☆ الشيخ توفيق عمروني حفظه الله
درج السَّلف - رضي الله عنهم - على حث أبنائهم على تعلُّم السيرة النَّبوية والغزوات، وعلَّموهم إيَّاها في الصغر قبل الكبر، قال علي بن الحسين زين العابدين: «كنَّا نُعَلَّمُ مغازيَ النَّبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كما نُعَلَّم السُّورةَ منَ القرآنِ» (3).
وقال إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص: «كانَ أبي يُعلِّمُنا مَغازيَ رسُولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ويَعُدُّها عَلينا، وسَرَاياهُ؛ ويقولُ: هَذه مَآثِر آبائكُم فلا تضيِّعُوا ذِكْرَها» (4).
وهذا لإدراكهم أهمية هذا العلم وحاجة الناس إليه، وضرورة رسوخه في الأذهان، ونحن اليوم أيضًا في أشدِّ الحاجة إلى هذا العلم لنبيِّن للعالم أجمع جمال وصفاء ديننا الحنيف وسيرة نبينا الكريم - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي تجرَّأ على الطعن فيه وسبِّه والتشكيك في نبوَّته كثيرٌ من أوباش الكفَّار في مواطن من أصقاع الأرض، فكان لزاما على المسلم الحريص على خير نفسه وغيره أن يلمَّ بسيرة نبيِّه - صلَّى الله عليه وسلَّم -، ويتعلَّم ما يجب أن يتعلَّمه منها، ليكون على بيِّنة من أمره، وليعرف بذلك قدْرَ نبيِّه الذي أوجب الله عليه حبَّه واتباعَه وطاعتَه، وسدَّ جميع الطرق إلى الجنَّة إلاَّ طريقَه، خاصةً وأنَّ الله تعالى سيمتحنه به، ويسألُه في أوَّل نزوله القبرَ، فيقول له المَلَكان: «ما هذا الرَّجلُ الذي بُعِث فيكم؟» (5)، فعلينا أن نُعدَّ للأمر عُدَّته وللسُّؤال جوابه.
فالسيرة النَّبوية العطرة لا تُقرأ للتسلية والترويح عن النفس، ولا في المناسبات والأعياد والموالد للتباهي والتبرُّك والاكتفاء بذلك؛ وإنَّما تقرأ السيرة لأخذ العبر واستخراج الدُّرر، واستنباط الفوائد والنكت، ونَصبها نبراسا يستضيء بنورها كلُّ مؤمن في هذه الحياة، يجد بها طريق الهداية.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(3) رواه الخطيب البغدادي في «الجامع» (2/195)، وانظر: «البداية والنهاية» (3/242).
(4) رواه الخطيب البغدادي في «الجامع» (2/195).
(5) في حديث البراء بن عازب عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - الطويل؛ أخرجه أبوداود وأحمد، وهو صحيح؛ انظر: «صحيح الجامع» (1676، 2556).
[أهمية دراسة السيرة النبوية (راية الإصلاح)]