وقد قسم الله تعالى بين عباده أرزاقهم فوسع على أناس وضيق على آخرين
لحكــمه بالغة قضــاها يستوجب الحمد على اقتضاها
قال تعالى:﴿والله فضل بعضكم على بعض في الرزق﴾النحل:71
وقال تعالى:﴿الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر﴾العنكبوت:62
من الحكم العظيمة في تقسيم الأرزاق
1- ليعرف العباد بذلك أنه سبحانه المدبر لجميع الأمور وأن بيده مقاليد السماوات والأرض،فهذا يوسع عليه والآخر يضيق عليه ولاراد لقضائه وقدره.
2- بسط العليم الحكيم الرزق لبعض العباد وضيقه على بعضهم ليعتبروا بهذا التفاوت في الدنيا تفاوت مابينهم في درجات الآخرة،فكما أن الناس في هذه الدنيا متفاوتون ،فمنهم من يسكن القصور المشيدة العالية،ويركب الراكب الضخمة الغالية،ويتقلب في ماله وبنيه في سرور وحبور،ومنهم من لا مأوى له ولامال ولابنون،ومنهم مابين ذلك على درجات مختلفة ؛فإن التفاوت في درجات الآخرة أعظم وأكبروأجل وأبقى﴿انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا﴾ الإسراء :21
3- قسم الله الرزق بين عباده ليعرف الغني قدر نعمة الله عليه بالإيسار فيشكره عليها ويلتحق بالشاكرين،ويعرف الفقير ماابتلاه الله به من الفقر فيصبر عليه وينال درجة الصابرين ﴿إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب﴾ الزمر: 10
4- قسم الله الرزق بين عباده لتقوم مصالحهم الدينية والدنيوية فلو بسط الرزق لجميع العباد لبغوا في الأرض بالكفر والطغيان والفساد, ولو ضيق الرزق على جميعهم لاختل نظامهم وتهاوت من معيشتهم الأركان .
لوكان الناس في الرزق على درجة واحدة لم يتخذ بعضهم بعضاً سخرياً،لم يعمل أحدهم للآخر صنعة ولم يحترف له بحرفة،لأن الكل في درجة واحدة فليس أحدهم أولى بهذا من الآخر .
أين الرحمة والعطف من الغني للفقير إذا قدرنا أن الناس كلهم في درجة واحدة ؟أين الموقع العظيم الذي يحصل بصلة الأقارب بالمال إذا كان الكل في درجة واحدة ؟
إن هذا وأضعافه من المصالح يفقد لو تساوى الناس في الأرزاق ولكن الحكيم العليم قسم بينهم أرزاقهم وأمر الأغنياء بالشكر والإنفاق،وأمر الفقراء بالصبر وانتظار الفرج من الكريم الرزاق. فعلينا معشر المسلمين أن نرضى به رباً،فنرضى بقسمه وأقداره،وأن نرضى به حكماً فنؤمن بحكمه وأسراره.
مقتطفات ماخوذة من كتاب " أرزاق العباد "