خطورة الشهوة ! - الصفحة 2 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > القسم الاسلامي العام

القسم الاسلامي العام للمواضيع الإسلامية العامة كالآداب و الأخلاق الاسلامية ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

خطورة الشهوة !

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2015-12-03, 23:49   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
محمد ابن فلسطين
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ssimsetif مشاهدة المشاركة
8 - قواعد الصراع والمواجهة مع الشهوات.

وهنا يأتي السؤال الكبير: كيف الخلاص من هذا الفساد الهائل والحرام الخطير والشر المستطير؟


والجواب: إن شريعتنا وإسلامنا وديننا الحنيف فيه العلاج لكل مشكلة ومرض ومعضلة، وهذه نصوص الكتاب والسنة وأقوال أهل العلم، فتعالوا نتعرف على قواعد المواجهة، قواعد الصراع مع الشهوات، كيف نتغلب وكيف نفوز:

القاعدة الأولى: مراقبة الله تعالى

القاعدة الأولى: قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ [يوسف:23].. إني أخاف الله.

إن الإيمان بالله والخوف منه صمام الأمان العاصم للعبد من مواقعة الحرام والانسياق وراء الشهوات .. مَعَاذَ اللَّه [يوسف:23] قالها يوسف عليه السلام فأعاذه الله وصرف عنه الكيد.. إني أخاف الله، يقولها الذين يستظلون بظل العرش في يومٍ لا ظل إلا ظل الرحمن.. (ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله) قال الحافظ ابن حجر : والظاهر أنه يقول ذلك بلسانه؛ إما ليزجرها عن الفاحشة، أو ليعتذر إليها ويقيم الحجة، ويحتمل أن يقولها بقلبه.

وقال القرطبي: إنما يصدر ذلك عن شدة خوفٍ من الله تعالى ومتين تقوى وحياء، ولا تصدر مثل هذه الكلمة وما كان من جنسها: مَعَاذَ اللَّه [يوسف:23] في ذلك الموطن إلا ممن راقب الله في سره وفي علانية أمره، وخافه في الغيب والشهادة.. وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ [ق:31-33] أين؟ أين خشي الرحمن؟ بِالْغَيْبِ [ق:33] إذا غاب عن الناس وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ [ق:33-34].

فالمؤمن إذا تربى على مراقبة الله، ومطالعة أسرار أسمائه وصفاته كالعليم والسميع والبصير والرقيب والشهيد والحسيب والحفيظ والمحيط والمهيمن؛ أثمر ذلك خوفاً من الله في السر والعلانية، وانتهاءً عن المعصية، وصدوداً عن الشهوة المحرمة.. قال الشعبي رحمه الله في معنى "المهيمن": المطلع على خفايا الأمور وخبايا الصدور، الذي أحاط بكل شيء علماً. ويجب على العبد أن يتذكر لحظة عرض الشهوات عليه هذه النصوص التي جاءت في رقابة الله عليه، قال تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ [البقرة:235].. وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً [الأحزاب:52].. وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4].. أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [العلق:14].. يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19].

وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى العصيان

فاستحي من نظر الإله وقل لـها إن الذي خلق الظلام يراني

أيها المسلم:

إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما تخفي عليه يغيب

فالمؤمن إذا تربى على معاني هذه الآيات السابقة وعمل بمقتضاها أصبح إنساناً سوياً، ونشأ شاباً تقياً، لا تستهويه مادة ولا تستعبده شهوة، ولا يتسلط عليه الشيطان، ولا تعمل النفس الأمارة بالسوء فيه، بل يصرخ إن دعته الشهوة: إني أخاف الله، وإذا وسوس إليه الشيطان صرخ فيه: إنه ليس لك علي سلطان. وإذا زين له قرناء السوء شيئاً في هذا من الفاحشة أسكتهم بقوله: لا أبتغي الجاهلين.

من فوائد قول الله عن يوسف: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً [القصص:14] قال: إنما أعطاه ذلك إبّان غلبة الشهوة لتكون له سبباً للعصمة.

إن هذا العبد المتربي على الخوف من الله جل وعلا هو الذي تؤثر فيه كلمة "اتق الله" إذا قارب الحرام يوماً وجاءت "اتق الله" أثرت ونفعت، تأمل ذلك الرجل في قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة الذي قال: اللهم كانت لي ابنة عم أحب الناس إلي -لكن ما أرادته وتزوجت غيره- فأردتها عن نفسها فامتنعت مني حتى ألمت بها سنة من السنين -قحط وجوع- فجاءتني، فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها، ففعلت، حتى إذا قدرت عليها قالت: لا يحل لك -رمت بآخر سهم في جعبتها، المرأة تحت ضغط الحاجة ولا يجوز لها أن تفعل ذلك، لكن تحت ضغط الحاجة جاءت، فلما قعد بين رجليها قالت آخر شيء يمكن أن تبذله في ذلك الحال- اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه -(اتق الله) كلمة كبيرة- قال: فتحرجت من الوقوع عليها، فانصرفت عنها وهي أحب الناس إلي، وتركت الذهب الذي أعطيتها.. كم أعطاها حسب الحديث؟ مائة وعشرين ديناراً، والدينار كم يبلغ غراماً من الذهب؟ أربعة وربع، مائة وعشرون في أربعة وربع يساوي قرابة نصف كيلو من الذهب، وإذا قلت: إن كيلو الذهب بحوالي أربعين ألفاً، فيكون أعطاها عشرين ألف ريال، وقام عنها وهي أحب الناس إليه وترك المال..!

قال: اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة شيئاً. بسبب هذا الرجل الذي عمل هذا العمل، هذه كلمة "اتق الله" أثرت فيه، ما الذي أثر فيه؟ مراقبة الله والخوف منه (اتق الله) صار لها معنى.

لا خير فيمن لا يراقب ربه عند الهوى ويخافه إيماناً

حجب التقى سبل الهوى فأخو التقى يخشى إذا وافى المعاد هواناً

ولذلك يقوم عن الحرام ولا يأتيه، ومتى أصلح العبد قلبه وعمره بالتقوى دخل في زمرة عباد الله المخلصين، هؤلاء يحفظهم الله.. كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ [يوسف:24] والشيطان ممنوع من غوايتهم، لا تعمل فيهم حيله وتلبيساته؛ لأن الله قال عنه: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [ص:82-83] وهو الذي قال: رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ [الحجر:39-40] إذاً.. من أراد النجاة من مستنقع الشهوات فعليه أن يربي نفسه تربية إيمانية متكاملة يضمنها معاني التقوى والمراقبة والخوف من الله ورجاء الله ومحبته .. وهكذا، ثم يحاسب نفسه ويسائلها ويعاتبها، يتفقد قلبه ويفتش عمله، يستعرضه، ما نصيب الذكر من يومه؟ ما نصيب القرآن من قراءاته؟ ما نصيب الرقائق من مسموعاته؟

القاعدة الثانية: احذر خائنة الأعين

القاعدة الثانية في مواجهة الشهوات في إدارة الصراع: احذر خائنة الأعين، قال تعالى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19] قال ابن عباس : [هو الرجل يدخل على أهل البيت بيتهم وفيهم المرأة الحسناء أو تمر به، فإذا غفلوا لحظ إليها، وإذا فطنوا غض بصره عنها، فإذا غفلوا لحظ فإذا فطنوا غض... وهكذا]. قال سفيان الثوري : [الرجل يكون في المجلس في القوم يسترق النظر إلى المرأة تمر بهم، فإذا رأوه ينظر إليها اتقاهم فلم ينظر، وإن غفلوا نظر.. هذه خائنة الأعين].

وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19] قال: ما يجد في نفسه من الشهوة، قال العلامة الأمين الشنقيطي : فيه الوعيد لمن يخون بعينه بالنظر إلى ما لا يحل له، والعبد موقوف بين يدي الله، مسئول عن حواسه: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36] إنها النظرة، السهم المسموم، رائد الشهوة، النظر المحرم يثمر في القلب خواطر سيئة، وأفكاراً رديئة، تتطور لتصبح عزائم وإرادات وأعمال، وتأمل الآية كيف ربطت بين أول خطوات الحرام وآخره، ذلك في قوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ [النور:30] فيه ربط بين أول خطوات الحرام وهو النظر، وآخر ذلك وهو الوطء، قال ابن كثير : أمر الله عباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عنما حرم عليهم، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر.

مشكلتنا في النظر.. مشكلتنا في الصور.. مشكلتنا في تتبع هذه الأشياء.. الإدمان على النظر إلى الحرام في الأسواق .. في المستشفيات .. في المكاتب .. الشركات .. على أبواب مدارس البنات .. في الشاشات .. في المجلات.. وهكذا، إدمان، نظر وراء نظر، والعقل يخزن في ذاكرته الصلبة، فماذا تتوقع أن تكون المستعادات إذا فتح الجهاز؟!

أيها الإخوة.. النظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان، النظرة ألم ما بعده ألم..

كل الحوادث مبدؤها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر

لا تستهن بالنظر..

كم نظرة فعلت في قلب صاحبها فعل السهام بين القوس والوتر

والعبد ما دام ذا طرف يقلبـه في أعين الغيد موقوف على الخطر

يسر مقلته ما ضر مهجتـه لا مرحباً بسرور عاد بالضرر

يورث الحسرات والزفرات والحرقات، يرى العبد ما ليس قادراً عليه ولا صابراً عنه، وهذا من أعظم العذاب

وكنت متى أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظر

رأيت الذي لا كله أنت قـادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر

فترى المرأة المتزوجة في الشارع تسير، وتقلب فيها النظر، فيتعلق بها القلب، ولا يستطيع الانصراف عنها ولا التقدم لخطبتها لأنها مشغولة بزوج، ولذلك يسعى كثير من الفساق إلى تطليق المعشوقات من أزواجهن، وفي هذا قصص متعددة.

ثم مرسل النظرات يقع صريعاً لها..

يا ناظراً ما أقلعت لحظاته حتى تشحق بينهن قتيلاً

ومن العجب أن لحظة الناظر سهم لا يصل إلى المنظور إليه حتى يتبوأ مكاناً في قلب الناظر!

يا رامياً بسهام اللحظ مجتهـداً أنت القتيل بما ترمي فلا تصب

وباعث الطرف يرتاد الشفاء له احبس رسولك لا يأتيك بالعطب

وأعجب من ذلك أن النظرة تجرح القلب جرحاً فيتبعه جرح على جرح، ثم لا تمنعه آلام الجراحة من استدعاء تكرار النظر!

ما زلت تتبع نظرة في نظـرة في إثر كل مليحة ومليح

وتظن ذاك دواء جرحك وهـ ـو في التحقيق تجريح على تجريح

فذبحت طرفك باللحاظ وبالبكا فالقلب منك ذبيح أي ذبيح

حبس اللحظات أيسر من دوام الحسرات.. احبس نظرك أولاً أسهل من المعاناة بعدها، وتأمل في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (زنا العين النظر، وزنا اللسان المنطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك كله ويكذبه) رواه البخاري.. تأمل التقبيح بوصف هذه النظرة للحرام بالزنا، الشارع يريد أن يكرهنا في النظرة المحرمة، فقال: (زنا العين النظر) حتى نكره النظر إلى الأشياء المحرمة، وحتى نكره النظر إلى ما حرم الله.

إن حال من ينظر إلى الحرام كحال من يشرب من ماء البحر المالح، أفتراه يروى؟ لا، بل لا يزداد مع الشرب إلا عطشاً، فهو بهذا النظر لا يزيد شهوته إلا تأججاً وشدة، بعض الناس المساكين يظنون أن النظر يخفف من غلواء الشهوة، يظنون أن متابعة النظر تسكن من آلام النفس.. كلا والله!

وكنت متى أرسلت طرفك رائداً لقلبك يوماً أتعبتك المناظر

رأيت الذي لا كله أنت قـادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر

يقول ابن الجوزي : فاحذر يا أخي -وقاك الله- من شر النظر، فكم قد أهلك من عابد، وفسخ عزم زاهد، فاحذر من النظر فإنه سبب الآفات، غير أن علاجه في بدايته قريب وسهل، فإذا كرر تمكن الشر فصعب العلاج.

إنه كأس مسكر، فاحذر هذا السهم من سهام إبليس؛ في المجلات والجرائد ومواقع الإنترنت وخادمات في البيوت.

هناك نظر يقع فجأةً، نحن الآن نعيش في مجتمع فيه كثير من التبرج والسفور، وأكثر الناس ولو حرصت ليسوا بمؤمنين، وأكثر النساء ولو حرصت لسن بمتمسكات بالحجاب، يقع النظر على الصور الواقعية الموجودة التي تمشي على الأرض، وعلى الشاشات، قال عليه الصلاة والسلام لـجرير بن عبد الله عندما سأله عن نظر الفجأة، قال: (فأمرني أن أصرف بصري) والفجأة: البغتة، أن يقع البصر على الأجنبية من غير قصد، فلا إثم في أول الأمر، لكن يجب أن يصرفه في الحال وإلا أثم، من استدام النظر عوقب.. (يا علي، لا تتبع النظرة النظرة، فإن لك الأولى وليست لك الآخرة) حديث صحيح.. والإتباع: أن يعقبها إياها، لا تجعل نظرةً بعد نظرة، الأولى ليست باختيارك، فجأةً، لكن الثانية حرام عليك، وبهذا يظهر لك فساد قول بعض الهازلين اللاعبين الذين يقولون: يجوز لك استدامة النظرة الأولى ما لم ترمش العين.

وليحذر العاصي المصر على المعاصي من بطش الله وأخذه الأليم الشديد؛ لأن الذي أعطى الحواس قادر على سلبها والمعاقبة بحرمانه.. قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ [الأنعام:46] فهدد بهذا، فالبصر نعمة من الرب، وينبغي على العبد أن يخشى الرب ولا يصرف هذه النعمة في الحرام، استعمل النعم في شكر المنعم.

وغض البصر فيه فوائد كثيرة: امتثال أمر الرب جل وعلا يمنع وصول السهم المسموم إلى قلبك.. يورث قلبك أنساً بالله ولذةً لا تجدها ولا يجدها من أطلق بصره في الحرام، ويقوي القلب ويفرحه، كما أن إطلاق البصر يضعفه ويحزنه، وغض البصر يكسب البدن والقلب نوراً، كما أن إطلاق البصر يكسبه ظلمة.. وغض البصر يورث العبد فراسةً صادقة، ويورث القلب شجاعة، ويجمع الله لصاحبه بين سلطان البصيرة والحجة وسلطان القدرة والقوة، ويسد أبواب الشيطان، ويفرغ القلب للأفكار الصالحة، لتدبر مسائل العلم.

لو أن شخصاً دائماً ينظر ويفكر، ودائماً يتصور ويتخيل، إذا رأى امرأةً في الطريق تصورها عارية، هكذا يصور له الشيطان، كيف شكلها من تحت هذا الجلباب؟ هذا كيف يفكر في مسائل العلم؟ أو كيف يدعو إلى الله؟ أو كيف يتفكر في عيوب نفسه؟ أو كيف يفكر حتى في مصالحه الدنيوية؟ هؤلاء طلاب يذاكرون في الاختبارات ويفتحون الكتب، كيف يركزون في الفصول الدراسية؟ إذا كان كل الشغل النظر وتخزين الصور في الذهن، واستعادة المناظر، قال عليه الصلاة والسلام مبيناً المنفذ بين العين والقلب، وأن الجنة لمن صدق في غض البصر.. (اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا اؤتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم) حديث صحيح.
القاعدة الثالثة: مدافعة الخواطر السيئة

القاعدة الثالثة في الصراع مع الشهوات: مدافعة الخواطر السيئة..

الخواطر تهجم، وليس لك حيلة في منع هجومها في البداية، إنها تتسلل تسللاً وتأتيك على حين غرة فتفاجأ، بأن عندك خاطرة محرمة، ماذا تفعل؟ إذا انساق العبد معها تطورت وصارت الخاطرة فكرة، ثم تتطور الفكرة فتصير هماً وإرادة، ثم تتطور الإرادة فتصير عزيمة، ثم تتطور العزيمة فتصير إقداماً فصارت فعلاً، فتكرر فعلها فصار عادةً.. وكيف التخلص من العادات؟ من أصعب الأشياء.


مبدأ الخير والشر خواطر، ترتقي بعد ذلك في القلب، أول ما يطرق القلب الخاطرة، فإذا دفعها استراح، وإذا لم يدفعها قويت، وصارت وسوسة، وصار دفعها أصعب، هذه الخطرات تتردد على القلب حتى تصير مُنى باطلة كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ [النور:39] خطرات تتحول إلى إرادات محرمة تحول بينك وبين العفة.. بينك وبين الطاعة.. بينك وبين التفكر في أسماء الله وصفاته وآياته وآلائه.

الخواطر رحمانية وشيطانية ونفسانية، شيء من الله؛ تفكر في آياته، وشيء من الشيطان؛ تفكر في الحرام، وشيء عادي؛ تفكر في هموم الدنيا، ولا بد من العلاج من المبدأ، ولا بد من استدراك القضية من البداية، أنت لم تعط إماتة الخواطر لكن أعطيت القدرة على المجاهدة ودفع هذه الخواطر، أنت إذا تأذيت منها وكرهتها فأنت بخير، ولكن إذا استروحت إليها، هذه هي المشكلة مع الخواطر -يا إخوان- إذا استروح العبد إليها صار ينساق معها.. هذه هي المشكلة، ولذلك اطردها من البداية، استعذ بالله من الشيطان، أشغل نفسك بالمفيد، فكر في الأشياء المفيدة، دافع الخطرة، دافعها! أصلح الخواطر، أقبل على الله وأخلص النية له.

وهكذا؛ فإنه رأس الأمر -يا إخوان- أن الإنسان يصلح خواطره، ويجعل هذه الخواطر مع الله سبحانه وتعالى.. عش مع ربك .. مع القرآن .. مع سيرة نبيك صلى الله عليه وسلم، يا أخي! عش مع مآسي المسلمين في فلسطين وغير فلسطين، إذا استحييت من الله ستطرد الخواطر الرديئة، إذا أجللته وخفته وآثرت الله لن تسكن قلبك هذه الخواطر الرديئة، كل قضايا الحرام والشهوات والفواحش تبدأ بخواطر، تبدأ بأفكار فدافعها، وتأمل أن الرقيب على الخواطر هو الحي القيوم الرقيب سبحانه وتعالى.

القاعدة الرابعة: الزواج

القاعدة الرابعة: (فاظفر بذات الدين تربت يداك) (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج) مئونة النكاح.. القدرة على الجماع.. القدرة على النفقة.. الوجاء بالصيام إذا عجز عن النكاح.

هذا النكاح مأمور به، قال عليه الصلاة والسلام: (النكاح من سنتي، فمن لم يعمل بسنتي فليس مني، وتزوجوا -هذا أمر- فإني مكاثر بكم الأمم، ومن كان ذا طول فلينكح -هذا الأمر الثاني، أي: ذا قدرة- ومن لم يجد فعليه بالصيام؛ فإن الصوم له وجاء) صحيح سنن ابن ماجة .

لا تتم عبادة الشاب حتى يتزوج كما قال العلماء، والزواج نصف الدين، قال عليه الصلاة والسلام: (من رزقه الله امرأةً صالحة فقد أعانه على شطر دينه، فليتق الله في الشطر الباقي) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب .

شهوة الفرج لا تتحصن إلا بالمرأة الصالحة، احرص عليها، خير متاع الدنيا على الإطلاق المرأة الصالحة، إنها مصالح عظيمة، يحصل بالنكاح الأجر، قال صلى الله عليه وسلم: (وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر).

المباحات تصير طاعات بالنيات الصادقات، والجماع مع تصحيح النية إذا نوى به قضاء حق الزوجة ومعاشرتها بالمعروف وإعفاف نفسه وابتغاء الولد، هذه حسنات في ميزانه يوم القيامة، وقد وعد الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم أن الناكح الذي يريد العفاف معان من ربه، قال عليه الصلاة والسلام: (ثلاثة حق على الله عونهم) حق على الله، هو الذي جعله حقاً على نفسه.. (المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء) المكاتب الذي يكاتب سيده، يدفع له أقساطاً ليحرر نفسه (والناكح الذي يريد العفاف) حديث حسن.

وعدك الله بالمعاونة يا أيها الشاب إذا أردت إعفاف نفسك بالزواج، ويا أيتها الشابة.. إذا قلتِ: كيف أطبق حديث (من استطاع منكم الباءة فليتزوج)؟ التطبيق: ألا تحولي بينك وبين الذي يتقدم إليك إن كان صاحب دين وخلق، وألا ترفضي لا لأجل إكمال دراسة، ولا لأجل شهادة، ولا لأجل وظيفة، ولا لأجل لهو ولعب في مقدم العمر، وبعد ذلك نتفرغ للجد.. كما يقول العابثون والعابثات!! يقول: خذها أول سهالة، استمتع بحياتك، العب قليلاً، بعد ذلك لاحقين على الهم.. سبحان الله! وإذا نصحت بعض الناس بتزويج أبنائهم قالوا: لا يزال صغيراً، لن يتحمل المسئولية!

إن نقص تحمل المسئولية عنده مفسدة، لكن تركه هكذا مفسدة أكبر، أو هذه التي يتعلمها بالتدريج، إذا تزوج الشخص في بداية الزواج هناك مصاعب دائماً في الغالب، لكن تحمل المصاعب والتغلب عليها أسهل أم معاناة الحرام أسهل؟ يجب على الأب القادر مالياً أن يزوج ولده العاجز مالياً.

ثم -يا أيها المتزوج- العلاجات الآن في قضية الصراع إذا لم تندفع الشهوة بزوجة واحدة فالتعدد، والمرأة يعرض لها ما يمنع الرجل من وطئها كالحيض والحمل وغير ذلك، فالسبيل الشرعي لتسكين الشهوة هو التعدد.. هذا الحل، ثم هناك قضية أخرى مهمة، وهي: أن من رأى امرأةً أعجبته في الشارع .. في الشاشة .. في الإنترنت .. في الصورة، في أي مكان وهو متزوج فعليه أن يأتي أهله.. هذه وصية مهمة، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأةً فأتى امرأته زينب، مع أنه عليه الصلاة والسلام منزه عن هذه الشهوات المحرمة، لكن ليعلم العباد، وإذا وقع نظره على شيء فهو نظر فجأة، أتى زينب وهي تمعس منيئةً لها، أتى وزينب رضي الله عنها تدبغ جلداً لها، فقضى حاجته ثم خرج إلى أصحابه، فقال: (إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه) رواه مسلم .

وفي رواية لـأحمد عن أبي كبش الأنماري قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً في أصحابه، فدخل ثم خرج وقد اغتسل، فقلنا: يا رسول الله! قد كان شيء؟ قال: أجل، مرت بي فلانة فوقع في قلبي شهوة النساء -وليس شهوة هذه المرأة- فأتيت بعض أزواجي فأصبتها، فكذلك فافعلوا فإنه من أماثل أعمالكم إتيان الحلال) قال الألباني: في السلسلة الصحيحة: إسناده حسن.

الله يعلم ما يصلح النفس البشرية، وهذا وحي منقول إلينا الآن بالكتاب والسنة، المرأة الأجنبية يصورها الشيطان بأجمل مما هي عليه، ولو كانت قبيحة يراها الناظر جميلة، ولذلك قال: (تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان) ولذلك عدد من الزوجات العفيفات اللاتي ابتلين بأزواج فسقة، إذا رجع الزوج من السفر ورأت صورة هذه التي عاشرها بالحرام وكان معها، ربما رأت صورتها أقبح من الزوجة بكثير، حتى تقول له: أف لك، هذه المرأة التي ذهبت معها بالحرام؟ قارن بيني وبينها، فالشيطان يزين الحرام، فلو كان فيه قبح ستر قبحه وجمله، وهذا معنى الحديث: (إن المرأة تقبل في صورة شيطان) وإذا كانت جميلةً زادها جمالاً، وإذا كانت عادية أظهرها بأنها جميلة؛ ولذلك لا مفر من غض البصر والتحصن إلا بالزواج.

إن قال قائل: هل من العلاج أن يأخذ دواءً لكي يقلل الشهوة؟

قال الحافظ ابن حجر في الفتح : واستدل به الخطابي -أي: بحديث: (فعليه بالصوم)- على جواز المعالجة لقطع شهوة النكاح بالأدوية، وحكاه البغوي في شرح السنة، وينبغي أن يحمل -أي: كلام الخطابي- على دواء يسكن الشهوة دون ما يقطعها أصالةً.

إذاً: لا يجوز تعاطي دواء يقطع الشهوة بالكلية، وإذا كان هناك دواء يجب ألا يكون له أضرار؛ لأن بعض الأدوية لها أضرار جانبية، وقد صرح الشافعية بأنه لا يكسرها بالكافور ونحوه، وعندنا علاج أفضل من هذا وهو الصيام.. (فإنه له وجاء) وهذه هي القاعدة التي بعدها..

القاعدة الخامسة: الصوم

عليك بالجنة الحصينة.. قد لا يتيسر للعبد الزواج، فماذا يفعل؟ يؤمر بالاستعفاف، قال تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:33] وفي أثناء البحث عن النكاح عليك بالصوم؛ لأن البحث عن امرأة سيأخذ وقتاً، العقد وتجهيز البيت سيأخذ وقتاً.. وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:33] الصيام جنة يقيك ألم الشهوة (يا معشر الشباب.. قال: ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء) قال ابن القيم : فأرشدهم إلى الدواء الشافي الذي وضع لهذا الأمر، وهو النكاح، ثم نقلهم عنه عند العجز إلى البدل وهو الصوم؛ فإنه يكسر شهوة النفس ويضيق عليها مجال الشهوة، فإن هذه الشهوة تقوى بكثرة الغذاء والطعام، وكيفيته وكميته.. إن ابن القيم طبيب يقول: الشهوة تزيد بكيفية الطعام وكميته، فالذي يريد أن يعالج من هذه الجهة فعليه أن يراعي قضية الطعام، وعدم الإكثار منه وهو أعزب شاب لئلا يزيد في توليد الشهوة وبالتالي يعاني.

قال القرطبي: كلما قلَّ الأكل ضعفت الشهوة، وكلما ضعفت الشهوة قلت المعاصي قال عليه الصلاة والسلام: (الصوم جُنة) وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي: (يدع شهوته من أجلي) فالصيام جنة ووقاية من النار وعبادة عظيمة.. الإثنين والخميس .. أيام البيض .. شعبان .. محرم .. صيام يوم وإفطار يوم، وهو صيام داود عليه السلام.

القاعدة السادسة: الفرار من أهل الفحش والتفحش

حذارِ من أهل الفحش والتفحش، لقد حرم الله البذاءة ومنع الفحش، كما قال تعالى: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [النساء:148] وقال عليه الصلاة والسلام: (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا بالفاحش البذيء) إن الأشياء التي تثير الشهوات هي الألفاظ الغزلية، كلمات الأغاني، الألفاظ الفاحشة، تثير الساكن، وتحرك الكامن، تسمعها بالهاتف، بالرسائل، رسائل الجوال، نكت -بزعمهم- ما هي هذه النكت بزعمهم؟ يرسلونها بالجوال، نكت بذيئة، تثير الشهوة، وتحث على الفاحشة..

الحب أول شيء يهيم به قلب المحب فيلقى الموت كاللعب

يكون مبدؤه من نظرة عرضت ومزحة أشعلت في القلب كاللهب

كالنار مبدؤها من قدحـة فإذا تضرمت أحرقت مستجمع الحطب

القاعدة السابعة: الفرار من أماكن الفتن

القاعدة التي تليها: عليك بالفرار من أماكن الفتن.. لا يخفى أننا نعيش اليوم -أيها الإخوة- في مجتمع مليء بالفتن.. إعلانات، مجلات، معاكسات، فضائيات، شبكة الإنترنت، ماذا تفعل؟ فروا إلى الله وَاسْتَبَقَا الْبَابَ [يوسف:25] هرب! هرب من المعصية، إن هذه الشهوة إذا تعرضتَ لما يثيرها فينبغي الهرب، اهرب بنفسك، طبّق القاعدة فِرُّوا إِلَى اللَّهِ [الذاريات:50].. وَاسْتَبَقَا الْبَابَ [يوسف:25] نجِّ نفسك.

القاعدة الثامنة: أشغل نفسك بالطاعات

أشغل نفسك بالطاعات.. نفسك إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية.. (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) لا تغبن يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ [التغابن:9]، المؤمن لا يتحسر على شيء يوم القيامة إلا على ساعة مرت به لم يذكر الله فيها، فاحرص على ذكر الله، ما من مجلس إلا وصلِّ تصلي فيه على النبي صلى الله عليه وسلم، لا تجعل بيتك قبراً من القبور، مارس فيه العبادة.

يا أيها الطالب الجامعي.. غرفتك غرفتك! اجعل فيها نصيباً من صلاتك .. افتح مصحفك .. أقبل على الله .. استغفر بالأسحار .. واصل الدعاء .. (لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله).

عمرك ستسأل عنه سؤالاً عاماً (وعن عمره فيما أفناه) وسؤالاً خاصاً (وعن شبابه فيما أبلاه) بماذا أبليت الشباب؟ إن الفراغ مفسد للنفس إفساد الطاقة المختزلة بلا ضرورة، إن الولد إذا اختلى إلى نفسه وقت فراغه ترد عليه الأفكار الحالمة، والهواجس السارحة، والتخيلات الجنسية المثيرة، فلا يجد نفسه إلا وقد تحركت شهوته وهاجت غريزته أمام هذه الموجات من التأملات والخواطر، فعندئذ لا يجد بُداً من أن يلجأ إلى الحرام ليخفف من طغيان شهوته ويحد من سلطانها..هذه هي العادات السيئة السرية.

إذاً: لا بد من إشغال النفس بالطاعات .. بكر إلى الصلوات .. حافظ على الجماعات دائماً .. انقل نفسك من عبادة إلى عبادة؛ قراءة كتاب .. حفظ سورة .. مذاكرة مادة .. زيارة أخ في الله .. حضور درس .. حفظ حديث .. دعوة إلى الله .. كتابة مقالة .. إعداد برنامج دعوي .. زيارة مقبرة .. محاسبة نفس .. تبكير إلى صلاة .. قراءة طيبة ونافعة .. صلة رحم .. زيارة الجيران، أشغل نفسك بالطاعة.

ثم الترهيب من استرسال الرجل مع شهوته، قال عليه الصلاة والسلام: (إن مما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم، ومضلات الهوى) حديث صحيح وقال: (حفت النار بالشهوات) النار حفت بالشهوات، ليس هناك طريق إلى النار إلا بالشهوات، فإذا أردت دخول النار فأطلق لنفسك العنان وارتع في الشهوات، لا بد أن يعظ الإنسان نفسه، ولا بد أن يقاوم داعي العودة إلى الجاهلية، قاوم العودة إلى الجاهلية.. بعض الشباب تاب الله عليهم لكن تركوا آثاراً من الجاهلية؛ مفكرات فيها أرقام هواتف.. أرقام مخزنة في الجوال لا زالوا يحتفظون بها.. عناوين للحرام، أتلف كل شيء يتعلق بالماضي.

ثم قد تتعرض لموقف محرج تذكرك فيه امرأة بعلاقة محرمة، فماذا تفعل؟ اسمع معي هذه القصة..

الصحابة الذين كانوا في الجاهلية يفعلون ما يفعلون، ولما نور الإسلام قلوبهم استعلوا على شهواتهم، واستجابوا لأمر ربهم، وهذا سبب نزول قوله تعالى: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً [النور:3] روى الترمذي وهو حديث صحيح أن رجلاً من الصحابة يقال له: مرثد بن أبي مرثد الغنوي ، كان مُهرباً في الإسلام لكن ماذا كان يهرب؟ كان يحمل الأسرى من مكة حتى يأتي بهم المدينة ، يذهب إلى مكة دار الحرب في ذلك الوقت ليهرب إخوانه المستضعفين من المسلمين واحداً وراء الآخر، يهربهم إلى المدينة ، وفي ليلة من الليالي بينما كان متسللاً إلى مكة مواعداً رجلاً مسلماً ضعيفاً ليحمله ويهربه إلى المدينة، وفي ظل القمر، في الظلام، رأى امرأةً بغياً يقال لها: عناق، وكانت صديقةً له -هذه في الرواية، هذه "girlfriend" معروفة عندهم في الجاهلية- كانت صديقةً له، وكان قد وعد رجلاً أن يحمله من أسرى مكة، وإن عناقاً رأته فقالت له: هلم فبت عندنا الليلة.. على العادة التي كانت في السابق، فقال: يا عناق قد حرم الله الزنا. فقالت: يا أهل الخيام، هذا الذي يحمل أسراكم. هذه المرأة إذا دعت إلى الحرام وأبى الرجل يمكن بمكرها وكيدها -إن كيدهن عظيم- أن تنتقم من الرجل الذي يرفض دعوتها إلى الحرام.

قالت: يا أهل الخباء، هذا الذي يحمل أسراكم. والرجل غامر بنفسه فقام الكفار في الليل يبحثون عنه، قال: فأعماهم الله.. ما رأوه ولا رأوا الرجل الذي كان يهربه، فلما ذهبوا حمل صاحبه وذهب به، قال: فلما قدمت المدينة أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: (يا رسول الله، أتزوج عناقاً؟ فلم يرد حتى نزلت الآية: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً [النور:3] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تنكحها).

إذاً: أيها الإخوة: لو دعا شخصاً داعٍ من الجاهلية لا يستجيب، عليه أن يصبر.

القاعدة التاسعة: البعد عن أسباب الوقوع في الحرام

ومن القواعد في مواجهة الشهوة المحرمة: تجنب سائر الأسباب الأخرى التي توقع في الشهوة المحرمة.. أصدقاء السوء: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل ) جاء في جريدة الأنباء الكويتية، يقول الشاب وعمره سبع عشرة سنة: في أول مرة شاهدت فيها هذه الأفلام كان منذ سنين حين كنت في زيارة لأحد أصدقائي، وكان في غرفته فيلم فقام بتشغيل الفيلم. إذاً القضية هؤلاء قرناء السوء، أعطه دسكاً وأسطوانة ليزر مدمجة وفيلماً وشغل له، واستئجار استراحة، وشقق مفروشة، ويجتمعون في المقاهي، وما أدراك ما المقاهي! وهناك.. وهناك سهر في الليل على قنوات الإباحية، يمسك كل واحد منهم زاوية من زوايا المجلس ويجلس يرتكب الحرام، ويرى الحرام، والله مطلع عليه، لا يستحي لا من الله ولا من الناس.

إياك والتساهل في الحرام! إياك ومثيرات الشهوة! إياكم والجلوس على الطرقات! لماذا؟ يقال في حق الطريق: غض البصر؛ لأنه يمر النسوة منه، انتبه إذا دخلت البقالة، قال أحدهم: رأيت الشاب في البقالة يقلب المجلات، وينظر في صور النساء وينظر حوله، فإذا اطمأن نظر في صور المجلات ثم نظر حوله، انظر إلى ربك ستراه في قلبك إذا كنت مؤمناً.. لا لمجالس الاختلاط، لا للمتزوجين ولا لغير المتزوجين، لا للسفريات المحرمة، لا للذهاب إلى الحفلات الماجنة، ولا لعبور الجسر، ولا لحضور حفلات هناك.

والنساء وما أدراك ما النساء! حتى عندما تأتي للعبادة يجب عليها أن تتقي ربها؛ فلا تضع طيباً، ولا تتبرج، وصفوف النساء خلف الرجال.. لا للمعاكسات الهاتفية، ولا للاستجابة لهذا الغثاء، ولا للغناء الذي ينبت النفاق في القلب والشهوة.. انتبهوا لخطورة الخادمات، ولج علينا من باب الخادمات شر كثير، وكثير من الناس لا ينتبهون، وإذا انتبهوا لا يتعظون، وربما لدغ أحدهم مراراً من جحر واحد ولا يتألم، ويسمع أن قارعةً حصلت قرب داره ولا يتعلم.. بلادة حس.. عدم مراقبة لله.. ترك الخادمة الشابة الجميلة مع هؤلاء الشباب في البيوت ما معناه وهي متبرجة؟ يخرج أهله ويتركونه في البيت مع الخادمة، تخرج الزوجة وتترك الزوج مع الخادمة، ما معنى ذلك؟ ثم لا نشتكي إلا بعد ذلك، نشتكي من ماذا؟

القاعدة العاشرة: الدعاء

أيها الإخوة .. لابد من الإعداد بالسلاح في هذا الصراع، وسلاح المؤمن هو الدعاء، لا يخونك في النوائب والملمات، في كل وقت وحين استعمله.. وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [البقرة:186] هل قال: وإذا سألك عبادي عني فقل: إني قريب؟ لكن ما قال: فقل؛ ليبين شدة القرب وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [البقرة:186] ادع ربك أن يصرف عنك السوء والفحشاء، أيهما أبلغ: لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ [يوسف:24] أو: لنصرفه عن السوء والفحشاء؟ الأولى: الفحشاء والسوء مصروفة، والثانية: يوسف هو المصروف، أيهما أبلغ؟ الأولى أو الثانية؟ الأولى، وهي التي في التنزيل؛ لأن الله إذا صرف عنك السوء والفحشاء لو بحثت عنها فلن تحصلها، لكن إذا صرفك الآن قد لا يصرفك مرة أخرى إذا عرض لك السوء والفحشاء، ولذلك يوسف دعا ودعا وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ * فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ [يوسف:33-34].

ما هي الأدعية؟ اللهم ثبت قلبي على دينك.. (اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى) رواه مسلم.. (اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي، ومن شر بصري، ومن شر لساني، ومن شر قلبي، ومن شر منيي) دعاء نبوي في سنن أبي داود ، وهو حديث صحيح.

ولا تأمن مكر الله، بعض الناس يقولون: نحن شباب ملتزمون ودعاة، ونحن طلبة علم.. لا أحد فوق مستوى الشهوات، يتطرق إلى الجميع، إبراهيم عليه السلام لم يأمن على نفسه: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ [إبراهيم:35] إبراهيم يخشى أن يعبد الأصنام، يقول: وَاجْنُبْنِي [إبراهيم:35] إبراهيم وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ [إبراهيم:35].. وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً [الإسراء:74].

إذا لم يكن عون من الله للفتـى فأول ما يجني عليه اجتهاده

القاعدة الحادية عشرة: عدم اليأس من عفو الله

ثم من القواعد: لا تيئس، قد يكون الشاب أو الفتى مارس الحرام ووقع في الرذيلة، فجرته نفسه الأمارة بالسوء إلى مقارفة الفاحشة، فلا يصاب باليأس والإحباط؛ لأن الله قال: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزمر:53].

انتبهوا -يا إخواني- لهذا المزلق، إنه مزلق خطير جداً، يرتكب العاصون معصية واثنتين وثلاثاً، ثم تتابعوا في الحرام، وكلما خطر لأحدهم خاطرة توبة قالت له نفسه الأمارة بالسوء: إنها توبة فاسدة وكذلك الشيطان.. يا أخي! هذا المبدأ دمر كثيراً من الشباب.. لماذا تصاب باليأس والإحباط؟ لماذا تقول: فاسدة فاسدة؟ لو حصل الحرام عشرين مرة أليس هناك رب غفور رحيم؟ أليس هناك باب للتوبة مفتوح؟ البغي من بني إسرائيل غفر الله لها بسقيا كلب.

إن الشيطان يحرص على أن تيئس من روح الله، فلا تيئس مهما تكررت المعاصي، كل مرة تب إلى الله، فإن قائل قال: العادة السرية كل مرة أقع فيها، قلنا: كل مرة تب إلى الله يا أخي، ولا تيئس أبداً.

لنطبق المنهج الإسلامي في المجتمع وفي قضية علاج الشهوات.. أما وضع حداً للزنا؟ أما قبحه وقال: إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء:32]؟ أما قال: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2]؟ أما قال: (الثيب بالثيب رجم بالحجارة)؟ أما حرَّم القذف وجعل الذي يقذف بالزنا ويشيع الفاحشة في المؤمنين عليه حد ثمانين جلدة؟ أما شرع الاستئذان حتى للصغار؟ أما شرع غض البصر؟ أما شرع الحجاب؟ لماذا أمر المرأة بالقرار في البيت؟ لماذا حرم الخلوة بها؟ لماذا حذر من الدخول على النساء؟ لماذا حرم على المرأة السفر من غير محرم؟ لماذا شرع النكاح وحث عليه؟ لماذا أمر بالاستعفاف؟ إجراءات يجب أن تطبق في المجتمع.
يتبع ...
أجزل الله ثوابك أخي الحبيب وأعظم جرك وجزاءك ..








 


رد مع اقتباس
قديم 2015-12-03, 23:50   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
محمد ابن فلسطين
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

من أمتع المواضيع على هذا المنتدى الرائع










رد مع اقتباس
قديم 2015-12-06, 07:42   رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
المولع بابنته
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد ابن فلسطين مشاهدة المشاركة
أجزل الله ثوابك أخي الحبيب وأعظم جرك وجزاءك ..
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد ابن فلسطين مشاهدة المشاركة
من أمتع المواضيع على هذا المنتدى الرائع
بارك الله فيك أخي.









رد مع اقتباس
قديم 2015-12-06, 08:08   رقم المشاركة : 19
معلومات العضو
نصيرة الإسلام
عضو نشيط
 
الصورة الرمزية نصيرة الإسلام
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بارك الله فيك و لك الشكر على هذا الجهد جعله في ميزان حسناتك
"تم التقييم"










رد مع اقتباس
قديم 2015-12-06, 11:30   رقم المشاركة : 20
معلومات العضو
المولع بابنته
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نصيرة الإسلام مشاهدة المشاركة
بارك الله فيك و لك الشكر على هذا الجهد جعله في ميزان حسناتك
"تم التقييم"
آمين، وشكرا جزيلا أختاه.

والله ما نحن إلا دالين على الخير ولسنا من فاعليه. فالفضل يعود لله أولا وآخرا، ثم الشكر الجزيل لعلمائنا ودعاتنا من أهل السنة والجماعة، جزاهم الله عنا خير الجزاء.









رد مع اقتباس
قديم 2015-12-06, 22:11   رقم المشاركة : 21
معلومات العضو
المولع بابنته
عضو مجتهـد
 
إحصائية العضو










افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

إليكم أحد روابط المحاضرة : https://www.dztu.be/watch?v=ASV2wz9WHNM










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
الشهوة, خطورة


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 02:14

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc