القصص النبوي - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية

قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية تعرض فيه تاريخ الأمم السابقة ( قصص الأنبياء ) و تاريخ أمتنا من عهد الرسول صلى الله عليه و سلم ... الوقوف على الحضارة الإسلامية، و كذا تراجم الدعاة، المشائخ و العلماء

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

القصص النبوي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2007-12-03, 17:39   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
عزالدين
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية عزالدين
 

 

 
إحصائية العضو










Flower2 القصص النبوي

1 - قصة الثلاثة العظماء الذين أخرجهم الجوع
2 - قصة أبي هريرة والشيطان
3- قصة الخصومة بين العمرين حديث أم زرع


[align=center]قصة الثلاثة العظماء الذين أخرجهم الجوع[/align]


المقدمة:

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فلقاؤنا في هذا الموضوع يدور حول الثلاثة العظماء الذين أخرجهم الجوع: نبي، وصديق، وشهيد، أخرجهم الجوع! كان ذلك في الصدر الأول من هذه الأمة المرحومة المكرمة بهذا النبي العظيم.

نص الحديث:

روى الحديث الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-بإسناد صحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: [خرج النبي - صلى الله عليه وسلم- في ساعة لا يخرج فيها، ولا يلقاه فيها أحد، فأتاه أبو بكر فقال: (ما جاء بك يا أبا بكر؟). فقال: خرجت ألقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وانظر في وجهه والتسليم عليه. فلم يلبث أن جاء عمر فقال: (ما جاء بك يا عمر؟) قال: الجوع يا رسول الله! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (وأنا قد وجدت بعض ذلك)، فانطلقوا إلى منزل أبي الهيثم بن التيهان الأنصاري، وكان رجلاً كثير النخيل والشاء، ولم يكن له خدم فلم يجده، فقالوا لامرأته: أين صاحبك؟ فقالت: انطلق يستعذب لنا الماء، فلم يلبثوا أن جاء أبو الهيثم بقربة يزعبها فوضعها، ثم جاء يلتزم النبي - صلى الله عليه وسلم- ويفدِّيه بأبيه وأمه، ثم انطلق بهم إلى حديقته فبسط لهم بساطاً، ثم انطلق إلى نخلة فجاء بقنو فوضعه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: (أفلا تنقيت لنا من رطبه) فقال: يا رسول الله! إني أردت أن تختاروا أو قال: تخيروا من رطبه وبسره، فأكلوا وشربوا من ذلك الماء، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (هذا والذي نفسي بيده من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة، ظل بارد، ورطب طيب، وماء بارد) فانطلق أبو الهيثم ليصنع لهم طعاماً، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: (لا تذبحن ذات در) قال: فذبح لهم عناقاً أو جدياً فأتاهم بها فأكلوا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: (هل لك خادم؟) قال: لا. قال: (فإذا أتانا سبي فأتنا) فأُتي النبي - صلى الله عليه وسلم- برأسين ليس معهما ثالث فأتاه أبو الهيثم، فقال له الرسول - صلى الله عليه وسلم-: (اختر منهما) فقال: يا نبي الله! اختر لي، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: (إن المستشار مؤتمن، خذ هذا فإني رأيته يصلي، واستوص به معروفاً) فانطلق أبو الهيثم إلى امرأته، فأخبرها بقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقالت امرأته: ما أنت ببالغ ما قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم- إلا أن تعتقه، قال: فهو عتيق!! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: (إن الله لم يبعث نبياً ولا خليفة إلا وله بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالاً، ومن يوق بطانة السوء فقد وقي). قال أبو عيسى الترمذي - رحمه الله - هذا حديث حسن صحيح غريب.([1])

شرح الحديث:

الحديث يقول فيه أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -: خرجت ألقى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وانظر في وجهه والتسليم عليه، فلم يلبث أن جاء عمر! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: (ما جاء بك يا عمر؟) قال: الجوع يا رسول الله! وفي رواية مسلم: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر! فقال: (ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة) أي: الساعة غير المعتادة التي لا يخرج فيها الناس عادة، قالا: الجوع يا رسول الله! قال رسول الله: (وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما)([2]) وهذا فيه بيان ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم- وكبار أصحابه في التقلل من الدنيا، وما ابتلوا به من الجوع، وضيق العيش في أوقات. فقال لهم: (فانطلقوا إلى منزل أبي الهيثم) وأبو الهيثم - رضي الله عنه - اسمه مالك بن التَّيَّهان، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: (قوموا) فقاموا معه، فأتى رجلاً من الأنصار، وكان مالك بن التيهان - رضي الله عنه - رجلاً كثير النخل والشاء, والشاء: هي الغنم جمع شاة, فوجدوا الرجل, ولم يكن عنده خدم، فقالوا لامرأته: أين صاحبك؟ وفي رواية مسلم: فلما رأتهم المرأة قالت: مرحباً وأهلاً! فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (أين فلان) فقالت: خرج يستعذب لنا الماء، أي: يطلب لنا الماء العذب الذي لا ملوحة فيه، ثم بعد ذلك جاء أبو الهيثم - رضي الله عنه - بقربة يزعبها, ومعنى يزعبها: أي أنه احتملها وهي ممتلئة، يتدافع بها ويحملها لثقلها، فلما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم- هش له غاية الهشاشة, والتزمه وعانقه وضمه لجناحه، ثم انطلق بهؤلاء الثلاثة الضيوف الكرام إلى حديقته الغناء ذات الشجر، فجاء بقنو وهو العذق من الرطب، فيه بسر وتمر ورطب، نفس العذق فيه بسر وتمر ورطب! ولما جاء به وضعه بين أيديهم, فقال - عليه الصلاة والسلام -: (أفلا تنقيت لنا من رطبه) أي هلا اخترت من الرطب! فقال أبو الهيثم: إني أردت أن تختاروا أو تخيروا من رطبه وبسره.. التمر قبل أن يصبح رطباً يكون بسراً، وبعد ذلك يتحول إلى رطب.. تمر النخلة أول ما يطلع يكون طلحاً، ثم بعد ذلك يصبح بلحاً، ثم بعد ذلك يصبح بسراً، ثم بعد ذلك يصبح رطباً، ولما أكل النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (هذا والذي نفسي بيده من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة)، وفي رواية مسلم: فلما أن شبعوا ورووا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر وعمر: (والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النعيم) ولما أراد الرجل أن يذبح لهم شاة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: (لا تذبحن ذات دَرٍ) يعني: ذات لبن، (إياك والحلوب) فذبح لهم عناقاً وهي الأنثى من أولاد المعز، أو جدياً من أولاد المعز، وهو الذكر يسمى: جدياً وقدمه إليهم. ثم سأله النبي - صلى الله عليه وسلم-: هل له خادم في هذا المال، يحتاج إلى من يخدمه؟! قال: لا. قال: (فإذا أتانا سبي) أي أسارى من أسرى المشركين (فأتنا). فجيء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- برأسين من العبيد، وجاء أبو الهيثم، فقال النبي - عليه الصلاة والسلام -: (اختر واحداً منهما) فقال أبو الهيثم: أنت اختر لي يا رسول الله! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- توطئة وتمهيداً قبل الاختيار: (إن المستشار مؤتمن) يعني الذي يطلب منه الرأي والشورى, والنصيحة، فلابد أن يؤدي الأمانة، ولا يجوز له أن يخونه؛ بأن يكتم ما به مصلحة له فأشار - عليه الصلاة والسلام - إلى واحد منهما، قال: (خذ هذا فإني رأيته يصلي) أي: ظهرت عليه آثار الصلاح، وكان يصلي، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، فأعطاه العبد، وقال له: (استوص به معروفاً) أي: اصنع به معروفاً، وأحسن إليه. ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم- لما أعطاه هذا العبد ورجع إلى بيته، قال بعد ما سألته المرأة: النبي - صلى الله عليه وسلم- أوصاني بأن استوصي به خيراً، فقالت المرأة: ما أنت ببالغ ما قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم- إلا أن تعتقه، يعني: أحسن شيء تستوصي به خيراً أن تعتقه، فقال الرجل: هو عتيق! فمتى ما تلفظ الإنسان بالعتق فهو عتيق فقال النبي - عليه الصلاة والسلام - - في إثر ذلك -: (إن الله لم يبعث نبياً ولا خليفة إلا وله بطانتان) والبطانة: هم خاصة الرجل الذين يعرفون أسراره لثقته بهم، شبهَّهم ببطانة الثوب؛ لأن البطانة مما يلي الجسد من الداخل، فشبه الخاصة، وأهل سره وأهل ثقته بالبطانة من قربهم بالرجل ومن علمهم بباطنه وحقيقة أمره وأسراره، ثم قال: (بطانة تأمره بالمعروف) وهو ما عرفه الشرع، وحكم بحسنه (وتنهاه عن المنكر) وهو ما أنكره الشرع ونهى عن فعله، (وبطانة لا تألوه خبالاً) يعني: لا تقصر في إفساد أمره؛ كقوله -تعالى-: ((لا يألونكم خبالاً))([3]) يعني يأمرونهم بالشر، ويسعون في إفسادهم (ومن يوق بطانة السوء فقد وقي), هل كان النبي - عليه الصلاة والسلام - له بطانتان؟ قيل: إن المراد بالبطانتين في حقه - صلى الله عليه وسلم- الملك وشيطان النبي - عليه الصلاة والسلام – ولكن الله أعانه عليه فدخل في الإسلام، وقيل: أسلم، يعني: سلم من شره، فما من نبي ولا غيره من الخلفاء إلا وله بطانتان، وقال - عليه الصلاة والسلام -: (من ولي منكم عملاً فأراد الله به خيراً جعل له وزيراً صالحاً، إن نسي ذكره، وإذا ذكر أعانه) ولو أن الإنسان لم يوجد له بطانة من أهل الخير، فإن نفسه أمارة بالسوء، فقد وقى الشر كله.

فوائد الحديث:

أولاً: جواز الإخبار عن الضر: يجوز للإنسان أن يخبر بما ناله من ألم، إذا لم يكن ذلك على سبيل التشكي وعدم الرضاء، بل للتسلية والتصبر, فأبو بكر قال: أخرجني الجوع, وعمر قال: أخرجني الجوع، والنبي - صلى الله عليه وسلم- قال: وأنا ما أخرجني إلا هذا، كل واحد قد أخبر الآخرين بما ناله من الجوع, كل واحد يخبر صاحبه بظرفه لعله يساعده، ويسليه بكلمة طيبة فهذا لا بأس به.

أنواع الشكوى:

شكوى العبد لإخوانه إذا أصيب بفقر، أو ألم، أو مرض تكون على حالين: الحال الأولى/ أن يخبرهم بذلك لكي يسلوه ويصبروه فهذا لا بأس به، وهو من باب التواصي بالصبر. الحال الثانية/ إذا كان على سبيل التشكي والتبرم والتضجر من قضاء الله وقدره، والشكاية للمخلوقين، وإذلال النفس، وطلب ما في اليد، فهذا مذموم.

ثانياً: زهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه:

من هذا الحديث يتضح ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم- من الزهد في الدنيا هو ووزيراه أبو بكر وعمر، وهؤلاء أعظم الناس على الإطلاق في ذلك الوقت، والنبي - عليه الصلاة والسلام - أعظم الناس في كل وقت. الإمام الأعظم ووزيراه ما عندهم في بيوتهم شيء, هذا شيء عجيب! إنه شيء يسترعي الانتباه ويستدعي الوقوف!! قائد الأمة وإمام الأمة ما عنده شيء في البيت! ووزيره الأول أبوبكر الصديق ما عنده شيء في البيت! والوزير الثاني عمر بن الخطاب ما عنده شيء! كلهم أخرجهم الجوع في ساعة لا يخرج الناس في مثل هذا! ما الذي أخرجهم؟ إنه الجوع! فهذا يبين لنا ما كان عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكبار أصحابه من التقلل في الدنيا، وما ابتلوا به من الجوع وضيق العيش.

ثالثاً: جواز الاستطعام عند الضرورة:

فلا بأس على الإنسان إذا اشتكى ضراً أو جوعاً أن يأتي على صاحب له، ليس بينه وبينه حرج أو كلفة، فيطعم عنده، وهذا يسميه العلماء الإدلال على الأخ, أو الصاحب، ما دامت بينه وبينه مكانة ومعزة كبيرة، وأخوة عالية، ولا يتضجر إذا أتاه، ولا يثقل عليه، فإنه لا بأس بأن يأتي. وكفى شرفاً لأبي الهيثم ابن التيهان أن يكون ضيفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- .

رابعاً: اصطحاب الإخوان: إذا ذهب الإنسان إلى شخص لطعام وكان يعلم أن هذا الشخص لا يتحرج من الإتيان بآخرين فإنه لا بأس أن يصطحبهم، ولا يعتبر أمراً مذموماً إذا علم رضاه، وأنه لا يثقل عليه ولا يحرجه وعنده ما يكفي الجميع. وأما إذا ذهب الإنسان ومعه شخص، ولا يدري هل صاحب البيت يأذن أو لا يأذن! فإنه يستأذن لهذا الشخص، فيقول: يا صاحب الدار أنا مدعو عندك، ومعي أخي فلان لم يُدع، هل تسمح له فيدخل، أم ينصرف فيرجع؟! فإذا أذن صاحب البيت بلا إحراج، فإنه لا بأس أن يدخل هذا الشخص.

خامساً: إكرام العظماء:

الإنسان إذا كان غنياً عليه أن يستخدم غناه في طاعة الله، فيكرم أهل العلم والصالحين, ويفرح إذا قدم عليه الضيوف الصالحون، ولهذا أبو الهيثم فرح جداً بقدوم النبي - عليه الصلاة والسلام - وقام يعتنقه وقال: من أكرم أضيافاً مني، أي: لا أحد اليوم أكرم أضيافاً من محمد - صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر، من بقي أكرم أضياف من هؤلاء؟لا أحد! وهذا الإكرام والفرح من علامات الإيمان، إذ جاؤوا من غير دعوة بل مفاجأة فهذا أمر سار لدى المؤمن.

سادساً: الكلام مع المرأة الأجنبية:

يجوز الكلام مع المرأة الأجنبية إذا كان بغير فتنة، ولا محذور شرعي، فالنبي - صلى الله عليه وسلم- لما جاء إلى هذا الرجل، قال للمرأة: (أين صاحبك) والصاحب هو الزوج، والدليل على أن الزوج يسمى صاحباً أو الزوجة تسمى صاحبة: قول الله - تعالى-: ((وصاحبته وأخيه))([4]) فالزوجة تسمى صاحبة، والزوج صاحبها؛ لأن بينهما مصاحبة، يصاحبها في هذه الحياة بالعشرة الزوجية، فقال: (أين صاحبك؟) فقالت: انطلق يستعذب لنا الماء فرحبت بهم قائلة: مرحباً وأهلاً، وتركتهم يدخلون.

سابعاً: إدخال المرأة البيت من يرضاه زوجها:

يجوز للمرأة أن تدخل إلى بيت زوجها من كانت تعلم يقيناً أن زوجها لا يمانع في دخوله، أما إذا كان زوجها منعها من إدخال فلان من الناس، فلا يجوز لها أن تدخله، ولا تأذن في بيته إلا بإذنه كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم-: (لا تأذن في بيته إلا بإذنه)([5]) فلا تدخل أحداً في البيت، لا جاره، ولا قريبه، ولا بعيده إلا لمن أذن.

ثامناً: حرمة الخلوة بالأجنبية:

فالنبي - صلى الله عليه وسلم- جاء ومعه أبو بكر وعمر وهم جماعة من الصالحين، لا يخشى من دخولهم إلى البيت، ولكن ينبغي الحذر الشديد من إدخال الأجانب إلى البيت، إلا إذا كانوا أناساً صالحين تعرف الزوجة يقيناً أن الرجل لا مانع لديه من دخولهم, أما أن يدخل رجل فقط فلا يجوز أن يخلو بالمرأة، ولو كان من أصلح الصالحين!! ولا والله ما مست يدي النبي - صلى الله عليه وسلم- يد امرأة قط ما بايعهن إلا كلاماً من بعيد، والنبي - عليه الصلاة والسلام - ما مست يده في البيعة مع وجود الحاجة للمس في البيعة؛ لأن المبايِع يضع كفه في يد المبايع ويعاهده بالله أن يفعل كذا وكذا, ولا يفعل كذا وكذا مع الحاجة لوضع اليد في البيعة, ومع هذا فالنبي - عليه الصلاة والسلام - ما بايع النساء مصافحة، إنما يبايعهن كلاماً ((إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن... الآية))([6]) قال فيها فبايعهن، فالمبايعة كانت بالكلام، وفي هذا قالت عائشة: [لا والله ما مست يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يد امرأة قط]([7]) فإذن لا تجوز الخلوة لا مع صالح ولا مع غير صالح، ولا تجوز المصافحة لا من صالح ولا من غير صالح فهي حرام، أما دخول البيت فيكون بإذن الزوج، أو من كانت تعلم يقيناً أن الزوج لا يمانع في دخولهم، وكانوا صالحين لا يخشى منهم؛ لأن الفاجر إذا دخل فقد يفضي دخوله إلى حرام مع المرأة. وثانياًَ قد يسرق ويهرب. وثالثاً: قد يضع فيه سحراً أو يضع فيه شيئاً، وكم من أناس ابتلوا في بيوتهم بسبب دخول أناس فجرة فسقة إلى البيوت! وقد يطلعون على أسرار في البيوت، فلذلك لا يدخل الإنسان بيته إلا من يثق به خصوصاً في هذا الزمان، فالإنسان في هذا الزمن يجب أن يتحرى في دخول بيته أكثر من أي زمن آخر؛ لأن الفتن فيه قد عمت، وكثرت فيه المحرمات، والفحش والفسوق والعصيان، فيجب الحذر التام من إدخال الأشخاص المشبوهين إلى البيوت.

تاسعاً: تقديم شيء للضيف أثناء انتظار الطعام:

من أدب الضيافة استحباب المبادرة إلى إكرام الضيف بما يتيسر ريثما ينضج الطعام، فإذا جاءك ضيف فجأة، ولم تستعد لطبخ وليمة ولا ذبيحة ولا شيء فتفعل كما فعله هذا الصحابي, أولاً جاء لهم بعذق بسر وتمر ورطب يأكلون من هذا البسر والرطب والبلح لتسكين جوعتهم في البداية, ريثما يصنع لهم طعاماً. وبعضهم استدلوا به على تقديم الفاكهة على الخبز واللحم, وأن الله يقول أيضاً ((وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون))([8]) وأنه قدم الفاكهة على الطعام، لكن الصحيح أنه ليس في هذه الآية ما يدل على ذلك،([9]) فهذا كلام عن نعيم الجنة، ونعيم أهل الجنة يختلف بأنواعه عن نعيم أهل الدنيا، والفاكهة سواء وضعت قبل الطعام أو بعد الطعام فالكل يصح، والأفضل أن يكون على حسب ما تعود عليه الناس.

عاشراً: السؤال عن النعيم يوم القيامة:

سيسأل العبد يوم القيامة عن المباحات وهذه هي الطامة الكبرى؛ لأننا إذا كنا سنسأل عن المباحات فما بالك بغيرها؟! والنبي - صلى الله عليه وسلم- لما فسر الآية فسرها بهذا الشيء الواقعي الذي حصل ((ثم لتسألن يومئذ عن النعيم))([10]) فقال لهم: (ظل بارد وماءٌ بارد وفاكهة ولحم لتسألن يومئذٍ عن النعيم) فهذا هو الذي يسأل عنه يوم القيامة! مع أن هذا حصل للنبي - صلى الله عليه وسلم- الظل البارد والماء البارد والفاكهة واللحم - في وجبة واحدة وهي إحدى المرات النادرة في حياته!! ونحن نقول: الحمد لله، فكل يوم - تقريباً - عندنا الظل والماء البارد والفواكه واللحم، فإذا لم يوجد دجاج، فسمك وإذا ما وجد سمك فلحم فاللهم لك الحمد! ونسأ الله العفو والعافية – لا شك أن السؤال سيكون شاقاً علينا- تقول عائشة: ( إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين وما أوقد في أبيات النبي - صلى الله عليه وسلم- نار)([11]) يعني ليس هناك شيء يطبخ، بل كانوا يأكلون التمر والماء.

الحادية عشرة: الجود من الموجود:

على الإنسان ألا يتكلف فوق طاقته، وعلى الضيف ألا يشق على المضيف، ولهذا قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: (لا تذبحن ذات در) أي: ذات اللبن لا تذبحها، ولكن اتركها للبن؛ لتستفيد منها في الحلب، دع الحلوب لتستفيد منها واذبح غيرها، فيرشد الضيف إلى انتقاء ما لا يضر بمصلحته، أو ما لا يحرمه من الانتفاع به.

الثانية عشرة: المكافأة على المعروف:

فإن النبي - صلى الله عليه وسلم- لما طعم عنده سأله، قائلاً له: (هل لك خادم؟) قال: لا، قال: (فإذا أتانا سبي فأتني) ولما أتاه السبي كافأه بعبد على هذه الوجبة.

يتبــــــــــــــع.........









 


رد مع اقتباس
قديم 2007-12-03, 17:41   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
عزالدين
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية عزالدين
 

 

 
إحصائية العضو










Flower2 تـابــع لقصة الثلاثة العظماء الذين أخرجهم الجوع

الثالثة عشرة: مشروعية الاستشارة:

على الإنسان أن يأخذ رأي الصلحاء والعقلاء في اختيار الأشياء؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- لما أحضر الرأسان وأتاه أبو الهيثم قال - عليه الصلاة والسلام -: (اختر منهما) فقال: يا نبي الله! اختر لي أنت، أي أنت: أعلم بمصلحتي من نفسي فاختر لي.

الرابعة عشرة: المستشار مؤتمن([12]):

فالنبي - صلى الله عليه وسلم- قال في حقوق الأخوة: (وإذا استنصحك فانصح له)([13]) فهذا أمر يدل على الوجوب، فلا بد أن تبذل له الوسع في نصحه، فلا تختر له بدون تفكير وتأن، وإنما يجب أن تفكر وتجتهد وتبذل الوسع في الدلالة على الخير، وتخبره هل هذا أفضل له أم غيره؟! وهذه مسألة تحتاج إلى تحر ونظر وتفكير.

صفات المستشار المؤتمن:

أولاً: أن يعرف ظرف المستشير وحاله وقدرته.

ثانياً: أن يفكر وينظر في المسألة.

ثالثاً: يستشعر بأن القضية أمانة.

رابعاً: ألا يكتم رأياً فيه المصلحة لمن استشاره، بل يؤديها بكل نصح ووضوح، لا كما يفعل بعض الناس ويقول: سأشير عليه في أي شيء، قد لا يكون مفيداً أو فائدته بسيطة، وأسبقه إليه فهذا لا يجوز، فما دام قد استشارك وعرض عليك الأمر فلا بد من الوفاء. وبعض الناس من خيانتهم في الإشارة أنهم إذا جاء رجل يقول: عندي صفقة تجارية مع فلان كذا ومع فلان كذا، فيقول له: خذ هذه واترك تلك ويدله على الأقل!! ثم يذهب ويأخذ تلك ويسبقه.. فهذه خيانة، ومن خيانة المستشار أن يكتم المصلحة, ولا يفكر جيداً فيما يشير به.
الخامسة عشرة: بيان خطورة البطانة:

فهذه المرأة لما كانت بطانة صالحة لزوجها أشارت عليه بعتق العبد, والنبي – صلى الله عليه وسلم - لما قال: (إن الله لم يبعث نبياً ولا خليفة إلا وله بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، وبطانة لا تألوه خبالاً, ومن يوق بطانة السوء فقد وقي)([14]) وترجع خطورة البطانة للآتي:

أولاً: لأنهم يعرفون أسرار الإنسان.

ثانياً : لأن العادة - في الغالب - أنه يتأثر منهم، ويقتنع بإشارتهم, ويعمل برأيهم، فإذا كانوا بطانة خير كانت أعماله خيراً؛ لأن البطانة يشيرون عليه بالخير، وإذا كانوا أهل سوء فهو يتأثر بهم؛ لأنهم ندماؤه وجلساؤه وأهل ثقته وخاصته والمقربون إليه! فإن دلوه على شر فإنه سيفعل شراً - في الغالب- فمن وقي بطانة الشر فقد وقي.

السادسة عشرة: الشـر محيط بنــا :
فالإنسان لا يكاد يسلم من بطانة سوء: إما صديق سوء، أو قريب سوء، أو زوجة سوء، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله لم يبعث نبياً ولا خليفة إلا وله بطانتان) وذلك لأن النفس أمارة بالسوء، فيجب على العبد مجانبة الشر مهما استطاع.

السابعة عشرة: اختيار الخليل الصالح:

فالسعيد من وقي بطانة السوء، وأنه يجب على الإنسان أن ينقي بطانته فينخلهم نخلاً، وينظر في هؤلاء المقربين إليه جلسائه، وأصدقائه ندمائه، وأصحاب سره وأهل ثقته, من منهم الصالح؟! فيحتفظ به ويضعه على رأسه , ومن منهم صاحب السوء؟! فهذا يتخلص منه ويستغني عنه ويبيعه؛ لأنه لا خير للإنسان في الاحتفاظ ببطانة السوء، ولا يكاد يوجد إنسان منا إلا ويختلط بأشخاص سيئين، وأشخاص طيبين، ولكن قد يكون عند الواحد وجود الطيبين أكثر, وعند واحد وجود السيئين أكثر، ولا يسلم أحد من التعرض لشخص سيئ، فينبغي تركه وهجره ومقاطعته والاستغناء عنه.([15])

الثامنة عشرة: أهل الشر يحكمون التخطيط للشر:

كثير من الناس غرضهم الإفساد، فهم لا يقصرون في إفساد العبد، بل يبذلون المحاولات الشديدة لإفساده؛ ولهذا قال - عليه الصلاة والسلام –: (وبطانة لا تألوه خبالاً) يعني أن هذه البطانة ليس تأثيرها عليه تأثيراً عشوائياً بمجرد وجودهم فقط، وإنما هم يخططون لإفساده، فهم يجتهدون ولا يتركون وسيلة لإفساده إلا سلكوها، ولذلك فإن هذه المسألة في غاية الخطورة؛ لأن هناك أناساً نذروا أنفسهم للشر، يندسون للإفساد، ويشتغلون ليلاً ونهاراً، كما قال –تعالى-: (( بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أنداداً)).([16])

التاسعة عشر: أن النفوس عند بعضها:

فبعض الصالحين قد تتوافق مشاعرهم وأحوالهم مع بعض، ومما يثير الانتباه: أن هؤلاء جاعوا معاً وخرجوا معاً بدون اتفاق، فكل واحد خرج من بيته ثم اتضح في النهاية أن سبب الخروج واحد عند الجميع، بدون سبق علم، ولهذا تجد الناس القريبين من بعض، كالأصدقاء والخلان أحياناً تتوافق مشاعرهم على شيء واحد.

العشرون: اختيار العمال والخدم الصالحين:

لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- لما اختار لأبي الهيثم خادماً اختاره بناءً على كونه رآه يصلي، فهو رجل صالح. فلو عرض على الإنسان خادمة تصلي وأخرى لا تصلي، أو سائق يصلي وآخر لا يصلي, أو موظف يصلي وآخر لا يصلي، فيختار الذي يصلي؛ لأن - الغالب - أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، نعم! قد يوجد كافر عنده أمانة، وآخر يصلي ولكنه خائن!! هذا لا شك موجود، ولكن المصلي أكثر أمانة من غيره، فعلى الأقل أن بينه وبين الله صلة: ((إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر))([17]), فإذن انتقاء المصلين في الأعمال يؤخذ من هذا الحديث، ولا يعني هذا أنك لا تنظر إلى الصفات الأخرى فلا يكفي أن يكون مصلياً فقط، فقد يكون غشيماً لا يفهم، ولكن حاول أن يجمع بين الأمانة والذكاء والقوة كما قال –تعالى-: ((إن خير من استأجرت القوي الأمين))([18])، والأمانة تدخل فيها الصلاة؛ لأن الصلاة أمانة و(القوي): أي الخبير القادر، فاتضح بهذا أن على الإنسان أن يعتمد المصلي كأساس له، ويبحث أيضاً عن الصفات الجيدة في المصلي.

مسائل في الضيافة:

هذا الحديث اشتمل على مسألة الضيافة وما يتعلق بها، فلعلنا نشير إشارة سريعة إلى بعض الأمور المتعلقة بالضيافة:

أولاً: إكرام الضيف المسافر: إن إكرام الضيف من آداب الإسلام، والنبي - صلى الله عليه وسلم- قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه))([19]) وضيافة المسلم المسافر المحتاج واجبة على النازل به مجاناً يوماً وليلة، فإذا نزل مسافر على رجل في طريق المسافرين، وله مزارع وبيت فإنه يجب عليك أن يبذل له ضيافة يوماً وليلةً مجاناً، على قدر الكفاية، وهذا الحق يمكن أن يطالب به عند القاضي، بمعنى أن يذهب إلى قاضي البلد ويقول: نزلت عند فلان في طريق السفر وأبى أن يضيفني مع أنه قادر، والقاضي يرغمه شرعاً على إضافته، فالضيافة هنا واجبة، ويأخذ القاضي من صاحب المكان مالاً بقدر الضيافة، ولو بغير إذنه، ويعطيه للضيف. ويسن أن يكرمه يوماً وليلةً ثانية وثالثة، فالواجبة الأولى، والثانية والثالثة مستحبة، وبعد الثلاثة الأيام من حقه أن يسرحه، ولا يجوز الإثقال على الإنسان بأن يرقد عند الضيف أكثر من ثلاثة أيام؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته يوم وليلة، والضيافة ثلاثة أيام، فما بعد ذلك فهو صدقة، ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يحرجه)([20])، أي لا يجوز للضيف أن يقيم عند صاحب البيت بعد ثلاثة أيام، من غير استدعاء من صاحب البيت، ومن الناس من يسكن مكة والمدينة، فيأتي إليهم ناس من الخارج، ويجلسون عندهم أسبوعاً أو عشرة أيام، أو شهراً، فهذا ضيف ثقيل دم، لأن هذا المكث حرام وفيه إحراج، إلا إذا كان الإنسان تطيب نفسه للضيف ويأنس به، ويرغب منه أن يجلس عنده، أما أن يأتي ويجلس ويضع عنده أولاده وأهله فهذا من سوء الأخلاق وسذاجة النفس ودناءتها، فلا يجوز له أن يفعل ذلك. وكذلك فإن الإنسان يكرم من نزل عليه حتى علف الدابة، وكل ما يحتاجه الضيف على حسب القدرة والطاقة.

ثانياً: الخروج مع الضيف إلى باب الدار: ينبغي للمضيف أن يخرج مع ضيفه إلى باب الدار، قال ابن عباس - رضي الله عنه -: [من السنة إذا دعوت أحداً إلى منزلك أن تخرج معه حتى يخرج]([21]) وهذا من مكارم الأخلاق.

ثالثاً: كذلك من السنة للضيف أن لا يقعد في صدر المجلس إلا إذا أذن صاحب البيت؛ لأن صاحب البيت أحق بصدر مجلسه، وصدر دابته من غيره.

رابعاً: صون العين عن عورات المنزل: إذا جلس الضيف في المجلس فلا يجلس في المكان الذي يرى فيه ما وراء الباب إذا انفتح، أو ما وراء الستار حتى لا يطلع على عورات صاحب البيت.


قصة لطيفة:

وقد حدثت قصة لطيفة بين أبي عبيد القاسم بن سلام - رحمه الله - والإمام أحمد.. وأبو عبيد من كبار أئمة اللغة، والإمام أحمد - رحمه الله - معروف من هو؟ قال أبو عبيد القاسم بن سلام : زرت الإمام أحمد، فلما دخلت قام فاعتنقني وأجلسني في صدر مجلسه، فقلت: أليس يقال: صاحب البيت أو المجلس أحق بصدر بيته أو مجلسه؟ قال: نعم يَقعُد ويُقعِد من يريد. أي إذا كان هذا حقه فآثر به آخر فإن له الحق أن يجلس، قال أبو عبيد: قلت في نفسي: خذ يا أبا عبيد فائدة! ثم قلت: لو كنت آتيك على قدر ما تستحق لأتيتك كل يوم، يعني: يا أحمد تستحق أن يأتيك الواحد كل يوم؛ لما يوجد عندك من الفائدة، وأنه يجب أن يقدرك، قال: لا تقل ذلك فإن لي إخواناً ما ألقاهم كل سنة إلا مرة، أنا أوثق في مودتهم ممن ألقى كل يوم، أي: يوجد ناس بيني وبينهم علاقات، ما ألقاهم في السنة إلا مرة، أعز عليّ من أناس أراهم كل يوم. فالمسألة ليست بكثرة الترداد، وإنما بالمنازل التي في القلوب، قال: قلت هذه أخرى يا أبا عبيد، فلما أردت القيام قام معي، قلت: لا تفعل يا أبا عبد الله! فقال: قال الشعبي: من تمام زيارة الزائر أن تمشي معه إلى باب الدار، وتأخذ بركابه، قلت: يا أبا عبدالله! من عن الشعبي؟ قال ابن أبي زائدة عن مجاهد عن الشعبي يعني السند الذي بينك وبين الشعبي كم؟ قال ابن أبي زائدة عن مجاهد عن الشعبي، قلت: (هذه ثالثة يا أبا عبيد). وهكذا كان السلف - رحمهم الله تعالى- يتعلمون ويذهب بعضهم إلى بعض من أجل أن يتعلموا الفوائد.

إبراهيم عليه السلام يعلم الناس الضيافة:

لقد ضرب إبراهيم الخليل -عليه السلام- المثل العظيم في إكرام الضيف؛ فإنه جاءه ضيوف من الملائكة كما قال –تعالى-: ((هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذا دخلوا عليه فقالوا سلاماً قال سلام قوم منكرون فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم قال ألا تأكلون فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم))([22]).

آداب الضيافة كما في قصة إبراهيم مع ضيوفه:

هذه الآيات اشتملت على آداب الضيافة من قبل إبراهيم الخليل - عليه السلام - فتعالوا بنا ننهي هذا الموضوع باستعراض بعض الفوائد في الضيافة التي حصلت من إبراهيم الخليل - عليه السلام -:

أولاً: أنه قرب الطعام إليهم: ولم يأمرهم بالقيام إلى الطعام, وهذا واضح من قوله: ((فقربه إليهم)) حتى يكفيهم مؤنة الإتيان إلى الطعام، فمن التكريم أن تأتي بالطعام إلى الضيف، لكن مع كثرة الأطعمة التي نضعها اليوم يمكن أن الواحد يمكث نصف ساعة وهو ينقل الأطعمة إلى الضيف، ولذلك لو أنه جهز السفرة ثم قربهم إليها فلا بأس بذلك.

ثانياً:السرعة في الإتيان بالطعام: من أين أخذناه؟ من حرف الفاء ((فجاء بعجل سمين)) وليس: ثم جاء، فإن الفاء تدل على الترتيب والتعقيب، أي المباشرة والسرعة.

ثالثاً: إحضار الطعام بدون إعلامهم لئلا يحرجوا، وبعض الناس يقول: هل تريدون غداءً؟ لو كان صادقاً لأتى بالغداء قبل أن يخبرهم، وأما إبراهيم الخليل فإن الله قال عنه في الآية: ((فراغ إلى أهله)) وراغَ: ذهب خفية لئلا يحرجهم، فما أحسوا به لما ذهب، بل انسل خفية وأتاهم بالطعام.

رابعاً: اختيار أحسن الطعام: ((فجاء بعجل سمين))، وفي الآية الأخرى ((فجاء بعجل حنيذ)) والحنيذ ما هو؟ إنه المشوي على الحجارة المحماة، وهو ألذ الطعام وأصحه، فالمشوي على الحجارة المحماة من أحسن اللحم فاسأل به خبيراً، والمقصود أنك إذا سألت الذين يشوون على الحجارة لقالوا إن ذلك اللحم لذيذ جداً، ويقال أن طعام الكبراء من هذا النوع؛ لأن فيه صحة ولذة، ونضجاً على الحجارة.

خامساً: أسلوب العرض الجميل: فلما قربه إليهم ولم يمدوا أيديهم قال: ((ألا تأكلون)) أسلوب عالٍٍ في غاية اللطف!.

سادساً: حسن الاستقبال: من أين يؤخذ؟ يؤخذ من أن إبراهيم كان بابه مفتوحاً ((إذ دخلوا عليه)) والكريم دائماً بابه مفتوح.

سابعاً: أنهم لما قالوا له: ((سلاماً قال سلام)). فسلاماً هذه جملة فعلية، وسلامٌ جملة اسمية، لأنَّ سلاماً مفعول مطلق لفعل محذوف تقديره فسلموا سلاماً، وسلام مبتدأ، أو خبر ((سلام قوم منكرون)) فهي جملة اسمية، والجملة الاسمية تفيد استقرار المعنى وثباته أكثر مما تفيده الجملة الفعلية، ولهذا قال –تعالى-: ((وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها))([23]).

ثامناً: قوله: ((منكرون)) أي الضيوف الذين لا أعرفهم، فهو يرحب بمن يعرف وبمن لا يعرف، هذا من كرمه - عليه السلام – فهو يكرم الجميع وجاء بعجل حنيذ لناس لا يعرفهم.

تاسعاً: الإنسان يراقب أحوال الضيف حتى يعينه على المقصود، قال –تعالى-: ((فلما رأى أيديهم لاتصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة))،([24]) وفي الآية الأخرى ((ألا تأكلون)) فالإنسان يراعي أحوال الضيف، وماذا يريد وما ينقصه، وبعض الناس يضعون السفرة ويمشون، ولا يدرون ماذا يحتاج الضيوف! فتفقد أحوال الضيوف على المائدة من إكرامهم.

عاشراً: المبالغة في الإكرام: فهو ذبح لهم عجلاً, ولم يذبح لهم ثوراً ,أو جاموساً, كبيراً قد قسي لحمه واشتد عظمه، فالعجل الذي هو صغار البقر لحمه طري.

الحادي عشر: من إكرام الضيف أن يتكلم معه ويحدثه، ليحصل الاستئناس، ولذلك رخص النبي - صلى الله عليه وسلم- في السمر للمصلي والمسافر، والذي عنده ضيف فلا بأس أن يسمر معه في الليل، وإلا فإن الأصل أن بعد العشاء نوم.([25])

والله أعلم, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الخلاصة التعريفية:

الحمد لله وكفى، وصلاة وسلام على عباده الذين اصطفى، ومنهم محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فلقد حدثت في التاريخ قصة عجيبة من أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم – مع أصحابه وهي تبين لنا مدى تعامل الرسول مع أصحابه بكل تواضع.. تلك الروح الطاهرة والنفس المصطفاة على كثير ممن خلق الله، إنه تعامل عجيب بكل المقاييس – قائد من قادات الأمم، وسيد ولد آدم تبلغ به الأمور أن يعاني ما يعاني أصحابه من الجوع والعطش، والبلاء!! بل وأشد منهم تعباً وجوعاً وعطشاً.. وهذه القصة تبين لنا أيضاً آداباً نأخذها لنصلح بها وضعنا، وما وصلت إليه الأمة من التردي المشين في جانب الأخلاق.. تلك الأخلاق العليا التي رسمها لنا أولئك لن تتكرر في هذه الحياة إلا أن يشاء الله، ومن الأخلاق والآداب آداب الضيف والمستضيف، وآداب الضيافة ككل، وهناك فوائد أخرى في القصة منها: معرفة زهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- والإقتداء به، وضرورة إكرام العظماء والعلماء، وحكم الكلام مع المرأة الأجنبية، والشورى ومشروعيتها، وبيان خطورة البطانة وغيرها. ومن خلال ذكر آداب الضيافة ومسائلها يجدر بهذا المقام أن تذكر فيه آداب أخرى نأخذها من معلم الناس الضيافة وهو أبو الأنبياء: إبراهيم الخليل -عليه السلام- في قصته المشهورة مع الملائكة، وكيف احتوت تلك الآيات القصار على معاني جليلة. نسأل الله أن يرحمنا وأن يلحقنا بعباده الصالحين، وأن يتوفانا مسلمين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

يتبـــــــع..............










رد مع اقتباس
قديم 2007-12-03, 17:51   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
عزالدين
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية عزالدين
 

 

 
إحصائية العضو










Flower2 قصة الخصومة بين العمرين

[align=center]قصة الخصومة بين العمرين[/align]

المقدمة:

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين .

أما بعد:

نص القصة:

هذه قصة حدثت في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- بين أفضل الخلق بعد الأنبياء، وهما أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- وهذه القصة يرويها أبو الدرداء - رضي الله عنه- فيقول: (كانت بين أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما- محاورة فأغضب أبو بكر عمر فانصرف عنه عمر مغضبا، فاتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له، فلم يفعل، حتى أغلق بابه في وجهه. فأقبل أبو بكر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقال أبو الدرداء: ونحن عنده, وفي رواية: أقبل أبو بكر آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- : (أما صاحبكم فقد غامر). فسلم وقال: يا رسول الله! إني كان بيني وبين بن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي، فأبى علي فأقبلت إليك فقال:"يغفر الله لك يا أبا بكر" (ثلاثاُ) ثم إن عمر ندم على ما كان منه فأتى منزل أبي بكر فسأل: أثم أبا بكر؟ فقالوا: لا. فأتى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فجعل وجه النبي - صلى الله عليه وسلم- يتمعر؛ حتى أشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه، وقال: يا رسول الله! والله أنا كنت أظلم (مرتين) فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: "إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت وقال أبو بكر: صدقت وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركو لي صاحبي" (مرتين) فما أوذي بعدها) ([1]).

التعليق على القصة:

هذا الحديث فيه وقوع شيء من الخلاف كما يقع بين البشر بين أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما- فأخطأ أبو بكر في حق عمر ثم ندم أبو بكر، فأراد أن يستسمح من عمر (فتأبدى عليه) فذهب أبو بكر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- حاسراً ثوبه عن ركبته فما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم- على هذه الحالة قال: (أما صاحبكم فقد غامر) يعني دخل في غمرة الخصومة وقيل سبق بالخير، فسلم أبو بكر على النبي - صلى الله عليه وسلم- وجلس إليه وقص عليه القصة، وقال: كان بيني وبين بن الخطاب شيء من المحاورة والمراجعة والمقاولة والمعاتبة فأسأت إليه، أي فأغضبته، أي أن أبا بكر أغضب عمر، فانصرف عنه مغضباً فاتبعه أبو بكر قال أبو بكر: ثم ندمت على ما كان فسألته أن يغفر لي، أي أن يستغفر لي فلم يفعل حتى أغلق بابه في وجهي فأبى، وفي رواية: (فتبعته إلى البقيع حتى خرج من داره وتحرّز مني بداره) فاعتذر أبو بكر إلى عمر فلم يقبل منه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- يغفر الله لك يا أبا بكر)" ثلاثاً" ثم إن عمر ندم فذهب إلى بيت أبي بكر الصديق – رضي الله عنه- لكي يصافيه ويعتذر منه، فسأل عنه فقالوا: خرج من المنزل، فذهب عمر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فوجده عنده، فلما سلم عمر وجلس عنده جعل وجه النبي - صلى الله عليه وسلم- يتمعر يعني تذهب نظارته من الغضب، وكان النبي- صلى الله عليه وسلم -أبيضاً جميلاً كأنّ القمر يجري في وجهه - صلى الله عليه وسلم- فجعل وجهه يحمر من الغضب .وفي رواية:" فجلس عمر فأعرض عنه النبي - صلى الله عليه وسلم- ثم تحول فجلس إلى الجانب الآخر فأعرض عنه، ثم قام فجلس بين يديه فأعرض عنه، فقال عمر: يا رسول الله ما أرى إعراضك إلا لشيء بلغك عني، فما خير الحياة وأنت معرض عني"؟ أي خير لي في هذه الحياة إذا كنت معرضاً عني، فقال: (أنت الذي اعتذر إليك أبو بكر فلم تقبل منه؟! وفي رواية: (يسألك أخوك أن تستغفر له فلا تفعل) فقال: والذي بعثك بالحق ما من مرة يسألني إلا وأنا أستغفر له، وما خلق الله من أحدٍ أحب إلي منه بعدك" فقال أبو بكر: "وأنا والذي بعثك بالحق كذلك".

ولما تمعر النبي - صلى الله عليه وسلم- أشفق أبو بكر أن يكون من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لعمر ما يكره، فجثا أبو بكر أي برك على ركبتيه وهو يقول للنبي - صلى الله عليه وسلم- : والله أنا كنت أظلم، قال ذلك؛ لأنه كان هو البادئ، فجعل أبو بكر يعتذر حتى لا يجد النبي - صلى الله عليه وسلم- في نفسه على عمر.

يقول أبو بكر: أنا كنت أظلم ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم- بين فضل الصديق – رضي الله عنه- فأخبرهم بأن الله بعثه فقلتم: (كذبت، وقال أبو بكر: صدقت، وواساني بنفسه وماله). وآساني من المواساة، وصاحب المال يجعل يده ويد صاحبه في ماله سواء، ولهذه سميت مواساة. يقول النبي - صلى الله عليه وسلم- "فهل أنتم تاركو لي صاحبي" وفي رواية : " تاركوه " وجزم بعضهم بأن خطأ ووجه بعضهم ببعض الوجوه في اللغة لما قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم- فهل أنتم تاركو لي صاحبي فهل أنت تاركو لي صاحبي فما أ بعدها.


فوائد القصة:

هذه الحادثة يؤخذ منها فوائد متعددة فمن هذه الفوائد:

1. فضل الصديق - رضي الله تعالى عنه- ومكانته في الإسلام: فهو السابق إلى الإسلام، وأكثر من نفع الدعوة على الإطلاق، واسى النبي - صلى الله عليه وسلم- بأهله، وماله، ونفسه، ولما جعل الكافر بخنق النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر يذب عنه، ويقول: {أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله}([2])، وهو الذي دفع ماله كله في سبيل الله، وهو الذي حمى النبي - صلى الله عليه وسلم- في الهجرة وكان يدعوا إلى الله وأسلم على يده عدد من كبار الصحابة - رضي الله عنهم - وهو الوزير الأول للنبي - صلى الله عليه وسلم- وصاحب الرأي الأعظم بعد النبي - صلى لله عليه وسلم - وهو أفضل الأمة بعد النبي - عليه الصلاة والسلام - وهو خليفته من بعده، وهو الذي تصدى للمرتدين لمّا غمّي الأمر على عدد من الناس بعد النبي - صلى الله عليه وسلم- فقام بالأمر بعده وقف ذلك الموقف المشهود.

وكان أفقه الصحابة لما مات - عليه الصلاة والسلام- واضطرب الأمر عندما تلى عليهم قول الله: {إنك ميت وإنهم ميتون}([3]) وقوله: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم}([4]) فكأن الناس سمعوها لأول مرة، فعلم الناس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مات. وهو الذي قال في قتال المرتدين في ذلك الموقف العظيم: (والله لو منعوني عقالاُ كانوا يؤدونه للنبي - صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم عليه)[5]. وهو الذي أنقذ المسلمين في سقيفة بني ساعدة من التفرق والتمزق - رضي الله عنه- وهو الذي استتب بسببه الأمر لما كفر العرب أجمعون إلا أهل المدينة، ومكة، طائفة قليلة من العرب، وبدأ في عهده التجهيز لغزو فارس والروم. وهو أحب الرجال إلى النبي - عليه الصلاة والسلام- وبنته أحب النساء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فحصل أنه حدث بينه وبين عمر هذه الخصومة([6]).

2. والفائدة الثانية: أن الفاضل لا ينبغي له أن يغاضب من هو أفضل منه: وينبغي أن يحفظ له حقه، وأن الشخص الفاضل ينبغي أن يكون له مكانه في المجتمع، ولا يرد عليه، ولا يمنع طلبه، وإنما يعطى حقه ويلبي حاجته وطلبه، لفضله ومكانته.

3. جواز مدح المرء في وجهه إذا أمنت الفتنة :فإن الأصل عدم جواز مدح المرء في وجهه، ولكن إذا أمنت الفتنة جاز ذلك، كما مدح النبي - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر في محضر من الصحابة لما علم الله أن أبا بكر من الأتقياء الذين لا يغترون بالمدح والثناء. والنبي - صلى الله عليه وسلم- صاحب الوحي هو الذي مدح الصديق في حضرة الصحابة، فإذا أمن الافتتان والاغترار على الشخص جاز مدحه للمصلحة؛ كبيان فضله حتى يعطى حقه، ولا يعتدى عليه، ويتجرأ عليه الناس.

4. أن الغضب يحمل الإنسان على ارتكاب خلاف الأولى، وترك الأفضل أو ترك ما ينبغي فعله في ذلك الموقف، فيصرف الإنسان عن الرؤية الصحيحة، فلا يتخذ الموقف الصحيح.

5. أن الفاضل في الدين يسرع الرجوع إلى الحق :فإن الناس يخطئون، والصحابة بشر يخطئون، ولكن ما هو الفرق بيننا وبين الصحابة؟ الفرق أن الصحابة أخطائهم معدودة، ولكن إذا أخطئوا سرعان ما يرجعون إلى الصواب - رضي الله تعالى عنهم- فالمشكلة حصلت بين أبي بكر وعمر، فبسرعة رجع أبو بكر وبسرعة رجع عمر، فندم أبو بكر ليس بعدها بساعات طويلة وأيام أو شهور؛ وإنما ندم مباشرة فرجع إلى بيت عمر، ولما أخطأ عمر ولم يقبل اعتذار أبي بكر ندم عمر بسرعة، وذهب إلى بيت الصديق. وهذه الميزة وهي سرعة الرجوع إلى الحق هي التي ميزت أولئك القوم حتى صاروا أفضل الأمة، واختارهم الله لصحبة نبيه، ونصرة دينه، والجهاد مع نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم- ومعايشة نزول الوحي، فهم أنصاره ووزراءه - رضي الله عنهم- وهم أفقه الأمة وأعلمها بالحلال والحرام، وأبرها قلوباً - رضي الله تعالى عنهم- ولا يبغضهم إلا منافق ولا يسبهم إلا ملعون.

وفي أبي بكر وعمر ينطبق قول الله –تعالى-: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون}([7]) .فهؤلاء المتقون إذا مسهم طائف من الشيطان من غضب أو خصومة أو سوء تفاهم فسرعان ما يتذكرون، فيرجعون إلى الصواب والحق، فإذا هم مبصرون.

فالصحابة بشر يخطئون وهل هناك أعظم وأفضل من أبي بكر وعمر - رضي الله تعالى عنهما- بعد النبي - صلى الله عليه وسلم-؟! ومع ذلك حصل منهم ما يحصل من البشر من سوء التفاهم. فهم بشر يقع منهم الخطأ وليسوا ملائكة، ولكنهم راجعين إلى الحق.

6. استحباب سؤال الاستغفار والتحلل من المظلوم: فإن الإنسان إذا ظلم أخاه, أو تعدى عليه, أو أساء إليه, أو أخطأ في حقه، فإن المندوب له أن يأتيه، ويطلب منه أن يستغفر له، وأن يتحلل من هذا المظلوم. ويقول له: "سامحني حللني استغفر لي تجاوز عني "ونحو ذلك، فمن كانت له عند أخيه مظلمة فليتحلل منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، ولكن بالحسنات والسيئات.

7. أن الإنسان إذا غضب على صاحبه فربما نسي اسمه وربما نسبه إلى أبيه أو جده: كما قال أبو بكر - رضي الله عنه- كان بيني وبين بن الخطاب شيء.

8. أن الركبة ليس بعورة؛ لأن أبا بكر جاء وقد حسر عن ركبتيه، والنبي - صلى الله عليه وسلم- لم ينكر عليه.

9. أن الإنسان لا ينبغي له أن يرد اعتذار من اعتذر إليه وأن يغلق الباب في وجهه، أو يرفض قبول الاعتذار، وهذه يعملها عدد من الناس، فمن فجورهم في الخصومة تراهم لا يقبلون الاعتذار، ولا يرجعون عن خطئهم، وربما يبقون سنوات، ولا يقبلون الاعتذار، وكلما حاول الشخص أن يعتذر إليهم لم يقبلوا منه، ربما إلى الممات لا يقبلون المعذرة ولا يسامحون، فهذه ليست من شيم المؤمنين، ولا من أخلاق المتقين، وإنما هذه من صفات المعاندين الذين ركب الشيطان على رؤوسهم فنفخهم, فجعلوا يرفضون الاعتذار والعودة والقبول للحق، وإنما شيم الرجال المؤمنون أن يكونوا لينين يقبلون عذر من اعتذر إليهم.

10. أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يعرف بالتوسم حال أصحابه: فلمجرد ما رأى أبا بكر قال: ( أما صاحبكم فقد غامر) فعرف ما به من هيئته، وشكله، ومنظره، وطريقة تشميره عن ثيابه.

11. أن الإنسان إذا أراد أن يستسمح من آخر فليأته في بيته: فهذا أبو بكر لما أخطأ في حق عمر لحقه إلى بتيه،وكذلك عمر لما ندم جاء إلى أبي بكر في بيته؛ لأن الإتيان إلى البيت فيه مزيد من تطييب الخاطر، وإظهار الكرامة للمخطأ عليه؛ لأنه يأتيه في بيته، وفيه مزيد من الاعتناء بالاعتذار؛ لأنه ليس في الشارع أو بالهاتف أو يرسل له رسالة، أو يوكل شخصاً ويقول اعتذر لي من فلان، وإنما يأتيه في بيته. وهذا ما ينبغي أن يفعل عند حدوث الخطأ.

12. أن الإنسان إذا حدثت بينه وبين أخيه مشكلة لم يستطع أن يحلها فإن عليه أن يلجأ إلى الله ثم إلى أهل العلم، وأن يقص القصة دون زيادة ولا نقصان: فإن أبا بكر لما أيس من مسامحة عمر له جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- وقص عليه الخبر حتى يقوم النبي - صلى الله عليه وسلم- بالتدخل والمصالحة أو بيان الحق في مسألة أو حكم أو ونحو ذلك.

13. تواضع أبي بكر الصديق - رضي الله عنه-: وذلك لما جعل يقول: " والله يا رسول الله لأنا كنت أظلم" ولم يشأ أن يسكت حتى النبي - صلى الله عليه وسلم- يشتد على عمر أكثر؟ لم يكن يسر أبا بكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم- يشتد على عمر، وإنما كان أبو بكر يريد سرعة المسامحة والاعتذار، والتوبة مما بدر منه، وأن النبي - عليه الصلاة والسلام - لا يشتد على عمر، ولا يعنفه بمزيد من التعنيف؛ ولذلك تدخل أبو بكر ولم يدع النبي - صلى الله عليه وسلم - يكمل الاشتداد على عمر وجعل يعترف، ويقول: أنا كنت أظلم، رأفة ورحمة بأخيه عمر وإنقاذاً له من الموقف الحرج؛ لأن النبي - عليه الصلاة والسلام - يتكلم وليس كلامه ككلام غيره، وبحضرة الصحابة الآخرين، فهو موقف صعب على عمر، فلم يقل أبو بكر :أدعه يلقنه درساً لا ينساه حتى يتعلم مرة ثانية ألا يسئ إلي مرة ثانية؛!! كما يقع من بعضنا في مثل هذا الموقف فالصديق أرفع درجة من ذلك.

14. أن الفاضل ينبغي أن لا يؤذى، وإنما يحفظ حقه وينشر فضله؛ كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "هل أنتم تاركو لي صاحبي" فينبغي أن يشهر وتنشر فضائله بين الناس؛ إذا كان له سابقة وفضل، وأن ينوه بسابقته وفضله حتى يترك الناس إيذاءه ويعرفوا مقداره وقيمته وحقه، فيكفوا شرهم عنه. فقال - عليه الصلاة والسلام-: "إني رسول الله إليكم جميعاً فقلتم: كذبت وقال أبو بكر صدقت، وواساني بنفسه وماله فهل أنت تاركوا لي صاحبي"، فنوه بفضله، وقيمته، ومنزلته حتى لا يعتدي عليه.

15. أن الإنسان المخطئ عليه أن يخشى على نفسه من العقوبة: ولذلك عمر - رضي الله عنه- لما جاء جلس عن يمين النبي - عليه الصلاة والسلام - ثم عن شماله ثم بين يديه، ثم قال: يا رسول الله فما خير الحياة وأنت معرض عني. يقول إذا أنت غضبت علي فلا خير في العيش لي، إذا غضبت علي فلا يمكن أن يطيب لي عيش، وأنت علي غضبان.

16. ينبغي استرضاء العالم والقدوة والكبير إذا غضب، ويسارع إلى التخفيف من غضبه، ويبادر إلى الاعتذار منه، وطلب عفوه ومغفرته.

17. فضيلة الإعلان بالرجوع عن الخطأ؛ لأن بعض الناس لا يقوى على الإعلان بالرجوع عن الخطأ، وإنما يريد أن يعتذر سراً وليس أمام الناس ولكن أبا بكر يقول و يعتذر أمام الناس "أنا كنت أظلم" أمام الجميع، وعمر جاء يعتذر أمام الجميع فلم يكن ليمنعهم عن إظهار الاعتذار أن يكون بعض الناس حاضرين ويقولون كما هو لسان حال بعض الناس اليوم يقولون نحفظ ماء وجوهنا؛ وإنما الصحابة ليس عندهم مانع أن يعتذر الإنسان ويعترف بخطئه أمام الآخرين.

يتبـــــــــع.........










رد مع اقتباس
قديم 2007-12-03, 17:54   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
عزالدين
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية عزالدين
 

 

 
إحصائية العضو










Flower2 تـابــع لقصة الخصومة بين العمرين

18. أن أفضل رجلين في الإسلام بعد النبي - عليه الصلاة والسلام- ما نقص من قدرهما، ولا من قيمتها أنهما أخطئا، فرجعا عن خطئهما: فهذه القصة نشرت وذكرها المؤلفون في كتبهم، فلا يجد الإنسان في نفسه حرجاً من أ نه إذا أخطأ أن يتوب ويعتذر ويطلب العفو والمسامحة، فخطأ أبو بكر وعمر- رضي الله عنهما- يعلمنا كيف نتعامل مع من أخطاء، وكيف نعتذر، وهذه من بركتهما أنهما أخطأ من أجل بيان ما ينبغي عليه الإنسان إذا أخطأ على صاحبه ورفيقه.

19. ومن الفوائد أهمية تقديم المال والدعم للدعوة إلى الله - سبحانه وتعالى-: وأن الإنسان إذا قدم المال والنفس للدعوة إلى الله، فإن ذلك مما يرفع قدره ومنزلته، ويستوجب صيانة حرمته، والكف عن إيذائه؛ لأن التقديم في سبيل الدعوة عبادة عظيمة ومنفعته نفعه متعديه للآخرين، من نشر العلم وإيصال والهداية إلى الآخرين، والتسبب في إنقاذ ناس من النار ولذلك الصديق من أسباب علو منزلته قال: وواساني بنفسه وماله فتصديق أبو بكر للداعية الأول، النبي - صلى الله عليه وسلم- مواساة بالنفس، فقد عرض نفسه للخطر في عدد من المواضع من أجل النبي - صلى الله عليه وسلم- وواساه كذلك بماله، فتقديم الجهد، وتقديم التضحية لا شك أن لها فضل عظيم؛ لأن الدعوة مجال لهداية للناس ونشر النور إلى الآخرين.

20. إن الإنسان كلما كانت سابقته أقدم في الدعوة وتقديمه أكثر من غيره كلما كان أفضل: ولذلك الله - عز وجل- قال: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى}([8]) فالذي أنفق في وقت غربة الدين، وفي وقت ضعف المسلمين في المرحلة المكية، وفي زمن الاضطهاد وفي وقت الحاجة الماسة؛ لا شك أن بذله أكثر أجراً من غيره ممن بذل في وقت الرخاء والسعة.، ولذلك فإن المبادرة لتقديم والعطاء والبذل في الدعوة وفي سبيل الله يكون أجره أكبر وأعظم ممن تأخر ولم يسارع ؛مع أن لكلهم أجر، وكلاً وعد الله الحسنى.

قصة أخرى تشابه قصة العمرين مع التعليق عليها:

هذه القصة حصلت مع أبي بكر - رضي الله عنه- وربيعة الأسلمي - رضي الله عنه- وفيها شيء مما يجب أن يكون أيضاً في الخصومة بين الإخوان، وهذه القصة سندها جيد رواها الإمام أحمد - رحمه الله- في مسنده عن ربيعة الأسلمي قال: (كنت أخدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقال: يا ربيعة ألا تزوجت؟ قلت: والله يا رسول الله ما أريد أن أتزوج - عرض عليه الزواج لما في الزواج من صيانة العرض والدين- قال: ما عندي ما يقيم المرأة؛ - نفقة ما عندي- وما أحب أن يشغلني عنك شيء. أخشى أن الزوجة تشغلني عنك وعن خدمتك يا رسول الله! يريد أن يخدم النبي - عليه الصلاة والسلام- بنفسه، ويوقف نفسه عليه، فأعرض عني - ترك دعوته إلى الزواج- فخدمته ما خدمته ثم قال لي الثانية: - بعد مدة- يا ربيعة! ألا تزوجت فقلت: ما أريد أن أتزوج ما عندي ما يقيم المرأة، وما أحب أن يشغلني عنك شيء فأعرض عني ثم رجعت إلى نفسي فقلت: والله لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- بما يصلحني في الدنيا والآخرة أعلم مني. يعني أنا الآن راغب عن الزواج من أجل الأجر في خدمته - عليه الصلاة والسلام- لكن هو الذي أشار علي بالزواج فمعنى زواجي فيه أجراً أكثر، والله لئن قال: تزوج،لأقولن: نعم يا رسول الله! مرني بما شئت، قال فقال: يا ربيعة في المرة الثالثة "ألا تزوجت، فقلت: بلى، مرني بما شئت قال: انطلق إلى آل فلان - حي من الأنصار- وكان فيهم تراخ عن النبي - صلى الله عليه وسلم- يعني ما كانوا يواظبون على حضور مجالسته - صلى الله عليه وسلم- لأجل مشاغلهم الضرورية من كسب العيش وغيره. انطلق إليهم فقل لهم: إن رسول الله أرسلني إليكم يأمركم أن تزوجوني فلانة لامرأة منهم – أي أرسل إلى قوم معينين إلى امرأة معينة، فذهبت فقلت لهم: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أرسلني إليكم يأمركم أن تزوجوني فلانة فقالوا: مرحباً برسول الله وبرسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم- والله لا يرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إلا بحاجته) – أي وقد قضيت حاجته- فزوجوني وألطفوني، وما سألوني البينة، وما سألوا عني، ولا أستوظحوا خبري، ولا عن أخلاقي وديني، فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حزيناً. فقال لي: مالك يا ربيعة؟! فقلت: يا رسول الله أتيت قوماً كراماً فزوجوني، وأكرموني، وألطفوني، وما سألوني بينة، وليس عندي صداق؛ لأنهم وثقوا ما دام من عند النبي - عليه الصلاة والسلام- فلم يسألوا عن شيء. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يا بريدة الأسلمي اجمعوا له وزن نواة من ذهب) قال: فجمعوا لي وزن نواة من ذهب، فأخذت ما جمعوا لي، فأتيت به النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال: (اذهب بهذا إليهم فقل هذا صداقها) فأتيتهم فقلت: هذا صداقها هذا مهرها. فرضوه وقبلوه، وقالوا كثير طيب. قال: ثم رجعت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- حزيناً. فقال: يا ربيعة مالك حزين؟! فقلت: يا رسول الله ما رأيت قوماً أكرم منهم رضوا بما آتيتهم، وأحسنوا، وقالوا: كثيراً، طيباً، وليس عندي ما أولم،-أي انحلت مشكلة العقد، والبنت وجدناها، والمهر أديناه، ولكن بقي الوليمة - قال: (يا بريدة اجمعوا له شاة ) تأمل كيف تنحل المشاكل في العهد النبوي!! في سرعة فائقة، فليس في ذلك العهد مشاكل تتوقف لمدة سنة أو سنتين؛ وإنما أجمعوا لأخيكم، فالأمور ميسرة وبسيطة، والأمور تمشي بسهولة، والمهم هو أن يحصل الزواج والعفاف، قال: فجمعوا لي كبشاً عظيماً يعني ما يكفي لشراء كبش كبير سمين فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (اذهب إلى عائشة فقل لها فلتبعث بالمكتل الذي فيه الطعام .-والمكتل: الزنبيل وعاء يسع خمسة عشر صاعا-ً قال فأتيتها فقلت لها: ما أمرني به رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقالت: هذا المكتل فيه تسع آصع شعير بسعة صاع . آصع: جمع صاع ويجمع أيضاً على أصوع وصيعان. "لا والله إن أصبح لنا طعام غيره" خذه والله ما عندنا طعام غير هذا الذي طلبه النبي - عليه الصلاة والسلام- أن تأتيه به فكل الموجود تسعة أصواع من الشعير عندنا!! هذا كله الذي في مطبخ عائشة إذا كان لديها مطبخ وهي حجرتها – رضي الله عنها- ولما لم يكن عندها إلا تسعة آصع من الشعير، لم تبخل به، لأنها لم تكن بخيلة في يوم من الأيام، ولأن زوجها كريم، فأخذته فأتيت به النبي - صلى الله عليه وسلم- فأخبرته ما قالت عائشة فقال: (اذهب بهذا إليهم فقل: ليطبخ هذا عندكم خبزاً، فذهبت إليهم، -أي أهل العروس- وذهبت بالكبش، ومعي أناس من أسلم، فقال: ليصبح هذا عندكم خبزاً،وهذا طبيخاً، - أي أنا أحضرت لكم المواد الخام وأنتم عليكم الصناعة والطبخ، وهذا الكلام كله موجه لأهل العروس!!. فقالوا: أما الخبز فسنكفيكموه وأما الكبش فأكفونا أنتم، - هو أخذ أناس من جماعته من بني أسلم فقال أهل العروس: الخبز مقدور عليه عندنا في من يخبز، وأما الكبش فعليكم تأمل معي - سبحان الله-!! سهولة، ورغبة، وتعاون فليس هناك اعتراضات (مثل، لا، نحن، أنتم، علينا، عليكم!!) .تأمل معي كذلك في زمننا أحد الأخوة يقول :ما ذهبنا نناقش في موضوع زواج أحد الأقارب، لما جلسنا مع الرجل وأبيه كان نقاش عجيب قال حتى إن أباه قال: البيبسي على من؟!! فقال له لأخ مستغرباً لمثل هذه الشروط الببسي على من؟!! قال: لا بد لكل شيء من أن يكون واضحاً! قال ربيعة: فأخذنا الكبش أنا وأناس من أسلم فذبحناه وسلخناه وطبخناه، فأصبح عندنا خبز ولحم، فأولمت ودعوت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فلو قلنا ما علاقة هذه القصة بموضوعنا الأصلي؟ وهو كيف يتعامل الإخوان مع بعضهم إذا حصل بينهم سوء تفاهم، واختلاف في أي أمر من الأمور؟! وكيف يمكن تدارك الخطأ، وطلب المسامحة والاعتذار؟ فنقول: إنه جاء في القصة هذه أن ربيعة الأسلمي قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أعطاني أرضاً بعد الزواج، جاءه الخير وفتح الله عليه([9])، وأعطاني أبو بكر أرضاً وجاءت الدنيا فاختلفنا في عذق نخلة. (المشكلة إذا جاءت الدينا!!) ويبدوا أن بعض الشراح قال: إن كلمة (أعطاني) خطأ من بعض النساخ وأن الصحيح (أعطاني أرضاً وأعطى أبو بكر أرضاً) فقلت أنا: هي في حدي وقال أبو بكر: هي في حدي.. فكان بيني وبين أبي بكر كلام فقال: أبو بكر كلمة كرهها وندم أثناء المحاورة. فقال لي يا ربيعة: رد علي مثلها حتى تكون قصاصاً، فالآن أبو بكر - رضي الله عنه - قال كلمة في الحوار غليظة فندم مباشرة على أن قالها. وهذه هي العظمة في هذا الشخصية المباركة أنه ندم على الكلمة فوراً، وفي مثل هذه الحالة الكلمة قد خرجت منه ولكن ما هو الحل؟ قال أبو بكر لربيعة الأسلمي: رد علي مثلها حتى تكون قصاصاً. أي يقول له اقتص مني فقل لي مثلما قلت لك، فمثلاً لو قلت لك: يا غبي !فلا بد أن تقول لي يا غبي، حتى تصير قصاصاً واحدة بواحدة، ولو قلت لك :يا طماع فلابد أن تقول لي يا طماع، فتصير واحدة بواحدة. فأبو بكر يصر على القصاص؛ لأن القصاص في الدنيا أهون من القصاص في الآخرة. قال ربيعة قلت: لا أفعل، فقال أبو بكر: لتقولن أو لأستعدين عليك رسول الله – صلى الله عليه وسلم- اشتكيت فقلت: ما أنا بفاعل، قال: ورفض الأرض – أي أبو بكر ترك العذق – وقال: خذ النخلة وترك الأرض التي فيها العذق المتنازع عليه- تركها لربيعة تكرماً منه- وبقيت الكلمة التي أسأته والتي قالها لأخيه هي المشكلة الوحيدة ؛أما الأرض فتركها لربيعة وانطلق أبو بكر - رضي الله عنه- إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- قال ربيعة : وانطلقت أتلوه - يعني أتبعه- فجاء ناس من أسلم من قبيلة ربيعة الأسلمي فقالوا لي: رحم الله أبا بكر في أي شيء يستعدي عليك رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهو قال لك ما قال؟! يعني يشتكيك على ماذا؟ وهو المخطئ؟!! فقلت: أتدرون ما هذا؟ هذا أبو بكر الصديق، هذا ثاني اثنين، وهذا ذو شيبة المسلمين، إياكم لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه فيغضب، فيأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فيغضب لغضبه، فيغضب الله - عز وجل- لغضبهما فيهلك ربيعة!، قالوا: ما تأمرنا؟ قال: ارجعوا، جاءوا لينصروا صاحبهم فقال لهم ارجعوا. قال: فانطلق أبو بكر - رضي الله عنه- إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فتبعته وحدي - بدون جماعة- حتى أتى النبي - صلى الله عليه وسلم- فحدثه الحديث كما كان، فرفع إلي رأسه - صلى الله عليه وسلم- فقال لي: يا ربيعة مالك وللصديق؟! قلت: يا رسول الله كان كذا وكذا، قال لي كلمة كرهها فقال لي: قل كما قلت حتى يكون قصاصاً فأبيت فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم:"أجل فلا ترد عليه، ولكن قل غفر الله لك يا أبا بكر" فقلت: غفر الله لك يا أبا بكر، قال الحسن: فولى أبو بكر - رضي الله عنه- وهو يبكي"([10]).

فالتشابه بين القصتين أيضاً أنه حصل شيء من سوء التفاهم بين أبي بكر - رضي الله عنه- وبين ربيعة الأسلمي – رضي الله عنه -؛ هي السرعة العجيبة في رجوع أبي بكر الصديق- رضي الله عنه- والاعتذار والتنازل عن الأرض أصلاً. ثم إن ربيعة - رضي الله عنه- يعرف قدر الصديق ولذلك قال: أتدرون ما هذا هذا أبو بكر الصديق، ثاني اثنين، هذا ذو شيبة المسلمين. هذا شيبتنا، وهذا كبيرنا فهذا لو غضب ربما يغضب الله علنيا ! فبسبب أننا إذا أغضبناه ربما يغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يغضب الله علينا. كذلك فإن ربيعة لم يرد أن يتكلم على الصديق؛ لأنه يعرف أن الصديق مقامه عظيم، فاستعظم أن يرد عليه، فهو لم يرفض أن يرد عليه لأجل إحراج الصديق، ولكن قدر الصديق وفضله وعظمته عنده، هو الذي منعه أن يرد عليه، فكيف يتقص منه وفي مثل هذه الحالة؟ ما هو الحل؟ الحل: أن يقول المخطأ عليه للمخطئ غفر الله لك، وهو ما علمه النبي - صلى الله عليه وسلم- لربيعة، فقال له: لا ترد عليه، ولكن قل: "غفر الله لك يا أبا بكر فقلت: غفر الله لك يا أبا بكر". وفيها خوف الصديق ورقته، وتأثره، وكيف أنه ولى وهو يبكي.

فهذه القصة لوحدها فيها فوائد كثيرة في مسألة تيسير الزواج، والمهور، وكيفية استقبال الناس لصاحب الدين إذا جاءهم يريد الزواج منهم، وكيف يجمع المهر، وكيف تيسر الأمور، وكيف حل المشكلات بين أهل الزوجة والزوج، وأهل الزوجة والشخص المتقدم، وكيف أن الدنيا سبب المشكلات بين الناس عامة، والإخوان خاصة.

وأهم هذه الفوائد :

1) ما قاله ربيعة: (وجاءت الدنيا فاختلفنا في عذق نخلة) فطيلة الحياة تمشي الأمور بالأخوة بدون اختلاف، فإذا جاءت الدنيا فكل واحد يقول: أعزل نصيبي عن نصيبك، وهنا يحدث الخلاف، فهذه الدنيا سبب الخلاف،وهي التي تجر إلى الخصومة؛ ثم تجر إلى الكلام الذي لا يليق بين الإخوان.

2) كيف أن الصديق أراد أن يتحلل من أخيه في الدنيا قبل الآخرة.

3) أن الإنسان لا يستعين بقوم على الباطل: فالنبي - عليه الصلاة والسلام - أخبر أن الذي يعين قومه على غير الحق مثل البعير المتردي بذنبه، فإذا تردى الإنسان بذنبه فهل لأحد يخرجه؟! أو تردى في بئر هل لأحد أن يسحبه؟! لا يمكن ذلك أبداً، ولذلك يدفعونه إلى الهلاك دفعاً، فرجوعه صعب إذا قام قومه معه في الباطل؛ فإن رجوعه صعب فهذه قصة الصديق - رضي الله عنه- في المرتين تبين أشياء كثيرة من حقوق الإخوة، ماذا يجب أن يكون عليه الحال بين الإخوة؟ وتبين الخلاف بينهم لا يمكن منعه بالكلية لكن إذا حصل ما هو الموقف الصحيح كيف تعالج الأمور؟.



يتبــــــــع.........










رد مع اقتباس
قديم 2007-12-03, 17:56   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
عزالدين
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية عزالدين
 

 

 
إحصائية العضو










Flower2 تـابــع لقصة الخصومة بين العمرين

الأسئلة:

س1. مرض قريب لي فأدخل المستشفى، ولم يكن لديه ما يسد به نفقات العلاج، فهل يجوز أن يكون ذلك من الزكاة؟

ج/ نعم إذا كان لا يقدر على ذلك العلاج، وهو محتاج فيعطى من الزكاة.



س2/ ما حكم إعطاء الزكاة للخادمة؟

ج/ لا يجوز للإنسان أن يستفيد من الزكاة بشيء، ولا أن يرغب الخادم بالبقاء وأن يجعل الزكاة وسيلة لتحسين خدمتها مثلاً فلا يعطيهم من الزكاة. وهذا هو رأي الشيخ عبد العزيز - رحمه الله-).

س3/ جئت إلى الظهران للدراسة لمدة سنة، وأعود يوم الأربعاء أو الجمعة من كل أسبوع إلى مدينة جدة فإذا أردت العمرة هل يكون الإحرام من جدة أو من الظهران؟

ج/ إذا كان لك بيت في جدة فيجوز لك أن تحرم من جدة من بيتك؛ لأنك من أهل جدة، وإذا لم يكن لديك بيت في جدة، فإنك تحرم من المكان الذي يحرم منه أهل المنطقة هنا -لا ندرى في أي مدينة كانت هذه المحاضرة-.

س4/ إذا كان صديقك يبتعد عنك، ولا يقوم بواجب الصداقة وهو قام بالخصومة هل أفارقة؟

ج/ لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فأنت عليك أن تلقاه، وتسلم عليه، وتعطيه الحقوق العامة على الأقل. فإذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصحه، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، إذا مات فاتبعه.

فهذه الحقوق العامة تعطيها إياه ثم بعد ذلك إذا هو صدك فأنت ليس عليك – إن شاء الله- إثم، وإذا سلمت عليه ولم يرد عليك، فلك الأجر-إن شأ الله- وعليه الوزر، وأنت خير منه. وكذلك يرد عليك منه هو خير منه وهم الملائكة كما جاء في الحديث الصحيح.

س/هل يجوز الاعتذار بالهواتف أو الرسالة؟

ج/ نعم لا شك في ذلك ولكن

الأولى: أن تأتيه في بيته، وتعتذر له، ولكن قد يكون في بلد بعيد أو يصيب الإنسان بعض الحساسيات والإحراجات، فيريد أن يتلافى المواجهة بالرسالة فلا بأس بذلك.

س/ ميدالية مفاتيح المطلية بالذهب؟

ج / لا يجوز استعماله للرجال سواء كان مطلياً أو خالصاً.

س/ ما حكم الهدايا التي تقدم من المرابين؟

ج/ إذا كانت أموال ربوية فلا تقبل، ولكن يمكن أن توضع في مكان عام، أو لأناس فقراء يستفيدون منها، كالمال الضائع الذي ليس له صاحب.

س/ كنت على سفر فنويت الإفطار ولكني لم أفطر؟

ج/ هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، فذهب بعضهم: إلى أنه يفطر بمجرد أنه نوى الإفطار. وقال بعضهم لا يفطر إلا إذا تعاطى مفطراً، كالأكل أو الشرب، أو الجماع، وهذا هو الراجح - إن شاء الله- ولكن الأحوط أن يقضي خروجاً من الخلاف. وبالله التوفيق.

س/ شربت ماءاً بعد بدأ أذان الفجر؟ فماذا علي؟

ج/ ينبغي على الإنسان إذا أذن أن يمتنع عن الطعام والشراب، ولكن مثل هذا الذي أكل أو شرب أثناء الأذان لا يؤخر بالقضاء إلا إذا كان الأذان على طلوع الفجر الصادق حقيقة يراه أمامه؛ فعند ذلك يكون قد أكل في نهار رمضان وشرب فيؤمر بالقضاء والتوبة.

س/هل يجب على المرأة أن تغطي شعرها أثناء إقامة حلقة القرآن في البيت؟

ج/ نعم يجب أن تغطي شعرها فلا يجوز أن تقرأ وهي كاشفة الشعر.

س/ ماذا نعمل في رجل يعمل في الربا، ولكنه يطلب منا ويدعونا إلى بيته، وإذا امتنعنا يحصل قطيعة الرحم؟

ج/ إذا أمكن أن تذهبوا ولا تطعموا عنده، أو تدعوه إلى بيتكم، أو تذهبوا بطعامكم إليه، فهذا أفضل. وأما إذا كان المال مختلط فيجوز الأكل من طعامه حينئذ، أو إذا كانت زوجته موظفة والمال مشترك بينهما فيؤكل من طعامهم؛ لأن الحرام لم يتميز.

س/ حبذا لو ذكرت إخواننا في الله عن حكم قدوم المسجد لمن أكل ثوماً أو بصلاً أو شرب الدخان؟

ج/ هذا كان في أول ليلة عندما ذكرناهم كتبابياً بهذه القضية ونعيد التذكير مرة أخرى.

س/ أعطى المؤذن مائة ريال وقال اشتري سجادة للإمام والمسجد مفروش والحمد لله والذي أعطى المال لا يعرفه حتى نرجع إليه فماذا تفعل؟

ج/ إذا كان لا يشرع الآن فرش السجادة على السجادة ولا وضع السجادة للإمام والمسجد مفروش ويوجد سجادة، فإننا نشتري به مفرشاً في مسجد غير مفروش أو نضعه في مسجد آخر مثلاً أقرب شيء إلى نية المتبرع إذا لم يتم تنفيذ نية المتبرع.

س/ ما معنى أغسل حوبتنا؟

ج/ الحوبة: الذنب العظيم الكبير ومنه قوله تعالى "إنه كان حوباً كبيراً"([11]).



الخلاصة تعريفية:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد:

فإن للقصص فوائدها وثمراتها، وخاصة إذا كانت من قصص الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام- أو من قصص الصحب الكرام – رضي الله عنهم وأرضاهم- وجمعنا بهم في الجنة، ولا أدل على ذلك من قصة اختلاف أبي بكر مع عمر، وما جرى بينهما من حوار ومحادثة، فاختلفا فأغضب أبي بكر عمر؛ فانصرف عنه عمر، ثم بعد فترة قصيرة تبعه أبو بكر يسأله العفو والمسامحة، فرفض عمر طلبه، حتى أنه أغلق بابه في وجه أبي بكر فانصرف أبو بكر إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم- وهو حاسر ثوبه عن ركبتيه، فلما رآه النبي قال: أما صاحبكم فقد غامر، ومعنى غامر " أي دخل في غمرة الخصومة" حتى أن أبا بكر – رضي الله عنه- كان يقول: أنا كنت أظلم منه بعد أن رأى معاتبة النبي - صلى الله عليه وسلم- لعمر وشدته عليه، وهذا الخطأ منهما لا يعد سيئة، بل يعد حسنة من حسناتهما –رضي الله عنهما- حيث أنهما علما أننا إذا اختلفنا وأخطأ بعضنا على بعض، كيف يعتذر ويطلب المسامحة، وأضف إلى ذلك بعض الفوائد التي استخرجها العلماء من هذه الحادثة.فمن أرداها فليراجعها في مضانها، مع أن العلماء – رضي الله عنهم- ذكروا هذا الحديث وهذه القصة في كتاب فضائل الصحابة ومنهم الإمام البخاري في موضعين في صحيحه والإمام مسلم في كتاب الفضائل، باب من فضائل أبي بكر –رضي الله عنه- وكذلك قصة أبي بكر مع ربيعة الأسلمي ذكرها الإمام أحمد في مسنده.

يتبـــــــــــع.........










رد مع اقتباس
قديم 2007-12-03, 18:09   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
عزالدين
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية عزالدين
 

 

 
إحصائية العضو










Flower2 قصة أبي هريرة والشيطان

[align=center]قصة أبي هريرة والشيطان[/align]

الشيطان هو ذلك العدو الملازم للإنسان، مختص بغوايته وإضلاله، ولكنه رغم عدائه وكذبه صدق مع أبي هريرة في نصيحته له بقراءة آية الكرسي، فمن قرأها فلا يزال عليه من الله حافظ. وقد وضح الشيخ في هذه المادة أسباب فضل آية الكرسي، والوسائل التي تعين على الحذر من الشيطان، وقبل هذا وذاك ذكر فوائد قصة أبي هريرة والشيطان، والتي تربو على عشرين فائدة، بعد أن صدر المادة بذكر نص الحديث وبعض مواقف الصحابة مع الجن.


نص حديث أبي هريرة مع الشيطان وشرح ألفاظه:

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعــد: فلقاؤنا في هذه الليلة وقصتنا -أيها الإخوة- مع أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، لنلتقي معه في هذه القصة العظيمة التي رواها الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه : عن أبي هريرة قال: (وَكَّلَنِي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام، فأخذته وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: إني محتاج وعليَّ عيالٌ ولي حاجةٌ شديدة، قال: فخليت عنه، فأصبحت فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟ قال: قلت: يا رسول الله! شكا حاجةً شديدة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله، قال: أما إنه قد كذبك وسيعود، فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه سيعود. فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: دعني فإني محتاج وعلي عيالٌ ولن أعود، فرحمته فخليت سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا هريرة ما فعل أسيرك؟ قلت: يا رسول الله! شكا حاجةً شديدةً وعيالاً فرحمته فخليت سبيله، قال: أما إنه قد كذبك وسيعود. فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذه ثلاث مرات تزعم أنك لا تعود ثم تعود، قال: دعني وسوف أعلمك كلماتٍ ينفعك الله بها، قلت: ما هي؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي – {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم } [البقرة:255]- حتى تختم الآية، فإنه لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنك شيطانٌ حتى تصبح؛ فخليت سبيله. فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما فعل أسيرك البارحة؟ قلت: يا رسول الله! زعم أنه يعلمني كلماتٍ ينفعني الله بها، فخليت سبيله، قال: وما هي؟ قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية: - {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم} [البقرة:255]- وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطانٌ حتى تصبح -وكانوا أحرص شيءٍ على الخير- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إنه قد صدقك وهو كذوب، أتعلم من تخاطب منذ ثلاث ليالٍ يا أبا هريرة ؟ قال: لا. قال: ذاك الشيطان). هذا الحديث أخرجه البخاري رحمه الله تعالى في كتاب: الوكالة، باب: إذا وكل الموكل رجلاً فترك الوكيل شيئاً فأجازه الموكل فهو جائز، ورواه رحمه الله كذلك في كتاب: فضائل القرآن من صحيحه . هذا الحديث في شرحه: أن النبي صلى الله عليه وسلم وكَّل أبا هريرة بحفظ زكاة رمضان، والمقصود زكاة الفطر ليفرقها النبي صلى الله عليه وسلم على الفقراء، وفي رواية: أن أبا هريرة كان على تمر الصدقة، فوجد أثر كفٍ كأنه قد أخذ منه. - وقوله: (من الطعام) المراد بالطعام: البر ونحوه مما يزكى به، وهذا دليل على أن صدقة الفطر تخرج من الطعام، فقد جمعها النبي عليه الصلاة والسلام من الطعام ووكَّل بحفظها أبا هريرة . - وفي الحديث قوله: (لأرفعنك) أي: لأذهبن بك أشكوك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: ليقطع يدك لأنك سارق. - وقوله: (إني محتاج وعلي عيال) أي: فقير في نفسي، (وعليَّ عيال) أي: أظهر حاجة أخرى وهي وجود عيال له، ثم قال مؤكداً حاجته: (ولي حاجةٌ شديدة) أي: زائدة، وشديدة: صعبة كدينٍ أو جوعٍ مهلك.. ونحو ذلك، فهذا تأكيد بعد تأكيد، يقول: (إني محتاج وعليَّ عيال ولي حاجةٌ شديدة). - وقوله: (إني محتاج وعلي عيال) وفي رواية: (إنما أخذته لأهل بيتٍ فقراء من الجن). - وقوله: (فرصدته) أي: ترقبت مجيئه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنه سيأتي. - وقوله: (إنه سيعود) هذا تأكيد من الصحابي رضي الله عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبره بذلك. - وقوله في آخر الحديث: (لن يزال عليك من الله حافظ) أي: لن يزال من عند الله أو أمر الله حافظٌ عليك من قدرته سبحانه أو من الملائكة، لا يقربك شيطان لا إنسي ولا جنيٌ، لا أمر ديني ولا دنيوي. - وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صدقك -أي: في تعليمه لك- وهو كذوب) أي: في سائر أقواله؛ لأن هذه عادة الشيطان. هذا الحديث يبين حلقة من حلقات الصراع بين المسلم والشيطان.


مواقف متفرقة للصحابة مع الجن:

لقد حصل لعددٍ من الصحابة مواقف مثل موقف أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، فمن هذه المواقف:

1- أن أبا أيوب الأنصاري حدَّث أنه كانت له عكة فيها تمر، وكانت تجيء الغيلان من الجن -ومنه قول الصحابي: [إذا تغولت الغيلان فعليكم بالأذان] إذا تراءت الغيلان أمامكم وظهرت فعليكم بالأذان؛ لأن الأذان يطردها- وتأخذ منه، وفي الرواية: أنها علمته آية الكرسي، وأنه لا يقربه شيطان، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صدقك وهو كذوب).

2- كذلك قصة أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه: أن أباه كعباً أخبره أنه كان له جرين فيه تمر -والجرين: هو البيدر الذي يجمع فيه الطعام- وكان يتعاهده، وكلما جاء يتعاهد هذا البيدر وجده قد نقص، فحرسه ذات ليلة فإذا هو بدابةٍ كهيئة الغلام المحتلم، قال: فسلم فرد السلام، فقال: ما أنت جنٌ أم إنس؟ قال: جنٌ، فقلت: ناولني يدك، فإذا هي يد كلب وعليها شعر كلب، فقلت أهذا خلق الجن؟ قال: لقد علمت الجن أن فيهم من هو أشد مني، فقلت: ما يحملك على ما صنعت؟ قال: بلغني أنك تحب الصدقة فأحببت أن أصيب من طعامك. فقلت: ما الذي يحرزنا منكم؟ قال: هذه الآية -آية الكرسي- فتركته ثم غديت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته قال: صدق الخبيث. رواه ابن حبان في صحيحه .

3- وحدثت كذلك حادثة أخرى رواها عبد الله بن مسعود قال: لقي رجلٌ من أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم رجلاً من الجن فصارعه فصرعه الإنسي، فقال له الإنسي: إني لأراك ضئيلاً شخيتاً كأن ذريعتيك ذريعتا كلب -تصغير ذراع- فكذلك أنتم معشر الجن أم أنت من بينهم كذلك؟ قال: لا والله. إني منهم لضليع. يقول الإنسي: أنا أراك ضئيلاًً -أي: دقيق الجسم- شخيتاً -أي: مهزولاً- فهل أنتم الجن هكذا أم أنك أنت ضعيف من بينهم؟ قال: لا والله إني من بينهم لضليع- أي: جيد الأضلاع، ولكن عاودني الثانية فإن صرعتني علمتك شيئاً ينفعك، قال: نعم. فصارعه فصرعه قال: تقرأ: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم [البقرة:255] فإنك لا تقرأها في بيتٍ إلا خرج منه الشيطان له خبجٌ -أي: ريحٌ- كخبج الحمار، ثم لا يدخله حتى يصبح. وهذه الروايات في بعض أسانيدها ضعف، لكن ثبت أن عمر رضي الله عنه صارع جنياً فصرعه، وهذا من قوة عمر رضي الله عنه، وعاوده فصارعه فصرعه.

4- وجاء في بعض الروايات كذلك: أن أبا هريرة رضي الله عنه عندما كان يحرس تمر الصدقة اشتكى لما رأى ذلك الرجل يأخذ منه، قال: فأخذته فالتفت يدي على وسطه فقلت: يا عدو الله! وثبت إلى تمر الصدقة فأخذته وكانوا أحق به منك، لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيفضحك، وفي رواية قال: ما أدخلك بيتي تأكل التمر؟ قال: أنا شيخ كبير فقير ذو عيال، وما أتيتك إلا من حاجة، ولو أصبت شيئاً دونك ما أتيتك، ولقد كنا في مدينتكم هذه حتى بُعث صاحبكم، فلما نزلت عليه آيتان تفرقنا منها، فإن خليت سبيلي علمتكهما، قلت: نعم. قال: آية الكرسي، وآخر سورة البقرة من قوله: آمَنَ الرَّسُولُ .. [البقرة:285] إلى آخرها. هذه بعض الروايات التي جاءت في حديث معاذ رضي الله عنه أيضاً، لكن قصة أبي هريرة رضي الله عنه مع الشيطان أثبت القصص كما هي في صحيح البخاري .


فوائد من قصة أبي هريرة مع الشيطان:

هذه القصة يؤخذ منها فوائد كثيرة ومتعددة، فمن هذه الفوائد:

أولاً: أن الشيطان قد يعلم ما ينتفع به المؤمن.

ثانياً: أن الحكمة قد يعلمها الفاجر ولكنه لا ينتفع بها؛ لأنه لا يعمل بها، وربما تأخذ علماً من رجل فاجر، والعلم هذا نافع؛ ولكن الفاجر لا ينتفع به لفجوره.

ثالثاً: أن الشخص قد يعلم الشيء ولا يعمل به، وهذا كثير حاصل، وكثيرٌ من الناس عندهم معلومات كثيرة لكن لا يعملون بها، لو كانوا يعملون بالمعلومات التي عندهم لتغيرت أحوالهم؛ لكنها معلومات بدون عمل، ومعلومات بدون عمل لا تنفع، ولو كنا نعمل بعشر ما نعلم لتغيرت أحوالنا كثيراً.

رابعاً: أن الشيطان قد يَصْدُق أو يُصَدِّق ببعض ما يصدق به المؤمن، ومع ذلك لا يكون مؤمناً، هذا الشيطان يقول: إن هذه الآيات تحفظك من الشياطين، هو صدق بهذا لكن هذا التصديق لا يعني أنه مؤمن.

خامساً: أن الكذاب قد يصدق، فبعض الكذابين يمكن أن يَصدقوا في بعض الأحيان مع أنهم كذابون، وهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال في الشيطان: (صدقك وهو كذوب).

سادساً: أن العادة والغالب على الشيطان الكذب، وأنه نادراً ما يصدق. وكذوب صيغة مبالغة من قوله: (صدقك وهو كذوب).

سابعاً: أن الشيطان قد يتصور بصورةٍ يمكن للإنسي أن يراه من خلالها؛ لأن الله يقول في كتابه: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ } [الأعراف:27]، الشيطان يراكم وأنتم لا ترونه { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ } [الأعراف:27] هو ومن على شاكلته من الشياطين يرونكم وأنتم لا ترونهم، فإذا كان الله يقول: {مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف:27] فكيف رآه أبو هريرة؟ وكيف رآه الصحابة الآخرون؟ فنقول: عندما تصور بصورة أخرى غير الصورة الأصلية، أي: أنه لو كان هو على شكله الأصلي الحقيقي فلا يمكن أن نراه {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف:27] لكن إذا تشكل بصورة كلب أو حية أو على صورة هذا الكائن المهزول كأن ذراعيه ذراعي كلب، فحينها يمكن أن نراه؛ لأنه تشكل بصورة أخرى، فنراه بهذه الصورة التي تشكل عليها، لكن الصورة الأصلية التي خلقه الله عليها لا يمكن أن نراه وهو عليها { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف:27].

ثامناً: أن الشخص الذي يقام على حفظ الأشياء يسمى وكيلاً، فمن يوكل بحفظ الصدقة فهو وكيل.

تاسعاً: أن الجن يأكلون من طعام الإنس، قال الله عز وجل: { وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ } [الإسراء:64] والطعام يدخل في الأموال، فإذا أردت أن تمنع الشيطان من مشاركتك في الطعام فقل: باسم الله، وإذا دخلت منزلك فقل: باسم الله فإنه لا يدخل معك، وإذا قدم الطعام فقلت: باسم الله فإن الشيطان يقول: لا مبيت لكم ولا عشاء، فإذاً تستطيع أن تحرم الشيطان من مشاركتك في الطعام عندما تسمي الله عليه. وكذلك إذا كان إناء فيه طعام غطه، وقل: باسم الله، فإن من فائدة تغطيته وقول: باسم الله منع الشيطان من الأكل منه، وإن الشيطان يأكل ويشرب من الإناء المفتوح، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ولو أن تعرض عليه عوداً وتسمي الله) فلو وضعت عوداً دون الغطاء، وقلت: باسم الله، فلا يستطيع الشيطان أن يأكل أو يشرب منه. وكذلك يفيد في منع نزول الداء من السماء، فإن في السنة ليلة ينزل فيها داء كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا شيء غيبي، فإذا غطيت الإناء فلا ينزل الداء، فإذاً فائدة تغطية الإناء، وقول: باسم الله ما يلي:

أولاً: منع الداء.

ثنياً:منع الشيطان من أن يشاركك في مطعومك ومشروبك.

ثالثاً: أن باسم الله تمنع الشيطان من النظر إليك. فإذا قال إنسان: إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ {وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ } [الأعراف:27] فإننا نريد أن نخلع ثيابنا، وأن ندخل للاغتسال، وأن يأتي الرجل أهله فما هو الحل؟ وهل نبقى نحن نهباً لأعين الجن يرون عوراتنا؟ فنقول: لا. فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الرجل إذا أراد أن يخلع ثيابه فسمى الله، فإن الشيطان لا يستطيع أن ينظر إلى عورته، وهذا حفظ للعورة، وإذا خلع الثياب قال: باسم الله، وإذا أتى أهله قال: باسم الله. وكذلك باسم الله تمنع من المشاركة في الأولاد؛ فإنه ورد في تفسير قوله تعالى: {وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ} [الإسراء:64]: أن الشيطان يشارك الإنسان في وطء زوجته، فيشاركه في الأولاد، فإذا قلت: باسم الله قبل الجماع منعت الشيطان مشاركتك في الأولاد. فباسم الله تمنعه من دخول بيتك، ومن طعامك، وشرابك، ومن رؤية عورتك، ومشاركتك زوجتك، ومن هذا يتبين لنا أهمية هذه الكلمة.

عاشراً: أن الشياطين قد يتكلمون باللغة العربية، وقد تسمعه أيضاً باللغة التي عليها هذا الرجل، قد يتكلم باللغة الإنجليزية أو الفارسية. حدثوا أن أبا علقمة النحوي -وكان رجلاً متقعراً في الكلام يأتي بالكلام الوحشي- كان ذات مرةٍ يمشي في الطريق، فأصابه شيء فسقط، فتجمع عليه أهل السوق، هذا يعصر إبهامه، وذاك يقرأ في أذنه، وذلك يؤذن في الأذن الأخرى، فقال: مالكم تكأكأتم علي كتكأكئكم على ذي جنة افرنقعوا عني. فقالوا: شيطانه يرطن بالفارسية أو بالهندية. فقوله: (تكأكأتم علي) أي: تجمعتم علي كتجمعكم على ذي جنة، أي: كتجمعكم على من دخل فيه الجني، (افرنقعوا عني) أي: انفضوا واذهبوا عني، فقالوا: هذا شيطانه يتكلم بالهندية أو بالفارسية. إذاً يمكن للشيطان أن يتكلم باللغات الحية المعروفة، ولا شك أنهم يعلمون أن منهم من يتكلم العربية، ومنهم من يتكلم غيرها، وفيهم أهواء وبدع؛ عندهم قدرية ورافضة ومرجئة ومبتدعة، ومشركون، وضُلاَّل {وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَداً} [الجن:11] حتى البدع موجودة عند الجن.

حادي عشر: في هذا الحديث أن الشياطين يسرقون ويخدعون، ما هو وجه السرقة هنا؟ لما جعل يحثو من الطعام ويأخذ منه بكفيه، وفي الرواية الأخرى: أنه كان يأخذ فينقص الطعام، ويخدعون لما قال له: لا أعود ثم عاد وقال له: لا أعود ثم عاد، هذا خداع.

ثاني عشر: فضل آية الكرسي، ومن الروايات الأخرى يؤخذ فضل آخر سورة البقرة.

ثالث عشر: أن الجن يصيبون من الطعام الذي لا يذكر اسم الله عليه.

رابع عشر: أن يد السارق لا تقطع في المجاعة، ويمكن أن يقال: إن المسروق لم يبلغ نصابه.

خامس عشر: قبول العذر والستر على من يظن به الصدق، فإذا جاء أحد ظهر لك منه الصدق، وأمسكت به وهو يسرق شيئاً من عندك، وعندما حققت معه شكا الحاجة والفقر والعيال ولا يظهر منه خلاف ذلك، فالذي يظهر منه -فعلاً- الفقر والشدة والمسكنة، فالأفضل لك أن تعذره بما فعل، ولا تأخذه بما اقترف، من باب قبول العذر والستر على من يظن به الصدق، وأبو هريرة رضي الله عنه في المرة الأولى هكذا كان حاله، فقد ظن به أنه محتاج فعلاً، وأنه أهلٌ للرأفة والرحمة فتركه.

سادس عشر: اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على المغيبات؛ لأن أبا هريرة لما جاء النبي عليه الصلاة والسلام لم يقص عليه القصة، بل النبي عليه الصلاة والسلام هو الذي قال له: (ما فعل أسيرك البارحة؟) فما الذي أدرى النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان هناك أسير مع أن أبا هريرة لم يخبره؟ جاء أبو هريرة النبي عليه الصلاة والسلام وبادأه بالقول: (ما فعل أسيرك البارحة؟) فإذاً النبي عليه الصلاة والسلام يطلعه الله على شيء من الغيب.

سابع عشر: جواز جمع زكاة الفطر قبل ليلة الفطر لتفريقها بعد ذلك، وأنه يجزئ إخراجها قبل العيد، وكما قال العلماء: يجوز إخراج زكاة الفطر قبل العيد بيومٍ أو يومين، وكان يقوم العامل في عهد الصحابة الموكل من بيت المال من الخليفة بأخذ الزكاة قبل العيد بيوم أو يومين، وإذا كان الشهر ثلاثين فثلاث ليال، ولو كان تسعة وعشرين فقبلها بيوم أو يومين، يوم وتسعة وعشرين.

ثامن عشر: أن زكاة الفطر تخرج طعاماً كما تقدم ذكره.

تاسع عشر: يقين الصحابة بكلام النبي عليه الصلاة والسلام وتصديقهم به، عندما قال أبو هريرة : (فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه سيعود) لمجرد أن الخبر من النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيعود أيقن أبو هريرة أنه سيعود. عشرون: فضل قراءة آية الكرسي قبل النوم؛ لأن الشيطان قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي: { اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم } [البقرة:255] فإذاً متى تقرأ بناءً على تعليمات الشيطان الرجيم؟ إذا أويت إلى فراشك، ليس لأنها وصية الشيطان بل لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر ذلك، وإلا فالشيطان لا سمع له ولا طاعة، فلم يصبح تشريعاً بكلام الشيطان بل صار تشريعاً لما قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( صدقك )، وهذه الفائدة التالية. حادي وعشرون: لما قال: ( صدقك )، هو التشريع وليس كلام الشيطان. ثاني وعشرون: أن آية الكرسي تمنع شياطين الإنس والجن في ظاهر النص -سواء كان في الأمور الدينية- من أن يقترب من الإنسان؛ لأنه يقول: ولا يقربنك شيطان، وكلمة (شيطان) نكرة (ولا يقربنك) نفي، فلا يقربك شيطانٌ حتى تصبح. ثالث وعشرون: كرامة الله تعالى لـأبي هريرة عندما استطاع أن يلقي القبض على الشيطان، وليس آحاد الناس يستطيعون القبض على الشيطان، لكن أبا هريرة استطاع أن يلقي القبض عليه، فما استطاع الشيطان أن يفر منه، فلذلك قال: (فرحمته فخليت سبيله) وإلا لو لم يخل سبيله لما استطاع الشيطان أن يهرب منه.


يتبـــــــــــع........










رد مع اقتباس
قديم 2007-12-03, 18:11   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
عزالدين
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية عزالدين
 

 

 
إحصائية العضو










Flower2 تـابــع لقصة أبي هريرة والشيطان

أسباب فضل آية الكرسي:

إن قال قائل: ما هي الميزة الموجودة في آية الكرسي حتى تمنع الشياطين من إيذائنا؟

فالجواب: إن هذه الآية هي أعظم آية في كتاب الله تعالى، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الصحابي، وأن هذه الآية إذا قرأها رجل في دبر كل صلاة -أي: بعد كل صلاة- لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه النسائي رحمه الله وغيره، فآية الكرسي إذاً تقرأ قبل النوم وكذلك في أدبار الصلوات، وهي أفضل آية في كتاب الله عز وجل. ومن أسباب فضلها:

1- اشتمالها على الاسم الأعظم: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم} [البقرة:255] في البقرة، وفي آل عمران { الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } [آل عمران:1-2]، وفي طه: {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ } [طه:111]. 2- وكذلك فإن هذه الآية هي عشر جمل مستقلة:

أ- {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} [البقرة:255] متفرد بالألوهية.

ب- {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255] الحي في نفسه الذي لا يموت أبداً، والقيوم هو القائم بنفسه المقيم لغيره {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد:33] .. {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ} [الروم:25] فكل الموجودات لا قوام لها إلا بالله عز وجل، ولا غنى لها عن الله عز وجل أبداً، فكل الموجودات مفتقرة إلى الله.

جـ- {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ } [البقرة:255] لا تعتريه سبحانه وتعالى غفلة ولا ذهول، ولا نعاس، ولا نوم: أي: استغراق في النوم وغياب عن الوعي أبداً.

د- { لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [البقرة:255] الجميع عبيده وتحت قهره وملكه: { إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} [مريم:93].

هـ- { مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ } [البقرة:255] لا يتجاسر أحد أن يشفع لأحد عند الله إلا إذا أذن الله، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام لكي يشفع لا بد أن يستأذن، وإذا أراد يوم القيامة أن يستأذن يأتي تحت العرش ويخر ساجداً، فيدعه الله ما شاء أن يدعه، ويعلمه من المحامد ويفتح عليه من الثناء أشياء لم يُعلمها أحداً فيعلمه إياها، وبعد ما يقولها ينتظر الناس النتيجة، ويسجد من تحت العرش ما شاء الله أن يسجد من الوقت، بعد ذلك يقول: (يا محمد! ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع) فهذا سيد الخلق لا يمكن أن يشفع إلا إذا أذن الله.

و- { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } [البقرة:255] إحاطته سبحانه وتعالى بجميع الكائنات، وإحاطته بالحاضر والماضي والمستقبل، والجن من الغيب، والله سبحانه وتعالى يحيط بهم ويعلمهم { يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ } [البقرة:255].

ز- { وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ } [البقرة:255] فلا يطلع أحد على شيء من علم الله إلا من أطلعهم الله، ولولا أنه أطلعهم ما اطلعوا ولا عرفوا.

ح- {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} [البقرة:255] الكرسي: موضع قدمي الرب سبحانه وتعالى، والعرش لا يقدر قدره إلا الله، الكرسي عظيم جداً وفي غاية الاتساع وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ [البقرة:255] هذا الكرسي كيف العرش؟ { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ } [البقرة:255] لو أن السماوات السبع والأرضين السبع بسطت ووصل بعضها ببعض ما كانت في الكرسي إلا مثل الحلقة في صحراء من الأرض، والسماوات السبع والأرضين لو بسطت ووصل بعضها ببعض فإن مساحتها بالنسبة للكرسي مثل الحلقة التي ألقيت في صحراء من الأرض، هذا الكرسي الذي هو موضع قدمي الرب فكيف العرش العظيم؟ (ما الكرسي في العرش إلا كحلقة من حديد ألقيت بين ظهراني فلاةٍ في الأرض) . الآن نسبة كل السماوات السبع والأرضين إلى الكرسي مثل حلقة في صحراء، والكرسي نسبته إلى العرش -أيضاً- مثل حلقة في صحراء، والله أكبر من العرش، وهذا يعطيك معنى عظيماً عندما تقول: الله أكبر من كل شيء، السماوات والأرض تضيع في الكرسي، والكرسي يضيع في العرش، والله أكبر من الكرسي ومن العرش ومن السماوات ومن الأرض، استوى على العرش استواءً يليق بجلاله وعظمته، فعندما نقول: الله سبحانه وتعالى عظيم كبير، فهو شيءٌ لا يوصف أبداً، ولا يمكن أن يتخيله المتخيلون ولا يصفه الواصفون. نحن -الآن- في الأبعاد الفلكية هذه عقولنا تضيع ولا نستطيع جمع مسافات هذه السنوات الضوئية، وهذه كلها لا شيء بالنسبة لله سبحانه وتعالى، وبالنسبة للعرش والكرسي، ولذلك فإن الله عز وجل من عظمته أنه خلق هذه الأشياء العظيمة وهي لا تقارن به سبحانه.

ط- { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا } [البقرة:255] لا يثقله، ولا يكرثه، ولا يعجزه، ولا يتعبه، ولا يشق عليه حفظ السماوات والأرض ومن فيهن، فهو سهل يسير عليه سبحانه وتعالى. أنت كم تستطيع أن ترعى من ولد في نفس الوقت؟ المرأة كم تستطيع أن ترعى من الولد في البيت في نفس الوقت؟ تحافظ عليهم؟ إذا زادوا عن عدد معين هذا يسقط، وهذا يجرح، وهذا يصطدم بجدار، وهذا يضرب، وهذا وهذا، لا تستطيع السيطرة عليهم، فالله سبحانه وتعالى لا يئوده حفظ كل من السماوات والأرض وما فيهما من الإنس والجن والملائكة وجميع العوالم، وهذا شيء يسير على الله سبحانه وتعالى.

ي- { وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } [البقرة:255] آخر جملة في الآية هي قوله: { وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:255] كقوله تعالى: الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ [الرعد:9]. فهذه تبين لنا بجلاء عظم قدرة الله عز وجل، وأنه سبحانه قائم على جميع الأشياء التي منها الجن، وأنه لا يخرج شيءٌ منها عن ملكه، فالتحصن بهذه الآية التي معناه: أنك تلتجئ إلى الله، وتعتصم به وبقدرته وبحفظه وكلاءته ورعايته فيقيك من شر الشيطان، فإنك في الحقيقة إذا قرأتها بهذه النية فأنت تلتجئ إلى من لا ينام ولا يغفو ولا يسهو، وأن له ما في السماوات وما في الأرض، وأن الجن هؤلاء والشياطين لا يخرجون عن ملكه ولا عن قدرته، وأنه يعلم حركات الجن والشياطين، ولا يئوده حفظهما وما فيهما { وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } [البقرة:255] فأنت في الحقيقة تعتصم بالله بقدرته وبعظمته، فلذلك ينجيك هذا الاعتصام ويحفظك بالتأكيد إذا كنت بالله مؤمناً وعليه متوكلاً ولا بد من هذا، والمسألة مسألة يقين وتوكل.


وسائل التوقي من الشيطان:

إذا قال قائل: ما هي الوسائل التي نستطيع أن نحذر بها من الشيطان؟

فالجواب:

الوسائل كثيرة، فمن ذلك:

1- الحذر، والحيطة -أخذ التأهب- والاعتصام والالتزام بالكتاب والسنة.

2- الالتجاء إلى الله والاحتماء به سبحانه وتعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون:96-98].

3- الاستعاذة عند دخول الخلاء، وعند الغضب، وعند الجماع: (اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا). عند الغضب: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم). وعند دخول الخلاء: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث).. (إذا نهق الحمار تعوذوا بالله من الشيطان الرجيم -لماذا؟- لأنه رأى شيطاناً). عند قراءة القرآن تعوذ بالله من الشيطان الرجيم، حتى أولادك وأهلك تعوذهم، وكان الحسن والحسين يعوذهما النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة) والهامة: مفرد الهوام، وهو كل من يهم بسوء.

4- الاشتغال بذكر الله تعالى مما يحمي العبد من الشيطان، وعلى رأس الذكر القرآن، وعلى رأس القرآن آية الكرسي. والأذكار كثيرة، وآية الكرسي واحدة من هذه الأذكار، وإذا لازم الإنسان الصالحين فإن في ذلك حفظاً له من الشيطان؛ لأن الذئب يأكل من الغنم القاصية، فالذي يتفرد عن جماعة المسلمين فإن الشيطان يتسلط عليه، (الشيطان مع الواحد وهو مع الاثنين أبعد) ولذلك إذا كان الإنسان مع القوم الصالحين فإنه يحمي نفسه من الشيطان.. الشيطان يأكل بشماله وأنت تأكل بيمينك.. الشيطان يشرب بشماله وأنت تشرب بيمينك.. الشيطان يعطي بشماله وأنت تعطي بيمينك.. الشيطان يأخذ بشماله وأنت تأخذ بيمينك، حتى اللقمة إذا وقعت منك لا تدعها للشيطان، وإذا علمت أن العجلة من الشيطان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (العجلة من الشيطان) فلا تستعجل بل تتأنى، التثاؤب مدخل للشيطان فعليك أن تسد الطريق عليه وتضع يدك عند التثاؤب على فمك، الاستغفار -مثلاً- يقطع الطريق على الشيطان فعليك أن تلزمه ... وهكذا. فهناك وسائل كثيرة تنجي العبد من الشيطان، فينبغي الالتزام بها، والمحافظة عليها، وهذا ذكر بعض ما تضمنه حديث أبي هريرة من الفوائد، والله سبحانه وتعالى أعلم.


الأسئلة:

حكم من كان على الطريقة الصوفية:

السؤال: هل جميع من هم على الطريقة الصوفية مبتدعون، لأنني أعرف شخصاً على الطريقة الصوفية يقوم بدروس في الفقه وكتب العلم من كتب أهل السنة والجماعة ، ويتكلم في عظمة الله وتقوى الله، ويأتي بالدليل من القرآن والسنة، ويزور تاركي الصلاة، ويذهب إلى الخارج للدعوة؟

الجواب:

كلمة الصوفية قيل: هي نسبة إلى الصوف؛ لأنهم كانوا يلبسون الصوف تزهداً، وقيل: نسبة إلى الصفاء، فتىً تصافى فصوفي حتى سمي صوفي ، وقيل: غير ذلك. هذه الطائفة نشأت في البداية كردة فعل لما أصاب الناس في عهد بني أمية من الترف، وجاءت الفتوحات والأموال والغنى، واشتغل الناس بالأطعمة وتشييد القصور والبساتين، وانغمس الناس في الدنيا، وبدأت تخرج بعض ردود الفعل العكسية التي فيها عزوف تام مقابل ذلك الترف، فإذاً مبدأها كان تزهداً، وعزوفاً عن النعيم، فلا يلبسون الناعم بل يلبسون الصوف، ويعيشون على الأشياء البسيطة، ولا يشتغلون، ولا يأكلون الأطعمة الفاخرة؛ بل يعيشون على العدس والأطعمة البسيطة، ثم بعد ذلك تطور الأمر شيئاً فشيئاً، ودخل أعداء الدين في باب الصوفية دخولاً كبيراً، ومبدأ الصوفية مماثل لمبدأ الرهبان {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ } [الحديد:27]. هكذا كان بعض الصوفية ، ونشأت صلة خطيرة جداً بين التصوف والتشيع، وصار هناك بعد ذلك كيان فيه انحرافات عظيمة جداً، وأيضاً اليهود كان لهم آثار على الطرق الصوفية التي نشأت. فإذاً هناك ارتباط وثيق جداً بين الباطنية والصوفية، فرق الباطنية والصوفية ، وهذا ما حكاه علماء المسلمين، وهم الآن يحاولون تمجيد الحلاج، وتؤلف فيه بعض الرسائل في بعض الجامعات في الخارج، وهو من أكفر الكفار الموجودين على ظهر الأرض؛ لأنه واحد ممن يقولون: كل ما ترى بعينك فهو الله، ويعتقد أن الإنسان جزء من الله، وأنه الجدار، ويقولون:

وما الكلب والخنزير إلا إلهنا *** وما الله إلا راهب في كنيسته

تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً، فهم يذكرون أشياء شنيعة جداً تطورت لها الأمور بعد ذلك. والصوفية بين البدعة وبين الكفر الأكبر، إما أن تكون أحياناً مسابح مائة أو تسعمائة أو ألف مسبحة، أو أذكار الصمدية، والصلاة النهارية، ويذكرون -مثلاً- أذكاراً معينة لم ترد في الكتاب والسنة، ويعتقدون في الأولياء والأوتاد والأقطاب والغوث الأعظم، وكل طريقة تمجد صاحبها؛ فـالرفاعية يمجدون الرفاعي ، والقادرية يمجدون عبد القادر الجيلاني ، والمرسية يمجدون المرسي ابن عباس ، والبدوية يمجدون البدوي ويقولون: ولي، وأنه كان على جدار فبال على الناس وهم ذاهبون إلى المسجد فهموا به، فقال: أنا رجل مالكي والناس يغتابونني وبول كل ما أكل لحمه طاهر -لأن الغيبة أكل لحم أخيك- وبولي كبول ما أكل لحمه فهو طاهر!!! انظر كيف الاعوجاج؟! ويحجون إلى القبور ويطوفون بها ويستغيثون، وعندهم قضية المولد والتوسل الشركي بالنبي صلى الله عليه وسلم، والتوسل بالأموات، وإذا أردت أن تقرأ دواوين الصوفية تجد فيها الأشعار العجيبة في الشرك:

فإن من جودك الدنيا وضرتها *** ومن علومك علم اللوح والقلم
إن لم تكن في معادي آخذاً بيدي *** فضلاً وإلا فقل يا زلة القدم

يتوسلون بالنبي عليه الصلاة والسلام، ويستغيثون به، إني دعوتك من أين دعوتك يقول: من برع.. من يمن دعوتك يا رسول الله! وأغثني يا رسول الله! وانصرني يا رسول الله! وإذا لم تكن معي يا رسول الله في الآخرة فمن معي، وأنا إلى من أشكو إلا إليك يا رسول الله! وأين الله عز وجل؟ أجعلتم له بدلاً؟! {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ } [الأعراف:194] نسيتم الله وذهبتم إلى الخلق تسألون هذا وتطلبون من هذا، وهم أموات لا يسمعون: {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى } [النمل:80] .. { وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر:22] ويسألون الأموات، ويكتبون الإلحاد في الأوراق ويضعونها في القبر، ويأخذون الإجابات والبركات، والمرأة التي لا تحمل تتمسح بالصخرة الفلانية فهذا شغلهم، ترى في الهند رجل قذر وسخ لا يغتسل مطلقاً رائحته قذرة يتمدد على سرير موضوع خارج كهف وأمامه الناس في صف طويل جداً وهو ماد رجله، كلما جاء أحد يمسح ويمشي، والذي بعده يمسح هذه الرجل ويمشي هكذا، يزعمون أنهم يلتمسون البركات. جاءوا إلى الخضر قالوا: هذا هو الولي، كل من التشريعات الآن من الخضر، والخضر عنده العلم اللدني، والصوفية لا يوجد عندهم سند حدثنا فلان عن فلان؛ لأن وليهم يقول: حدثني قلبي عن ربي، ويقولون عن أسانيدنا: إنها ميت عن ميت، وأسانيدهم: عن الحي الذي لا يموت، حدثني قلبي عن ربي وكأنها برقية، الخط الساخن مفتوح نتلقى عن الله مباشرة. وعندهم عقيدة الخرقة، وهي أن الخرقة أعطاها الشيخ للشيخ فلان بعد وفاة الشيخ فلان، وهذا الشيخ هذا بايع الخضر. وهذا أحمد التيجاني ليلة سبع وعشرين من رمضان عند غار حراء يجتمع بالأقطاب المسئولين عن إدارة العالم، ويوزعون الأرزاق على الخلق في تلك السنة، هذا الغوث الأعظم وهذا القطب الأكبر، وهذا فلان بن فلان، هؤلاء مسئولون عن إدارة العالم، الله سبحانه وتعالى لا ينشغل بهذه الأشياء الصغيرة فأوكلها إلى الأقطاب والأوتاد، فهؤلاء يصرفون العالم، ولذلك نحن ندعوهم ونقول: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3] نحن ذنوبنا كثيرة، ولا يجوز لنا أن ندخل إلى الله مباشرة، فلابد من واسطة حتى يقبل الله منا، فواسطتنا الجيلاني والبدوي والمرسي ، ثم كل ولي له تخصص.

والله أعلم.

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يتبـــــــــــع............










رد مع اقتباس
قديم 2007-12-03, 18:21   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
عزالدين
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية عزالدين
 

 

 
إحصائية العضو










Flower2 حديث أم زرع

حديث أم زرع

باب ما جاء في كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السمر:

حديث (252)

عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: "جلست إحدى عشر امرأة، فتعاهَدْنَ وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً.

(فقالت الأولى): زوجي لحم جَملٍ غَثّ، على رأس جبل وعر، لا سهلٌ فيرتقى، ولا سمينٌ فينتقل.

(قالت الثانية): زوجي لا أثير خبره، إني أخاف أن لا أذَرَهُ، إن أذكره أذكرْ عُجَره وبُجَره.

(قالت الثالثة): زوجي العَشَنّق، إن أنْطِقْ أُطلَّق، وإن أسكت أُعَلَّق.

(قالت الرابعة): زوجي كَلَيْلِ تهامةَ، لا حَرَّ ولا قَرَّ، ولا مخافة ولا سآمة.

(قالت الخامسة): زوجي إن دخل فَهِدَ، وإن خرج أسَِدَ، ولا يسأل عما عَهِدَ.

(قالت السادسة): زوجي إن أكل لَف، وإن شَرِبَ اشْتَفَّ، وإن اضطجع التفَّ، ولا يولجُ الكفَّ لِيَعلمَ البَثَّ.

(قالت السابعة): زوجي عَياياءُ (أو غياياءُ) طباقاء، كلُّ داءٍ له داء، شَجَّكِ أو فَلَّكِ،أو جمع كُلاً لَكِ.

(قالت الثامنة): زوجي المسُّ مسُّ أرنب، والريح ريح زَرْنَبْ.

(قالت التاسعة): زوجي رفيعُ العماد، طويل النِّجاد، عظيمُ الرِّماد، قريبُ البيت من الناد.

(قالت العاشرة): زوجي مالكٌ، وما مالِك؟ مالكٌ خير من ذلك، له إبلٌ كثيراتُ المبارك، قليلات المسارح، إذا سمعن صوت المِزْهَر أيقنَّ أنهنَّ هَوالك.

(قالت الحادية عشر): زوجي أبو زَرْع، وما أبو زَرْع؟ أناسَ من حُليِّ أُذُنَيَّ، وملأ من شَحْمٍ عَضُديَّ، وبَجَّحَني فبَجَحْتُ إليَّ نفسي، وجدني في أهل غُنيمةٍ بَشَقٍ، فجعلني في أهل صَهيلٍ وأَطيطٍ، ودائِسٍ ومُنَقٍّ، فعنده أقولُ فلا أُقَبَّحُ، وأرقدُ فأتصبّحُ، وأشربُ فأتقَمَّحُ، أم أبي زرع فما أمُّ أبي زرع؟: عُكومُها رَِدَاحٌ، وبيتُها فَسَاح، ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع؟: مضجعه كمسلِّ شَطْبةٍ، وتُشْبِعُهُ ذِراعُ الجَفرَةِ، بنت أبي زرع: فما بنت أبي زرع؟ طَوعُ أبيها وطَوعُ أمها، وملءُ كسائها، وغَيظُ جارتها، جارية أبي زرع فما جارية أبي زرع؟: لا تَبثُّ حديثنا تبثيثاً، ولا تَنْقُثُُ ميرتَنا تنقيثاً، ولا تَملأ بيتنا تعشيشاً.

قالت خرج أبو زرع والأوطاب تُمْخَضُ، فَلقي امرأةً معها ولدان لها كالفهدين، يلعبان من تحت خَصْرها برمَّانتين، فطلَّقني ونكحها، فنكحْتُ بعده رجلاً سَريَّاً، رَكِبَ شَرياً، وأخذ خَطِيَّاً، وأراح عليَّ نَعَماً ثَرِياً، وأعطاني من كل رائحةٍ زوجاً، وقال: كلي أم زرع! وميري أهلك، فلو جمعتُ كل شيء أعطانيه ما بَلَغ أصغر آنية أبي زرع.

قالت عائشة - رضي الله عنها -: فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (( كنتُ لكِ كأبي زرعٍ لأم زرعٍ )).



شرح الحديث وسيكون من خلال النقاط التالية:

1- تخريج الحديث، وذكر أبرز من شرحه ووضحه.

2- مناسبة الحديث للباب الذي ذكره الترمذي، ووجه الاستشهاد.

3- هل الحديث من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - أم من قول عائشة، والراجح في ذلك.

4- النسوة الإحدى عشر من أين هن؟ وما أسماؤهن؟

5- شرح ألفاظ الحديث وغريبه.

6- فقه الحديث والفوائد المستفادة من الحديث.



أولاً: تخريج الحديث وذكر أبرز من شرحه ووضحه:

الحديث أخرجه البخاري في كتاب النكاح باب حسن المعاشرة مع الأهل برقم (4893)، ومسلم كتاب فضائل الصحابة - رضي الله عنهم - باب ذكر حديث أم زرع برقم (2448)، وأخرجه النسائي في الكبرى كتاب عشرة النساء باب شكر المرأة لزوجها برقم (9138)، وأخرجه ابن حبان برقم (7104)، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير برقم (265)(5/354).

وأما شراح الحديث فقد قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في الفتح([1]): "وقد شرح حديث أم زرع إسماعيل بن أبي أويس شيخ البخاري، روينا ذلك في جزء إبراهيم بن ديزيل الحافظ من روايته عنه، وأبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث، وذكر أنه نقل عن عدة من أهل العلم لا يحفظ عددهم، وتعقب عليه فيه مواضع، وأبو سعيد الضرير النيسابوري، وأبو محمد بن قتيبة كل منهما في تأليف مفرد، والخطابي في شرح البخاري، وثابت بن قاسم، وشرحه أيضا الزبير بن بكار، ثم أحمد بن عبيد بن ناصح، ثم أبو بكر بن الأنباري، ثم إسحاق الكاذي في جزء مفرد، وذكر أنه جمعه عن يعقوب بن السكيت وعن أبي عبيدة وعن غيرهما، ثم أبو القاسم عبد الحكيم بن حبان المصري، ثم الزمخشري في الفائق، ثم القاضي عياض وهو أجمعها وأوسعها([2])، وأخذ منه غالب الشراح بعده، وقد لخصت جميع ما ذكروه.



سبب الحديث:

قال ابن حجر([3]): ووقع لهذا الحديث سبب عند النسائي من طريق عمر بن عبد الله بن عروة، عن عروة، عن عائشة قالت: "فخرت بمال أبي في الجاهلية، وكان ألف ألف أوقية" وفيه" فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (اسكتي يا عائشة فإني كنت لك كأبي زرع لأم زرع)، ووقع في رواية الزبير بن بكار: "دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندي بعض نسائه، فقال يخصني بذلك: (يا عائشة أنا لك كأبي زرع لأم زرع).



ثانياً: مناسبة الحديث للباب الذي ذكره الترمذي:

قال ابن حجر: قال ابن المنير: نبه بهذه الترجمة على أن إيراد النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه الحكاية يعني حديث أم زرع ليس خلياً عن فائدة شرعية، وهي: الإحسان في معاشرة الأهل، ثم قال: وليست الفائدة من الحديث محصورة فيما ذكر بل سيأتي له فوائد أخرى([4]).

وقال القاضي عياض في كتابه النفيس "بغية الرائد لما تضمنه حديث أم زرع من الفوائد": وفيه من الفقه التحدث بملح الأخبار، وطرف الحكايات؛ تسلية للنفس، وجلاء للقلب، وهكذا ترجم أبو عيسى الترمذي عليه: باب ما جاء في كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأدخل في هذا الباب هذا الحديث.

قال: ويروى عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: سلوا هذه النفوس ساعة بعد ساعة؛ فإنها تصدأ كما يصدأ الحديد، ويروى عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أنه كان يقول إذا أفاض من عنده في الحديث بعد القرآن والتفسير: أحمضوا - أي إذا مللتم من الحديث والفقه وعلم القرآن فخذوا في الأشعار وأخبار العرب، كما أن الإبل إذا ملت ما حلا من النبات رعت الحمض، وهو ما ملح منه -، ومنه قول الزهري: هاتوا من أشعاركم فإن الأذن مجاجة، والنفس حمضة - أي أنها لتشتهي الشيء بعد الشيء كما تفعل الإبل -، ومنه قول أبي الدرداء: إني لأستجم نفسي ببعض اللهو ليكون ذلك عوناً لي على الحق، وقال علي - رضي الله عنه -: القلب إذا أكره عمي، وقال بعض الحكماء: إن للأذان مجة، وللقلوب مللاً، ففرقوا بين الحكمتين؛ ليكون ذلك استجماماً.

قال القاضي: وهذا كله ما لم يكن دائماً متصلاً، وإنما يكون في النادر والأحيان كما قال: ساعة بعد ساعة، وأما أن يكون ذلك عادة الرجل حتى يعرف بذلك ويتخذه ديدناًً، ويطرب به الناس ويضحكهم - دأبه - فهذا مذموم غير محمود، دال على سقوط المروءة، ورذالة الهمة، وخلع برد نزاهة النفس، واطراح ربقة الوقار والسمت، مولجاً صاحبه في باب المجون والسخف أهـ([5]).


ثالثاً: هل الحديث من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - أم من قول عائشة، والراجح في ذلك:

قال ابن حجر: وليس فيما ساقه البخاري التصريح بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أورد الحكاية، وقال القاضي عياض: ولا خلاف في رفع هذا الحديث: (كنت لك كأبي زرع لأم زرع) وإنما الخلاف في بقيته، وقد قال أبو بكر بن ثابت الخطيب البغدادي الحافظ: المرفوع من هذا الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله لعائشة - رضي الله عنها -: (كنت لك كأبي زرع لأم زرع)، وما عداه فمن كلام عائشة - رضي الله عنها - حدثت به هي النبي - صلى الله عليه وسلم -([6]).

وقال أبو الحسن الدارقطني: الصحيح عن عائشة - رضي الله عنها - أنها هي حدثت النبي - صلى الله عليه وسلم - بقصة النسوة فقال لها حينئذ: (كنت لك كأبي زرع لأم زرع)([7]).


رابعاً: النسوة الإحدى عشر من أين هن؟ وما أسماؤهن؟
قيل إن النسوة من إحدى قبائل اليمن، قال ابن حجر: ووقع في رواية الزبير بن بكار: "دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعندي بعض نسائه، فقال يخصني بذلك: (يا عائشة أنا لك كأبي زرع لأم زرع) قلت: يا رسول الله ما حديث أبي زرع وأم زرع؟ قال: إن قرية من قرى اليمن كان بها بطن من بطون اليمن، وكان منهن إحدى عشرة امرأة، وإنهن خرجن إلى مجلس، فقلن: تعالين فلنذكر بعولتنا بما فيهم ولا نكذب.

فيستفاد من هذه الرواية معرفة جهة قبيلتهن وبلادهن؛ لكن وقع في رواية الهيثم أنهن كن بمكة، وأفاد أبو محمد بن حزم فيما نقله عياض أنهن كن من خثعم، وهو يوافق رواية الزبير أنهن من أهل اليمن، ووقع في رواية بن أبي أويس عن أبيه أنهن كن في الجاهلية، وكذا عند النسائي في رواية عقبة بن خالد عن هشام([8]).

وأما أسماؤهن فقد قال ابن حجر: وحكى عياض، ثم النووي، قول الخطيب في المبهمات: "لا أعلم أحداً سمى النسوة المذكورات في حديث أم زرع إلا من الطريق الذي أذكره وهو غريب جداً، ثم ساقه من طريق الزبير بن بكار، قال ابن حجر: قلت: وقد ساقه أيضاً أبو القاسم عبد الحكيم المذكور من الطريق المرسلة، فإنه ساقه من طريق الزبير بن بكار بسنده ثم ساقه من الطريق المرسلة، وقال النووي: وفيه أن الثانية اسمها عمرة بنت عمرو، واسم الثالثة حنى بنت نعب، والرابعة مهدد بنت أبي مرزمة، والخامسة كبشة، والسادسة هند، والسابعة حنى بنت علقمة، والثامنة بنت أوس بن عبد، والعاشرة كبشة بنت الأرقم، والحادية عشر أم زرع بنت أكهل بن ساعد([9]).

قال ابن حجر: ولم يسم الأولى ولا التاسعة ولا أزواجهن، ولا ابنة أبي زرع ولا أمه، ولا الجارية ولا المرأة التي تزوجها أبو زرع، ولا الرجل الذي تزوجته أم زرع([10]).

خامساً: شرح ألفاظ الحديث وغريبه:

تنبيه: سنحاول الاقتصار على شرح الحافظ ابن حجر لهذا الحديث مع اختصاره؛ حيث أنه قد قال - بعد أن ذكر من شرح الحديث من أهل العلم -:"وقد لخصت جميع ما ذكروه".

قال النووي: قولها: (جلس إحدى عشرة امرأة) هكذا هو في معظم النسخ، وفي بعضها جلسن بزيادة نون وهي لغة قليلة سبق بيانها في مواضع منها حديث يتعاقبون فيكم ملائكة([11]).

قال ابن حجر([12]): قوله: (فتعاهدن وتعاقدن) أي: ألزمن أنفسهن عهداً، وعقدن على الصدق من ضمائرهن عقداً.

قال ابن حجر: قوله: (أن لا يكتمن) في رواية بن أبي أويس وعقبة: أن يتصادقن بينهن ولا يكتمن، وفي رواية سعيد بن سلمة عند الطبراني: أن ينعتن أزواجهن ويصدقن، وفي رواية الزبير: فتبايعن على ذلك.

وقول الأولى: (زوجي لحم جَملٍ غَثّ) أي: كلحم الجمل في الرداءة، لا كلحم الضأن، والمقصود منه المبالغة في قلة نفعه، والرغبة عنه.

(على رأس جبل وعر، لا سهلٌ فيرتقى، ولا سمينٌ فينتقل) المقصود المبالغة في تكبره وسوء خلقه، فلا يوصل إليه إلا بغاية المشقة، ولا ينفع زوجته في عشرة ولا غيرها مع كونه مكروهاً رديئاً، ومعنى (لا ينتقل) أي: لا ينقله الناس إلى بيوتهم ليأكلوه بعد مقاساة التعب ومشقة الوصول، بل يرغبون عنه لرداءته، وبالجملة فقد وصفته بالبخل والرداءة، والكبر على أهله وسوء الخلق.

وأما قول الثانية: (زوجي لا أثير خبره) أي لا أظهره وأنثره.

قال ابن حجر: قوله: (إني أخاف أن لا أذره) أي: أخاف أن لا أترك من خبره شيئاً، فالضمير للخبر أي أنه لطوله وكثرته إن بدأته لم أقدر على تكميله، فاكتفت بالإشارة إلى معايبه خشية أن يطول الخطب بإيراد جميعها.

قوله (عجره وبجره) فالعجر تعقد العصب والعروق في الجسد حتى تصير ناتئة، والبجر مثلها إلا أنها مختصة بالتي تكون في البطن قاله الأصمعي وغيره، وقال الخطاب: أرادت عيوبه الظاهرة وأسراره الكامنة، قال: ولعله كان مستور الظاهر، رديء الباطن، وقال أبو سعيد الضرير: عنت أن زوجها كثير المعايب، متعقد النفس عن المكارم.

قوله: قالت الثالثة: (زوجي العشنق): هو الطويل، وقال الأصمعي: أرادت أنه ليس عنده أكثر من طوله بغير نفع، وقال غيره: هو المستكره الطول، وقيل: ذمته بالطول؛ لأن الطول في الغالب دليل السفه، وعلل ببعد الدماغ عن القلب.

قوله: (إن أنطق أطلق، وأن اسكت أعلق) أي: إن ذكرت عيوبه فيبلغه طلقني، وإن سكت عنها فأنا عنده معلقة، لا ذات زوج ولا أيم، هكذا توارد عليه أكثر الشراح تبعاً لأبي عبيد، وفي الشق الثاني عندي نظر؛ لأنه لو كان ذلك مرادها لانطلقت ليطلقها فتستريح، والذي يظهر لي أيضاً أنها أرادت وصف سوء حالها عنده، فأشارت إلى سوء خلقه، وعدم احتماله لكلامها إن شكت له حالها، وإنها تعلم أنها متى ذكرت له شيئاً من ذلك بادر إلى طلاقها، وهي لا تؤثر تطليقه لمحبتها فيه، ثم عبرت بالجملة الثانية إشارة إلى أنها سكتت صابرة على تلك الحال.

قوله: قالت الرابعة: (زوجي كليل تهامة، لا حر ولا قر، ولا مخافة ولا سآمة) وصفت زوجها بجميل العشرة، واعتدال الحال، وسلامة الباطن، فكأنها قالت: لا أذى عنده ولا مكروه، وأنا آمنة منه، فلا أخاف من شره، ولا ملل عنده فيسأم من عشرتي، أو ليس بسيء الخلق فأسأم من عشرته، فأنا لذيذة العيش عنده كلذة أهل تهامة بليلهم المعتدل.

قوله: قالت الخامسة: (زوجي أن دخل فهد، وأن خرج أسد، ولا يسأل عما عهد) قال ابن أبي أويس معناه: إن دخل البيت وثب علي وثوب الفهد، وإن خرج كان في الإقدام مثل الأسد، فعلى هذا يحتمل قوله "وثب" على المدح والذم، فالأول تشير إلى كثرة جماعه لها إذا دخل، فينطوي تحت ذلك تمدحها بأنها محبوبة لديه بحيث لا يصبر عنها إذا رآها، والذم إما من جهة أنه غليظ الطبع ليست عنده مداعبة ولا ملاعبة قبل المواقعة؛ بل يثب وثوباً كالوحش، أو من جهة أنه كان سيء الخلق، يبطش بها ويضربها، وإذا خرج على الناس كان أمره أشد في الجرأة والإقدام والمهابة كالأسد.


يتبـــــــــــــــع.............










رد مع اقتباس
قديم 2007-12-03, 18:24   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
عزالدين
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية عزالدين
 

 

 
إحصائية العضو










Flower2 تـابـع لحديث أم زرع

وقولها: (ولا يسأل عما عهد) يحتمل المدح والذم أيضاً، فالمدح بمعنى أنه شديد الكرم، كثير التغاضي، لا يتفقد ما ذهب من ماله، وإذا جاء بشيء لبيته لا يسأل عنه بعد ذلك، أو لا يلتفت إلى ما يرى في البيت من المعايب بل يسامح ويغضي، ويحتمل الذم، بمعنى أنه غير مبال بحالها حتى لو عرف أنها مريضة أو معوزة؛ وغاب ثم جاء لا يسأل عن شيء من ذلك، ولا يتفقد حال أهله ولا بيته؛ بل إن عرضت له بشيء من ذلك وثب عليها بالبطش والضرب، وأكثر الشراح شرحوه على المدح، فالتمثيل بالفهد من جهة كثرة التكرم أو الوثوب، وبالأسد من جهة الشجاعة، وبعدم السؤال من جهة المسامحة.

قوله: (قالت السادسة: زوجي أن أكل لف، وأن شرب اشتف، وأن اضطجع التف، ولا يولج الكف ليعلم البث) المراد باللف الإكثار منه واستقصاؤه حتى لا يترك منه شيئاً، والاشتفاف في الشرب استقصاؤه، مأخوذ من الشفافة بالضم، والتخفيف وهي البقية تبقى في الإناء، فإذا شربها الذي شرب الإناء قيل اشتفها، وقوله (التف) أي: رقد ناحية وتلفف بكسائه وحده وانقبض عن أهله إعراضاً، فهي كئيبة حزينة لذلك؛ ولذلك قالت: (ولا يولج الكف ليعلم البث) أي: لا يمد يده ليعلم ما هي عليه من الحزن فيزيله، ويحتمل أن تكون أرادت أنه ينام نوم العاجز الفشل الكسل، والمراد بالبث: الحزن، ويقال: شدة الحزن، ويطلق البث أيضاً على الشكوى، وعلى المرض، وعلى الأمر الذي لا يصبر عليه، فأرادت أنه لا يسأل عن الأمر الذي يقع اهتمامها به، فوصفته بقلة الشفقة عليها، وأنه إن رآها عليلة لم يدخل يده في ثوبها ليتفقد خبرها كعادة الأجانب فضلا عن الأزواج، أو هو كناية عن ترك الملاعبة أو عن ترك الجماع، وقد جمعت في وصفها له بين اللؤم والبخل، والنهمة والمهانة، وسوء العشرة مع أهله، فإن العرب تذم بكثرة الأكل والشرب، وتتمدح بقلتهما، وبكثرة الجماع لدلالتها على صحة الذكورية والفحولية، ويحتمل أن يكون معنى قوله: ولا يولج الكف كناية عن ترك تفقده أمورها، وما تهتم به من مصالحها، وهو كقولهم: "لم يدخل يده في الأمر" أي لم يشتغل به ولم يتفقده.

قوله: (قالت السابعة: زوجي غياياء أو عياياء طباقاء) والغياياء الطباقاء: الأحمق الذي ينطبق عليه أمره، وقال النووي: قال عياض وغيره: غياياء بالمعجمة صحيح، وهو مأخوذ من الغياية وهي الظلمة، وكل ما أظل الشخص، ومعناه: لا يهتدي إلى مسلك، أو أنها وصفته بثقل الروح، وأنه كالظل المتكاثف الظلمة الذي لا إشراق فيه، أو أنها أرادت أنه غطيت عليه أموره.

وقولها: (كل داء له داء) أي: كل شيء تفرق في الناس من المعايب موجود فيه.

وقولها: (شجكِ) أي: جرحك في رأسك، وجراحات الرأس تسمى شجاجاً، وقولها: (أو فلكِ) أي جرح جسدك، وقولها: (أو جمع كلا ًلكِ) قال الزمخشري: يحتمل أن تكون أرادت أنه ضروب للنساء، فإذا ضرب؛ إما أن يكسر عظماً، أو يشج رأسها، أو يجمعهما، قال عياض: وصفته بالحمق، والتناهي في سوء العشرة، وجمع النقائص بأن يعجز عن قضاء وطرها مع الأذى، فإذا حدثته سبها، وإذا مازحته شجها، وإذا أغضبته كسر عضواً من أعضائها، أو شق جلدها، أو أغار على مالها، أو جمع كل ذلك من الضرب والجرح وكسر العضو وموجع الكلام وأخذ المال.

قوله (قالت الثامنة: زوجي المس مس أرنب، والريح ريح زرنب) زاد الزبير في روايته: (وأنا أغلبه والناس يغلب) والأرنب: دويبة لينة المس، ناعمة الوبر جداً، والزرنب: هو نبت طيب الريح، وصفته بأنه لين الجسد ناعمه، ويحتمل أن تكون كنَّت بذلك عن حسن خلقه، ولين عريكته؛ بأنه طيب العرق لكثرة نظافته، واستعماله الطيب؛ تظرفاً، ويحتمل أن تكون كنَّت بذلك عن طيب حديثه، أو طيب الثناء عليه؛ لجميل معاشرته، وأما قولها (وأنا أغلبه والناس يغلب) فوصفته مع جميل عشرته لها، وصبره عليها؛ بالشجاعة، وهو كما قال معاوية: (يغلبن الكرام، ويغلبهن اللئام)، قال عياض: هذا من التشبيه بغير أداة، وفيه حسن المناسبة والموازنة والتسجيع، وأما قولها: (والناس يغلب) ففيه نوع من البديع يسمى التنميم؛ لأنها لو اقتصرت على قولها: (وأنا أغلبه) لظن أنه جبان ضعيف، فلما قالت (والناس يغلب) دل على أن غلبها إياه إنما هو من كرم سجاياه فتممت بهذه الكلمة المبالغة في حسن أوصافه.

قوله: (قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من الناد) وصفته بطول البيت وعلوه؛ فإن بيوت الأشراف كذلك، يعلونها ويضربونها في المواضع المرتفعة؛ ليقصدهم الطارقون والوافدون، فطول بيوتهم أما لزيادة شرفهم، أو لطول قاماتهم، وبيوت غيرهم قصار، ومن لازم طول البيت؛ أن يكون متسعاً فيدل على كثرة الحاشية والغاشية، وقيل كنَّت بذلك عن شرفه ورفعة قدره، والنجاد حمالة السيف تريد أنه طويل القامة يحتاج إلى طول نجاده، وفي ضمن كلامها أنه صاحب سيف فأشارت إلى شجاعته، وقولها (عظيم الرماد) تعني: أن نار قراه للأضياف لا تطفأ لتهتدي الضيفان إليها، فيصير رماد النار كثيراً لذلك، وقولها (قريب البيت من الناد) وقفت عليها بالسكون لمؤاخاه السجع، والنادي والندى مجلس القوم، وصفته بالشرف في قومه فهم إذا تفاوضوا وتشاوروا في أمر وأتوا فجلسوا قريباً من بيته؛ اعتمدوا على رأيه، وامتثلوا أمره، أو أنه وضع بيته في وسط الناس؛ ليسهل لقاؤه، ويكون أقرب إلى الوارد وطالب القرى، ويحتمل أن تريد أن أهل النادي إذا أتوه لم يصعب عليهم لقاؤه؛ لكونه لا يحتجب عنهم، ولا يتباعد منهم، بل يقرب ويتلقاهم، ويبادر لإكرامهم، وضد من يتوارى بأطراف الحلل، وأغوار المنازل، ويبعد عن سمت الضيف؛ لئلا يهتدوا إلى مكانه، فإذا استبعدوا موضعه صدروا عنه، ومالوا إلى غيره، ومحصل كلامها أنه وصفته بالسيادة والكرم، وحسن الخلق وطيب المعاشرة.
قوله: (قالت العاشرة زوجي: مالك، وما مالك؟ مالك خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارح، وإذا سمعن صوت المزهر أيقن أنهن هوالك) ما: في قولها (وما مالك) استفهامية يقال للتعظيم والتعجب، والمعنى: وأي شيء هو مالك، ما أعظمه وأكرمه، وتكرير الاسم أدخل في باب التعظيم، وقولها: (مالك خير من ذلك) زيادة في الإعظام، وتفسير لبعض الإبهام، وأنه خير مما أشير إليه من ثناء وطيب ذكر، وفوق ما اعتقد فيه من سؤدد وفخر، والمبارك: جمع مبرك، وهو موضع نزول الإبل، والمسارح: جمع مسرح، وهو: الموضع الذي تطلق لترعى فيه، والمزهر بكسر الميم وسكون الزاي وفتح الهاء: آلة من آلات اللهو، وقيل: هي العود، وقيل: دف مربع، وأنكر أبو سعيد الضرير تفسير المزهر بالعود فقال: ما كانت العرب تعرف العود إلا من خالط الحضر منهم، وإنما هو بضم الميم وكسر الهاء وهو: الذي يوقد النار فيزهرها للضيف؛ فإذا سمعت الإبل صوته، ومعمعان النار؛ عرفت أن ضيفاً طرق فتيقنت الهلاك، وتعقبه عياض بأن الناس كلهم رووه بكسر الميم وفتح الهاء، ثم قال: ومن الذي أخبره أن مالكاً المذكور لم يخالط الحضر، ولا سيما مع ما جاء في بعض طرق هذا الحديث أنهن كن من قرية من قرى اليمن، وفي الأخرى أنهن من أهل مكة، وقد كثر ذكر المزهر في أشعار العرب جاهليتها وإسلامها ببدويها وحضريها أهـ.

قوله: (قالت الحادية عشرة) وهي أم زرع بنت أكيمل بن ساعدة.

قوله: (زوجي أبو زرع) قوله: (أناس) أي حرك، قوله: (من حلي أذني) المراد أنه ملأ أذنيها بما جرت عادة النساء من التحلي به من قرط وشنف من ذهب ولؤلؤ ونحو ذلك.

قوله: (وملأ من شحم عضدي) قال أبو عبيد لم ترد العضد وحده وإنما أرادت الجسد كله؛ لأن العضد إذا سمنت سمن سائر الجسد، وخصت العضد لأنه أقرب ما يلي بصر الإنسان من جسده، قوله (وبجحنى فبجحت) وفي رواية لمسلم (فتبجَّحَتْ إلي) بالتشديد (نفسي) والمعنى: أنه فرحها ففرحت، وقال ابن الأنباري: المعنى عظمني فعظمت إلي نفسي.

قوله: (وجدني في أهل غُنَيْمَة بشَق) المراد شق جبل كانوا فيه لقلتهم ووسعهم، والمعنى بالشق إنهم كانوا في شظف من العيش.

قوله: (فجعلني في أهل صهيل) أي: خيل (وأطيط) أي: إبل، وأصل الأطيط صوت أعواد المحامل والرجال على الجمال، فأرادت إنهم أصحاب محامل تشير بذلك إلى رفاهيتهم.

قوله (ودائس) اسم فاعل من الدوس، والدائس الذي يدوس الطعام، فكأنها أرادت إنهم أصحاب زرع.

قوله: (ومنق)أي له أنعام ذات نقي أي سمان، والحاصل أنها ذكرت أنه نقلها من شظف عيش أهلها إلى الثروة الواسعة من الخيل والإبل والزرع وغير ذلك.

قوله: (فعنده أقول فلا أقبح) أي فلا يقال لي قبحك الله، أو لا يقبح قولي، ولا يرد علي، أي لكثرة إكرامه لها، وتدللها عليه، لا يرد لها قولاً ولا يقبح عليها ما تأتي به.

قوله: (وأرقد فأتصبح) أي: أنام الصبحة وهي نوم أول النهار فلا أوقظ، إشارة إلى أن لها من يكفيها مؤنة بيتها ومهنة أهلها.

قوله: (وأشرب فأتقنح) كذا وقع بالقاف والنون الثقيلة ثم المهملة قال عياض: لم يقع في الصحيحين إلا بالنون ورواه الأكثر في غيرهما بالميم، أتقمح: أي أروى حتى لا أحب الشرب، وأثبت بعضهم أن معنى أتقنح بمعنى اتقمح؛ لأن النون والميم يتعاقبان مثل امتقع لونه وانتقع، وقيل التقنح الشرب بعد الري.

قوله (أم أبي زرع فما أم أبي زرع؟ عكومها رداح، وبيتها فساح) والعكوم جمع عكم، وهي: الأعدال والأحمال التي تجمع فيها الأمتعة، ورداح أي: عظام كثيرة الحشو ملأى، وفساح أي: واسع يقال بيت فسيح وفساح، والمعنى أنها وصفت والدة زوجها بأنها كثيرة الآلات والأثاث والقماش، واسعة المال، كبيرة البيت؛ إما حقيقة فيدل ذلك على عظم الثروة، وإما كناية عن كثرة الخير، ورغد العيش والبر بمن ينزل بهم.

قوله: (ابن أبي زرع فما ابن أبي زرع؟ مضجعه كمسل شطبة، ويشبعه ذراع الجفرة) أصل الشطبة ما شطب من الجريد وهو سعفه، فيشق منه قضبان رقاق تنسج منه الحصر، شبهته بسيف مسلول ذي شطب، وسيوف اليمن كلها ذات شطب، وقد شبهت العرب الرجال بالسيوف إما لخشونة الجانب، وشدة المهابة، وإما لجمال الرونق، وكمال اللألاء، وإما لكمال صورتها في اعتدالها واستوائها، وأما الجفرة فهي الأنثى من ولد المعز إذا كان بن أربعة أشهر وفصل عن أمة وأخذ في الرعي، وقال الخليل: الجفر من أولاد الشاة ما استجفر أي صار له بطن.

قوله: (بنت أبي زرع فما بنت أبي زرع؟) في رواية مسلم (وما) بالواو بدل الفاء، قوله (طوع أبيها وطوع أمها) أي أنها بارة بهما.

قوله: (وملء كسائها) كناية عن كمال شخصها، ونعمة جسمها.

قوله: (وغيظ جارتها) في رواية سعيد بن سلمة عند مسلم (وعقر جارتها) بفتح المهملة وسكون القاف أي دهشها أو قتلها.

قوله: (جارية أبي زرع، فما جارية أبي زرع؟ لا تبث حديثنا تبثيثاً) بَثَّ الحديث، ونَثَّ الحديث: أظهره.

قوله: (ولا تنقث ميرتنا تنقيثاً) أي: تسرع فيه بالخيانة، وأرادت المبالغة في براءتها من الخيانة، والميرة أصله ما يحصله البدوي من الحضر ويحمله إلى منزله لينتفع به أهله، والمعنى لا تخرج ما في منزل أهلها إلى غيرهم.

قوله: (ولا تملأ بيتنا تعشيشاً) أي: أنها مُصلحة للبيت، مهتمة بتنظيفه، وإلقاء كناسته وإبعادها منه، وأنها لا تكتفي بقم كناسته وتركها في جوانبه كأنها الأعشاش.

يتبــــــــــــــــــــع...................










رد مع اقتباس
قديم 2007-12-03, 18:26   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
عزالدين
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية عزالدين
 

 

 
إحصائية العضو










Flower2 تـابـع لحديث أم زرع

قوله: (قالت:خرج أبو زرع والأوطاب تمخض) الأوطاب جمع وطب وهو وعاء اللبن، أرادت أنه يبكر بخروجه من منزلها غدوة وقت قيام الخدم والعبيد لأشغالهم، وانطوى في خبرها كثرة خير داره، وغزر لبنه، وأن عندهم ما يكفيهم ويفضل حتى يمخضوه ويستخرجوا زبده.

قوله: (فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين) فائدة وصفها لهما؛ التنبيه على أسباب تزويج أبي زرع لها؛ لأنهم كانوا يرغبون في أن تكون أولادهم من النساء المنجبات، فلذلك حرص أبو زرع عليها لما رآها.

قوله: (يلعبان من تحت خصرها برمانتين) أي: أن ذلك مكان الولدين منها، وأنهما كانا في حضنيها أو جنبيها، وفي تشبيه النهدين بالرمانتين إشارة إلى صغر سنها، وإنها لم تترهل حتى تنكسر ثدياها وتتدلى.

قوله: (فطلقني ونكحها فنكحت بعده رجلاً سرياً) أي: من سراة الناس، وهم كبراؤهم في حسن الصورة والهيئة، والسري من كل شيء: خياره.

قوله: (ركب شرياً) تعني فرساً خياراً فائقاً، والشري الذي يستشري في سيره، أي يمضي فيه بلا فتور.

قوله: (وأخذ خطياً) نسبة إلى الخط وهو الرمح، والخط موضع بنواحي البحرين تجلب منه الرماح.

قوله: (أراح) من الرواح، ومعناه: أتى بها إلى المراح، وهو موضع مبيت الماشية.

قولهنعماً) هو الإبل خاصة، ويطلق على جميع المواشي إذا كان فيها إبل.

قوله: (ثرياً) أي كثيرة.

قوله: (وأعطاني من كل رائحة زوجاً) أعطاني من كل شيء يذبح زوجاً، والرائحة: الآتية وقت الرواح وهو آخر النهار.

قوله: (وقال كلي أم زرع وميرى أهلك) أي صليهم وأوسعي عليهم بالميرة وهي الطعام. قوله: (فلو جمعت كل شيء أعطانيه ما بلغ أصغر آنية أبي زرع) الحاصل أنها وصفته بالسؤدد في ذاته، والشجاعة والفضل والجود؛ بكونه أباح لها أن تأكل ما شاءت من ماله، وتهدي منه ما شاءت لأهلها، مبالغة في إكرامها، ومع ذلك فكانت أحواله عندها محتقرة بالنسبة لأبي زرع، وكان سبب ذلك أن أبا زرع كان أول أزواجها، فسكنت محبته في قلبها كما قيل ما الحب إلا للحبيب الأول.

قوله: (قالت عائشة: قال رسول الله: - صلى الله عليه وسلم -) وفي رواية الترمذي: (فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -).

قوله: (كنت لكِ) يحتمل أن تكون كان هنا على بابها، والمراد بها الاتصال كما في قوله تعالى: {وكان الله غفوراً رحيماً} إذ المراد بيان زمان ماض في الجملة أي: كنت لك في سابق علم الله.

قوله: (كأبي زرع لأم زرع) زاد في رواية الهيثم بن عدي: (في الألفة والوفاء لا في الفرقة والجلاء)، وزاد الزبير في آخره: (إلا أنه طلقها وإني لا أطلقك) وزاد النسائي في رواية له والطبراني قالت عائشة: "يا رسول الله بل أنت خير من أبي زرع" وكأنه - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك تطييباً لها، وطمأنينة لقلبها، ودفعاً لإيهام عموم التشبيه بجملة أحوال أبي زرع؛ إذ لم يكن فيه ما تذمه النساء سوى ذلك، وقد وقع الإفصاح بذلك وأجابت هي عن ذلك جواب مثلها في فضلها وعلمها([13]).
سادساً: فقه الحديث والفوائد المستفادة من الحديث:

في هذا الحديث من الفوائد([14]):

1. حسن عشرة المرء أهله بالتأنيس، والمحادثة بالأمور المباحة ما لم يفض ذلك إلى ما يمنع.

2. وفيه المزاح أحياناً، وبسط النفس به، ومداعبة الرجل أهله، وإعلامه بمحبته لها ما لم يؤد ذلك إلى مفسدة تترتب على ذلك، من تجنيها عليه وإعراضها عنه.

3. وفيه منع الفخر بالمال، وبيان جواز ذكر الفضل بأمور الدين، وإخبار الرجل أهله بصورة حاله معهم، وتذكيرهم بذلك لاسيما عند وجود ما طبعن عليه من كفر الإحسان.

4. وفيه ذكر المرأة إحسان زوجها.

5. وفيه إكرام الرجل بعض نسائه بحضور ضرائرها بما يخصها به من قول أو فعل، ومحله عند السلامة من الميل المفضي إلى الجور.

6. وفيه جواز تحدث الرجل مع زوجته في غير نوبتها.

7. وفيه الحديث عن الأمم الخالية، وضرب الأمثال بهم اعتباراً، وجواز الانبساط بذكر طرف الأخبار، ومستطابات النوادر تنشيطاً للنفوس.

8. وفيه حض النساء على الوفاء لبعولتهن، وقصر الطرف عليهم، والشكر لجميلهم، ووصف المرأة زوجها بما تعرفه من حسنٍ وسوءٍ، وجواز المبالغة في الأوصاف، ومحله إذا لم يصر ذلك ديدناً لأنه يفضي إلى خرم المروءة.

9. وفيه تفسير ما يجمله المخبر من الخبر؛ إما بالسؤال عنه، وإما ابتداء من تلقاء نفسه.

10. وفيه أن ذكر المرء بما فيه من العيب جائز إذا قصد التنفير عن ذلك الفعل ولا يكون ذلك غيبة، قال بعضهم: ذكر بعض هؤلاء النسوة أزواجهن بما يكرهون، ولم يكن ذلك غيبة لكونهم لا يعرفون بأعيانهم وأسمائهم، قال المازري: وإنما يحتاج إلى هذا الاعتذار لو كان من تحدث عنده بهذا الحديث سمع كلامهن في اغتياب أزواجهن، فأقرهن على ذلك، فأما والواقع خلاف ذلك؛ وهو أن عائشة حكت قصة عن نساء مجهولات غائبات فلا، ولو أن امرأة وصفت زوجها بما يكرهه لكان غيبة محرمة على من يقوله ويسمعه، إلا إن كانت في مقام الشكوى منه عند الحاكم، وهذا في حق المعين، فأما المجهول الذي لا يعرف فلا حرج في سماع الكلام فيه؛ لأنه لا يتأذى إلا إذا عرف أن من ذكر عنده يعرفه.

11. وفيه تقويةٌ لمن كره نكاح من كان لها زوج، لما ظهر من اعتراف أم زرع بإكرام زوجها الثاني لها بقدر طاقته، ومع ذلك حقرته وصغرته بالنسبة إلى الزوج الأول.

12. وفيه أن الحب يستر الإساءة؛ لأن أبا زرع مع إساءته لها بتطليقها لم يمنعها ذلك من المبالغة في وصفه إلى أن بلغت حد الإفراط والغلو، وقد وقع في بعض طرقه إشارة إلى أن أبا زرع ندم على طلاقها وقال في ذلك شعراً.

13. وفيه جواز وصف النساء ومحاسنهن للرجل، لكن محله إذا كن مجهولات، والذي يمنع من ذلك وصف المرأة المعينة بحضرة الرجل، أو أن يذكر من وصفها ما لا يجوز للرجال تعمد النظر إليه.

14. وفيه أن التشبيه لا يستلزم مساواة المشبه بالمشبه به من كل جهة لقوله -صلى الله عليه وسلم -: (كنت لك كأبي زرع)، والمراد ما بينَّه بقوله: في رواية الهيثم في الألفة..إلى آخره، لا في جميع ما وصف به أبو زرع من الثروة الزائدة، والابن والخادم وغير ذلك، وما لم يذكر من أمور الدين كلها.

15. وفيه أن كناية الطلاق لا توقعه إلا مع مصاحبة النية فإنه - صلى الله عليه وسلم - تشبه بأبي زرع، وأبو زرع قد طلق، فلم يستلزم ذلك وقوع الطلاق لكونه لم يقصد إليه.

16. وفيه أن من شأن النساء إذا تحدثن أن لا يكون حديثهن غالباً إلا في الرجال، وهذا بخلاف الرجال فإن غالب حديثهم إنما هو فيما يتعلق المعاش.

17. وفيه جواز الكلام بالألفاظ الغريبة، واستعمال السجع في الكلام إذا لم يكن مكلفاً، قال عياض ما ملخصه: في كلام هؤلاء النسوة من فصاحة الألفاظ، وبلاغة العبارة والبديع؛ ما لا مزيد عليه، ولا سيما كلام أم زرع، فإنه مع كثرة فصوله، وقلة فضوله؛ مختار الكلمات، واضح السمات، نير النسمات، قد قدرت ألفاظه قدر معانيه، وقررت قواعده وشيدت مبانيه، وفي كلامهن ولا سيما الأولى والعاشرة أيضاً من فنون التشبيه والاستعارة، والكناية والإشارة، والموازنة والترصيع، والمناسبة والتوسيع، والمبالغة والتسجيع، والتوليد وضرب المثل، وأنواع المجانسة وإلزام ما لا يلزم، والإيغال والمقابلة، والمطابقة والاحتراس، وحسن التفسير والترديد، وغرابة التقسيم وغير ذلك؛ أشياء ظاهرة لمن تأملها، وقد أشرنا إلى بعضها فيما تقدم، وكمل ذلك أن غالب ذلك أفرغ في قالب الانسجام، وأتى به الخاطر بغير تكلف، وجاء لفظه تابعاً لمعناه، منقاداً له غير مستكره ولا منافر، والله يمن على من يشاء بما شاء لا إله إلا هو.

والحمد لله رب العالمين.



انتهــى الموضوع بعـون الله.










رد مع اقتباس
إضافة رد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 19:53

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc