرانسا لويس الرابع عشر معاهدة وإرشتاد 1125 هـ ولهذا أمكن لجمهورية البنادقة الاستغاثة بإمبراطور ألمانية المذكور لأنه المحامي عن معاهدة كارلوفجه ولما عزم على الأخذ بناصرها بعث إلى الدولة العثمانية يطلب منها أن ترسل معتمداً مرخصاً من قبلها إلى حدود المجر للمفاوضة معه في مسألة البنادقة وأن تكف عن القتال وترد للبنادقة ما أخذته منهم وقال إذا لم ترسل الدولة معتمدها وتقبل ما ذكر فهو لا يتأخر عن إشهار الحرب عليها ولما وصل رسول الأمبراطور جمع السلطان الوزراء والعظماء للمشاورة فأقروا على رفض مقترحات الأمبراطور وأمر السلطان ببذل الجهد في الاستعدادات الحربية لاسترداد ما أخذته النمسا قبلاً من الجهات وأخرج الدوننما إلى البحر ولما استعرضها سر من استعدادها.

وفي سنة 1128 هـ أقلع القبودان إبراهيم باشا بأسطول الطونة وكان مؤلفاً 15 من غاليته 25وفرقاطة وعشرة زوارق من النوع المسمى قانجه باش وثمانية أباريق ثم أعلنت الدولة الحرب على النمسا وأمر السلطان سر عسكر مورة قره مصطفى باشا والقبودان باشا بمحاصرة جزيرة كورفو وهي المكان الوحيد الباقي للبنادقة بتلك الأطراف ثم تقدّمت الجيوش العثمانية نحو قلعة وارادين وابتدأت المناوشات الحربية بين الجندين وتجاوزت الجنود العثمانية مدينة قارلوفجه (Carlowitz) ولما وصلت إلى وارادين مع الصدر الأعظم فاجأتها الجنود النمساوية تحت قيادة البرنس أوجين دوسافوا وحدثت بينهما واقعة شديدة قتل فيها الصدر الأعظم علي باشا وبعض القواد وانهزم الجيش العثماني تاركاً ميدان القتال ولهذا صدر الأمر بعد ذلك للعساكر الذين كانوا على حصار كورفو بتركها ولما عادت العساكر المنهزمة إلى بلغراد تقدمت جيوش النمسا وفتحت مدينة طمشوار من يد محافظها الحاج مصطفى باشا واستولت على أكثر إقليم البغدان 1129 هـ وتولي الصدارة خليل باشا محافظ بلغراد ثم وصلت جيوش النمسا وحاصرت بلغراد ولما تقهقر الصدر الجديد استولت الأعداء أيضاً على بلغراد 1717م .










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 16:11   رقم المشاركة : 84
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 وقائع العجم

وقائع العجم:

لما أصيبت الدولة الصفوية بالضعف والانحطاط ومال آخر ملوكها الشاه حسين الصفوي إلى الجور والظلم في حق أهل السنة الخاضعين لحكمه استغاثت القبائل السنية النازلة في جهات القوقاز وشروان بالخلافة الإسلامية وشقت كذلك قبائل الأفغان النازلة بالحدود الشرقية من إيران عصا الطاعة وقام رئيسهم محمود خان ابن الرئيس الأمير أويس عل رأس جيش ودخل مملكة إيران وحاصر أصفهان وفتحها وأسر الشاه حسين1134 هـ .

ثم قام الشاه طهماسب ابن الشاه حسين المذكور ببلاد قزوين واستقل بحكومتها إلا أنه لما لم يكن حائزاً لوسائل الملك تمكنت قبائل الأفغان من تثبيت قدمهم في شرقي إيران وانفصلوا عنها فأفل نجم السلطنة الصفوية وعند ذلك أرادت السلطنة العثمانية الاستفادة مما هو حاصل بتلك البلاد وساقت جيوشها ففتحت بلاد كردستان وكرجستان واستولى الوزير حسن باشا والي بغداد وكويريلي زاده عبد الله باشا والي وان على جهات كرمانشاه رودلان وخوي بالسهولة 1135 هـ .

فقام بطرس الأكبر عند ذلك يطلب لنفسه نصيباً من ميراث الدولة الصفوية واجتاز بجيوشه جبال القوقاز التي كانت حداً لبلاده من جهة الجنوب واحتل طاغستان وقلاع دربند وباكو الغربية ثم عقد اتفاقاً مع الشاه طهماسب المذكور مآله أن عساكر الروس تطرد الأفغانيين من إيران بشرط أن يتنازل له عن بحر الخزر وكيلان ومازندران واستراباد ولهذا كادت الحروب تقع بين بطرس الأكبر والدولة العثمانية ولما علم أمبراطور الروسية أن ليس في إمكانه مقاومة الجيوش العثمانية إذا انتشب الحرب جعل المسيو دوبوا (Dubois) سفير فرانسا في الآستانة واسطة بينه وبين الدولة العثمانية لمنع الخلاف الحاصل فقبل السفير ذلك وبذل همته ومساعيه حتى تمكن من إزالة الخلاف الواقع بين الدولتين وعقدت بينهما معاهدة 1136 هـ .

ومن شروطها أن تمتلك الدولة العثمانية ودولة الروسية كل ما احتلته جيوشهما من بلاد العجم وبذلك زال الخلاف إلا أنه بعد وفاة بطرس 1137 هـ وقيام زوجته كاترينة عقدت مع النمسا اتفاقية فالتزمت الدولة أن تقوي حصونها الشرقية التي خصتها من هذه المقاسمة فأمرت قوادها وجنودها بالتقدم تحت قيادة الوزير الأعظم إبراهيم باشا الذي تمكن في ثلاث سنوات من فتح بلاد همذان وروان وتبريز وأردبيل ولوريستان وقره باغ ومراغه وكنجة وأرمية وغيرها قال مؤرخو العثمانيين أن هذه الفتوحات على كثرتها لم تكن موجبة لارتفاع شأن الدولة العثمانية وفخرها بل أحدثت قلاقل ومنازعات أضرت بها كثيراً لأن الإيرانيين لم يقبلوا أن تقسم بلادهم أصلاً ويرموا بالنذالة والجبن كغيرهم من الأمم فقاموا كرجل واحد لرد ما خسروه ومع كل ذلك لم يمكنهم بما اتصفوا به من الشجاعة والإقدام صد العثمانيين ثم استمرت المنازعات حاصلة بين الشاه أشرف الأفغاني والشاه طهماسب السلساني وعقد الشاه أشرف مع الدولة العثمانية معاهدة 1141 هـ قصد بها تقرير حكمه كان من شروطها تنازله عن جميع البلاد التي امتلكها العثمانيون من مملكة إيران نظير اعترافها له بالحكم على مملكة إيران.

ثم بعد وفاة الشاه أشرف وانفراد الشاه طهماسب بملك إيران طمع في رد بلاده فتقدم بجيش إلى كرمان شاه 1143 هـ 1720 م وفي هذا الوقت نسب اليكجرية إلى الصدر الأعظم الداماد إبراهيم باشا الإهمال والخيانة فثاروا ورفعوا علم العصيان وقام رجل من الأوجاقلية يدعى باترون خليل مع نحو العشرين من أمثاله ونهب الأسواق وقصد السراي وطلب من السلطان عن لسان الأوجاقات قتل الصدر الأعظم داماد إبراهيم باشا وأعوانه مصل صهره رئيس البحر مصطفى باشا القيودان المدعو قيماق أو أتلمجي وصهره الثاني كتخدا محمد باشا وتمكنوا من دخول السراي وفتكوا بهم وألقوا جئتهم في البحر أما شيخ الإسلام عبد الله أفندي فعزل ونفى ولم تقتصر الفتنة على ذلك بل امتدت حتى خلع السلطان أحمد خان الثالث وجلس ابن أخيه السلطان محمود خان الأول مكانه في 15 ربيع أول سنة 1143هـ وبقي السلطان أحمد معزولاً إلى أن انتقل إلى الدار الآخرة 1149 هـ .

وكان من الصالحين محباً للجهاد وإقامة الحق ومن التجديدات المفيدة التي حصلت في أيام السلطان أحمد إنشاء المطبعة لأول مرة بالممالك العثمانية وكان إنشاؤها بمدينة إسكدار وسبب ذلك أن الدولة لما أرسلت جلبي محمد أفندي سفيراً عنها إلى باريس كما تقدّم أخذ معه ولده محمد سعيد أفندي وهو الذي ترقى لمسند الصدارة مدة السلطان عثمان خان الثالث ولما رأى رواج فن الطباعة وكثرة المطبوعات بتلك البلاد مال لنقل المطبعة لبلاده وعند عودته إلى استانبول تكلم مع أحد رجال الدولة المدعو إبراهيم أفندي المجري 1139 هـ ثم نالا إذناً بإيجاد المطبعة بمدينة إسكدار وكان فتحها رسمياً وتعيين بعض العلماء لتصحيح مطبوعاتها سنة 1141 هـ .

وأول ما طبع بها من الكتب ترجمة صحاح الجوهري وغيره من كتب التاريخ والأدب فانتشرت بذلك المعارف واستطلعت الأمة وقائع ماضيها فاتسعت أذهانها ومالت إلى الاقتداء بمدينة أوروبا ونبغ بعد ذلك كثير من رجال السياسة والعلم بما وقفوا عليه من أحوال سياسة الدول المعاصرة لهم ولما استحسن الناس المطبعة لما فيها من التسهيلات والمزايا العظيمة في نشر العلوم والمؤلفات النفيسة صدرت الفتوى من شيخ الإسلام عبد الله أفندي اليكيشهري بجواز إيجادها بناء على سؤال وجه إليه ومن التحسينات أيضاً أن التفت الصدر الأعظم داماد إبراهيم باشا لترقية الصنائع الداخلية فأوجد معامل الأقمشة والكاغد وغيرها وأنشأ المدارس والكتبخانات ونظم فرقة مخصوصة لإطفاء الحريق وبنى كثيراً من المنازل والمنتزهات بجهات البوغاز خصوصاً ونبغ في عصر هذا السلطان عدة من مشاهير الشعراء والكتاب.

السلطان محمود خان الأول ابن السلطان مصطفى خان الثاني 1143-1168هـ:

تبوأ تخت الخلافة بعد خلع عمه وعمره إذ ذاك 35 سنة وكانت الأحوال مضطربة بثورة اليكجرية والعجم تهدّد حدود الدولة الشرقية ولما جلس وجه مسند الصدارة العظمى إلى طوال عثمان باشا ورياسة البحرية إلى جاهين محمد باشا فأخذا الوزير الجديد يهتم في إطفاء لهيب الثورة فقتل ونفى نحو خمسة عشر ألف نفس من الثوار وبذلك عادة السكينة إلى ربوعها.

حروب العجم:

بعد أن سكنت الاضطرابات وركدت زوابع الفتن الداخلية واستقر الأمن التفتت الدولة إلى الاهتمام بحروب إيران وأخذت تجهز الجيوش ثم تقدم سر عسكر الشرق والي بغداد أحمد باشا لمنازلة العجم ولما تقدّم طهماسب شاه لاسترداده همذان قابلته الجيوش العثمانية بصحراء قوريجان وحصلت بينهما مقتلة عظيمة انتصر فيها العثمانيون وفتح علي باشا ابن الحكيم أرمية وتبريز 1144 هـ .

ولما يئس طهماسب من نوال ما يبتغيه طلب الصلح فعقد معه السر عسكر أحمد باشا معاهدة من شروطها رد ولايتي تبريز وهمذان إلى الشاه وبقاء روان وشروان للدولة ولما علم السلطان بما فعله السر عسكر المذكور غضب جدّاً عليه لإقدامه على ذلك من نفسه ولأنه كان في إمكانه أن لا يترك للعجم شيئاً ما دامت العساكر العثمانية هي الغالبة فعزله هو وباقي الوزراء وعين للصدارة حكيم أوغلي علي باشا وللبحرية عبدي باشا ولكنه توفي بعد مدّة قصيرة وأعيد جانم خواجه محمد باشا للقبودانية العامة ثم إن نادر علي خان أحد أمراء لعجم وجد وسيلة لإبراز ما في ضميره وطعن في حق من كان السبب في عقد هذه المعاهدة وأجلس الشاه عباس الثالث مكان الشاه طهماسب واستقل هو بلقب وكيل الشاه ثم جمع الجموع وهاجم العراق وحاصر بغداد ولما بلغ الدولة خبر ذلك أرسلت جيشاً عظيماً تحت قيادة الصدر الأسبق طويال عثمان باشا فردهم عن بغداد مقهورين ورجع نادر علي خان مجروحاً إلى همذان1146 هـ .

إلا أنه عاد في هذه السنة فجمع الجموع وتجاوز الحدود العثمانية وانقض على جيوشها وكان السر عسكر طو ال عثمان باشا مريضاً في خيمته فلم يقدر على تولي القيادة العامة ولم يحسنها من أنابه عنه فتقهقرت الجيوش العثمانية وقتل السر عكسر المذكور وتشتت الجيش1146 هـ ثم ساقت الدولة في السنة التالية جيشاً آخر تحت قيادة كويريلي زاده عبد الله باشا فانكسر أيضاً وقتل بجوار روانه في واقعاة أربه جايي1148هـ وبذلك انتقلت جميع البلاد التي كانت فتحتها الدولة من إيران إليها ثانية وجلس نادر علي شاه على تخت العجم وثبتت قواعد سلطنته وطلبت الدولة الصلح وبعد المداولة تمّ الاتفاق بينهما في تفليس1149 هـ 1736 م على شرط إرجاع الحدود القديمة إلى ما كانت عليه في مدّة السلطان مراد الرابع.

حرب الروسيا والنمسا ومعاهدة بلغراد

لما انكشفت نيات الروسيا بخصوص ويلونيا والعجم للدولة العثمانية واتفق موت أوغوست الثاني ملك يولونيا وصار ملكها السابق إستانسلاس مرتبطاً مع لويس الخامس عشر لزواجه بابنته سعت حكومة فرانسا لدى أمراء يولونيا حتى انتخبوه ملكاً عليهم كما كان 1146 هـ .

إلا أن النمسا والروسيا انتخبتا أوغست الثالث منتخب ساقسونيا ولم يراعيا أميال الأهالي في ذلك واستعملت أمبراطورة الروسيا أنا أيوانونا الكبرياء والجبروت في هذه المسألة فقامت فرانسا وأشهرت الحرب بخصوص يولونيا على الروسيا والنمسا وأوعزت إلى سفيرها بالآستانة الماركيزدي ويلنوف (Villeneuve) بأن يسعى جهده لحمل الدولة العثمانية على الاشتراك مع فرنسا في هذا الحرب وزودّته بالتعليمات التي من مقتضاها أن امتداد نفوذ الروسيا مضر بمستقبل الدولة العثمانية وكان الصدر حكيم أوغلي علي باشا من الواقفين على سر سياسة الروسيا وشديد ميلها للفتح فأظهر عظيم المخالفة لأعمال الروسيا حتى التزم الباب العالي إعلان الحرب على الروسيا ولما استشعرت النمسا بمساعي فرنسا لدى الدولة العثمانية خافت من ضياع النتيجة في مسألة يولونيا وأسرعت إلى مصالحة فرنسا وعقدت معها معاهدة في ويانة1148 هـ 1735 م .

فكفت يدها عنها بذلك ثم اشتركت مع الروسيا لمحاربة الدولة العثمانية وحسنت لها إظهار العداء للعثمانيين فقامت الروسيا في أواخر حرب إيران 1148 هـ ومنعت قيلان كراي خان القريم وجيوشه من المرور من مملكتي داغستان وقبارطاي عند ذهابه لإمداد جهات شروان مدعية إن المملكتين المذكورتين هما من أملاكها ولا يحق لدولة أخرى العبور منهما بغير رضاها ولما احتجت الدولة على ذلك أخذ سفير الروسيا في استانبول المسيو نبلويه ف يقيم الأدلة على صحة دعوى دولته فلم تقبل منه الدولة قولاً ولما تم الصلح مع إيران تعين السلحدار محمد باشا للصدارة وفي خلال ذلك ساقت الروسيا جيشاً عظيماً تحت قيادة الفلدمارشال مونيخ وحاصرت فرقة منه قلعة أزاق ودخلت فرقة أخرى من برزخ أورقيو وهددت بلاد القريم وهاجمت فرقة ثالثة قلعة قيلبرون (Kilburn).

وعند ذلك اضطرت الدولة العثمانية لإعلان الحرب على الروسيا وسار الصدر الأعظم الجديد بالجيوش لقيادة أوردي بابا طاغ ولما لم تكن دولة النمسا على قدم الاستعداد للحرب قصد شارل السادس أمبراطورها تأخير الدولة عما شرعت فيه من التجهيزات بإطالة زمن المخابرات حتى يتمكن من التجهيزات وأوعز إلى المسيو طلمان سفيره في استانبول بالوساطة لإزالة الشقاق حقناً للدماء فأخذ يتخابر مع الصدر الأعظم في بابا طاغ ويماطله مدّة شهر من الزمان وفي أثنائها ساقت النمسا جيوشها على قلعة نيش وشهركوي ودخلت عساكرها بلاد بوسنة ثم تقدّمت الجيوش العثمانية بعد ذلك وحاربت النمساويين في ولاية بوسنة وشتت شملهم في الوقائع التي حصلت في سنة 1149هـ و 1150هـ و 1151هـ واسترد كويريلي حافظ أحمد باشا جهات نيش وشهروي ثم عاد مظفراً إلى بلغراد وهزم سر عسكر ويدين عوض محمد باشا بمساعدة القائدين السابق ذكرهما جيشاً ثالثاً للنمساويين كان يتقدّم على ويدين وأحرق العثمانيون لهم سبع مراكب حربية في البحر تجاه قلعة اليزابيت ثم عبرت الجيوش العثمانية نهر الطونة واستولوا على أراضي يانجوه وحوالي مهاديه (Mohaia) وأقليم بانات أو طمشوار واغتنمت كافة مدافع ومهمات النمساويين وفتح الصدر الأعظم يكن محمد باشا أورسوه (Orsova) وفتح الإسلام وقلعة أطه وسمندرة على التووالى 1150هـ .

وعند ذلك التزمت النمسا أن تطلب الصلح 1158هـ 1738 م وتوسط سفراء فرانسا وهولاندة والسويد في ذلك وفي تلك الأثناء انتصرت اليوش العثمانية أيضاً في واقعة كروسكا (Krozka) على قائد جيوش النمساويين القونت والليس (Wallis) 1152هـ وحاصرت استوار ولو احتاط الصدر الأعظم للأمر قليلًا لكان أسر جيش الأعداء بتمامه وفي السنة المذكورة هزمت الجيوش العثمانية أيضاً جيوش الروسيا بقرب شاطئ نهر بروت وجهة أورقيو و ودخلت الدوننما العثمانية إلى البحر الأسود تحتى قيادة القيودان سليمان باشا الذي خلف لاز على باشا المتوفى سنة 1150هـ .

وانتصرت على الأسطول الروسي في بحر أزاق وكانت هذه الانتصارات من أعظم الأسبابا للوصول إلى الصلح الذي انتهى بمعاهدة بلغراد في شهر جمادى الآخرة سنة 1152هـ 1739 م وأن تسلم أوستوريا بلغراد وكذا جمع البلاد الواقعة على الضفة اليمنى من نهري صاوه والطونة وهي التي كانت استولت عليها بمعاهد بساروقجه وأن ترد إلى الدول العثمانية أراضي أوارسوه والبلاد المسماة بالأفلاق النمساوية وأن تترك الدولة العثمانية للنمسا المواقع التي كانت استولت عليها من جهات بانجوه وطمشوار وإن يكون الصلح لمدة 27 سنة أما الروسيا فقد تعهدت أمبراطورتها أنا أيوانونا بهدم قلعة أزاق وأن لا يكون لها فيما بعد مراكب حربية ولا تجارية بالبحر الأسود وبحر أزاق معاً وأن تعيد للدولة كل مافتحته من البلاد دوان تنقل تجارتها على سفن أجنبية وبعد هذا الصلح أبرمت الدولة العثمانية معاهدة هجومية ودفاعية مع السويد ضد الروسيا بتوسط سفير فرانسا المسيو ويلنوف (Villeneuve) وكذا تجددت معاهدة تجارية مع حكومة السيسليتين وجددت الدولة مع فرانسا سنة 1153هـ 1741 م المعاهدات التجارية ومنحتها بعض تسهيلات جديدة تجارية وفي سنة1154 هـ 1741 م .

لما توفى شارل السادس أمبراطور النمسا وألمانيا خلفته ابتنه مارية تريزة وقامت فرانسا واتحدت مع بعض دول أوروبا على محاربة هذه الملكة وتقسيم أملاكها للعداوة الكائنة بين ملوك فرانسا والعائلة الحاكمة بالنمسا وسعي فرانسا دائماً في إضعاف النمسا وهدم أركانها ولذلك قامت بين فرانسا والنمسا المحاربة المعروفة بحرب الوراثة في النمسا واستمرت زمناً وانتهت بفوز النمسا.

ولما وقعت الحروب بين المملكتين أخذت فرانسا ومحالفوها في تحريض الدولة العثمانية على محاربة النمسا ووعدتها باحتلال بلاد المجر وغيرها حتى ترجع إلى الحالة التي كانت عليها في زمن السلطان سليمان القانوني ويمكنها بعد ذلك أن تعرقل مساعي الروسيا المجتهدة في مد نفوذها المضر بالدولة ولو انصاعت الدولة لهذه الأقوال لعادت عليها بالفائدة إلا أن السلطان محمود لم يقبل تغيير مسلكه السلمي بل استمر متمسكاً بمعاهدة الصلح مظهر النمسا ميله وودّه.










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 16:12   رقم المشاركة : 85
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 أحوال البحرية في العهد المذكور

أحوال البحرية في العهد المذكور :

لما جلس السلطان محمود خان الأول على سرير السلطنة أصدر أمره إلى دار الصناعة بتقوية الدوننما العثمانية وإنشاء سفن جديدة فشيدت ثلاث سفن من نوع الأوج انبارلي وأمر أيضاً بأن يوضع للسفن أسماء تعرف بها السهولة تمييزها عن بعضها وكانت السفن العثمانية لغاية زمن هذا السلطان لا تسمى بأسماء مخصوصة بل تدعى بأسماء قبوداناتها فسمى الغليون الذي تم بناؤه سنة 1162هـ باسم بر بحري والذي تم بناؤه سنة 1161هـ بناصر بحري واستمرت دار الصناعة بعد ذلك تسمى سفنها الحربية بأسماء مخصوصة.

وفي مدة حرب العجم الأخيرة تولى رياسة البحرية أربعة قبودانات على التعاقب الأول شهسوارزاده مصطفى باشا ثم خلفه راتب أحمد باشا ثم خلفه صاري مصطفى باشا ثانية ثم خلفه صوغان يمز محمود باشا.

وفي سنة 1162هـ ساقت الدولة عمارتها إلى البحر الأبيض المتوسط تحت قيادة صوغان يمز محمود باشا المذكور ولما توفي تعين بدله طررق محمد باشا فقاد الدوننما وحارب سفن القرصان وخلص منهم كثيراً من أسرى الإسلام عندما كانوا يحاولون الالتجاء إلى بلاد إيطاليا ولما عاد بالدوننما إلى استانبول عزل وخلفه ملك محمد باشا فسافر بالدوننما إلى البحر الأبيض مرتين.

وفي سنة 1164هـ قامت الأكراد على بعضهم ولكن بالحكمة التي استعملتها رجال الدولة سكنت الفتنة وعادت الطمأنينة بينهم ثم بعد ذلك حصل اختلاف بين أشراف مكة وهو أنه لما ولي محمدبن عبدالله بن سعيد الإمارة بعد أبيه المتوفى اختلف مع عمه مسعود 1145هـ وقامت بينهما حروب يطول شرحها وبعد أن تم الصلح بينهما 1151هـ بتوسط الأشراف عاد الخلاف إلى ما كان وعرضت الشكوى على الدولة فأصلحت بينهما.

واعلم أن معاهدة اكس لاشابيل فتحت لأوروبا عصر صلاح ورفاهية وانتشرت التجارة واتسع نطاقها وساد السلام في أوروبا حتى صار من الإمكان الظن بدوام هذا الصلح إلى الأبد وقد أثرت هذه الحالة السلمية بالممالك العثمانية أيضاً فاستفادت منها حيث اهتم السلطان ووزراؤه في إيجاد ما به الراحة العمومية وأسباب العمران وقد بقيت الحالة على ذلك مدة نحو تسع .

وفاته:

وبينما كان السلطان عائداً من صلاة الجمعة على جواده مات فجأة عند دخوله في باب السراي 1168هـ. .

وكان يتصف بالثبات في الأعمال والأقوال وسلطنته التي استمرت نحو 1168هـ سنة معدودة في تاريخ العثمانيين من أجل الأيام وأبهى العصور ومن كثرة تردد سفرائه على مدينة باريس ومن مكالماتهم ومحادثاتهم الكثيرة مع السفراء المقيمين بالآستانة اكتسب رجال الدولة معلومات سياسية مهمة حتى إن بعضهم لما قال مسند الصدارة العظمى كان على علم تام ومعرفة جيدة بالأحوال السياسية العمومية ولذلك عد مؤرخو العثمانيين عصره أفخر عصر ترقت فيه المعارف السياسية لدى العثمانيين.

ولما كانت أفكار هذا السلطان تميل لنشر المعارف والمدنية أنشأ بالآستانة فقط أربع كتبخانات وجعل بكل واحدة منها دروساً عمومية وكان مرعى الخاطر معظماً لدى معاصريه من الملوك وفي عصره اشتهر الحاج بشير أغا أغا دار السعادة وزاد نفوذه ولما كان من العقلاء وأصحاب الرأي والتدبير اتخذه السلطان مستشاراً خاصاً وخلفه في السلطنة أخوه السلطان عثمان خان.

السلطان عثمان خان الثالث ابن السلطان مصطفى الثاني : 1168-1171هـ

جلس هذا السلطان على سرير السلطنة وعمره 58 سنة وقلد السيف بجامع أبي أيوب الأنصاري كالعادة وأتته سفراء أوروبا للتهنئة وحكم ثلاث سنوات فقط لم يحدث بها حروب ولا منازعات خارجية لالتزامه جانب السلم وتفضيله السكينة واهتم في إصلاح الداخلية وأبعد كثيراً من حاشية السراي الذين اشتهروا بخلق الدسائس وتعكير صفاء الأمن منعاً للقلاقل وأصدر أمراً بمنع كل ما يخالف الشرع الشريف حتى إنه منع الحريمات من التجول في الطرق بهيئة تبرج.

وفي السنة الثانية من سلطنته قامت فتنة بين اللاتين والروم في كنيسة بيت لحم تسبب عنها بعض مشاكل خارجية فاهتم بتسويتها ونفى متره بول الكنيسة المذكورة وفي السنة الأولى من حكمه عزل ثلاثة صدور وهم كوسه ماهر مصطفى باشا وحكيم أوغلي علي باشا ونايلي عبد الله باشا ثم بيقلي علي باشا.

وفي سنة 1169هـ أيضاً غير الوزارة فوجهت الصدارة إلى سعيد محمد باشا وهو الذي أسس المطبعة عند عودته من باريس كما سبق، ثم قتل لأسباب خفية وخلفه كوسه ماهر مصطفى باشا ثانية وتعين على البحرية أحد أمرائها القبوذان قره باغلي سليمان باشا ثم التفت السلطان إلى الحرب البحري الحاصل بين سفن وجاقات الغرب وبين سفائن حكومة نابولي فحسمها بالطرق السلمية ولما ثارت بعض قبائل الأكراد وتحصن بعضهم في قلاع موش و بتليس و ملاس و كرد و مونشان وجه عليهم والي أرضروم فسكن الاضطرابات ولما شقت اليكجرية في بلغراد عصا الطاعة وعاثوا في الأرض فساداً حتى التزم كو ريلي زاده أحمد باشا أن يترك المدينة ساق السلطان عليهم الجنود حتى ردهم إلى الطاعة.

وقبض في سنة 1170هـ على قره عثمان أوغلى الذي أخل بالراحة في سنجقية أيدين وقتله وأخذت الحكومة أمواله وبعد ذلك عزل الصدر الأعظم وخلفه محمد راغب باشا صاحب الآراء السديدة والسياسة الشهيرة وهذا الوزير هو الذي باشر تحرير معاهدة بلغراد مذ كان بوظيفة مكتوبجي فزاد بذلك اطلاعاً على سياسة أوروبا وكان قبل ذلك من مندوبي الدولة في عقد المتاركة مع العجم.

وتولى مصر وبغداد ومع ما قام به هذا الوزير من الخدم الجليلة سعى في حقه أغا دار السعادة أبو وقوف أحمد آغا حتى عزل وقد نجاه الله من القتل بوفاة السلطان الذي توفي فجأة يوم 16 صفر سنة 1171هـ وكان يميل إلى السلم وتم في أيامه بناء المسجد الجامع العظيم الذي ابتدأ في تشييده أخوه السلطان محمود خان وسماه نور عثمانية وفي أول جلوسه ابتدأت في أوروبا الحرب المسماة بحرب السبع سنوات الشهيرة.

السلطان مصطفى خان الثالث ابن السلطان أحمد الثالث:1171-1187

جلس هذا السلطان على تخت الخلافة وعمره اثنتان وأربعون وكان له اطلاع على الخلل الموجود بإدارة الدولة فأبقى الوزير الشهير فوجه راغب في الصدارة للياقته وسعة اطلاعه وقد اجتهد هذا الصدر في تسكين ثورة عرب الشام الذين أخلوا بالأمن لتعدياتهم على قوافل الحجاج وكان هذا السلطان يميل إلى محاربة الروسيا لعلمه ما تنويه للممالك العثمانية من الإضرار.

ولكن لما كان الصدر محمد راغب باشا يعلم جيداً الفرق الموجود بين جيوش أوروبا التي سارت شوطاً بعيداً في التعليمات والانتظامات وبين جيوش اليكجرية الذي جعلوا عدم الإطاعة والتمرد قانوناً لهم أخذ ينصح السلطان في تأخير تنفيذ نواياه حتى يتمم التنسيقات والتنظيمات المراد إدخالها بالجيش العثماني وتمكن هذا الصدر بمهارته من عقد اتفاق مع حكومة بروسيا الجديدة لتساعد الدولة عند الحاجة على النمسا والروسيا.

وقد كان هذا الوزير يهتم أيضاً بتوسيع نطاق التجارة البحرية والبرية فلهذا كتب تقريراً يرغب به فتح خليج لإيصال نهر الدجلة ببوغاز الآستانة وأن تستعمل الأنهار الطبيعية مجرى له ليسهل نقل الغلال من الولايات إلى دار الخلافة ويساعد على نشر التجارة إلا أن المنية عاجلته قبل الشروع في مقصوده 1176هـ .

وقد كان وحيد زمانه في الشعر والأدب والفلسفة ومدحه المؤرخون كثيراً وعجبوا بغيرته ومعارفه ولقبه المؤرخ واصف أفندي بصدر الوزراء وسلطان الشعراء والإنسان الكامل وهو صاحب الكتاب الشهير المسمى بسفينة الراغب وخلفه في الصدارة توقيعي حامد حمزة باشا ثم خلفه كوسه مصطفى باهر باشا 1177هـ ثم بعد سنة تولاها محسن زاده محمد باشا 1178هـ .










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 16:13   رقم المشاركة : 86
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 حرب روسيا

حرب روسيا :

اعلم أنه في خلال تلك المدة قامت كترينه زوجة بطرس الثالث حفيد بطرس الأكبر وخلعت زوجها من ملك الروسيا وجلست هي مكانه على كرسي المملكة عقب قتله ثم لما توفي أوغست الثاني ملك بولونيا أخذت تسعى في تعديل القانون الأساسي لهذه المملكة لتنصب عليها عشيقها ستانسلاس بونياتوسكي فقام حينئذ حزب الاستقلال الملي في بولونيا وطلب المساعدة من إنكلترا وفرانسا ولما قطع الأمل من مساعدتهما لإيقاف ما كانت كترينه الثانية تنويه لهم من المضار وعينت بونياتوسكي بالقوة استمد الحزب المذكور الحماية من الدولة العثمانية 1187هـ لحفظ بلاده من تعديات الروسيا.

وكانت الدولة الفرنساوية تحرض الدولة العثمانية وتحثها على إعلان الحرب على الروسيا لأن مداخلة كترينه في أحوال بولونيا مضر بسياستها وكان الصدر محسن زاده محمد باشا يمانع ذلك كثيراً لأنه يرى أن من المفيد تأجيل مخاصمة الروسيا حتى يتمم تحصين المعاقل والحصون والقلاع التي بحدود الدولة وشحنها بالمهمات والذخائر الكافية فعارضه في ذلك بقية الوزراء ولم يستحسنوا رأيه ولهذا عزل من منصبه وتولى مكانه سلحدار ماهر حمزة باشا 1182هـ .

وكان من الذين يميلون لإعلان الحرب على الروسيا وأمر فقبضوا على سفير الروسيا أو برشقوف وسجنوه في يدي قلة كالعادة المتبعة وأرسلت الدولة أمراً لكريم كراي خان القريم بفتح باب الخصام فاستند على بعض أعمال أتتها الروسيا مخالفة للمعاهدات وذلك أن بعض فرق القوزاق دخلت مدينة بلطه تتعقب بعض البولونيين واستولت على المدينة وذبحت السكان فساغ حينئذ لأمير القريم ردهم بالقوة فوطىء أرض الروسيا وعاد غانمماً منصوراً ومعه نحو 25 ألف أسير.

وبينما كان يستعد لإغارة أخرى عاجلته منيته وقام من منصبه دولتكراي خان وأغار على بلاد الروسيا فوجهت عليه قوة وبذلك فتح باب الحرب ثم تقدمت الجيوش العثمانية تحت قيادة الصدر الأعظم وقد كانت الأحوال في الدولة سيئة جدا إذ ذاك مالية فارغة وجيش خائر القوى من طول المحاربات وأساطيل ضعيفة وليس بين رجال الدولة من الأكفاء ما يشبهون كو رلي أو غيره من الصدور المشاهير.

والحاصل أن الدولة لم تقدم على حرب قبل ذلك وحالتها الضعف والاختلال وزيادة عن ذلك فإن كثيراً من جهات آسيا لم يكن يعترف للسلطان بالتابعية إلا بالاسم فقط وكانت جهات لبنان وسوريا في حالة تشبه الاستقلال التام ولم تكن الدولة تجبي من تلك الجهات خراجاً إلا النزر اليسير وإن جبته فبشق الأنفس وسبب ذلك عدم تمكنها من الالتفات إلى إدخال هذه البلاد ضمن دائرة النفوذ الفعلي لما هي فيه من الاشتباك في الحروب ولخيانة العمال ومد يدهم لأخذ الرشوة من الجهة الأخرى.

واقعة جشمة البحرية وهزيمة قرتال :

اعلم أن الروسيا كانت أرسلت قبل أن تجرّد عليها الدولة كثيراً من أتباعها التحريك اليونان والصرب والجبل الأسود وغيره من الجهات التي يكثر بها العنصر النصراني الأرثوذوكسي خصوصاً للقيام بالثورة لتوقع الدولة في ارتباك داخلي وتصيبها بجرح دام باطني تضطر بسببه أن تضمده بإحدى يديها وتدافع باليد الأخرى ومن الغريب أن الروسيا استعملت هذه الوسيلة في كل محارباتها مع الدولة وصادفت فيها نجاحاً وكان عمالها يهبون السكان الهبات الوافرة ويمنونهم بكل ما يرتاحون إليه وقد نجحت في ذلك أولاً.

إلا أن الدولة أرسلت الجنود فأوقعوا بالثوار في كل الجهات تقريباً ومع ذلك فإن الدولة اضطرت لأن تبقي بالجهات المذكورة حامية كثيرة لردعها متى تمرّدت ولما لم يكن لدولة الروسيا وقتئذ بحرية بالبحر الأسود يمكنها بها منازلة الأساطيل العثمانية بالبحر المذكور أرسلت من بحر بلطيق عمارة قوية وتداركت بعض سفائن حربية من إنكلترة والفلمنك والبنادقة واستأجرت ضباطاً وأنفار لخدمتها ثم دخلت هذه العمارة من مضيق جبل طارق إلى البحر الأبيض المتوسط تحت قيادة الأميرال ألكسندر أورلوف ومرت هذه الأباطيل أولاً بسواحل مورة وأمدت الثوار بأسلحة ونقود وشجعت رئيسي الثوار هناك وهما باباس أوغلي وبناخي ولما علمت الدولة بذلك عينت محسن زاده محمد باشا سردارا على جيش مورة وأمدّته بجنود جديدة فتمكن هذا القائد من تسكين الاضطراب والقبض على الأشقياء ولكن بعد خسائر كثيرة.

وفي 20 صفر سنة 1184هـ أقلعت الدوننما أقلعت الدوننما العثمانية من خليج دار الخلافة تحت قيادة القبودان حسام الدين باشا إلى البحر الأبيض المتوسط وكانت مركبة من 39 سفينة مختلفة النوع والقدر ولما وصلت إلى ساقر رست في مكان مناسب قريب من ساحل الأناضول ثم تلاقت مع الدوننما الروسية التي تحت قيادة الأميرال أورلوف المذكور وكانت تؤلف من عشرة غلابين وعشر فرقاطات وبعض سفن صغيرة ولما وقعت الحرب بينهما كانت الدوننما العثمانية هي الغالبة في أول الأمر لما بذله القبوذان الثاني حسين باشا الجزائري من المهارة وأساليب القتال البحري المتنوعة التي أبقت له في تاريخ البحرية العثمانية ذكراً حميداً وكان من باب الاحتياط أرسل قبل الاشتباك في الحرب فرقة لإنشاء الاستحكامات في البر ثم حمل بغليونه على غليون الأميرال وضايقه ولما كاد يستولي عليه ألقى الأميرال الروسي المذكور النار بمخزن البارود وبعد أن تركه وانتقل إلى غليون آخر ولما تفرقع الغليون الروسي أصيب حسين باشا بعدّة جراحات وقتل كثير ممن كان معه.

وأخرج القبودان إلى البر لتضميد جروحه ولما احترقت سفينة الأميرال الروسي أمر جعفر بك الربان القواد بادخال سفن الدوننما إلى مينا جشمه ولما كان التجاء الدوننما العثمانية إلى تلك المينا ليس من الصواب في شيء لأنه يصيرها غير قادرة على أي عمل لصغر المينا أتى حسين باشا رغماً عن آلام جراحه وتكلم مع القبودان العام حسام الدين باشا وأنذره بأن بقاء السفن داخل هذا الثغر ينجم عنه ضياعها بتمامها فلم يستصوب القبودان نصيحته ولم يصغ لرأيه الصائب وأحجم عن الخروج إلى عرض البحر فنجم من ذلك ضياع الدوننما كما ستعلمه وذلك أنه كان بين الضباط الذين استأجرتهم الروسيا ثلاثة من الإنكليز كان أحدهم المسمى الفنستون (Elphinstone) أركان حرب للأميرال الروسي.

ولما رأى الدوننما العثمانية دخلت مينا جشمه أشار على الأميرال بمحاصرة مضيق المينا لمنعها من الخروج ثم رتب السفن التي وكل إليها تنفيذ هذا الأمر حسبما أشار به الضابط المذكور وبعد أن أخذت السفن مواقعها ووقفت على شكل خط حرب أخذت في إطلاق المدافع وتولى الضابط الإنكليزي الثاني المدعو غراغ حركة طوبجية عموم الدوننما الروسية واشتغل الثالث المسمى داغدل بتوجيه الحراقات على الدوننما العثمانية التي وقعت بين نيران المدافع ونيران الحراقات على حين لم تكن سفنها قادرة على المدافعة لعدم إمكانها إتيان أي حركة حربية لضيق المينا كما سبق فاحترقت جميعها خلا فرقاطتين بكل واحدة أربعون مدفعاً وخمسة مراكب صغيرة كانت تمكنت من الخروج من بين تلك النيران.

ومع ذلك فإن الدوننما الروسية قبضت عليها فيما بعد وقال المؤرخ الجرماني شيلوز عن هذه الواقعة إن هذا الانتصار الذي ناله الروسيون لم يكن إلا من حسن تدبير الضباط الثلاثة المذكورين ولما وصل خبر هذه النصرة إلى الإمبراطورة كترينه الثالثة فرحت جداً ولقبت الأميرال بلقب جشمسكي تذكار الانتصار هذا وبعد الانتصار ألح الفنستون الإنكليزي على الأميرال الروسي بالمرور بالدوننما من جناق قلعة قوة واقتدارا حتى يدخل القسطنطينية فلم يقدم الأميرال على هذا الأمر الخطر أولاً ثم ارتد خائباً فيما بعد كما سيأتي لأن الدولة العثمانية كانت استقدمت من الرومللي مولدواني علي باشا وأرسلته صحبة الجنرال البارون دي توط الفرنساوي المذكور لتقوية حصون وقلاع البوغاز وتشييد بعض قلاع جديدة أخرى هناك.

ولما وصل الباشا المذكور ورأى أن مأموريته تحتاج لوقت طويل أمر فدهنوا خارج القلاع بالجير لتظهر للرائي كأنه صار إصلاحها وبإرشاد الجنرال توط شيدوا قلعتين بساحل الأناضول ومثلهما بساحل الرومللي لمنع سفن العدو من العبور فشيدوا وسلحوا بالمدافع حتى أنه لما أراد الأميرال أورلوف فيما بعد العبور من بوغاز الدردنيل حصل لسفنه من ضرب أول قلعة من القلاع المذكورة ضرر جسيم فاضطرّ للعدول عن مقصوده وذهب إلى جزيرة ليمنى وحاصر قلعتها واستولى عليها.

هذا أما حسين باشا الجزائري فإنه لما التأمت جراحه وعاد إلى الآستانة طلب من الصدر الأعظم التصريح له باسترداد جزيرة ليمنى وقال له إني لاأرغب أخذ مراكب حربية لذلك بل فقط أرجو التصريح لي بجمع بعض الأهالي ولما صرح له الصدر بذلك جمع من أهالي الآستانة نحو أربعة آلاف نفر وسلحهم بالبنادق ثم سافر بهم سريعاً.

ولما بلغ سفير فرانسا هذا الخبر قابل الصدر وقال له أن ما صنعه حسين باشا الاسترداد قلعة ليمنى لا يجدي نفعاً كلية وأرى أن الأوفق عدم إلقاء العساكر في الهلاك بلا ثمرة فقال له الوزير إنني على يقين من أن ما فعله حسين باشا غير مطابق للفنون الحربية غير أنه إن نجح فقد حصل المقصود وإلا فتكون الحكومة قد ارتاحت من أربعة آلاف نفس من الذين يقلقون الراحة.

أما حسين باشا فإنه توجه تواً إلى الجزيرة المذكورة وأخرج جيشه الصغير إلى البر بزوارق وصنادل استأجرها من الأهالي هناك بدون أن يشعر به الأعداء ثم هجم على الروس بغتة في صباح يوم 10 أكتوبر من السنة المذكورة فأوقع بهم ولما لم يقدروا على المقاومة ولوا الإدبار ونزلوا في السفن فاستردا الجزيرة بذلك وقد خاب الروس أيضاً وارتدوا بالخسارة عندما أرادوا الهجوم على طرابزون وكرجستان.

ولما وصلت هذه الأخبار إلى استانبول سكن جاش الأهالي نوعاً وارتفع الرعب الذي حل بقلوبهم مما فعله الروس وذاع صيت حسين باشا الجزائري واشتهر اسمه ولهج العالم بامتداحه لحسن مهارته ولذلك تعين قبوداناً عاماً للدوننما ومحافظاً لمضيق جنق قلعة ولا يفوت القراء أنه لو كان قومندان الدوننما التي ضاعت في جشمه اقتدى بأقواله وعمل بآرائه لما كانت حوصرت وضاعت بأسرها كما قدمنا.

ولما استلم حسين باشا باشا زمام البحرية أخذ في إصلاح السفن الموجودة بدار الصناعة ثم ضم إليها بعض الغلايين ونحو عشرين سفينة للسحب وكون من مجموع ذلك عمارة ثم أذن له السلطان بالذهاب بها إلى جزيرة ليمنى وهناك التقى بعمارة الأميرال أورلوف ووقع الحرب بينهما مدة ولما شاهد الأميرال الروسي أنه لايمكنه الثبات أمامه وتيقن أنه لو استمر على المحاربة ربما ضاعت منه عمارته ولى الأدبار منهزماً.

ضياع بلاد القديم : 1185هـ

اعلم أنه في خلال استيلاء الروس على طورله المعروفة أيضاً بمنحدر دينستر وعلى بغدان والإفلاق ساقت الروسيا جيشاً تحت قيادة البرنس دولغوروكي (Dolgorouki) على القريم إلا أن سر عسكر القريم السلحدار إبراهيم باشا تمكن من صده وقهقرته عند برزخ أورقبو 1184هـ ولما لم يمكن للروس دخول القريم أخذت حكومتهم تبث بين الأهالي الفتن وتحرضهم على الثورة بواسطة عمال السوء كقولهم للأهالي إنكم أنتم التتار سلالة جنكيزخان الشهير بعد أن كنتم أسياد البلاد وحكامها تتمتعون بحكومة مستقلة صرتم عبيد الآل عثمان يستبدون عليكم ويتصرفون فيكم كيف شاؤوا ومتى شاؤوا فإذا اتفقتم مع الروس ساعدوكم على نوالي الاستقلال وأعادوا لكم ما فقدتموه من المجد الأثيل فانصاع قوم لهذه التحريضات الفاسدة التي أخذت تنتشر بين الأهالي فأحدثت أثراً سيئاً وحلت من العزائم قوة وهدت من العصبية ركناً حتى إن الروسيا لما وجهت على القريم تجريدة أخرى وتصدى لها السر عسكر المذكور عند أورقبو لم يتمكن من صدها مع ما بذله من المساعي والثبات ولم يصدق سليم كراي في الدفاع كالسابق فاستولى الروس على البلاد المذكورة .1185هـ.

وفي خلال ذلك توسطت أوستريا والبروسيا في الصلح ولما تهادن الطرفان ابتدأت المذاكرة أولاً في فوكشان من بلاد الإفلاق (Focksany) وتعين من قبل الدولة رئيس الكتاب عبد الرزاق أفندي ومن قبل الروسيا أوبرشقوف واجتمعا في بكرش أي بخارست وعقدا مجلساً لتقرير أمر الصلح 1186هـ-1773م .

وكان أساس المذاكرة التي قدمتها الروسيا استقلال القريم وإن تستولي هي على قلعتي كرتش ويكي قلعة الواقعتين في مدخل بحر أزاق وأن تكون الملاحة حرة لسفن الروسيا التجارية في جميع فرض الدولة والبحر الأسود وأن يكون لها حق حماية المسيحيين الأورثودكس في بلاد الدولة فرفضت الدولة هذه الشروط لإجحافها بحقوقها.

واستأنف الطرفان القتال وتقدم الجنرال رومانزوف بجنوده وقاد الصدر الأعظم محسن زاده محمد باشا الذي ولى الصدارة سنة 1185هـ جيوش الطونة 1186هـ وانتصر على الروس بجوار بزارجق ووارنة وصدهم أيضاً على باشا الداغستاني أمام روسجق وهزمهم سر عسكر سلسترة الغازي عثمان باشا هزيم منكرة قتل فيها منهم تسعة آلاف جندي واغتنم العثمانيون جميع مدافعهم وذخائرهم وأسروا الجنرال رينين وجرح الجنرال واسيمان جرحاً بليغاً مات به وعند تقهقر الروس قتلوا في طريقهم جميع أهالي قره صو وبازارجق لخلوهما من الجنود.

أما تتار القريم فإنهم بعد أن وافقوا الروس عادوا وطلبوا الحماية من الدولة العثمانية التي عينت دولتكراي خان الأسبق وجنيكلي حاجي على باشا لاسترداد القريم ثم عاد العثمانيون إليهم ففروا سريعا.

قال هامر في تاريخه أنه لما فر الروس من بازارجق ودخلها العثمانيون وجدوا اللحم في القدور على النار وهذا يدل على الرعب الذي وقع في قلوبهم من الجيوش العثمانية.

وفاته:

وبينما كان السلطان مصطفى الثالث مصمماً على قيادة الجيوش بنفسه فاجأته الوفاة 1187هـ-1773م وكان رحمه الله من أعاظم الملوك الذين أداروا أمور السلطنة بالجد والإقدام وكان فعالاً يتصرف في الأمور بحكمة مهتماً بجمع المال والرجال والمهمات للدفاع عن بلاده محباً للعلم والعلماء يميل إلى العمارية أنشأ جامع أيازمه في اسكدارولاله لي ووقف عليهما الأوقاف الوافرة وأصلح جامع السلطان محمد الفاتح لأنه كان تهدم بزلزلة وله غير ذلك من الآثار.










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 16:34   رقم المشاركة : 87
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 السلطان عبد الحميد خان الأول

السلطان عبد الحميد خان الأول ابن السلطان أحمد الثالث:1187-1203هـ

جلس على تخت الخلافة العثمانية بعد أخيه وعمره خمسون سنة ولم ينعم بعطايا الجلوس عقب تقليده السيف كالمعتاد لعسر المالية واحتياج الدولة للأموال لتصرفها في حرب الروسيا وأبقى الصدر والوزراء في مراكزهم وقد انتهزت الروسيا فرصة موت السلطان وجلوس أخيه هذا وأرسلت الجنرال سواروف (Souwarow) مع جيش عرمرم إمداداً لجيش القائد العام المارشال رومانزوف ليزحف به على تخت الخلافة فأمر السلطان عند ذلك بتيسير الجيوش وتقدّم بها الصدر الأعظم محسن زاده محمد باشا وكانت الروس اجتازت نهر الطونة وقصدت وارنة فتلاقت مع الطليعة التي أرسلها الصدر من شمنى مع أغاة اليكجرية يكن محمد باشا ورئيس الكتاب عبد الرزاق باهر أفندي في جهة يقال لها قوزليجه.

وبعد حرب طويل انهزمت الطليعة المذكورة فاضطرب الجيش الذي مع الصدر وداخله الخوف ثم بعد قليل ظهرت طلائع جيش رومانزوف وكان استولى على كافة المواقع المهمة التي في طريق وارنة وتقهقرت جميع الجيوش العثمانية مظهرة التمرد والعصيان حتى لم يبق بمعسكر الصدر سوى اثني عشر ألف مقاتل ولما كان لا يصح القتال بجنود هذه صفتهم التزم الصدر الأعظم عند ذلك أن يطلب من المارشال رومانزوف (Romanzoff) توقيف القتال للمكالمة في الصلح وأرسل من جانبه مرخصين وهماً أحمد رسمي أفندي من الديوان الهمايوني ورئيس الكتاب إبراهيم أفندي إلى قصبة كوجك قينارجه من بلاد البلغار وفي ظرف ثمان ساعات تقررت شروط الصلح وأمضيت المعاهدة .1188هـ-1774م

وشروطها استقلال تاتار القريم وقوبان وبوجاق وبقاء ما يتعلق بامور الدين من خصائص الخلافة وترك يكي قلعة وقلعة كيرج وقلعة أزاق وأراضيها والبلاد الواقعة بين أوزي (Dnieper) وآق صو (Bug) وقلعة كلبورن (Kilburn) للروسيا وينجلي الروس عن بلاد كرجستان ومكريليه (Minglie) والمملكتين وبوجاق (Bessarabie) وتكون الحدود بين المملكتين نهر آق صو المذكور وإن تطلق للروسيا حربة الملاحة والتجارة بالبحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط وأن تدفع الدولة العثمانية 15000 كيسة تضمينات حربية وتخرج الروسيا أساطيلها الموجودة بالبحر الأبيض المتوسط وتعيد للدولة الجزائر التي استولت عليها.

وأن يزاد امتياز بلاد المملكتين ويتأكد ويصير مبادلة الأسرى بين الطرفين وقد فتح البند السابع من هذه المصالحة ميداناً واسعاً للدسائس الروسية حيث منحهم حق حماية الدين النصراني وكنائسه ومن ذلك نتجت حرب سنة 1854م كما سيأتي وأن تعترف الدولة أيضاً بتقسيم بولونيا.

وقد التزمت الدولة بقبول ذلك اتباعاً لقاعدة الحكم لمن غلب وانتهت الحرب ونالت الروسيا أمانيها ولما كانت هذه الحروب وغيرها سببها مملكة اللهستان اتفقت مملكة بروسيا والروسيا والنمسا على تجزئتها بينهم 1186هـ-1772م وهذا هو التقسيم الأول الذي أعلن لملك بولونيا في 18 سبتمبر من السنة المذكورة.

محاربة الدولة لروسيا والنمسا 1201هـ:

لما استولت الروسيا على بلاد القريم عدت الدولة ذلك تعدياً عليها لمخالفته معاهدة فينارجه القاضية باستقلال القريم استقلالاً تاماً وهاجت عليها الأمة وكبر عليها الأمر فأخذت تخابر باقي الدول الأوروباوية لإيقاف الروسيا عند حدها وفي تلك الأثناء عزل سبعة صدور وأخيراً وجهت الصدارة لقوجه يوسف باشا الشهير 1201هـ وكان من أصحاب الحمية والغيرة والإقدام وهو وإن كان أمياً إلا أنه كان يستعين بأفكار أصحاب الآراء السديدة ويميل إليها وكان من الذين يريدون محاربة الروسيا التي لم تكتف بالاستيلاء على بلاد القريم بل إنها أرسلت سنة 1197هـ جيشاً وفتحت بعض جهات وتقاسمت بولونيا 1782م مع النمسا وبروسيا.

ثم استمرت المخابرات السياسية بين الدول الأوروباوية والدولة العثمانية لحل الخلاف بصورة سلمية ثم سعت فرانسا وكانت مشتغلة وقتئذ بالحرب مع إنكلترة بخصوص استقلال أمريكا بواسطة سفيرها بالآستانة لمنع الدولة من التوسط في الحرب لأنها لاتعود عليها إلا بالخسائر لأن كترينه كانت تستعد للحرب من زمن سيما وإنها أبرمت مع النمسا معاهدة سرية عند مقابلتها مع الإمبراطور يوسف الثاني في مدينة كرسون (Kherson) 1784م وكان من مقتضاها الاتفاق على محاربة الدولة العلية وإن تساعد النمسا الروسيا على إنشاء مملكة في حدودها تكون حاجزاً بينها وبين الدولة العثمانية وتكون هذه المملكة من أقاليم الإفلاق والبغدان وبسارابيا وتعين لها حكمدارا أورثودوكسيا.

ثم تقسم بلاد الدولة بينهما في أوروبا وقد تأكدت أخبار الاتفاقية المذكورة في المحافل السياسية واستفحل أمر تعدي الروسيا خصوصاً عندما أخذت تحصن ميناسواتبول وتبنى دار صناعة عظيمة في ثغر كرسون وتشكل عمارة بحرية بما شيدته من السفن الحربية الجديدة الطرز في البحر الأسود ورأى الصدر الأعظم إن هذه الإجراآت هي تهديد واضح للسلطنة العثمانية وأخذ السفير الإنكليزي يحرض الدولة على إعلان الحرب على الروسيا ويؤكد لها استعداد دولته لمساعدتها بجميع سفنها وإنها تسعى لدى بولونيا والسويد حتى تجعلهما يعلنان الحرب على الروسيا.

فأرسلت الدولة بلاغاً إلى سفير الروسيا بالآستانة المسيو بولجاقوف تطلب منه مخابرة دولته في تسليم موروكرداتو أمير الإفلاق الذي التجأ إليها بعد أن شق عصا الطاعة وأن تتنازل عن حماية بلاد الكرج لأنها معدودة من أملاك الدولة وأن تعزل بعض القناصل الذين يهيجون الأهالي وأن يكون للدولة قناصل في ثغور البحر الأسود وأن يكون لها فيما بعد الحق في تفتيش السفن التجارية الروسية التي تمر من البوسفور والدردنيل.

ولما رفض السفير هذه الطلبات بأمر دولته قبضت الدولة عليه حسب المعتاد وسجنته في يدي قلة 1201هـ-1787م وأعلنت الحرب على الروسيا وكانت فرانسا تميل لسياسة الروسيا سراً أما دولة الأسوج وأهالي بولونيا وبروسيا فإنهم تعاهدوا مع الدولة لمساعدتها فكان غوستاف الثالث ملك السويد يريد انتهاز فرصة وقوع الحرب بين العثمانيين والروسيا ليعيد لبلاده ما أخذته الروسيا منها.

ولما كان مقام الجنرال بوتمكين غير متين في القريم أشار على الإمبراطورة كترينه بترك هذه البلاد خوفاً من سوء العاقبة لقلة المعدات الحربية والجنود لديه فلم تقبل الإمبراطورة ما عرضه الجنرال بل أمرته بالتقدّم نحو مدينتي بندرو أوزي لأخذهما فسار وحاصر أوزي ولما كانت النمسا حليفة للروسيا كما سبق أعلنت الحرب على الدولة أيضاً ولما حضر الغازي حسين باشا الجزائري القبودان العام من مأموريته إلى استانبول خطأ الصدر لإعلانه الحرب في هذا الوقت وقبح رأيه لأن الدولة كانت في حالة لا يمكنها معها مباشرة محاربة عظيمة كهذه سيما وأنه قد اشتهر اتفاق الدولتين معاً وهما الروسيا والنمسا على منازلتها.

ثم إن الصدر قاد الجيش بنفسه وتقدم لملاقاة جيوش الروسيا والنمسا 1202هـ-1787م وفي خلال ذلك أتت الإمبراطورة كترينة بذاتها إلى القريم مع جيشها وأتى الإمبراطور يوسف الثاني بجيش إلى حدود الدولة من جهة بلغراد ثم دارت رحى الحرب واستلم القبودان حسين باشا الجزائري قيادة الدوننما العثمانية ولما لم يكن لديه الوقت الكافي لمداركة النقص الموجود بالسفن جمع إليه كافة ربابين المراكب حتى غص بهم المكان وقام فيهم خطيباً مشجعاً منهضاً هممهم واعداً متوعداً ثم فرقهم على السفن.

محاربة أوزي البحرية :

لما صدر الأمر للأساطيل العثمانية سافرت قاصدة أوزي فوصلتها في السنة المذكورة واستقبلت أمامها ثم وجه القبودان باشا مراكبه الصغيرة الحربية القادرة على إجراء حركاتها البحرية بين الشعاب الصخرية وفي المياه القليلة العمق لمحاربة دوننما الروسيا المشكلة من صالات ومراكب صغيرة وكانت واقفة أمام رأس قيل ولما وقعت الحرب بينهما غرق للروسيين صال فيه مائة جندي وغرقت شالوية صغيرة للعثمانيين وكان بها سبعة عشر جندياً ثم بعد مضى أيام حملت العمارتان المذكورتان على بعضها فارتدت العمارة الروسية بعد أن تكبدت خسائر جسيمة بخلاف العمارة العثمانية فإنه لم يصبها ضرر يذكر.

ثم حصل هجوم ثالث وكانت سفن الروسيا اقتربت من الساحل بعد أن وضعت بين الشعاب الصخرية علامات لسهولة مرور سفنها الباقية وحملت المراكب العثمانية عليها وبينما كان العثمانيون يهتمون بطرد عساكر الروس من رأس قيل المذكور هجم عليهم الجنرال سواروف (Souvarof)بجيشه وبعد مقاومة شديدة ارتدت العساكر العثمانية بخسائر عظيمة ونزلت إلى السفن وسلطت القلعة التي أنشأها الروسيون برأس قيل نيرانها على العثمانيين الذين عند عودتهم وجدوا أن الروسيين نزعوا تلك العلامات من فوق الصخور وبهذه المكيدة لم يمكن للسفن العثمانية الاهتداء للطريق فشحطت فوق تلك الشعاب الصخرية وانهالت عليها نيران القلعة فدمرت غالبها.

ثم أتى البرنس ناسوسجن (Nassau - Siegen) من نيقولايف ببعض سفن صغيرة من نوع البومبات والغامبوت والصنادل وهاجم بها المراكب العثمانية الصغيرة المذكورة ووقعت محاربة قوية قتل فيها كثير من العثمانيين وغرق فيها بعض مراكب للروسيين وقد تمكنت بعض شالويات العمارة العثمانية من إنقاذ كثير من بحارة الصنادل المرتطمة وضاع للعثمانيين بالمكان المذكور جميع مراكب الأسطول الخفيفة ولما شاهد القبودان باشا ذلك أمر بإبقاء الخمسة مراكب الصغيرة التي نجت وقام بالدوننما إلى جزيرة بيره زن ليبعث من هناك من يوصل الأخبار إلى استانبول.

محاربة بيلان اطه البحرية:

إنه بعد الواقعة المذكورة حضرت في العاشر من شهر ذي القعدة من السنة المذكورة مركب من مراكب القره قول العثماني وأخبرت القبودان باشا أن دوننما الروسيا قامت من مينا سواستوبول قاصدة جزيرة بيلان فأقلع في الحال لمقابلة هذه الدوننما التي لم يسبق لها الظهور في البحر الأسود مطلقاً وسبب ذلك أن البرنس ناسوسجن لما تولى قيادة أساطيل الروسيا بعد واقعة أوزى البسابقة أحب منازلة العثمانيين.

ولما رأى القبودان الغازي حسين باشا مجيء الدوننما الروسية أخذ يصف أساطيله وأرسل البطرونه باشا وسفن الصناجيق وخمسة غلالايين لمقابلة العدوّ بجوار ثييلان اطه Serpent المذكورة ورتب سفنه ترتيباً حربياً وضع ثمانية غلايين تحت قيادة كل رئيس من رؤساء سفن الصناجق وأمرهم أن لا يفارق بعضهم بعضاً ثم تقدم الطرفان ولم تفتر همة القبودان العثماني عن الضرب والنزال بل تقدم بشجاعته وبسالته المعلومتين وأطلق مدافعه على سفائن العدوّ فأتلفت منها كثير من فرقاطات العدوّ من مدافع العثمانيين وظهر على الروس والعجز والخذلان كل ذلك قبل وصول ما تأخر من سفن العثمانيين.

ولما رأى الأميرال الروسي قوة العثمانيين ومهارتهم فر بما بقي معه من السفن فتعقبه العثمانيون حتى سواستبول والتجأ إلى ميناها محتميا بقلاعها وبعد أن حاصرت العمارة العثمانية سواحل تلك الجهات عدّة أيام عاد بها القبودان باشا إلى مينا سنه Sulina عند مدخل نهر الطونة وعند وصوله شكل مجلساً حربياً لمحاكمة الذين أظهروا الجبن والخيانة في هذه المحاربة فحكم عليهم بجزاآت قوية عقوبة لهم وعبرة لأقرانهم وطلب من الدولة مكافأة من أحسنوا الخدمة وسمى الغليون الذي أخذ من الروس في هذه الواقعة باسم خداويريد أي عطية الله.

ثم حاكم عمر قبودان الكريدلي وحكم عليه بالصلب على طرف سران مركبه السران طرف عود الشراع القائم على السارية .

والخلاصة أن القيودان باشا وأن اكان فقد سفن الدوننما الخفيفة في واقعة أوزي كما سبق إلا أنه انتصر على دوننما الروسية الجسيمة وعطل قواها بحيث اضطرها لأن لا تتصدّى بعد لمقابلة العثمانيين وبعد محاربة جزيرة بيلان هذه اهتم الغازي حسين باشا بإصلاح ما أصابه التلف من سفن العمارة وطلب إرسال عساكر بدل الذين ماتوا أو جرحوا وبعض مراكب حربية خفيفة أما الجنرال سواروف فكان شيد في خلال ذلك جملة استحكامات من جهة قيل برون وهاجمت الدوننما الروسية الخفيفة التي حضرت من نيقولايف تحت قيادة البرنس ناسو سجن قلعة أوزي وكانت تحت يد العثمانيين وكتب حسين باشا المذكور لاستانبول بأن ليس في إمكانه إمداد القلعة المذكورة قبل أن تصله السفن الخفيفة.

ولما قرب فصل الشتاء وكان معظم سفن الدوننما محتاجاً للإصلاح عاد إلى استانبول بعد أن تمكن من إمداد القلعة المذكورة بخمسة آلاف جندي بمهماتهم الحربية وذخائرهم السفرية وبينما كان القبودان باشا مشتغلاً بمحاربات الروسية تقدّم الصدر الأعظم بالجيوش إلى أدرنة وأحيل أمر الدفاع عن جهات الطونة على سر عسكر مدينة إسماعيل الصدر السابق شاهين علي باشا ولما تعذر تقدّم جيش الصدر الأعظم إلى ودين أرسل بعض الفرق لإمداد قومندانات أوزي وخوتين وبندر.

وكانت النمسا قد شيدت استحكامات في مضيق مهادية لمحاصرة بلغراد ثم عبر الصدر قوجه يوسف باشا بجيوشه الظنونة من جهتي ودين وبلغراد واستولى على بوغاز مهادية بعد أن قهر جيوش الإمبراطور وكاد يأخذه أسيراً وأخضع جميع جهات يانجوه واستولى على نحو ثمانين مدفعاً وعلى كثير من الآلات والأدوات الحربية 1203 هـ .

ولما رأى الإمبراطور هزيمة جنوده عاود ترك على جيشه الجنرال لورين وبينما كانت الجيوش العثمانية منصورة على النمسا كانت الروسيا منصورة على العمارة العثمانية كما تقدم ثم تقدّمت بجيوشها واستولت على بلاد بغدان وعلى كثير من القلاع والحصون كل ذلك ولم تبد دولة من دول أوروبا التي وعدت الدولة بالمساعدة اعتراضاً أو مساعدة وتكدر عموم الأهالي من المسلمين وتأثر السلطان جدّاً حتى أنه لم يمكث بعد ذلك طويلاً حيث توفي 12يوم رجب سنة 1203هـ-1789 م .

وجلس بعهد ابن أخيه السلطان سليم خان الثالث وكان رحمه الله متصفاً بالتقوى والورع شفوقاً على الرعية ميالاً إلى إصلاح أمور الدولة حتى أنه كثيراً ما كان يحرض الوزراء على ذلك ويساعدهم بما يصل إليه الإمكان إذ ذاك.

السلطان سليم الثالث ابن السلطان مصطفى خان الثالث 1203-1222هـ:

جلس هذا السلطان على التخت وعمره عشرون سنة وفي أوّل جلوسه وجه همته إلى إصلاح حال العساكر وتقوية العمارة البحرية وأمر بجميع الجيوش من كافة الولايات فاجتمع لديه في وقت قريب نحو150000 مقاتل في مدينة صوفية وكانت الأحوال السياسية مضطربة والحروب قائمة بين الدولة والروسية كما تقدّم ذكره ومع اهتمام السلطان بذلك كان اليأس استولى على الجنود وترك كثير منهم النقط التي عهد إليهم حراستها.










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 16:35   رقم المشاركة : 88
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 حركة الأساطيل في الوقت المذكور

حركة الأساطيل في الوقت المذكور:

إنه بعد أن أتم القبودان حسين باشا إصلاح سفن الأساطيل وأنجز لوازمها بحيث أصبحت الدوننما كاملة الأدوات والآلات عزل عن رياسة البحرية وعين بدله حسين باشا الكريدلي وتعين هو سر عسكراً على أوردي سلستره وقد نسب بعض المؤرخين عزله عن رياسة العمارة للخسارة التي لحقت بالدوننما الخفيفة وتأخره عن إمداد قلعة أوزى وعودته بالدوننما قبل الميعاد المعين مع علمه بما كانت عليه الأحوال في البحر الأسود وزاد مؤرخو عصره مثل واصف وغيره أن عزله كان لأسباب أخرى نسبوها إليه ولكنها غير حقيقة وإنما كان عزله عن الدوننما للتغييرات التي تحدث عادة عند جلوس كل سلطان جديد.

وكان أعظم وزراء ذلك العهد قام بعدة خدم مهم أبقت له بين أعمال الوزراء ذكراً حميداً وقال المرحوم الشهير جودت باشا في تاريخه عن الدولة العثمانية أن حسين باشا المذكور بعد تعيينه سر عسكر السلستره خدم هناك خدماً ابيضت بها صحف تاريخه وكانت درة في إكليل أيامه المضائة وأزمانه السابقة ثم ارتقى إلى وظيفة الصدارة العظمى ثم اغتالته المنية فجأة 1204هـ ولو كان للباشا المذكور غير الأعمال الحسنة لما توظف في هذه الوظيفة السامية بل لما كان تعين بوظيفة أخرى بعد عزله عن الأساطيل على الغالب.

محاربة نخل برون البحرية:

إنه في أواسط رجب من سنة 1203هـ-1789م خرج القبودان حسين باشا المذكور بالدوننما وكانت مشكلة من خمسين سفينة بين كبيرة وصغيرة إلى البحر الأسود ولما وصلت إلى ثغر سنة SUlina تركت به ما معها من السفن الصغيرة ثم أقلعت تقصد كيرج Kerch الكائنة بقرب نخل برون وهناك تقابلت مع الدوننما الروسية وكانت مركبة من خمس غلايين و فرقاطة ولما اشتبك القتال بين الطرفين تمكن طوبجيه العثمانيين من تعطيل أربع فرقاطات روسية ومع ذلك فلا زالت الحرب قائمة بإطلاق المدافع مدة سبع ساعات متوالية ولم يمنعها إلا دخول الليل وكانت الخسائر من الطرفين عظيمة وفرّ الروس ليلاً إلى ميناء كفه Kaffa فعادت الأساطيل العثمانية إلى ثغر سنة ثانية التي خرجت منه.

وبعد أن أصلحت من شأنها خرجت في أواخر ذي القعدة من السنة المذكورة لاقتفاء أثر العدو وبمياه هوجه بك أو أوديسا وهناك أخبرتها سفينة عثمانية من سفن القره قول أنها رأت الدوننما الروسية المشكلة من سبع وثلاثين سفينة حربية قامت من جهة رأس قيل وهي تقصد هذه الجهة فأخذت الدوننما العثمانية حذرها وكانت الرياح إذ ذاك شديدة تهب من الجنوب الشرقي فكانت تسوق مراكب العدو وتساعدها بقدر ما كانت معاكسة لسفن العثمانيين المواجهة لها فأمر لذلك القبودان العثماني سفنه بنشر الشراعات والابتعاد عن الشاطىء.

وقبل الزوال ببرهة صغيرة تقابل الدوننمتان وابتدأت بينهما الحرب بإطلاق المدافع وقد أحدثت سفينة القبودان العثماني ببعض سفن الروس خسائر وافرة فقد الروس فرقاطتين ولما أقبل الظلام افترق الدوننمتان عن بعضهما وقامت في الليل زوبعة شديدة اضطرّت سفن الروسيا لترك ميدان القتال واستقبلت في مكان قريب أما الدوننما العثمانية فأنها تفرّقت عن بعضها وبقي القبودان الثاني بسفينته في معترك القتال بمفرده وعند الصباح هجمت عليه سفن الروسيا واحتاطت به من كل جهة ومع ذلك فخوفاً من أن يرمى بالجبن استمرّ يقاتل بمفرده بكل جهد وشرف حتى آخر رمق من الحياة.

ثم مضى شهيد الصداقة والإخلاص ومات غالب من كان معه من الجنود وعند ذلك أضرم أحد رجال تلك السفينة النار في مخزن بارودها فاحترقت وطارت قطعاً وأغرقت السفينة الروسية التي بجانبها وكانت الدوننما العثمانية ظهرت في تلك الأثناء وأرادت نجدة سفينة القبودان إلا أنه لم يمكنها ذلك لبعد المسافة ومخالفة الريح لها ولما رأت ما وقع لهذه السفينة كبر عليها ذلك وتوجه بها القبودان إلى جهة كليغراد واستقبل قريباً من الساحل وأرسل خبر وقائع هذه المحاربة للآستانة والتمس التصريح بعودة الدوننما لاحتياج معظم سفنها للإصلاح فلما أجيب طلبه أقلع إلى الآستانة.

التنظيمات الداخلية :

لما جلس السلطان سليم الثالث على تخت السلطنة أظهر ميلاً شديداً ورغبة زائدة في إصلاح أحوال الدولة وإنهاضها من ورطتها بإدخال عناصر الترقي والتمدن الحديث فأخذ في إخراج الدولة من عزلتها العقيمة وإدخالها ضمن دائرة التجديدات المفيدة والتحسينات المهمة التي حصلت بأوروبا وهو عمل من أشدّ الأعمال خطراً وأصعبها سيما في بلاد لم تشرف ولو بعض إشراف على المدنية الأوروباوية فلم يوفق لذلك لأمر يعمله الله وكانت نتيجة مسعاه أن خلع وقتل.

وكان أول أعماله أن أظهر الرحمة والشفقة والكرم واجتهد في تعميم العدالة بالمحاكم وقد قابل كثير من الأهالي هذه الأعمال بالفرح والمسرة خصوصاً وإن قعود سلطان شاب نشيط متصف بشريف الخصال ومحمود الفعال على سرير الخلافة جعل الأمة تبتهج وتتعشم خيراً في المستقبل ولما تم الصلح بين الدولة والنمسا عين للقبودانية العامة كوجك حسين باشا وكان من أعظم الرجال الذين تولوا المناصب في الدولة وقد أثنى عليه ومدحه كثير من رجال أوروبا وكان من أوائل أعماله طرد عمال الروس من جهات بحار اليونان والبحر الأبيض المتوسط وتحصين الحدود وتسليح قلاعها وشحنها بالعساكر والمعدات الحربية واستخدم أيضاً عدّة مهندسين من السويد وفرانسا ووجه عنايته لتقوية العمارة وترتيب مدرسة البحرية والطوبجية ووظف بها ضباطاً من الفرنساويين وأمر بطبع عدّة مؤلفات معتبرة في الفنن الحربية والرياضية وإنشاء دار كتب بها أربعمائة مؤلف من أحسن المؤلفات العسكرية الفرنساوية.

وأمر أيضاً بإدخال بعض دروس اللغة الفرنساوية بالمدرستين المذكورتين بأمره شيدت عدّة مبان كثيرة وأساطيل حربية على الطراز الجديد وغيرت مقذوفاتها فجعلت على الطراز الروسي وسن للبحرية عدّة قوانين ونظامات مضبوطة جعل بها لكل سفينة قبوداناً خاصاً وجعل للسفن الصغيرة ضباطاً صغيرين ومنع عزل الضباط ما لم يصدر منهم ما يوجب عزلهم وعين شروط توظيف الضباط وترقيهم في الوظائف فجعله بحسب الأقدمية والاستعداد وزاد في مرتبات الضباط .

وقسم دار الصناعة إلى مخازن للمهمات وورش للصنائع بحيث صير كل مأمور مكلفاً بعمل خاص لا يتعداه لغيره وسن قانوناً خاصاً للمرتبات والعلوفات فصار كل نفر من الجنود يأخذ تعيين ستة شهور على الأقل دفعة واحدة وجعل للعساكر الحق في ترك بعض هذه التعيينات لعائلاتهم بحيث لم تأت سنة إلا وكان للدولة عمارة قوية منظمة تشتمل على أضخم السفن وأمتنها وأقوى المدافع وأحدثها وغير ذلك من الإصلاحات العديدة.

ولما رأت فرانسا اهتمام الدولة بإدخال الاختراعات العسكرية بين جيوشها أحضر سفيرها المسيو أوبيرد وبايت (Aubert du Bayets) عند مجئيه إلى استانبول عدة من مهندسي الفرنساويين وضباطهم ومعلميهم لكل الأسلحة وجلب أيضاً عساكر وصناعاً للمدافع وحتى بعض المدافع مركبة على عجلها وبهذه العناصر شكلت الدولة طائفة مركبة من ثمانمائة من الطوبجية ونظمت فرقة أيضاً من الخيالة سلحوها وعلموها على الطراز الأوروبي وأوجدت أيضاً أورطة من البيادة فكانت هذه الطوائف جرثومة للعسكر الجديد 1211هـ-1796 م الذي جعل تحت قيادة إنكليز مصطفى باشا وأصله ضابط انكليزي.

وكان الروسيون ينظرون لهذه التجديدات بعين الحسد والغيظ فكانوا يسعون جهدهم في إيجاد الأسباب للإخلال بمعاهدة ياش المذكورة وبينما كان السلطان ووزيره يجتهدان في ترقية شأن النظامات إذ ثار أحد ضباط الجنود المدعو بازوند أوغلى عثمان أغاو بعد أن التف عليه كثير من أمثاله تمكن من طرد والي بودين وضبط حوالي تلك المدينة 1212هـ فجردت عليه الدولة جيشاً تحت قيادة القبودان كوجك حسين باشا وبعد عدّة وقائع كان الحرب فيها سجالاً بين الطرفين انتصر القبودان باشا ثم عفا السلطان عن بازوند أوغلي المذكور وعينه محافظاً لودين.

وأخذ السلطان بعد ذلك يدخل الإصلاحات الجديدة في كافة فروع الإدارة ولكن الصدر الأعظم حافظ إسماعيل باشا الذي خلف يوسف ضيا باشا كان يظهرانه ممن يميلون للتنظيمات الجديدة ويقدرونها قدرها إلا أنه كان يكرهها في الباطن فاكتسبت بذلك الطائفة المخالفة لها قوة وحدث من ذلك واقعة أدرنة الآتية وسببها إن الدولة أرادت بث التنظيمات الملكية والعسكرية بجهات الرومللي فأرسلت لذلك والي قونية عبد الرحمن باشا المشهور بالقاضي وأمرته في الظاهر بالتنكيل بأشقياء الصرب وفي الباطن بالقيام بإجراء الإصلاحات كما رسمتها له .

ولما بلغ أعيان الرومللي ذلك توجسوا خيفة واتفقوا جميعاً واجتمعوا في أدرنة لمنعه بالقوة فلما أشيع خبر ذلك أشارت رجال الدولة بلزوم عودة الباشا المذكور وكانوا غير مصيبين في رأيهم فأعادوه إلى ولايته وعند ذلك تفرقت أعضاء تلك العصابة إلى بلادهم وقد اشتهرت هذه الواقعة في التاريخ العثماني بواقعة أدرنة الثانية.

حملة نابليون بونابارت على الديار المصرية 1213هـ:

لما أرادت الجمهورية الفرنسوية الاستيلاء على مصر لمعاكسة التجارة الإنجليزية بجهات الهند أوعزت إلى نابوليون بونابرت بالاستعداد لذلك وأن يكون هذا الأمر في السر خوفاً من اطلاع انجلترة عليه فقابل هذا الأمر بالسرور والارتياح لأنه هو الذي حرض مجلس الأمة على ذلك وبيّن له فوائد هذا المشروع العظيم.

ولما أخذ نابليون يجهز الأساطيل البحرية في ترسانة طولون تطلعت الدول عموماً وشخصت بأنظارها إليه لمعرفة الجهة التي يقصدها بهذه العمارة العظيمة ولما علموا أن ترسانة طولون تستخدم أناساً لهم إلمام بالعربية علموا أن مقصده من هذه الاستعدادات الإغارة على الأقطار المصرية سيما وإن حركات الوكيل السياسي الفرنساوي بالآستانة كانت تؤيد ذلك فالتزمت الدولة العلية بمداركة الأمر باتفاقها مع الدول المعادية لفرانسا المناظرة لها في حب الاستعمار.

ولما خرجت الدوننما الفرنساوية من طولون 1798 م كان أول أعمالها في طريقها مهاجمة جزيرة مالطة والاستيلاء عليها وفي تلك الأثناء كان القبودان العثماني شرمت بك الكريدي الذي عينته الدولة بفرقة من العمارة لمراقبة حركات دوننما فرانسا أرسل مكتوباً أخبر فيه بأن نابليون بونابارت لم يقصد بهذه الحركة مع جسامة عمارته وقوّتها فتح جزيرة مالطة فقط بل إنه جعلها في طريقه محطاً لقواه ومن المحتمل أنه بعد ذلك يهاجم الأقطار المصرية.

وقد كانت حالة الدولة في ذلك الوقت مرتبكة جداً للاضطرابات الداخلية واجتهاد اليونان والصرب في نوال استقلالهم وعصيان حكام الأقاليم مما جعل أوروبا تعتقدان في ذلك محو السلطنة العثمانية أما انكلترة فإنها انتهزت فرصة حركة نابليون على الديار المصرية ومالت إلى الدولة العلية بكليتها ساعية في قطع العلائق القديمة الموجودة بين الباب العالي وفرانسا ولم يتمكن القائم بأعمال فرانسا إذ ذاك بالآستانة وهو الموسيور روفين (Ruffin) من إقناع الباب العالي بشيء يجعله يرفض نصائح انكلترة.

فقرر الوزراء إعلان الحرب على فرانسا وقبض على روفين المذكور وسجن كالعادة بقلعة يدي قلة وخرب العثمانيون مخازن التجارة الفرنساوية التي ببلاد اليونان وسورية والأناضول وقبضوا على تجارهم الذين بأزمير وبيروت وغيرهما ولما بلغ انكلترة قيام العمارة الفرنساوية من طولون أرسلت سفينة جسيمة تحت قيادة الأميرال نلسون لمراقبة حركاتها ونظر ما يكون من أمرها وما يحدث عن شأنها وعندما استولت الدوننما الفرنساوية على مالطة التي هي النقطة المهمة الوحيدة في وسط البحر الأبيض المتوسط والتي تعتبرها الدول البحرية مركزاً للتجارة اندهشت انكلترا لذلك.

ولما بلغ الدولة العثمانية قيام الدوننما الانجليزية أصدرت أوامرها لجميع ولاياتها بمساعدتها عند مرورها ومداركة ما يلزمها من المآكل والمشارب وخلافهما من سائر الحوائج وفي 12 محرم سنة 1798 م مر الأميرال نلسون بعمارة على ميناء الاسكندرية يبحث عن العمارة الفرنساوية فلما لم يجدها أخبر حكام الاسكندرية بخروج مراكب الفرنسيس تقصد الديار المصرية وأعلمهم أنه مستعد لمساعدتهم فتوهموا أن ذلك خدعة من الانكليز فلم يعبؤا بقوله ثم بارحهم للبحث عن الفرنساويين بالسواحل السورية.

وفي اليوم السابع عشر من الشهر والسنة المذكورية وصلت الدوننما الفرنساوية إلى الاسكندرية وذهب القبودان إدريس قومندان الفرقاطة العثمانية المسماة عقاب بحري المعينة للتجوّل بالمياه المصرية إلى الدوننما الفرنساوية المذكورة ولما رآه نابليون قال له بنفسه إني لم أحضر لضرر أحد هنا وإنما أنا متوجه لتخليص الإقليم الهندي من أيدي الإنكليز أعدائنا وإني على فرض أنني عدوّ للدنيا بتمامها فإني محب للعثمانيين ولذلك أنصحكم بأن لا تتصدّوا للمدافعة إذ أنه لا يجوز ولا يتصوّر عقلاً أنكم تقاومون أربعمائة سفينة حربية فلما سمع منه القبودان هذا الخطاب لم يجاوبه بشيء أصلاً.

ولما علم نابليون بحضور الدوننما الإنكليزية قبله بثلاثة أيام بادر بإخراج عسكره إلى البر ولم يتجاسر على دخول الميناء لظنه أن قلاع الإسكندرية ربما كانت قادرة على المدافعة وأخرج في الليل خمسة آلاف جندي وهجم بهم صباحاً على المدينة فاستولى عليها بلا مقاومة تذكر.

ولما أخذت كل سفينة موقعها استقبل الأميرال نلسون بسفينته أمام سفينة الأميرال الفرنساوي المسماة أوريانت وهي من الأوج انبارلي ويسميها مؤرخو الشرق نصف الدنيا ولما رأى الفرنسويون أن حركة سفن الانكليز تمت بكل جسارة استولى عليهم الفزع والاضطراب وما كادت هذه الحركات تتمم حتى قامت الحرب بين الدوننمتين وأخذت السفن ترسل قنابلها من أفواه مدافعها على بعضها وكان بالدوننمتين ألفي مدفع تطلق طلقاً متتابعاً وتقذف قذفاً متوالياً فكانت أصواتها تدوي بالأفق بحيث يخال للسامع أن المساء انشقت والأرض خسفت والجبال نسفت.

وقد استمرت الحرب بهذه المثابة ساعتين من الزمان وفي نهايتهما أصيب الأميرال نلسون بجرح في رأسه فعصبها بمنديل ولما زال منه الاغماء عاد إلى موقعه الأول كما كان وقد قويت السفن الانكليزية على خصيمتها ودمرت منها عدّة ولم تأت الساعة الثامنة بعد الزوال إلا والنار قد اشتعلت بسفن الفرنساويين فصيرت ظلام الليل الحالك نهاراً وارتفع اللهب والدخان إلى عنان السماء وكان الأميرال برويس الفرنساوي أصيب بجرحين في الساعة الأولى من القتال وبينما كان ينزل من سطح الكمبانة إلى سطح الكويرتة أصابه مقذوف من مدافع الانكليز فشطره شطرين.

وكذلك أصيب القمادور الفرنساوي المسمى كازابيانكا (Casabianca) بجروح هائلة مات بسببها في الحال وقد أتلفت مدافع الانكليز كثيراً من سفن الفرنساويين وكسرت سواريها وشراعاتها وألحقت بها الخسائر الفادحة من كل نوع.

ولما احترقت السفينة أوريان المذكورة ووصلت النار إلى مخزن بارودها تفرقعت وطارت قطعاً في الجو ولما شاهد نلسون ذلك أمر بحارته بتخليص بحارة الفرنسويين فلم يمكن إلا تخليص البعض منهم وكانت خسائر الفرنساويين في هذه الواقعة لا تدخل تحت حصر واستولى الانكليز منهم على تسعة غلايين وتمكن غليون وفرقاطتان وأربع سفن من نوع القرويت من الهرب أما باقي سفن العمارة فإنها احترقت بتمامها ولما وصل خبر احتراق الدوننما الفرنسوية ومحاصرة الإنكليز للاسكندرية إلى معسكر الفرنساويين بمصر حصل به اضطراب زائد وخوف شديد.

ولما علمت الدولة ما أصاب الفرنساويين في أبي قير أرسلت تهنىء الأميرال نلسون وتشكره على عمله ولما وردت تفصيلات واقعة أبي قير من انكلترة لوكيلها السياسي بالآستانة وأبلغها للباب العالي ألبسته الدولة فروة سمور فاخرة طبق عوائدها وأحسنت على الأميرال نلسون بعقد جوهر ثمين وأرسلت ألفي ليرة عثمانية لتوزع على جنود الدوننما الانكليز ولما وصل العقد الجوهر إلى الأميرال نلسون صور نفسه وهو لابسه وقدّم تلك الصورة إلى السلطان ولا تزال هذه الصورة محفوظة إلى الآن ضمن أمتعة الخزينة العثمانية وقد طبعت جريدة الغرافيك الإنجليزية هذه الصورة بأحد أعداده سنة 1789م.

وكانت فرانسا لما اتحدت مع النمسا قبل ذلك وأزالتا جمهورية البنادقة بمعاهدة كامبوفورميو 1212هـ-1797 م استولت على الجزائر السبع اليونانية الكائنة ببحر الأدرياتيك وعلى خمس جهات أيضاً بالساحل وهي برويزة و كومانيجه و برغه و نيجه و بوترينتو واستولت النمسا على عدّة جهات من ممالك البنادقة أيضاً فلما أغار الفرنساويون على البلاد المصرية وبعد واقعة أبي قير التي تقدّم ذكرها أمرت الدولة العثمانية والي يانية تبه دلنلي علي باشا بأن يسترد كافة الجهات المذكورة من يد فرانسا عقاباً لها على ما فعلته معها من الخيانة.

ولما تم الاتفاق بين الدولة العثمانية وسفير الروسيا مسيو طمارا وسفير انكلترة على منازلة الفرنسيس سوية شكلت الدولة أسطولاً خفيفاً مؤلفاً من سفن عثمانية وروسية جعلته تحت قيادة مرابط زادة حسين باشا الرودسي وأرسلته إلى مياه الاسكندرية لمهاجمة أسطول فرنسا الصغير الموجود بمينائها وكانت قبل ذلك بعثت فرقاطتين ليكونا مع الدوننما الانكليزية الموجودة بمياه الاسكندرية.

أما الدوننما الروسية فأقلعت مع الدوننما العثمانية المشكلة من سبع وثلاثين سفينة بعد أن اتفق قائدها قدري بك مع الأميرال الروسي أوكانوف على الحركات التي سيقومان بها في جزائر اليونان 1213هـ فلما وصلتا إلى مياه اليونان استولتا على جزيرة جوقة فقام أهالي جزيرة زانطة وكفالونية وقبضوا على عساكر الفرنساويين وسلموهم إلى تبه دلنلي علي باشا والي يانيه وتملكت بذلك الدولة هاتين الجزيرتين ثم قامت الدوننمتان المتحدتان إلى جزيرة كورفو وكان تبه دلنلي علي باشا تغلب في ذلك الوقت على الفرنساويين بقرب دلوينه وأرسل ولده مختار بك طليعة له يقود ستة آلاف من الخيالة وتقدم هو خلفه مع المشاة وهجم الاثنان على القوّة الفرنساوية التي كانت مجتمعة حول برويزة فتغلبا عليها وأسرا منها عدّة أسراء.

ولما علمت الدولة بذلك أنعمت على علي باشا برتبة الوزارة ثم استولت الدولة على قلاع برويزه وقوما نيجه وبوتربنتو أما قلعة بارغه فإنها قاومت نحو 14 سنة ثم استردتها الدولة أخيراً وكانت العمارتان المتحدتان استولتا أيضاً على جزيرة كورفو فعادت تلك المواقع جميعها إلى الدولة العثمانية كما كانت من قبل أما الجزائر اليونانية السبع فإنها جعلت تحت حماية الدولتين العثمانية والروسية وعقدت بذلك شروط بينهما 1215هـ-1801 م ولما طلب أهلها فيما بعد دخولهم تحت حماية الروسية وافقت الدولة العثمانية على ذلك حسبما اقتضته ظروف الأحوال.

تعدي نابليون على سوريا :

لما رأى نابليون أن مركزه أصبح مهدّداً بمصرا تفكر في أن في استيلائه على سوريا فرجا وقوّة سيماوان من استولى على إحدى البلادين لا بد له من الاستيلاء على ثانيتهما فخرج في رمضان من سنة 1213هـ-1799م بجيش عدده ثلاثة عشر ألف مقاتل واستولى على العريش ثم تقدّم واستولى على غزة بغير قتال وبعد أن حاصر يافا سبعة أيام استولى عليها وأسر منها ألفي عسكري من الأرنؤد الذين قاتلوا جيش الفرنساويين بشهامة غريبة فأمر نابليون بقتلهم جميعاً رمياً بالرصاص خارج البلد فكانوا يخرجونهم فرقة بعد فرقة للقتل ومن هذا الفعل الفظيع المخالف لقوانين الحرب والإنسانية يتأكد المطالع ما كانت عليه حالة الحروب في ذلك الوقت.

ثم تقدّم بجيشه إلى عكا وحاصرها براً وهدم أكثر بروجها واستحكاماتها بمدافعه وكان المدافع عن عكا أحمد باشا الجزار البطل الشهير وفي هذه الأثناء قبض الغليونان الانكليزيان المعينان لخفر سواحل الشام تحت قيادة الأميرال سدني سمث على سفينة فرنساوية تحمل كثيراً من المهمات الحربية لنابليون وسلمها لجنود عكا وكانت إعانة للجيوش العثمانية على أعدائهم ولما وصلت الامدادات للفرنسويين بعد أيام أمكنهم كسر جيش الشام بجهة جبل طابور الذي أتى لقتالهم وتمكنوا أيضاً من أن يمنعوا الامداد عن العثمانيين الذين بعكا ثم أخذوا يهاجمونها المرة بعد الأخرى حتى تمكنوا من الدخول فيها.

إلا أنهم لم يلبثوا برهة حتى قاومتهم الجنود العثمانية أشد المقاومة فتقهقر الفرنساويون من إمامهم تاركين مدافعهم ومعداتهم وفي خلال هذه الحوادث وصلت الدوننما العثمانية وكانت مركبة من سبعين سفينة حربية بها 12000 من الجنود النظامية تحت قومندانية مرابط زاده حسين باشا الرودسي وأخرجت ذلك الجيش وذخائره إمداداً لعكا ثم تقدّم هذا الجيش ورد جيش نابليون واقتفى العثمانيون بشجاعتهم أثره حتى متاريسه وهجمت الفرنساويون في هذه المحاصرة ثمان مرات وهجم العثمانيون عليهم ثلاث عشرة مرة وأظهرت عساكر الفريقين شجاعة غريبة وإقداماً عجيباً.

ثم اضطر نابليون للرجوع مكسوراً بجيوشه إلى جهة العريش بعد أن تلف منها في حصار عكا عشرة آلاف واقتفت العساكر العثمانية أثره حتى الحدود المصرية ثم أرسلت الدولة العثمانية إلى مصر جيشاً مركباً من عشرة آلاف مقاتل تحت قيادة كوسة مصطفى باشا ومعه دوننما عثمانية إلى أبي قير فخرج الجيش واستولى على القلعة ولما بلغ نابليون حضر بنفسه وهجم بعساكره على الجيش العثماني بغتة ومع كون العساكر العثمانية كان معهم المدافع الكافية والطوبجية المهرة إلا أنه لم يكن معهم فرسان لصد هجمات الأعداء.

ولذلك التزم مصطفى باشا أن يحفر خندقاً حول معسكره لحمايته من هجمات سواري الفرنساويين وقد تكرر الهجوم من نابليون وقاومه السر عسكر بجيشه بكل ثبات وقوّة وكانت مدافع الدوننما العثمانية تساعد الجيش بمقذوفاتها حتى اضطرّ نابليون لأن يرجع متقهقراً فخرجت العساكر العثمانية من خلف الخندق لتعقبهم وكان خروجهم بلا انتظام لأن قائدهم كان جرح فعادت خيالة نابليون عليهم ثانية وشتتوهم وتقدّموا إلى خيام المعسكر ودخلوا خيمة السر عسكر وكان مجروحاً كما تقدّم فأسروه وتوفي بعد سنة من أسره.

وفي سنة 1215هـ عادت الدوننما الروسية من البحر الأبيض المتوسط إلى الآستانة ودخلت البحر الأسود ولما كانت الدولة تخاف من أن نصرات الجيوش الفرنساوية ربما كانت سبباً لتمكين قدم الفرنسيس في مصر جهزت هي وانكلترة الأساطيل والجيوش لحسم المسألة المصرية فخرج القبودان حسين باشا بالدوننما ومعه قوّة عسكرية بعد أن اتفق مع الأميرال الانكليزي ثم أخرج الأميرال الانكليزي جيشاً في أبي قير مؤلفاً من خمسة عشر ألف مقال تحت قيادة الجنرال ابركرومبي (Ralph Abercromby) وتقدّم إلى الرحمانية وتقدّم السردار العثماني يوسف باشا من جهة الشرق يريد القاهرة فخرج الجنرال منو يريد قتال الإنكليز فانهزم والتجأ إلى الاسكندرية يريد التحصن بهات فقطع الانكليز سد أبي قير وهو السد المانع لمياه البحر من الإغارة على مصر فانحصر االجنرال منو بذلك في الاسكندرية والجنرال منو هذا هو الذي صار وكيلاً لنابليون بعد موت كليبر الذي قتله شخص يدعى سليمان الحلبي .

ثم تقدم الجيش الانكليزي والعثماني ودخلا القاهرة بعد أن حاصرا من بها من الفرنسيس الذين كانوا تحت قياد الجنرال بليار الذي لما رأى أنه لا يمكنه المقاومة عقد مع القائدين المذكورين شروط التسليم وأخلى المدينة ثم خرجت العساكر الفرنسوية من القاهرة وأقلعت بهم السفن من رشيد هذا أما منو فإنه بعد أن قاتل العثمانيين والانكليز في عدّة وقائع اضطرّ لأن يعقد صلحاً نهائياً مع الأميرال كيث (Keith) الانجليزي والصدر الأعظم يوسف باشا في 22 ربيع الثاني سنة 1216هـ وذهب إلى بلاده على سفن الانكليز وخرج الفرنساويون من الديار المصرية وهم يبكون حظهم.

وبعد أن أخلوا مصر وانسحبت جميع جيوشهم منها أقام الإنكليز سنة كاملة في ثغر الإسكندرية وكأنهم لما رأوا سرعة خروج الفرنسيس وضعضعة أحوال الدولة وحالة الديار المصرية هموا باحتلالها بدل الفرنسيس إلا أن الفرنسويين لما لاحظوا ذلك من مخرجيهم أخذت المخابرات السياسية تجري بينهم وبين الإنكليز والعثمانيين إلى أن خرج الانكليز أيضاً 1217هـ منتظرين فرصة أخرى أكثر مناسبة وفي 23 صفر سنة 1217هـ-1802م عقد نابليون بونابرت مع الباب العالي الصلح ليسترد مودته وليكون له ذخراً عند الحاجة وكان ذلك سبباً لوقوع النفور بين الإنكليز والفرنساويين لأنهم كانوا يودون بقاء تعكير السياسة بين العثمانيين والفرنساويين بالنظر لما أجراه نابليون بونابرت من المقاصد السياسية المضرة بالإنكليز.

الحرب مع الروسيا والدوننما الإنكليزية باستانبول 1221هـ:

لما عقد نابليون بونابارت معاهدة الصلح مع الدولة أرسل الجنرال سبستيان إلى الآستانة ليكون سفير الفرانسا وأوصاه قبل مبارحته باريز بأن يبذل كل مجهود ويسعى بجميع الوسائل لتحسين العلاقات بين الدولتين وإرجاعها لما كانت عليه قبل الحرب فبذل هذا السفير جهده واستعمل كل الوسائط حتى أعاد روابط الإلفة والمحبة بين الطرفين ولما كانت الدولة تود ذلك أيضاً لم يصادف السفير في طريقه عقبات أو موانع وفي تلك المدة خلعت الدولة أميري الافلاق والبغدان لانحيازهما إلى الروسيا وترويجهما سياستها ومقاصدها وعينت بدلهما من المخلصين لها 1221هـ-1806م فاغتاظت الروسيا من ذلك جداً.

وخشيت من تقرب فرانسا إلى الدولة وأهمها ذلك حتى أنها أرسلت جيوشها واحتلت الولايتين المذكورتين بلا إشهار حرب بدعوى أن عزل أميريهما مضر بسياستها جداً ولما عملت الدولة بدخول عساكر الروسيا في بندر وخوتين التزمت بإشهار الحرب عليها ولما كان الإنكليز يعلمون يقيناً أن دولة الروسيا هي الدولة القوية التي يمكنها مقاومة نابليون الذين كانوا يخشون سطوته جداً اجتهدوا في منع وقوع الحرب بين العثمانيين والروس على أن الدولة لم يكن غرضها من ذلك الإعلان إلا إبعاد جيوش الروسيا عن حدودها فقط.

وكانت الدولة العثمانية تسعى فى ذلك الوقت بكل نشاط لاستدامة الروابط والعلاقات الودية بينها وبين الدول الأخرى حتى إنها أجابت الدولة الإنكليزية لما أشارت عليها بخلع محمد علي باشا الكبير من ولاية مصر وتوليته على سلانيك إلا أن استرحام بقائه بمصر الذي طلبه العلماء وأشراف الأهالي من السلطان كان السبب في عدول الدولة عن ذلك وقد كانت الدولة لا تحب أن تبعد عنها دولة فرانسا لما اقتضته سياسة الوقت فلهذا السبب والسبب السابق انحرف الإنكليز عن العثمانيين واتحدوا مع الروسيا على حرب الدولة.

ولما لم تتمكن إنجلترة بواسطة سفيرها بالآستانة السير أربوثنوت (Arbuthnot) من جعل الباب العالي يعدل عن محالفة فرانسا أرسلت أسطولاً تحت قيادة الأميرال اللورد دوك ورث (Duck worth) إلى مضيق الدردنيل ولما كان السفير الإنجليزي حاد المزاج سريع التأثر تكدر من عدم نوال مرغوبه ونزل ليلاً بسفينة إنجليزية 1221هـ-1806م وهرب من الآستانة ولما علم رجال الدولة بفراره في اليوم التالي تأكدوا من قيام إنكلترة لمساعدة الروسيا ضدهم فازدادت المسألة ارتباكاً.

وقد كانت قلاع الدردنيل في حالة سيئة لا يمكنها مقاومة عمارة قوية كعمارة الإنكليز ومع ذلك فإن الدولة لم تهتم بإصلاحها وتقويتها رغماً عن أقوال سفير فرانسا ومن معه من ضباط الفرانسا وبين وكان المانع لها عن ذلك أقوال السفير الإنكليزي الذي كثيراً ما قال لمندوبي الدولة إن مسألة الخلاف الحاصلة بين الدولة والروسيا يمكن تسويتها بالصلح والسلم بدون احتياج لحرب ولذلك تم للسفير ما كان يقصده وهو تأخير تقوية الاستحكامات الأمر الضروري جداً في ذلك الوقت .

ولما رأت الدولة اشتداداً لحالة أرسلت الجنرال سباستيان ومعه ضباط من الفرانسا وبين غيرهم لينظر فيما يحتاجه تحصين البوغاز ويقدموا بذلك تقريراً مستوفياً إلى السلطان إلا أن الصدر الأعظم وغيره من الرجال وكذا القبوذان باشا لما كانوا يكرهون تداخل الأوروباويين في أعمال الدولة لم يهتموا بأمر التحصينات كما أمر السلطان.

أما سفير إنكلترة الذي فر من الآستانة فإنه تمكن من الوصول إلى جزيرة بوغجه اطه سالماً وهناك طلب من الدولة استمرار المخابرة وأرسل ترجمانه إلى جنق قلعة لذلك وأرسلت الدولة من قبلها من ينوب عنها وكان غرض السفير من هذه المخابرات أن أعمال الدولة يهملون عمل الاستحكامات التي تقرر إنشاؤها متى علموا بعود مخابرات الصلح وكانت الدوننما الإنكليزية تنتظر مساعدة الهواء والفرصة المناسبة لاجتياز الدردنيل ثم أرسلت الدولة عمارتها تحت قيادة القبودان الحاج صالح باشا لتقف في البوغاز تمنع سفن الإنجليز من عبوره متى أرادوا وكانت هذه العمارة مركبة من ست سفن.

وقد اتفق أن هبت رياح موافقة يوم عيد الأضحى من سنة 1221هـ-1806م عند الصبح فأقلع الأميرال الإنجليزي المذكور بأسطوله المركب من خمسة قباقات وفرقاطتين وحراقتين وقرويطين بها من المدافع 608 مدافع ودخل البوغاز وتمكن بلا أدنى مقاومة من المرور من أمام قلعتي قوم قيود وسد البحر لوجود كافة حفظة القلاع المذكورة بالجوامع لصلاة العيد ولما وصل الأسطول المذكور إلى قلعتي كليد بحر وجنق قلعة قابلته الدوننما العثمانية المذكورة بإطلاق المدافع فلم توقف سيره بل استمر مسرعاً ثم استقبل في ليمان بورغاز ثم حمل على الدوننما العثمانية ولم يكن بها إلا بعض الجنود لتغيب معظمهم يوم العيد ولما لم يمكن للعساكر البحرية الموجودة بتلك السفن القيام بمقاتلة الأعداء لقلتهم احترق للعثمانيين أربع سفائن واستولى الإنكليز على سفينتين ولم يسلم من الأسطول العثماني إلا إبريق حربي واحد تمكن من الهرب وقال بعض المؤرخين أنه لولا جبن القبودان باشا وسوء تصرفه لامكن للأساطيل العثمانية على مابها من الضعف قهر أساطيل الإنجليز سيما وقد كانت هي الغالبة في أول الأمر بحيث أنها أحدثت بالسفن الإنكليزية خسائر عظيمة.

ولما عاد الإبريق الحربي الذي هرب من المحاربة إلى الآستانة في اليوم الثالث من عيد الأضحى وأخبر قبودانه بما حصل هاجت الأفكار واضطربت الخواطر وعم القلق وصدرت الأوامر سريعاً بإقامة الاستحكامات حول الآستانة وفي ذلك اليوم وصل الأسطول الإنكليزي واستقبل بجانب جزائر الأمراء شرقي البوغاز وأرسل السفير الإنكليزي بلاغاً نهائياً للصدر الأعظم مشتملاً على المواد الآتية هي :

أولاً : أن يتحالف الباب العالي مع الروسيا وإنكلترة.

ثانياً : أن تسلم الدولة في الحال لإنكلترة سفن العمارة العثمانية استحكامات الدردنيل.

ثالثاً : أن تتنازل الدولة للروسيا عن إيالتي الافلاق والبغدان.

رابعاً : أن تطرد الجنرال سبستيان سفير فرانسا وأن تعلن الحرب على فرانسا وحدّد للإجابة على هذا البلاغ مدّة 24 ساعة.

فعقد الوزراء في الحال مجلساً وبعد المداولة أجابوا السفير برفض هذه المقتراحات رفضاً باتاً وباستعداد الدولة للمحاربة والمدافعة وقام الجنرال سباستيان بتكليف من الدولة بتنفيذ أمر الدفاع وبذل جميع الأهالي أيضاً من كل جنس ونوع نشاطاً وهمة عظيمتين في بناء الاستحكامات وتقويتها وكان وزراء الدولة يترددون كثيراً على هذه الاستحكامات لنظرها يومياً بل كل ساعة كما أن السلطان سليم خان كان يذهب بنفسه إليها ويشجع القائمين بإنشائها إلى أحكامها وإتقانها بحيث أنها تمت في زمن يسير وأصبح بها في اليوم الخامس نحو ألف ومائتي مدفع.

وفي أثناء هذه الاستعدادات عرض السيد علي بك الجزائري وكان رئيس بوابي الدائرة الخاصة على السلطان بأنه بماله من المعلومات البحرية يمكنه قهر العمارة الإنكليزية لو سلمت إليه قيادة العمارة العثمانية وهوّن على السلطان كثيراً أمر الأعداء فسر السلطان من أقواله وأصدر أمره بتعيينه قومندانا على الدوننما الراسية بخليج الآستانة وكانت مؤلفة من عشرين سفينة حربية مختلفة النوع والقدر فقادها ورسا بها أمام سراي بشكطاش.

ولما كان أهالي الآستانة قد امتلأت صدورهم غيظاً وحنقاً على تجاوز الإنكليز لهذا الحد سيما الجنود منهم تطوع منهم في يوم واحد أكثر من سبعة آلاف وخمسمائة شخص في البحرية وبعد أن قيدوا أسماءهم وزعوهم على السفن هذا أما القبودان باشا الذي أعدم الإنكليز عمارته فإنه بعد وصوله براعزل لإهماله وتعين بدله السيد علي بك المذكور ورقي إلى مسند الوزارة وأحيلت عليه ولاية الجزائر وقتل أيضاً فيضي أفندي محافظ بوغاز الدردنيل لتقصيره في أداء واجباته عند مرور الدوننما الإنكليزية من البوغاز وعينت الدولة بعض الضباط ومعهم نفر من مهندسي الفرنسويين لتقوية قلاع واستحكامات الدردنيل.

ولما بلغ أهالي البلاد المجاورة للآستانة مرور الدوننما الإنكليزية من البوغاز ومجيئها للآستانة حضر كثير من أعيانهم وحضر أيضاً سردار شيله أوزون حسن باشا مع جيشه ونزلوا بالدوننما استعداد للقتال وحضر كثير من أعيان الرومللي والأناضول لهذا القصد وعين قسم من عساكر فنار باغجه إلى جزيرة قنالي وأوقعوا بزوارق الإنكليز التي أتت للاستقاء منها وأسروا بعض الجنود وكان من بينهم ابن أميرال الدوننما الإنكليزية.

ولما بلغ السلطان خبر هذه الواقعة أنعم على أولئك الجنود ولذلك أخذ كثير من صيادي الأسماك يناوشون الجنود الإنكليزية التي كانت تتردد بزوارقها بين السفن وبعضها وأراد بعضهم منع الإنكلزي من الاستقاء من جزيرة قنالي فلم ينجح.

والحاصل أنه في مدة خمسة أيام من تاريخ وصول العمارة الإنكليزية تم عمل الاستحكامات بجهات سراي برون ويدي فله وقزقله وساحل قاضي كوى ووضعت فيها المدافع العديدة ولما استعد القبودان باشا الجديد المذكور أراد الهجوم على العمارة الإنكليزية فمنعه القواد وطلبوا منه أن يكون مدافعاً لا مهاجماً لما عليه العمارة الإنكليزية من الاستعداد وتدرب جنودها على القتال بخلاف الجنود العثمانية الحديثة العهد بالبحرية.

وفي تلك الأثناء كانت المخابرات مستمرة بين السفير الإنكليزي ورجال الدولة وأخيراً خفف الإنكليز طلباتهم وكانوا كلما قدموا طلباً رفضه العثمانيون ثم لما رأى ربان العمارة الإنكليزية أنه لايمكنه ضرب الآستانة لمنعتها وتحمس الأهالي والجنود وإن استحكامات الدردنيل جار تقويتها يومياً وخشي من أنه لو مضى الوقت على ذلك أصبح في مركز حرج أقلع في يوم الأحد الثاني والعشرين من ذي الحجة من السنة المذكورة ولما مر على جهات البوغاز وغيرها ورأى ما بها من القلاع الجديدة ثبت لديه ظنه وأنه صار عاجزاً عن عمل ما ولو تهديدياً ولذلك بادر بالخروج سالماً.

ولما رأى أهالي الآستانة عودة العمارة الإنكليزية بصفقة المغبون فرحوا وهللوا وكبروا ولما وصلت الدوننما الإنكليزية إلى جهة أكينلك القريبة من كليبولي مكثت بها يومين وتركت فيها السفينتين العثمانيتين اللتين استولت عليهما في واقعة البوغاز كما تقدم وفي أثناء مرورها من البوغاز أطلقت عليها بعض قلاعه الحديثة مدافعها فأحدثت بها خسائر كبيرة وأغرقت منها سفينتين من نوع القرويت وقتل من جنودها ستمائة نفر سيما وإن المدافع الجسيمة التي تركبت أخيراً في الاستحكامات كانت من عيار ثمانمائة ليبرة وبعد أن تخلصت العمارة الإنكليزية من تلك الشدة رست قريباً من جزيرة بوزجه اطه لتصلح ما لحقها من التلف.

وكانت الدوننما الروسية وصلت قبل ذلك بقليل إلى جزيرة بوغجه اطه تحت قيادة الأميرال سينياوين (Siniawin) ولما تقابلت مع الدوننما الإنكليزية عرض ربانها على الأميرال الإنكليزي أن يصحبه ليدخلا سوية من الدردنيل ويضر بالآستانة فلم يقبل الأميرال الإنكليزي أن يصحبه ليدخلا سوية من الدردنيل لعلمه أن ذلك أصبح بعيداً عليهما ثم استوليا على جزيرة بوزجه اطه المذكورة وصارا يصادران بسفنهما كل سفينة تجارية عثمانية.

ومما تقدم تعلم ما حازه العثمانيون من الفخر في هذا الدفاع العظيم وقيامهم كرجل للمدافعة عن استقلالهم الذي لعبت به أيدي الأجانب لعدم تبصرهم وتهاونهن وقد كان بقاء العمارة العثمانية مدافعة لا مهاجمة من أحكم الآراء وأصوب الأفكار لأننا قدمنا أن هذه الدوننما إنما كانت مشكلة من السفن الصغيرة وجنودها كانوا من أفراد الأهالي الذين لم يمارسوا الأعمال البحرية ولا عانوا الأحوال الحربية ولا أحكموا الفنون والنظامات العسكرية بل هم رعايا قادتهم الهمم الأبية والنخوة العلية لأن يصدموا بأنفسهم عدوّهم وأن يصطلوا حر المعمعة ويخوضوا عبابها بخلاف السفن الإنكليزية فكانت ذات قوة وضخامة وجسامة وأفرادها على معرفة تامة بالفنون البحرية وأساليب القتال.










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 16:36   رقم المشاركة : 89
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 إطلاق العمارة الإنكليزية قنابلها على الإسكندرية

إطلاق العمارة الإنكليزية قنابلها على الإسكندرية :

علمت مما سبق أن العمارة الإنكليزية بقيت راسلة بجزيرة بوزجه اطه تهدّد الدردنيل وتقبض على سفن التجارة العثمانية وفي شهر محرم سنة 1222هـ أتتها نجدة قوية مؤلفة من إحدى وثلاثين سفينة بها سبعة آلاف مقاتل لأن الحكومة الإنكليزية أرادت محو ما لحقها من العار في مسألة استانبول هذه ولذلك أمرت أميرال هذه العمارة بالذهاب إلى مدينة الإسنكدرية واحتلالها فقام بما عهد إليه وأتى إلى الإسكندرية وبعد أن ضرب قلاعها ولم تكن شيئاً يذكر في يوم 10 محرم سنة 1222هـ-1807م أخرج العساكر من السفن بقصد الاستيلاء على البلاد المصرية تحت قيادة الجنرال فرازر (Fraser) ثم بعد بضعة أيام ذهبت فرقة من أولئك العساكر إلى رشيد لأخذها.

وقبل وصولها كان محافظ رشيد المدعو علي بك لما علم بسير الإنجليز نحوه استعد لقتالهم بما لديه من الجنود القليلين وأمر أهلها بالسكون والثبات والاختفاء حتى إذا أعطى إليهم الإشارة شنوا عند ذلك الإغارة فانصاعوا لأمره وامتثلوا لما قام بفكره وبذلك صارت الطرق والشوارع كالأطلال البلاقع ودخل الإنكليز بلا ممانع ولا مدفع فظنوا أن الديار قد خلت من قطائها والمدينة قد خلت من سكانها ولم يعملوا أن الأسود رابضة في آجامها وأطيار المنايا تغني على أفنانها ولما ألقوا عصا التسيار وتفرقوا في أكنافها للاستراحة من الأسفار.

لم تمض برهة حتى انسكب عليهم هطال من الليوث لا من الغيوث ودهمتهم الأبطال فاضطربت أفكارهم وبهتت أنظارهم وما زال أهالي البلد يلبسونهم حللاً حمراء من نسج السلاح ويفتكون بهم فتكاً ليس بعده صلاح حتى فرقوهم أيادي سباً وجعلوهم يمعنون فراراً وهرباً وقد أوقعوهم في خسائر عظيمة ومصائب جسيمة وأسروا منهم أعداداً وافرة أرسلوا بها إلى القاهرة ولما وصل الأسرى إلى المحروسة حصل لأهالي القطر المصري جسارة عظيمة وتقدم والي مصر وقتئذ وهو الهمام الشهير محمد علي باشا الكبير بقوة إلى دمنهور لمحاصرة الإنكليز بالإسكندرية.

ولما علم الباب العالي خبر استيلاء الإنكليز على الإسكندرية أعلن الحرب عليهم إلا أنه لما لم يمكنه إرسال قوة برية من الآستانة إلى الإسكندرية عن طريق البحر لوجود العمارة الروسية راسية أمام بوغاز الدردنيل ودوننما الإنكليز بسكندرية أصدر أمره إلى والي صيدا والي كنج يوسف باشا بأن يقوما بالقوى اللازمة من جهة سور بالمساعدة الحكومة المصرية على أنهمة محمد علي باشا والي مصر لم تكن تحتاج لهذه المساعدة بالكلية لأنه لما تقدّم نحو دمنهور كما أسلفنا وحاصر الإنكليز في الإسكندرية في أواخر جمادى الثانية من السنة المذكورة تحققوا عدم طاقتهم على المقام بها.

ولذلك طلبوا مخابرة محمد علي باشا في إخلائهم لها تحت شرط أن يعيد أسرارهم كما أنهم يعيدون إليه الأربع سفن والبحرية العثمانية الذين كانوا استولوا عليهم يوم استيلائهم على الاسكندرية فلما تم ذلك أخلوا الثغر في أواسط رجب من تلك السنة ولما كان قطع العلائق مع الدولة العثمانية يضر بسياتهم انسحبت سفنهم من البحر الأبيض المتوسط ومن بحر الأرخبيل.

ولما علم السيد علي قبودان باشا بسفر المراكب الإنكليزية خرج بالدوننما لمحاربة العمارة الروسية الراسية أمام البوغاز إلا أنه ارتد مقهوراً بعد أن أظهرت جنوده من الإقدام والشجاعة ما اعترف به الأعداء ومع ذلك فإن الخسائر الجسيمة التي أصابت أساطيل الروسيا اضطرها للذهاب إلى جزيرة كورفو.

صعود محمد علي باشا على ولاية مصر 1219هـ:

لما تعين القبودان كوجك حسين باشا بالدوننما السلطانية لإخراج الفرانساويين من مصر أرسل مكتوباً إلى جورباجي مدينة قواله حسين أغا بأن يرسل ما لديه من الجنود فأرسل حسين أغا المذكور العساكر وكانوا مائتي نفس مع صهره محمد علي أغا فأنزلهم القبودان باشا المذكور بالسفن وأقلع يريد مصر وبعد تمام الفتح بقيت بديار مصر أكثر الطوائف العسكرية التي توجهت إليها من بلاد الأرنؤد والرومللي ومن ضمنهم محمد علي أغا المذكور وكان يتصف بالذكاء الفطري والاستعداد الغريزي للرياسة وإدارة أعمال الحكومة فأخذ يفكر في ذلك وإخراج تصوراته من القوة إلى الفعل بكل احتياط ودقة.

وما زال يسعى بجد ونشاط حتى حصل على مزية كبيرة وساعدته فرص الزمان والمكان فلم يمض زمن طويل حتى نال منصب سر جشمه وبنوا له هذا المنصب صار رئيساً على عموم كبراء عساكر البأس بوزوق وكان والي مصر إذ ذاك قوجه خسرو باشا يهتم بتنظيم وترتيب الإيالة ويسعى في تخليص مصر من عساكر الباش بوزوق لما أتوه من الأعمال الشريرة ولما أخبر رؤساء هؤلاء الجنود بضرورة عودهم إلى بلادهم قبلوا وامتثلوا.

إلا أنه لما لم يصرف لهم علوفاتهم بالتمام أظهر العصيان وشقوا عصا الطاعة وقتلوا الدفتردار رجائي أفندي واضطر خسرو باشا إلى الفرار ولقد كانت هذه الواقعة مبدأ للضغينة والعداوة بين محمد علي باشا وخسرو باشا المذكور وبعد فرار خسرو باشا سعى محمد علي أغا في القبض على زمام الحكومة المصرية من جهة أخرى أخذ يقاتل حنود الكولمان بكل قوته وبينما هو يدأب في محو الشقاق والفساد لإعادة السكينة للبلاد المصرية نصبت الدولة خورشيد باشا والياً على الديار المصرية فحضر إليها هو وحاشيته.

ولما كانت الدولة تميل لخلاص البلاد المصرية من الكولمان أخذ خورشيد باشا يساعد أعمال محمد أغا ويشجعه على ذلك إلا أن الوالي المذكور لما وقف على مسلك محمد علي أغا الحقيقي تشبث في إخراجه من الديار المصرية وسعى له حتى أسندت إليه ولاية مدينة جدة مع رتبة الوزارة إلا أن عساكر الباشي بوزوق تعصبوا لمحمد علي وأظهروا العصيان ثانية وحاصروا خورشيد باشا في قلعة القاهرة .

ولما وصل خبر هذه الحادثة إلى الآستانة خاف السلطان ورجاله من استمرار الفتن بمصر فدبر الوزراء حيلة وهي أنهم جعلوا السلطان يصدر فرمانين أحدهما بإبقاء خورشيد باشا في مركزه والولاية على ديار مصر والثاني بتعيين محمد علي باشا والياً على مصر أيضاً وعين أحد رجاله المدعو صالح بك لتوصيل هذين الفرمانين وأمرته الدولة بأنه متى وصل القاهرة أظهر ما رآه موافقاً ومناسباً من الفرمانين حسب الظروف ولما وصل المأمور المذكور ورأى أن الأهالي يضادون خسرو باشا أظهر فرمان تولية محمد علي باشا وتلاه بالصفة الرسمية بحضور العلماء والأعيان والجنود وبذلك استتب الأمن وارتقى المرحوم محمد علي باشا على ملك مصر من ذلك اليوم بما أظهره من الحزم والجد والنشاط وبما وهبه الله من عظيم الصفات وحميد الخلال اللازمة لأعاظم الرجال وأكابر الأبطال وسنأتي على أخبار محمد علي باشا مفصلة بالجزء الثاني إن شاء الله تعالى.

الإصلاحات بالدولة ووقوع الفتنة 1222هـ:

اعلم أنه بينما كانت الحروب قائمة بين العثمانيين والروسيين دخل والي ولاية بوسنة بجيشه إلى إقليم الصرب ومنع ثائريه من الالتحاق بالجيش الروسي وفي سنة 1221هـ هزم قاسم باشا محافظ إسماعيل جيش الروسيا ومنعه من التقدّم وفي 26 محرم من سنة 1222هـ خرج القبودان السيد علي باشا بدوننما مؤلفة من سفينة حربية إلى بوغاز الدردنيل لمقابلة الدوننما الروسية التي كانت تحاصره تحت قيادة الأميرال سينياوين (Siniawin) فحمل عليها القبودان باشا المذكور في أواخر ربيع الثاني بدون احتراس واستعمل في هجمه الطريقة القديمة التي تستعملها سفن قرصان أوجاقات الغرب المخالفة لفن حرب الوقت المذكور فأسقط الريح سفنه خلف سفن العدوّ فتمكّن منه الأميرال الروسي وأسر سفينة وكيله أبي بكر بك وخرب وأحرق بعض السفن الأخرى فاضطر القبودان باشا للنجاة بباقي سفنه إلى داخل البوغاز.

ثم اتهم القائد الثالث شره مت بك شيرمرد وبعضاً من رؤساء السفن بالتقصير ليتخلص من العار وينجو من العقاب وقد كان وعفا عنه السلطان وأمر بقتل شره مت بك ومن نسب إليهم التقصير ظلماً مع أنهم ممن اشتهروا في خدمة الدولة بالصداقة.

ولما كانت سفن الروسيا أصابتها أيضاً خسائر جمة أقلع بها الأميرال إلى كورفو من جزر اليونان ليتمكن من إصلاحها وبذلك تخلص البوغاز من محاصرة الأساطيل الروسية وقد عدّ المرحوم جودت باشا ذلك انتصاراً لا انكساراً لهذا السبب ثم استعد الجيش السلطاني بصحراء داود باشا لملاقاة الأعداء وتعين خورشيد أحمد باشا سر عسكراً على جهة صوفية ووجهت إليه ولاية الرومللي ومحافظة مدينة نيش وتعين إدريس باشا محافظاً لواردين وولي الدين باشا لولاية موره.

وتعين محمد باشا الولاية قارص وأرسلت الدولة المهمات والجيوش إلى شاطىء الطونة تحت قيادة الصدر الأعظم مصطفى باشا حلبي ومصطفى باشا البيرقدار وكان المارشال ميكلوسون القائد العام الروسي قد زحف بجيش مؤلف من خمسين ألف مقاتل على مدينة بخارست ولما دارت رحى الحرب تمكن العثمانيون من منع الروس عن التقدّم على الأراضي العثمانية.

هذا وفي تلك الأثناء كان السلطان سليم يبذل الجهد في تنظيم العساكر على الطريقة الجديدة الأوروباوية لإلغاء وجاق اليكجرية.

ولما كانت هذه الإصلاحات من أكبر المصائب بالنسبة لليكجرية هاجوا وماجوا واعتصبوا في داخل استانبول وكان يساعدهم على أفكارهم العقيمة المضرة بحالة الدولة كثير من رجالها خلاف السواد الأعظم من الأهالي وكان عطاء الله أفندي شيخ الإسلام وكذا قائمقام الصدر الأعظم موافقين لأهل الثورة في الرأي يحرضانهم سراً حيث رسخ في أذهانهم أن النظام الجديد طريقة إفرنجية وإن من تشبه بقوم فهو منهم.

ولما قويت هذه الحجة الواهية في صدورهم قالوا جميعاً هيا بنا نلاشي النظام الجديد وننتقم من الوزراء الذين أفسدوا الدين بأفعالهم الشنيعة فأخذوا ينهبون ويقتلون وكان المفتي عطاء الله أفندي أعطاهم كشفاً بأسماء بعض كبار الدولة لقتلهم فأخذوا يتلونه ويفتشون على أولئك الرجال فوجدوا البعض منهم فقتلوه واختفى كثير.

وقيل إنهم قطعوا 17 رأساً من بين أكابر رجال الدولة ولم يقفوا عند هذا الحد بل صمموا على طلب السلطان سليم والقبض عليه لخلعه وصاروا يجاهرون بأقوال تهكمية كقولهم يا أيها السلطان المغشوش بهذه التعاليم أنسيت أنك أمير المؤمنين وعوضاً عن اتكالك على الله القادر العظيم الذي يبدّد بقدرته الجيوش الكثيرة أردت أن تشبه الإسلام بالكفار.

ومثل ذلك من الأقوال وأرسلوا شيخ الإسلام عطاء الله أفندي المذكور للسلطان سليم ليكلفه بالتنازل بلا مقاومة فدخل عليه متذللاً منخفض الرأس قائلاً يامولاي قد حضرت بين يديك برسالة محزنة أرجوك قبولها لتسكين الهيجان وليس يخفى على عظمتكم أن عموم العساكر اليكجرية نادوا باسم السلطان مصطفى ابن عمك سلطاناً عليهم ولا سبيل إلى المقاومة فالتسليم لأمر الله أوفق وأسلم من كل شيء فأظهر السلطان تجلداً ولم تبد عليه علامات الكدر من هذ الحديث بل قبل كلام الشيخ وتنازل عن السلطنة يوم 21 ربيع الأول من سنة 1222هـ-1807م وجلس بعده السلطان مصطفى خان.

وكان السلطان سليم رحمه الله سليم الطبع كريم الأخلاق محباً للمعارف والعلوم ونشرها في المملكة على الطريقة الأوروباوية الحديثة لأنه كان يعلم أنها هي الواسطة الكبرى لتأمين انتظام الحكومة وتكثير منابع الثروة والرفاهية.

السلطان مصطفى الرابع ابن السلطان عبد الحميد الأول1222 -1223هـ:

أحوال دار الخلافة:

جلس هذا السلطان على التخت وعمره 29 سنة ولما كانت أحوال العاصمة في اضطراب شديد سلك مسلكاً يخالف مسلك من سلفه لأن أصناف العساكر اضطرته لأن ينبذ الاصطلاحات الجديدة النافعة التي كانت أدخلت ويعيد الأصول والمراسيم والعوائد القديمة وبذلك تأخرت الدولة في طريق التقدّ نحو نصف قرن آخر.

وفي مدة حكمه القصيرة التي بلغت أربعة عشر شهراً كانت مداخلات الجنود الثائرة في إدارة الحكومة تتزايد يوماً عن يوم حتى أصبحت الحالة قريبة من الفوضى وقد اغتصب القائمقام موسى باشا أموال الذين قتلوا في الثورة.

ولما علم أمره أقبل من منصبه ونفى إلى بروسه وبعد عشرة أيام من ذلك عزل أيضاً شيخ الإسلام عطاء الله أفندي لتحريضه الثائرين على أفعالهم القبيحة فهاجت عند ذلك الجنود وتشيعوا له وأجلسوه في منصبه ثانية فطغى واستبد فازدادت الأحوال تكدرا وقد كان وصول خبر خلع السلطان سليم إلى إمبراطور فرانسا نابليون الأول وقت فوزه على قيصر الروسيا وعقده معه معاهدة تلسيت (Tilsitt) الشهيرة.

وتداخل نابليون في الصلح حتى عقدت هدنة بين الدولة العلية والروسيا ثم انسحبت الجيوش من حدود المملكتين وعادا الجيش السلطاني إلى أدرنه لأن تلك المهادنة صارت صلحاً دائمياً ثم إن نابليون غير بعد ذلك سياسته مع الدولة وتعاهد سراً مع الروسيا على تقسيم الممالك العثمانية بينهما بمعنى أن فرانسا تأخذ بوسنة والبانيا ويانيا وموره وتساليا ومقدونيا وتأخذ الروسيا الإفلاق والبغدان والبلغار والرومللي وتعطي الصرب للنمسا ولما شاع هذا الأمر أرسلت الدولة سفير إلى نابليون يدعى محب أفندي للمفاوضة معه واستطلاع نواياه نحوها.

موت السلطان سليم:

اعلم أن مصطفى باشا البيرقدار المتقدّم الذكر وإن كان أمياً إلاَّ أنه كان جريئاً جسوراً سليم العقل كريم الخلق ذا حمية ووطنية أظهر في حروب الروسيا الأخيرة من الشجاعة والإقدام ما جعله معدوداً من أعاظم الرجال وقد أنعم عليه السلطان برتبة الوزارة ووجه إليه ولاية سلسترة ولما كانت مقادير الرجال لاتقدّر قيمتها وقت الاختلالات والاضطرابات وكثيراً ما قاومهم الحساد وقع بينه وبين الصدر الأعظم جلبي مصطفى باشا نفور ثم تصالحا وعاد إلى روسجق ولما دعيا إلى استانبول امتنعا من مبايعة السلطان مصطفى وسعياً في إرجاع السلطان سليم إلى كرسيه ثانية لميلهما إلى سياسته ولما أحس السلطان مصطفى بذلك بعث أناساً فخنقوا السلطان سليم وأرسل آخرين لخنق أخيه الأمير محمود.

إلا أن مصطفى باشا البيرقدار تدارك الأمر وأرسل من طرفه أناساً أحضروا الأمير محمود عنده لحمايته من كل من يريد به شراً ونادوا في الحال بالسلطان سليم إلا أنهم لما علموا بموته أرسل مصطفى باشا في الحال جماعة من طرفه فقبضوا على السلطان مصطفى وخلعوه وأجلس السلطان محمود على كرسي السلطنة وسنه 24 سنة.

السلطان محمود الثاني ابن السلطان عبد الحميد1223-1255هـ:

صدارة البيرقدار وفتنة اليكجرية :

لما بويع السلطان محمود بالخلافة عين في الحال مصطفى باشا البيرقدار لمسند الوزارة وعرب زاده عارف أفندي للمشيخة الإسلامية ولما رأى ديوان الشورى أن بقاء السلطان مصطفى في قيد الحياة يكون سبباً للفتن والقلاقل التي أودت بالدولة إلى دركات الضعف أقروا على قتله فقتلوه خنقاً وكان ذلك على غير إرادة السلطان محمود ثم إن الصدر بحث عن جميع الأشخاص الذين لهم يد في قتل السلطان سليم وأعدمهم عن آخرهم ونفى شيخ الإسلام السابق عطاء الله أفندي ومن على شاكلته من قضاة العساكر.

ثم التفت إلى معانديه ونكل بهم فخلا له الجوّ وقبض على زمام السلطة وشكل الوزارة من رجال اشتهروا بالإخلاص والميل له ثم وجه همته لاستئصال المفاسد التي فشت بين طائفة اليكجرية وهو عمل من أصعب الأعمال وأشدها خطر لأنه كان السبب في فشل كثير من الوزراء قبله ولما عزم على ذلك عقد مجلساً حافلاً دعا إليه جميع الباشاوات والأعيان ولما كمل عددهم عرض عليهم ضرورة إصلاح فرق اليكجرية بشرط عدم ملاشاتها لأنهم صاروا إلى حالة سيئة من الاختلال والجهل بفنون الحرب.

وعرض لذلك عدة طرق من شأنها أن تعيد لهذا الجيش قوته السابقة ومهابته القديمة مستنداً في ذلك على ضرورة إنشاء جيش منظم يعادل جيش الأوروبا وبين ثم قال لم يعد عند أحد من التعظيم والتجلة لجيش اليكجرية المجيد قدر ما عندي له من ذلك وأنثى أفتخر بتبعيتي لهذا الجيش الذي إذا لم تلحقه عوامل التطرف المضرة ولم يغير النظامات التي سنها له حاجي بكتاش لصار لايقهر الآن كما كان في السابق وصارت الوظائف بدل أن تعطى حسب الاستحقاق والشجاعة صارت تباع وتشرى وأصبحت الثكنات مأوى للذين لامأوى ولا صناعة لهم أو للأنذال يفرون من الشغل.

وقد ساد الاختلال وعمت القبائح المخجلة جميع فرقهم ونسوا التمرينات التي حتمتها عليهم قوانين وأوامر السلطان سليمان وأن اليكجرية المستعملين في الحفظ والحراسة صاروا يبتذون أموال الرعية ونبذوا أمر الاشتغال بالمحافظة على الأمن ظهرياً وليست نتيجة ذلك إلا الجهل بالفنون العسكرية وعدم الانتظام حتى عدمت منفعة جيش كان مدة قرون الفخر للدولة والعز للملة بحيث كانت الدنيا تعد منه خوفاً.

وصار أعاظم العلماء والقضاة يدفعون أجور مخدوميهم من خزينة اليكجرية وكثيراً ما ترى عدّة جوامك ونفقات سرية تعطية لشخص واحدة لم تسبق له خدمة بين الجنود أصلاً أو لم يحمل السلاح للمدافعة عن الدين والدولة مطلقاً وقد أخذ ضباط اليكجرية يتعاملون معاملة مخجلة بيعاً وشراء في أوراق مرتبات الجنود بمساعدة بعض المرابين من اليهود بحيث أنهم يحرمون في الغالب بما يأخذونه من الربا لفاحش الجندي الغيور المحافظ على واجباته من المرتبات التي منحتها له الحكومة مكافأة لاتعابه وتأميناً لمعيشته وإن مولانا السلطان الذي يصرف همته ليعيد لهذه الدولة مجدها السابق وسطوتها القديمة يشعر أنه من المهم العودة للنظامات الحربية القديمة التي أعلت شأناً الدولة وقد كلفني بأن أبلغكم نواياه.

ثم عرض الوزير على الهيئة إجراء الأمور الآتية وهي :

أولا:ً إبادة عادة بيع الوظائف.

ثانياً : تكليف جميع اليكجرية الغير المتزوّجين بسكنى الثكنات.

ثالثاً : أن لا تدفع جامكية إلا لليكجرية الذين في الثكنات المؤدين للخدمة بالفعل.

رابعاً : أن يمنع بيع الجامكية مطلقاً إلا في أحوال خصوصية وإن من خالف ذلك يعاقب عقاباً شديداً.

خامساً : أن يضبط جدول المخصصات العمومي التي تدفع من خزينة اليكجرية.

سادساً : أن يجبر اليكجرية على إجراء التمرينات التي سنها السلطان سليمان وأن يكونوا خاضعين لنظام دقيق.

سابعاً : أن يؤمر في الحال باستعمال الأسلحة الجديدة والتعبية التي يستعملها الأوروباويون بين جميع الجنود العثمانية وهي أعمال إباحتها فتاوى المفتين.

ومع ذلك فإنه خوفاً من أن إلغاء هذه القبائح والاختلالات وإعادة النظام القديم مرة واحدة ربما أحدث عوائق مهمة أقر مولانا السلطان على أن ينتخب من بين اليكجرية الأقوياء ومن غيرهم من شبان المسلمين المقيدين في ديوان الجيش العدد الكافي لتنظيم فرقة لقتال الفرنج ويكون نظامها كنظام اليكجرية السابق ويكون لها في تمريناتها وترتيباتها في القتال وفي وجودها بالثكنات ما للجيوش الأوروباوية من النظام الذي جعله فن الحرب الحديث من الضروريات.

فأقر المجلس باتحاد الآراء على هذه الأفكار وصدّق عليها كتابة وأقرها شيخ الإسلام بلا صعوبة وخرجت بها الفتوى.

والحاصل أن الأحوال تمشت كما يحب البيرقدار ويشتهى.

استئناف الحرب بين الدولة والروسية :

وفي سنة 1225هـ-1810م خرجت الدوننما العثمانية إلى البحر الأسود وقبضت على سفينة روسية ولما وصلت إلى وارنة اضطر الجيش الروسي الذي كان يريد حصارها أن ينصرف عنها وبسبب ما كانت عليه أساطيل العثمانيين في ذلك الوقت من الاختلال والضعف كانت قرصان الروسية تتعرض لها في الطريق وتحاربها ثم عادت في فصل الخريف ولم تجر عملاً ما وفي سنة 1226هـ تعين قر محمد باشا قبودانا للدوننما وبموته تعين حسر ومحمد باشا وهو كرجي الأصل وخرج بالدوننما سنة 1227هـ إلى البحر الأسود وكانت العمارة الروسية تطوف حول شواطىء بلاد الكرج فبقيت الدوننما العثمانية تتردّد بين سواحل سينوب ومضيق البوسفور ولم تتعرض إحدى العمارتين للأخرى.

أعمال الجيش العثماني ومعاهدة بكرش 1227هـ:

كان القائد للجيوش العثمانية في هذا الحرب هو الصدر الأعظم يوسف ضيا باشا تعين بعد وفاة البيرقدار مصطفى باشا فلم يمكنه منع العساكر الروسية من التقدّم فاستولوا على مدن إسماعيل وسلسترة وروسجق وجهات نيكوبولي وبزارجق وهزارغراد في سنتي 1225-1226هـ ولذلك اتهموا ضيا باشا بالتهاون فعزل وصودر ونفى إلى ديمتوقه ووجهت الصدارة إلى لاز أحمد باشا ولما قاد الجيوش الرومللي وكانت 65000 ألف مقاتل هاجم الروس 1227هـ وألزمهم القهقري وإخلاء روسجق بعد أن خربوها وأحرقوها وفي خلالها أرادت فرانسا التوسط في الصلح فرفض السلطان محمود مداخلتها لأنه غضب جداً من المعاهدة التي عقدها نابليون مع قيصر الروس إسكندر الأول في تلسيت.

وكان من بنودها المشاركة في تجزئة البلاد العثمانية كما تقدم واستمرت الدولة تحارب الروسيا على غير فائدة لهزيمة جيوشها وبينما كانت الحالة وخيمة العاقبة على الدولة من كل صوب إذ أتاها الله بالفرج فتعكر كأس السياسة بين نابليون الأول وبين دولة الروسيا لعدم قيامها بتنفيذ بعض شروط معاهدة تلسيت التي كان من مقتضاها أن الروسيا تعاكس وتمانع تجارة الإنجليز بغلق أبواب ثغورها عليها وإشهار عليها الحرب 1227هـ-1812م .

وسار بجيوش جرارة وقوة هائلة إلى بلاد الروسيا فالتزمت الروسيا عند ذلك أن تسحب أكثر جيوشها من الحدود العثمانية وسعت في مصالحة الدولة وعينت الدولة غالب أفندي كتخد الصدر الأعظم وغيره مندوبين عنها بعثتهم إلى مدينة بكرش أي بخارست وهناك عقدت المعاهدة المسماة بمعاهدة بكرش في 17 جمادى الثانية 1227هـ-1812م .

كانت موافقة جداً للدولة العثمانية بمقتضاها بقيت الإفلاق والبغدان تابعتين لها كما كانتا وكذا بلاد الصرب مع بعض امتيازات ولم تم الصلح وعادت الجيوش عادت العمارة العثمانية أيضاً إلى استانبول وقد اغتنم السلطان محمود الثاني فرصة الصلح وأخذ يهتم في تسكين الثورات القائمة بولايتي بغداد وأيدين وغيرهما وإتمام المشروعات الحسنة والتعليمات الجديدة التي كانت بدأ فيها السلطان سليم خان الثالث وأوقفه عن إتمامها ثورة اليكجرية وحرب الروسيا.










رد مع اقتباس
قديم 2011-03-18, 16:37   رقم المشاركة : 90
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 حادثة ساقز

حادثة ساقز:

إنه في يوم الثلاثاء 28 رمضان من سنة 1237هـ-1822 بينما كانت الدوننما العثمانية التي تحت قيادة نصوح زاده علي باشا راسية أمام جزيرة ساقز حضرت سفينة حربية رافعة راية نمساوية ورست بعيداً عن الدوننما ونزل قبودانها لزيارة القبودان باشا كالأصول البحرية فقابله في سفينته وفي أثناء محادثتهما معاً أخبر قبودان السفينة النمساوية القبودان باشا بعزمه على القيام غداً وبعد خروجه حضر بين يدي القبودان باشا التلامذة المهندسون الذين بسفينته وقالوا له أنهم مشتبهون في شكل وهيئة هذه السفينة النمساوية ويلتمسون أنه يأمر بكشف حقيقتها حسب أصول البحر وقواعده خصوصاً في أزمنة الحروب هذه فلم يلتفت لقولهم ولم يهتم به أصلاً.

وعند غروب ذلك اليوم أقلعت السفينة المذكورة بسرعة فوقع الشك عند جميع ضباط العمارة العثمانية لأن ربانها خالف بذلك ما قاله للقبودان باشا من قيامه في صباح اليوم التالي ولذلك قابلوا القبودان باشا وطلبوا منه الأمر باستعداد العمارة للمدافعة ليكونوا في أمن مما عساه أن يحدث من مكايد الأشقياء فقال لهم أنكم رجال خوافون لأن العدوّ إذا كان ناراً فلا يحرق إلا على قدره فسكتوا عند ذلك وتحققوا أن تلك السفينة لم تكن إلا يونانية محضة أتت لاختبار حالة العثمانيين ومعرفة موقع سفينة القبودان باشا وموقع بقية سفن الدوننما أثناء وقوفها ولما تم لها ذلك أقلعت كما تقدم ولقد تأثر قبودانات الدوننما العثمانية من غفلة القبودان باشا وعدم تبصره في العواقب وسرت هذه الغفلة إليهم هم أيضاً فلم يهتموا حسب الواجب عليهم في التيقظ والانتباه لما عساه يحدث من المكايد بل ألقوا أجسادهم على مهاد الدعة والسكون.

ولما كانت الساعة السادسة ليلاً لم يشعروا إلا وحراقات اليونان التصقت بالدوننما العثمانية وألقت النار بغليون القبودان باشا وحل الخوف والذهول بباقي قبودانات السفن حتى إنها لم تبد أقل حركة لإنقاذ سفينة القبودان من الهلاك ثم سرت النار منها إلى سفينة أخرى كانت تحت ريح الأولى وعند ذلك نشرت بقية السفائن أشرعتها وابتعدت عن السفينتين الملتهبتين.

ولما يئس القبودان باشا مع ما بذله من المجهود نزل في زورق يريد النجاة إلا أن النيران كانت وصلت إلى مخزن بارود السفينة فتفرقعت وطارت في الهواء قطعاً ووقعت قطعة ملتهبة منها على زورق القبودان فأغرقته بمن فيه وهكذا ذهب القبودان فريسة جهله وعناده وقد وجدت جثته طافية على الماء فاستخرجت ودفنت بجزيرة ساقز.

وكان هذا نهاية هذه الحادثة الني نتجت من عدم التبصر والتدبر في الأمور وخسرت الدوننما غليوناً من الغلايين المهمة وبعد موت القبودان باشا خلفه في مسند القبودانية العامة مختار بك بأمر من وحيد باشا لحين صدور أمر من الدولة ثم تعين قره محمد باشا وكان سر عسكراً على الجيش الموجود بالسفن المتجولة بجهات بالوباردة وتعيين مختار بك قبوداناً للسفن المصرية وسفن وجاقات الغرب وأمر بالذهاب إلى جزيرة كريد بعد أن يرافق العمارة العثمانية إلى مياه بالو باردة ويسلمها إلى القبودان باشا ليضمها إلى السفن الموجودة تحت إدارته ولما تعين قره محمد باشا لمسند القبودانية العامة لم يلتفت إلى الجهات الواقع فيها العصيان ولم يهتم بأحوالها ولم يمد أيضاً قلعة أنابولي بالمدد الذي يحفظها بل تركها هي والسواحل في أشد الحصار ورجع بالدوننما إلى بوغاز الدردنيل فعزل لنذالته وعدم كفاءته 1238هـ وتعين مكانه محمد خسرو بابا والي طرابزون.

مشارطة أفكرمان ربيع الأوّل 1242هـ:

لما عقدت الروسيا مع الدولة معاهدة بكرش السابقة كانت الظروف اضطرت الروسيا إلى سرعة الاقرار عليها النقل جيوشها من حدود الدولة إلى حدودها الغربية ولذا كانت بعض أحكام المعاهدة المذكورة تحتاج إلى التفسير والإيضاح ولما مات اسكندر قيصر الروس وصعد مكانه نيقولا الأوّل ورأى أن الدولة مشتغلة بمسائل اليونان وغيرها انتهز فرصة ذلك لنوال مرغوبه سافر من الآستانة.

ولما كانت الدولة وقتئذ مشتغلة بثورة اليونان من جهة وبمحو أوجاق اليكجرية من الأخرى خشيت حدوث ارتباكات مع الروسيا فقبلت المخابرة معها التفسير ما انبهم معناه من بنود المعاهدة المذكورة وعينت من قبلها مرخصين وهما هادي أفندي محاسبجي الأناضول وإبراهيم عفت أفندي من الموالي وأرسلتهما إلى آفكرمان وهناك تقابلا مع مندوبي الروسيا وبعد مذاكرات طويلة أقروا على توسيع بنود المعاهدة المختصة بحدود الأناضول وبامتيازات المملكتين والصرب على أن يجوز تنصيب أميريهما من أعاظم أهاليهما لمدة سبع سنوات ومتى عزلا أو نصبا كان للروسيا حق المشاركة في الرأي وعليهما دفع الخراج المضروب للدولة وأنه ليس للروسيا حق المداخلة في أمر سكنى الأهالي الإسلامية في القلاع ولا في إدارة داخلية الايالات المذكورة 1826هـ وأن يكون لروسيا حرية الملاحة في البحر الأسود.

إبادة أوجاق اليكجرية وتنظيم العسكرية :

لما تيقن السلطان أن السبب الوحيد في انحطاط الدولة هو أجوقات اليكجرية لتمردهم وطغيانهم وعتوهم وتجبرهم وممانعتهم لكل أمر جديد يعود على الدولة بالاصلاح والتحسين كما مر بك بعضه شرع في سنة 1241هـ في تعليم عساكر جديدة على القاعدة الحديثة الأوروباوية وأخذ من ذلك اليوم يفكر في تدمير اليكجرية وإبادة أوجاقهم ولذلك أصدر منشوراً سلطانياً يتضمن القدح في أعمالهم عدّد فيه ما ارتكبوه من الفظائع وقتلهم لبعض السلاطين ظلماً وطغياناً فلما بلغ اليكجرية ذلك هاجوا وماجوا وتمردوا وهجموا على بيت الصدر سليم باشا وبعض الوزراء وأخذوا ينادون في الشوارع بجواز قتل العلماء ورجال الدولة وكل من له يد في وضع النظام الجديد وأخذوا يقتلون كل من صادفوه وينهبون ويحرقون.

وقد تمكن الصدر من الفرار والتجأ إلى السلطان وعرض عليه الكيفية فأمر بجمع طوبجية العسكر الجديد وإرسالهم على اليكجرية وأن يدعو الناس للاجتماع أمام السراي فاجتمع خلق كثير من علماء وقواد وضباط وأعيان وغيرهم وخرج السلطان إليهم وأخذ يخطب فيهم محرضاً مثيراً نخوتهم فأقسم الجميع على القيام بتنفيذ أوامره ثم أخرج البيرق الشريف فاجتمع حوله خلق لا يحصون عدداً ووزع عليهم الأسلحة وسلم البيرق لشيخ الإسلام قاضي زاده طاهر أفندي وكان السلطان همّ بالمسير بنفسه لولا ممانعة الوزراء له في ذلك وكانت اليكجرية تجمعت للمقاومة ثم سار الصدر الأعظم سليم باشا أمام تلك الجموع التي كانت تزيد عن 60000 نفس وهاجموا اليكجرية مكبرين وأطلقوا عليهم البنادق والمدافع فقتلوا منهم عدداً كثيراً وهرب الباقي وتحصنوا في ثكناتهم فحاصرهم الصدر وأشعل النار فيها فاحترق منهم أيضاً خلق كثير وتشتت الباقي في كل صوب وأصدر السلطان الأوامر إلى جميع الجهات بقتل كل من وجد منهم فقتلوا منهم عدداً كثيراً أيضاً وارتاحت الدولة من شرورهم.

ولما كانت طائفة البكتاشية تتحزب إلى أولئك الجنود وكان غالبهم من أتباع هذه الطائفة أصدر السلطان أمره بهدم تكاياهم التي كانت منابع لأشنع المحرّمات والقبائح وأخذ الموكلون بذلك يطاردونهم حتى أبادوهم تقريباً قتلاً وتشريداً فتفرقوا في الجهات الأخرى وهدموا لهم أشهر تكاياهم ولما كان السلطان محمود يرغب رغبة شديدة في إدخال ما يوافق من النظامات الأوروباوية غير ملبوسه وتزيا بزي العسكر الجديد وأبدل العمامة بالطربوش فكان أول من فعل ذلك من سلاطين آل عثمان.

محاربة الروسيا ومعاهدة ادرنة 1245هـ:

لما كانت المناسبات السياسية بين الدولة والروسيا تزداد تعقيداً من يوم إلى يوم خصوصاً من بعد واقعة ناوارين لتعصبها لليونان تعصباً شديداً ارتبكت الأحوال بينهما ارتباكاً شديداً بحيث لم يمض يوم 11شوّال سنة 1243هـ-1828م حتى أعلنت الروسيا الحرب على العثمانيين انتصار لأهالي موره وسيرت جيوشها إلى شواطىء نهر الطونة وبلاد الأناضول فاضطّرت الدولة العثمانية مع ما هي عليه أن تسوق جنودها أيضاً لمصادمة عدوّتها تحت قيادة سليم باشا الصدر الأعظم ثم حصل بين الجيشين حروب شديدا استظهرت فيها جيوش الروسيا حتى التزمت الجيوش العثمانية أن ترجع القهقرى.

واستولى الروس على وارنة بخيانة قائد الجنود بها وهو يوسف باشا ومع ذلك فقد تمكن القبودان باشا الذي كان راسياً بمينا تلك المدينة من استرداد قلعتها بعد خروج العسكر منها ولم يكن معه إلا ثلاثمائة من الشجعان فقط ولما علم القيصر بهذه الشجاعة الغريبة منح الفاتحين حرية الذهاب وفي أثناء خروجهم أدّت إليهم العساكر الروسية التعظيمات الواجبة تلقاء ما أظهروه من الشجاعة أما يوسف باشا فقد حكم عليه الباب العالي بالإعدام جزاء خيانته.

ومع ذلك فإن هذا النذل ذهب إلى بلاد الروسيا وتمتع بالأموال التي نالها من الروس واتهم الباب العالي الصدر الأعظم بالإهمال وعدم الاهتمام قصداً فلذلك عزله السلطان محمود وأمر بنفيه ووجهت مسند الصدارة إلى عزت محمد باشا وساقت الدولة جنوداً أخرى إلى جبال البلقان فتحوّل الروس عن محاصرة شوملة قهراً عنهم وكانوا قد استولوا على سليسترة هذا بالرومللي أما بالأناضول فكان الروس يتقدمون بلا مقاومة تذكروا واستولوا على قلاع قارص وبايزيد وطبراق قلعة وارضروم وأسروا القائد صالح باشا وتقدم جيش روسي في الروم ايلي يبلغ عدده ألف مقاتل وحاصر قلعة ادرنة ثم استولى عليها وكان بها من الحامية نحو عشرة آلاف وكان القيصر هو القائد العام للجيوش الروسية وقد جعل مقامه بمدينة بازارجق.

ولما رأت دولة النمسا أن انتصار الروس مضر بسياستها عرضت على فرانسا وانكلترة المداخلة لحسم الحرب فقبلت انكلترة ذلك أما شارل العاشر ملك فرانسا فإنه عارض معارضة شديدة في المداخلة بين المتحاربين وذلك لأن عائلة البوربون كانت تريدأن تخرج الانكليز من البحر الأبيض المتوسط وتستولي على جميع الساحل الأيسر من نهر الرين ولكي تصل إلى مرغوبها هذا أظهرت الميل والمساعدة للروسيا ولم تمانعها في حرية سيرها نحو الآستانة.

وفي أثناء هذه الوقائع البرية والهزيمات التي لحقت بالعساكر العثمانية لم يحصل من العمارة التي بقيت للعثمانيين أقل حركة حربية للنقص الذي حصل بها من واقعة ناوارين السابق ذكرها ولهذا خلا الجوّ للعمارة الروسية التي كانت تتركب من 16 غليوناً وكثير من الفراقيط وأخذت تتجوّل في البحر الأسود بلا رقيب ولا معارض حتى حاصرت وارنة بحراً وساعدت جيوش دولتها على الأعمال الحربية ثم شرعت في نقل الذخائر والمعدّات إلى الجيش الروسي الذي تجاوز جبال البلقان والتحقت به بمينا بورغاز الواقعة بين وارنة وبوغاز البوسفور على سواحل الروم إيلي وكانت هذه المساعدات التي حصلت من الدوننما الروسية لجيوشها في تلك الوقائع سبباً لكبير السرعة وحركات جيش الروسيا وتقدمها نحو دار الخلافة العثمانية.

ثم لما تحقق السلطان عدم اقتدار الصدر الأعظم عزت محمد باشا عزله في رجب سنة 1244هـ ووجه مسند الصدارة إلى رشيد محمد باشا الذي اشتهر في محاربات موره وفي خلال ذلك كان الجنرال باسكيه ويج (Paskievitch) قومندان جيش القوقاز يتقدّم على أرضروم ولما تحققت الدولة أن غالب باشا والي أرضروم وسر عسكر الشرق لا يمكنه المدافعة ولا صد الروس لضعف قوّته مالت لعقد الصلح وعزلت باشا المذكور وولت مكانه كيتلى صالح باشا.

ولما كانت الدولة لا تتمكن وهي في هذه الحالة من إمداد جنودها الذين ببلاد اليونان تغلب الثوار عليهم بما وصل إليهم من الامدادات الأوروباوية بين رجال وأموال وذخائر فاستردّوا جميع المدن التي احتلتها الجنود العثمانية.

والحاصل أنه لما اشتد الأمر على رجال الدولة والسلطان محمود اضطربت الأحوال اضطراباً كثيراً واختلت أمور الدولة جدّاً وساد الضعف والفساد وخيف على دار الخلافة من الروس إلا أن السلطان محمود أظهر الثبات وقوّة الجنان في وسط تلك الأخطار المحدقة به وبدولته ثم تداخلت بعد ذلك دول أوروبا في الصلح فقبله الطرفان وعقدت بينهما معاهدة أدرنة في 25 ربيع الثاني سنة 1245هـ-1829م وكانت شروط المعاهدة تشتمل على ما يأتي وهي

أن يبقى نهر بروت حداً فاصلاً للدولتين بأوروبا.

وأن تستولي الروسيا على مصبات الطونة.

وأن يكون لها حرية الملاحة في البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط وتستولي على بوتي وعلى الجزء الأعلى من مصب نهر خور بآسيا وكان هذا الشرط الأخير يفصل الدولة العثمانية عن الأمم الحربية الساكنة ببلاد القوقاز ويسبب خضوعهم إلى الروسيا.

وأن تبقى امتيازات المملكتين وتتأكد وينتخب حكامها مدة حياتهم ولا يمكن عزلهم إلا في أحوال مخصوصة وبمرضاة الروسيا.

وأن يمنع جميع المسلمين من سكنى المملكتين وقد أعطيت لهم مهلة قدرها ثمانية عشر شهراً ليتمكنوا من بيع أملاكهم أما بلاد الصرب فإنها تبقى على ما عينته معاهدة قرمان.

وأن يدفع الباب العالي تعويضاً حربياً قدره 125,000,000من الفرنكات في مدة عشر سنوات ويدفع أيضا 16,000,000ً لتجار الروس على ما أصابهم من الخسائر مدة الحرب.

وأن تخرج الجنود الروسية من أدرنة بعد أن تدفع الدولة القسط الأوّل.

وأن تذهب خلف جبال البلقان بعد دفع القسط الثاني وتعبر نهر الطونة بعد دفع القسط الثالث.

وأن تحتل الروسيا بلاد المملكتين احتلالاً عسكرياً حتى تدفع الدولة جميع ما بقي من الأقساط السنوية.

وأن يصدّق السلطان على معاهدة لوندرة وعلى البروتوكول الذي حرّره الدول الثلاثة أعني انكلترة والروسيا وفرانسا وبعد ذلك بعدّة شهور أي في سنة 1830م اعترف الباب العالي باستقلال اليونان استقلالاً تاماً وأقرّ على الحدود التي عينتها الدول وكانت هذه المملكة الحديثة تشتمل في أوّل تشكيلها على جزائر سيكلادة ونغربونت وموره وفي القارة كانت تحدّ بخط وهمي يمتد من خليج أرطة إلى خليج فولو وهو الفاصل لها في أراضي الدولة وهذا الحد الغير المعقول الذي سبب فيما بعد عدة منازعات ومخاصمات قوية كان السبب في تحديده بهذه الصفة انكلترة والنمسا قصدا لايجاد النفور المستمر بين الدولة والروسيا.

أوجاقات الغرب واستيلاء الفرنسيس على الجزائر :

قد سبق ذكر الحالة التي كانت عليها أوجاقات الغرب مفصلاً في أخبار الجزائر وتونس وطرابلس وما كانت تفعله سفنهم من أعمال التلصص في البحر المتوسط الأبيض وغزوها لسفن تجاردول أوروبا وسطواتها المتكررة على سواحل ايطاليا واسبانيا وجزائر صقلية وسردينيا والحروب التي وقعت بينها وبين كثير من أساطيل الدول الأجنبية إلى أن آل الأمر لاستيلاء فرانسا على جزائر الغرب 1247هـ-1830م مدّة ولاية الداي حسين باشا لجهله وظلمه وعتوّه.

وكانت أوروبا تقدمت في ذلك الزمن باختراعاتها الحربية والصناعية أما الأحوال الحربية والبحرية في الأوجاقات المذكورة فكانت لا تزال على حالتها القديمة متأخرة ارتكاناً على شجاعة ومهارة رجالها ولهذا التزمت الدولة أن تتبع وقتئذ طريق المسالمة عند مهاجمة الفرانساويين لبلاد الجزائر إحدى ممالكها المكوّنة لدولتها ولخروجها من غوائل حروب موره والروسيا ومسألة اليكجرية مكسورة الجناحين واكتفت بإرسال القبودان جنكل أوغلى طاهر باشا بأسطول إلى تونس للتوسط بين والي الجزائر المذكور وبين الفرنسيس ولكن صادفته جملة عراقيل في مأموريته منعته من حل المسألة فعاد خائباً كما تقدّم ذكر ذلك.

أحوال بلاد العراق وأوجاق الكولمن :

اعلم أنه في مدة صدارة النوشهري إبراهيم باشا الداماد كان حدث حرب بين الدولة والعجم اشتهر فيه والي بغداد وسر عسكر الشرق حسين باشا بما أظهره من البسالة وما حازه من النصر ولهذا أبقته الدولة والياً ببغداد مدة حياته وتولاها من بعده ولده أحمد باشا مدة عشرين سنة وفي زمن ولايتهما أسسوا بها وجاق الكولمن وأصلهم جنود محكمون عند الواليين المذكورين واستمر هذا الأوجاق في العراق مدة مائة سنة تقريباً وكان رجاله يقاومون كل وال يظهر الطاعة للدولة حتى انحصرت أمورايالة بغداد في أعقاب أحمد باشا المذكور إلى سنة 1226هـ .

ولما كان أحدهم المدعو سليمان باشا والياً أرسلت الدولة حالت أفندي المشهور بالنشانجي لاستلام باقي ويتركوا الولاية المذكورة فتوقف الوالي والتزم حالت أفندي أن يعود إلى الموصل ثم استصحب معه والي الموصل وجيشه وعاد لمحاربة سليمان باشا وما زال ينازله حتى قتله وعيّن على بغداد أحد مماليك الوالي المذمور ويدعى داود أفندي بعد أن تعهد بالطاعة وتسديد الأموال في أوقاتها وأنعم السلطان عليه بالوزارة وكان داود باشا هذا فاضلاً من أصحاب اللياقة والاقتدار حتى أنه لما قامت الحروب بين الدولة وإيران سنة 1239هـ .

واستظهرت جيوش ايران على جنود الدولة التي كانت تحت قيادة سر عسكر الشرق جبار زادة جلال الدين باشا وانهزم معه داود باشا المذكور بذل المساعي حتى عادت العلاقات بين الدولة وإيران إلى ما كانت عليه من الصفاء وفي أثناء اشتغال الدولة بحروب اليونان والروسيا عينت أحد رجالها المدعو صادق أفندي بمأمورية إلى بغداد لإبلاغ مخصصاتها إلى 12000 كيس لاحتياج الدولة إلى النقود إذ ذاك إلا أن هذا المأمور لم يحسن القول والفعل فإنه قبل أن يقف على أحوال تلك البلاد طلب عزل داود باشا ولما علم الوالي بذلك غضب وأهان المأمور المذكور ثم قتله فالتزمت الدولة أن تجرّد عليه وعينت لاز على باشا والي حلب بجيش للقبض على داود باشا فقام هذا الوالي بما عهد إليه وحاصر بغداد تسعين يوماً إلى أن فتحها وقبض على داود باشا المذكور وأرسله مكبلاً إلى الآستانة ومحا أوجاق الكولمن بالكلية ثم أن السلطان عفا عن داود باشا لما له من الأعمال المشكورة سابقاً وتولى بعد ذلك بعض المناصب وتوفي وهو بوظيفة شيخ للحرم النبوي الشريف.

الحوادث المصرية :

سبق لك ذكر الأحوال التي ساعدت المرحوم محمد علي باشا على نوال ولاية مصر ونقول الآن أن هذا الشهم النابغة بمجرد قبضه على زمام الحكومة واستتباب الأمر إليه أخذ في تنظيم الأحوال وإزالة نفوذ الكولمن إلى أن أبادهم تماماً سنة 1226هـ وقد ساعد الدولة مساعدة تذكر فتشكر في حرب اليونان وبذل المجهود في اتقان الزراعة والري بما فتحه من الجداول والترع خصوصاً ترعة المحمودية التي أوصلها الثغر الاسكندرية وشيد المباني والمعامل وفتح كثيراً من المدارس المختلفة لتعليم شبان القطر المصري العلوم والصنائع ووسع نطاق التجارة فنمت الإيرادات التي كانت لا تتجاوز كيس 2000 في مبدأ حكمه حتى بلغت في أواخر مدته 400,000 كيس وزاد الويركو الذي يدفع للدولة وأبلغه 12000 كيس وتمكن بزيادة الإيرادات من تنظيم قوّة عسكرية جسيمة على النسق الأوروبي بلغت المائة ألف وأنشأ عمارة بحرية قوية .

ولما رأى المرحوم محمد علي باشا في نفسه قوّة واقتداراً وعلم ضعف الدولة وارتباك حالتها عقب حرب الروسيا واليونان ومقاومة حزب عظيم من الأهالي للسلطان فيما يدخله من الاصلاحات زين له أهل الفساد الذين لا تروج بضاعتهم إلا زمن المفاسد والاضطرابات أن يطمح بأنظاره إلى الاستيلاء على ولايات الشام وحلب من يد دولة طالما هم بمساعدتها وناضل عن تاجها وسلطانها والسبب الذي استحل به محمد علي باشا سوق جيوشه على الشام فرار أحد مماليكه وبعض أهالي مصر والتجائهم إلى والي عكا عبد الله باشا وامتناع هذا من تسليمه إليه وكان هذا الوالي أظهر قبل ذلك العصيان على الدولة ولما أرادت الدولة تأديبه توسط محمد علي باشا له فعفا السلطان عنه.

في سنة 1247هـ-1831م سارت جيوش محمد علي باشا والبحرية تحت قيادة ولده الأكبر إبراهيم باشا ففتح في طريقه غزة ويافا وحيفا ثم حاصر عكا وافتتحها لينتقم من عبد الله باشا على ما فعل معه ولما علمت الدولة بتقدّم جيوش مصر أرسلت إلى محمد علي باشا تأمره بالكف عن أفعاله وإخراج عساكره من القطر الشامي وله بعد ذلك أن يرفع شكواه إلى الباب العالي ليحكم بينه وبين خصمه وأمر السلطان بأن ينصحوه ليطيع الأمر ولما لم يقبل ذلك جمع السلطان مجلساً مؤلفاً من مشاهير العلماء والمدرسين وعرض عليهم ما حصل من محمد علي باشا فأفتوه جميعاً والفتوى على قدر السؤال بخروج محمد علي باشا عن طاعة السلطان فأرسلت الدولة عليه والى أدرنة حسين باشا ومعه ثلاثون ألف عسكري ولما وصل إلى الشام وتلاقى مع الجنود المصرية بين حلب وحمص انهزم بعد أن قتل من جيشه قدر عظيم محرم 1248هـ .

ثم دعت الدولة الصدر الأعظم رشيد محمد باشا وهو من أعظم القواد وأمهرهم وكان ببلاد الأرنؤد ينظم أحوالها عقب انفصال اليونان عن الدولة وأرسلته بجيش لصد إبراهيم باشا الذي كان عبر جبال ايج ايل ونزل بصحراء قونية وبعد حروب طويلة استظهر فيها الصدر على عساكر مصر أسر وهزم وجيشه في يوم ماطر كثير السحاب والضباب لأنه بينما كان يعبي جيشه للقتال دخل بين صفوف الخيالة المصرية ظناً منه بأنهم عساكره فأسروه وبانتشار خبر ذلك بين الجيش السلطاني اختل نظامه وهجمت عليه عساكر مصر فهزمته 28 رجب 1248هـ .

وبعد واقعة قونية هذه تقدم إبراهيم باشا إلى كوتاهية حيث لا قوة تعارضه وعند ذلك اكتسبت المسألة أهمية عظيمة ولما انتصر إبراهيم باشا في واقعة قونية المذكورة وهم بتوجيه عنان عزيمته نحو مدينة بروسة خابر السلطان محمود قيصر الروسيا نيقولا الأول الذي كان يسعى من زمن طويل بواسطة سفيره في الآستانة في التوسط بين المتحاربين وطلب منه المساعدة فأرسل أسطولاً وجيشاً يبلغ عدده 15000 مقاتل معاونة للدولة ونزلت هذه القوة بالمكان المدعو هنكارا سكله سي داخل البوغاز وعقدت هناك بين الطرفين معاهدة دفاعية وهجومية لمدة ثمان سنوات 1249هـ-1833م .

ومن مقتضاها أن امبراطور الروسيا تعهد بمساعدة الدولة في كل الأحوال والأعمال وأن يتعهد السلطان محمود في مقابلة ذلك بأن يصرح عند الاقتضاء للدوننما الروسيا أن تمر من البحر الأسود إلى البحر الأبيض وبسد بوغاز البحر الأبيض المتوسط أمام جميع سفن الدول الأخرى الحربية وبهذه المعاهدة أخذت المسألة شكلاً سياسياً آخر في عواصم أوروبا كانت سبباً لاهتمام اللورد بالمرستون رئيس وزراء انكلترة والبرنس مترنيخ رئيس وزراء النمسا وأخذا يتخابران مع فرانسا وبروسيا وبتداخلهما أوقفوا إبراهيم باشا عن التقدم واضطر والمرحوم محمد علي باشاعلى عقد الصلح والانصياع لأمر الدولة كل ذلك ليس حباً في الدولة ولا في مصر بل لأطماعهم السياسية ومقاصدهم الخصوصية ولكن مع عقد الصلح في الظاهر لا زال الطرفان يستعدان ويتربصان لبعضهما فكان محمد علي باشا يرى أن لا حق لدول أوروبا في هذا التطفل الذي سيرده عن غنيمته مع ما ناله من الاستظهار وكانت الدولة ترى في انتصار أحد ولاتها عليها إهانة ماسة جداً بكرامتها ومجدها وربما كان سبباً في أن يجترىء عليها غيره من الولاة ويشق عصا طاعتها مع ما يكون لدول أوروبا عليها بعد ذلك من الأيادي إذ كانت سبب نجاتها خصوصاً دولة الروسيا عدوّتها القديمة ولذلك أخذ إبراهيم باشا يحصن مضيق كولك الواقع بين قونية واطنة اذنة ووالده في مصر يهتم في إنشاء السفن لزيادة قوته البحرية والإكثار من العساكر النظامية لتقوية جيوشه البرية واهتمت الدولة بالمسألة أكثر من ذي قبل فأعادت رؤف باشا لمسند الصدارة بعد وقوع رشيد محمد باشا أسيراً.

ولما عاد رشيد باشا المذكور إلى الآستانة 1250هـ عينته والياً لسيواس وفوضت له إدارة ديار بكر وخربوط ورتبت له جيشاً ادعت أنها تقصد بواسطته إصلاح أحوال بلاد كردستان وغير ذلك من الأعمال 1252هـ ولما مات رشيد باشا قبل أن يأتي بهذا الجيش عملاً عينت الدولة مكانه فريق كوتاهيه جركس حافظ محمد باشا ثم اهتمت مع ما هي فيه من الضعف ذلك الوقت بإكمال الأوردي الهمايوني وكان في جيش حافظ باشا وقتئذ الضابط البروسياني مولتك الشهير وكان أشار على حافظ باشا برأي في القتال إلا أن حافظ باشا لم يحفل به لغروره بنفسه ثم تقدّم بالجيش السلطاني لصد إبراهيم باشا وعبر نهر الفرات حتى قابله بجوار حلب في نزيب نصيبين ولسوء تدبيره وقلة خبرته انهزم هو أيضا 1255هـً .

فكان ذلك سبباً لأن يحتل إبراهيم باشا جملة بلاد أخرى قبل أن تصل أخبار هذه الهزيمة إلى استانبول.

وفاته:

اتفق موت السلطان محمود وكان اعتراه قبل ذلك بخمسة شهور انحراف في صحته وأشار عليه الأطباء بتبديل الهواء فنقل إلى مصيف شقيقة أسما سلطان الواقع في جامليجة من ضواحي استانبول وكانت وفاته19 في 1255هـ ربيع الآخر سنة وعمره لا يتجاوز السادسة والخمسين.

وكان السلطان محمود رحمه الله من أعقل سلاطين آل عثمان كثير الاهتمام جداً بما يعود على الدولة بالمنافع والقوة عارفاً بالأمور جسوراً فعالاً لا يرجع عن نواياه إلا إذا أخرجها من القوة إلى الفعل تمكن من إخماد فتنة البانيا التي أشعل نارها تبه دلنلي علي باشا وفتنة عائلة القره مانلي بطرابلس الغرب وغيرها من الثورات. واهتم بوضع النظام العسكري الجديد.

ومن أعظم أعماله إزالة أوجاق اليكجرية الأمر الذي سعى فيه قبله السلطان سليم خان الثالث وغيره وأدخل كثيراً من الإصلاحات في كافة الولايات العثمانية وكان له الوقوف التام على أحوال الدولة وما تحتاجه من الإصلاح ولم تخل سنة من سني حكمه من الاضطرابات والاختلالات ومع ذلك فقد تغلب عليها جميعاً بما أوتيه من علو الإدراك وهو الذي أزال امتياز الأعيان دره بكلر الذين كانوا على نوع من الاستقلال لا يعترفون للدولة بالتابعية إلا ظاهراً هذا إن أرادوا وبذلك جعل البلاد التي كان يحكمها هؤلاء الأعيان مرتبطة ارتباطاً متيناً مع دار السلطنة.

السلطان عبد المجيد خان ابن السلطان محمود خان الثاني 1255-1277هـ:

التنظيمات الخيرية :

جلس هذا السلطان على تخت أجداده العظام وسنه 18سنة وكانت الأحوال في ارتباك كما علمت وبمجرد جلوسه وجد مسند الصدارة إلى رئيس مجلس الأحكام العدلية خسرو باشا العدوّ الألد لمحمد علي باشا والسر عسكرية للداماد خليل باشا وهو من مماليك خسرو باشا وفي اليوم الثاني من جلوسه وصل خبر واقعة نزيب وانكسار الجنود العثمانية وبعد عشرة أيام وصل خبر تسليم القبودان فراري أحمد باشا الدوننما العثمانية لمحمد علي باشا في الاسكندرية ولكن هذه الأخبار على خطارتها لم تؤثر في السلطان لأنه كان جسوراً مقداماً سيما وأنه لوأظهر كدراً بما أضر ذلك بالحالة أكثر مما هي عليه ولما عاد ناظر الخارجية مصطفى رشيد باشا من المأمورية التي كان أرسل لها منذ سنتين بأوروبا وأطلع السلطان على رأي دولها بخصوص مصر أصدر فرمانا بالتنظيمات الخيرية التي كان عزم والده على إجرائها في سنة 1254هـ فكان ذلك من أكبر الأسباب لترقي وتقدم البلاد العثمانية على الطريقة التي كانت جارية وقتئذ في عموم أوروبا.










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الاسلامي, التاريخ


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 13:18

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc