تقدير العقوبة - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

تقدير العقوبة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-05-20, 17:04   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 تقدير العقوبة

عنوان هذه المذكرة تقدير العقوبة في القانون الجزائي الجزائري
مقـدمـة

يهدف قانون العقوبات من خلال نصه على الجرائم، وعلى العقوبات المقررة لها إلى حفظ كيان المجتمع وإقرار النظام فيه بالموازنة بين حماية المصلحة العامة من جهة، وصون حريات الأفراد ومصالحهم الخاصة من جهة أخرى. فإذا كان مبدأ شرعية التجريم من أنجع الضمانات لرسم هذه الأهداف وتجسيدها، فإن الحديث عن شرعية العقاب لا يقل أهمية عن ذلك، لأن كيان القاعدة الجزائية لا يكتمل بدون تقرير جزاء مناسب، يدعم عنصر التجريم فيها، وإلا أصبحت مجرد قاعدة أخلاقية لا غير. هذا من جهة، ومن جهة أخرى لما يشكله العقاب من مساس خطير بحقوق الأفراد وحرياتهم. لذلك فإذا كان لزاما على القاضي الجزائي أن يكون حريصا وحذرا عند معالجته مختلف القضايا الجزائية التي تعرض عليه، فإنه ينبغي أن يكون أكثر حرصا ودقة في حالة ما إذا اتجهت قناعته إلى الإدانة، وتقدير عقوبة لتوقيعها على الجاني، لأنه ليس ثمة أخطر من أن يعاقب شخص خطأ، أو عن سوء تقدير بما لا يناسب جسامة الجرم المرتكب، أو شخصية الجاني وظروفه، فيكون القاضي بذلك قد وقع في تعسف وتعد سافر في حقه، أو بصورة عكسية يتسبب في إهدار حق المجتمع في الحماية من شرور الشخص وأذاه.
إن تقدير العقوبة مرحلة هامة في مسار الدعوى العمومية، وهي عملية ينبغي أن تقوم على موازنة في غاية من الدقة بين الحق العام والحقوق الفردية الخاصة. ويجب على القاضي الجزائي عندئذ أن يكون على قدر كبير من الإلمام بمفهوم العقوبات، وخصائصها وأهدافها، والضوابط التي ترسم له المجال الذي يمارس فيه سلطته والذي لا يجب أن يتخطاه في أي حال من الأحوال. ومن تحكمه في استعمال سلطته في التقدير بالوسائل المتاحة له كمبدأ تفريد العقاب وشخصية العقوبة وأساليب اختيار العقوبة.


أهميـة الـدراسـة:

تتجلى أهمية الدراسة في مسايرة الهدف من قانون العقوبات في حد ذاته الذي يرمي إلى حماية المصالح العامة دولة ومجتمعا، والمصالح الخاصة التي تتعلق بحقوق الأفراد وحرياتهم من خلال ما يفرضه من جزاءات، ففعالية قانون العقوبات في مجتمع ما إنما تقاس بمدى ما تحققه العقوبة من حماية لهذه المصالح بمكافحة كل أشكال الإجرام وإصلاح ذوات المجرمين، ومحاولة إعادة إدماجهم في المجتمع. وإذا كان المشرع يتولى تقرير العقوبات المناسبة للجرائم بصفة عامة ومجردة، فإن القاضي هو الذي يتولى تقديرها وإخراجها من دائرة العمومية والتجريد إلى دائرة التجسيد والتفريد. فعملية التقدير إذن لها علاقة وطيدة بتوجيه العقوبة نحو تحقيق الأهداف المرجوة منها.
إن نجاعة العقوبة إنما ترتكز أساسا على مدى قدرة المشرع وحكمته في تقدير الجرائم والعقوبات وتوجيهها تبعا للمعطيات الاجتماعية والعلمية ومستجداتها، وعلى مدى تحكم القاضي في سلطته في تقدير العقوبة من خلال حسن استعماله لكل الوسائل المتاحة له للموازنة بين الفعل المرتكب ومدى خطورته وبين شخصية الجاني وظروفه، لأن القاضي يقع على عاتقه تطبيق القانون وتجسيد إرادة المشرع واحترام ضوابطه.


الغـرض مـن الـدراسـة:

يرجع اختيار هذا الموضوع إلى تلك الأهمية البالغة التي تكتسبها عملية تقدير العقوبة لكونها مرحلة حاسمة في مسار الدعوى العمومية تلي جهودا سابقة صاحبت مختلف مراحلها فهي إذن خلاصة عمل كبير ينبغي الوقوف عندها لدراستها والكشف عن كيفية ممارستها، والقيود التي تضبطها لأنها المرحلة التي تؤدي مباشرة إلى النطق بالعقوبة ضد الجاني لتصيبه في حريته أو في ماله ولكون الأمور على قدر كبير من الخطورة، فإنه يجب تحسيس القاضي بأهمية هذه العملية بالذات، لأنه لا ينبغي في أي حال من الأحوال توقيع العقاب من أجل العقاب فقط. أو النزول بالعناية الواجب بدلها إلى درجة الاستخفاف قصد الإسراع في التقدير تذرعا بسبب من الأسباب كالرفع من الرصيد الكمي في القضايا المفصولة والتخلص من الملفات والتقصير في أوقات الجلسات إلى غير ذلك من التصرفات السلبية التي تسيء إلى سمعة القاضي بصفة خاصة والقضاء بصفة عامة، فتقدير العقوبة على هذا النحو يشكل مساسا خطيرا بحقوق المجتمع والأفراد على حد سواء ويبعد العقوبة عن أهدافها الشرعية المرجوة منها. فالعقوبة يجب أن تقدر تقديرا سليما يسمح لها بتأدية وظيفتها وتحقيق أغراضها التي شرعت من أجلها ولا يتأتى ذلك إلا بتكييف دقيق للوقائع وتطبيق صحيح للقانون واحتكام صادق للضمير.

الصعوبـات التـي يثيـرها الموضـوع:

قد يتصور البعض أن عملية تقدير العقوبة على قدر كبير من السهولة والبساطة، وبالنظر إلى الكم الهائل من القضايا التي تعرض على القاضي الجزائي للفصل فيها أصبحت هذه العملية لا تستغرق في بعض الأحيان دقائق معدودة. غير أن الأمر لا يجب أن يؤخذ على هذا النحو، فعملية التقدير أصبحت حاليا من أهم المحاور التي اتجهت عدة مؤتمرات دولية لمعالجة بعض مواضيعها كتلك المتعلقة بالمدى الذي يتركه القانون للقاضي لأجل تحديد العقوبة، وتوحيد معايير التقدير القضائي للعقوبة، وذلك بالنظر إلى الأزمة التي يعيشها القضاء الجزائي في هذه المسألة بالذات نتيجة تضارب النظم القانونية المتناقضة المنشأ والتكوين التي تناولت هذه المسألة كنظام التقدير المطلق ونظام التقدير المقيد وكذا تأثير أفكار المدرسة التقليدية والمدرسة الوضعية والمدارس الوسطية في تحديد العقوبات وسلطة القاضي في تقديرها، والقانون الجزائي الجزائري على غرار باقي تشريعات العالم تأثر بدون شك بهذه الأزمة وأصبح من البديهي أن تثير مسألة تقدير العقوبة فيه عدة تساؤلات تستدعي البحث والتعمق كتلك المتعلقة بمدى سلطة القاضي الجزائي الجزائري في تقدير العقوبة، ومن أين يستمد هذه السلطة وما هي الوسائل التي يستعملها، وما هي الضوابط التي يجب مراعاتها إلى غير ذلك من المسائل التي سنتناولها من خلال هذا البحث.

خطـة البحـث:

تبعا لما سبق ذكره نقسم موضوع تقدير العقوبة في القانون الجزائي الجزائري إلى فصلين. نتناول في الأول ضوابط تقدير العقوبة وفي الثاني نتناول سلطة القاضي الجزائي في تقدير العقوبة، وذلك بعد عرض بعض النقاط الضرورية في مبحث تمهيدي، وتتبلور الخطة الإجمالية لهذه الدراسة كما يلي:

مبحث تمهيدي: مفهوم العقوبة وتطورها وتطور سلطة القاضي الجزائي في تقديرها
المطلب الأول: مفهوم العقوبة وتطورها
الفرع الأول: مفهوم العقوبة
الفرع الثاني: تطور العقوبة
المطلب الثاني: تطور سلطة القاضي الجزائي في تقدير العقوبة
الفرع الأول: نظام السلطة المطلقة
الفرع الثاني: نظام السلطة المقيدة
الفرع الثالث: نظام السلطة النسبية
.
الفصل الأول: ضوابط سلطة القاضي الجزائي في تقدير العقوبة
المبحث الأول: الضوابط الإجرائية
المطلب الأول: الشرعية الإجرائية
المطلب الثاني: نتائج الشرعية الإجرائية
الفرع الأول: قرينة البراءة
الفرع الثاني: عبء الإثبات
الفرع الثالث: تفسير الشك لصالح المتهم
الفرع الرابع: عدم العقاب على فعل واحد مرتين
المبحث الثاني: الضوابــط الموضوعيــة
المطلب الأول: مبدأ شرعية العقوبة
المطلب الثاني: نتائج مبدأ شرعية العقوبة
الفرع الأول: التفسير الضيق للنصوص العقابية
الفرع الثاني: حظر القياس
الفرع الثالث: عدم رجعية القاعدة العقابية إلى الماضي


الفصـل الثانـي: سلطـة القاضـي الجزائـي في تقديـر العقوبـة
المبحث الأول: الأساس الإجرائي لسلطة القاضي الجزائي في تقدير العقوبة
المطلب الأول: الاقتناع الشخصي للقاضي الجزائي
المطلب الثاني: نتائج مبدأ الاقتناع الشخصي
الفرع الأول: حرية القاضي في الاستعانة بكل وسائل الإثبات
الفرع الثاني: حرية القاضي في تقدير أدلة الإثبات
المبحث الثاني: الأساس الموضوعي لسلطة القاضي الجزائي في تقدير العقوبة
المطلب الأول: التدريج الكمي والاختيار النوعي للعقوبة
الفرع الأول: التدريج الكمي
الفرع الثاني: الاختيار النوعي
المطلب الثاني: تخفيف وتشديد العقوبة ووقف تنفيذها
الفرع الأول: تخفيف العقوبة
الفرع الثاني: تشديد العقوبة
الفرع الثالث: وقف تنفيذ العقوبة
الخاتمـة




مبحـث تمهيـدي
مفهـوم العقوبـة وتطـورها وتطـور سلطـة القاضـي الجزائـي فـي تقديـرها

نتناول في هذا المبحث التمهيدي بعض المسائل التي نراها ضرورية وتمس موضوع تقدير العقوبة كتلك المتعلقة بمفهوم العقوبة وتطورها وتطور سلطة القاضي الجزائي في تقديرها لذلك سنقسم هذا المبحث إلى مطلبين نخصص الأول لمفهوم العقوبة وتطورها وأهدافها، ونخصص الثاني لتطور سلطة القاضي الجزائي في تقدير العقوبة.
المطلـب الأول:
مفهـوم العقوبـة وتطـورها
الفـرع الأول: مفهـوم العقـوبـة

أولا: تعريف العقوبة
يمكن تعريف العقوبة بأنها جزاء يقرره القانون على من تثبت مسؤوليته عن ارتكاب الجريمة ليوقع كرها بمقتضى حكم يصدره القضاء على الجاني ليصيبه بقدر مقصود من الألم في شخصه أو ماله أو شرفه ومن خلال هذا التعريف يتضح أن للعقوبة عناصر تتمثل فيما يلي:

1. ينص عليها القانون: نظرا لما تتسم به العقوبة من خطورة في المساس بحريات الأفراد وأموالهم يتولى القانون تحديد مقدارها حتى يضفى عليها طابع الشرعية والعمومية ويضمن تطبيقها على قدم المساواة تحقيقا للعدالة وبعث ثقة الناس فيها.
2. يأمر بها القضاء: إذ لا توقع العقوبة على الجاني إلا بعد محاكمة قضائية وفقا لقانون الإجراءات الجزائية وما يحتويه من ضمانات ينتج عنها حكم قضائي يحدد العقوبة نوعا ومقدارا.
3. إهدار وانقاص الحقوق الشخصية: فمضمون العقوبة يتمثل في إهدار أو انقاص أو تقييد حقوق الجاني الشخصية، ونعني بها الحقوق التي يقررها القانون عادة ويضمنها للناس كافة.
فالقانون يحمي حياة الناس وحرياتهم وأموالهم ويكفل لهم الحقوق المدنية وتمتعهم بالأهلية القانونية بشرط أن يتطابق سلوكهم الفردي مع السلوك الاجتماعي الذي يتطلبه القانون فإذا ما انحرف الشخص عن هذا السلوك الاجتماعي أصبح غير أهل للحماية القانونية المقررة للناس على السواء، واستحق العقوبة المنصوص عليها في القانون.
ثانيـا: خصـائـص العقوبـة: تتمتع العقوبة بعدة خصائص وهي:

1- المســاواة: إذ تخاطب القاعدة الجنائية الناس كافة باعتبارهم سواسية أمام القانون، فهي لا تخص فئة معينة دون أخرى ولا تقوم على أي تمييز يعود سببه إلى المولد أو العرف أو الجنس أو الرأي.
2- مقـررة لمصلحـة المجتمـع: وذلك بمحاربة الجريمة التي تشكل اعتداء على كيانه وتماسكه، لذلك فقد أنيط بالمجتمع ممثلا بالنيابة العامة حق تحريك ومباشرة الدعوى العمومية والمطالبة بتوقيع الجزاء ويترتب على ذلك عدم جواز التنازل عنها لأنها تطلب باسم المجتمع من طرف ممثله، النيابة العامة، إلا في حالات استثنائية ينص عليها القانون مثل حالة العفو أو التقادم، بالإضافة ّإلى أن الحق في تقرير العقوبة وتقدير جسامتها وشدتها يعود للمجتمع عن طريق السلطة التشريعية التي تمثله. ولا يجوز لأية سلطة غيرها أن تقررها باستثناء السلطة التنفيذية التي تقرر بعض الجزاءات في حدود ضيقة. كما تتسم العقوبة بكونها موجهة للمستقبل لمنع الجاني من معاودة الإجرام، وردع الآخرين عن اقتراف الجريمة، فهي بالتالي ليست تعويضا عن الضرر المادي الذي قد ينجر عن الجريمة، إذ ليس من شأنها إصلاح الضرر المادي والعودة بالأمور إلى ما كانت عليه قبل مخالفة القانون.

3- العقـوبـة شخصيـة: إذ لا توقع العقوبة إلا على من تثبت مسؤوليته في ارتكاب الجريمة أو المساهمـة فيهـا، ولا يجوز أن تنال أحدا غير هؤلاء أيا كانت صلته بالجريمة.

4- العقـوبـة عادلــة: يجب أن تكون العقوبة متناسبة مع الجريمة المرتكبة حتى ترضي الشعور العام بالعدالة.

ثالثـا: أهـداف العقـوبـة
تنحصر أهداف العقوبة في تحقيق وظيفتين وهما الوظيفة المعنوية والمتمثلة في تحقيق العدالة والوظيفة النفعية والمتمثلة في الردع.
1. الوظيفـة المعنـويـة:
إن العقوبة بوصفها جزاء جنائي إنما تسعى إلى تحقيق العدالة عن طريق الموازنة بين الجرائم المرتكبة والقيم الاجتماعية، فالعقوبة يجب أن تقرر وتقدر على هذا الأساس بحيث لا تميل إلى جهة المجتمع لتقصر في حقوق الأفراد وحرياتهم ولا تميل إلى جهة المجرم لتقصر في حقوق المجتمع في أمنه واستقراره وتماسكه. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فالعدالة تقتضي أن يكون هناك نوع من المقابلة أو التناسب بين الجريمة والعقوبة.

2. الوظيفـة النفعيـة:
وتقوم على أساس الردع الذي يعني إنذار الناس وتهديدهم بوجوب الابتعاد عن الجريمة، وهو ردع عام وردع خاص، فأما الردع العام فيتوجه إلى كافة الناس وأما الخاص فهو موجه لمرتكب الجريمة بغرض زجره وإيلامه ليحس بالذنب تجاه ما اقترفه كي لا يعود للإجرام وبغرض تهذيبه وإصلاحه لإعادة إدماجه في المجتمع.
الفـرع الثـانـي: تطـور العقـوبـة

لقد مرت العقوبة بعدة مراحل يمكن إرجاعها إلى أربعة عصور وهي عصر الانتقام الفردي ثم عصر الردع والتكفير ثم عصر الرحمة والإنسانية وأخير عصر العلم أو العصر الحديث.
ففي عصر الانتقام الفردي كان الناس لا يحتكمون إلى سلطة أو دولة، بل كانوا يقتصون لأنفسهم بأنفسهم ولا يخضعون في ذلك إلا لبعض الأعراف، فكان الانتقام هو السائد بحيث إذ ارتكب شخص جريمة ما يقوم المجني عليه أو عائلته أو قبيلته بالثأر منه أو من عشيرته، مما أدى في كثير من الأحيان إلى نشوب حروب بين العشائر والقبائل، لكن ومع نشوء الدولة كسلطة عليا تقلصت رقعة الانتقام ومظاهره خاصة عند ظهور قانون تاليون الذي جاء بقاعدة "العين بالعين والسن بالسن" وأوجبت على القبيلة المعتدية التخلي عن الجاني للقبيلة المعتدي عليها لتتولى بنفسها أمر معاقبته.
أما في العصر الثاني وهو عصر الردع والتكفير استبدلت العقوبة البدنية بالعقوبة المالية والتعويض الشخصي وكان الغرض من العقوبة هو إيلام الجاني حتى يكفر عن ذنبه وإرهاب غيره حتى لا يقتاد به وكانت العقوبة مبنية على فكرة الإرهاب نتيجة الأفكار الدينية التي كانت سائدة آنذاك وعليه كانت العقوبة جد قاسية وصارمة إذ كانت متروكة لتحكم القضاة.
أما في عصر الرحمة والإنسانية تأثر مفهوم العقاب بآراء الفلاسفة والمفكرين المنددين بالأفكار الإرهابية والعقوبات القاسية الذين جاؤوا بأفكار جديدة مفادها أن الإنسان حر عاقل وأن العقوبة يجب أن يقصد منها إصلاح المجرم بدلا من إرهابه فكان لنظرية الرحمة الإنسانية تأثير كبير على التشريعات الجنائية الأوروبية لاسيما التشريع الفرنسي بحيث ألغيت من قانون عقوباته أنواع العذاب التي كانت تابعة للعقوبات السالبة للحرية.
وفي العصر الحديث انطلاقا من أواخر القرن الثامن عشر ظهر مذهب المنفعة الذي يرمي إلى أن العقاب المقبول هو العقاب النافع أو الضروري لحماية المجتمع، إرضاء للشعور الأدبي أو الأخلاقي، غير أنه تعرض لانتقادات مما أدى إلى ظهور اتجاه آخر نادى بالعزوف عن المسؤولية الأخلاقية وإقرار المسؤولية الاجتماعية باعتبار أن المجتمع مسؤول عن تصرفات وسلوكات أفراده فكان لأغلب التشريعات في العالم أن تأثرت ببعض تعاليم هذا الاتجاه، ومن ثم اتسع مفهوم الجزاء ليشمل إلى جانب العقوبة ما يسمى بالتدابير الاحترازية.
المطلـب الثـانـي
تطـور سلطـة القـاضـي في تقـديـر العقـوبـة

لقد تناول سلطة القاضي الجزائي في تقدير العقوبة ثلاثة نظم متتابعة هي نظام السلطة المطلقة ونظام السلطة المقيدة، ونظام السلطة النسبية، وسنتناول التطور الفقهي والقانون لهذه النظم في الفروع الآتية:

الفـرع الأول: نظـام السلطـة المطلقـة:

في المجتمعات البدائية، كان رئيس العائلة أو القبيلة، يحتكر لنفسه السيـادة المطلقة على أفراد جماعتـه، فيفصل في منازعاتهم الجنائية والمدنية، كما يهوى ويشاء، دون الالتزام بأية قاعدة ثابتة، وكذلك حال أغلب الملوك القدماء، الذين كانوا يباشرون سلطة القضاء المطلقة بأنفسهم، أو بواسطة أعوانهم من الطبقة الأرستقراطية أو الكهنة غير أن هذه السلطة المطلقة، وإن كانت هي الغالبة في معظم أدوار التاريخ، إلا أنها في أحوال كثيرة تتقيد إلى حد ما في بعض الأمور بالشرائع والتقاليد الدينية وقواعد العرف، التي لم تسلم في الواقع، عند تطبيقها، من تفسيرات موافقة لأهواء مطبقيها، الممارسين لسلطة القضاء، ومع ذلك لم تخل تلك العصور من ملوك مصلحين شرّعوا قوانين تضمنت نصوصا محددة لبعض الجرائم والعقوبات، وذلك لوضع حد لتحكم وتعسف القضاة، ومن أهم هذه القوانين القديمة قانون حمو رابي البابلي (1728-1686 ق.م) وقانون حور محب الفرعوني (1330 ق.م) وقانون مانو الهندي (1280 ق.م) وقانون داركو اليوناني (621 ق.م) وقانون الألواح الاثني عشر الروماني (451 ق.م) وفي فرنسا وقبل ثورة عام 1789 فقد كان نظام العقوبات التحكيمية (Le système des peines arbitraires) أقرب صورة واضحة لنظام السلطة القضائية المطلقة القديم، وقد ساد هذا النظام منذ القرن السادس عشر حتى قيام ثورة سنة 1789م. ففي تلك الفترة أخذ القانون الجنائي يتميز بمعالمه الخاصة عن القانون المدني بعد تخلصه من قواعد القصاص ولدية.
وقد ساد في فرنسا ثلاثة أقسام من العقوبات القسم الأول يتعلق بالعقوبات المقررة بمقتضى الأوامر الملكية التي كانت تعد بمثابة قوانين في ذلك العهد، والقسم الثاني يتعلق بالعقوبات المؤسسة على عرف المحاكـم، أي السوابق القضائية تبعا للأحكام الصادرة عن المحكمة القضائية العليا وهي قسم من برلمان باريس، والتي كان لها قضاء ثابت تقريبا يلتزم القضاة الآخرون بإتباعه، ومن مجموعة هذه الأحكام تكوّن القانون العام للمحكمة.
ومن بين العقوبات التي كانت مقررة على هذا النحو عقوبة الدولاب لقتل أحد الوالدين وعقوبة قطع اليد ثم الإعدام وحرق الجثة وذر رمادها لقتل الزوج، وعقوبة التشهير بالقيد مع مغزلين ولوحة مدون عليها الجرم، ثم النفي المؤقت أو الأشغال الشاقة المؤقتة لجريمة تعدد الزوجات، وهي عقوبات تحكمية لسلطة المحكمة العليا المطلقة، وإن كانت تصبح بعد ذلك عقوبات قانونية نتيجة التزام القضاة بتطبيقها، أما القسم الثالث فيشمل العقوبات التحكمية بعناها الدقيق وهي طائفتان، الأولى تنحصر في العقوبات التي للقاضي أن يحددها لجرائم معينة منصوص عليها وعلى عقوباتها الأساسية في أمر ملكي، مع منح القاضي في ذات الأمر سلطة مطلقة في توقيع أي عقوبة أخرى أشد على أن تكون من ضمن العقوبات المقررة بموجب الأوامر الملكية أو بمقتضى السوابق القضائية، أما الثانية فإنها تشمل جميع العقوبات التي يوقعها القضاء على مرتكبي الأفعال التي يرون تجريمها، دون أن يسبق تجريم تلك الأفعال بمقتضى الأوامر الملكية أو السوابق القضائية للمحكمة العليا، شرط أن تكون هذه العقوبات من ضمن العقوبات المقررة في المملكة ومن بين هذه العقوبات التمزيق إلى أربعة أجزاء بربط المحكوم عليه بأربع خيول تتحرك كل منها إلى جهة معاكسة للأخرى، وعقوبة الدولاب بربط أطراف المحكوم عليه وتركه على الدولاب حتى الموت، والحرق، وقطع الرأس والشنق وقطع اللسان أو الشفة والجلد العلني والتعليق من الإبطين والتشهير بالقيد، والأشغال الشاقـة المؤبدة والنفـي المؤبد أو المؤقـت، والسجـن، والحبس، والموت المدني، والحرمان من الوظائف، والمصـادرة العامة، والغرامة، والتأنيب والإنذار، وقطع اليد.
وهكذا كان العقاب متروكا لسلطة المحاكم المطلقة ولم يكن يوجد في فرنسا قانون عقوبات حقيقي ولم تكن العقوبات ولا الجرائم محددة في القانون نفسه تحديدا حاسما، وأمام إساءة القضاة استعمال سلطتهم ظهرت بعض من الانتقادات لهذا النظام خاصة في القرن الثامن عشر وظهرت المطالبة بتحديد سلطة القاضي في فرض وتقدير العقوبة وفي إطار محكم في القانون من طرف البعض من الفلاسفة والفقهاء، ومن بينهم مونتسيكيو الذي انتقد في كتابه "روح القوانين" أحكام القضاة التي كانت مرادية، أي من غير وجود قوانين توجههم، والعقوبات التي كانت تتسم بالقسوة ومن ثم بدأت بوادر نظام جديد في تقدير العقوبة وهو نظام السلطة المقيدة .
الفـرع الثـانـي: نظـام السلطـة المقيـدة
في هذا النوع من الأنظمة يجرد القاضي من كل سلطة في تقدير العقوبة، سواء في تحديد الأفعال المجرمة أو العقوبات المقررة لها، فالقاضي يلتزم فقط بالنطق بنوع ومقدار العقوبة التي يكون المشرع قد حددها في القانون، وقد وضع أسس هذا النظام "بكاريا" فيما خططه من القواعد لمذهبه في الفقه الجنائي التي قضت بوجوب تحديد الجرائم والعقوبات بقانون تضعه السلطة التي تمثل الجماعة على أن يتم تحديد عقوبة كل جريمة في القانون تبعا لمدى إضرارها للمجتمع، وهكذا نصت المادة الثامنة من بيان حقوق الإنسان الذي أصدرته الجمعية التأسيسية في 26 أغسطس 1789 على أنه "لا يمكن أن يعاقب أحد إلا بموجب قانون مطلق أصوليا يقرر ويعلن تجريم الفعل المرتكب قبل وقوعه" كما جاء في المادة الثانية من البيان أنه لا يجوز للقانون أن يمنع إلا الأفعال الضارة بالهيئة الاجتماعية وليس له أن يقرر إلا العقوبات الواضح ضرورتها وبدقة" وبهذا أعلن الميلاد الفعلي المعروف لقاعدة قانونية الجرائم والعقوبات التي تتميز بصرامتها القصوى، بإقرارها عقوبات ثابتة بنوعها ومقدارها، دون أن يترك للقاضي أي مجال للاختيار أو التدريج مهما اختلفت ظروف الجريمة وتباينت حالة المجرم وظروفه، فتقيدت سلطة القاضي في حدود التطبيق الحرفي للنصوص، وأصبح مجرد موزع آلي للعقوبات.
ونظرا لاتسام هذا النظام بالصرامة والشدة، ظهرت بعض البوادر للتلطيف منه وجعله أكثر انسجاما وليونة، فاتجهت إرادة مشرع الثورة إلى التخفيف من قسوة العقوبات، فأبطل منها التعذيب والبتر والجلد والمصادرة العامة، وخفض الحالات المعاقب عليها بالإعدام من 115 حالة إلى 32 حالة فقط، هذا فيما يتعلق بالجنايات. أما في الجنح والمخالفات، فقد أصدرت الجمعية التأسيسية في 22 يوليو 1791 قانونا خاصا بها تميزت العقوبات المقررة فيه ببعض من المرونة وهي عقوبات حبس وغرامة ذات حدين أدنى وأعلى مما جعل للقاضي سلطة نسبية محدودة في تقدير العقوبات للجنح والمخالفات التي تضمنها ذلك القانون . لكن ورغم هذا التعديل فإن القساوة والصرامة بقيت هي الصفة الغالبة لهذا النظام وذلك لأن المشرع خاصة في قانون الجنايات، درج العقوبات طبقا لجسامة الجرائم وحددها دون الأخذ بعين الاعتبار لا شخصية المجرم ولا بواعث ارتكابه للجريمة.
لذلك وجهت له انتقادات لاذعة لانحرافه عن عدالة العقاب نحو عدم المساواة في العقوبة التي قد تكون سهلة وهينة بالنسبة لمجرم خطير معتاد وقاسية وشديدة لمجرم مبتدأ مسالم إلى أن ظهر الاتجاه الصريح نحو نظام السلطة النسبية من خلال قانون 25 فرامير (Framaire) السنة الثامنة الذي صدر باستعجال جاعلا حدين أدنى وأعلى لعقوبات الجرائم التي نص عليها، بعد أن كانت تلك العقوبات ثابتة في قانون جنايات 1791. ومثال ذلك عقوبة سرقة المنازل نهارا التي كانت ستة سنوات أشغال شاقة، فأصبحت بموجب القانون الجديد لا تقل عن سنة ولا تزيد عن أربع سنوات سجن.
الفـرع الثالـث: نظـام السلطـة النسبيـة
يقوم هذا النظام على التعاون بين المشرع والقاضي في تقدير العقوبة، وهو النظام الأكثر انتشارا نظرا لصبغته التوفيقية التي يتميز بها لمزاوجته بين النظام المطلق والنظام المقيد.
وفيه يتولى المشرع تعيين الأفعال المجرمة وتحديد ما يتناسب معها مبدئيا من عقوبات، ثم يتبع ذلك قيام القاضي بتقدير العقوبة، ضمن النطاق المحدد قانونا مستهدفا حماية المجتمع وإصلاح المجرم، فموجب هذا النظام أصبح للقاضي سلطة نسبية لا هي تحكمية ولا هي مقيدة في تقدير العقوبة، آخذا بعين الاعتبار حالة المجرم المتجلية في تكوينه البيولوجي والنفسي والاجتماعي والظروف التي أحاطت به انطلاقا من البواعث التي دفعته إلى اقتراف الجريمة، فنظام السلطة النسبية إذن ظهرت بوادره الأولى سنتين بعد الثورة الفرنسية.
وبذلك أصبح تقدير العقوبة يتراوح بين مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات الذي يعطي للمشرع سلطة تحديد مقدار العقوبة لكل جريمة على صيغة العمومية والتجريد ومبدأ تفريد العقوبة الذي يعطي للقاضي صلاحية تقدير العقوبة في حدود سلطته وفقا للظروف الشخصية والمادية المحيطة بالجاني والجريمة.
غير أن مبدأ تفريد العقوبة الذي شكل أهم ركيزة لسلطة القاضي في تقدير العقوبة لم يبزغ إلا من خلال قانون عقوبات نابليون الفرنسي لسنة 1810. الذي كان إيذانا لتجسيد تباشير التفريد في قانون متكامل، منح القاضي جزءا من السلطة في تحديد العقوبة، إذ جعل حدين أدنى وأعلى لكل عقوبة ذات طبيعة قابلة للتفاوت في تحديدها مع قبول الظروف المخففة في الجنح غير المتجاوز ضررها خمسة وعشرون فرنكـا، ولم يكتف نابليون بالتفريد بناء على شخصية المجرم بل تعداه إلى الأخذ بعين الاعتبار جهة المجني عليه ودرجة تأثير الجريمة عليه، بالنظر إلى الفرق في الإحساس بين الرجال والنساء أو القصر والبالغين مثلا. وهذا كله تأثرا بآراء بنتام المتألقة الذي دعا إلى ضرورة التفريد المزدوج للعقوبة من جهتي الجاني والمجني عليه.
وعلى العموم فقانون 1810 إن لم يمنح القاضي حرية اختيار مطلقة فإنه قد منحه حرية اختيار جزئيـة، يمارسها عند تعيينه مقدار العقوبة ضمن المدى الفاصل بين حديها. وأن هذه السلطة التقديرية الممنوحة للقاضي لم يكن الغرض منها قاصرا على مجرد تمكينه من تحقيق تناسب بين مقدار العقوبة ودرجة الجسامة المادية للجريمة، وإنما من أهدافها أيضا تحقيق التناسب بين مقدار العقوبة والاعتبارات الشخصية للمجرم التي سبق أن ذكرها بنتام.
ونتيجة للجمود الذي اتسمت به المدرسة التقليدية بفعل تشددها في فكرة قانونية الجرائم والعقوبات ظهر بعض المفكرين الجدد في نفس سياق هذه المدرسة الذين أدخلوا بعضا من الليونة في مواقفهـا إزاء العقوبــة، فعمدوا إلى إخراجها من ضيق العدالة المطلقة إلى فسحة المنفعة الاجتماعية، فأصبح الهدف من العقاب يتسم بالازدواجية، مما خلق إلحاحا في توسيع سلطة القاضي في تقدير العقوبة، ليتسنى له ملاءمتها وفقا لهذا المعيار المزدوج، ولقد كان لهذا التطور في آراء المدرسة التقليدية الجديدة أثر على المنظومة العقابية الفرنسية، مما أدى إلى تعديل قانون نابليون بمجموعة من القوانين أهمها قانون 22 يونيو 1824 الذي وسع من نطاق تطبيق الظروف المخففة، وقانون 28 أفريل 1832 الذي زادها توسعا بغرض السماح للقاضي بالوصول إلى تناسب أكثر دقة بين العقوبة والجريمة المرتكبة، كما وضع هذا القانون سلمين للعقوبات، الأول للجرائم العادية والثاني للجرائم السياسية.
غير أنه وبالرغم من هذا التطور الذي مس أفكار المدرسة التقليدية إلا أن الانتقادات ظلت تلازمها مما أدى إلى ظهور تيار جديد فسر النظام العقابي تفسيرا اجتماعيا حتميا جاعلا من المسؤولية الاجتماعية أساسا للإجرام بدلا من المسؤولية الأخلاقية، وتمثل هذا التيار في المدرسة الوضعية، والتي ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر بزعامة بعض من المفكرين أبرزهم لمبروزو، وفيري، وجاروفالو. الذين استقوا أفكارهم من خلال الدراسة التشريحية الاجتماعية لعدد من المجرمين. وقد أسس لمبروزو مواقفه على أن المجرم إنسان شاذ يولد ومعه صفة الإجرام، وضم فيري العوامل الاجتماعية والطبيعية للجريمة إلى عواملها التكوينية التي أوردها لمبروزو بالقول بأن أفعال الإنسان هي حصيلة التكوين الفسيولوجي للشخص والبيئة الطبيعية والاجتماعية المحيطة به، أما جاروفالو فقد أسس السلوك الإجرامي على أساس الحتمية بتوافر الدوافع التي تؤدي إلى ذلك.
ونتيجة لهذه الاعتبارات والحجج نادى أنصار هذه المدرسة إلى ضرورة إبعاد المسؤولية الجنائية القائمة على المسؤولية الأخلاقية وإحلال المسؤولية الاجتماعية مع استبدال العقوبات بالتدابير الاحترازية. وتبعا للاتجاه الوضعي الأنتروبولوجي فإن مهمة القاضي تقتصر على التحري على السمات التي حددها لمبروزو في مرتكب الجريمة، فإن وجدها قرر له تدبيرا علاجيا إن كانت علله التكوينية قابلة للشفاء وإن كان لا يرجى شفاؤه منها فرض عليه تدبيرا احترازيا محضا بإيداعه في مأوى معزول أو بإعدامه لاستئصاله نهائيا، أما إذا لم يجدها أطلق صراحه، بينما في الاتجاه الوضعي الاجتماعي فإن مهمة القاضي تتمثل في تقدير الصفة غير الاجتماعية للمجرم والفعل، ثم فرض التدبير الاحترازي العلاجي أو الوقائي المتلائم مع تلك الصفة وخاصة مع درجة خطورة المجرم ومدى استعداده للرجوع إلى الحياة الاجتماعية.
غير أن الصبغة شبه المثالية التي اتسم بها موقف المدرسة الوضعية بجناحيها، أدى إلى الاعتقاد بصعوبة تجسيده على الميدان مما أدى بالقوانين والتشريعات إلى العزوف عنه والتمسك بتعاليم المدرسة التقليدية الراسخة في معظم الشرائع.
وفي أوائل القرن العشرين وعلى إثر هذا التناقض الجدلي بين المدرستين التقليدية والوضعية تألقت آراء المدارس الوسطية بموقف معتدل بين المعسكرين، متمسكة بالمسؤولية الجنائية كأساس للعقاب، محتفظة بالعقوبة في معناها التقليدي مع إقرار نظام التدابير الاحترازية كبديلة أو متممة للعقوبات بالنسبة للمجرمين الشواذ والمعتادين، وخصصت التدابير التقويمية للأحداث لاستحقاقهم نظاما تربويا رعويا يلاءم أحوالهم ويصلح لتقويمهم. ومن تتبع نصوص قانون العقوبات الجزائري يتضح أن المشرع انتهج هذا ةالمنهج الوسطي.









 


قديم 2011-05-20, 17:05   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 الفصل الاول

الفصـل الأول
ضوابـط سلطـة القاضــي الجزائـي في تقديـر العقوبـة

نتناول هذه الضوابط في مبحثين نخصص الأول للضوابط الإجرائية والثاني للضوابط الموضوعية.

المبحـث الأول
الضـوابـط الإجـرائيـة

تتمثل الضوابط الإجرائية فيما يقتضيه مبدأ الشرعية الإجرائية من إجراءات وما يفرضه من نتائج تؤثر على سلطة القاضي في تقدير العقوبة، خاصة تلك القواعد المتعلقة بإجراءات مرحلة المحاكمة التي تعتبر المرصد الأساسي الذي يكون القاضي من خلاله قناعته الشخصية، والتي تقوده إلى التأكد من الإدانة، ومن ثم الوصول إلى تقدير عقوبة مناسبة، تحقق الموازنة الحقيقية بيم مصلحة المجتمع ومصلحة المتهم، لذلك سنتناول في مطلب أول الشرعية الإجرائية، من خلاله نبين علاقة قواعد قانون الإجراءات الجزائية بتقدير العقوبة، وفي مطلب ثاني، سنتناول نتائج الشرعية الإجرائية.

المطلـب الأول
الشـرعيـة الإجـرائيـة

إذا كان قانون العقوبات يتضمن النصوص التي تحدد الجرائم والعقوبات المقررة لها، فإن قانون الإجراءات الجزائية يحدد سبل المطالبة بتطبيق القانون، على كل من أخل بنظام الجماعة بارتكابــه للجريمـة ، وتضافر هذه القواعد والإجراءات يشكل ضمانات المحاكمة العادلة والمنصفة من خلال توزيع الأدوار بين الخصوم، عبر مختلف مراحل المحاكمة، من مناقشات ومرافعات، وتمكين الأطراف من الدفاع عن أنفسهم، بما يشرحونه من وقائع ويقدمونه من أدلة، وإن كانت هذه القواعد تقدم ضمانات واسعة للأطراف، فإنها من جهة أخرى تعد ضوابط تنظم سلطة القاضي في سعيـه للوصول إلى الحقيقـة، وذلك منعا للتعسف والتحكم، وإصدار عقوبات لا تتناسب وجسامة الفعل المرتكب، وهذه الضمانات هي نتاج تطور هام في الأنظمة الإجرائية صاحبت تطور الأنظمة العقابية عبر مختلف الأدوار، بدءا من عصر الانتقام الذي كان يخلوا من أدنى ضمانات المحاكمة العادلة، ثم عصر تسلط الملوك، فعصر تحكم القضاة، وأخيرا العصر الحديث الذي استقر على أنظمة بلغت درجة معتبرة في تكريس هذه الضمانات خاصة مع بروز وتألق تباشير وتعاليم حقوق الإنسان.
إن قانون الإجراءات الجزائية يتولى تحديد الأجهزة القضائية واختصاصاتها والإجراءات المتبعة في المراحل الإجرائية المختلفة، والتي تهدف جميعها إلى الوصول إلى الحقيقة المنشودة، ألا وهي تطبيق القانون على من خرق أحكامه بمخالفة أوامره ونواهيه، وكانت النتيجة أن استقر الفكر الجنائي على أنه لا عقوبة بغير حكم قضائي، وهذا ما يبرر العلاقة الوطيدة بين قانوني الإجراءات الجزائية والعقوبات، باستناد هذا الأخير في تطبيقه على قانون الإجراءات الجزائية، بإعمال الأحكام الموضوعية والعمل على تطبيقها وتنفيذها، باعتبار أن قانون الإجراءات الجزائية هو الوسيلة الوحيدة المقررة قانونا لتطبيق قانون العقوبات.
فالقاعدة الإجرائية تنقل القاعدة العقابية من مجالها النظري إلى مجال تطبيقي باعتبارها قاعدة عقابية مجردة، فتطبق على شخص معين أو أشخاص معينين، حين تثبت في حقهم التهمة بأحكام قضائية تصدر عن جهات قضائية مختصة قانونا، ذلك أن الجزاء الجنائي الذي تقرره القواعد الجنائية، لا يمكن تطبيقه دون الاستعانة بأحكام قانون الإجراءات الجزائية ، فالتقدير السليم لعقوبة ما لا يكون كذلك إلا بإتباع هذه القواعد والإجراءات إتباعا سليمـا، وعلى القاضي أن يتحكم فيها بعناية وصرامة شديدتين، وأن يسير جلسات المحاكـمة بإحكـام، باعتباره الشخص الذي يترأسها والذي يتولى التحقيق النهائي أثناءها بالاستماع لمرافعات الأطراف وحججهم وطلباتهم، والتي من خلالها يبني اقتناعـه الشخصي، ويتأكد من الإدانة التي يجب أن تبنى على اليقين التام.
إن ضمانات المحاكمة العادلة هي في نفس الوقت ضوابط توجه سلطة القاضي وتكفل له الوسائل والطريقة التي يسلكها إجرائيا للوصول إلى الحقيقة، ومن هذه الضمانات:

1. سـرعـة الفصـل: إذ تنص المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي انضمت إليه الجزائر بموجب المرسوم الرئاسي رقم: 89/67 على أنه "من حق كل متهم أن يحاكم دون تأخير لا مبرر له" ولأجل ذلك قدرت الآجال والمواعيد في قانون الإجراءات الجزائية على قدر معلوم، تأكيدا لمبدأ الفورية والسرعة، حتى لا يتساهل القضاء في حقوق الناس وحرياتهم، ثم إن استغراق الدعوى وقتا أطول يؤدي إلى إلحاق ضرر بالمصلحة الخاصة والمصلحة العامة، ويؤثر سلبا على وقائع الجريمة وقناعة القاضي ومن ثم يختل ميزان تقدير العقوبة.

2. علنيـة المحاكمــة: إذ تعد العلنية من الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة على أساس أنها وسيلة من وسائل الرقابة الفاعلة للعدالة وضمانة للمتهم، عن طريق السماح للمجتمع حضور الجلسات، ومن ثم وجب على القاضي أن يقدر العقوبة التقدير المناسب، حتى يشعر المجتمع بعدالته وباقتصاصه من المجرم الذي اعتدى على حقه في الأمن والطمأنينة، لذلك نجد مختلف المواثيق الدولية تقر بعلنية جلسة المحاكمة إذ نصت المادة العاشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن لكل إنسان الحق على قدم المساواة التامة مع الآخرين في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظرا عادلا علنيا، للفصل في حقوقه والتزاماته، وأية تهمة جنائية توجه له، والدستور الجزائري في المادة 144 ينص على أن تعلل الأحكام القضائية وينطق بها في جلسات علنية، وكذلك نص قانون الإجراءات الجزائية في المادة 285 منه على أن المرافعات علنية ما لم يكن في علانيتها خطر على النظام العام أو الآداب .." غير أن هذا المبدأ ليس مطلقا بحيث أن المرافعات في قضايا الأحداث يسمح بحضورها شهود القضية وأقارب الحدث ووصيه أو نائبه القانوني وأعضاء النقابة الوطنية للمحامين وممثلي الجمعيات أو الرابطات أو المصالح والأنظمة المهتمة بشؤون الأحداث والمندوبين بالرقابة على الأحداث المراقبين ورجال القضاء .

 شفـويــة المـرافعـات: إذ أن هذا المبدأ بدوره يمثل في مجال القضايا الجزائية ضمانة من ضمانات المحاكمة المنصفة إذ القاضي وهو يحاكم المتهم الماثل أمامه، لا يكتفي بالمحاضر المكتوبة، وإنما عليه أن يستمع بنفسه إلى أقوال المتهم والضحية والمدعي المدني والشهود، وتطرح أقوال كل واحد للمناقشة فهو لا يبني قراره وتقديره إلا على ما كان محل مناقشة أثناء جلسة المحاكمة، فهذا المبدأ يتيح لكل طرف أن يسمع ويرد على ما يدلي به خصمه، وفي ذلك تنص الفقرة الثالثة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية "من حق كل متهم أن يحاكم حضوريا وأن يدافع عن نفسه بنفسه أو بواسطة محام من اختياره وأن يخطر بحقه في وجود من يدافع عنه إذ لم يكن له من يدافع عنـه، كما تنص المادة 212/03 من قانون الإجراءات الجزائية :"لا يسوغ للقاضي أن يبني قراره إلا على الأدلة المقدمة له في معرض المرافعات والتي حصلت المناقشة حضوريا أمامها .
 حضــور المحاكمــة: إذ تنص المادة 140 من الدستور أن "أساس القضاء مبادئ الشرعية والمساواة الكل سواسية أمام القضاء وهو في متناول الجميع ويجسده احترام القانون" فاستنادا إلى هذا المبدأ فإنه لا يجوز منع أحد من حضور جلسات المحاكمة ولا سيما أطراف الدعوى متهما كان أو ضحية، فمنع المتهم من حضور جلسات المحاكمة يؤدي إلى إهدار حقه في الدفاع عن نفسه.
 حـق المســاواة فـي الحقـوق مع النيابـة: فإذا كان دور النيابة هو تمثيل المجتمع والدفاع عن حقوقه من خلال مباشرتها الدعوى العمومية لتطبيق العقوبات وحضورها المرافعات وإبداء الرأي في جميع القضايا وتقديم الطلبات، فإن للمتهم سواء بنفسه أو عن طريق دفاعه، استعمال كافة الوسائل الضرورية والقانونية لتفنيد أدلة النيابة وتقديم الأدلة التي يراها ضرورية، لإقناع المحكمة على براءته، كما أن للمتهم حق احاطته علما بالتهم والوقائع المنسوبة إليه وله الحق في معاملته بقاعدة قرينة البراءة إلى أن تثبت إدانته.
 حيــاد القاضــي: وهو من أنجع ضمانات المحاكمة العادلة، وله علاقة متينة بتقدير الجزاء لذلك يجب على القاضي في تحريه للحقيقة أن يتجرد من كل الميولات والمؤثرات الخارجية، شخصية كانت أم مادية، فإذا كان المتقاضي لا يختار القاضي الذي سيفصل في دعواه فإن القانون يجيز له في حالة ما إذا قام سبب يؤدي إلى الشك في إنصافه أن يطلب من رئيس المجلس تعويضه بقاضي آخر طبقا للشروط المحددة في المواد 554 وما يليها من قانون الإجراءات الجزائيةالمتعلقة برد القاضي،كما يمكن للقاضي نفسه أن يطلب ذلك إذا رأى سببا من الأسباب التي تجعل حياده وإنصافه مشكوكا فيه.

المطلـب الثــانـي
نتـائـج الشرعيـة الإجرائيــة

إذا كان مبدأ الشرعية الإجرائية يشكل أحد الضوابط الهامة في توجيه سلطـة القاضي في العقـاب، فإن هذا المبدأ يولد حتما مجموعة من النتائج، تشكل هي الأخرى ضوابط وقواعد يجب احترامها، وتتمثل فيما يلي:

الفــرع الأول: قرينـة البــراءة

يقصد بقرينة البراءة حسب التعريف الراجح في الفقه: معاملة الشخص مشتبها فيه كان أم متهما في جميع مراحل الإجراءات، ومهما كانت الجريمة التي نسبت إليه، على أنه برئ حتى تثبت إدانته بحكم قضائي بات، وفقا للضمانات التي قررها القانون للشخص في مراحله"ونظرا لأهمية هذا المبدأ وجد أساسه في كل الاتفاقيات والإعلانات الدولية، وكذا الدساتير والقوانين الداخلية، وقد نصت المادة 45 من الدستور الجزائري لسنة 1996 "كل شخص يعتبر بريئا حتى تثبت جهة قضائية نظامية إدانته، مع كل الضمانات التي يتطلبها القانون" وقرينة أصل البراءة قرينة بسيطة تقبل إثبات العكس، على أنه لا يكفي نفيها عن طريق أدلة الإثبات الواقعية المقدمة من النيابة العامة، أو بواسطة الإجراءات التي يباشرها القاضي الجنائي، بحكم دوره الإيجابي في إثبات الحقيقة، بل إن القرينة القانونية تضل، رغم الأدلة المتوفرة والمقدمة من أجل دحضها، حتى يصدر حكم قضائي بات يفيد إدانة المتهم، فالقانون يعتبر الحكم القضائي البات عنوان حقيقة لا تقبل المجادلة، وهي وحدها التي تكفي وتصلح لإهدار قرينة البراءة، فلا يكفي إذن لدحض قرينة البراءة مجرد قرائن الإثبات الأخرى سواء كانت من القرائن القانونية(البسيطة أو القاطعة) أو القضائية، فهذه القاعدة إذن تتطلب افتراض البراءة في حق المتهم، وعدم مطالبته بتقديم أي دليل على براءته، وعليه فالحديث عن مقدار العقوبة لا يكون له معنى إلا إذا ثبتت الإدانة وحينها يجوز للقاضي أن يستمد من شخصية المجرم عناصر لتقدير العقوبة، وهي عناصر لا تصلح لإثبات الإدانة ابتداء، فمجرد سوء سمعة المتهم وسبق ارتكابه للجريمة مثلا لا يصلح دليلا لإدانته وإن صلح في تقدير العقوبة المناسبة له.

الفـرع الثانـي: عـبء الإثبــات

يقتضي افتراض البراءة في المتهم، عدم مطالبته بتقديم أدلة براءته، وتقرير عبء الإثبات على سلطة الاتهام، فيجب عليها أن تقدم ما لديها من أدلة الإثبات ويجب على القاضي اتخاذ الإجراءات الكفيلة بجمع الأدلة التي تفيد في كشف الحقيقة إثباتا أو نفيا ، ويجب أن يتناول عبء الإثبات وقوع الجريمة وتدخل المتهم في ارتكابها، وعلى النيابة أن تثبت توفر جميع العناصر المكونة للجريمة مادية كانت أو معنوية، فإذا اقتصر المتهم على إنكار الجريمة فلا يطلب منه إقامة أي دليل على إنكاره، إذ أن من حقه رفض الدفاع عن نفسه أيضا.
لكن وإذا كانت القاعدة العامة هي وقوع عبء الإثبات على عاتق النيابة العامة، فإن هذه القاعدة ترد عليها بعض الاستثناءات، وذلك حين يتدخل المشرع بنص صريح، ليلقي عبء الإثبـات على المتهـم، حيث أوجد بعض القرائن لصالح النيابة كسلطة اتهام ضد مصلحة المتهم، وهذه القرائن منها ما هو قانوني ومنها ما هو قضائي، فبالنسبة للقرائن القانونية الموضوعة لصالح سلطة الاتهام نجد افتراض قيام الركن المادي في بعض الجرائم، سواء في قانون العقوبات أو القوانين المكملة له، منها ما ورد في المادة 343 من قانون العقوبات المتعلقة بالدعارة والتي يتضح منها وضع قرينة قانونية مفادها أن الشخص يعيش من موارد الدعارة ما لم يبرر مداخيله الشخصية، بمعنى أن المتهم لا يفلت من الإدانة إلا إذا أثبت أمام قاضي الموضوع مصدر المداخيل التي يعيش منها، غير أنه يتعين على قضاة الموضوع أن يبينوا في أحكامهم الأفعال التي اعتمدوا عليها لمؤاخذة المتهم، حتى تتمكن المحكمة العليا من ممارسة حقها في الرقابة، وكذلك نجد افتراض الركن المعنوي في بعض الجرائم منها ما ورد في المادة 374 من قانون العقوبات في جريمة إصدار شيك بدون رصيد فهذه الجريمة لا تقوم إذا كان مصدر الشيك يجهل عدم وجود الرصيد، غير أن القضاء ذهب خلاف ذلك حيث افترض سوء النية في حالة وجود الرصيد أو نقص الرصيد، وقد نص في هذا الخصوص "إن سوء النية الذي ذكرته المادة 374 من قانون العقوبات في سحب شيك مفترض بمجرد علم الساحب بعدم وجود رصيد كافي بحسابه "وقضي أيضا" لقد فرض القضاء على كل شخص يصدر شيك أن يتحقق من وجود الرصيد وقت إصداره."
وفي قانون الإجراءات الجزائية نجد من القرائن ما قرره المشرع الجنائي لبعض محاضر إثبات الجرائم من حجية بحيث يتعين على القضاء أن يسلم بما ورد فيها، ويعني هذا إعفاء سلطة الاتهام من إثبات ذلك وتحميل المتهم عبء إثبات عكسه، وفي بعض الحالات اصبغ حجية خاصة على المحضر حيث لا يجوز للمتهم إثبات عكس ما ورد فيه إلا عن طريق الطعن بالتزوير، وهذا ما تتناوله المواد 218/01 من قانون الإجراءات الجزائية والمادة 254 من قانون الجمارك والمادة 14 من القانون 90/20 المتعلق بمفتشية العمل بشأن المحاضر التي بعدها مفتشوا العمل المثبتة للجرائم المتعلقة بتشريع العمل.
أما القرائن القضائيـة فقد جرى العمل القضـائي على أنه في الجرائم المادية لا يطلب من النيابة كسلطـة اتهام إثبات الركن المعنوي لهذه الجرائم، والجرائم المادية هي تلك الجرائم التي تقوم على الركن المادي فقط بحيث أنه كاف بذاتـه للإدانـة، والركن المعنوي يستخلص من السلوك ذاته، والجرائم المادية ميدانها أغلب جرائم المخالفات وبعض جرائم الجنـح، فالمخالفات نظرا لكونها تقوم على سلوك خفيف قليل الخطورة ضئيـل الأهمية، وما دامت المسؤولية في هذه الجرائم ضئيلة الخطورة فإنه لا يطلب من النيابة كسلطـة اتهام إثبات الركن المعنوي غير أن هذا ليس على اطلاقه بفعل أن قانـون العقوبـات اعتبر بعض المخالفات عمدية مثل ما نصت عليه المادة 460 من قانون العقوبات أما في الجنح فقـد مدد القضـاء الجنائي تطبيق القرائن إلى بعضها والتـي تقوم في مجملها على العلاقـة الوثيقـة المتواجـدة بين الركـن المعنـوي والركن المادي ومثال ذلك جرائم القـذف المنصوص عليها في المواد 296 وما يليهـا من قانـون العقوبـات وقـد نص في هذا الخصوص أن ثبوت الأفعـال الماديـة يكفي لإدانة المتهـم وما على هذا الأخير إلا إثبـات العكس وذلك لبيـان حسن النيـة، ويتعلـق الأمر هنا بقرينـة قضائيـة من شأنهـا مخالفة القاعـدة

العامة التي تقتضي أنه على النيابة إثبات القصد الجنائي لدى المتهم، ويثار التساؤل إذا ادعى المتهم سببا من أسباب الإباحة، أو أسباب عدم المسؤولية أو عذرا من الأعذار القانونية، فهل يكلف بإتيانه كالمدين المدعى عليه في دعوى مدنية إذا ادعى براءة ذمته مـن الدين؟ فعلى مستوى القضاء المصري والفرنسي قيل في ذلك بأن المتهم لا يكلف مبدئيا بإثبات أوجه الدفع التي يقدمها لأن النيابة ملزمة بإثبات الشروط اللازمة لوجود الجريمة ومسؤولية فاعلها وبالتالي عدم وجود سبب من أسباب الإباحة أو عدم المسؤولية أو الأعذار القانونيـة، غير أن القضاء الجزائري ذهب عكس ذلك جاعلا عبء الإثبات في هذه المسائل يقع على عاتق المتهم.

الفـرع الثالـث: الشـك يفسـر لصالـح المتهــم

إذا كان الأصل في الإنسان البراءة فإنه لإدانته يجب أن يقوم الدليل القاطع على ارتكاب الجريمة بحيث يقتنع اقتناعا يقينا بارتكابها ونسبها للمتهم فإذا ثار الشك لدى القاضي في ذلك وجب أن يميل إلى الأصل وهو البراءة.

الفـرع الرابـع: عــدم العقـاب على فعـل واحـد مـرتيـن

جاء في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسة أنه لا يجوز تعريض أحد مجددا للمحاكمة أو للعقاب على جريمة سبق أن أدين بها أو بريء منها بحكم قضائي وفقا للقانون والإجراءات الجنائية في كل بلد، وفي قرار لها قضت المحكمة العليا أنه متى وقع الحكم نهائيا ببراءة المتهم فإنه لا يجوز لأية جهة قضائية أن تقرر إدانته جزائيا من أجل نفس الواقعة وإلا خرقت سلطة الشيء المقضي فيه ويترتب على ذلك النقض الكلي بدون إحالة "قرار 19/05/81 ملف 186/22" لغرفة الجنايات.

المبحـث الثانـي
الضـوابـط الموضوعيــة

إلى جانب الضوابط الإجرائية التي سبق ذكرها، تنظم سلطة القاضي في تقدير العقوبة ضوابط موضوعية تتمثل فيما يقتضيه مبدأ شرعيـة العقوبات وما يفرزه من نتائج، إذ يتولى المشـرع تحديد العقوبـة المناسبة لكل فعل مجرم تحديدا عاما ومجردا بينما يتولى القاضي تقدير العقوبـة تقديرا شخصيـا وموضوعيـا، ملتزما بما فرضه المشرع من حدود وتصنيف للجرائم لذلك سنتناول في مطلب أول مبدأ شرعية العقوبة وفي مطلب ثاني نتائج هذا المبدأ.

المطلـب الأول
مبـدأ شرعيـة العقوبـة

إن مبدأ شرعية العقوبة هو جزء من الشرعية الجنائية القائلة أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، فالعقوبة تخضع لمبدأ الشرعية شأنها شأن الجريمة، ويعني ذلك أن القانون هو الذي ينص على العقوبة ويحدد نوعها ومقدارها بدقة، فالقاضي لا يستطيع أن يحكم بعقوبة غير منصوص عليها أو أن يتجاوز ما هو منصوص عليه، وفي ذلك ضمانة لا غنى عنها تستبعد تحكم القضاة فالقاضي لا يملك إدانة أحد إلا إذا كانت الجريمة المنسوبة للمتهم والعقاب الذي يتعرض له سبق النص عليه من قبل في القانون، وقد عبر عن ذلك بكاريا في قوله أن القوانين وحدها هي التي يمكن أن تحدد عقوبات الجرائم وأن هذه السلطة لا يمكن أن يتولاها سوى المشرع بذاته الذي يمثل المجتمع بأسره بمقتضى العقد الاجتماعي.
إن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات يقوم في الحقيقة على دعامتين هما حماية الحرية الشخصية وحماية المصلحة العامة، ففيما يتعلق بحماية الحرية الشخصية فقد قام هذا المبدأ كعلاج ضد مختلف صنوف التحكم التي عانت منها العدالة الجنائية ردحا طويلا من الزمان، فهذا المبدأ يضع للأفراد الحدود الواضحة لتجريم الأفعال قبل ارتكابها، فيبصرهم من خلال نصوص محددة جلية لكل ما هو مشروع أو غير مشروع قبل الإقدام على مباشرتها.
أما ما يتعلق بحماية المصلحة العامة فتتحقق من خلال إسناد وظيفة التجريم والعقاب إلى المشرع وحده تطبيقا لمبدأ إنفراد المشرع بالاختصاص في مسائل الحقوق والحريات باعتبار أن القيم والمصالح التي يحميها قانون العقوبات لا يمكن تحديدها إلا بواسطة ممثلي الشعب.
إن مبدأ شرعية العقوبة يتمتع بقيمة دستورية، فقد أكد الدستور الجزائري لسنة 1996 أن تخضع العقوبات إلى مبدأي الشرعية والشخصية بنص المادة 142 منه، وذلك يمثل حماية للحريات الفردية والجماعية وحقوق الإنسان من كل عدوان أو انتهاك.
إن أي تقدير للعقوبة إذن لابد أن يكتنفه خضوع تام لمبدأ الشرعية، لذلك يتعين على القاضي أن يلتزم بهذا المبدأ، وأن يتقيد بما نص عليه التشريع في مجال العقوبات وتصنيفها وتدرجها وبالحدود التي لا يمكن تجاوزها، إلا في إطار ما يسمح به القانون.
ولقد حدد قانون العقوبات الجزائري سلما لتصنيف العقوبات في المادة 5 منه، ويستخلص من هذه المادة أن هذا التصنيف يقوم على معيارين: الأول يرتكز على خطورة الجريمة المرتكبة، والثاني على علاقة العقوبات فيما بينها.
فتبعا للمعيار القائم على أساس خطورة الجريمة المرتكبة تصنف العقوبات إلى:
 عقـوبـات جنائيـة: وتتمثل في الإعدام والسجن المؤبد والسجن المؤقت، كما أضاف المشرع، بموجب القانون رقم 04/15 المؤرخ في 10/11/2004 المعدل والمتمم لقانون العقوبات، فقرة إلى المادة 5 تنص على إمكانية تطبيق عقوبة الغرامة إلى جانب عقوبـة السجن (مـؤبد أو مـؤقت) عندمـا ينص القـانون على ذلك، لكـن وبعد صـدور القـانون رقـم 06/23 المـؤرخ فـي 20/12/2006، أخرج المشرع هذه الفقرة من المادة 5 وأفرد لها مادة خاصة بها وهي المادة 5 مكرر والتي أصبحت تنص على أن عقوبة السجن المؤقت وحدها التي لا تمنع الحكم بالغرامة، وبالتالي لم يعد بالامكان الحكم بالغرامة مع السجن المؤبد.
 عقــوبـات جنحيــة: وتتمثل في الحبس لمدة تتجاوز شهرين إلى خمس سنوات ما عدا الحالات التي يقرر فيها القانون حدودا أخرى، والغرامة التي أصبحت بموجب القانون رقم 06/23 تتجاوز 20.000 دج بدلا من 2000 دج التي كانت مقررة في ظل القانون السابق.
 عقــوبـات المخالفـات: وتتمثل في الحبس الذي تتراوح مدته من يوم إلى شهرين والغرامة التي أصبحت كذلك بموجب القانون رقم 06/23 المذكور تتراوح بين 2000 دج و 20.000دج بدلا من 20 إلى 2000دج التي كانت مقررة في ظل القانون السابق.
ولقد تمم المشرع القانون السابق بالمادتين 467 مكرر و467 مكرر 1 اللتان تقضيان أن ترفع الغرامات في الجنح والمخالفات المنصوص عليها في قانون العقوبات والقوانين المكملة له على النحو التالي:
 بالنسبـة للجنـح (المادة 467 مكرر): ترفع قيمة الغرامات في مواد الجنح كما يأتي:
- يرفع الحد الأدنى للغرامات إلى أكثر من 20.000دج، إذا كان هذا الحد أقل من 20.000دج.
- يرفع الحد الأقصى إلى 100.000دج إذا كان هذا الحد أقل من 100.000دج.
- يضاعف الحد الأقصى لغرامات الجنح الأخرى إذا كـان هذا الحد يسـاوي أو يفـوق 100.000دج، ما عدا الحالات التي ينص القانون فيها على حدود أخرى.
 بالنسبـة للمخالفـات (المادة 467 مكرر1): ترفع قيمة الغرامات في مواد المخالفات كما يأتي:
- إذا كانت الغرامة من 20دج إلى 50دج، يصبح مبلغها من 2000دج إلى 4000دج.
- إذا كانت من 30دج إلى 100دج،يصبح مبلغها من 3000دج إلى 6000دج.
- إذا كانت من 50دج إلى 200دج،يصبح مبلغها من 4000دج إلى 8000دج.
- إذا كانت من 50دج إلى 500دج،يصبح مبلغها من 5000دج إلى 10.000دج.
- إذا كانت من 100دج إلى 500دج،يصبح مبلغها من 6000دج إلى 12.000دج.
- إذا كانت من 100دج إلى 1000دج،يصبح مبلغها من 8000دج إلى 16.000دج.
- إذا كانت من 500دج إلى 1000دج،يصبح مبلغها من 10.000دج إلى 20.000دج.
أما بالنسبة للمعيار القائم على أساس علاقة العقوبات فيما بينها، فقد كانت العقوبات في ظل القانون السابق، قبل تعديله تصنف إلى عقوبات أصلية وعقوبات تبعية وعقوبات تكميلية:
 العقــوبـات الأصليـة: تمثلت في: الإعدام والسجن المؤبد والسجن المؤقت والحبس والغرامة (المادة 5 من قانون العقوبات).
 العقــوبـات التبعيـة: تمثلت في الحجر القانوني، والحرمان من الحقوق الوطنية (المادة 4 ق.ع).
 العقــوبـات التكميليـة: تمثلت في: تحديد الإقامة، المنع من الإقامة، الحرمان من مباشرة بعض الحقوق، المصادرة الجزئية للأموال، حل الشخص المعنوي، نشر الحكم.


لكن وبعد صدور القانون رقم 06/23، حدثت تعديلات جوهرية مست هذا التصنيف نتيجة تعديل المادة (4) من قانون العقوبات التي جاءت في صياغتها الجديدة خالية من النص على العقوبات التبعية مما يعني أنها ألغيت، وأبقت فقط على العقوبات الأصلية والعقوبات التكميلية، لكننا نلاحظ أن عقوبتي الحجر القانوني والحرمان من الحقوق الوطنية اللتين كانتا في ظل القانون السابق عقوبتين تبعيتين (المادة 6 من قانون العقوبات)، تم نقلها إلى المادة 9 المعدلة بموجب القانون الجديد، لتصبحا ضمن تعداد العقوبات التكميلية الواردة في المادة 9 المعدلة، حيث أصبحت هذه المادة تحتوي على 12 عقوبة تكميلية بعدما كانت في ظل القانون السابق تشمل ستة (6) فقط، وعليه تصبح العقوبات التكميلية في تعدادها الجديد كما يلي:

1. الحجر القانوني.
2. الحرمان من ممارسة الحقوق الوطنية والمدنية والعائلية.
3. تحديد الإقامة.
4. المنع من الإقامة.
5. المصادرة الجزئية للأموال.
6. المنع المؤقت من ممارسة مهنة أو نشاط.
7. إغلاق المؤسسة.
8. الإقصاء من الصفقات العمومية.
9. الحظر من إصدار الشيكات و/أو استعمال بطاقات الدفع .
10. تعليق أو سحب رخصة السياقة أو إلغاءها مع المنع من استصدار رخصة جديدة.
11. سحب جواز السفر.
12. نشر أو تعليق حكم أو قرار الإدانة.

أما بالنسبة للشخص المعنوي، فعلى إثر التعديل الذي طرأ على قانون العقوبات بموجب القانون رقـم 04/15، أفرد المشرع بابا خاص بالعقوبات المقررة له وهو الباب الأول مكرر بعنوان العقوبات المطبقة على الأشخاص المعنوية، وأدرج تحت هذا الباب مادتين اثنتين هما 18 مكرر و 18 مكرر1.
ثم تمم هذا الباب بمادتين أخريين هما المادة 18 مكرر2 و 18 مكرر3 بموجب القانون رقم 06/23 الأخير مع تعديل المادة 18 مكرر حيث ميّز المشرع بين العقوبات التي تطبق على الشخص المعنوي في مواد الجنايات والجنح وتلك التي تطبق في مواد المخالفات.

- بالنسبـة للعقوبـات المقـررة في مواد الجنايات والجنح نصت عليها المادة 18 مكرر وهي كالآتي:
1. غرامة تساوي من مرة إلى خمس مرات الحد الأقصى للغرامة المقررة قانونا للجريمة عندما يكون مرتكبها شخص طبيعي، ففي جريمة تكوين جمعية أشرار مثلا تكون العقوبة المقررة في قانون العقوبات إذا ارتكبها شخص طبيعي من 200.000دج إلى 1000.000دج أما إذا ارتكبها شخص معنوي فتكون العقوبة من 1000.000دج إلى 5000.000دج.
2. واحدة أو أكثر من العقوبات الأتي بيانها، والتي أصبحت بعد تعديل المادة 18 مكرر بالقانون رقم 06/23 عقوبات تكميلية:
أ‌. حل الشخص المعنوي.
ب‌. غلق المؤسسة أو أحد فروعها لمدة لا تتجاوز خمس سنوات.
ج. منع المؤسسة من المشاركة في المناقصات المتعلقة بالصفقات العمومية.
د. المنع من مزاولة أي نشاط مهني أو اجتماعي بشكل مباشر أو غير مباشر نهائيا أو لمدة لا تتجاوز خمس سنوات.
هـ. مصادرة الشيء الذي استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها.
و. تعليق ونشر حكم الإدانة وذلك على نفقة المحكوم عليه.
ي. الوضع تحت الحراسة القضائية لمدة لا تتجاوز خمس سنوات.

لكن يشترط لتطبيق هذه العقوبات أن ينص المشرع على مسؤولية الشخص المعنوي، لأن هذا الأخير لا يسأل إلا عن الجرائم التي خصه بها المشرع بالذكر.
- بالنسبـة للعقوبـات المقـررة في مواد المخالفـات فقد تم تحديدها في المادة 18 مكرر 1 وتتمثل في غرامة تساوي من مرة إلى خمس مرات الحد الأقصى للغرامة المقررة قانونا للجريمة عندما يرتكبها شخص طبيعي، وعلاوة على ذلك يجوز الحكم بمصادرة الشيء الذي استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها.
وفي الحالات التي لا ينص فيها القانون على عقوبة الغرامة بالنسبة للأشخاص الطبيعية سواء في الجنايات أو الجنح، وقامت المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي فإن الحد الأقصى للغرامة التي تطبق عليه تكون 2000.000دج عندما تكون الجناية معاقب عليها بالإعدام أو بالسجن المؤبد، 1000.000دج عندما تكون الجناية معاقب عليها بالسجن المؤقت 500.000دج بالنسبة للجنحة (المادة 18 مكرر 2)

المطلـب الثانـي
نتائـج شرعيـة العقوبـة

يترتب على مبدأ شرعية العقوبة عدة نتائج تضبط هي الأخرى عمل القاضي وسلطته في تقدير العقوبة، تتمثل في ثلاث محاور وهي التفسير الضيق للنصوص العقابية وحظر القياس وعدم رجعية القاعدة العقابية.
الفـرع الأول: التفسيـر الضيـق للنصـوص العقابيـة

يقصد بالتفسير تلك العملية الذهنية التي يمكن بها التوصل إلى المعنى الحقيقي للنص القانوني ليتسنى للقاضي تطبيق النص على الوقائع المعروضة أمامه، ويهدف إلى الاحاطة بمضمون القاعدة القانونية لبيان حقيقتها وما تتضمنه من أحكام وتحديد مداها، والتفسير بهذا المعنى في القانون الجنائي عموما ينبغي أن يكون كاشفا ولا يجوز أن يكون منشئا لأن دور القاضي الجنائي في التفسير هو الكشف عن إرادة المشرع من وضع


القاعدة القانونية واستخلاص قصده من ذلك لأن الغرض من التفسير يتنوع بحسب ما يريده المفسر بتفسيره للقاعدة القانونية، فقد يكون بغرض إيضاح غموضها أو تكملة نقصها أو بيان العلة من وجودها أو تأصيلها بردها للمبدأ العام المستمدة منه واستكمالا لمبدأ الشرعية القائل " لا عقوبة إلا بنص" فإن تفسير القواعد الجنائية الموضوعية يجب أن يكون تفسيرا ضيقا، وهذا يعني أنه يمكن للقاضي الجنائي أن يلجأ إلى تفسير نصوص التجريم والعقاب ولكن في حدود ضيقة جدا لأن ذلك قد يؤدي إلى المساس بحقوق الأفراد وحرياتهم وكرامتهم المضمونة دستوريـا من جهة ولكون القواعد المتضمنة التجريم والعقاب توضع ضد مصلحة المتهم كأصل عام من جهـة أخـرى، فالقاضي إن استعمل التفسير ينبغي عليه أن يبحث عن المعنى الحقيقي لإرادة المشرع ولا يعطي رأيه الشخصـي، ذلك أن التفسير الضيق يفترض الدقة والالتزام بالموضوعية إلى أبعد الحدود.

الفــرع الثانـي: حظـر القيـاس

القياس هو وسيلة عملية تهدف إلى استكمال ما يشوب القانون من نقص عن طريق إيجاد الحل لمسألة لم ينظمها القانون وذلك عن طريق استعارة الحل الذي قرره القانون لمسألة مماثلة لها، وعلى هذا النحو فإن القياس ليس وسيلة لاستخلاص إرادة القانون في إطار الصيغة التي استعملها، بل إنه يفترض أن القانون لم ينظم المسألة محل البحث ولم يقدم لها مباشرة الحل الواجب التطبيق. والقياس في تشريعنا الجنائي غير جائز، وهذه نتيجة حتمية لمبدأ " لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون"، ويعني هذا المبدأ أن القواعد التجريمية التي تنص على جرائم وعقوبات لا تطبق بطريقة القياس، ومن أجل هذا فإنه طبقا لقاعدة شرعية الجرائم والعقوبات تقتصر مهمة التجريم وتقرير العقاب على القانون وحده ولا يملك القاضي أية سلطة في هذا الشأن ولو كان عن طريق سد ثغرة في القانون بواسطة القياس غير أن قاعدة شرعية الجرائم والعقوبات لا تتعارض إلا مع استعمال القياس من أجل خلق جريمة جديدة أو ظرف مشدد جديد، ولكنه لا يتعارض مطلقا بالنسبة إلى تطبيق النصوص لصالح المتهم كالتي تقرر أسباب الإباحة أو موانع المسؤولية أو موانع العقاب أو الأعذار القانونية المخففة، ففي هذه الحالات لا يؤدي القياس إلى الافتئات على سلطة المشرع وحده في التجريم وفرض العقاب، بل إن هذا القياس هو استصحاب على الأصل العام في الأفعال وهو الإباحة، والقياس في هذا المجال هو تأكيد لهذا الأصل العام ومن ثم فإنه جائز قانونا وفي فرنسا يتضح من نص المادة 111/04 من قانون العقوبات الفرنسي الصادر سنة 1992 والمعمول به منذ أول مارس 1994 يتضح أنه لا يجوز للقاضي أن يجرم سلوكا لم يرد نص تشريعي بتجريمه بحجة التشابه بينه وبين سلوك يجرمه المشرع صراحة، أما النصوص الجنائية التي تكون في صالح المتهم فإن القياس في تفسيرها جائز، إذ لا ينطوي ذلك على أي مساس بالحريات الفردية ولا يتعارض بالتالي مع مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات.
وتطبيقا لذلك استقر قضاء محكمة النقض الفرنسية على إجازة القياس لصالح المتهم، من أمثلة ذلك أنه قاس على السرقة بين الأصول والفروع والأزواج التي يمكن أن تؤدي إلى التعويض المدني فقط،، جرائم النصب وخيانة

الأمانة كما استخلص القضاء الفرنسي أن حالة الضرورة تعتبر من أسباب الإباحة رغم عدم وجود نص خاص بهذا المعنى .

الفـرع الثالـث: عـدم رجعيـة القاعـدة العقابيـة إلى الماضـي


إن الأصل في النصوص الجنائية أنها ليس حكم على الماضي وتطبق نصوص العقاب على الأفعال التي ترتكب في ظل نفاذها أي الواقعة التي ترتكب بين لحظتي بداية سريانها وإلغائها، وهو ما يعبر عنه بتطبيق قانون العقوبات بأثر فوري الذي يعد نتيجة طبيعة لمبدأ شرعية الجريمة والعقوبة.
وقد حرص المشرع الدستوري على ترسيخ هذا المبدأ بموجب المادة 46 من دستور سنة 1996 التي تنص على أنه لا إدانة إلا بمقتضى قانون صادر قبل ارتكاب الفعل المجرم وهو ما دعمته المادة 2 من قانون العقوبات التي تنص على أنه لا يسري قانون العقوبات على الماضي"
غير أن هذا المبدأ ترد عليه استثناءات وهو ما يعرف في الفقه الجنائي بالقانون الأصلح للمتهم فبمقتضى هذا الحكم يطبق القانون الأصلح للمتهم بأثر رجعي وعلة هذا الاستثناء أن المشرع إذا ألغى عقوبة أو خفضها فلأنه رأى في شدتها ما لا يتماشى مع العدل أو ما لا يفيد المجتمع.
وحتى يكون للقانون أثر رجعي يجب توافر شرطين وهما أن يكون قانون جديد أصلح للمتهم من القانون الذي وقعت الجريمة في ظله وأن يصدر القانون الجديد قبل صدور حكم نهائي في الدعوى، ويجب التمييز بين النصوص المتعلقة بالتجريم والتكييف وتلك المتعلقة بالعقوبات.
فبخصوص التجريم يكون القانون أصلح بالمتهم:
- إذا ألغى تجريما، ويحدث ذلك إذا لم يعد الفعل المعاقب عليه في القانون القديم محل عقاب في القانون الجديد.
- إذا ألغى ظرفا مشدد.
- إذا قبل فعلا مبررا جديدا أو سببا من أسباب انعدام المسؤولية.
- إذا أحدث ظرفا معفيا أو مخففا.
- إذا أجاز للقاضي منح وقف التنفيذ بعد ما كان يمنع عليه ذلك.

وبخصوص الوصف القانوني، يكون القانون أصلحا للمتهم إذا حول الجناية إلى جنحة أو الجنحة إلى مخالفة، أما بخصوص العقوبات يكون القانون أصلحا للمتهم إذا قرر عقوبة أخف من العقوبة المقررة في القانون السابق.










قديم 2011-05-20, 17:06   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 الفصل الثاني

الفصــل الثـانـي
سلطـة القاضـي الجزائـي فـي تقديـر العقوبـة

يتمتع القاضي الجزائي بسلطة واسعة في تقدير العقوبة، ويستمد هذه السلطة من قانون الإجراءات الجزائية ومن قانون العقوبات، ومن ثم يمكن القول أن لهذه السلطة أساس إجرائي وأساس موضوعي، وهو ما سنتناوله في المبحثين التالين.

المبحـث الأول
الأسـاس الإجرائـي لسلطـة القاضـي الجزائـي فـي تقديـر العقوبـة

إن أي نطق بالعقوبة لا ينبغي أن يكون إلا بعد ثبوت إدانة المتهم بما نسب إليه من أفعال، وفقا لما أصطلح عليه في قانون الإجراءات الجزائية " الاقتناع الشخصي للقاضي الجزائي" وما يترتب عليه من نتائج تكفل القاضي الوسائل والطرق التي تؤدي به إلى تكوين قناعته وبلوغ الحقيقة المنشودة، والتقدير المناسب للعقوبة، لذلك سنتناول في المطلب الأول مبدأ الاقتناع الشخصي للقاضي الجزائي وفي المطلب الثاني سنتناول نتائج هذا المبدأ.

المطلـب الأول
الاقتنـاع الشخصـي للقاضـي الجزائـي

لقد عمد الكثير من الفقهاء إلى تعريف الاقتناع بأنه حالة ذهنية ذاتية تستنج من الوقائع المعروضة على بساط البحث احتمالات ذات درجة عالية من التأكيد والثقة، بعد استبعاد جميع أسباب الشك، بطريقة جازمة وقاطعة، فهو يمتاز بكونه ذا خاصية ذاتية، نتيجة لتفاعل ضمير القاضي عند تقديره للأمور مع ما يعرض عليه وقائع ودلائل، فالاقتناع إذن متعلق بضمير القاضي، والضمير كما يعرفه رجال الفقه هو "ضوء داخلي ينعكس على واقع الحياة، وإنه قاضي أعلى وسامي يقيم كل الأفعال، يوافق عليها أو يرفضها، فهو بذلك مستودع للقواعد القانونية والأخلاقية والتي على ضوئها تتم التفرقة بين العدل والظلـم، والحق والزيف والصدق والكذب "فالقانون يجعل من هذا الضمير كميزان سام يقوم بوزن الوقائع، ويتولد عن هذه العملية استلهام الحقيقة وبالتالي تكوين اقتناع القاضي، ولما كان الاقتناع يمتاز بكونه ذاتيا ونسبيا فإن النتائج التي يمكن التوصل إليها قد تختلف من قاضي إلى آخر رغم وحدة القانون ووحدة الوقائع المطروحة عليه، وبناء على هذه النتائج يختلف تقدير العقوبة من قاضي إلى آخر، فنفس الجريمة قد يقضي فيها قاضي بعـام حبس نافذ ويقضي فيها آخر بعـاميـن، لكن ورغم خاصية الذاتية والنسبية التي يتميز بها الاقتنـاع الشخصي إلا أنه يبقى الوسيلة المثلـى، وكل ما هو مطلوب هو التأكيد واليقين الذي يقبله العقـل والذي يجب أن تبنى عليه الأحكام الجزائيـة، مهما اختلف نوع المحكمة باعتبار أن نطاق تطبيق مبدأ الاقتناع يشمل كافة أنواع المحاكم الجزائية وكافة مراحل الدعوى الجزائية، وقد استقر الفقه والقضاء في فرنسا على أن مبدأ الاقتنـاع الشخصي للقاضي يشمل تطبيقه جميع أنواع المحاكـم الجزائيـة مخالفات وجنح وجنايات، ومن جهة أخرى لم يفـرق القانون الفرنسي بين القضـاة المهنيين والمحلفيـن، والمشرع الجزائري اتجه في نفس المنحى حيث نهت المادة 212 من قانون الإجراءات الجزائية على أن القاضي يصدر حكمه تبعا لاقتناعه الخاص، وهذا النص يشمل كافة المحاكم الجزائية سواء العادية أو الاستثنائيـة ومنها محاكم الأحداث والمحاكم العسكرية ونجد نفس التأكيد بالنسبـة للمحلفين من خلال نص المادة 284 من قانون الإجـراءات الجزائيـة في فقرتها الأخيرة التي تؤكد وتفسر مبدأ القناعة الشخصية وحرية القاضي وكذا المحلف في الوصول إلى الحقيقة بما يمليه عليه ضميره، غير أن هذا المبدأ من خلال تطبيقه يبدو أكثر شمولا أمام محكمة الجنايات من خـلال نص المـادة 307 من نفس القانـون وكذلك الفقرة الأخيـرة من المادة 284 .

المطلـب الثانـي
نتائـج مبـدأ الاقتنـاع الشخصـي

إن النتائج الرئيسية التي تترتب على تطبيق مبدأ الاقتناع الشخصي تتجسد في السلطة التقديرية الواسعة التي يتمتع بها القاضي في طريقة الإثبات في المواد الجزائية، عن طريق الحرية الممنوحة له في ذلك، وهذه الحرية تتجسد بدورها من خلال صورتين اثنتين وهما حرية القاضي في الاستعانة بكافة وسائل الإثبات، وحرية القاضي في تقدير جميع عناصر الإثبات .

الفـرع الأول: حريـة القاضـي فـي الاستعانـة بكـل وسائـل الإثبـات

يقصد بالإثبات في المواد الجزائية، إقامة الدليل على وقوع الجريمة وعلى نسبها إلى المتهم، إذ يراد به إثبات الوقائع لا بيان جهة نظر الشارع وحقيقة قصده، فالبحث في هذا يتعلق بتطبيق القانون وتفسيره وهو من عمل المحكمة أين يقوم القاضي بدور إيجابي بحثا عن الحقيقة بأي طريق مشروع، ولذلك نص قانون الإجراءات الجزائية في المادة 212 منه على أنه يجوز إثبات الجرائم بأي طريق من طرق الإثبات ما عدا الأحوال التي نص فيها القانون على غير ذلك ..." فلا يسوغ للقاضي أن يبني قراره إلا على الأدلة المقدمة له في معرض المرافعات والتي حصلت المناقشات فيها حضوريا أمامه.
ولقد أورد بكاريا في كتابه الجرائم والعقوبات " إن فكرة اليقين الذاتي المطلوبة في المواد الجزائية لا يمكن أن تتقيد بقواعد إثبات محددة سلفا تسلبها حقيقة مضمونها وأنه لا يمكن الوصول إلى الحقيقة بجزم ويقين إذا انحصر القاضي في دائرة مغلقة من الأدلة التي يحددها القانون".

وكان من نتيجة ذلك أن بدأ عشية الثورة الفرنسية المناداة بنظام الاقتناع الشخصي للقاضي حيث وافقت الجمعية التأسيسية الفرنسية على مشروع قانون يقضي بالأخذ بنظام المحلفين وشفوية المرافعة وعلنية الجلسات وحرية الاقتناع، كما نوقشت نظم الإثبات واستقر الأمر على الأخذ بنظام الاقتناع الشخصي للقاضي الذي صدر به قانون، ثم تردد في المادة 243 من قانون تحقيق الجنايات الفرنسي الصادر سنة 1808 التي كانت تنص على أن: "القانون لا يطلب من المحلفين أن يقدموا حسابا عن الوسائل التي بها قد وصلوا إلى تكوين اقتناعهم ولا يرسم لهم قواعد يتعين عليهم أن يخضعوا لها على الأخص في تقدير أو كفاية دليل ما، ولكنه يأمرهم أن يسألوا أنفسهم في صمت وتدبير أن يبحثوا قي قرارة ضمائرهم عن الأثر الذي أحدثته في أنفسهم الأدلة المقدمة ضد المتهم وأوجه دفاعه عنها، فالقانون لا يقول لهم يجب أن تسلموا بحقيقة أي واقعة ما دام قد شهد عليها عدد من الشهود، ولا يقول لهم أيضا لا تعتبروا كل دليل ثابت بالقدر الكافي ما لم يكن مصاغا بهذا المحضر، بتلك المستندات بعدد من الشهود أو بعدد من القرائن، فالقانون لا يسألهم إلا سؤالا واحدا وهو هل لديكم اقتنـاع شخصي " وتحت تأثير هذا القانون أصبح للقاضي حرية في أن يلتمس اقتنـاعه من أي دليل يطرح أمامه وفي أن يقدر القيمة الاقناعية لكل منها حسبما تكتشف لوجدانه، حيث لا سلطان عليه إلا في ضميـره، هذا من ناحيـة، ومن ناحية أخرى ترك حرية الإثبات لأطراف الخصومة في أن يقدموا ما يرون أنـه مناسب لإقنـاع القاضـي، فجوهر هذا النظام هو تخلي الشارع عن السلطات للقاضي الذي له أن يقبل جميع الأدلة التي يقدمها إليه الأطراف، فلا وجود لأدلة يحظر عليها القانون مقدما قبولها، وله أن يستبعد أي دليل لا يطمئن إليه، فلا وجود لأدلة مفروضة عليه.
لكن وعلى الرغم من هذه السلطة الواسعة في الاستعانة بوسائل الإثبات فإن ذلك لا يعني أبدا التحكم المطلق للقاضي الذي لا يجوز له أن يقضي وفقا لهواه أو يتحكم لمحض عاطفته وإنما هو ملزم بأن يتحرى الحقيقة والمنطق الدقيق بأن يبني اقتناعه على أدلة مشروعة وصحيحة وموجودة ومطروحة للنقاش ومستساغة عقلا ومبنية على إجراء صحيح.
وتجدر الإشارة إلى أن حرية القاضي بالاستعانة بكل وسائل الإثبات ليست دائما مطلقة، حيث نجد أن المادة 212 السالفة الذكر تفتح المجال للمشرع أن يقيد إثبات جريمة من الجرائم بوسائل محددة بدليل نصها"...ما عدا الأحوال التي نص فيها القانون على غير ذلك..." مثلما هو الحال في جريمة الزنا التي لا يجوز إثباتها إلا بإحدى الوسائل الثلاثة المقررة على سبيل الحصر في المادة 341 من قانون العقوبات وهي: محضر إثبات التلبس بالجنحة يحرره ضابط من ضباط الشرطة القضائية، إقرار وارد في رسائل أو مستندات صادرة من المتهم، الإقرار القضائي، غير أن تقديم الدليل على قيام الجنحة بإحدى الوسائل المذكورة في المادة 341 من قانون العقوبات لا يمنع القاضي من استعمال سلطته في تقدير الدليل، وهكذا قضت المحكمة العليا بأن الإقرار القضائي في مجال الزنا شأنه شأن أي إقرار يخضع للسلطة التقديرية لقضاة الموضوع وفق مقتضيات المادة 213 من قانون الإجراءات الجزائية.


الفـرع الثانـي: حريـة القاضـي فـي تقديـر أدلـة الإثبـات

إن حرية القاضي في تقدير أدلة الإثبات، نتيجة منطقية لمبدأ الاقتناع الشخصي، وقد أقر المشرع الجزائري هذه النتيجة بنصه صراحة في المادة 213 من قانون الإجراءات الجزائية، بأن جميع عناصر الإثبات تترك لحرية القاضي، كما أكدت هذه النتيجة المادة 307 من نفس القانون بنصها: "أن يخضعوا لها على الأخص تقدير أو كفاية دليل ما..." ومعنى هذه النصوص أن القاضي حرفي تقدير الأدلة المطروحة عليـه، وفي ترجيح بعضها على البعض الآخر سواء كان الدليل ينصب مباشرة على الواقعة المراد إثباتها مثل المعاينة أو شهادة الشهود أو الاستجواب أو التفتيش، أو كان الدليل ناتج عن بذل مجهود عقلي يقوم على ملاحظة الوقائع والتفكير فيها للوصول إلى الحقيقة مثل القرائن والدلائل، وقد تعارف الفقه والقضاء على الأدلة التي يمكن للقاضي الاستناد عليها دون أن يحول ذلك من الاستناد على أدلة أخرى، وهذه الأدلة هي الاعتراف والمعاينة والمحررات وشهادة الشهود والخبرة وأخيرا القرائن كما أن للقاضي أن يستبعد دليلا بذاته ويطرحه إن لم يطمئن إليه أو يأخذ به كاملا أو بجزئه إن اطمأن له واقتنع بصحته.
كما له أن يقدر الدليل بصرف النظر عن المصدر الذي استمد منه ما دام مشروعا سواء من مرحلة التحقيق الابتدائي أو التحقيق القضائي أو أثناء المحاكمة، وكما له أن يقدر الأدلة بمجموعها ليستخلص منها قناعته طبقا لقاعدة تساند الأدلة عندما تكون متماسكة يشد بعضها بعضا ويكمل بعضها بعضا، فيتكون منها مجتمعه اقتناعه الشخصي بحيث إذا سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على قيمة الأثر ومبلغه ومن ثم إعادة النظر في كفاية باقي الأدلة لدعم الإدانة. 1

المبحـث الثانـي
الأسـاس الموضوعـي لسلطـة القاضـي الجزائـي فـي تقديـر العقوبـة

يستمد القاضي الجزائي سلطة واسعة في تقدير العقوبة من قانون العقوبات وذلك عن طريق التدريج الكمي والاختيار النوعي للعقوبة ومن خلال إمكانية تشديدها أو تخفيفها تبعا للظروف المحيطة بالجريمة أو بالجاني، لذلك سنتناول في مطلب أول سلطة القاضي في التدريج الكمي والاختيار النوعي للعقوبة وفي مطلب ثاني نتناول سلطته في تخفيف وتشديد العقوبة ووقف تنفيذها.

المطلـب الأول
سلطـة القاضـي فـي التدريـج الكمـي والاختيـار النوعـي للعقوبـة

إن سلطة القاضي في هذا المجال تتمثل في مدى ما يسمح به القانون من اختيار نوع العقوبة وتدريج كمها ضمن النطاق المحدد لعقوبة كل جريمة على حدة، فمدى سلطة القاضي في تقدير العقوبة يتناسب طرديا مع ما يحدده المشرع من اتساع للحيز الفاصل بين حدى العقوبة ومع عدد ما يعينه من أنواع العقوبات لكل جريمة على سبيل التخيير.

الفـرع الأول: سلطـة القاضـي فـي التدريـج الكمـي

يتمثل نظام التدريج الكمي القضائي للعقوبة في تحديد المشرع حدا أدنى وحدا أقصى للعقوبات وتركه للقاضي سلطة تقدير العقوبة بين هذين الحدين، وقد ظهر هذا النظام لأول مرة كنظام لقانون عقابي كامل في قانون العقوبات الفرنسي لسنة 1810، بعد أن سجل قانون الجنايات لسنة 1791 فشله بسبب جمود عقوباته ذات الحد الواحد فسلطة القاضي في تقدير العقوبة ترتبط ارتباطا وثيقا بتصنيف العقوبات التي تتدرج حسب خطورة الجرائم المرتكبة بدءا من العقوبة الأشد إلى العقوبة الأخف، وهي الاعدام والسجن المؤبد والسجن المؤقت والحبس والغرامة.
فبالنسبة لعقوبتي الإعدام والسجن المؤبد فإن سلطة القاضي في تقديرها تضيق إلى درجة أقرب من الانعدام إذ تقتصر على مجرد تقدير أن الجريمة المرتكبة بظروفها ووقائعها تستحق إحدى هاتين العقوبتين طبقا للقانون، أما في عقوبات السجن المؤقت والحبس والغرامة فإن المشرع يحدد لها حدا أقصى وحد أدنى، حيث تظهر سلطة القاضي في تقدير العقوبة بين هذين الحدين بشكل كبير إذ تتسع كلما باعد القانون بين هذين الحدين وتضيق كلما قرب بينهما، وقد تتسع هذه السلطة إلى أبعد من حصرها بين هذين الحدين وذلك في الحالات التي يسمح فيها القانون للقاضي بالهبوط إلى ما دون الحد الأدنى عند توافر ظروف التخفيف، وتجاوز الحد الأقصى إذا ما توافرت ظروف التشديد النصوص عليها 1 والقاضي غير ملزم بتسبيب تقديره للعقوبة إذ يكفي الإشارة إلى نص القانون، ولا يلتزم ببيان أسباب التخفيف أو التشديد أو أسباب التفرقة بين محكوم عليه وآخر في نفس الجريمة، وقد رفض المجلس الأعلى (المحكمة العليا حاليا) نقضا تمسك بضرورة تسبيب اختلاف العقوبات باختلاف المتهمين في نفس الجريمة، لكون الصلاحيات الممنوحة للقاضي في تطبيق العقوبة ترجع إلى تقديراته ولا يسأل عن ذلك (الغرفة الجنائية 26/11/1981).
أما العقوبات التكميلية، فبعد التعديل الجوهري الذي أحدثه المشرع بموجب القانون رقم 06/23 المؤرخ في 20/12/2006، فإن سلطـة القاضي في الحكم بهـا أصبحت تنظمها الفقـرة الثالثـة من المادة 4 الجديـدة، ويظهر من خـلال نقطتين أساسيتين وهمـا:
1- أن هذه العقوبات لا يجوز الحكم بها مستقلة عن عقوبة أصلية إلا في الحالات التي ينص عليها القانون صراحة.
2- أن الحكم بهذه العقوبات يكون إجباريا في حالات محددة قانونا ووفقا لشروط معينة مثل الحجر القانوني،والحرمان من حق أو أكثر من الحقـوق الواردة في المادة 9 مكرر، والمصادرة في المواد 15 مكرر1، 93 و 133، ونشر الحكم في المادتين 172 و173 من قانـون العقوبات، ويكـون اختياريـا يخضع لتقدير القاضي، كما هو الشأن بالنسبة لتحديد الإقامة والمنع من الإقامة في المادتين 11 و13، والحرمان من ممارسة حق أو أكثر من الحقوق الواردة في المادة 9 مكرر السالفة الذكر بالنسبة للجنح عندما ينص القانون على ذلك (المادة 14)، وكذلك بالنسبة لباقي العقوبات التكميلية طبقا لما هو منصوص عليه في المواد من 16مكرر إلى 16مكرر5، 18 من قانون العقوبات الجديد.

الفـرع الثانـي: سلطـة القاضـي فـي الاختيـار النوعـي

يمنح للقاضي الجزائي وفق هذا النظام سلطة الاختيار بين نوعين من العقوبات، وهما الحبس والغرامـة، ليتمكن من ملائمة العقوبة طبقا لظروف المجرم والجريمة وذلك عن طريق الحكم بإحدى هاتين العقوبتين المختلفتين في النوع أو بكليهما، ويتمتع القاضي بحرية اختيار تام في الحكم بالعقوبات التي يرتئيها دون أن يلزمه القانون بإتباع طريقة معينة أو قاعدة في الإختيار، ونجد قانون العقوبات الجزائري ينص في عدد لا بأس به من العقوبات على عقوبتي الحبس والغرامة على سبيل التخيير كما هو الحال بالنسبة لجنح العصيان البسيط في المادة 184 والقذف في المادة 298 والسب في المادتين 298مكرر و299، إلى غير ذلك من أمثلة ففي هذا الحالات يجوز للقاضي أن يحكم إما بالعقوبتين معا أو بإحدى هاتين العقوبتين، وفي مجال المخالفات، وتحديدا في مخالفات الفئة الثانية، فإن عقوبة الغرامة هي الأساس، أما عقوبة الحبس فتبقى جوازية تخضع لسلطة القاضي في الحكم بها من عدمه.

المطلـب الثانـي
سلطـة القاضـي فـي تخفيـف وتشـديـد العقوبـة ووقـف تنفيـذها


إذا كان القانون يتولى تحديد عقوبة لكل جريمة، فإنه في وقت نفسه يعطي للقاضي الوسائل اللازمة لتنويع العقاب بأن ترك له سلطة واسعة في تقدير العقوبة حتى يجعلها متناسبة في نوعها ومقدارها مع جسامة الفعل المقترف من جهة وحالة الجاني النفسية والاجتماعية من جهة أخرى، وهي ظروف تؤثر سلبا أو إيجابيا على العقوبة بالنسبة للجاني بتشديدها أو تخفيفها أو حتى الإعفاء منها.

الفـرع الأول: تخفيـف العقـوبـة

تحكم قانون العقوبات الجزائري قاعدتان أساسيتان في تخفيف العقوبات هما المادتان 52 و53 المعدلة، تضمنت الأولى الأعذار القانونية بينما الثانية تضمنت الظروف المخففة القضائية.

أولا: الأعـذار القانونيــة

تنص المادة 52 من قانون العقوبات أن "الأعذار هي حالات محددة في القانون على سبيل الحصر يترتب عليها مع قيام الجريمة والمسؤولية إما عدم عقاب المتهم إذا كانت أعذارا معفية وإما تخفيف العقوبة إذا كانت مخففة "ومن ثم يمكن تصنيف الأعذار القانونية إلى أعذار قانونية معفية وأعذار قانونية مخففة.


1. الأعــذار القانونيـة المعفيـة

وهي أعذار أو ظروف تعفي من العقاب شخصا ثبت قضائيا ارتكابه للجريمة وبالتالي فهي لا تخفف من العقوبة بل تعفى فاعلها تماما من العقاب وهي بذلك تختلف عن أسباب الإباحة التي تمس دائرة التجريم وتمحو الجريمة، أما الأعذار المعفية فهي لا تمحو الجريمة إنما تعفى فقط من العقاب إذ بامكان القاضي أن يطبق على المعفي عنه تدبير من تدابير الأمن كما هو منصوص عليه في الفقرة الأخيرة من المادة 52، والقاضي لا يمكنه أن يقرر أعذارا معفية بدون النص عليها قانونا لأنه كل من ثبت إجرامه وجب عقابه ما لم يوجد نص صريح يعفيه من العقاب، ولأن المشرع حددها بدقة في جملة نصوص لفائدة المستفيد منها دون سواه من الشركاء في الفعل بحيث يعفى وحده من العقاب إلا ما تعلق بالتعويض المادي عن الأضرار للطرف المدني كما نصت على ذلك المادتين 361 و405 من قانون الإجراءات الجزائية.
ولقد تضمن قانون العقوبات الجزائري على حالات خاصة محددة يعفى فيها الفاعل من العقوبة لاعتبارات معينة وهي ثلاثة:

‌أ. عــذر المبلــغ:

ويتعلق الأمر هنا أساسا بمن ساهم في مشروع الجريمة ثم يقدم خدمة للمجتمع بأن يبلغ العدالة عن الجريمة المزمع ارتكابها أو عن هوية المتورطين فيها، لقاء هذه الخدمة رأى المشرع أن يكافئ المبلغ عن طائفة من الجرائم لاسيما تلك التي يصعب الكشف عنها، ومثال ذلك ما نص عليه المشرع في المادة 92 من قانون العقوبات في فقرتها الأولى بالنسبة لمن يبلغ السلطات الإدارية أو القضائية عن الجنايات والجنح ضد أمن الدولة قبل البدء في تنفيذها أو الشروع فيها وما نصت عليه المادة 179 بالنسبة للمبلغ عن جناية جمعية الأشرار، والمادة 205/02 بالنسبة للمبلغ عن جناية تقليد أختام الدولة، وكذلك ما نصت عليه المادة 30 من القانون المتعلق بالمخدرات والمؤثرات العقلية المؤرخ في 25/12/2004، وتشترط هذه النصوص في مجملها أن يتم التبليغ قبل تنفيذ الجريمة أو الشروع فيها.

‌ب. عــذر القرابـة العائليـة:

مثل ما نصت عليه المادة 91 من قانون العقوبات التي أعفت الأقارب والأصهار إلى الدرجة الرابعة من العقوبة المقررة لجريمة عدم التبليغ عن الجرائم الخيانة والتجسس وغيرها من النشاطات التي يكون من طبيعتها الأضرار بالدفاع الوطني، وكذا جرائم إخفاء أو إتلاف أو اختلاس الأشياء والأدوات والوثائق التي استعملت أو تستعمل في إرتكاب هذه الجرائم أو من شأنها تسهيل البحث عن هذه الجرائم أو اكتشافها.


‌ج. عــذر التوبــة:

وهو عذر مقرر لمن أنبه ضميره وصحا بعد الجريمة وانصرف إلى محو آثارها بأن أبلغ السلطات العمومية المختصة أو استجاب لطلبها قبل نفاذ الجريمة، ومثل ذلك ما نصت عليه المادة 182من قانون العقوبات عندما أعفت من العقوبة من يعلم الدليل على براءة شخص محبوس وتقدم من تلقاء نفسه بشهادته أمام سلطات القضاء أو الشرطة وإن تأخر في الإدلاء بها، وكذا ما نصت عليه المادة 217 عندما أعفت من العقوبة من أدلى بصفته شاهدا أمام الموظف بإقرار غير مطابق للحقيقة ثم عدل عنه قبل أن يترتب على استعمال المحرر أي ضرر للغير وقبل أن يكون هو نفسه موضوعا للتحقيق، وكذلك ما نصت عليه المادة 92 عندما أعفت من العقوبة من كان عضوا في عصابة مسلحة لم يتولى فيها قيادة ولم يقم بأي عمل أو مهمة، وانسحب منها بمجرد صدور أول إنذار له من السلطات العسكرية أو المدنية أو سلم نفسه إليها، هذا وإن الأعذار المعفية من العقاب لها طابع إلزامي يجب على القاضي الأخذ بها متى ثبت قيامها ويترتب على ثبوت العذر المعفي الحكم بالإعفاء من العقوبة وليس بالبراءة وإذا ثبت إذناب المتهم المعفي من العقوبة يتعين على القاضي أن يحكم عليه بالمصاريف القضائية وتحميله المسؤولية المدنية الناتجة عن تصرفاته.

2. الأعــذار القانونيــة المخففــة:

هي ظروف ووقائع تقترن بالجريمة وتخفف من مسؤولية من تثبت في حقه وبالتالي تخفيف العقاب عليه، وهي حالات يحددها المشرع الجنائي سلفا على سبيل الحصر، يلزم بها القاضي فينزل بالعقوبة المقررة للجريمة وفقا لقواعد محددة سلفا، وهي ظروف تختلف عن الظروف القضائية المخففة من حيث أن القاضي يلتزم بالحدود التي قررها المشرع للعذر بالإضافة إلى أنها أسباب حصرها المشرع وحدد نطاق التخفيف فيهـا ، وهو ما لا يتوافر في الظروف القضائية المخففة التي تعتبر حالات غير محددة ترك أمر تحديدها للقاضي وفق كل حالة معروضة عليه وهذا يعني أن سلطة القاضي في الأعذار المخففة ضيقة، في حين أن مجال سلطته في الظروف القضائية واسعة، فله أن يخفف العقوبة وله أن يحتفظ بالحدود الأصلية وله أن ينزل إلى ما دونها طبقا لما هو مقرر في القانون.
ويمكن تصنيف الأعذار القانونية المخففة إلى فئتين 1: أعذار الاستفزاز التي أشارت إليها المادة 52 ونصت عليها المواد من 277 إلى 283 من قانون العقوبات وعذر صغر السن المنصوص عليه في المواد من 49 إلى 51 من قانون العقوبات، بالإضافة إلى أعذار مخففة أخرى.

‌أ. أعــذار الاستفـزاز: وهي خمس حالات:

1. وقوع ضرب شديد على الأشخاص: يستفيد من العذر مرتكب جرائم القتل والضرب والجرح إذا دفعه إلى ارتكابها اعتداء وقع عليه ويشترط أن يكون هناك ضرب شديد بما أنتجه من أثر على نفسية المعتدي عليه وأن يقع الضرب على الأشخاص وأن يكون القتل أو الضرب من فعل المعتدي عليه نفسه، وفي كل الأحوال لا يجوز التذرع بالاستفزاز لتبرير جناية قتل الأصول (المادة 282 ق.ع).
2. التلبس بالزنا: يستفيد من العذر مرتكب جرائم القتل والضرب الجرح الواقع من الزوج على زوجه أو على شريكه لحظة مفاجأته في حالة التلبس بالزنا (م 279 ق.ع)، ويتشرط أن تكون الجرائم المرتكبة من فعل الزوج المضرور ذاته وأن يكون الزوج قد فاجأ بنفسه الزوج الآخر وهو متلبس بالزنا، أن يرتكب جرائم القتل وأعمال العنف الأخرى اللحظة ذاتها التي يتم فيها مفاجأة الزوج الآخر وهو متلبس بالزنا.
3. الإخلال بالحياء بالعنف: يستفيد من العذر مرتكب جناية الخصاء إذا دفعه إلى ارتكابها وقوع إخلال بالحياء عليه بالعنف (المادة 280 قانون العقوبات)، ويشترط أن تكون جناية الخصاء من فعل المعتدي عليه نفسه، وإن ترتكب هذه الجناية لحظة وقوع الاعتداء، وإن يكون الدافع إلى ارتكابها وقوع إخلال بالحياء بالعنف.
4. الإخلال بالحياء على قاصر لم يتجاوز 16 سنة: يستفيد من العذر كل من ارتكب جرائم الضرب والجرح إذا دفعه إليها مفاجأة بالغ في حالة تلبس بالإخلال بالحياء على قاصر لم يتجاوز عمره 16 سنة (المادة 281 من قانون العقوبات) ويشترط أن يقع إخلال بالحياء من بالغ على قاصر لم يتجاوز 16 سنة، وأن تكون الجريمة المرتكبة ضربا أو جرحا جناية أو جنحة، وإن ترتكب وقت الإخلال بالحياء، ولا يشترط أن يقع الضرب أو الجرح من المجني عليه نفسه بل يجوز لغيره أن يدفع الإخلال المرتكب من بالغ على قاصر في حالة التلبس.
5. التسلق أو تحطيم أسوار أو حيطان الأماكن المسكونة أو ملحقاتها أثناء النهار: ويستفيد من عذر الاستفزاز مرتكب جرائم القتل والضرب والجرح الواقع من صاحب المكان على المعتدي إذا ارتكبها لدفع تسلق أو ثقب أسوار أو حيطان أو تحطيم مداخل المنازل أو الأماكن المسكونة أو ملحقاتها، وكان ذلك أثناء النهار (المادة 278 من قانون العقوبات) ويشترط أن تكون الجناية أو الجنحة المرتكبة من فعل صاحب الأماكن المعتدي عليها، وأن ترتكب في اللحظة ذاتها التي يتم فيها مفاجأة المعتدي وهو يتسلق أو يحطم الأسوار أو الحيطان، وأن تكون الأماكن المستهدفة بالاعتداء معدة للسكن أو مسكونة أو من ملحقاتها، وأن يكون الاعتداء أثناء النهار، فإذا حدث ذلك أثناء الليل يكون من ارتكب جريمة القتل وأعمال العنف في حالة دفاع شرعي.

 آثـار عذر الاستفزاز:

نصت المادة 283 من قانون العقوبات على آثار قيام العذر وتتمثل في تخفيض العقوبات على النحو التالي:
- الحبس من سنة إلى 5 بالنسبة للجنايات المعاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد.
- الحبس من ستة أشهر إلى سنتين بالنسبة للجنايات المعاقب عليها بالسجن من 5 إلى 10 سنوات أو من 10 إلى 20 سنة.
- الحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر بالنسبة للجنح.

‌أ. عــذر صغـر السـن:

ويقصد بصغر السن القاصر الذي تجاوز سن الثالثة عشرة ولم يكمل سن الثامنة عشرة، أما القاصر الذي لم يتجاوز الثالثة عشر وإن بلغها فيستفيد من الإعفاء من العقوبة بحيث لا تطبق عليه إلا تدابير الحماية أو التربية ويترتب على عذر صغر السن تخفيض العقوبات على النحو الآتي:
- الحبس من 10 إلى 20 سنة بالنسبة للجنايات المعاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد.
- الحبس لمدة تساوي نصف العقوبات المقررة قانونا للبالغ بالنسبة للجنايات المعاقب عليها بالسجن المؤقت.
- الحبس لمدة تساوي نصف العقوبة المقررة قانونا للبالغ للجنح المعاقب عليها بالحبس.
- التوبيخ والغرامة بالنسبة للمخالفات.

ج. الأعـذار المخففـة الأخــرى:

إلى جانب الحالات المذكورة أنفا نص قانون العقوبات على أعذار مخففة أخرى وتتمثل فيما يلي:

1. عـذر المبلـغ: يستفيد المبلغ عن الجنايات والجنح ضد أمن الدولة بتخفيض العقوبة درجة واحدة إذا حصل الإبلاغ بعد انتهاء تنفيذ الجريمة أو الشروع فيها ولكن قبل البـدء في المتابعـة، وكذا من مكن من القبض على الجناة بعد بدء المتابعات.
نصت المادة 26 من القانون المتعلق بالجرائم ذات الصلة بالأسلحة الكيماوية في فقراتها الثانية والثالثة على استفادة المبلغ من تخفيض العقوبة على النحو التالي:


- تخفض العقوبة درجة واحدة إذا كان الإبلاغ قد حصل بعد انتهاء التنفيذ أو الشروع فيه وقبل بدء المتابعات.
- تخفيض كذلك درجة واحدة بالنسبة للفاعل إذا مكن من القبض على الفاعلين أو الشركاء في نفس الجريمة أو في جرائم أخرى من نفس النوع ونفس الخطورة قبل بدء المتابعات.
- كما نصت المادة 31 من القانون المتعلق بالمخدرات والمؤثرات العقلية المؤرخ في 25/12/2004 على تخفيض العقوبة للفاعل أو الشريك إذا مكن بعد تحريك الدعوى العمومية من إيقاف الفاعل الأصلي أو الشركاء في نفس الجريمة أو الجرائم الأخرى من نفس الطبيعة أو مساوية لها في الخطورة، ويكون التخفيض كالآتي:


 إلى النصف بالنسبة للعقوبات المقدرة للجنح.
 إلى السجن المؤقت من 10 سنوات إلى 20 سنة بالنسبة للعقوبات المقدرة للجنايات.

2. عــذر التوبــة: يستفيد من تخفيض العقوبة مرتكب جناية الخطف أو الحبس أو الحجز التعسفي الذي يفرج طواعية عن الضحية ويختلف مقدار التخفيض بحسب مواعيد الإفراج:


- إذا واقع الإفراج أثناء عشرة أيام من ارتكاب الجريمة وقبل الشروع في المتابعة الجزائية تخفض عقوبة الإعدام إلى الحبس من سنتين إلى 5 سنوات، وتخفض عقوبة السجن المؤقت إلى الحبس من ستة أشهر إلى سنتين.
- إذا وقع الإفراج بعد 10 أيام من الخطف وبعد الشروع في المتابعة الجزائية فتخفض عقوبة الإعدام إلى الحبس من 5 إلى 10 سنوات وتخفض عقوبة السجن المؤبد والسجن المؤقت إلى الحبس من سنتين إلى 5 سنوات.

ثانيـا: الظـروف المخففـة

ويقصد بها الظروف القضائية المخففة التي تعني أخذ المحكوم عليه بالرأفة لأسباب ومبررات يراها القاضي الجنائي جديرة بأن تحمله على تخفيف العقاب على المتهم بناء على عناصر أو وقائع عرضية تضعف من حسامة الجريمة وتكشف عن ضآلة خطورة الفاعل، تستتبع تخفيف العقوبة تبعا للحدود المقدرة قانونا.
ولقد اعتمد المشرع الجزائري بعد صدور القانون رقم 06/23 الجديد نظام الظروف المخففة في المادة 53 المعدلة والمواد من 53 مكرر إلى 53 مكرر 6 بالنسبة للشخص الطبيعي والمادتين 53 مكرر7 و53 مكرر8 بالنسبة للشخص المعنوي.
1. الشخـص الطبيعـي
أ‌. بالنسبـة للجنايـات:
يميز المشرع طبقا للتعديل الجديد بين الجاني المبتدئ والجاني العائد.
أ1. الجانـي المبتـدئ: تبين المادة 53 المعدلة كيفية تطبيق الظروف المخففة وفقا للحالات الآتية:
1. عشر سنوات سجنا إذا كانت العقوبة المقررة للجناية هي الإعدام.
2. خمس سنوات سجنا إذا كانت العقوبة المقررة للجناية هي السجن المؤيد.
هذا إذا كان الجاني غير مسبوق قضائيا، إما إذا كان مسبوقا قضائيا فإنه يجوز الحكم عليه أيضا طبقا للمادة 53 مكرر1 بغرامة حدها الأدنى 1000.000 دج وحدها الأقصى 2000.000 دج بالنسبة للحالة الأولى ومن 500.000 دج إلى 1000.000 دج في الحالة الثانية.
3. ثلاث سنوات حبسا إذا كانت العقوبة المقررة للجناية هي السجن المؤقت من 10 إلى 20 سنة.
4. سنة واحدة حبسا إذا كانت العقوبة المقررة للجناية هي السجن المؤقت من 5 سنوات إلى 10 سنوات.
وإذا كان الجاني مسبوقا قضائيا في كلتا الحالتين فإنه يجوز الحكم عليه أيضا بغرامة من 100.000 دج إلى 1000.000 دج طبقا للمادة 53 مكرر1 دائما.
وفي الحالات التي ينص فيها القانون على عقوبة الغرامة إلى جانب عقوبة السجن المؤقت، فإنه يجب النطق بهذه الغرامة حتى وإن منحت ظروف التخفيف، وهذا ما تؤكده المادة 53 مكرر2.
أ2. الجانـي العائـد: طبقا للمادة 53 مكرر، فعندما تطبق العقوبات المشددة بفعل حالة العود، فإن التخفيف الناتج عن منح الظروف المخففة ينصب على الحدود القصوى الجديدة المقررة قانونا.
فإذا شددت العقوبة على الجاني بفعل ظرف العود ونال عقوبة السجن المؤبد أو الإعدام، ثم استفاد من ظروف التخفيف، فإن التخفيض يكون على أساس هاتين العقوبتين المشددتين وتنزل عقوبة السجن المؤبد إلى خمس سنوات سجنا، وعقوبة الإعدام إلى عشر سنوات سجنا طبقا للمادة 53.
أما إذا طبق ظرف العود على الجاني ونال عقوبة سالبة للحرية بالسجن المؤقت من خمسة إلى عشرين سنة فإنه لا يجوز للقاضي النزول إلى ما دون ثلاث سنوات حبسا.
ب. بالنسبـة للجنـح:

يميز المشرع في القانون الجديد بين المسبوق قضائيا وغير المسبوق قضائيا، ويعد مسبوقا قضائيا حسب المادة 53 مكرر5 كل شخص طبيعي محكوم عليه بحكم نهائي بعقوبة سالبة للحرية، مشمولة أو غير مشمولة بوقف التنفيذ من أجل جناية أو جنحة من القانون العام دون المساس بالقواعد المقررة لحالة العود.
وتبين المادة 53 مكرر4 كيفية تطبيق ظروف التخفيف في مواد الجنح كالآتي:
 بالنسبـة للجانـح غيـر المسبـوق قضائيـا:
إذا تقرر إفادة الجانح بظروف التخفيف فإن تخفيض العقوبة يكون وفقا للحالات الآتية:
1. إذا كانت العقوبة المقررة قانونا هي الحبس و/أو الغرامة يكون للقاضي سلطة الاختيار بين:
- تخفيض عقوبة الحبس إلى شهرين وعقوبة الغرامة إلى 20.000 دج
- الحكم بالحبس فقط أو الغرامة فقط شرط ألا تقل مدة الحبس أو قيمة الغرامة عن الحد الأدنى المقرر قانونا للجريمة المرتكبة.
2. إذا كانت العقوبة المقررة قانونا هي الحبس فقط فإنه يجوز للقاضي استبدالها بغرامة شرط ألا تقل عن 20.000 دج ولا تتجاوز 500.000 دج.

 بالنسبـة للجانـح المسبـوق قضائيـا:

طبقا للفقرة الثالثة من المادة 53 مكرر4 فإنه لا يجوز للقاضي تخفيض عقوبات الحبس والغرامة عن الحد الأدنى المقرر قانونا للجنحة المرتكبة عمدا. كما لا يجوز الحكم باحداهما فقط، كما لا يجوز في أي حال من الأحوال استبدال عقوبة الحبس بالغرامة، وما يلاحظ من خلال هذه الفقرة أن هذه الأحكام تخص فقط الجنح العمدية.

ج- بالنسبــة للمخالفـات:

طبقا للمادة 53 مكرر6 فإنه في حالة منح ظروف التخفيف في مواد المخالفات فإنه لا يجوز للقاضي تخفيض العقوبة المقررة للمخالفة عن حدها الأدنى.


غير أنه إذا كان المخالف مبتدءا غير عائد وكانت عقوبتا الحبس والغرامة مقررتين معا فإنه يجوز الحكم باحداهما فقط دون النزول عن الحد الأدنى المقرر قانونا للمخالفة المرتكبة دائما.
من خلال هذا العرض الموجز للقواعد التي تحكم ظروف التخفيض وفقا للتعديلات الجديدة في قانون العقوبات يمكن استخلاص ما يلي:
بالنسبة للجنايات وتحديدا في عقوبة السجن المؤقت، يسمح القانون عند تطبيق ظروف التخفيف بالنزول إلى ما دون الحد الأدنى المقرر قانونا للجناية المرتكبة، وبالتالي يكون المشرع قد احتفظ بمعيار "النزول عن الحد الأدنى المقرر قانونا للعقوبة"، لمعرفة ما إذا كان القاضي قد طبق ظروف التخفيف.
أما بالنسبة للجنح والمخالفات، فلقد تخلى المشرع عن هذا المعيار وذلك بعدم سماحه بالنزول إلى ما دون الحد الأدنى المقرر قانونا للعقوبة، واعتمد معيارا آخر وهو النزول عن الحد الأقصى لمعرفة ما إذا كان القاضي قد طبق ظروف التخفيف، كما أضاف معيارين آخرين، وهما معيار الاختيار بين عقوبتي الحبس والحبس والغرامة، ومعيار استبدال عقوبة الحبس بالغرامة عند النص على عقوبة الحبس فقط.

2. الشخـص المعنـوي

يجب التذكير أن العقوبة الأصلية الوحيدة المقررة للشخص المعنوي هي الغرامة. أما باقي العقوبات المقررة له إلى جانب الغرامة فهي عقوبات تكميلية، وذلك طبقا للمادة 18 مكرر المعدلة بالقانون رقم 06/23.
وبالنسبة لظروف التخفيف المطبقة عليه يميز كذلك المشرع بين الشخص المعنوي المسبوق قضائيا، والشخص المعنوي غير المسبوق قضائيا.
فإذا كان الشخص المعنوي غير مسبوق قضائيا وتقرر إفادته بالظروف المخففة فإنه يجوز للقاضي أن يخفض عقوبة الغرامة إلى الحد الأدنى للغرامة المقررة للشخص الطبيعي عند ارتكابه نفس الجريمة.
أما إذا كان مسبوقا قضائيا، فلا يجوز النزول عن الحد الأقصى للغرامة المقررة لشخص الطبيعي عند ارتكابه نفس الجريمة.

الاستثنـاءات والقيـود الـواردة علـى منـح ظـروف التخفيـف:
لقد استبعد المشرع صراحة تطبيق الظروف المخففة في بعض المواد، وفرض قيودا على تطبيقها في مواد أخرى.
وهكذا فقد استبعد المشرع صراحة منح الظروف المخففة بالنسبة للغرامة المقدرة جزاء للجرائم الجمركية (المادة 281 من قانون الجمارك) والضريبية (المادة 303/04 من قانون الضرائب غير المباشرة و548 من قانون المخدرات في حالات معينة أوردتها المادة 26 من القانون المتعلق بالوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية لنسة 2004 وهي:
- إذا استخدم الجاني العنف أو الأسلحة.
- إذا كان الجاني يمارس وظيفة عمومية وارتكب الجريمة أثناء تأدية وظيفته.
- إذا ارتكب الجريمة ممتهن في الصحة أو شخص مكلف بمكافحة المخدرات أو استعمالها.
- إذا تسببت المخدرات أو المؤثرات العقلية المسلمة في وفاة شخص أو عدة أشخاص أو إحداث عاهة مستديمة.
- إذا أضاف الجاني للمخدرات مواد من شأنها أن تزيد في خطورتها.
كما استبعدها أيضا في المادة 22 من قانون التهريب في ثلاث حالات وهي:
- إذا كان الجاني محرضا على الجريمة
- إذا كان الجاني يمارس وظيفة عمومية أو مدنية ذات صلة بالفعل المجرّم.
وقد يلجأ المشرع إلى فرض قيود على تطبيق الظروف المخففة، كما فعل في القانون المتعلق بالمخدرات والمؤثرات العقلية السالف الذكر، حيث حددت المادة 28 منه في كل الأحوال، حدا أدنى للعقوبة لا يجوز النزول عنه، بنصها على أن العقوبات المقررة لجرائم المخدرات والمؤثرات العقلية غير قابلة للتخفيض حسب الشكل الآتي:
- عشرون سنة سجنا عندما تكون العقوبة المقررة هي السجن المؤبد.
- ثلثا العقوبة المقررة في كل الحالات الأخرى.
وكذلك الشأن بالنسبة للمادة 87 مكرر من قانون العقوبات المتعلقة بالجرائم الإرهابية التي حددت حدا أدنى لا يجوز النزول عنه وهو:
- عشرون سنة سجنا عندما تكون العقوبة المقررة قانونا هي السجن المؤيد.
- نصف العقوبة عندما تكون العقوبة المقررة قانونا هي السجن المؤقت.
الفـرع الثانـي: تشـديـد العقوبـة

قد يعاقب المجرم بعقوبة أشد -من حيث النوع أو الحكم- من العقوبة المقررة للجريمة المرتكبة، وذلك عند توافر ظروف تقتضي تشديد العقاب، وتسمى هذه الظروف بالظـروف المشـددة وهي حالات تسمح برفع عقوبة السجن المؤبد إلى الإعدام مثلا، أو تجاوز الحد الأقصى المقرر قانونا للعقوبة، وهي نوعان: ظرف مشدد عام يتعلق بحالات العود، وظروف مشددة خاصة تشمل ظروفا واقعية وظروفا شخصية.

أولا: العـــود

نظم المشرع الجزائري العود طبقا للقانون الجديد في المواد من 54 مكرر إلى 54 مكرر10، ويقصد به الوصف القانوني الذي يلحق شخصا عاد إلى الإجرام، بتوافر شروط يحددها القانون.
وحسب المادة 54 مكرر10 فإن تطبيق ظرف العود أمر جوازي بالنسبة للقاضي، وإذا لم يكن منوّها عنه في إجراءات المتابعة، فإنه يجوز للقاضي أن يثيره من تلقاء نفسه.
وفي حالة رفض المتهم محاكمته على هذا الظرف، فإن المادة 54 مكرر 10 تحيل إلى الفقرتين الثالثة والرابعة من المادة 338 من قانون الإجراءات الجزائية.
وبناء عليه، يتعين على القاضي تنبيه المتهم أن له الحق في طلب مهلة لتحضير دفاعه مع التنويه على هذا التنبيه في الحكم، وعلى إجابة المتهم عليه. إذا استعمل المتهم هذا الحق فعلى المحكمة أن تمنحه مهلة ثلاثة أيام على الأقل.
ولتطبيق ظرف العود يميز المشرع طبقا للتعديل الجديد بين الشخص الطبيعي والشخص المعنوي.

1. بالنسبـة للشخـص الطبيعـي.
أ‌. فـي مـواد الجنـايات والجنـح:
نميز في تشديد العقوبة، بناء على ظرف العود، بين عدة حالات:
أ1. العود من جناية أو جنحة، معاقب عليها بعقوبة حدها الأقصى يزيد عن خمس سنوات حبسا إلى جناية:
ويشترط في هذه الحالة:
- أن تكون الجريمة السابقة المرتكبة، جناية أو جنحة معاقب عليها بعقوبة حدها الأقصى يزيد عن خمس سنوات حبسا.
- أن يكون قد صدر في هذه الجريمة حكم نهائي.
- أن تكون الجريمة اللاحقة جناية.
والعود في هذه الحالة عام ومؤبد، لأن القانون لا يشترط فيه تماثلا بين الجريمة السابقة والجريمة اللاحقة، ولا يشترط كذلك مدة معينة بين قضاء العقوبة وزمن ارتكاب الجريمة اللاحقة.
وينتج عن تطبيق العود في هده الحالة ما يلي:
- إذا كان الحد الأقصى لعقوبة الجناية اللاحقة 20 سنة سجنا فإنها ترفع إلى السجن المؤبد.
- إذا أدت الجناية اللاحقة إلى إزهاق روح إنسان فإن العقوبة ترفع إلى الإعدام.
- إذا كان الحد الأقصى للعقوبة المقررة قانونا للجناية اللاحقة يساوي أو يقل عن 20 سنة سجنا فإن هذا الحد يرفع إلى الضعف.
- إذا كانت الجناية اللاحقة مما يعاقب عليها بالغرامة فإن هذه الغرامة ترفع إلى الضعف
أ2. العود من جناية أو جنحة معاقب عليها بعقوبة حدها الأقصى يزيد عن خمس سنوات حبسا إلى جنحة يعاقب عليها بنفس العقوبة:
يشترط في هذه الحالة، بالإضافة إلى الحكم النهائي أن تكون الجريمة السابقة جناية أو جنحة معاقب عليها بعقوبة حدها الأقصى يزيد عن خمس سنوات حبسا.
- أن تكون الجريمة اللاحقة جنحة.
- أن تكون عقوبة هذه الجنحة من نفس عقوبة الجنحة السابقة أي حدها الأقصى يزيد كذلك عن خمس سنوات حبسا.
- أن ترتكب الجنحة اللاحقة خلال العشر سنوات التالية لقضاء العقوبة السابقة.
والعود في هذه الحالة عود عام لأنه لا يشترط تماثلا بين الجريمتين السابقة واللاحقة، وهو عود مؤقت لأنه يشترط أن ترتكب الجريمة اللاحقة، خلال العشر سنوات التالية لقضاء العقوبة السابقة، وليس لانقضاء العقوبة أو سقوطها بالتقادم كما كان معمولا به في ظل القانون السابق.
وينتج عن تطبيق العود في هذه الحالة ما يلي:
- إذا كانت الجنحة اللاحقة ذات عقوبة حدها الأقصى يزيد عن خمس سنوات حبسا وغرامة، فإن الحد الأقصى للحبس والحد الأقصى للغرامة المقررين يرفعان إلى الضعف.
- إذا كان الحد الأقصى لعقوبة الجنحة اللاحقة يزيد عن عشر سنوات فإنه يرفع إلى 20 سنة حسبا.
- إذا كان الحد الأقصى العقوبة الجنحة يساوي 20 سنة حبسا فإن الحد الأدنى هو الذي يرفع إلى الضعف وجوبا.
ويجوز في كل هذه الحالات أن يحكم القاضي بواحدة أو أكثر ما العقوبات التكميلية المنصوص عليها في المادة 9 السالفة الذكر.
أ3. العود من جناية أو جنحة معاقب عليها بعقوبة حدها الأقصى يزيد عن خمس سنوات حبسا إلى جنحة معاقب عليها بعقوبة حدها الأقصى يساوي أو يقل عن خمس سنوات حبسا.
ويشترط في هذه الحالة بالإضافة إلى الحكم النهائي:
- أن تكون الجريمة السابقة جناية أو جنحة معاقب عليها بعقوبة حدها الأقصى يزيد عن خمس سنوات حبسا.
- أن تكون الجريمة اللاحقة جنحة.
- أن تكون عقوبة هذه الجنحة حبسا حده الأقصى يساوي أو يقل عن خمس سنوات.
- أن ترتكب الجريمة اللاحقة في خلال الخمس سنوات التالية لقضاء العقوبة السابقة.
وعليه، فالعود في هذه الحالة عود عام لعدم اشتراط التماثل بين الجريمتين السابقة واللاحقة وعود مؤقت لأن القانون يشترط أن ترتكب الجريمة اللاحقة في خلال الخمس سنوات التالية لقضاء العقوبة السابقة.
كما يجوز أيضا في هذه الحالة الحكم بواحدة أو أكثر من العقوبات التكميلية المنصوص عليها في المادة 9.
أ4. العود من جنحة إلى نفس الجنحة أو جنحة مماثلة:
ويشترط في هذه الحالة بالإضافة دائما إلى الحكم النهائي:
- أن تكون الجريمة السابقة جنحة
- أن تكون الجريمة اللاحقة إما نفس الجنحة وهو ما يعبر عنها بالتماثل الحقيقي الذي تقتضي اتحاد جميع العناصر المكونة للجريمتين السابقة واللاحقة، وإما جنحة مماثلة وهو ما يعبر عنه بالتماثل الحكمي أي أن تكون الجريمة اللاحقة من نفس نوع الجريمة السابقة طبقا للمادة 57المعدلة والتي تنص على أنه "تعتبر من نفس النوع لتحديد العود الجرائم التي تشملها إحدى الفقرات الآتية:
1. اختلاس الأموال العمومية أو الخاصة والسرقة والإخفاء والنصب وخيانة الأمانة والرشوة.
2. خيانة الائتمان على بياض وإصدار أو قبول شيكات بدون رصيد والتزوير واستعمال المحررات المزورة.
3. تبيض الأموال والإفلاس بالتدليس والاستيلاء على مال الشركة بطريق الغش وابتزاز الأموال.
4. القتل الخطأ والجرح الخطأ وجنحة الهروب والسياقة في حالة سكر.
5. الضرب والجرح العمدي والمشاجرة والتهديد والتعدي والعصيان.
6. الفعل المخل بالحياء بدون عنف والفعل العلني المخل بالحياء واعتياد التحريض على الفسق وفساد الأخلاق والمساعدة على الدعارة والتحرش الجنسي.
وينتج من تطبيق العود في هذه الحالة رفع الحد الأقصى لعقوبتي الحبس والغرامة المقررة للجنحة اللاحقة إلى الضعف وجوبا.

ب. فـي مـواد المخالفـات:

نص عليه القانون الجديد في المادة 54 مكرر4، ويتميز العود في المخالفات بأنه عود مؤقت لأنه يشترط فيه أن تكون المدة الفاصلة بين قضاء عقوبة المخالفة السابقة وزمن ارتكاب المخالفة اللاحقة سنة واحدة، وبأنه عود خاص لاشتراط التماثل الحقيقي بين المخالفتين السابقة واللاحقة ونلاحظ هنا أن المشرع قد تخلى عن شرط أن تكون المخالفة اللاحقة قد ارتكبت في نفس دائرة اختصاص المحكمة التي ارتكبت فيها المخالفة السابقة، وبالتالي العود في المخالفات لم يعد محليا كما كان في ظل القانون السابق.
ولقد أحال المشرع في هذه المادة تطبيق العود في المخالفات إلى المادتين 445 و465 المعدلتين من قانون العقوبات.
وبناء عليه يكون حكمه كالآتي:

- بالنسبــة لمخالفـات الفئـة الأولـى:
تعاقب المادة 445 العائد بالحبس لمدة قد تصل إلى أربعة أشهر وبغرامة إلى 40.000 دج.
- بالنسبــة لمخالفـات الفئـة الثانيـة:
تعاقب المادة 465 العائد كما يلي:
1. الحبس الذي قد تصل مدته إلى شهر وبغرامة قد تصل إلى 24000 دج بالنسبة للمخالفات الواردة في الفصل الأول.
2. الحبس الذي قد تصل مدته إلى 10 أيام وبغرامة قد تصل إلى 16000 دج بالنسبة للمخالفات الواردة في الفصل الثاني.
3. الحبس الذي قد تصل مدته إلى 5 أيام وبغرامة قد تصل إلى 12000 دج بالنسبة للمخالفات الواردة في الفصل الثالث.


2. بالنسبـة للشخـص المعنـوي:
أ. فـي مـواد الجنـايات والجنـح: نميز كذلك بين عدة حالات
أ1. العود من جناية أو جنحة معاقب عليها، بالنسبة للشخص الطبيعي بغرامة حدها الأقصى يفوق 500.000 دج. إلى جناية:
وهو في هذه الحالة عام ومؤبد لعدم اشتراط التماثل والمدة، وينتج عند تطبيقه الحكم بغرامة قيمتها عشر مرات الحد الأقصى لعقوبة الغرامة المقررة للجناية اللاحقة.
وإذا كانت الجناية اللاحقة غير معاقب عليها بالغرامة أي معاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد أو السجن المؤقت فقط، فإن الحد الأقصى للغرامة الناتج عن تطبيق ظرف العود يصبح كالآتي:
- 20.000.000 دج إذا كانت الجناية اللاحقة معاقب عليها بالإعدام أو السجن المؤبد عندما يرتكبها شخص طبيعي.
- 10.000.000 دج إذا كانت الجناية اللاحقة معاقب عليها بالسجن المؤقت عندما يرتكبها شخص طبيعي.
أ2. العود من جناية أو جنحة معاقب عليها، عندما يرتكبها شخص طبيعي بغرامة حدها الأقصى يفوق 500.000 دج إلى معاقب عليها بنفس العقوبة.
ويشترط في هذه الحالة:
- أن تكون الجريمة السابقة جناية أو جنحة معاقب عليها بغرامة حدها الأقصى يفوق 500.000 دج عندما يرتكبها شخص طبيعي.
- أن تكون الجريمة اللاحقة جنحة من نفس العقوبة.
- أن تكون المدة الفاصلة بين قضاء عقوبة الجريمة السابقة وارتكاب الجريمة اللاحقة عشر سنوات.
وبالتالي فهو عود عام لأنه لا يشترط تماثلا، ومؤقت لأنه يشترط مدة عشر سنوات بين قضاء العقوبة السابقة وارتكاب الجريمة اللاحقة.
وينتج عن تطبيق العود في هذه الحالة رفع الحد الأقصى للغرامة المقررة للجنحة اللاحقة إلى عشر مرات.
وإذا كانت هذه الجنحة غير معاقب عليها بالغرامة، أي بالحبس فقط فإن الحد الأقصى للغرامة يكون 10.000.000 دج.
أ3. العود من جناية أو جنحة معاقب عليها عندما يرتكبها شخص طبيعي بغرامة حدها الأقصى يفوق 500.000 دج إلى جنحة معاقب عليها، عندما يرتكبها شخص طبيعي بغرامة حدها الأقصى يساوي أو يقل عن 500.000 دج.
ويشترط في هذه الحالة بالإضافة إلى الجريمتين السابقة واللاحقة أن ترتكب الجريمة اللاحقة في خلال خمس سنوات التالية لقضاء العقوبة السابقة، وبالتالي فهو عود عام لعدم اشتراط التماثل وعود مؤقت لاشتراط المدة.
وينتج عن تطبيق العود في هذه الحالة رفع الحد الأقصى للغرامة المقررة للجنحة اللاحقة إلى عشر مرات.
إذا كانت الجنحة اللاحقة غير معاقب عليها بالغرامة فإن الحد الأقصى للغرامة المطبقة يكون 5000.000 دج.
أ4. العود من جنحة إلى نفس الجنحة أو جنحة مماثلة:
ويشترط في هذه الحالة: أن تكون الجريمة السابقة جنحة.
- أن تكون الجريمة اللاحقة نفس الجنحة أو جنحة مماثلة لها. أي بتوافر التماثل الحقيقي أو التماثل الحكمي على النحو السابق ذكره.
- أن ترتكب الجريمة اللاحقة خلال الخمس سنوات التالية لقضاء عقوبة الجنحة السابقة.
وبالتالي فهو عود خاص لاشتراط التماثل، ومؤقت لاشتراط المدة.
وينتج عن تطبيق العود هنا، الحكم بغرامة مقدارها عشر مرات الحد الأقصى للغرامة المقررة للجنحة اللاحقة.
- وإذا كانت الجنحة اللاحقة غير معاقب عليها بالغرامة، فإن الحد الأقصى للغرامة بعد تطبيق العود يكون 5000.000 دج.

ب. فـي مـواد المخالفـات:
ويشترط لتطبيق العود في المخالفات بالنسبة للشخص المعنوي:
- أن تكون الجريمة السابقة والجريمة اللاحقة نفس المخالفة بمعنى أنه يكون دائما عودا خاصا.
- أن ترتكب المخالفة الثانية خلال سنة من قضاء عقوبة المخالفة السابقة بمعنى أنه عود مؤقت.
وينتج عن تطبيق العود في هذه الحالات الحكم بغرامة حدها الأقصى عشر مرات الحد الأقصى لعقوبة الغرامة المقررة للمخالفة اللاحقة.

ثانيـا: الظـروف المشـددة الخاصـة

وهي ظروف يقتصر حكمها على جرائم محددة ومعينة بذاتها حددها قانون العقوبات في مواضع مختلفة.
والظروف المشددة الخاصة تتعدد وتتنوع، منها ما يرجع إلى عناصر واقعية تمس الركن المادي للجريمة، ومنها ما يرجع إلى عناصر شخصية تمس صفة الجاني أو المجني عليه.

1. الظـروف المشـددة الواقعيـة:

وهي التي تتصل بالوقائع الخارجية التي رافقت الجريمة، وهذه الظروف تغلظ إجرام الفعل، وتختلف أهمية التغليظ باختلاف طبيعة وعدد الظروف.
والأمثلة في هذا المجال متعددة نذكر منها الظروف المشددة في جريمة السرقة، حيث تنص المادة 350 بعد تعديلها بموجب القانون رقم 06/23 أن عقوبة السرقة هي الحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من 100.000 دج إلى 500.000 دج، وتغلظ هذه العقوبة إلى السجن المؤبد إذا كان الجناة يحملون أو يحمل أحدهم أسلحة ظاهرة أو مخبأة كما هو منصوص عليه في المادة 351. كما تغلظ إلى السجن المؤبد أيضا إذا ارتكبت أثناء حريق أو بعد انفجار أو انهيار أو زلزال أو فيضان أو غرق أو تمرد أو فتنة أو أي اضطراب آخر، أو إذا وقعت على أحد الأشياء المعدة لتأمين سلامة أية وسيلة من وسائل النقل العمومي أو الخصوصي كما هو منصوص عليه في المادة 351 مكرر إلى غير ذلك من الأمثلة.

2. الظـروف المشـددة الشخصيـة:

وهي ظروف ذاتية تتصل بالصفة الشخصية للفاعل أو الشريك أو المجني عليه ومن شأنها تغليظ أذناب من تتصل به ومن هذا القبيل صفة الأصل أو الفرع بالنسبة للضحية في جرائم العنف العمدي في المادتين 267 و272 من قانون العقوبات، والإخلال بالحياء في المواد 334/02 و 337 و 337 مكرر.
فبالنسبة لجريمة الضرب والجرح في المادة 267 مثلا نجد أن المشرع شدد العقوبة على الجاني الذي يرتكب أفعال الضرب والجرح العمد على والديه الشرعيين وغيرهما من أصوله الشرعيين برفعها إلى الحبس المؤقت من خمس سنوات إلى عشر سنوات إذا لم ينشأ عن الضرب أو الجرح أي مرض أو عجز كلي عن العمل، وإلى الحد الأقصى للحبس المؤقت من خمسة إلى عشر سنوات إذا نشأ عجز كلي عن العمل لمدة تزيد عن خمسة عشر يوما فظروف التشديد في هذه المادة ترتكز على صفة المجني عليه الذي يتمثل في أحد الوالدين أو غيرهما من الأصول الشرعيين.

تقديـر العقوبـة في حالـة تعـدد الجرائـم:

يقصد بالتعدد أن يرتكب شخص واحد جريمة تحتمل عدة أوصاف وتطبق عليه عدة نصوص عقابية وهو ما يسمى بالتعدد الصوري، أو يرتكب الشخص عدة جرائم دون أن يفصل بينها حكم قضائي نهائي مما يقتضي أمكان تعدد العقوبات وقد نظم قانون العقوبات الجزائري التعدد وأحكامه في المواد 32 إلى 38 منه.

1. التعدد الصوري:

ومؤاده أن يرتكب الجاني فعلا واحدا تترتب عليه نتيجة مادية واحدة إلا أنه فعل يوصف بأكثر من وصف قانوني لانطباق أكثر من نص قانوني عليه، كأن يقوم شخص بالغ بملامسة عورة قاصر دون السادسة عشر في مكان عمومي فهذا الفعل يشكل فعلا علنيا مخلا بالحياء طبقا للمادة 333 من قانون العقوبات ويشكل أيضا فعلا مخلا للحياء على القاصر دون السادسة عشر طبقا للمادة 334 من قانون العقوبات، فمن الواضح أن المجرم لم يرتكب إلا فعلا واحدا تعددت أوصافه القانونية لأن النتيجة المادية تحقق اعتداء على حقوق متعددة يحميها القانون، وبالتالي يكيف الفعل الواحد بأكثر من وصف، وحكم هذا التعدد الصوري في القانون أن تطبق عقوبة واحدة وهي عقوبة الجريمة الأشد عملا بالمادة 32 من قانون العقوبات، وهذا يتطلب بالضرورة إجراء مقارنة بين النصوص المنطبقة على الحالة المعروضة واختيار النص الذي يقرر العقوبة الأشد ومن ثم يكون الحل في مثالنا السابق هو وصف الفعل المرتكب بالفعل المخل بالحياء على قاصر المنصوص عليه في المادة 334/01 من قانون العقوبات والمعاقب عليه بالحبس من 5 إلى 10 سنوات لكونه الوصف الأشد.
لكن الأشكال الذي يثار هو إمكانية قبول الفعل المرتكب وصفين أو أكثر وردت في قوانين جزائية مختلفة، فإذا كانت القاعدة التي تطبق دائما هي قاعدة الوصف الأشد إلا أن المحكمة العليا ذهبت مذهبا مغايرا 1 عند التعدد الصوري بين جنحة من القانون العام أو من أي قانون خاص وجنحة جمركية حيث استقرت على قاعدة التمسك بالوصفين معا لتطبيق العقوبات الجبائية مع تطبيق قاعدة الوصف الأشد على عقوبة الحبس، وفي هذا قالت المحكمة العليا "من المستقر عليه قضاء أن الفعل الواحد الذي يقبل وصفين أحدهما من القانون العام والأخر من قانون الجمارك يخضع من حيث العقوبات ذات الطابع الجزائي للعقوبة الأشد التي يتضمنها أحد القانونين أو أحدهما"، وبالتالي تطبيق قاعدة عدم جمع العقوبات المتعلقة بالحبس أي تطبيق قاعدة الوصف الأشد وتطبيق قاعدة جمع العقوبات الجنائية.

2. التعدد الحقيقي:

وهو المنصوص عليه في المادة 33 السالفة الذكر، ومعناه أن يأتي الجاني عدة أفعال مجرمة مستقلة عن بعضها تتوفر لكل منها أركانها الخاصة بها.
وهذا يعني أن مجال التعدد الحقيقي هو التعدد في الأفعال وبالتالي تعدد أوصاف الجرائم كأن يرتكب شخص عدة سرقات في أوقات وأماكن مختلفة دون أن يكون صدر حكم نهائي على المتهم بشأن أي منها، وحكم هذا التعدد هو تطبيق قاعدة عامة وهي القضاء بعقوبة واحدة، واستثناء تطبيق قاعدة ضم العقوبات تنص المادة 34 من قانون العقوبات "في حالة تعدد جنايات أو جنح محالة معا إلى محكمة واحدة فإنه يقضي بعقوبة واحدة سالبة للحرية، ولا يجوز أن تجاوز مدتها الحد الأقصى للعقوبة المقررة قانونا للجريمة الأشد" وتنص المادة 35 "إذا صدرت عدة أحكام سالبة للحرية بسبب تعدد المحاكمات فإن العقوبة الأشد وحدها هي التي تنفذ"، وواضح من هذين النصين أن المشرع الجزائري لا يأخذ بمبدأ ضم العقوبات السالبة للحرية وتطبيقها مجتمعة، بل يعتمد مبدأ القضاء بعقوبة واحدة سالبة للحرية لا يجوز أن تتجاوز مدتها الحد الأقصى المقرر للجريمة الأشد، إلا أنه ترد استثناء في حالات يجوز فيها الضم كما هو وارد في المادة 35/02 والمواد 36، 37، 38 التي تجيز الجمع والتعدد سواء بصفة اختيارية من طرف القاضي أو وجوبية على النحو الآتي:
1. تقرر الفقرة الثانية من المادة 35 أنه إذا كانت العقوبات المحكوم بها من طبيعة واحدة كالحبس، جاز للقاضي بقرار مسبب، الأمر بضمها كلها أو بعضها في نطاق الحد الأقصى المقرر قانونا للجريمة الأشد، وهو حكم يقرر تعدد العقوبات بالنسبة للجرائم ذات الطبيعة الواحدة.
2. عقوبات الغرامة يجوز ضمها، لأن المادة 36 تعطي صلاحية عدم ضمها للقاضي إذ تنص "تضم العقوبات المالية ما لم يقرر القاضي خلاف ذلك بنص صريح".
3. بالنسبة للعقوبات التبعية وتدابير الأمن تضم في الحالة ما إذا تعددت الجنايات أو الجنح وهذا يعني عدم جواز الضم في المخالفات كما تنص على ذلك المادة 37 من قانون العقوبات.
4. تضم العقوبات في مواد المخالفات وجوبا، عملا بحكم المادة 38 من قانون العقوبات.


الفـرع الثالـث: وقف تنفيـذ العقوبـة

لقد نظم المشرع الجزائري وقف تنفيذ العقوبة في قانون الإجراءات الجزائية وتحديدا في المواد من 592 إلى 595، وبالتالي يكون قد خرج عمّا هو مألوف لدى غالبية التشريعات التي نصت عليه في قانون العقوبات، ومن ثم فإن وقف التنفيذ لا يندرج ضمن نظام تخفيف العقوبة، وإنما يلحق تنفيذ العقوبة بعد تقديرها والنطق بها وذلك عن طريق وقفها متى توافرت مجموعة من الشروط والتي سنراها لاحقا.

أولا: سلطـة القاضـي فـي وقف تنفيـذ العقوبـة

إن وقف تنفيذ العقوبة يخضع لسلطة القاضي، فهو متروك لتقديره واختياره وذلك بدليل نص المادة 592 التي تقرر بأنه يجوز للمجالس القضائية وللمحاكم في حالة الحكم بالحبس أو الغرامة إذا لم يكن المحكوم عليه قد سبق الحكم عليه بالحبس لجناية أو جنحة من جرائم القانون، أن تأمر بحكم مسبب بالإيقاف الكلي أو الجزئي لتنفيذ العقوبة الأصلية".
فمن خلال هذه المادة يتضح أن وقف تنفيذ العقوبة هو أمر جوازي بالنسبة للقاضي، وفي ذلك قضت المحكمة العليا: "أن الإستفادة من وقف التنفيذ المنصوص عليه في المادة 592 ليست حقا مكتسبا للمتهم الذي تتوافر فيه الشروط القانونية وإنما هي مكنة جعلها المشرع في متناول القضاة وترك تطبيقها لسلطتهم التقديرية كما أن وقف التنفيذ قد يطال العقوبة الأصلية كلها أو جزء منها إذ يجوز للقاضي طبقا لنص المادة السالفة الذكر أن ينص في حكمه على وقف تنفيذ العقوبة كليا، أو ينص على وقف تنفيذ العقوبة جزئيا ولا يتضح الأمر فيما إذا كان بالإمكان الاختيار في وقف التنفيذ بين الحبس والغرامة في حالة ما إذا قضي بهما معا.

ثانيـا: شـروط الحكـم بوقف تنفيـذ العقوبـة
1- شـروط متعلقـة بالعقوبـة:

حسب المادة 592 دائما وقف التنفيذ يخص فقط العقوبات الأصلية المتمثلة في الحبس أو الغرامة والمقررة للجنح والمخالفات ويترتب على ذلك أنه لا يجوز وقف تنفيذ عقوبة الإعدام وعقوبة السجن المؤبد والسجن المؤقت أي العقوبات الأصلية المقررة في الجنايات، غير أنه يكون جائزا في الجنايات في حالة واحدة وهي حالة ما إذا قضي في جناية بعقوبة الحبس الجنحية عند وجود ظروف مخففة طبقا للمادة 53 من قانون العقوبات، ويتحقق ذلك في الجنايات المعاقب عليها بالسجن المؤقت، فالعبرة إذن هي بالعقوبة المحكوم بها والتي يسترط أن تكون أصلية بالحبس أو الغرامة، وبذلك تستبعد أيضا العقوبات التبعية والتكميلية، وكذلك الغرامات التي لا يكون لها طابعا جزائيا.

2. شـروط متعلقـة بالمحكـوم عليـه:

لكي يستفيد المحكوم عليه بالحبس أو الغرامة يشترط أن لا يكون قد سبق الحكم عليه بالحبس لجناية أو جنحة، فإذا سبق وإن ارتكب المحكوم عليه جناية أو جنحة وحكم عليه لأجلها بعقوبة حبس فإنه لن يستفسد من وقف التنفيذ، ويستفاد من ذلك أنه إذا كانت العقوبة السابقة غرامة فقط دون الحبس حتى وإن تعلق الأمر بجناية أو جنحة، فإن ذلك لا يحول دون إفادة المحكوم عليه من وقف التنفيذ، وكذلك الشأن إذا كانت العقوبة السابقة نتيجة ارتكاب مخالفة، كما تسترط المادة 592 أيضا أن تكون الجريمة السابقة المرتكبة من المحكوم عليه من جرائم القانون العام ويترتب على ذلك استبعاد العقوبات السابقة المحكوم بها نتيجة ارتكاب الجرائم السياسية والعسكرية التي لا تؤخذ بعين الاعتبار وبالتالي فهي لا تحول إن وجدت دون استفادة المحكوم عليه من وقف التنفيذ، غير أن وقف تنفيذ العقوبة الذي يستفيد منه المحكوم عليه يبقى دائما معلق على شرط، وهو الشرط المقرر في المادة 593 من قانون الإجراءات الجزائية والتي تنص على أنه "إذا لم يصدر ضد المحكوم عليه بعد ذلك خلال مهلة خمس سنوات من تاريخ الحكم الصادر من المحكمة أو المجلس حكم بعقوبة الحبس أو عقوبة أشد منها ارتكاب جناية أو جنحة اعتبر الحكم بإدانته غير ذي أثر "فيتضح من خلال هذا النص أن وقف التنفيذ يبقى ساريا طالما لم يرتكب المستفيد منه في خلال الخمس سنوات المتواصلة التالية بالعقوبة مع وقف التنفيذ، اعتبارا من يوم صدوره، جناية أو جنحة، عقوبتها الحبس أو عقوبة أشد، فإذا تحقق هذا الشرط اعتبر هذا الحكم الذي قضى بإدانته غير ذي أثر، أما إذا لم يتحقق فإن العقوبة الأولى تنطبق عليه وتنفذ دون الإخلال بتنفيذ العقوبة الثانية الناتجة عن الجناية أو الجنحة المرتكبة أثناء مدة الخمس سنوات المشترطة، كما أنه وطبقا للمادة 595 من نفس القانون فإن المحكوم عليه المستفيد من وقف التنفيذ لا يعفى من المصاريف القضائية أو التعويضات المدنية إذا قضي بها، كما لا يمتد كذلك إلى عدم الأهلية الناتجة عن حكم الإدانة.










قديم 2011-05-20, 17:07   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10

الخـاتمـة
من خلال هذا العرض المتواضع والذي حاولت من خلاله تبيان آليات وكيفيات تقدير العقوبة طبقا للتشريع الجزائي الجزائري، بما يفرضه من قيود وضوابط من جهة، وبما يمنحه من سلطة للقاضي الجزائي في هذه المسألة بالذات من جهة أخرى، سواء تعلق الأمر بالقوانين الإجرائية أو القوانين الموضوعية، فإن ما يجب وضعه في الحسبان، هو أن العقوبة سواء من حيث تقريرها أو تقديرها يجب أن توجّه توجيها سليما وحكيما، من أجل تحقيق أهدافها وأغراضها الفردية والاجتماعية عن طريق الموازنة الفعلية بين مصالح المجتمع ومصالح الأفراد، ومن أجل مكافحة ظاهرة الإجرام والاعتياد المستمرة والمتنامية بكثرة خاصة في السنوات الأخيرة مما يدل على أن المنظومة المعتمدة حاليا أصبحت غير قادرة نوعا ما على مجابهة المستجدات والتطورات مما يقتضي ضرورة تعديلها والبحث على وسائل جديدة أكثر نجاعة وفعالية على أن يتم التركيز أساسا على تخفيف كاهل قطاع العدالة في التصدي للجرائم وذلك من خلال أحياء سلطات الضبط إداريا وقضائيا لأجل الاضطلاع بمهامها الوقائية خاصة لمنع وقوع الجرائم، وإعطائها صلاحيات أوسع في توقيع الجزاءات على بعض المخالفات التي لا تستأهل اللجوء إلى القضاء لكون هذا الأخير يتميز ببطئه في معالجة القضايا ومن ثم يجب حصر اختصاصه في القضايا التي تثير نزاعات حقيقة تستأهل البحث والتعمق والدراسة، ومن جانب آخر البحث عن آليات بديلة للمتابعة القضائية كتوسيع نطاق الجرائم التي يمكن معالجة قضاياها عن طريق الصلح مثلا، أما في المجال التشريعي فإنه ينبغي إخراج القواعد الجزائية خاصة الموضوعية منها من شدتها وجمودها وجعلها أكثر مرونة لتكون صالحة لكل زمان ومكان ذلك عن طريق تدعيم مبدأ تفريد العقاب بغرض توسيع سلطة القاضي في التقدير ومنحه وسائل أخرى كإمكانية استبدال العقوبات وتجزئتها على غرار بعض التشريعات المقارنة، والاتجاه أكثر إلى اعتماد نظام العقوبات السالبة للحقوق التي ستكون في نظرنا أكثر ردعا للمجرمين ونفعا للمجتمع بدلا من عقوبات الحبس التي لم تعد تحقق أغراضها والتي تكلف الدولة جهودا كبيرة وإمكانيات باهضة وأخيرا ومما ينبغي الحرص عليه كثيرا هو مبدأ استقلالية القضاء، والذي لن يأتي إلا من خلال توفير ظروف العمل المناسبة عبر كل أجهزة العدالة خاصة بالنسبة للقاضي الذي يعد العنصر الأساسي المعني بمعالجة القضايا والملفات وبمردودية العمل القضائي سواء من حيث الكم أو النوع وذلك بغرض تحسين أدائه وجعله أكثر نزاهة وإنصافا وعلى كلمة الإنصاف أنهى هذا البحث المتواضع الذي أرجوا أن يكون مفيدا، فإن وفقت فمن الله عز وجل وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان، والله ولي التوفيق.
الفهــرس
قـائمـة المـراجـع


 القـوانيـن

 دستور الجزائر 08 نوفمبر 1996.
 الأمر رقم 66/156 المؤرخ في 18 صفر عام 1386 الموافق لـ 08 يونيو 1966 المتضمن قانون العقوبات المعدل والمتمم.
 الأمر رقم 66/155 المؤرخ في 18 صفر عام 1386 الموافق لـ 08 يونيو 1966 المتضمن قانون الإجراءات الجزئية المعدل المتمم.

 المؤلفـات:

 بوسقيعة، أحسن: الوجيز في القانون الجزائي العام، الديوان الوطني للأشغال التربوية (الجزائر) طبعة 2002.
 بوسقيعة، أحسن: الوجيز في القانون الجنائي الخاص – الجرائم ضد الأشخاص والجرائم ضد الأموال – الجزء الأول– دار هومة (الجزائر) طبعة 2003.
 سليمان، عبد الله: شـرح قانون العقوبات الجزائـري –القسـم العـام- الجزء الأول -الجريمة- ديوان المطبوعات الجامعية- طبعة 2002.
 سليمان، عبد الله: شرح قانون العقوبات الجزائري – القسم العام- الجزء الثاني- الجزاء- ديوان المطبوعات الجامعية طبعة 2002.
 اوهايبية، عبد الله: شرح قانون العقوبات الجزائري- القسم العام- مطبعة الكاهنة (الجزائر)، طبعة 2003.
 اوهايبية، عبد الله: شرح قانون الإجراءات الجزائية الجزائري -التحري والتحقيق– دار هومة (الجزائر)، طبعة 2004.
 أكرم، نشأت، ابراهيم: الحدود القانونية لسلطة القاضي الجنائي في تقدير العقوبة، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان (الأردن)، طبعة 1998.
 عصام، عفيفي، عبد البصير: تجزئة العقوبة -دار النهضة العربية- القاهرة (مصر)، طبعة 2004.
 سعد عبد العزيز: مذكرات في قانون الإجراءات الجزائية -المؤسسة الوطنية للكتاب (الجزائر)- طبعة 1991.
 حسين طاهري: الوجيز في شرح قانون الإجراءات الجزئية دار المحمدية (الجزائر) طبعة 1996.
 أحمد فتحي سرور: الوسيط في قانون العقوبات-القسم العام.
 العربي شحط عبد القادر: الإثبات في المواد الجزائية في ضوء الفقة والإجتهاد القضائي- دار الهدى، عين مليلة (الجزائر) طبعة 2004.
 حزيط محمد: مذكرات في قانون الإجراءات الجزائية الجزائري دار هومة (الجزائر) طبعة 2006.
 دلاندة يوسف: الوجيز في ضمانات المحاكمة العادلة دار هومة (الجزائر) طبعة 2006.
 محمد صبحي محمد نجم: شرح قانون الإجراءات الجزائية الجزائري –ديوان المطبوعات الجامعية (الجزائر) طبعة 1984.

1. المحـاضـرات:

 محاضرات في الإثبات الجنائي من إلقاء الدكتور ماروك نصر الدين (المدرسة العليا للقضاء)، طبعة 2004.
 محاضرات في القانون الجنائي العام –من إلقاء الدكتور أحسن بوسقيعة (المدرسة العليا للقضاء)، 2004/2005.
 محاضرات في القانون الجنائي الخاص من إلقاء الدكتور أحسن بوسقيعة (المدرسة العليا للقضاء)- 2005/2006.

2. المذكــرات:

 قتال رشيدة: الظروف المشددة والمخففة والأعذار المعفية طبقا لقانون العقوبات الجزائري وبعض التشريعات الأجنبية –مذكرة نهاية التربص- المعهد الوطني للقضاء (رقم 016/314).
 قرابسي طاهر: ظروف تشديد وتخفيف العقوبة والأعذار القانونية -مذكرة نهاية التربص- المعهد الوطني للقضاء (رقم 005/314).
 بومطة محمد، حرية القاضي الجزئي في تكوين اقتناعه – مذكرة نهاية التربص- المعهد الوطني للقضاء (004/315).





العنــوان الصفحـة
مقدمــة .................................................. .................................................. .................................................. ....... 1
أهميـة الدراسـة .................................................. .................................................. ............................ 1
الغـرض من الدراسـة.......................................... .................................................. ............................ 2
الصعوبـات التي يثيـرها الموضـوع .................................................. .......................................... 2
خطـة البحـث .................................................. .................................................. ................................. 3
مبحـث تمهيـدي: مفهوم العقوبة وتطورها وتطور سلطة القاضي
الجزائي في تقديرها .................................................. .............................................. 5
 المطلـب الأول: مفهـوم العقوبـة وتطـورها .................................................. ............... 5
الفـرع الأول: مفهوم العقوبة .................................................. ........................................ 5
أولا: تعريف العقوبة .................................................. ............................................. 5
ثانيا: خصائـص العقـوبة .................................................. ................................. 5
ثالثا: أهـداف العقـوبة .................................................. ....................................... 6
1. الوظيفة المعنوية .................................................. ....................................... 6
2. الوظيفة النفعية .................................................. .......................................... 6
الفـرع الثـاني: تطور العقوبة .................................................. .................................... 6
 المطلـب الثانـي: تطـور سلطـة القاضـي في تقديـر العقوبـة .............................. 7
الفـرع الأول: نظام السلطة المطلقة .................................................. ............................. 7
الفـرع الثاني: نظام السلطة المقيدة .................................................. ............................. 9
الفـرع الثالث: نظام السلطة النسبية .................................................. ............................. 10
الفصـل الأول: ضوابـط سلطـة القاضـي الجزائـي في تقديـر العقوبـة ........................................ 12
المبحـث الأول: الضوابـط الإجرائيـة .................................................. .............................................. 12
 المطلـب الأول: الشرعيـة الإجرائيـة .................................................. ............................. 12
 المطلب الثاني: نتائج الشرعية الإجرائية .................................................. ........................... 15
الفرع الأول: قرينة البراءة .................................................. ............................................. 15
الفرع الثاني: عبء الإثبات .................................................. ........................................... 15
الفرع الثالث: الشك يفسر لصالح المتهم .................................................. ....................... 17
الفرع الرابع: عدم العقاب على فعل واحد مرتين .................................................. ....... 17


المبحـث الثانـي: الضوابـط الموضوعيـة .................................................. .............................................. 17
 المطلـب الأول: مبدأ شرعيـة العقوبـة .................................................. .......................... 17
 المطلـب الثاني: نتائـج شرعيـة العقوبـة .................................................. ................... 21
الفـرع الأول: التفسير الضيق للنصوص العقابية .................................................. ..... 21
الفـرع الثاني: حظر القياس .................................................. ........................................ 22
الفـرع الثالث: عدم رجعية القاعدة العقابية إلى الماضي........................................... 23
الفصـل الثانـي: سلطـة القاضـي الجزائـي في تقديـر العقوبـة .................................................. ... 24
المبحـث الأول: الأساس الإجرائي لسلطة القاضي الجزائي في تقدير العقوبـة ............................. 24
 المطلـب الأول: الاقتناع الشخصي للقاضي الجزائـي .................................................. .... 24
 المطلـب الثاني: نتائـج مبـدأ الاقتنـاع الشخصـي .................................................. ... 25
الفـرع الأول: حرية القاضي في الإستعانة بكل وسائل الإثبات ............................... 25
الفـرع الثاني: حرية القاضي في تقدير أذلة الإثبات ................................................. 27
المبحـث الثانـي: الأسـاس الموضوعـي لسلطـة القاضـي الجزائـي في تقديـر العقوبة .......... 27
 المطلـب الأول: سلطة القاضي في التدريج الكمي والاختيار النوعي للعقوبة .............. 27
الفـرع الأول: سلطة القاضي في التدريج الكمي .................................................. .... 28
الفـرع الثاني: سلطة القاضي في الاختيار النوعي .................................................. 29
 المطلـب الثانـي: سلطة القاضي في تخفيف وتشديد العقوبة ووقف تنفيذها ............. 29
الفـرع الأول: تخفيف العقوبة .................................................. .................................... 29
أولا: الأعذار القانونية .................................................. .................................................. 29
1. الأعذار القانونية المعفية .................................................. ..................................... 30
أ. عذر المبلغ .................................................. ................................................ 30
ب. عذر القرابة العائلية .................................................. ............................... 31
ج. عذر لتوبة .................................................. ................................................ 31
2. الأعذار القانونية المخففة .................................................. .................................... 31
أ. أعذار الاستفزاز .................................................. ...................................... 32
ب. عذر صغر السن .................................................. ...................................... 33
ج. الأعذار المخففة الأخرى .................................................. ......................... 33
1. عذر المبلغ .................................................. .................................... 33
2. عذر التوبة .................................................. .................................... 34
ثانيـا: الظروف المخففة .................................................. .................................................. ... 34
1- الشخص الطبيعي .................................................. .................................................. ......... 34
أ. بالنسبة للجنايات .................................................. .................................................. ... 34
أ1. الجاني المبتدئ .................................................. ................................................. 34
أ2. الجاني العائد .................................................. .................................................. .. 35
ب. بالنسبة للجنح .................................................. .................................................. ...... 35
بالنسبة للجانح غير المسبوق قضائيا .................................................. ............... 35
بالنسبة للجانح المسبوق قضائيا .................................................. ....................... 35
ج. بالنسبة للمخالفات .................................................. ................................................. 35
2- الشخص المعنوي .................................................. .................................................. ........... 36
- الاستثناءات والقيود الواردة على منح ظروف التخفيف ...................................... 36
الفرع الثاني: تشديد العقوبة .................................................. .................................................. ................ 37
أولا: العود .................................................. .................................................. ............................... 37
1. بالنسبة للشخص الطبيعي .................................................. .......................................... 38
أ. في مواد الجنايات والجنح .................................................. .............................. 38
ب. في مواد المخالفات .................................................. ........................................ 40
بالنسبة لمخالفات الفئة الأولى .................................................. .................... 40
بالنسبة لمخالفات الفئة الثانية .................................................. ..................... 40
2. بالنسبة للشخص المعنوي .................................................. ........................................... 41
أ. في مواد الجنايات والجنح .................................................. ............................... 41
ب. في مواد المخالفات .................................................. ........................................ 42
ثانيا: الظروف المشددة الخاصة .................................................. ........................................... 42
1. الظروف المشددة الواقعية .................................................. ......................................... 42
2. الظروف المشددة الشخصية .................................................. ...................................... 43
تقدير العقوبة في حالة تعدد الجرائم .................................................. ............................ 43
1. التعدد الصوري .................................................. .................................................. ... 43
2. التعدد الحقيقي .................................................. .................................................. ..... 44
الفـرع الثالـث: وقف تنفيذ العقوبة .................................................. .............................................. 45
أولا: سلطة القاضي في وقف تنفيذ العقوبة .................................................. ...................... 45
ثانيـا: شروط الحكم بوقف التنفيذ .................................................. .................................... 45
1. شروط متعلقة بالعقوبة .................................................. ............................................. 45
2. شروط متعلقة بالمحكوم عليه .................................................. .................................. 45
الخاتمــة .................................................. .................................................. .................................................. ..... 46
قائمــة المـراجــع .................................................. .................................................. ................................










قديم 2011-05-21, 14:27   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
لقاء الجنة
عضو ماسي
 
الصورة الرمزية لقاء الجنة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي










قديم 2011-09-17, 22:11   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
yacine1305
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










Hot News1 تقدير العقوبة

شكرا على الموضوع والموضوع يخدمني كثيرا في بحثي هل يمكنني الحصول على نسخة كاملة صيغة pdfاو وارد اذا امكن في اقرب الاوقات واكون شاكرا لك اخوك يسين










قديم 2011-09-19, 19:40   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










M001 رد

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة yacine1305 مشاهدة المشاركة
شكرا على الموضوع والموضوع يخدمني كثيرا في بحثي هل يمكنني الحصول على نسخة كاملة صيغة pdfاو وارد اذا امكن في اقرب الاوقات واكون شاكرا لك اخوك يسين
ان شاء الله سوف أبحث عنها في جهاز الكمبيوتر و ان وجدتها سوف اضعها بكل تاكيد









آخر تعديل yacine414 2011-09-19 في 19:41.
قديم 2011-09-24, 21:07   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
rima droit
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية rima droit
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

جزاك الله كل الخير










قديم 2011-09-24, 21:12   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
achach
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

[COLOR="Green"]شكرا جزيلا [/COLOR]










قديم 2011-12-11, 22:01   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
sidou1811
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا جزيلا










قديم 2012-05-04, 17:41   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
houwirou
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي










قديم 2013-01-08, 18:11   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
happy pain
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا ... موضوع مهم










 

الكلمات الدلالية (Tags)
العقوبة, تقدير


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 21:45

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc