الفرع الثاني: التزامات الدائن المرتهن:
رتب المشرع على عاتق الدائن المرتهن في المادة 968 من القانون المدني التزامات على عاتق الدائن المرتهن و هي القيام بصيانة العقار و بالنفقات اللازمة لحفظه و دفع ما يستحق سنويا على العقار من ضرائب و تكاليف و أن يستنزل من الثمار التي يحصلها قيمة ما أنفق أو يستوفي هذه القيمة من ثمن العقار ولم تحمله صراحة الالتزامات الأخرى الواردة في الأحكام العامة المشتركة للرهن الحيازي مع العلم أن الرهن العقاري يعد نوع من أنواع الرهن الحيازي و لا يخرج عن أحكامه لذلك نرى أن سكوت المشرع عن تقريرها كان درءا للتكرار على أساس أن الأحكام العامة للرهن الحيازي هي الشريعة العامة لجميع أنواعه.
أولا: التزام الراهن بالمحافظة على العقار المرهون:
حيث تنص المادة 968 من القانون المدني:" يجب على الدائن المرتهن أن يقوم بصيانة العقار و بالنفقات اللازمة لحفظه, و أن يدفع ما يستحقه سنويا على العقار من ضرائب و تكاليف..". و تنص المادة 955 من القانون المدني:" إذا استلم الدائن المرتهن الشيء المرهون فعليه أن يبذل في حفظه و صيانته من العناية ما يبذله الشخص المعتاد...".
و ينشأ هذا الالتزام من وقت انتقال حيازة العقار إلى المرتهن, و إذا كان العقار قد سلم لأجنبي و هو العدل فان الالتزام يقع على هذا الأخير(1).
و يدخل في مفهوم المحافظة على العقار القيام بالنفقات اللازمة لحفظه و دفع الضرائب و التكاليف المستحقة سنويا على العقار, و هو ما سنتطرق له تباعا بالإضافة لأساس هذا الالتزام و طبيعته في النقاط التالية:
1- القيام بالنفقات اللازمة لحفظه:
تقضي حيازة العقار المرهون المحافظة عليه, صيانته و دفع المصروفات التي تقتضيها أعمال المحافظة عليه و صيانته من التلف كالإصلاحات أو مصاريف الترميم و هي مصاريف ينفقها المرتهن و يكون له حق الرجوع على الراهن بأن يخصمها من الثمار أو من ثمن العقار في المرتبة التي يخولها له القانون.
و يجري التساؤل عن الأعمال التي يقوم بها الدائن المرتهن و تكون غير ضرورية لحفظ العقار و صيانته هل تقع نفقاتها على عاتق الراهن أم تبقى على عاتق الدائن المرتهن؟
(1) د/ سمير عبد السيد تناغو – نفس المرجع السابق- بند 138- ص374.
الواقع أن الدائن المرتهن يلتزم بالأعمال الضرورية لحفظ العقار و صيانته فإذا قام بعمل غير ضروري لذلك وجب أن يتحمل نفقته و ألا يعود على الراهن بشيء إلا أن الأمر يختلف, إذا أدت الأعمال غير الضرورية التي يقوم بها المرتهن إلى إدخال تحسينات على العقار المرهون, ففي هذه الحالة يحق للمرتهن محاسبة الراهن على النفقات التي استلزمتها أعمال التحسين في حدود ما زاد في قيمة العقار المرهون بسبب هذه النفقات الاستناد لقاعدة الاثراء بلا سبب, و إذا نتج عن هذه التحسينات زيادة في غلة العقار المرهون وجب محاسبة المرتهن عليها لأنه أخذ ما يقابل هذه التحسينات و هي مصاريف نافعة فليس للدائن المرتهن عليها حق الامتياز إنما له أن يستردها بمقتضى حقه في الحبس المقرر في المادة 200 من القانون المدني, أما النفقات الكمالية فلا يسترد منها شيئا(1) و يرجع تقدير ما يعتبر مصاريف ضرورية و ما يعتبر نافعة و ما يعتبر كمالية للقاضي و ذلك وفقا لطبيعة العقار.
- دفع الضرائب و التكاليف المستحقة سنويا على العقار:
إن دفع ما يتوجب على العقار من ضرائب و رسوم يدخل في إطار المحافظة عليه, لأن عدم دفع هذه الضرائب قد يؤدي لبيع العقار بالمزاد العلني لاستيفاء الضرائب و الرسوم المستحقة عنه لخزينة الدولة من ثمنه و بالتالي خروجه من ذمة الراهن فهذه الحقوق و إن كانت تنشأ بعد نشأة حق الرهن إلا أنها تتقدم عليه فهي من حقوق الامتياز الخاصة العقارية التي لا يجب بشأنها الشهر و مع ذلك فهي تتقدم على سائر الحقوق المقيدة على العقار.
و للدائن المرتهن استرداد ما دفعه من غلة العقار أو من ثمنه على النحو الذي نصت عليه المادة 968 من القانون المدني.
غير أنه للدائن المرتهن أن يتحلل من التزاماته المتقدمة إذا هو تخلى عن حق الرهن و هذا ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 968 من القانون المدني بنصها:" يجوز للدائن أن يتحلل من هذه الالتزامات إذا هو تخلى عن حق الرهن".
3- أساس الالتزام بالمحافظة:
الراهن لا ينقل للمرتهن ملكية العقار بل ينقل له الحيازة فقط و بصفة مؤقتة و احتفاظ الراهن بالملكية مع نقل الحيازة للمرتهن يؤدي بذاته إلى ضرورة قيام المرتهن بالمحافظة على العقار الموجود في حيازته حماية لحق المرتهن في الملكية(2).
بينما هناك من يرى أن أساس الالتزام أنه ناشئ عن التزام الدائن المرتهن برد العقار المرهون إلى الراهن عند انقضاء الدين بالحالة التي كان عليها آن التسليم له من الراهن مما يقتضي العناية و المحافظة عليه(3).
(1)أ/ حسين عبد اللطيف حمدان- نفس المرجع السابق- بند 149-ص 212.
(2) د/ سمير عبد السيد تناغو – نفس المرجع السابق- بند 138- ص375.
(3) أ/ حسن عبد اللطيف حمدان- نفس المرجع السابق- بند 149-ص208.
- طبيعة هذه الالتزام:
إن التزام الدائن المرتهن هو التزام بعمل المطلوب منه فيه أن يبذل عناية الرجل العادي في المحافظة على العقار المرهون حسب نص المادة 955 من القانون المدني" إذا تسلم الدائن المرتهن الشيء المرهون فعليه أن يبذل في حفظه و صيانته من العناية ما يبذله الشخص المعتاد...". و حسب نص المادة 172 من القانون المدني التي تنص على أنه:" في الالتزام بعمل إذا كان المطلوب من المدين أن يحافظ على الشيء أو يقوم بإدارته أو أن يتوخى الحيطة في تنفيذ التزامه فان المدين يكون قد وفى بالالتزام إذا بذل في تنفيذه من العناية كل ما يبذله الشخص العادي و لو لم يتحقق الغرض المقصود...".
و بذلك فان المشرع قد نص صراحة على أن العناية المطلوبة من الدائن المرتهن في المحافظة على العقار المرهون هي عناية الرجل العادي (م 955 من القانون المدني) و التزم الدائن المرتهن على هذا النحو هو التزام يبذل عناية لا بتحقيق نتيجة فإذا لم يقصر المرتهن في بذل عناية الرجل العادي في المحافظة على الشيء و لكنه هلك مع ذلك أو تلف فلا مسؤولية عليه(1).
ولكن المشرع ألقى على عاتقه في هذه الحالة أن يثبت أن الهلاك أو التلف راجع لسبب أجنبي و الواقع أن الهلاك أو التلف إذا لم يرجع إلى تقصير الدائن المرتهن فهو يرجع حتما لسبب أجنبي كقوة قاهرة أو خطأ الراهن.
إلا أن هناك جانب من الفقه اعتبر أن التزام المرتهن التزاما بتحقيق نتيجة, و قد أورد الأستاذ الدكتور سمير عبد السيد تتاغو رأيا للأستاذ الدكتور شمس الدين الوكيل فهو يرى" وجوب مراعاة الحيطة في الرجوع إلى النصوص, للاستدلال منها على تحديد نطاق تقسيم الالتزامات إلى بذل عناية أو تحصيل نتيجة, فلا يكفي أن يرد نص في القانون يقرر أن المدين ملتزم ببذل عناية معينة للقول بأنه غير ضامن لتحقيق النتيجة التي تؤدي إليها هذه العناية عادة, و إنما يجب الاستناد إلى معيار آخر, و هو الراجح بين الفقهاء المروجين لهذا التقسيم, قوامه أن العبرة بمدى احتمال وقوع النتيجة, و مدى سيطرة المدين عليها و قدرته على تحقيقها, فان كانت العناية المطلوبة منه تؤدي إلى الغاية منها كنا بصدد التزام بتحصيل نتيجة المثال الحي الذي يصدق عليه المعيار المتقدم هو التزام الدائن المرتهن المقرر في نص المادة 1103". و تقابل المادة 1103 المادة 955 من القانون المدني الجزائري.
إلا أننا نرى أن التزام المرتهن لا يكون التزاما بنتيجة إلا إذا كان تحمل فيه الدائن تبعية الحادث المفاجئ أو القوة القاهرة بأن يوجد اتفاق يجعل المرتهن مسؤول عن الهلاك في جميع الأحوال و هو اتفاق جائز قانونا في هذه الحالة يصبح التزام المرتهن التزاما بتحقيق نتيجة.
(1) د/ سمير عبد السيد تناغو – نفس المرجع السابق- بند 138- ص379.
أما إذا أخل الدائن المرتهن بالتزامه و لم ينفذه كان للمدين أن يطلب التعويض أو يطلب من القاضي أن يضع العقار تحت الحراسة و له أن يطلب التعويض و الحراسة معا حسب جسامة الخطأ و ما عليه نص المادة 958 من القانون المدني.
و يدخل في العناية المطلوبة من الدائن المرتهن أن يخطر الراهن بما يهدد العقار المرهون من هلاك أو تلف أو نقص في القيمة حتى يستطيع الراهن أن يكون ملما بحالة العقار و يجوز للراهن في هذه الحالة أن يسترد العقار المعرض للتلف على أن يقدم للدائن تأمينا آخر كافيا.
ثانيا: استثمار العقار المرهون:
تنص المادة 956 من القانون المدني" ليس للدائن أن ينتفع بالشيء المرهون دون مقابل, و عليه أن يستثمره استثمارا كاملا ما لم يتفق على غير ذلك.
و ما يحصل عليه الدائن من صافي الريع و ما استفاده من استعمال الشيء يخصم من المبلغ المضمون بالرهن و لو لم يكن قد حل أجله, على أن يكون الخصم أولا من قيمة ما أنفقه في المحافظة و الإصلاحات على الشيء ثم من المصاريف ثم من أجل الدين".
و من ذلك نجد الترابط بين المادتين 956 و المادة 968 من القانون المدني التي تنص" ..على أن يستنزل من الثمار التي يحصلها قيمة ما أنفق أو يستوفي هذه القيمة من ثمن العقار في المرتبة التي يخولها له القانون...".
و في معنى التحصيل الاستثمار و الاستغلال للعقار لجني الثمار.
فالرهن الحيازي يعتبر بمثابة وسيلة من وسائل الوفاء التدريجي للالتزام بحيث يغني الدائن المرتهن من الالتجاء إلى إجراء البيع الجبري, و نتيجة لهذا الاعتبار وضع عبئ الالتزام باستثمار الشيء المرهون على عاتق الدائن المرتهن لكون هذا الأخير تحت حيازة الدائن المرتهن.
1- كيفية الاستثمار:
و يكون استثمار العقار المرهون استثمارا كاملا على الوجه الذي يصلح له بالطريقة المألوفة لاستثماره فلا يجوز تغييرها إلا برضى الراهن بذلك و يبذل في ذلك عناية الرجل العادي.
فاستغلال الأراضي الزراعية استغلالا معتادا يكون بزرعها بالمحصولات العادية كالقطن و القمح.. و ما إلى ذلك, أو بتأجيرها إلى من يقوم بزراعتها .و استغلال حدائق الفاكهة يكون بزراعتها فاكهة أو بتأجيرها لهذا الغرض و استغلال المنازل و البيوت يكون بسكناها أو بتأجيرها للسكن, و لا يجوز تحويلها إلى فندق أو مصنع إلا برضى الراهن(1)
(1) د/ عبد الرزاق أحمد السنهوري-بند 564- ص 946.
و بما أن للدائن المرتهن مصلحة في استغلال العقار المرهون باعتبار أنه يستوفي حقه من غلة العقار, فلا يستحق له أجرا عند هذا الاستغلال, إلا إذا اتفق مع الراهن على غير ذلك, أما إذا كان العقار المرهون في يد العدل, فان هذاالأخير يستحق أجرة مقابل عمله(1) و على الدائن المرتهن أن يبادر بإخطار الراهن بكل ما يقتضيه تدخله, كإصلاح العقار و ترميمه, كعدم صلاحية العقار للاستثمار أو هلاكه أو نقص قيمته و غير ذلك. و لا يجوز للدائن المرتهن أن ينتفع بالعقار المرهون دون مقابل بل أن انتفاعه به يجب أن يكون له مقابل يخصم على الوجه الذي سنبنيه لاحقا, حيث يحرم على المرتهن الانتفاع بالعقار المرهون بدون مقابل و إن كان هذا الانتفاع صادرا عن رضا الراهن و لا يجوز الاتفاق على غير ذلك و يقع باطلا لأن انتفاع الدائن بالشيء المرهون دون مقابل يعني حصول الدائن على فائدة ربوية مستترة لدينه هي مقابل هذا الانتفاع و هو ما ينسجم مع تشريعنا الذي يحرم الفوائد بين الأفراد.
2- صفة المرتهن عند القيام باستثمار العقار المرهون:
اختلف الفقه و القضاء في صفة الدائن المرتهن عند قيامه باستثمار العقار المرهون, إذ ذهب القضاء المصري(2) و بعض الفقهاء(3) إلى القول بأن الدائن المرتهن يستثمر العقار المرهون باعتباره وكيلا, و من الفقهاء من ذهب لاعتباره نائبا قانونيا, إلا أنه يعاب على هذين الرأيين وجوب ظهور نية التوكيل أو الإنابة عند إبرام عقد الرهن و هذه النية لم تدر في ذهن الدائن عند التعاقد إطلاقا.
لذلك هناك فريق ثالث من الفقهاء و منهم الأستاذ الدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري ويشكل هذا الرأي الأغلبية حيث يذهبون للقول بأن الدائن المرتهن يباشر سلطانه في استثمار العين المرهونة باعتباره أصيلا عن نفسه لا نائبا عن الراهن, و هو الرأي الأرجح لأن عدم قبول فكرة الوكالة أو النيابة كانت نتيجة إمكانية رجوع العقار المرهون إلى الراهن عن طريق الإيجار طبقا لما نصت عليه المادة 967 من القانون المدني.
إذن فالدائن المرتهن يستثمر العقار المرهون لحساب الراهن باعتباره أصيلا عن نفسه حيث يحتفظ بالثمار يخصمها من الدين الذي على المدين.
3- خصم المصاريف و الدين من إنتاج الاستثمار:
إن القاعدة العامة تقضي بأن المقاصة لا تجوز إلا في مجال النقود, أو كان الشيء مثليا متحد النوع و الجودة, و كان الدينان محققين, و مستحقين فان تخلف شرط من هذه الشروط فلا يكون للمدين إجراء المقاصة بين ما هو مستحق عليه لدائنه و ما هو مستحق له تجاهه طبقا للمادة 297 من القانون المدني.
(1) أ/حسن عبد اللطيف حمدان- بند 151- ص 214.
(2) د/ عبد الرزاق أحمد السنهوري- ص 813.
(3) د/ سمير عبد السيد تناغو- نفس المرجع السابق- ص 378.
و خروجا عن هذه القاعدة العامة فان الدائن المرتهن الذي هو في نفس الوقت مدين بثماره الناتجة عن الشيء المرهون قبل الراهن اقتطاع المصاريف و أصل الدين من الغلة التي حصلها من الثمار بواسطة إجراء مقاصة طبقا للمادة 256 من القانون المدني.
فباعتبار أن الراهن لا يفقد ملكية العقار المرهون و لاحقه في غلة هذا العقار باعتبارها من ثمار الملكية, إلا أن ذلك لا يمنع الراهن من الاحتفاظ بالغلة بخصمها من الدين المضمون حتى قبل استحقاقه.
و يقصد بالغلة التي تكون محلا لاستنزال المصاريف و الدين, الغلة الصافية بعد اقتطاع منها تكاليف تحصيلها, و هو ما اصطلح عليه المشرع الجزائري" صافي الريع"(1) أي ما حصل عليه الدائن من صافي الريع بعد خصم مصروفات الاستثمار و ما استفاده من استعمال العقار كسكناه أو جنا ثماره و غلته يخصم من المبلغ المضمون بالرهن و لو قبل حلول أجله لأن الدائن المرتهن قد استوفاه أو استفاد به.
و تجرى عملية الخصم بحسب الترتيب الذي نص عليه القانون في المادتين 956 و 968 من القانون المدني.
-أ- نفقات الصيانة للمحافظة على العقار المرهون: لأن لولا هذه المصاريف للحق بالعقار المرهون الهلاك أو التلف و يدخل في مضمون هذه المصاريف تلك التي أنفقت في إصلاحه و كذلك ما دفع من الضرائب و الرسوم المستحقة سنويا على العقار المرهون طبقا لما نصت عليه المادة 968 من القانون المدني, و جدير بالملاحظة أن القضاء الفرنسي يستند في تحديد مصاريف المحافظة و يعرفها على أنها تلك التي أنفقت من أجل حفظ شيء من الهلاك الكلي أو الجزئي بأن يصبح غير صالح للاستعمال فيما أعدله, و كمثال على ذلك الحكم(2) الصادر عن محكمة RENNES بتاريخ 28/03/1979 حيث اشترط في المصاريف توفر أحد العنصرين: أن يكون الهلاك و شيك الوقوع أو أن يكون ظرف استعجالي.
-ب- سداد ملحقات الدين من مصروفات: و يبدأ بالمصروفات فما صرفه الدائن المرتهن في الدين من أتعاب محاماة و قيد وتجديده و غير ذلك يستوفيه الدائن من الغلة لأن له الرجوع بما على المدين و هو مضمون بالرهن.
-ج- سداد أصل الدين: إن بقي شيء من الغلة بعد كل ما تقدم فانه يذهب لسداد الدين كله أو بعضه و إن كان هذا الدين لم يحل أجله, و يلاحظ أن الدين الذي لم يحدد أجله لا يمكن استيفاؤه إلا بطريقتين:
الأولى: أن يستوفي عن طريق استنزاله من قيمة الثمار دون إخلال بحق المدين في الوفاء بالدين متى شاء طبقا للمادة 957 من القانون المدني.
(1) على عكس المشرع اللبناني الذي اصطلح عليها في المادة 11" بالغلة".
(2) أشار لهذا الحكم الأستاذ لعربي بن قسمية – المرجع السابق- ص 85 هامش رقم 1.
الثانية: إما أن يطلب الدائن المرتهن من القاضي بأن يحدد له ميعاد حلول أجل الدين كي ينمكن بعد ذلك من التنفيذ على الشيء المرهون عند حلول هذا الأجل.
و إن أخل الدائن المرتهن بواجب العناية في الاستثمار كان للمدين الراهن أن يطلب وضع العقار تحت الحراسة, كما يجوز له أن يرد الدين فيسترد الرهن و ينقضي الرهن على هذا النحو(1)
ثالثا: إدارة العقار المرهون:
و هو التزام يقع على عاتق الدائن المرتهن بموجب المادة 958 من القانون المدني التي تنص على أنه" يجب على الدائن المرتهن إدارة الشيء المرهون و عليه أن يبذل في ذلك من العناية ما يبذله الرجل المعتاد, و ليس له أن يغير من طريقة استغلال الشيء المرهون إلا برضاء الراهن, و يجب عليه أن يبادر بإخطار الراهن عن كل أمر بمقتضى تدخله(2).
فإذا أساء الدائن استعمال هذا الحق أو أدار الشيء المرهون إدارة سيئة أو ارتكب في ذلك إهمالا جسيما, كان للراهن الحق في أن يطلب وضع الشيء تحت الحراسة أو أن يسترده مقابل دفع ما عليه".
فالالتزام بالاستثمار يقتضي القيام بإدارة العقار المرهون إدارة حسنة, حيث يقع على الدائن المرتهن التزام
القيام بنفسه أو بواسطة الغير بالاستثمار لكن تحت إشرافه كالتأجير مثلا, بمجرد أن يتسلم الدائن المرتهن
العقار المرهون و يصير في حيازته.
حيث يقوم بإدارته إدارة معتادة مألوفة, و كما كان يديره الراهن قبل أن يسلمه للدائن المرتهن, فان أحدث تغيير في هذه الإدارة, وجب أن يتفق على ذلك مع الراهن(3).
و يتقيد الدائن المرتهن في إدارة العقار المرهون بقيدين:
-أ- ليس له أن يغير من طريقة استغلال العقار المرهون إلا برضا الراهن.
-ب- عليه بالمبادرة بإخطار الراهن عن كل أمر يقتضي تدخله.
و إذا استغل الدائن المرتهن العقار المرهون بتأجيره للغير فلا يجوز له أن يعقد الإيجار لمدة تزيد على 3 سنوات لأنه لا يملك إلا حق الإدارة و إلا كان الإيجار غير نافذا فيما يزيد على 3 سنوات ما لم يجز الراهن ذلك و إذا نفذ الإيجار فانه ينفذ على الراهن و على الدائنين التاليين في المرتبة, حتى لو انقضى الرهن قبل انقضاء مدة الإيجار النافذ(4)
(1) د/ عبد الرزاق أحمد السنهوري- نفس المرجع السابق- بند 567- ص 950.
(2) الأصح " يقتضي تدخله"- خطأ مطبعي.Qui exige son intervention
(3) قد أشار الدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري في الهامش رقم 1 صفحة 958 لقرار صادر عن محكمة النقض المصرية بأن« للدائن المرتهن متى انتقلت إليه حيازة الأرض المرهونة أن يستغلها لحساب الراهن الاستغلال المعتاد على الوجه الذي تصلح له, أما بزراعتها أو تأجيرها إلى من يقوم بذلك».
(4) د/ عبد الناصر توفيق العطار- نفس المرجع السابق- بند 122- ص 235.
هذا و يبذل الدائن المرتهن في إدارته للعقار المرهون عناية الرجل المعتاد, و تتحدد مسؤولية الدائن المرتهن عن سوء إدارة العقار بما تقرر في القواعد العامة لقيام المسؤولية و على الراهن إثبات عناصرها فان ثبتت يكون الخيار بين أمرين:
-أ- إما أن يطلب من القاضي بأن يضع العقار تحت عهدة حارس يعنى به العناية اللائقة و قد يستمر ذلك إلى أن ينقضي الرهن.
-ب- إذا كان الجزاء الأول غير كاف و كان الراهن مستعد لدفع ما عليه من الدين فله أن يدفع الدين فينقضي الرهن و من ثمة يسترد الراهن العقار المرهون(1)
رابعا: رد العقار المرهون:
حيازة الدائن المرتهن العقار المرهون هي حيازة عرضية مؤقتة في مواجهة المالك و لذلك فهو يلتزم برد العقار المرهون عند انقضاء حقه في الرهن.
و التزام المرتهن بالرد هو التزام تعاقدي ينشأ عن عقد الرهن ذاته, إلا أنه التزم معلق على شرط استيفاء الدائن حقه قبل المدين(2).
و في هذا تنص المادة 959 من القانون المدني:" يجب على الدائن أن يرد الشيء المرهون إلى الراهن بعد استيفاء كامل حقه و ما يتصل بالحق من ملحقات و مصاريف و تعويضات". و بالتالي إذا دفع الراهن للدائن المرتهن حيازيا الدين المضمون و المصروفات و التعويضات و الملحقات أو برئت ذمته من كل ذلك بسبب من أسباب انقضاء الديون, فانه يجب على الدائن المرتهن أن يرد الشيء المرهون و ملحقاته إلى الراهن.
أما إذا بقي شيء من ذلك, مهما قل فان الرهن لا يتجزأ بقي الرهن قائما حتى يوفي ما بقي و يكون للدائن المرتهن في هذه الحالة التنفيذ بما بقي من حقه فله إبقاء العقار المرهون في يده محبوسا في مواجهة الراهن حتى يستوفي كل حقه.
لكن من المعلوم أن المرتهن قد يجبر على الرد قبل حلول أجل الدين و ذلك إذا أدار العقار إدارة سيئة أو ارتكب في ذلك إهمالا جسيما, و يترتب على الرد إما وضع العقار تحت الحراسة كما سبقت الاشارة. و في هذه الحالة لا ينقضي الرهن, و إما أن يسترد الراهن العقار مقابل دفع ما عليه و في هذه الحالة ينقضي الرهن و الدين معا, طبقا للمادة 958 في فقرتها الثانية من القانون المدني الجزائري(3).
أما في حالة هلاك العقار المرهون أو تلفه بخطأ من الدائن المرتهن عند ذلك يجب عليه دفع تعويض للراهن عن الهلاك أو التلف
(1) د/ عبد الرزاق أحمد السنهوري- نفس المرجع السابق- بند 574- ص 961
(2) د/ سمير عبد السيد تناغو-* نفس المرجع السابق- بند 140- ص 381- نقلا عن بلانيول و ريبر و بيكيه ج12 فقرة 111.
(3) د/ عبد الرزاق أحمد السنهوري- نفس المرجع السابق- ص 967.
و يعد حق الراهن في استرداد العقار المرهون حقا شخصيا ينشأ من عقد الرهن و يتقادم بمضي 15 سنة و هي مدة التقادم العادي بالنسبة للالتزامات, و تبدأ هذه المدة في السريان من وقت انقضاء الرهن و هو الوقت الذي يستطيع فيه الراهن المطالبة بالاسترداد(1).
كما أن للراهن دعوى أخرى عينية هي دعوى للاسترداد المقررة لكل مالك و هي لا تسقط بالتقادم و لذا يعوق استعمالها ما للمرتهن من حيازة, لأن حيازته عرضة في مواجهة الراهن, و لن تؤدي بذاتها لاكتساب المرتهن الملكية بالتقادم بل لابد أن يقوم بتغيير سند حيازته بعمل ايجابي فيه معنى المنازعة في حق المالك باتخاذ إجراءات قضائية أو القيام أعمال مادية في هذا المعنى(2).
المطلب الثاني: آثار الرهن الحيازي العقاري بالنسبة للغير.
المقصود بالغير هو" كل شخص له حق يضار من وجود الرهن الحيازي فيشمل:
1- كل شخص له حق عيني تبعي على المال المرهون, دائن له حق رهن رسمي(3), أو حق اختصاص(4). أو حق رهن حيازة, أو حق امتياز(5).
2- الدائن العادي.
3- كل شخص له حق عيني أصلي على المال المرهون, كما إذا انتقلت ملكية المال المرهون إلى مالك آخر فان هذا المالك الآخر يعتبر غيرا"(6).
(1) د/ سمير عبد السيد تناغو- نفس المرجع السابق- بند 140- ص 381- نقلا عن بلانيول و ريبر و بيكيه ج12 فقرة 111.
(2) د/ سمير عبد السيد تناغو- نفس الموضع
(3) يعرف الرهن الرسمي بالمادة 882 من القانون المدني«الرهن الرسمي عقد يكسب به الدائن حقا عينيا ،على عقار لوفاء دينه ،يكون له بمقتضاه أن يتقدم على الدائنين التاليين له في المرتبة في استيفاء حقه من ثمن ذلك العقار في أي يد كان»
(4) نص المشرع على حق بالتخصيص بالمادة 937/1 من القانون المدني«يجوز لكل دائن بيده حكم واجب التنفيد صادر في أصل الدعوى يلزم المدين بشيء معين ،أن يحصل على حق التخصيص بعقارات مدينه ضمانا لأصل الدين و المصاريف»
(5) يعرف حق الامتياز بالمادة 982 من القانون المدني«الامتياز أولوية يقررها القانون لدين معين مراعاة منه لقضيته ولا يمكن للدين امتياز إلا بمقتضى نص قانوني»
(6) د/ عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق - بند 586 - ص 975
و من آثار الرهن الحيازي العقاري بالنسبة للغير أنه ينشىء حقا عينيا هذا الأخير الذي لا ينفذ في مواجهة الغير إلا بانتقال حيازة العقار المرهون من الراهن إلى المرتهن و بقيده, حيث يخوله امتيازات يحتج بها على الغير و هي حبس العقار في مواجهة الغير الذي يكسب حقا عليه أو الدائن المرتهن رهنا تأمينيا إذا كان قد أشهر حقه قبلهما و بالأولى في مواجهة الدائنين العاديين, كما يثبت حقه في مواجهة إجراءات التطهير(1) ذلك أنه و إن كان لمن يكتسب ملكية العقار المرهون رهنا تأمينيا أن يتخلص من الدائنين المرتهنين رهنا تأمينيا و ذلك بواسطة التطهير بأن يعرض عليهم الثمن الذي اشترى به, إلا أنه ليس لمشتري العقار المرهون هذا الحق في مواجهة الدائن المرتهن رهن حيازي عقاري لأن للدائن المرتهن رهن حيازة حق الحبس على العقار المرهون, و له أيضا حق الأفضلية على الثمن المتحصل من بيع العقار المرهون, كما له حق التتبع فهو يستفيد من دعاوى وضع اليد Les actions possesoires للمحافظة على حقه في الحبس و ما يتفرع عنه من مزايا(2)
و لمزيد من التوضيح نتناول كل حق من هذه الحقوق في الفروع التالية:
الفرع الأول: الحق في الحبس.
الفرع الثاني: حق الأفضلية.
الفرع الثالث: حق التتبع.
الفرع الأول: الحق في الحبس(3)
تنص المادة 962 من القانون المدني:" يخول الرهن الدائن المرتهن الحق في حبس الشيء المرهون على الناس كافة دون إخلال بما للغير من حقوق تم حفظها. و إذا خرج الشيء من يد الدائن دون إرادته أو دون علمه كان له الحق في استرداد حيازته من الغير وفقا لأحكام الحيازة".
وحتى يتمكن الدائن المرتهن حيازيا من حبس العقار المرهون يجب انتقال الحيازة إليه أو إلى الأجنبي الذي عينه المتعاقدان و الذي يباشر الحبس لمصلحة الدائن و يسأل أمامه عن أي إخلال بذلك(4) .
(1) M.Planiol et G.Ripert – Traité pratique de droit civil Français – Sûreté réelles 2eme partie – Tome XIII – Paris 1953 - P 206
(2) د / محمد حسنين - نفس المرجع السابق - ص 106 و ما بعدها
(3) يجب عدم الخلط في حق الحبس بين أمرين الأول ما يكون للدائن المرتهن حيازيا من حق عيني و الذي يثبت للدائن المرتهن ما بقي له حق الرهن الحيازي إلى أن يستوفي المبالغ التي يضمنها الرهن بأكملها .و الثاني هو حق الحبس الذي يثبت للدائن بموجب المادة 200 من القانون المدني وهو حق شخصي لا حق عيني يثبت للدائن إذا توفرت فيه الشروط المستلزمة قانونا.
(4) د/ سمير عبد السيد تناغو- نفس المرجع السابق صفحة
أولا: مضمون حق الحبس:
هو حق يمنحه القانون للدائن في أن يمتنع عن رد الشيء لمدينه و أن يحتفظ بحيازته طالما أنه لم يوف له بحقه.
و للدائن المرتهن حيازيا حق حبس العين المرهونة عن الناس كافة من راهن و غيره حتى يستوفي كل حقه من مصروفات و تعويضات و فوائد و ملحقات أخرى و أصل الدين, و يصبح خالصا بكل ما يستحقه من ذلك, و من خصائص هذا الحق:
1- حق الحبس الناشئ عن عقد الرهن: هو حق متفرع عن حق عيني: و من ثمة يكون هو نفسه حقا عينيا و ينتج عنه حق الأفضلية و التتبع و بالتالي هو يختلف عن الحق في الحبس المقرر في القواعد العامة الذي هو عبارة عن حق شخصي يثبت للدائن متى توافرت الشروط التي يستلزمها القانون في المادة 200 من القانون المدني و ليس لهذا الأخير حق الأفضلية و لا حق التتبع.
2- حق غير قابل للتجزئة: حيث يكون للدائن حق الحبس ما دام لم يؤد بتمامه سواء كان هذا الدين قابلا للتجزئة أم لا, ذلك أن الرهن يبقى حتى يوف الدين كله لأن الرهن نفسه غير قابل للتجزئة فأي جزء من العقار المرهون ضامن لكل الدين و كل جزء من الدين مضمون بكل العقار و على ذلك يجوز للمرتهن الاحتجاج بحق الحبس تجاه ورثة المدين و الدائن معا, فلا يجوز لأحد من ورثة المدين الذي وفى بحصته من الدين الادعاء بحق سحب حصته من المرهون و لو كان العقار قابلا للانقسام. كما لا يجوز لأحد ورثة الدائن المرتهن الذي حصل الوفاء له بحقه من الدين على سبيل الميراث أن يرد العقار المرهون أو جزء منه إلى الراهن أو الموفي إضرار بالدائنين الآخرين(1)
إلا أن قاعدة عدم تجزئة الرهن قائمة على ما قصده المتعاقدان فلها الاتفاق صراحة على خلاف ذلك, كأن يتفقا على أن كل ما سدد جزء معين من الدين حرر من العقار المرهون ما يقابل ما سدد من الدين فعدم تجزئة الرهن من طبيعة الرهن لا من مستلزمات.
3- حق الحبس يتقرر للدائن المرتهن منذ انتقال الحيازة إليه أو إلى العدل الذي يحوز لصالحه و يبقى له حتى الوفاء بالدين كاملا ببقاء الحيازة بيده, بخلاف حق التنفيذ على العقار المرهون لا يتقرر له إلا بحلول أجل الدين المضمون بالرهن.
4- حق الحبس يعتبر وسيلة منحها القانون للمرتهن الحائز ليواجه بها الراهن نفسه سواء كان مدينا أو كفيلا عينيا و الدائن العادي و الدائن المرتهن للعقار رهنا رسميا المتأخر في المرتبة عن الدائن المرتهن, كما يستعمله ضد الغير كالمشتري للعقار المرهون الذي أشهر البيع بعد قيد الرهن حيازيا فللمرتهن حيازيا حق حبس العقار عنهم جميعا.
(1) أ/ العربي بن قسمية - نفس المرجع السابق - ص 100
5- حق الحبس يناط بالحيازة وجودا و عدما و على ذلك يجب على المرتهن الاحتفاظ بالحيازة لكي يحافظ على حق الحبس و لا يهم فيما إذا كانت الحيازة تحت يد المرتهن نفسه أو تحت يد وسيط يحوز لحسابه كل العقار المرهون من أصل و ملحقات كعقار بالتخصيص و حقوق ارتفاق حتى يؤدى الدين المطلوب.
6- حق الحبس الثابت للدائن المرتهن لا يكون إلا بضمان الدين المضمون بالرهن و لا يكون بالنسبة للديون الأخرى التي قد يكون المدين الراهن ملزما بها للدائن المرتهن قبل الرهن أو بعده, لذلك يجب على الدائن رد العقار المرهون للراهن إذا استوفى كل حقه المضمون بالرهن كاملا, هذا بالنسبة لتشريعنا.
أما المشرع الفرنسي في نص المادة 2072 من القانون المدني الفرنسي نص على الرهن الضمني و ذلك بأنه إذا وجد على نفس المدين لنفس الدائن دين آخر, اتفق عليه بعد الرهن و صار مستحقا قبل الدين المضمون بالرهن, فلا يتخلى الدائن عن الرهن قبل أن يدفع له الدينان الأول و الثاني بأكملهما, حتى لو لم يحصل اتفاق بتخصيص الرهن لأداء الدين الثاني و يشترط فيها:
1- أن يكون الدين الثاني متفقا عليه بين نفس المدين و نفس الدائن.
2- أن يكون هذا الاتفاق قد عقد بعد الرهن.
3- أن يحل الدين الثاني قبل حلول الدين الأول.
و ربط الدين الثاني بالرهن مبني على الإرادة الضمنية للمتعاقدين و يرى بعض الفقهاء أمثال بلانيول و ريبر و بيكيه أنه كان على المشرع الفرنسي عدم النص على هذا الرهن الضمني و يوجد اختلاف حتى بين الشراح بالنسبة إلى حقوق الدائن في هذا الرهن الضمني فيقول البعض أن الدائن له من الحقوق بالنسبة للدين الثاني ما له في الدين الأول و يرى آخرون أن ليس للدائن كل هذه الحقوق بل له حق الحبس فقط و ليس له حق الأفضلية و لا يمكن إعماله على رهن قدمه كفيل عيني(1).
و تنص المادة 962 في فقرتها الأولى من القانون المدني:" يخول الرهن الدائن المرتهن الحق في حبس الشيء المرهون على الناس كافة دون إخلال بما للغير من حقوق تم حفظها" فما المقصود بهذا النص؟
قد يكون للغير على العقار المرهون حقوقا تم حفظها وفقا للقانون كحقوق إرتفاق سجلها المرتفق قبل أن يقيد الدائن المرتهن رهنه أو حق رهن أو تخصيص قيده صاحب الحق قبل أن يقيد الدائن المرتهن رهنه, فهذه الحقوق التي تم حفظها وفقا للقانون تبقى خارجة عن حق الحبس(2).
(1) أ/ العربي بن قسمية - نفس المرجع السابق -هامش 1 - ص 89
(2) د/ عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق - ص 993 و ما بعدها
ثانيا: الاحتجاج بحق الحبس:
يمكن حق الحبس المترتب على الرهن الدائن المرتهن من الاحتجاج به على الكافة أي على المدين الراهن و على المتصرف له في العقار المرهون و على الدائنين الآخرين و الحبس لا يعطي الأفضلية للدائن المرتهن بل أن حق الأفضلية مقرر سلفا للمرتهن و إنما يعمل الحبس على تدعيمه و تأكيده.
و لا يفوتنا التذكير أنه لا يجوز للدائن المرتهن رهنا حيازيا الاحتجاج بحقه في الحبس في مواجهة دائن آخر له رهن مقيد على العقار سابق في المرتبة على الرهن الحيازي, كما سبق بيانه(1), فإذا قام أحد الدائنين العاديين بالتنفيذ على العقار المرهون فللمرتهن أن يحبس العقار في مواجهة الراسي عليه المزاد حتى يستوفي كل حقوقه بمعنى أنه ليس للدائن المرتهن الاعتراض على إجراءات التنفيذ(2).
هذا وان كان للدائن المرتهن أن يمارس حق الحبس على العقار المرهون فانه لا يستطيع منع سائر الدائنين من التنفيذ عليه و يتعلق الأمر بالدائنين الذين لهم رهن مقيد على العقار سابق في المرتبة على الرهن الحيازي وعلى هذا إذا باشر أحد هؤلاء الدائنين التنفيذ على العقار و رسا المزاد على شخص معين فليس للمرتهن حيازيا التمسك في مواجهة الراسي عليه المزاد بحق الحبس بأن يمتنع عن تسليمه للراسي عليه المزاد و لو لم يستوفي على كل حقوقه طالما أن ثمن العقار قد دفع لدائنين متقدمين عليه في المرتبة(3) و في هذه الحالة ينتقل حق الدائن المرتهن حيازيا إلى الثمن الذي رسا به المزاد تطبيقا لنظرية الحلول العيني.
و يثار التساؤل عن كيفية التوفيق بين الصين الذي يقضي بعدم جواز الاحتجاج بحق الحبس تجاه الأشخاص الذين اكتسبوا حقوق على العقار المرهون تم حفظها بنص القانون طبقا للمادتين 948 و 962 من القانون المدني كالاحتجاج ضد المشتري الذي كان تاريخ شهره سابق على تاريخ قيد حق المرتهن على المرهون, و نص المادة 293 في فقرتها الثالثة من القانون التجاري التي تمنح مكنة مطلقة للمرتهن بأن يحتج بالأفضلية على الثمن تجاه كافة الأشخاص ممتازين كانوا أم لا.
بنوع من التدقيق في النصين نجد أنه ليس هناك تعارض بينهما إنما نص المادتين 962 و 958 من القانون المدني يتضمن حالة الراهن في الأوضاع العادية بينما نص المادة 993 من القانون التجاري تنظم حالة الراهن مدينا كان أو كفيلا عينيا عندما يكون في حالة إفلاس أو تسوية قضائية.
(1) د/ سمير عبد السيد تناغو- نفس المرجع السابق صفحة 388
(2) و في هذا الصدد أشار السنهوري في الهامش رقم 1 صفحة 948 – في المرجع السابق - إلى استئناف مختلط صادر بتاريخ 19 نوفمبر 1918 جاء فيه«لا يجوز للدائن المرتهن حيازة أن يحبس العقار ضد دائن مرتهن رسميا أو من يرسو عليه المزاد من ناحية إذا كان لدائن المرتهن رسميا متقدما على المرتهن حيازة»
(3) د/ سمير عبد السيد تناغو- نفس المرجع السابق - بند - 142 - ص 388
ففي الأوضاع العادية للراهن:
يكون للمرتهن الخيار في التنفيذ على العقار إما بالبيع بالمزاد العلني أو تمسكه بالحبس ولن يرغم أن يتنازل عن حقه في الحبس من طرف أي دائن آخر متأخر عنه في المرتبة أو مكتسب حق على العقار
المرهون بعد رهنه, و له أن يحتفظ به حتى يستوفي حقه.
و بناءا على ذلك فان أي تصرف يجريه الراهن على العقار المرهون و أي حجز تنفيذي يمارسه أي دائن آخر غير الدائن الحابس فلا يسري على الدائن المرتهن إلا إذا كان هذا التصرف أو الحجز قد أجريا من قبل قيد المرتهن حقه, و له أن يحبس العقار تجاه هؤلاء حتى يستوفي حقه كاملا و عليه فإن الأحكام التي يخضع لها رهن العقار الحيازي في الأحوال العادية للمدين هي تلك التي تنص عليها المادتين 948 و 962 من القانون المدني المتعلقتين بتحديد نطاق امتياز الدائن المرتهن و مرتبته و المادتين 961 و 952 من القانون المدني التي تستلزم تسلم العقار المرهون و الاحتفاظ به للاحتجاج به تجاه الغير.
أما الأوضاع غير العادية للمدين الراهن: قدر المشرع الموقف و وازن بين مصلحة الدائن المرتهن و مصلحة جماعة الدائنين في حالة إفلاس المدين أو التسوية القضائية, فاتخذ موقفا خاصا بحيث لوكيل التفليسة مكنة استرجاع الشيء المرهون بعد تخليصه من الدائن المرتهن كما أعطى له مكنة ارغام الدائن المرتهن بأن يبيع الشيء المرهون أو يقوم هو مكانه بالبيع طبقا لما تنص عليه المادة 293 من القانون التجاري.
و حتى لا يتضرر الدائن المرتهن من هذه المكنة المعطاة لوكيل التفليسة حافظ المشرع على حقوقه بالرغم من التخلي عن حيازة المرهون, ففضله في استيفاء حقه من ثمن المبيع بالأفضلية قبل أي دائن آخر صاحب امتياز أم لا, طبقا لما تنص عليه المادة 293 في فقرتها الثالثة من القانون التجاري.
و عليه فان نص المادة 293 من القانون التجاري يعتبر نصا خاصا استثنائي لا يطبق إلا عندما يرغم المرتهن على التنازل عن الحيازة لصالح جماعة الدائنين من طرف وكيل التفليسة, فالمادة 293 تجاري استعاضت عن الحق في الحبس بالأفضلية و ذلك لكي لا يكون الحبس عائقا لإجراء التفليسة أو التسوية القضائية(1).
الفرع الثاني: حق الأفضلية
لقد تقرر الحق في الأفضلية و التقدم للمرتهن بنص المادة 948 من القانون المدني الجزائري حيث تقضي أن للدائن المرتهن حق عيني ناشئ عن عقد الرهن يمكنه من حبس الشيء المرهون تحت يديه أو العدل الذي يحوز لحسابه حتى يستوفي دينه كاملا, و في حالة بيع الشيء المرهون بالمزاد العلني يكون له حق التقدم و الأفضلية على ثمن المبيع.
(1) أ/ إبراهيم غانم - نفس المرجع السابق ص 110 و ما بعدها و العربي بن قسمية - نفس المرجع السابق ص 89 و ما بعدها
و بذلك فان حق الرهن يخول المرتهن الحق في التقدم على الدائنين العاديين و ذلك خلافا لقاعدة المساواة أمام الضمان العام, و التقدم على الدائنين المرتهنين التاليين له في المرتبة و الذين اكتسبوا حقوقهم على العقار المرهون بعد استيفاء المرتهن لإجراءات نفاذ رهنه, و يكون هذا التقدم استيفاء المرتهن لحقه كاملا من ثمن العقار المرهون, أو مما حل محله(1).
ذلك أنه إذا هلك العقار المرهون فان الغير يكون مسؤولا عن التعويض و يحل التعويض حلولا عينيا محل العقار المرهون و يكون مرهونا مثله, و كذلك إذا كان العقار مؤمنا عليه مثلا ضد الحريق و احترق العقار و استحق مبلغ التأمين فانه يحل حلولا عينيا محل العقار المرهون.
و في حالة تزاحم عدة دائنين مرتهنين كسب كل منهم رهنا حيازيا على هذا العقار كانت الأسبقية للدائن المرتهن الذي سبق الدائنين المرتهنين الآخرين في قيد حقه و حيازة العقار, فيفضل على الدائن الذي كان سابقا عليه في القيد و لكن لم تنتقل الحيازة إليه, و إذا كان التزاحم بين دائن مرتهن حيازة و آخر له حق عيني على العقار غير رهن الحيازة بأن كان رهنا رسميا أو حق تخصيص أو حق امتياز عقاري خاص فالأسبقية تكون للدائن الأسبق في القيد, فإذا كان هو الدائن المرتهن حيازة وجب أيضا أن تكون حيازة العقار قد انتقلت إليه. و تتحدد مرتبة الدائن المرتهن حيازة بالقيد مع انتقال الحيازة فله التقدم على الدائنين العاديين و الدائنين التاليين له في المرتبة ليس بالنسبة لأصل دينه فحسب بل إن الرهن يضمن في نفس المرتبة ما أنفقه الدائن المرتهن من المصاريف الضرورية التي اقتضتها صيانة و حفظ العقار التي لولاها لأدى بالعقار إلى الهلاك أو التلف و تلحق بهذه المصاريف, المصاريف التي استلزمتها إدارته و ما دفع من ضرائب و تكاليف, كما يضمن مصروفات عقد الدين و عقد الرهن و القيد(2) و كذا التعويضات الناشئة عن عيوب العقار المرهون(3)
الفرع الثالث: حق التتبع:
خولت المادة 948 من القانون المدني الدائن المرتهن هذا الحق بنصها على أن للدائن المرتهن حق اقتضاء حقه من ثمن الشيء المرهون و لو انتقل هذا الشيء إلى شخص آخر. حيث يخول الرهن الحيازي للدائن المرتهن حيازيا حق تتبع العقار في أي يد ينتقل إليها لينفذ عليه بحقه, و يستوفي دينه بالأفضلية على غيره من الدائنين المتخلفين عنه في المرتبة, و بذلك فان هذا الحق يستعمله الدائن المرتهن إذا انتقلت ملكية العين المرهونة إلى شخص آخر قصد التنفيذ, يستعمل الدائن المرتهن حيازيا حق التتبع للعين المرهونة و هي في يد من انتقلت إليه ملكيتها(4).
(1) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري – نفس المرجع السابق – بند 592 – ص 985
(2) د/ سمير عبد السيد تناغو - نفس المرجع السابق- بند 143 - ص 390
(3) و يخرج عن حق الأفضلية المصاريف النافعة التي أنفقها المرتهن حيازيا و مكن له استردادها بإعماله حق الحبس المقرر له وفقا للقواعد العامة المادة 200 قانون مدني ،أو الحق في الحبس الناشئ عن عقد الرهن .أما المصاريف الكمالية فليس للدائن المرتهن حق استردادها إلا إذا انتزعها من العقار بشرط ألا يؤثر على قيمته التي كانت له في حالته الأولى.
(4) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق- بند 143 - ص 390
إلا أن التتبع المقصود هنا هو التتبع المعنوي للملكية و ليس التتبع المادي للحيازة, ذلك أن حيازة العقار المرهون هي في يد الدائن المرتهن و لا يحتاج الدائن المرتهن لتتبع العقار و هو في يده.
و مثالها أن يكون العقار المرهون حيازيا في حيازة الدائن المرتهن ثم يبيعه مالكه إلى مشتر مع بقاء العقار المرهون بحيازة الدائن المرتهن هنا و بغير حق التتبع لا يستطيع الدائن المرتهن التنفيذ على العقار المرهون مع أنه في حيازته, ذلك أن ملكيته قد انتقلت إلى المشتري و أصبح العقار ملكا لغير المدين الراهن و التنفيذ في الأصل لا يجري إلا على أموال المدين, و بذلك ما كان للدائن المرتهن أن يبيعه في مواجهة المشتري, ما لم يكن له حق تتبع العقار و هو في يد المشتري بعد انتقال ملكيته له(1).
و في ذلك جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني المصري:" ...و يلاحظ أن المرتهن حيازة يتتبع العين في يد الغير مع أن حيازتها في يده, ذلك لأن التتبع ليس تتبعا ماديا للحيازة(2).
و لا تفوتنا الإشارة في هذا الصدد أنه يشترط لتتبع العقار, أن يكون حق الدائن المرتهن حيازيا نافذا في مواجهة الغير و لا يكون كذلك إلا إذا كانت حيازة العقار المرهون قائمة و مستمرة و كان حقه مقيدا, و عليه إذا فقد الدائن المرتهن حيازته فلا يستطيع التمسك بعد ذلك بصفته في مواجهة الغير و يصبح في مواجهتهم مجرد دائن عادي حتى لو كان حقه قد قيد, و لكن إذا انتقلت الحيازة للراهن بوصفه مستأجرا من الدائن المرتهن ذكر ذلك في قيد الرهن أو تم التأشير به على هامش القيد فان حق الدائن المرتهن يكون نافذا في مواجهة الغير طبقا لما تنص عليه المادة 967 من القانون المدني.
(1) أ /حسين عبد اللطيف حمدان - نفس المرجع السابق- بند 595 - ص 987
(2) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق- بند 588 - ص 988
المبحث الثاني:التنفيذ على العقار المرهون حيازيا و إنقضائه
بحلول أجل الدين المضمون بالرهن يقع التزام على عاتق المدين الراهن بالوفاء بدينه للدائن المرتهن, و إذا لم يقم بالوفاء كان للدائن المرتهن حبس العقار المرهون كما سبق بيانه و له أن ينفذ عليه باعتباره دائنا مرتهنا و ذلك ببيع العقار المرهون جبريا لاستيفاء حقه و هو ما نتعرض له في المطلب أول.
و بالتنفيذ على العقار المرهون سينقضي الرهن على أنه ينقضي أيضا بوصفه عقد تبعيا بانقضاء الالتزام المضمون به و قد لا ينقضي الالتزام المضمون و مع ذلك ينقضي الرهن و يكون ذلك بصفة مستقلة عن الالتزام المضمون و هو ما سنتعرض له في المطلب الثاني.
المطلب الأول:التنفيذ على العقار المرهون حيازيا
لقد حدد قانون الإجراءات المدنية طريقة و شروط بيع العقار بالمزاد العلني في القسم الثاني من الباب السادس من الكتاب السادس في المواد 379 إلى 399 من قانون الإجراءات المدنية.
و التي تبدأ أولا بالحجز على العقار المرهون و الذي يعرف بأنه:" وسيلة من وسائل التنفيذ الجبري على المدين, تمكن الدائن من وضع عقارات مملوكة لمدينه أو لغيره و لكن يملك حق التتبع عليها تحت يد القضاء لبيعها بالمزاد العلني ثم استيفاء دينه من ثمنها"(1).
هذا و يعتبر التنفيذ على العقار المرهون ببيعه جبريا بالمزاد العلني الطريق العادي لاستيفاء الدائن المرتهن حقه من الثمن في حال عدم وفاء المدين بالدين عند حلول أجله, لذلك فان المشرع حرم على المدين تملك العقار المرهون بمجرد عدم الوفاء بالدين عند حلول أجله و لا أن يبيعه دون مراعاة الإجراءات المقرة قانونا.
لذلك ارتأينا تقسيم هذا المطلب إلى الفرعين التالين:
الفرع الأول: بطلان شرط التملك عند عدم الوفاء و شرط البيع دون إجراءات.
الفرع الثاني: إجراءات التنفيذ على العقار المرهون حيازيا.
الفرع الأول:بطلان شرط التملك عند عدم الوفاء و شرط البيع دون إجراءات:
تنص المادة 903 من القانون المدني المتعلقة بالرهن الرسمي المحال عليها بموجب المادة 960 من القانون المدني و التي تنص:" يكون باطلا كل اتفاق يجعل للدائن الحق عند عدم استيفاء الدين وقت حلول أجله في أن يتملك العقار المرهون في نضير ثمن معلوم أيا كان, أو في أن يبيعه دون مراعاة الإجراءات التي فرضها القانون و لو كان هذا الاتفاق قد ابرم بعد الرهن.
غير أنه يجوز بعد حلول الدين أو قسط منه الاتفاق على أن يتنازل المدين لدائنه عن العقار المرهون وفاء لدينه".
(1) القاضية ليلى زروقي : الحجز العقاري - بحث منشور في المجلة القضائية - العدد 2-سنة 1997 - عن قسم الوثائق للمحكمة العليا 1999 - ص 26-27
أولا: بطلان شرط التملك عند عدم الوفاء: إذا حصل و أن اتفق الدائن المرتهن حيازة مع المدين الراهن أو الكفيل العيني على أنه عند حلول أجل الدين و عدم الوفاء به يكون للدائن المرتهن الحق في تملك العقار المرهون بثمن يساوي الدين المستحق أو بثمن آخر أكبر أو أقل منه فان هذا الاتفاق يعتبر باطلا بطلانا مطلقا.
و يفسر ذلك بضعف موقف المدين الراهن الذي كثيرا ما يعتقد أن دينه سيكون قد وفى, فإذا تم الاتفاق في عقد الرهن على هذا الشرط فان الشرط وحده هو الباطل أما عقد الرهن فيبقى صحيحا(1).
و يصح الاتفاق إذا أبرم بعد حلول الدين أو بعد حلول قسط منه بأن يتنازل له عن العقار المرهون نظير الدين و يكون هذا بمثابة وفاء بمقابل.
ثانيا: بطلان شرط البيع دون إجراءات: و ذلك بأن يتفق الدائن المرتهن مع المدين أو الكفيل العيني على أنه عند حلول أجل الدين و عدم الوفاء به يباع العقار المرهون دون إتباع الإجراءات التي فرضها قانون الإجراءات المدنية, حيث يخشى استغلال المرتهن لضعف مركز المدين و تفويت عليه فرصة بيعه بأكبر قيمة ممكنة بالمزاد, و يقتصر أثر البطلان على الشرط دون عقد الرهن.
لكن ما مصير الاتفاق إذا عقد بعد حلول أجل الدين كله أو بعضه؟
لم ينص المشرع الجزائري على جواز الاتفاق عليه بعد حلول أجل الدين كما فعل في المادة 903 التي أجازت الاتفاق على تملك المال المرهون عند عدم الوفاء, و هو نفس موقف المشرع المصري في المادة 1052 من القانون المدني المصري.
و في هذا يرى الدكتور عبد الرزاق أحمد السنهوري (2) أن الاتفاق يصح لانتفاء مظنة استغلال الرهن بقياس حالة جواز تملك العقار المرهون عند عدم الوفاء على حالة البيع دون إجراءات في حال الاتفاق عليه بعد حلول الأجل, و هو رأي جدير بالتأييد للقول بصحة الاتفاق.
الفرع الثاني:إجراءات التنفيذ على العقار المرهون حيازيا:
تمر إجراءات التنفيذ على العقار بثلاث مراحل نتناولها تباعا.
أولا: وضع العقار تحت يد القضاء:
و ذلك بالحجز عليه و هي مرحلة تسبقها عدة مراحل و هو أن يكون للدائن المرتهن سند تنفيذي(1) و مستخرج من عقد الملكية مرفوقا بالشهادة العقارية التي يطلبها الدائن من المحافظة العقارية وفق نموذج معين , و باعتبار الدائن المرتهن حيازيا صاحب تأمين عيني فهو مستثنى من قاعدة عدم جواز نزع ملكية عقارات المدين إلا في حالة عدم كفاية المنقولات طبقا لما تنص عليه لمادة 976 من قانون الإجراءات المدنية. و عليه إتباع الخطوات التالية:
(1) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق- بند 583 - ص 973
(2) و السند التنفيذي في هذه الحالة هو عقد الرهن المحرر من الموثق سابقا ممهورا بالصيغة التنفيذية
1- إستصدار أمر الحجز(1) و تبليغه للمحجوز عليه: بحكم المادة 1/3 من قانون الإجراءات المدنية التي تنص" و يؤول الاختصاص للمحاكم المنعقدة في مقر المجالس القضائية, للفصل دون سواها بموجب حكم قابل للاستئناف أمام المجلس القضائي, في المواد التالية: الحجز العقاري..." يكون الاختصاص النوعي في مواد الحجز على العقار لمحكمة مقر المجلس الواقع بدائرة اختصاصها العقار المرهون.
و قد بينت المادة 379 من القانون المدني أن أول إجراء يقوم به الحاجز يتمثل في الحصول على أمر من رئيس محكمة مقر المجلس, و بعد الحصول على هذا الأمر Acte de saisie يلجأ الدائن المرتهن للمحضر القضائي الواقع في دائرة اختصاصه العقار المراد الحجز عليه ليبدأ في إجراءات الحجز, حيث يقوم بتحرير محضر الحجز و تبليغه إما للمدين أو للكفيل العيني و هنا نفرق بين حالتين:
أ- إذا كان العقار المرهون مملوك للمدين: يقوم المحضر القضائي بإعلان الحجز و هو عبارة عن «ورقة يحررها و يكلف بها الدائن مدينه بوفاء الدين الحاصل التنفيذ اقتضاء له و يعذره بالاستمرار في التنفيذ على العقار حتى البيع إذا لم يقم بوفاء الدين»(2) و ذلك وفقا لما نصت عليه المادة 379 في الفقرة الأولى من القانون المدني التي تنص على ما ياي:" يتولى القائم بالتنفيذ المصرح له قانونا بإجراء الحجز توقيع الحجز العقاري بموجب أمر حجز مبلغ بصفة قانونية يذكر فيه:
- تبليغ الحكم أو أي سند تنفيذي آخر.
- حضور أو غياب المدين في إجراءات الحجز.
- أعذار المدين بأنه لم يدفع الدين في الحال يسجل الأمر بمكتب الرهون التابع له محل الأموال و يعتبر الحجز نهائيا من يوم التسجيل.
- بيان موقع العقار و نوعه و مشتملاته و تحديده المساحي(قسم-رقم الخريطة-الموقع المعروف) و بالنسبة للعقارات المبنية يستبدل بالموقع بيان الشارع و الرقم, و أجزاء العقارات المقسمة دون تغيير في حدود ملكية الأرض بين أصحاب حقوق عينية متعددين, غير حقوق الارتفاق, يكون تعيينها بذكر أرقام القطع الواردة في البيان الوصفي أو مستند مماثل" و هي بيانات واردة على سبيل الحصر(3).
(1) مصطلح أمر الحجز الوارد في قانون الإجراءات المدنية استعمله المشرع الجزائري بمصطلح مرادف في القانون المدني هو«تنبيه نزع المالكية»
(2) عيسى زرقاط : إجراءات التنفيذ على العقار في التشريع الجزائري - مذكرة مقدمة لنيل شهادة الماجستير – كلية الحقوق بن عكنون - السنة الجامعية 2002-2003 - صفحة 10
(3) هي بيانات على سبيل الحصر إلا أن المشرع لم يبين جزاء تخلفها و أمام قاعدة لا بطلان إلا بنص تبين الغاية المرجوة من البيان هل تحققت أم لا ,ففي قرار المحكمة العليا رقم 149600 صادر عن الغرفة المدنية بتاريخ 10-12-1997 منشور في المجلة القضائية العدد 02 سنة 1997 قسم الوثائق بالمحكمة العليا من 64 إلى 68«حيث أنه بمراجعة أوراق الملف يتبين أن مجلس قضاء الجزائر قد سبب القرار المنتقد تسبيبا بما فيه الكفاية دون تناقض و لم يخالف أي نص قانوني ،إذ أن محضر الحجز العقاري المحرر في 29 جويلة 1984 لم يتضمن كل البيانات التي تنص عليها الفقرة الثانية من المادة 379 من قانون الإجراءات المدنية لأنه لم يرد فيه تبليغ القرار التنفيذي الصادر من نفس المجلس في 12 جويلة 1988 و مشتملات الدار المعدة للسكن محل الحجز و التحديد المساحي (القسم - رقم الخريطة - الموقع) للقطعة الترابية المقدرة بـ2000 م2 و هي محل الحجز أيضا»
-ب- إذا كان العقار المرهون مملوك للكفيل العيني: لم يتطرق المشرع الجزائري في قانون الإجراءات المدنية لإجراءات حجز عقار الكفيل العيني و نفس الحكم بالنسبة للقانون المدني.
و مع ذلك فان المحضر يكلف المدين بالوفاء لأنه هو الملتزم بالدين و عند تكليفه قد يفي بالدين و إذا لم يفي به يقوم بتكليف الكفيل العيني بالوفاء خلال مدة 20 يوم عملا بأحكام المادة 330 من القانون المدني فإذا لم يوفي يوجه له أمر الحجز ثم يسجله على اسمه خلال شهر من التبليغ حتى يتسنى للغير الذي قد يتعامل مع الكفيل معرفة أن العقار محجوز, و سبب تكليف الكفيل العيني بالوفاء خلال مهلة 20 يوما هو أنه لا يجوز بداية أي تنفيذ على العقار إلا بالقيام بمقدمات التنفيذ و هي إعلان السند للشخص و تكليفه بالوفاء(1).
2- قيد الحجز بالمحافظة العقارية: إذا كان تبليغ أمر الحجز للمدين إجراء أساسي لتوقيع الحجز إلا أن هذا الأخير لا يرتب أي أثر إلا إذا تم تسجيله(2) بمكتب الرهون بالمحافظة العقارية المختصة إقليميا و بالتالي تعتبر القيد البداية الفعلية لوضع العقار تحت يد القضاء(3).
و قد نصت المادة 379 من القانون المدني في فقرتها الأخيرة أن أمر الحجز يودع خلال شهر من تبليغه بمكتب الرهون الكائن بدائرة اختصاصه موقع العقار لكي يسجل في السجل المنصوص عليه قانونا.
و قد بين المرسوم 76/63 في 25 مارس 1976 المتعلق بتأسيس السجل العقاري الإجراءات الواجب إتباعها و الوثائق التي يلزم المحضر بإيداعها, و أعطى للمحافظ العقاري صلاحيات واسعة تسمح له بقبول الإيداع أو رفضه و حتى بعد قبول الإيداع يمكن رفض القيد إذا ما تبين له أن الشروط المنصوص عليها قانونا ليست متوفرة, و نصت المادة 99 على أنه يتعين على المحافظ العقاري إتمام إجراءات القيد بالنسبة لأوامر نزع الملكية في خلال ثمانية أيام.
و في حالة رفض المحافظ القيد عليه تبريره طبقا للمواد 100 إلى 105 من المرسوم 76/63 كما يجوز للمحافظ رفض القيد مؤقتا في حالات معينة طبقا للمادة 107 من المرسوم. و في حالة قبول الإيداع و قيد أمر الحجز في السجل يعتبر حسب المادة 379 إجراءات مدنية ما جرى من أعمال التنفيذ حجز نهائي.
و بموجب المادة 381 من القانون المدني أنه على المحافظ العقاري عند قيد الحجز ذكر بيانات معينة و أهمها ذكر تاريخ و ساعة إيداعه لما يترتب عليه من آثار, و يؤشر بهامشه و يترتب الورود عن كل أمر حجز يستوفيه, و كذا التسجيلات السابقة مع ذكر البيانات المتعلقة بالقائمين بالتنفيذ.
(1) أ /عيسى زرقاط - نفس المرجع السابق - ص 31
(2) و ذلك حتى تحقق به العلانية حماية للغير الذي يتعامل في العقار ،فتسجيل أمر الحجز يمكن كل من يريد التعامل في العقار أن يعرف بمجرد الإطلاع على السجل العقاري أنه محجوز فيتعامل بشأنه على هذا الأساس
(3) القاضية /ليلى زروقي - نفس المرجع السابق - ص 28
و في حال تأخر تسجيل أمر الحجزلإتمام الإجراءات بعد الإيداع فان المادة 187 من المرسوم 76/63 تنص على أن القيد يسجل بعد إتمام الإجراءات بأثر رجعي من تاريخ الإيداع حتى لا يتضرر الحاجز بتوقيع تصرفات تمس بحقوقه في هذه الفترة.
و خلال الأيام التالية للقيد يقوم أمين مكتب الرهون بتسليم القائم بالتنفيذ بناءا على طلبه شهادة عقارية تثبت بها جميع القيود الموجودة على العقار.
و ينبغي الإشارة إلى نص المادة 382 من القانون المدني التي تنص" يجوز للدائن إذا اقتضت الحاجة المبررة أن يستصدر أمر بالحجز في وقت واحد على عدة عقارات مملوكة لمدينه حتى و لو كانت واقعة في دوائر اختصاص قضائي متعددة". و في هذا خالف المشرع الجزائري المشرع الفرنسي الذي اشترط في المادة 675 من القانون المدني الفرنسي استصدار عدة أوامر بالحجز بعدد العقارات سواء كانت تقع في نفس دائرة الاختصاص أو تقع ضمن عدة دوائر.
و كقاعدة في حال تعدد الدائنون و وقع أحدهم الحجز فلا يمنع الدائنين من توقيع حجز على نفس العقار و على المحافظ العقاري التأشير على هامش القيد الأول بما يفيد وجود حجز ثاني. و في حال تعدد الحجوز فالأسبقية في التسجيل لا تعطي للدائن أية أولوية موضوعية في استيفاء حقه بالتقدم على غيره من الدائنين الحاجزين و لكن تعطي له أولوية إجرائية تتمثل في مباشرة الإجراءات, أما بالنسبة لمركز الدائن المرتهن حيازيا حتى و لو كان متأخرا في التسجيل فباعتبار قيده متقدم في المرتبة يحل محل الدائن الأسبق في التسجيل.
و طبقا للمادة 384 من قانون الإجراءات المدنية يعتبر حائز العقار المحجوز عليه بمثابة الحارس القضائي حتى يتم البيع ما لم يصدر أمر بخلاف ذلك. و أنه يسأل عن الثمار و الإيرادات لأنها توزع ضمن سعر البيع على الدائنين و إذا كان العقار من المساكن و كان المدين يسكنه فانه يبقى فيه دون أجرة لغاية البيع. كما يمنع على المالك توقيع حقوق عينية تبعية كالرهن مثلا لأن من شأن ذلك الإنقاص من قيمة العقار كما يمنع عليه التصرف في العقار بنقل ملكيته و ذلك من تاريخ قيد الحجز, طبقا لما نصت عليه المادة 385 من القانون المدني و هو بطلان نسبي لا يمكن إلا لمن وضع لحمايته التمسك به.
ثانيا: إعداد العقار للبيع: و تتمثل هذه المرحلة في العمليتين التاليتين:
-1- إعداد قائمة شروط البيع: فخلال الشهر التالي لتسجيل الحجز إذا لم يقم المدين بوفاء الدين, يحرر المحضر القضائي قائمة شروط البيع و هي عبارة عن ورقة تتضمن كافة البيانات التي تؤدي إلى التعريف الكامل بالعقار المطلوب بيعه و تتضمن مجموعة من البيانات حددتها المادة 386 من القانون المدني من بيان السند التنفيذي و تاريخ تبليغ أمر الحجز مع التنويه بتسجيله, و تعيين العقار المحجوز و شروط البيع التي يلتزم بها الراسي عليه المزاد باعتبارها شريعة البيع. و تجزئة العقارات إلى صفقات إن كان لها محل و عند الاقتضاء الترتيب الذي سيجري بمقتضاه بيع تلك العقارات و الثمن الأساسي و الذي يتم تحديده بناءا على خبرة.
-2- إيداع قائمة شروط البيع: لم يحدد المشرع ميعاد لإيداعها و لذلك يبقى الميعاد مفتوحا للمحضر القضائي لإيداعها بقلم كتاب المحكمة المختصة, و يوقع الكاتب على القائمة, و بعد الإيداع يقوم الكاتب في محضر الإيداع بتحديد جلسة للنظر في بعض المنازعات طبقا للمادة 388 من قانون الإجراءات المدنية. فعلى المحضر خلال 15 يوما التالية على الأكثر لإيداع قائمة شروط البيع بتوجيه إنذار إلى كل من المدين في موطنه أو محل إقامته و الدائنين المسجلين في شهادة القيد المسلمة بعد تسجيل الحجز في مواطنهم المختارة و إلى الورثة في الموطن المختار و إن لم يكن لهم موطن مختار فلموطن المتوفى ليطلعوا على قائمة شروط البيع و لتدرج بها ملاحظاتهم قبل البيع بثمانية أيام, طبقا لما نصت عليه المادة 387 من قانون الإجراءات المدنية.
-3- الإعلان عن البيع: بعد قيام المحضر بالإجراءات السابقة و تحديد تاريخ جلسة البيع يقوم المحضر القضائي بإتباع الإجراءات المنصوص عليها في المادة 389 من قانون الإجراءات المدنية.
و ذلك بالإعلان عن البيع قبل جلسة المزايدة بثلاثين يوما على الأكثر و عشرين يوما على الأقل بالطريقتين التاليتين:
-أ- النشر: ينشر نص الإعلان في إحدى الصحف اليومية المقررة للإعلانات القضائية و عمليا تصدر في الصحف اليومية العادية الأكثر تداولا يثبت النشر بإيداع نسخة من الصحيفة التي حصل فيها النشر في ملف التنفيذ مؤشر عليها.
-ب- اللصق: يلصق الإعلانات في باب العقار المحجوز عليه وعلى اللوحة المعدة للإعلانات بمحكمة مقر المجلس.
أما أطراف التنفيذ فيجب على المحضر القضائي إخبارهم بتاريخ و ساعة و مكان المزايدة بميعاد 10 أيام على الأقل بحصول إجراءات النشر و التنبيه عليهم لحضور المزايدة طبقا لما نصت عليه المادة 390 من قانون الإجراءات المدنية.
ثالثا: إجراءات المزايدة: عند تصفية جميع النزاعات والإعلان عن البيع يتم تحديد جلسة البيع بتحديد تاريخ و مكان الجلسة تجري المزايدة بحضور أطراف إجراءات التنفيذ و المزايدين.
1- اجراء المزايدة :يجري في اليوم و المكان المحدد للبيع في قاعة من قاعات محكمة مقر المجلس يقوم بافتتاحها القاضي ،ثم يتولى المحضر إعلان الثمن الأساسي و يتقدم المزايدين(1) بعروضهم و كل عطاء لاحق يسقط العطاء السابق و العرض الذي لا يزاد عليه بعد إطفاء 3 شموع بين الواحدة و الأخرى دقيقة يرسو على صاحب هذا العرض المزاد.
لكن تنبغي الأشارة إلى أنه رغم إجراء المزايدة ورسو المزاد إلا أنه قد يعاد و ذلك لسببين إما زيادة السدس 1/6 و ذلك في ميعاد العشرة أيام التالية لتاريخ رسو المزاد طبقا للمادة 393 من قانون الإجراءات المدنية و إما لتخلق الراسي عليه المزاد في تنفيذ شرط المزاد أو عدم تسجيل حكم رسو المزاد خلال شهرين من تاريخه طبقا للمادتين الفقرة الثانية من المادة 364 و المادة 396 من قانون الإجراءات المدنية.
2-حكم رسو المزاد : يتخذ هذا الحكم الشكل العادي للأحكام القضائية و طبقا للفقرة الثانية من المادة 394 من القانون المدني يتعين على الراسي عليه المزاد تسجيل حكم رسو المزاد بالمحافظة العقارية, حيث يعتبر الحكم سند الملكية بالنسبة للراسي عليه بالمزاد و تنص المادة 936 من القانون المدني" إذا بيع العقار المرهون بيعا جبريا بالمزاد العلني سواء كان ذلك في مواجهة مالك العقار أو الحائز أو الحارس الذي سلم إليه العقار عند التخلية, فان حقوق الرهن على هذا العقار تنقضي بإيداع الثمن الذي رسا به المزاد أو بدفعه إلى الدائنين المقيدين الذين تسمح مرتبتهم باستيفاء حقوقهم من هذا الثمن" و رغم أن هذه المادة واردة في القسم الخاص بانقضاء الرهن الرسمي إلا أنه يمكن تعميمها على باقي الحقوق العينية التبعية الأخرى, فبقيام المشتري بالمزاد بدفع الثمن و المصاريف و تسجيل حكم رسو المزاد يتطهر العقار من كل حق عيني, و يستوفي الدائن المرتهن حقه من الثمن بالأفضلية.
(1) منع القانون طائفة من الأشخاص من دخول المزايدة و هم القضاة و المحامين و المدافعين القضائيين و كتاب ضبط المحكمة المباشر أمامها النزاع وفق ما تنص المادة 402 من القانون المدني
المطلب الثاني:انقضاء الرهن الحيازي العقاري
عقد الرهن الحيازي الوارد على العقار بوصفه عقد تبعيا بانقضاء الالتزام المضمون بالرهن إذ الرهن يتبع الالتزام المضمون وجودا أو عدما كما ينقضي الرهن أيضا بأسباب مستمدة من الرهن و هي طريقة ينقضي بها الرهن بصفة أصلية.
لذلك سنقسم المطلب إلى الفرعين التاليين:
الفرع الأول: انقضاء الرهن الحيازي العقاري بصفة تبعية.
الفرع الثاني: انقضاء الرهن الحيازي العقاري بصفة مستقلة.
الفرع الأول:انقضاء الرهن الحيازي العقاري بصفة تبعية
يعتبر الرهن الحيازي الوارد على العقار عقدا تبعيا في شأنته و في انقضائه إذ لم ينشأ إلا لضمان الالتزام الأصلي فينقضي بانقضائه, و في ذلك نصت المادة 964 من القانون المدني على أنه" ينقضي حق الرهن الحيازي بانقضاء الدين المضمون و يعود معه إذا زال السبب الذي انقضى به الدين دون الإخلال بالحقوق التي يكون الغير حسن النية قد كسبها قانونا في الفترة ما بين انقضاء الحق و عودته"(1).
و يلاحظ على هذا النص أنه يتناول 3 حالات و هي:
الحالة 1- زوال الرهن الحيازي بزوال الالتزام المضمون.
الحالة 2- عودة الرهن الحيازي بزوال سبب انقضاء الالتزام.
و هاتين الحالتين ما هما إلا تكريس لمبدأ التبعية المقرر بنص المادة 893 من القانون المدني و الذي يقضي بأنه لا ينفصل الرهن عن الدين المضمون بل يكون تابعا له في صحته و انقضائه ما لم ينص القانون على غير ذلك و في كلتا الحالتين يفترض وجود دين صحيح انقضى لأحد الأسباب. لكن قد يحدث و أن يزول الدين لأنه وجد في عقد باطل فيبطل العقد و يبطل معه الرهن الحيازي بصفة تبعية أو أن يوجد في عقد قابل للإبطال فيختار من له مصلحة إبطال العقد فيبطل العقد و معه الدين و يبطل معهما الرهن الحيازي. أو أن يكون سبب زوال الدين أن ينشأ في عقد معلق على شرط فاسخ فيتحقق الشرط و يزول العقد بأثر رجعي و يزول بزوال الدين الرهن بأثر رجعي كذلك(2).
(1) نص المادة 964 من القانون المدني مطابق تماما لما نص عليه المشرع في المادة 933 من نفس القانون المتعلقة بالرهن الرسمي
(2) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق- بند 614 - ص 1002
الحالة 3- فهي حماية الغير حسن النية الذي يكون قد اكتسب حق على المرهون خلال الفترة الممتدة بين انقضاء الحق و عودته فما هي إلا تكريس للاتجاه العام في التشريع الذي يحمي الأشخاص الذين اعتقدوا على مظاهر معينة و تعاملوا على أساسها و هم حسني النية و مثالها انقضاء الدين بالوفاء و بالتالي انقضى الرهن الحيازي فرتب المدين على العقار محل الرهن الحيازي رهنا رسميا لشخص حسن النية اعتقد أن الرهن قد انقضى بانقضاء الدين بالوفاء ثم تبين أن الوفاء باطل فعاد الدين كما كان, فان الرهن الرسمي الذي كسبه الغير حسن النية يبقى ساريا.
هذا و يلاحظ أن انقضاء الدين المنصوص عليه في المادة 964 مدني لا يعني إلا الانقضاء الكلي للدين المضمون تطبيقا لمبدأ عدم تجزئة الرهن, فإذا بقي جزء من الدين المضمون بقي الرهن ضمانا له إذ الرهن لا يتجزأ فكل جزء من الالتزام مضمون بكامل الدين المرهون فيبقى الرهن ضمانا للالتزام الأصلي حتى و إن وفى الراهن بجزء منه حتى إن كان العقار قابلا للانقسام إلا أن هذا المبدأ هو من طبيعة الرهن لا من مستلزماته لذلك يجوز الاتفاق على تجزئة الرهن.
كما يلاحظ أن انقضاء الرهن بالتبعية هي تبعية مطلقة لم يرد عليها استثناء في تشريعنا بخلاف التشريع الفرنسي في المادة 2082 في فقرتها الثانية و التشريع السوري في المادة 1042 في فقرتها الثانية التي تقضي بأنه يزول الرهن بزوال الدين المضمون كقاعدة عامة لكن خروجا على هذا المبدأ تقضي ببقاء الرهن بالرغم من انقضاء الالتزام المضمون متى نشأ على نفس المدين دين ثاني لنفس الدائن بعد إنشاء الدين الأول المضمون بالرهن. فيحتفظ الدائن بحيازة العقار المرهون بالرغم من انتهاء الالتزام المضمون أصلا بالرهن و يتراخى الالتزام بالرد حتى يستوفي حقه من الدين الثاني على أساس فكرة الرهن الضمني(1)
أما عن أسباب الانقضاء التي تنهي الالتزام المضمون بالرهن ما هي إلا أسباب لانقضاء الالتزام بصفة عامة ما عدا التقادم(2) و هي:
أولا: الوفاء Paiement:
و يشترط لصحة الوفاء أن يصدر من مالك الشيء الذي يتم الوفاء به, و أن يكون أهلا للتصرف فيه طبقا للمادة 260 من القانون المدني. و إذا أبطل الوفاء لعدم توافر هذه الشروط عاد الدين و عاد معه الرهن الذي يكلفه بمرتبته على ألا يتضرر الغير بهذا الزوال.
(1) أنظر فيما سبق صفحة
(2) يعتبر التقادم سببا من أسباب انقضاء الالتزام إلا أنه في حالة الرهن لا يسقط الالتزام به مادام أن الشيء المرهون في حيازة المرتهن و ذلك لأن ترك المدين الراهن حيازة الشيء المرهون تحت يد المرتهن يعتبر بمثابة إقرار ضمني بوجود الدين و من ثمة هذا الإقرار يقطع التقادم لنص المادة 318 من القانون المدني«ينقطع التقادم إذا أقر المدين بحق الدائن إقرارا صريحا بأن يترك المدين تحت يد الدائن ما لا له مرهون حيازيا تأمينا لوفاء الدين»
ثانيا التجديد : Novation :
و هو عمل مركب فهو قضاء دين قديم و إنشاء دين جديد يحل محله(1) و يتحقق باستكمال الشروط التالية:
1- وجود التزامين متعاقبين الجديد منهما يحل محل القديم وفقا لما تنص عليه المادة 291 من القانون المدني حيث يترتب على التجديد انقضاء الالتزام الأصلي بتوابعه و إنشاء التزام جديد. و هنا يجب أن يكون الالتزام الأصلي القديم صحيحا أن لا يكون باطلا بطلانا مطلقا . أما إذا كان الالتزام القديم قابلا للإبطال فإن دلك لا يمنع من أن يكون سببا لإنشاء الالتزام الجديد لأن عملية التجديد ذاتها تعتبر في حد ذاتها إجازة للالتزام القابل للبطلان(2) , كما يجب أن يكون الالتزام الجديد صحيحا لأن بطلانه يؤدي الضرورة إلى إحياء الالتزام القديم .وطبقا لنص المادة 964 من القانون المدني فإن بعودة الالتزام القديم يعود معه الرهن بالتبعية.
2- أن يكون هناك اختلاف فعلي بين الالتزام الجديد والقديم في أحد عناصره لأنه إذا كان الالتزام الجديد لا يغاير الالتزام القديم في عنصر هام في الدين أو في المدين أو في الدائن فلا يعدو الأمر أن يكون هذا إقرار بالالتزام القديم كما هو دون تغيير أو إجازة له حتى يزول البطلان أو نحو ذلك ، ولكنه لا يكون على كل حال تجديدا(3).
و يعتبر تجديدا متى تغير محل الدين أو مصدره طبقا للفقرة الأولى من المادة 287 من القانون المدني أو تغير المدين وفقا لما تنص عليه المادة 287 في فقرتها الثانية أو تغير الدائن طبقا للمادة 287 في فقرتها الثالثة .
3- أن تتوفر لدى الأطراف نية التجديد صراحة أو ضمنا وفقا لما تنص عليه المادة 289 من القانون المدني.
ثالثا : المقاصة Compensation :
ويسري في شأنها القواعد المقررة في المواد 297 إلى 303 من القانون المدني ،فبالمقاصة يقضى على الدينين مرة واحدة دون تجسيد الوفاء في صورة مادية بدفع المدين لدائنه أي شيء و سيتوفي بدوره منه شيء آخر ،إلا من كان محل التزامه أكبر فيدفع لدائنه ما فاق به هذا الدين على الدين الآخر طبقا لأحكام المادة 300 من القانون المدني.
(1) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق- بند616 - ص 1002
(2) لعربي بن قسمية - المرجع السابق - صفحة
(3) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق- بند349 - ص
و يشترط في المقاصة توافر شروط معينة نص عليها المادة 297 من القانون المدني
1- أن يكون هناك تقابل ما بين الدينين بأن يكون طرفي المقاصة مدينا للآخر و في نفس الوقت ذاته دائنا له.
2- أن يكون محل كل من الدينين مال مثلي نقودا كان أو شيئا آخر غير النقود متحد النوع و الجودة.
3- أن يكون كل من الدينين خاليا من النزاع و يكون كذلك متى كان محققا و ثابتا في ذمة المدين و معلوم
المقدار ،و على ذلك فلا يجوز إجراء المقاصة بالديون الإحتمالية
4- أن يكون كل من الدينين مستحق الأداء
5- أن يكون كل من الدينين صالحا للمطالبة به قضاءا و بذلك تخرج الالتزامات الطبيعية كما أن هناك شروط أخرى نستخلصها من مواد أخرى متفرقة :
6- أن يكون كلا من الدينين قابلا للحجز عليه وقفا للمادة 299 في فقرتها الرابعة من القانون المدني
7- ألا يكون الشيء قد نزع من مالكه دون مسوغ مشروع و ألا يكون مودعا أو معارا طبقا لما تنص عليه المادة 299 في فقرتها الثانية من القانون المدني.
8- أن يتمسك بالمقاصة من له مصلحة فيها طبقا للمادة 300 من القانون المدني
9- أن تقضي المقاصة الدينين بقدر الأقل منها فمن زاد دينه عن الدين المقابل يبقى مدينا بهذه الزيادة تجاه دائنه وفقا لنص المادة 300 من نفس القانون.
10- ألا تقع المقاصة إضرارا بحقوق الغير التي اكتسبها طبقا للمادة 300 من القانون المدني.
رابعا : الوفاء بالمقابل Dation en paiement :
و يعتبر الوفاء بمقابل سببا من أسباب انقضاء الالتزام طبقا للمادة 285 من القانون المدني بالشروط التالية:
1- أن يحصل اتفاق(1) بين الدائن و المدين أو يقضي بنقل ملكية الشيء الآخر إلى الدائن ليقوم مقام الوفاء الأصلي و يستعيض عنه
2- أن يتم فعلا نقل ملكية الشيء الذي حل محل الالتزام الأول إلى الدائن حيث لا تبرأ ذمة المدين إلا بتمام نقل ملكية ذلك الشيء.
(1) يستوحى الاتفاق من نص المادة 277 من القانون المدني التي تنص على أنه الدائن لا يجبر على قبول شيء غير الشيء المستحق له أصلا و لو كان هذا الشيء مساويا له في القيمة أو كانت له قيمة أعلى مما يفيد أن نص المادة 285 من القانون المدني التي تستلزم قبول الدائن ليس تطبيق للقاعدة العامة في المادة 276 مدني
خامسا : الإبراء La remise de l’obligation :
الإبراء من الدين هو تصرف تبرعي من جانب واحد و هو الدائن المبرئ و ينقضي به الدين فيزول به الرهن.
فبالإبراء ينقضي الدين و ينقضي ما كان يكفله من تأمينات .و قد يكتفي الدائن بالنزول عن الرهن و في هذه الحالة يزول الرهن وحده بالنزول عنه من المرتهن و لكن يبقى الدين إذ الم يوجد سبب لزواله،بالرهن يزول مع الدين أما الدين فلا يزول مع الرهن لأن الرهن تابع و الدين أصيل(1).
الفرع الثاني:انقضاء الرهن الحيازي العقاري بصفة أصلية:
لقد عدد المشرع الأسباب التي ينقضي بها الرهن الوارد على العقار بصفة مستقلة أي دون انقضاء الدين المضمون بالرهن الحيازي بنص المادة 965 من القانون المدني و حصرها في أسباب ثلاثة.
أولا. التنازل عن حق الرهن:
تنص المادة 965 من القانون المدني على أن حق الرهن ينقضي:" .. إذا تنازل الدائن المرتهن عن هذا الحق.." فللمرتهن التنازل عن رهنه فيكتفي بماله من حق شخصي تجاه مدينه و يزول الحق العيني و يبقى الالتزام الأصلي دون ضمان. و يشترط في أهليته النزول عن الرهن الحيازي أهلية الإبراء و هذه الأهلية هي أهلية التبرع(2) . لأن التنازل عن الرهن يعد بمثابة التنازل عن الدين نفسه لأنه قد يترتب على التنازل عن الرهن عدم استيفاء المرتهن حقه بما أن الضامن للالتزام الأصلي هو الرهن الحيازي العقاري فمعنى ذلك أنه من الممكن ألا يستوفي الدائن دينه إذا زال هذا الرهن. و باستكمال الدائن المرتهن شروط أهلية الإبراء جاز له التصرف في الدين و على ذلك يجوز له التنازل صراحة أو ضمنا عن حقه في الرهن بإرادته المنفردة دون اشتراط حصول قبول الراهن.
هذا و إن كان التنازل الصريح لا يثير أي إشكال أما بالنسبة للتنازل الضمني فانه يستفاد من ظروف الحال تظهر فيها نية المرتهن في النزول عن الرهن, و قد أعطى المشرع مثالين قدر فيهما بيان الظرف الذي تم فيه التنازل إلا أنهما قرينتين قانونيتين بسيطتين يمكن إثبات عكسهما:
الأولى: هو ما نصت عليه المادة 952 من القانون المدني و التي رتبت انقضاء الرهن على واقعة رجوع المرهون لحيازة الراهن.
(1) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق- بند 360 - ص 742
(2) د/عبد الرزاق أحمد السنهوري - نفس المرجع السابق- بند621 - ص 1011
الثانية: ما نصت عليه المادة 965 القانون من المدني التي تقضي بجواز التنازل ضمنيا بتخلي الدائن باختياره عن الشيء المرهون أو من موافقته على التصرف فيه دون تحفظ.
و المشرع أقام من هاتين الواقعتين قرينة بسيطة على أن المرتهن ينوي النزول عن حقه في الرهن و عليه دحض هذه القرينة بإثبات عكسها.
ثانيا: اتحاد الذمة:
و يعتبر أيضا سببا من أسباب انقضاء الرهن بصفة أصلية و ذلك بذوبان المال المرهون في ذمة المرتهن وفقا لنص المادة 965 في فقرتها الثانية من القانون المدني التي تنص على أن الرهن ينقضي إذا اجتمع حق الرهن الحيازي مع حق الملكية في يد شخص واحد. كما لو ورث الدائن المرتهن العقار المرهون أو أشتراه فينصهر العقار المرهون في مال المرتهن و بانتقال العقار المرهون إلى ملكية الدائن المرتهن ينقضي الرهن و يبقى المدين الراهن ملتزما بتنفيذ التزامه الأصلي في مواجهة الدائن.
و في حالة زوال سبب اتحاد الذمة بأثر رجعي كزوال ملكية المشتري لسبب من الأسباب كالفسخ أو البطلان يعود الرهن إلى صاحبه بمرتبته الأصلية دائنا مرتهنا لا مالكا دون إخلال بحقوق الغير حسن النية التي ترتبت في الفترة التي حدث فيها اتحاد الذمة طبقا للقواعد العامة.
ثالثا: هلاك العقار المرهون:
حسب نص المادة 965 من القانون المدني ينقضي الرهن بإنقضاء الحق المرهون على أن يكون الإنقضاء كليا لا جزئيا فإن كان جزئيا بقي الرهن على الجزء المتبقي تطبيقا لقاعدة عدم التجزئة في الرهن. و يقصد بالهلاك بمعناه المادي و كذا المعنوي كنزع الملكية للمنفعة العامة.
و كما سبق تبيانه قد يقع الهلاك بخطأ من الراهن فإذا دفع تأمين بسبب هذا الهلاك انتقل الرهن من العقار المرهون إلى مبلغ التأمين وفقا لقاعدة الحلول العيني.
أما التعويض الذي يقدمه الراهن المخطئ فانه بالرجوع إلى نص المادة 899 قانون مدني فهي تمنح للدائن المرتهن حق الاختيار بين تقديم المدين تأمينا كافيا أو يستوفي منه حقه فورا.
أما إذا وقع الهلاك بخطأ الدائن أو الغير فبطبيعة الحال أن من كان سببا في الهلاك يكون مسؤولا و يلزم بالتالي بالتعويض طبقا للقواعد العامة في المسؤولية فان تحقق التعويض انتقل الحق في الرهن إلى التعويض.
أما إذا وقع الهلاك بقوة قاهرة أو حادث فجائي, فهنا ينبغي التمييز بين حالة وقوع الهلاك تحت حيازة الراهن كأن لم يسلم الراهن العقار بعد أو تسلمه المرتهن ثم رد للراهن بعد تأجيره له في هذه الحالة تقع تبعة الهلاك على الراهن.
أما في حالة هلاك العقار المرهون تحت حيازة المرتهن ففي هذه الحالة و طبقا لتكييف طبيعة التزام المرتهن بالمحافظة بأنه التزام بغاية فبمجرد هلاك العقار المرهون بين يديه تقام قرينة على أنه مخطئ و لا يتخلص من هذه المسؤولية إلا بقطع علاقة السببية كأن يثبت أن الهلاك وقع بفعل القوة القاهرة مثلا. و متى تمكن من دفع المسؤولية تنقل تبعة الهلاك على مالكه. بينما يرى الأستاذ السنهوري أنه إذا كان السبب هو القوة القاهرة أو القضاء و القدر لم يكن أحد مسؤولا عن التعويض فلا يدفع التعويض. لكن هذا الرأي مردود عليه ذلك أنه بالرجوع لأحكام المادة 899/2 التي أحالت إليها المادة 954 في فقرتها الثانية من القانون المدني و التي تقضي بما يلي:" إذا نشأ الهلاك أو التلف عن سبب لا ينسب إلى الدائن و لم يقبل الدائن بقاء الدين بلا تأمين فللمدين الخيار بين أن يقدم تأمينا كافيا أو أن يوفي الدين فورا قبل حلول الأجل" و قد عالج الأمر على ضوء القاعدة العامة التي تحكم تبعة الهلاك حيث يكون للدائن الخيار بين بقاء الدين بلا تأمين أو يستوفي الدين فورا قبل حلول الأجل. على أساس أن الهلاك يقع على المالك الذي لا يلزم في هذه الحالة بتقديم تعويض بل تقديم تأمين آخر أو الوفاء بالدين فورا و هو ما يقوم مقام التعويض(1)
رابعا: التنفيذ الجبري:
لم ينص المشرع في الرهن الحيازي عما إذا كان البيع الجبري ينهي الرهن كما نص عليه بشأن الرهن الرسمي في المادة 936 من القانون المدني, فبمباشرة التنفيذ على العقار المرهون من طرف دائن آخر سابق في المرتبة يفقد الدائن المرتهن حق الرهن و ينتقل حقه بالأفضلية إلى الثمن و يتقدم على كل دائن آخر صاحب امتياز أم لا.
و بذلك يكون البيع الجبري مطهرا للعقار من جميع الحقوق العينية التبعية و يدخل في ذلك الرهن الرسمي و الرهن الحيازي.
(1) المرجع السابق ص 172
الخاتمة
نختم دراستنا لموضوع الرهن الحيازي العقاري بالتأكيد على أهميته في مجال الإئتمان و ما يوفره من ضمانات للدائن المرتهن حيازيا الذي لا يجوز الإحتجاج في مواجهته بإجراء التطهير بالإضافة إلى أن الحق المضمون بالرهن الحيازي لا يمكن أن ينقضي بالتقادم و ذلك لترك المدين للعقار المرتهن بين يدي الدائن هو اعتراف دائم بالدين و قاطع للتقادم، بالإضافة لحق الحبس إلى غاية تمام استيفاء الدين.
و لسد بعد الثغرات في تشريعنا الذي لم يعنى فيه المشرع بتنظيم أحكامه حيث يلاحظ عليه بعض النقص و عدم الوضوح في بعض النقاط التي قد تـثير نزاعات تطرح أمام القضاء.
لذلك نقترح بعض الحلول للمسائل التي سبق و أن تطرقنا إليها بالتفصيل في البحث مؤكدين على أن:
1- الحيازة في الرهن الحيازي حيازة عرضية لا تكسب الملكية مهما طالت مدتها.
2- حق غير قابل للتجزئة رغم أن المشرع لم ينص على هذا المبدأ لاصراحة ولا بالإحالة إلى أحكام الرهن الرسمي (المادة 892 من القانون المدني).
3- أنه عقد يقتضي توافر اركانه و شروطه، إلا أن المشرع عند تناوله لهذه الأركان لم يذكر شرطي الأهلية و الملكية و لم يحلنا لنص المادة 884 المتعلقة بالرهن الرسمي. لذلك اقترحنا كجزاء على رهن ملك الغيرالفسخ.
4- أن المشرع الجزائري لم ينص على المنع من التصرف الذي يكون مصدره الإتفاق إلا أننا نرى أنه ليس هناك ما يمنع من الأخذ به في حال وجود مثل هذا الإتفاق طالما أنه لا يوجد نص يمنعه.
5- أن المشرع لم ينص على رهن المال المستقبل و لم يحلنا لأحكام المادة 886 المتعلقة بالرهن الرسمي و قد رأينا أنه أعمالا لبمبدأ تخصيص الرهن الحيازي فإن هذا العقد يقع باطلا.
6- أن المادة 952 من القانون المدني جعلت من عقد الرهن الحيازي عقدا عينيا و ذلك بـنصها على اعتبار رجوع المرهون إلى الراهن قـرينة على انقضاء الرهن الحيازي مخالفة بذلك المادة 948 من القانون المدني التي تعتبر عقد الرهن الحيازي عقدا رضائيا . لذلك فإننا نرى اقتصارالإنقضاء في مواجهة الغير فقط.
7- لقد عدد قانون الأسرة الأشخاص الذين يكون لهم الحق في الإجازة بنص المادة 83 من قانون الأسرة و لم يذكر الجد من بين الذين يكون لهم حق الإجازة. إلا أننا نرى أن يكون للجد مثل هذا الحق قياسا على الوصي.
8- إن التزام المرتهن بالمحافظة على العقار المرهون هو التزام بعناية حسما للتأويل و الاختلاف الذي قد يثور حول عدم وضوح نص المادة 955 من القانون المدني المتضمن نوعين من التزام :
التزام بعناية و التزام بغاية حسب بعض الشراح.
قائمة المراجع
المراجع باللغة العربية
أ- المؤلفات
1- حسن عبد اللطيف حمدان - التأمينات العينية - الدار الجامعية بيروت - الطبعة الأولى
2- سمير عبد السيد تناغو - التأمينات الشخصية و العينية - منشأة المعارف - سنة 1980
3- عبد الرزاق أحمد السنهوري - الوسيط في شرح القانون المدني - الجزء 10 التأمينات الشخصية و العينية - دار النهضة العربية - الطبعة الثانية - 1994
4- عبد الناصر توفيق العطار - التأمينات والعينية - دار الفكر العربي - طبعة 1980
5- محمد حسنين - الوجيز في التأمينات الشخصية و العينية في القانون المدني الجزائري - المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر 1986
6- محمود جمال الدين زكي - التأمينات الشخصية و العينية - دار الفكر الحديث - الطبعة الثالثة - سنة 1979
ب-أبحاث
1- إبراهيم بن غانم - نظام الرهن الحيازي الوارد على المنقول في التشريع المدني و التجاري الجزائري - رسالة الماجستير - كلية الحقوق - جامعة الجزائر - 1985
2- العربي بن قسمية - نظام الرهن الحيازي الوارد على الديون العادية في التشريع الجزائري - رسالة الماجستير - كلية الحقوق - جامعة الجزائر - 2001
3- عيسى زرقاط - إجراءات التنفيذ على القعار في التشريع الجزائري – رسالة ماجستير - كلية الحقوق - جامعة الجزائر - 2003
ج-المحاضرات
1- زودة عمر - مجموعة محاضرات ألقيت على الطلبة القضاة - السنة الثانية بالمدرسة العليا للقضاة - السنة الدراسية 2004-2005
2- محمدي سليمان - مجموعة محاضرات ألقيت على طلبة الليسانس - السنة الثالثة بكلية الحقوق و العلوم الإدارية - بن عكنون - السنة الدراسية 2000-2001
3- موالك بختة - مجموعة محاضرات ألقيت على الطلبة الليسانس - السنة الثالثة بكلية الحقوق و العلوم الإدارية - بن عكنون - السنة الدراسية 1999 - 2000
د-المقالات
1- ليلى زروقي - الحجز العقاري - بحث منشور في المجلة القضائية - العدد 2 سنة 1997 - عن قسم الوثائق المحكمة العليا 1999
هـ -القوانين
1- الأمر رقم 75/85 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق 26 سبتمبر سنة 1975 المتضمن القانون المدني الجزائري
2- الأمر رقم 75/59 المؤرخ في 20 رمضان عام 1395 الموافق 26 سبتمبر سنة 1975 المتضمن قانون الإجراءات المدنية الجزائري
3- القانون رقم 84/11 الصادر في 09 جوان 1984 المتضمن قانون الأسرة
و- الأوامر و المراسيم
1- أمر رقم 75/74 المؤرخ في 12/11/1975 المتضمن اعداد مسح الأراضي العام وتأسيس السجل العقاري
2- المرسوم رقم 76/63 المؤرخ في 25/03/1976 التعلق بتأسيس السجل العقاري
ي -المجلات القضائية
مجلة قضائية سنة 1991 عدد 4
مجلة قضائية سنة 1999 عدد 1
مجلة قضائية سنة 1997 عدد 2
المراجع باللغة الفرنسية
أ- المؤلفات :
1- Henri Et Mazeaud .J Mazeaud .F.chabas - leçon de droit civil - sûretés publicité foncière - Montchrestien. Paris - 1968
2- Marcel Planiol et G. Ripert - Traité pratique de droit civil Français - sûretés réelles 2eme partie - tome XIII - Paris - 1953
ب- القوانين
1- Code civil Français