في البحث عن بلاغة العرض المسرحي..حول مسرحية ( البرتقالة ) لعبد الحسين ماهود..
كان المسرح وما يزال الحاضنة التي تلتقط كلالمستجدات الواقعية وغير الواقعية بين أحضانها ، فكان لهذه الحاضنة أنتقدم صورا وأشكالا شتى راح المسرح يلعب دوره الحاسم في استخدام هذه الصوروالأشكال ليحرك بها ما هو ثابت ومقدس واستطاع المسرح ان ينهض بمجموعةالاسئلة والاجابة عنها كي يرمي اطنانا من الأحجار برؤى جديدة ومتطورة منخلال طرحها الخاص في مناقشة المشاكل والافكار وعلاقة حجم هذه المشاكلوالازمات والقضايا الكبيرة بما يؤطرها من زمان سواء أكان في الماضي اوالحاضر .
ومن هنا صار لرجل المسرح أن يوظف ما لديه من ابداع يجسدهمسرحا راقيا يحوي عناصر الإدهاش والرؤيا العالية والاحساس الجميل لتربيةمن حوله من متلقين وتهيئتهم في تصور احساسهم الحضاري والجمالي حتى لو تطلبالامر لتطوير وعيهم السياسي بما يدور حولهم .
وتكمن أهمية المسرح فيالتعامل مع كل ما هو سام ٍ او تافه وتبدو هذه الاهمية حاضرة في انتشال ماهو تافه او ساقط من محيطه وتأويله فنيا وجماليا ويسري هذا على ما يشكلأرثا اسطوريا تتناوله الذاكرة الجمعية للمجتمع. فلا شك للمسرح في أن يدخلكحاضن لكل ما سلف ذكره ليكون عتبة لعناوين مسرحية مهمة تحاول الولوج الىالعمق الاجتماعي فنيا ابتغاء للنقد والسخرية من كل الظواهر الشاذةوالمرضية والتي تظهر على سطح الواقع الاجتماعي ومن هذا المنطلق لنا أننسأل هل حاول الفنان عبد الحسين ماهود كمؤلف ومخرج من خلال نصه ( البرتقالة ) أن يجعل اشتغاله المسرحي ذا فاعلية فنية تحتفظ لها بأرث منالحضور الجيد في ذاكرتنا كمتلقين لعرضه المسرحي والذي قدم على قاعة النشاطالمدرسي في الناصرية ولمدة يومي 21 – 22 / 11/ 2008 ومن تقديم نقابةالفنانين فرع ذي قار ؟ لقد أريد لهذه المسرحية أن تكون ذات اطار كوميديكما أعلن عن ذلك في دليل العرض وحاول الفنان عبد الحسين ماهود أن يبني نصهعلى أساس من المفارقة حينما اعتمد على موضوعة ( البرتقالة ) كعنوان ومدخللتفاصيل العرض المسرحي المقترح من قبله ولقد كان المشهد الاستهلالي للعرضيثير الدهشة حينما استعار لنا تلك الاغنية الساذجة ( البرتقالة ) وكنانتوقع ان تكون هذه السذاجة مفتاحا لعرض مدهش وهو يلتقط هذه السذاجة لكييجعل منها اداة اسقاط على ما هو شاذ ، فالذي حصل ويحصل في مجتمعنا لا يكاديقترب من الواقع بقدر اقترابه من الخيال وحسنا فعل المؤلف حينما أراد أنيتماهى مع الواقع بشكل غرائبي يقوم على المفارقة وبطبيعة الحال ان اشتغالاكهذا كان سيحقق عرضا مؤثرا يدعو الى المتابعة والدهشة ولكن الذي حصل انالبرتقالة بدأت برتقالة وانتهت كما هي، في حين كان على المخرج أن يجعلمنها مفتاحا لأبواب متعددة تساهم في اثراء العرض المسرحي وتبعده عن تلكالعروض التي تمثلت بأساليب مسرحية تجاوزها العصر وأصبحت مسكونة بخلاياالشيخوخة والقدم ولم تعد تلك الأساليب بقادرة على البحث عن سؤال الحداثةحسب توصيف الدكتور صلاح القصب ان نص المؤلف والذي جسده على الخشبة كما هوليس فيه من العمق المؤثر في تناول الموضوعة التي أراد طرحها فقد راح النصيتناول القشور وبسطحية واضحة فموضوعة ازدواجية المسؤولين وتلونهم حسبأهوائهم وحاجاتهم وقضية الجوع لم تعد بجديدة علينا فما يحل ويحيط بنا لميدع لنا المجال في التعامل الايجابي مع عرض كهذا ما لم يدخل هذا العرض فيصميم المعترك الفني الرصين حيث تتعدد مراكز الارسال فيه وتتعمق بنيتهالحوارية حينما ينتقل من فضاء النص الى فضاء العرض حيث يكتسب علاماتمشهدية ( بصرية – سمعية – حركية ) جديدة تجعل من المتلقي في أية لحظة منلحظات العرض مستقبلا فاعلا .
لقد اعتمد المخرج على الملفوظ الحواريحتى بدا مهيمنا وأضحت الصورة المعبرة عن فحوى العرض أشد فقرا فمكان العرضبدا خاويا وليس فيه ما ينتمي الى ما جاء به نص المؤلف ، فقطع الخشب والتيطليت بألوان غير مؤثرة وجدت لتسد فراغا في خلفية المسرح ولم يكن لوجودهاأية علاقة تذكر وكذلك المفردات الاخرى كالبرتقالة والتفاحة والموز اتسمتبحضور قاصر عن انتاج مفاهيم جديدة بعد ان عجز اشتغال الممثلين مع هذهالمفردات في ايجاد المعنى المضاف لنص المؤلف يضاف الى ذلك عدم انسجامالتداخل ما بين المشاهد المسرحية ، فمثلا مشهد الدخول الى حالة السكروالخروج منه الى مشهد آخر لم يكن مبررا وغير مقنع وكذلك المشهد الختامي لميكن مقنعا هو الاخر ونفذ بطريقة مدرسية حيث يتم التصالح ما بين الزوجوالزوجة ويمكن ان نظيف عدم التوافق الحاصل ما بين الزي الذي خرجت بهالزوجة حيث يدل على أناقتها وترفها وعدم العوز في حين ان النص يؤكد علىعوزها وحاجتها مع زوجها الى المال ولنا أن نجدد السؤال ثانية أين تكمنبلاغة هذا العرض وما هو عمل المخرج ازاء نص يعاني من الضعف والهوان كييحاول انشاء نص عرض يساعد على إلغاء حالة العسر التي ولدها عندنا هذاالعرض ، والجواب لا نكاد نرى جهدا واضحا فيما يتعلق بانشاء بنية العرض منحيث الديكور والموسيقى والاضاءة لماذا هذا الزهد ؟ مع علمنا أن ليس لهذاالزهد من مبرر فأين خبرة السنوات الطويلة التي قضاها فناننا العزيز وهويتنقل ما بين المسرح وما يجاوره من شعر وقصة وسيناريو افلام تسجيلية ونصوصمسرحية كثيرة وغيرها كما نص على ذلك في دليل العرض ؟ والامر الاخر ان كانتالاسباب التي تقف وراء هذا الزهد متعلقة بأمور التمويل والمساعدة في تقديمعرض يليق بهذا الفنان وان هذه الامور غير متوفرة في الوقت الحاضر فماالضير في التأني والتأجيل كيما يقدم عرضا يساعد على اعطاء فنانا العزيزمكانته الحقيقية ؟ تبدو منظومة الاداء التمثيلي العلامة التي يمكنالارتكاز عليها فيما يتعلق بما هو طيب في هذا العرض فلقد حاول الممثلون ( محمد المبدر – حمد طاهر – علي خضير – والشابة سالي ) في أن يتعاملوا مع ماهو مناط بهم بكل جدية، وشكل الفنان علي خضير حضورا أدائيا مميزا ساهم فيازالة نسبة الشحوب التي غلفت هذا العرض