تحقيق موقف علي بن أبي طالب من خلافة أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما - - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية

قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية تعرض فيه تاريخ الأمم السابقة ( قصص الأنبياء ) و تاريخ أمتنا من عهد الرسول صلى الله عليه و سلم ... الوقوف على الحضارة الإسلامية، و كذا تراجم الدعاة، المشائخ و العلماء

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

تحقيق موقف علي بن أبي طالب من خلافة أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما -

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2015-12-17, 07:52   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
01 algeroi
عضو فعّال
 
إحصائية العضو










Hourse تحقيق موقف علي بن أبي طالب من خلافة أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما -


تحقيق موقف علي بن أبي طالب من خلافة أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما -


عن كتاب (بحوث حول الخلافة و الفتنة الكبرى- خلال العهد الراشدي - ) وهي دراسة نقدية تمحيصية وفق منهج علم الجرح و التعديل ، إسنادا و متنا تأليف الدكتور خالد بن علال كبير حفظه الله المنشور على صيد الفوائد


تضاربت الروايات التاريخية و الحديثية في تحديد موقف علي بن أبي طالب من تولي أبي بكر الصديق –رضي الله عنهما- للخلافة (سنة 11هجرية ) ، و اختلفت اختلافا كبيرا ، و قد قسّمتُها إلى أربع مجموعات ، الأولى ذكرت أن بني هاشم- من بينهم علي- رفضوا مبايعة أبي بكر .و الثانية قالت أن عليا بايعه تحت التهديد و الإكراه .و الثالثة ذكرت أنه سارع إلى مبايعته طواعية دون إكراه . و الرابعة قالت أنه تأخر عن البيعة 6 أشهر ثم بايعه . فأين الخبر الصحيح من بين هذه الروايات المتضاربة ؟ .

أولا :


عرض الروايات :

تضم المجموعة الأولى خمس (05) روايات ، الأولى مفادها أن بني هاشم –من بينهم علي- لما بلغهم خبر بيعة الناس لأبي بكر الصديق غضبوا ،و قال العباس : فعلوها و رب الكعبة ؛ و قال بعضهم : نحن أولى بمحمد ،و قال آخر : بنو هاشم أولى بالخلافة ،و أن قريشا أخذتها بالتمويه .

و الرواية الثانية مضمونها أن عليا و العباس تأخرا عن بيعة أبي بكر الصديق ، فشاور عمر بن الخطاب الصحابيين أبا عبيدة بن الجراح و المغيرة بن شعبة في أمر هؤلاء ، فقالا له : عليك بإعطاء العباس نصيبا في هذا الأمر ، يكون له و لعقبه ، لقطع الطريق أمام علي بن أبي طالب ؛ فاتصل عمر بأبي بكر الصديق و ذهب الجميع إلى العباس ليلا ،و كلّموه فيما اتفقوا عليه ، فرفض مطلبهم و قال لأبي بكر : إن كان هذا الأمر حقا للمسلمين فليس لك أن تحكم فيه ، و إن كان لنا فلا نرضى ببعضه ؛ ثم ذكّره بأنه من آل محمد ، فتركوه و خرجوا من عنده .

و أما الثالثة –من المجموعة الأولى- فمفادها أنه لما جُددت البيعة لأبي بكر الصديق أمام عامة الناس ، خرج إليه علي بن أبي طالب ، فلم يُبايعه و قال له : أفسدت علينا أمورنا ،و لم تستشر ،و لم ترع لنا حقا ؛ فقال أبو بكر الصديق : بلى و لكن خشيتُ الفتنة .

و الرواية الرابعة وردت في كتاب الإمامة و السياسة المنسوب لابن قتيبة الدينوري (ت276هجرية) ،و فيها أنه لما بايع بنو هاشم أبا بكر الصديق بالخلافة ، جيء بعلي بن أبي طالب ، فأبى أن يُبايع ، و قال : لا أبايعكم ،و أنتم أولى بالبيعة لي ، و أنكم غصبتم أهل البيت حقهم ، و أنكم حاججتم الأنصار بأنكم أولى منهم ، لأن الرسول منكم و من قرابتكم ؛و أنا أجادلكم بنفس المنطق ، فنحن أولى منكم بالرسول حيا و ميتا . فقال له بشير بن سعد الأنصاري : إن الأنصار لو سمعوا ما قلته الآن لبايعوك ، لكن الأمر قد فات بمبايعتهم لأبي بكر الصديق . ثم تزعم الرواية أن عليا –لما لم يُؤخذ برأيه- أركب زوجته دابة و خرج بها ليلا إلى مجالس الأنصار ، فكانت –أي فاطمة- تسأل الأنصار النصرة ، فيقولون لها : ( يا بنت رسول الله ، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ،و لو أن زوجك و ابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ، ما عدلنا به )) ، فيقول علي بن أبي طالب : (( أفكنتُ أدع رسول الله –صلى الله عليه و سلم- في بيته لم أدفنه ، و أخرج أنازع الناس سلطانه ، فقالت فاطمة : ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له ،و قد صنعوا ما الله حسيبهم و طالبهم )) .

و الرواية الخامسة هي أيضا وردت في كتاب الإمامة و السياسة المنسوب لابن قتيبة ، و تزعم أن عليا و قوما معه رفضوا الخروج لبيعة أبي بكر الصديق ، فأرسل إليهم عمر بن الخطاب ، فناداهم فلم يخرجوا للبيعة ، فطلب –أي عمر- الحطب ليحرق الدار و من فيها ، فخرج من كان في الدار و بايعوا أبا بكر ،و لم يخرج علي لأنه (( زعم أنه قال : حلفتُ أن لا أخرج ،و لا أضع ثوبي على عاتقي حتى أجمع القرآن ))، ثم منعت فاطمة عمر بن الخطاب من الدخول ، فرجع إلى أبي بكر و أخبره بالأمر ، فأرسل –أي أبو بكر- مولاه قنفد ليدعوا له عليا فأبى علي ، و رجع مولاه إليه ، فبعثه ثانية إلى علي ، فأبى المجيء ؛ ثم ذهب عمر مع جماعة إلى بيت علي ، فلما رأتهم فاطمة نادت بأعلى صوتها و استغاثت بالرسول-عليه الصلاة و السلام- ، فعاد بعض من كان معه و دخل الباقون إلى البيت ، و أخرجوا عليا و أخذوه إلى أبي بكر الصديق ، فأبى أن يُبايعه ،و هدده الحاضرون بالقتل ،و طلب عمر من أبي بكر أن يقتله ، فلم يوافقه و ترك عليا مادامت فاطمة إلى جنبه ، ثم تزعم الرواية أن عليا خرج إلى قبر النبي-صلى الله عليه و سلم- و هو يصيح و يبكي .

و أما المجموعة الثانية التي ذكرت أنه حدث إكراه في دعوة علي لبيعة أبي بكر ، فتضم ثلاث (03) روايات ، أولها ما رواه المؤرخ ابن جرير الطبري ، عن زكريا بن يحي الضرير ، عن أبي عوانة ، عن داود بن عبد الله الأودي ، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري ، أنه عندما بايع الناس أبا بكر الصديق تخلّف علي بن أبي طالب و الزبير بن العوام ، و قال الزبير : لا أغمد سيفي حتى يُبايع علي فلما بلغ أمرهما لأبي بكر الصديق و عمر بن الخطاب ، قال عمر : خذوا سيف الزبير و اضربوا به الحجر ، ثم ذهب إليهما و قال لهما : لتبايعان طائعين ، أو لتبايعان كارهين ، فبايعا .

و الرواية الثانية ذكرها الطبري ، و فيها : حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن زياد بن كليب قال : ذهب عمر بن الخطاب إلى منزل علي ، و فيه الزبير و رجال من المهاجرين ، فقال لهم : و الله لأحرقن عليكم أو لتخرجنّ للبيعة ، فخرج الزبير حاملا سيفه ، فعثر و سقط السيف من يده ، فوثبوا عليه و أخذوه منه .و إلى هنا توقف الخبر ،و لا نعلم ما حدث بعد ذلك حسب ما زعمته هذه الرواية .

و الرواية الثالثة –من المجموعة الثانية – هي أيضا رواها الطبري ، و فيها : حدثني ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، عن رجل ، عن عِكرمة ، عن عبد الله بن عباس أنه جرى بينه و بين عمر بن الخطاب –زمن خلافته- ، فكان مما قاله له ابن عباس : إن قريشا صرفت الخلافة عن بني هاشم حسدا و ظلما .و كلامه هذا يعني أن عليا و بني هاشم أُجبروا على البيعة و السكوت عن حقهم الذي زعمته الرواية .

و أما المجموعة الثالثة –التي ذكرت أن البيعة تمت طواعية- فتضم ثلاث روايات ، أولها ما رواه الطبري من أن عليا ما إن سمع ببيعة الصديق خرج مسرعا لابسا قميصا دون إزار و لا رداء عليه ، كراهية أن يتأخر عن البيعة ، فذهب إليه و بايعه و جلس بجانبه ، ثم بعث يطلب ما ينقص من ثوبه .
و الرواية الثانية مفادها أنه لما جلس أبو بكر الصديق للبيعة ولم ير عليا سأل عنه ، فقام أناس من الأنصار و أتوا به ، فقال له أبو بكر : ابن عم رسول الله و ختنه ، أردتَ أن تشق عصا المسلمين ؟ ! ، فقال علي : لا تثريب يا خليفة رسول الله – صلى الله عليه و سلم- ، و بايعه .و عندما لم ير الزبير بن العوام سأل عنه ، فجيء به إليه ، فقال له :ابن عمة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- و حواريه ، أردت أن تشق عصا المسلمين ؟ ! فقال له : لا تثريب يا خليفة رسول الله ،و بايعه .

و الثالثة رواها الطبري ،و هي رواية عامة عن مواقف الصحابة من بيعة أبي بكر الصديق ، يندرج فيها موقف علي بن أبي طالب و بني هاشم ، مضمونها أنه لم يتخلف أحد من المهاجرين عن بيعة أبي بكر الصديق ، و أنهم تتابعوا على بيعته من غير أن يدعوهم .

و أما المجموعة الرابعة - التي ذكرت أن عليا تأخر عن البيعة ستة أشهر- فتضم أربع روايات ، أولها ما رواه المؤرخ اليعقوبي من أنه لما سمع أبو بكر الصديق و عمر بن الخطاب ، أن جماعة من المهاجرين و الأنصار في بيت علي بن أبي طالب ، ذهبا مع بعض الناس إليه في بيته و هجموا على من فيه ، فخرج إليهم علي بالسيف ، فتصدى له عمر و كسر سيفه ،و دخلوا إلى البيت ، فخرجت إليهم فاطمة و قالت لهم : و الله لتخرجن أو لأكشفن شعري و ادعوا الله ، فخرجوا من بيتها ؛ ثم بقي من كان مع علي أياما دون بيعة ، ثم بايعوا أبا بكر فُرادى ، أما علي فلم يُبايعه إلا بعد ستة أشهر .

و الرواية الثانية ذكرها المؤرخ المسعودي ، و فيها انه لما جُددت البيعة لأبي بكر الصديق-بعد بيعة السقيفة- و بايعه الناس البيعة العامة ، خرج إليه علي بن أبي طالب ،و قال له : (( أفسدتَ علينا أمورنا ،و لم تستشر و لم ترع لمنا حقا )) ، فقال أبو بكر : بلى و لكن خشيتُ الفتنة )) .

و الثالثة وردت في كتاب الإمامة و السياسة المنسوب لابن قتيبة الدينوري ، و فيها أن عليا رفض مبايعة أبي بكر ،و كان يخرج بزوجته فاطمة إلى الأنصار يطلب مساعدتهم له لأخذ حقه المغصوب ، و عندما حاول أبو بكر و عمر إجباره على البيعة رفض ، و خرج إلى قبر الرسول-عليه الصلاة و السلام- يصيح و يبكي ، لكنه عندما تُوفيت زوجته فاطمة ، أرسل إلى أبي بكر بأن يأتيه إلى البيت ، فلما حضر قال له علي : (( لم يمنعنا أن نبايعك إنكارا لفضيلتك ،و لا نفاسة –أي حسدا- عليك ،و لكنا كنا نرى أن لنا في الأمر حقا ، فاستبددت علينا )) ، ثم وعده بالبيعة غدا بالمسجد الجامع ، فلما حان الوقت تكلّم علي ، و عظّم حق أبي بكر و ذكر فضيلته و سابقته ثم بايعه ، فقال له الناس : أصبت يا أبا الحسن و أحسنت ؛ ثم لما تمت البيعة بقي أبو بكر ثلاثة أيام يستقبل الناس و يقول لهم : قد أقلتكم في بيعتي ، هل من كاره ؟ ، هل من مُبغض ؟ ، فيقوم علي في أول الناس و يقول : و الله لا نقيلك و لا نستقيلك أبدا ،و قد قدمك رسول الله –صلى الله عليه و سلم- لتوحيد ديننا ، من ذا الذي يُؤخرك لتوجيه دنيانا )) .

و الرواية الأخيرة –الرابعة من المجموعة الرابعة- هي ما رواه البخاري و مسلم في صحيحيهما ،و مفادها أنه لما تُوفي رسول الله –عليه الصلاة و السلام- أرسلت فاطمة إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها من أبيها ، فقال لها أنه سمع رسول الله يقول : (( لا نورث ما تركناه صدقة ، إنما يأكل آل محمد من هذا المال )) ، و لم يُعطيها ما طلبت ، و قال أنه يتبع سنة الرسول-صلى الله عليه وسلم- في هذا المال ؛ فغضبت فاطمة و هجرته و لم تكلّمه إلى أن تُوفيت بعد ستة أشهر من وفاة رسول الله –عليه الصلاة و السلام- . فلما تُوفيت التمس علي بن أبي طالب مصالحة أبي بكر و بيعته ، إذ لم يكن بايعه في تلك الأشهر ، و كان له وجه عند الناس في حياة زوجته فاطمة-رضي الله عنها- ، فلما تُوفيت استنكر وجوه الناس و التمس مصالحة أبي بكر و بيعته ، فأرسل إليه بالمجيء إلى بيته ، فلما حضر أبو بكر ، اعترف له علي بفضله و قال له: إنني لم أحسدك على خير ساقه الله إليك ، لكنك (( استبددت علينا بالأمر ، و كنا نرى لقرابتنا من رسول الله –صلى الله عليه و سلم- نصيبا )) ، فقال له أبو بكر ، : إن قرابة النبي –عليه الصلاة و السلام- هي أحب إليّ من قرابتي ، و أما (( الذي شجر بيني و بينكم من هذه الأموال ، فلم آل فيها عن الخير ،و لم أترك أمرا رأيت رسول الله –صلى الله عليه و سلم- يصنعه فيها إلا صنعته )) ، ثم تكلم علي و وعده بالبيعة في المسجد بعد صلاة الظهر من نفس اليوم ، فلما حان الوقت قام أبو بكر في الناس و أخبرهم بأمر علي و تخلّفه ، فنهض علي بن أبي طالب و قال للناس ما كان قاله لأبي بكر في بيته ،و بايعه أمامهم ، ففرحوا به و استحسنوا فعله .

ثانيا :

تحقيق الروايات السابقة :

كانت تلك الروايات هي أشهر الروايات التي ذكرتها المصنفات التاريخية و الحديثية عن موقف علي بن أبي طالب من بيعة أبي بكر الصديق ،و هي التي سأُخضعها للنقد –إسنادا و متنا- لنميز صحيحها من سقيمها .

فالمجموعة الأولى – التي ذكرت أن عليا رفض البيعة- أول رواياتها ذكرها المؤرخ اليعقوبي بلا إسناد ، و هذا يعني أنها فقدت شرطا أساسيا من شروط تحقيق الخبر في علم الجرح و التعديل ، مما يُدخلها مباشرة في دائرة الضعيف أو الموضوع-أي المكذوب - . و أما متنها فهو أيضا لا يصح لأنه يخالف ما ثبت في القرآن الكريم و السنة النبوية و التاريخ الصحيح أن الرسول –عليه الصلاة و السلام –لم يوص لأحد من بعده بالخلافة ، و إنما هي شورى بين المسلمين تتم بالاختيار الحر .

و الثانية هي أيضا رواها اليعقوبي دون إسناد ، لذا فهي تدخل مباشرة في دائرة الضعيف أو الموضوع ، لأنه قطع الطريق أمامنا من إمكانية نقدها بواسطة الإسناد ، و أصبحت مجرد دعوى عارية عن الدليل ، و الدعوى لا يعجز عنها أحد . و أما متنها ففيه وصف لأبي بكر و عمر بالتآمر و الحرص على الخلافة ، و هذا غير صحيح لأنه يتنافى تماما مع الثابت من أخلاقهما الحسنة ،و قد صحّ الخبر أن الصحابة بايعوا أبا بكر و رضوا به ، دون إكراه و بلا طلب منه .

و الرواية الثالثة-من المجموعة الأولى- رواها المؤرخ المسعودي بلا إسناد ، فهي إذا ضعيفة من حيث السند ؛ و أما متنها فإن كان المقصود من قولها أن عليا قال : (( لم ترع لنا حقا )) ، أنه أراد أن الخلافة حق له و أخذها منه أبو بكر ، فهو زعم باطل ترده النصوص الصحيحة الكثيرة التي تُثبت أن الخلافة شورى بين المسلمين ،و أن الرسول-عليه الصلاة و السلام – لم يوص لأحد من بعده بالخلافة . و إما إن كان المقصود من ذلك أن له حق المشاورة ، في اختيار الخليفة و لم يُدع إليه ، فهو كلام صحيح ، لكن غيابه لم يكن مقصودا ، فعندما بويع أبو بكر في السقيفة كثير من الصحابة لم يكن حاضرا ، منهم علي و الزبير ، فبايعوه في البيعة العامة في المسجد .

و أما الرواية الرابعة فإسنادها لا يصح ، لأن من رجاله : أبو عون بن عمرو بن تميم الأنصاري ،و عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري ، الأول مجهول ،و الثاني ضعيف . و أما متنها فهو لا يصح أيضا ، لأنه سبق و أن ذكرنا أن عليا لم يدع الخلافة لنفسه و لا لأهل البيت ،و أن رسول الله عليه الصلاة و السلام لم يستخلف أحدا من بعده .و أما قولها أن الخلافة في قريش ، فهو أمر مقرون بما ذكرته الأحاديث الصحيحة من أن الخلافة في قريش مقرونة بإقامة الدين و العدل و عدم العصيان ؛ فهي ليست فيهم من باب التأبيد ، فإذا فقدت قريش أولويتها و أهليتها و كفاءتها ،و لم تلتزم بتلك الشروط انتقلت منها الخلافة إلى غيرها من القبائل و الشعوب الإسلامية ، و كلنا نعلم أن الخلافة خرجت من بني العباس و انتقلت إلي العثمانيين الأتراك .

و الرواية الخامسة هي أيضا إسنادها لا يصح ، لأن رجاله هم أنفسهم رجال الرواية السابقة- أي الرابعة- و أما متنها فهو أيضا غير صحيح للمعطيات الآتية : أولها هو أنني بحثتُ في عشرات المصادر من كتب التراجم و الرجال و التواريخ عن مولى لأبي بكر اسمه : قنفذ أو قنفد ، فلم أعثر له على أي ذكر . كما أنه من المستبعد جدا أن يبعث أبو بكر مولى له ليتوسط بينه و بين علي في أمر غاية في الأهمية ،و يترك كبار الصحابة الذين لهم مكانة لدي علي .

و المعطى الثاني هو أن الرواية زعمت أن عليا أبى الخروج من بيته حتى يجمع القرآن ،و هذا زعم لا مبرر له ، لأن القرآن الكريم لم يتهدده أي خطر و لم يكن في بيت علي ، لأنه كان محفوظا في الصدور ،و مكتوبا متفرقا عند كبار كُتاب الوحي زمن رسول الله –عليه الصلاة و السلام- ثم جمعه أبو بكر الصديق ،و وحد مصحفه عثمان بن عفان –رضي الله عنه- .

و المعطى الثالث هو أن مقتضى هذه الرواية-أي الخامسة- أن عليا كان معاديا و مخاصما و مفارقا لأبي بكر ، و هذا زعم غير صحيح ، لأنه من الثابت تاريخيا أن عليا لم يكن مفارقا و لا معتزلا لأبي بكر بُعيد توليه الخلافة ، بل كان مصاحبا له و في خدمته . و المعطى الرابع هو أن الرواية زعمت أن فاطمة استغاثت بالرسول –عليه الصلاة و السلام- ،و هذا تصرّف لا يصدر عنها ، لأنه لا يجوز شرعا الاستغاثة بالنبي و لا بغيره من الناس ، في حياتهم و مماتهم ،و لا تكون الاستغاثة إلا بالله تعالى .

و آخرها –أي المعطيات- هو أن التصرفات و السلوكيات المشينة التي نسبتها الرواية لأبي بكر و عمر و فاطمة و علي-رضي الله عنهم- تتنافى مع أخلاق الصحابة عامة ،و مع أخلاق هؤلاء الأربعة خاصة .و لا يُعقل أيضا أن يحدث ذلك النزاع المزعوم المصحوب بصراخ فاطمة و صياح علي و بكائه ،و تهديدات عمر بالحرق ، و المسلمون و بنو هاشم و بنو عبد مناف يتفرّجون دون حراك لنصرة علي و زوجته من ظلم أبي بكر و عمر المزعوم !! .

و أما روايات المجموعة الثانية –التي ذكرت أن عليا بايع مُكرها-
فأولها رواية الطبري ، و إسنادها لا يصح لأن من رجاله : زكريا بن يحيى ،و حميد بن عبد الرحمن الحميري ، الأول ضعيف ،و الثاني لم يثبت أنه روى عن أبي بكر و عمر بن الخطاب . و أما متنها فلا يوجد فيه تصريح بالإكراه في بالبيعة ، و كل ما في الأمر أن الرواية زعمت أن عمر بن الخطاب جاء بعلي و الزبير و خيّرهما بين أن يُبايعا طائعين أو مُكرهين ، فبايعا دون ذكر للكيفية التي تمت بها البيعة .

و الرواية الثانية إسنادها غير صحيح ، لأن من رجاله : محمد بن حميد الرازي (ت248هجرية) ،و زياد بن كليب (ت110 أو 120هجرية) ، الأول ضعيف كثير المناكير ،و الثاني بينه و بين الحادثة انقطاع لم يكن شاهد عيان فيها ، و لم يرو عن الصحابة و إنما روى عن التابعين . و أما متنها فتخالفه الروايات الصحيحة في بيعة علي و الزبير لأبي بكر ، التي لم تذكر حكاية خروج الزبير بالسيف و سقوطه من يده .

و الثالثة-من المجموعة الثانية- إسنادها غير صحيح ، لأن فيه رجلا مجهولا لم يُذكر اسمه ،و فيه محمد بن حميد الرازي ،و هو ضعيف كثير المناكير . و أما متنها فهو الآخر لا يصح ، لأن فيه ما يُشير إلى أن الصحابة أخذوا الخلافة من أهل البيت ظلما و حسدا و أجبروهم على البيعة ،و هذا غير صحيح لأنه ثبت بالنصوص الصريحة أن الرسول –عليه الصلاة و السلام- لم يستخلف أحدا من بعده ،و لا أوصى بالخلافة لأهل بيته .

و أما روايات المجموعة الثالثة – التي ذكرت أن عليا سارع إلى البيعة-
فأولها رواية الطبري و إسنادها لا يصح لأن من رجاله : سيف بن عمر التميمي ،و هو ضعيف متروك الحديث ، قيل عنه : فِلس خير منه . و أما متنها ففيه أن عليا خرج مسرعا لبيعة أبي بكر ، و هذا ترده الرواية الصحيحة التي ذكرت أن عليا و الزبير تباطآ بعش الشيء في بيعته ثم لما استدعاهما بايعاه .

و الرواية الثانية إسنادها صحيح ، قال عنه الحافظ ابن كثير : و هذا إسناد صحيح محفوظ من حديث أبي نضرة بن مالك عن أبي سعيد الخدري .و أما متنها فلا علة فيه و لا شذوذ ، و فيه تصريح بأن أبا بكر لما لم ير عليا و الزبير في البيعة العامة استدعاهما ،فحضرا و بايعاه طواعية .و قد قال أبو بكر بن خزيمة عن هذه الرواية (( جاءني مسلم بن الحجاج فسألني عن هذا الحديث –أي هذه الرواية- فكتبته له في رقعة و قرأت عليه ؛ فقال : هذا الحديث يساوي بدنة-أي ناقة- فقلتُ : يسوي بدنة ، بل يسوي بدرة – كيس من الدراهم- )) .

و الرواية الثالثة -من المجموعة الثالثة – إسنادها لا يصح ، لأن من رجاله : سيف بن عمر التميمي ،و الوليد بن عبد الله بن أبي ظبية البجلي ، الأول ضعيف و يروي عن المجهولين ،و الثاني مجهول .و أما متنها فهو يخالف الرواية الصحيحة السابقة الذكر ، و التي ذكرت أن عليا و الزبير تباطآ بعض الشيء ، فأرسل إليهما أبو بكر فحضرا و بايعاه .

و أما روايات المجموعة الرابعة- التي ذكرت أن عليا تأخر عن البيعة 6 أشهر-
فأولها رواية المؤرخ اليعقوبي ، فهي غير صحيحة ، لأنه رواها بلا إسناد ،و لأن متنها مُنكر و مُستبعد جدا ، و تخالفه الرواية الصحيحة في بيعة علي لأبي بكر في البيعة العامة بدون إكراه .

و الرواية الثانية هي أيضا لا تصح ، لأن المؤرخ المسعودي رواها بلا إسناد ،و لأن متنها ترده الرواية الصحيحة في بيعة علي لأبي بكر في البيعة العامة ، و لأن لعلي أقوال صحيحة في صحة خلافة أبي بكر و اعترافه بها سنذكرها قريبا .

و الرواية الثالثة إسنادها لا يصح ، لأن من رجاله : أبو عون عمرو بن تميم الأنصاري ،و عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري ، الأول مجهول ،و الثاني مذكور في الضعفاء .و أما متنها فهو لا يصح أيضا ، لشذوذه و مخالفته لصحيح الأخبار ، لأنه أولا نص على أن عليا أدعى أنه صاحب الحق في الخلافة ،و أن أبا بكر أخذها منه ظلما و عدوانا ،و هذا زعم باطل تخالفه نصوص القرآن الكريم و السنة النبوية ،و الصحيح من التاريخ و أقوال علي بن أبي طالب .

و ثانيا إن هذه الرواية فيها إهانة كبيرة لعلي بن أبي طالب ، فهل يُعقل أن صحابيا جليلا مثله ، يخرج بزوجته ليلا إلى الأنصار ، يستنصرهم بها على أبي بكر ؟! و أليس من العار و من الجبن و من النذالة و من الكذب و البهتان أن يُروى أن عليا خرج بزوجته يستجدي بها ،و أنه ذهب إلى قبر الرسول-عليه الصلاة و السلام- و هو يصيح و يبكي ؟ ! و لماذا ترك بني عمومته من بني العباس و بني أمية و ذهب إلى الأنصار الذين بايعوا أبا بكر ، ليطلب منهم المساعدة ؟ . و مما ينقض ذلك الزعم أنه قد صحّ الخبر أنه لما بُويع أبو بكر بالخلافة جاء أبو سفيان إلي علي و حّرضه على أبي بكر فأبى عليه و زجره .

و ثالثا إن في هذه الرواية تناقضا ، و ذلك أنها زعمت أن عليا اتهم الصحابة بظلمه ،و أنه خرج بزوجته يستجدي بها ،و أنه كان يصيح و يبكي و يشتكي ، ثم أنها تذكر في الأخير أنه –أي علي- بايعا أبا بكر بعد 6 أشهر ، و أنه قال له : (( و الله لا نقيلك و لا نستقيلك أبدا ، قدمك رسول الله-صلى الله عليه و سلم- لتوحيد ديننا ، من ذا الذي يؤخرك لتوجيه ديننا ؟ )) ؛ فإذا كان هذا هو موقفه من أبي بكر و خلافته ، فلماذا كل ذلك الإنكار و الامتناع ، و الصراخ و البكاء ،و العناد و الاتهامات ،و الاستجداء لطلب الأعوان ؟ ! . ألا يدل ذلك على أن الرواية برمتها محض افتراء و بهتان ؟ .

و أما الرواية الرابعة – من المجموعة الرابعة- التي رواها البخاري و مسلم و نصّت على أن علي بن أبي طالب لم يبايع أبا بكر إلا بعد 6 أشهر ، فهي رواية صحيحة الإسناد ، لكن متنها يخالف الرواية الصحيحة- الثانية من المجموعة الثالثة- التي نصت على أن عليا بايع أبا بكر يوم البيعة العامة ، لذا فلابد من إزالة هذا الإشكال للجمع بين الروايتين .

لكن قبل الجمع بينهما أذكر طائفة من الشواهد التاريخية الصحيحة تزيد الرواية الثانية من المجموعة الثالثة - التي نصت على بيعة علي لأبي بكر يوم البيعة العامة - تزيدها قوة و رجحانا ،

أولها إنه قد صحّ الخبر أنه بعد وفاة الرسول-عليه الصلاة و السلام- بليال صلى أبو بكر صلاة العصر و معه علي ابن أبي طالب ، فلما انقضت الصلاة خرجا يمشيان معا ، فوجدا الحسن بن علي يلعب مع الأولاد في الطريق ، فحمله أبو بكر و قال : (( يا بابي شبه النبي ، ليس شبيها بعلي )) ،و علي يضحك . فهذه الحادثة جرت بعد ليال من وفاة رسول الله ، و لم تحدث بعد ستة أشهر ، فلو كان علي بن أبي طالب مخاصما لأبي بكر و غير مبايع له ، لأعتزله ،و لما وُجدت هذه العلاقة الأخوية الحميمة ، فهما : يصليان معا ،و يمشيان معا ،و يمزحان معا.

و الشاهد الثاني هو أنه صحّ الخبر أن بعد شهرين و أيام من وفاة الرسول-عليه الصلاة و السلام- خرج أبو بكر الصديق إلى بلدة ذي القصة -بضواحي المدينة المنورة -، شاهرا سيفه لمحاربة المرتدين ، فاعترضه بعض الصحابة و نصحوه بالرجوع إلى المدينة على أن يتولوا هم المهمة ، فكان من بينهم علي بن أبي طالب ، فأخذ براحلة أبي بكر و قال له : إلى أين يا خليفة رسول الله ، أقول لك ما قاله رسول الله –صلى الله عليه و سلم- يوم أحد : لَم سيفك ، و لا تفجعنا بنفسك ، و أرجع إلى المدينة ، فوالله لئن فُجعنا بك لا يكون للإسلام نظام أبدا ، فسمع منه و رجع .

فهذا الخبر دليل قوي على مبايعة علي لأبي بكر في حياة زوجته فاطمة ، أي قبل 6 أشهر ، فهو قد خاطبه بالخلافة ، و أظهر حبه العميق له . و أيُعقل أن يكون علي منكرا لخلافة الصديق ،و مخاصما له ، ثم يصدر منه ذلك الفعل ؟ ‍‍‍، أوليس من صالحه-إن كان لم يُبايع- أن يترك أبا بكر يخرج للقتال لعله يُقتل ليتخلّص منه ؟ ، لكنه فعل عكس ذلك فدل على مبايعته لأبي بكر و حبه العميق له .

و الشاهد الثالث هو أنه لما تُوفي الرسول-عليه الصلاة و السلام- ذهب العباس و فاطمة-رضي الله عنهما- إلى أبي بكر الصديق يطلبان منه ميراثهما من رسول الله ، و هو : أرضه من فدك ،و سهمه من خيبر ، فاعتذر و قال لهما أنه سمع النبي – عليه الصلاة و السلام- يقول : (( لا نورث ما تركناه صدقة،و إنما يأكل آل محمد في هذا المال )) . فذهابهما إليه طلبا للميراث دليل على أنهما يعترفان به خليفة للمسلمين .

و الشاهد الرابع هو أنه رُوي بإسناد جيد أن أبا بكر الصديق –رضي الله عنه-لما بايعه الناس بالخلافة ، خطب فيهم و قال لهم: إنه لم يكن حريصا على الإمارة و لا سألها ، فقبل الناس منه ، و تدخل علي و الزبير –رضي الله عنهما- و قالا (( ما غضبنا إلا أنا أُخرنا عن المشورة ،و أنا نرى أن أبا بكر أحق الناس بها ،و أنه لصاحب الغار ،و أنا لنعرف شرفه و خيره ، و لقد أمره رسول الله-صلى الله عليه و سلم- أن يصلي بالناس و هو حي )) . فكلامهما هذا يدل على أنهما غضبا بعض الشيء عندما لم يحضرا بيعة أبي بكر في السقيفة ، لأنهما كانا غائبين ككثير من الصحابة ، لكنهما مع ذلك قد بايعا أبا بكر في البيعة العامة ، و اعترفا له بالفضل و الخيرية ،و أنه أحق الصحابة بالخلافة .

و الشاهد الخامس هو أنه رُوي-بإسناد صحيح- أنه لما بُويع أبو بكر بالخلافة ذهب أبو سفيان بن حرب إلى علي بن أبي طالب ، و قال له : ما بال هذا الأمر- أي الخلافة- في أقل قريش قلة و أذلها ذلا –أي قبيلة تيم التي ينتمي إليها الصديق- ، و الله لئن شئت لأملأنها عليه –أي على أبي بكر- خيلا و رجالا ، فقال له علي : لطالما عاديت الإسلام و أهله يا أبا سفيان ، فلم يضره ذلك شيئا ، إنا وجدنا أبا بكر لها أهلا . فهذا الخبر فيه دلالة واضحة على أن عليا لم يكن رافضا لخلافة أبي بكر ، و أنه بايعه عندما نهر أبا سفيان و قال له : إنا وجدنا أبا بكر لها أهلا ؛ فلو كان رافضا للبيعة ،و معتقدا أن أبا بكر اغتصب منه الخلافة ، لتعاون مع أبي سفيان للإطاحة بأبي بكر ، و سيتعاون معهما بنو أمية و بنو هاشم ،و هم أقوى قبائل قريش ، لكنه لم يفعل ذلك و أغلظ القول لأبي سفيان . و واضح من هذه الحادثة أنها تمت مباشرة بعد مبايعة أبي بكر بالخلافة و في حياة فاطمة بنت رسول الله .
و قد نص على ذلك ابن جرير الطبري صراحة ؛ مما يدل أن عليا قد بايع أبا بكر عندما بايعه الناس و لم يتخلف عن بيعته .

و الشاهد السادس هو أنه لا يوجد أي مبرر شرعي يؤيد الزعم بأن عليا امتنع عن بيعة أبي بكر أو تأخر عنها ستة أشهر ، لأن القرآن الكريم قد حسم أمر الخلافة ، فقد جعلها شورى بين المسلمين ،و رسول الله –عليه الصلاة و السلام- تُوفي و لم يوص لأحد من بعده وصاية أمر و إلزام ، كما أنه قد صح الخبر أن علي بن أبي طالب ، كان يقول : خير الناس بعد الرسول-صلى الله عليه و سلم- أبو يكر و عمر .و قال : إن النبي –عليه الصلاة و السلام- لم يعهد لنا في الإمارة شيئا . فهل يصح بعد هذا أن يُقال أن عليا امتنع من بيعة أبي بكر ، أو تأخر عنها 6 أشهر ؟ .

و الشاهد السابع هما خبران لا إسناد لها ، أذكرهما كدليلين ضعيفين مساعدين يتقويان بالشواهد الصحيحة السابقة و يندرجان فيها ، أولهما إنه عندما ارتدت العرب –علي إثر وفاة رسول الله- و أرسل أبو بكر جيش أسامة إلى شمال الجزيرة العربية ،و قلّ الجند بالمدينة المنورة ، و طمع فيها كثير من الأعراب و راموا الهجوم عليها ، عين أبو بكر على مداخل المدينة حراسا يبيتون بالعساكر لحمايتها ، فكان من بين الذين عينهم حراسا : علي بن أبي طالب ،و الزبير بن العوام ،و طلحة بن عبيد الله ،و سعد بن أبي وقاص،و عبد الرحمن بن عوف –رضي الله عنهم- ، فهل يُعقل أن يكون علي و الزبير من بين قادة أبي بكر المُعينين ،و هما لم يُبايعانه و لا يعترفان بشرعية خلافته ؟ ‍ . أفلا يدل وجودهما من بين حراس أبي بكر ، على أنهما بايعاه و كانا في خدمته ،و أنه كان يثق فيهما ،و أنهم كلهم كانوا إخوة متحابين متعاونين .

و الخبر الثاني هو أنه رُوي أن أبا بكر الصديق لما ارتد العرب و طلبوا منه إعفائهم من دفع الزكاة ،و رفض مطلبهم ، أستشار كبار الصحابة في أمر هؤلاء ، فكان منهم : عمر بن الخطاب ،و علي بن أبي طالب ،و طلحة بن عبيد الله ،و الزبير بن العوام – رضي الله عنهم – فقالوا له : نعم نقبل منهم ذلك . لكنه عارضهم و أصر على قتالهم و رفض طلبهم . هذه الحادثة كانت مباشرة بعد وفاة النبي-عليه الصلاة و السلام- و مبايعة أبي بكر ، فلو كان علي و الزبير مخاصميّن له و رافضين لخلافته ، لاعتزلاه و ما كانا من بين مستشاريه .

و بذلك يتبيّن لنا من تلك الشواهد أن عليا لم يتخلّف عن بيعة أبي بكر و لم يكن رافضا لخلافته ، و إنما كان من المعترفين بخلافته و من محبيه و مستشاريه ،و من كبار رجال دولته .

و أما رواية البخاري و مسلم – الرواية الرابعة من المجموعة الرابعة- التي نصّت على أن عليا تخلّف عن بيعة أبي بكر ، و لم يُبايعه إلا بعد ستة أشهر- على إثر وفاة زوجته فاطمة – فهي رواية لا تناقض ما قلناه إذا ما أزلنا ما فيها من إشكال و التباس و غموض .

أولا إن في هذه الرواية إدراجا لكلام الشهاب الزهري –أحد رواة الخبر- في متن الرواية دون إشارة لذلك ،فأصبح كلامه جزءا منها ؛ و الدليل على ذلك أن الرواية نفسها رواها الطبري في تاريخه و أبو عوانة في مسنده ،و عبد الرزاق الصنعاني في مصنّفه ، و ذكروا أن الزهري-أثناء روايته للخبر- سأله رجل: هل علي لم يُبايع أبا بكر إلا بعد 6 أشهر ؟ ، فقال له : نعم و لا أحد من بني هاشم بايعه ، حتى بايعه علي . فهذه الزيادة المقحمة في الخبر ليس لها إسناد ،و لا يٌعد الإسناد الأصلي إسنادا لها ؛ و مما يُؤكد ذلك أن الرواية نفسها رواها أحمد بن حنبل دون أن يذكر تلك الزيادة المقحمة . و ضعّفها الحافظ أبو بكر البيهقي ،و قال أنها زيادة لم يُسندها الشهاب الزهري . فهي إذا رواية مرسلة ،و من المعروف عند المحدثين أن الشهاب الزهري كان كثير الإرسال ،و أن مراسيله كالريح ليست بشيء .

و ثانيا أننا إذا حذفنا من رواية البخاري و مسلم الزيادة المُقحمة- أي المدرجة- تصبح تشير بوضوح إلى أن سبب الخلاف بين علي و أبي بكر –رضي الله عنهما- ليس هو الخلافة و البيعة ،و إنما هو قضية الميراث ، لذا قال أبو بكر لعلي: (( … و أما الذي شجر بيني و بينكم من هذه الأموال ، فلم آل فيها عن الخير ،و لم أترك أمرا رأيتُ رسول الله –صلى الله عليه و سلم- يصنعه فيها إلا صنعته )) . لكنها-أي الرواية بلا زيادة- أشارت إلى أن عليا بايع أبا بكر في المسجد ، فما تفسير ذلك ؟ أجاب عن ذلك الحافظ ابن كثير ، فذكر أن عليا بايع أبا بكر مرتين ، و أن بعض الرواة لم يفهموا ذلك و اعتقدوا أن (( عليا لم يُبايع قبلها –أي بالبيعة الأولي- فنفى ذلك ، و المُثبت مُقدم على النافي ، كما تقدم و لما تقرر )) ، ثم أكد على أن عليا بايع أبا بكر في أول يوم أو في الثاني من وفاة رسول الله –عليه الصلاة و السلام- لأنة-أي علي- لم يٌفارقه في وقت من الأوقات ،و لم ينقطع في الصلوات خلفه ،و خرج معه إلى ذي القصة لمحاربة المرتدين ، لكن بسبب الميراث و غضب فاطمة من أبي بكر ، راعى علي خاطرها بعض الشيء ، فلما تُوفيت بعد 6 أشهر من وفاة رسول الله –عليه الصلاة و السلام- رأى –أي علي – أن يجدد البيعة لأبي بكر كما هو وارد في الصحيحين .

و ثالثا إن مما يٌؤيد ما قاله ابن كثير أن الحافظ ابن حجر العسقلاني وافقه فيما قاله عن بيعة علي لأبي بكر .و أنه سبق و أن أوردنا طائفة من الشواهد التاريخية الصحيحة التي نصت على أن علي بن أبي طالب بايع أبا بكر منذ الأيام الأولى من بيعة السقيفة و لم يتخلف عن بيعته طويلا ، ثم بعد هذه البيعة جدد له البيعة ثانية بعد 6 أشهر . و بذلك يتبين – مما سبق ذكره- أن عليا-رضي الله عنه- لم يكن يعتقد أنه هو الخليفة الشرعي بعد رسول الله ،و لم يكن رافضا لخلافة أبي بكر الصديق ، و قد بايعه طواعية من دون إكراه منذ البيعة العامة ، و أن التباطؤ الذي ظهر منه و من الزبير بن العوام سببه الغضب عندما فاتتهم المشورة يوم السقيفة ، التي فاتت كثير من الصحابة أيضا .

و بذلك يتبين – مما سبق ذكره- أن عليا-رضي الله عنه- لم يكن يعتقد أنه هو الخليفة الشرعي بعد رسول الله ،و لم يكن رافضا لخلافة أبي بكر الصديق ، و قد بايعه طواعية من دون إكراه منذ البيعة العامة ، و أن التباطؤ الذي ظهر منه و من الزبير بن العوام سببه الغضب عندما فاتتهم المشورة يوم السقيفة ، التي فاتت كثيرا من الصحابة أيضا .









 


رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
موقف, تحقيق, طالب


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 05:12

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc