أبحث عن كتاب تقنية الوصف لعبد الله خمار - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي

الحوار الأكاديمي والطلابي ساحة حوار عامة لمناقشة القضايا الاكاديمية وكذا طرح الأسئلة والاستفسارات والمشاكل الطلابية والاجتماعية والبحث عن الحلول والارشادات المناسبة لها....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

أبحث عن كتاب تقنية الوصف لعبد الله خمار

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2016-01-23, 09:50   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
cherif algeria
عضو مجتهـد
 
الصورة الرمزية cherif algeria
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي أبحث عن كتاب تقنية الوصف لعبد الله خمار

السلام عليكم

في طلب سابق لي في هذا القسم شاهده اكثر من 130 شخص و لم اجد اي اجابة لكن لا بأس ساحاول من جديد ربما اجد من يستطيع مساعدتي

أنا أبحث عن كتاب بعنوان ( تقنية الوصف ) لمؤلفه عبد الله خمار

لمن يتوفر على نسخة pdf من الكتاب فلينفعني بها لأني في حاجة ماسة إليه

و كل من يتوفر على كتب تتناول الوصف و أنواعه و دلالاته فليزودني بها لأني بحاجة لكتب تتكلم عن الوصف بشكل عام و أنواعه

شكرا مسبقا للجميع









 


رد مع اقتباس
قديم 2016-01-23, 14:09   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
سطايفية بكل فخر
مشرف منتدى التقنيّة، ومنتديات الثقافة الطبيّة والعلوم
 
الصورة الرمزية سطايفية بكل فخر
 

 

 
الأوسمة
موضوع مميز العضو المميز المواضيع المميزة 2014 
إحصائية العضو










افتراضي

وجدت مقالات للكاتب تحت عنوان
تقنيّات الدّراسة في الرّواية - عبد اللّه خمّار
هل هذا ما تبحث عنه اخي










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-23, 21:35   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
cherif algeria
عضو مجتهـد
 
الصورة الرمزية cherif algeria
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة على رصيف الأمل مشاهدة المشاركة
وجدت مقالات للكاتب تحت عنوان
تقنيّات الدّراسة في الرّواية - عبد اللّه خمّار
هل هذا ما تبحث عنه اخي
شكرا على اهتمامك اخي الكريم

انا احتاج الكتاب

لكن لا بأس ان ترسل لي المقالات ربما اجد فيها ما يفيدني









رد مع اقتباس
قديم 2016-01-23, 21:41   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
سطايفية بكل فخر
مشرف منتدى التقنيّة، ومنتديات الثقافة الطبيّة والعلوم
 
الصورة الرمزية سطايفية بكل فخر
 

 

 
الأوسمة
موضوع مميز العضو المميز المواضيع المميزة 2014 
إحصائية العضو










افتراضي

تقنيّات الدّراسة في الرّواية

مقـدّ مـة



من كتاب الشخصية
للكاتب عبد الله خمّار





يسعدني أن أقدم للقارىء الكريم الكتاب الأول من سلسلة تقنيات الدراسة في الرواية : "الشخصية ".
صدرت الطبعة الأولى منه في ديسمبر 1999 بالاشتراك مع دار الكتاب العربي بالجزائر وهو الحلقة الأولى من سلسلة تعالج عناصر الرواية الرئيسية الثلاثة : الشخصية والعلاقات الإنسانية والمواضيع وصدر منها حتى الآن كتابان. وستصدر السلسلة كاملة بإذن الله في هذا الموقع. وليس الهدف من اختيار الأنترنيت الاستغناء عن الطباعة والنشر ولكن الهدف تمكين الأساتذة والتلاميذ الجزائريين والعرب داخل الوطن وخارجه من الاستفادة منه والاستفادة بدوري من ملاحظاتهم وآرائهم لأن التواصل بين الأساتذة العرب ضروري لإصلاح المناهج وتطويرها. وربما تصدر طبعة ثانية من هذا الكتاب عن إحدى دور النشر الجزائرية والعربية في المستقبل.

الجزائر ، مارس 2005 المؤلف



مقتطفات من مقدمة الطبعة الأولى

دفعني الحماس والتشجيع الذي استقبل به بعض الزملاء الأساتذة والمديرين والمفتشين كتاب "فن الكتابة: تقنيات الوصف" وهو منهج مقترح لإثراء نشاط التعبير الكتابي، دفعني هذا الحماس والتشجيع إلى اقتراح منهج تستخدم فيه الرواية لإثراء أنشطة الدراسة الأدبية والبحث والتعبير في المدارس الثانوية والمعاهد التكنولوجية.

لقد عالجت الرواية الجزائرية قضايا مجتمعنا السياسية والاجتماعية في العصر الحاضر بجدية وعمق، وصورت صدامنا الحضاري مع الغرب عسكريا وثقافيا ولغويا، في المغرب والمشرق، وسجلت كفاحنا ضد الاستعمار والصهيونية، وما قاسيناه من ويلاتهما، كما رصدت مراحل نهضتنا وتطلعاتنا إلى بناء مجتمع عصري جديد متوازن يتصل حاضره بماضيه ومستقبله. وسلطت الأضواء على العلل والأمراض التي رافقت وترافق انتقالنا من النظام العشائري إلى المجتمع المدني، ومن الجهوية إلى المواطنة، ومن احترام القوة إلى احترام القانون، ووضعت تحت المجهر الشروخ العمودية والأفقية التي تسبب فيها هذا الانتقال، مبرزة الآفات الاجتماعية التي ابتلينا بها كالاستبداد والتعسف في استعمال السلطة والاختلاس والرشوة والجهويه والمحسوبية والانبهار والاستلاب الحضاري، أو كره الغرب والخوف المرضي منه، وانتشار المخدرات والسرقة وانحسار القيم الروحية أمام الهجمة المادية إلى غير ذلك من الآفات.

ومن هذا المنطلق كان على المدرسة أن تستفيد من تجربة الروائيين الجزائريين والعرب الهادفين إلى بناء هذا المجتمع الجديد، ومن تجربة كبار الروائيين العالميين،لفهم تجربة المجتمعات الأخرى في بنائها وحربها وسلمها وعلاقاتها الإنسانية، لتعي الأجيال الجديدة طبيعة هذا التغيير، وتساهم فيه مساهمة إيجابية لتتحصن ضد الاستلاب والانبهار، وضد الكره والخوف الذي يؤدي إلى التحجر والتقوقع على الذات. تتسلح بالعلم والأخلاق وبالثقة بالنفس لتتغلب على هذه الأمراض والآفات. تتمسك بأصالتها وشخصيتها، وتتفتح على الحضارة الحالية في الغرب، مؤمنة بأنها نتاج تراكم حضارات الأمم كلها التي ساهمت فيها بما في ذلك حضارتنا العربية الإسلامية، علنا نسهم من جديد في إنتاج الحضارة بعد أن كنا مجرد مستهلكين لها في القرون الأخيرة.

وكتاب "الشخصية" هو الأول من ثلاثية بعنوان "تقنيات الدراسة في الرواية" يتبع بكتابي "العلاقات الإنسانية" و"المواضيع" في المستقبل القريب بإذن الله.

ويهدف هذا الكتاب إلى تعليم التلميذ مبادئ البحث وتدريبه عليه، حيث يجمع المعلومات المطلوبة "وهي هنا موجودة، بين دفتي الرواية" ويصنفها ويبوبها، ويستشهد بالمناسب منها فيما يكتبه.

كما يهدف إلى تدريبه على التحليل والتركيب والمحاكمة والتقييم، وتنظيم المعلومات وحسن الاستشهاد عند الكتابة الموضوعية. ولكن الاهتمام في الدراسة ينصب على الشخصية الروائية نفسها لا على الكاتب، فليس هذا مجال دراسة الكاتب أو نقد أسلوبه أو الحكم على مذهبه الأدبي.

ويمكن للتلميذ تقييم الكاتب وأعماله عند دراسة الشخصية الحقيقية في الفصل السادس، أما عند دراسة شخصياته، فهي المعنية، ولها الأولوية في الحكم والتقييم.

ولزيادة الفائدة من هذا الكتاب، أضيف له فصل يدعو التلاميذ إلى دراسة الشخصيات الحقيقية الجزائرية والعربية وغيرها من شخصيات الأمم الأخرى التي كان لها تأثير إيجابي في مسيرة مجتمعنا بشكل خاص أو مسيرة الإنسانية بصورة عامة.

وإذ لم يستطع هذا الكتاب أن يحتوي على نماذج لمعظم الروائيين الجزائريين والعرب والعالميين لضيق المجال، فطموح مؤلفه أن يتم تدارك هذا النقص أثناء التطبيق.

وإذ أضعه بين أيدي المربين الجزائريين والعرب، أرجو كما قلت في كتابي السابق أن يسهم ما يقابل به من نقد إيجابي أو سلبي في إثراء النقاش الدائر حول مناهج التعليم الجزائرية والعربية.

وأوجه شكري إلى الأستاذ محمد عيسى موسى المدير العام للمكتبة الوطنية الجزائرية وإلى العاملين فيها على ما قدموه ويقدمونه لكل الأساتذة من مساعدة في توفير المصادر والمراجع الضرورية للبحث.كما أشكر دار الكتاب العربي على التكفل بطبع هذا الكتاب ونشره.

وفي الختام لايفوتني التنويه بما بذلته أختي عائشة من جهد في مراجعة نصوص هذا الكتاب، وكتاب "فن الكتابة: تقنيات الوصف" وما أبدته لي من ملاحظات قيمة حول محتوى فصولهما، كان له كبير الأثر في توضيح الرؤية، وتنظيم المواضيع، ودقة التمارين، فلها جزيل الشكر.

والله ولي التوفيق










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-23, 21:42   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
سطايفية بكل فخر
مشرف منتدى التقنيّة، ومنتديات الثقافة الطبيّة والعلوم
 
الصورة الرمزية سطايفية بكل فخر
 

 

 
الأوسمة
موضوع مميز العضو المميز المواضيع المميزة 2014 
إحصائية العضو










افتراضي

كيفية استخدام كتاب الشخصية
للكاتب عبد الله خمّار


إذا كان للقراءة العادية متعة واحدة، فللدراسة متعتان، متعة القراءة ومتابعة ما يجري من أحداث باهتمام وشغف، ومتعة البحث واكتشاف مقومات الشخصيات وتصنيفها، ورصد غاياتها ودوافعها وعلاقاتها الإنسانية وتقييمها والحكم عليها .

ولابد أن يصبر القارئ حتى يعرفه الكاتب على شخوص الرواية أو المسرحية وأحداثها ومغزاها، ولا تفتح الرواية أو المسرحية مغاليق أبوابها للقارئ السطحي الذي يقرأ بسرعة الصاروخ، ويقفز على الكلمات ليصل إلى خاتمتها، بل تكشف كنوزها للقارئ المتمعن، الذي يحاول مضغ ما يقرأ جيدا والتلذذ به حتى يصبح قابلا للبلع وسهل الهضم، يقرأها بلسانه وقلبه وعقله وخياله، وتنمو شخوصها أمامه وتتحرك وتتطور، ويدخل معها إلى عالمها، فيشاركها الأفراح، ويقاسمها الأحزان، ويتحمس لفوزها ونجاحها، ويرثي لإخفاقها، وتتوتر أعصابه عند صدامها فيتعاطف مع أخيارها، ويكور قبضته غضبا وسخطا في وجه أشرارها، ومن قرأ المسرحية أو الرواية بلسانه وحده، أو بلسانه وعقله فقد قتلها.

عليك عند قراءة الرواية أو المسرحية أن توظف ما تعلمته في الفلسفة والأدب والتاريخ والرياضيات والرسم والموسيقى، وما تعلمته في بيتك وبيئتك في فهم الرواية، فالرواية هي الحياة بكل أبعادها، واستعمل القواميس والموسوعات لتزويدك بما لا تعرفه. فالقراءة الحقيقية اكتساب دائم للمعرفة.

n احذر من وضع وسيط بينك وبين الرواية، فأنت قادر على فتح مغاليقها واستنباط أسرارها واستنباط كنوزها بنفسك، وإياك أن تقرأ آراء النفاد عنها قبل قراءتها، لأنك سترى الرواية بمنظارهم ومن خلالهم لا بمنظارك أنت، والناقد مثلك لديه أدواته من ثقافة وذوق، وربما تكون ثقافته أكثر، فاستعن به في فهم النصوص بعد قراءتها ولا تستعض بها عنها.

n ويستخدم هذا الكتاب كسابقه "فن الكتابة: تقنيات الوصف" في القسم، أو في تنشيط ورشات التنشيط الثقافي، للتلاميذ الذين يريدون التدرب على الكتابة والبحث، كما يمكن أن يستفيد منه القارئ الحر شريطة أن يقوم بإجراء التمارين التطبيقية المطلوبة.

n وللحصول على نتائج جيدة من الكتاب، ننصح بتوفير بما يأتي:

1- رواية أو مسرحية لكل تلميذ يطبق عليها التمارين المطلوبة منه، ومن المستحسن أن يطبق التلميذ على الرواية والمسرحية معا.

2- بعض كتب السير والتراجم لشخصيات جزائرية وعربية إسلامية وعالمية.
n ومن الأفضل أن يشتري التلميذ الكتب التي يطبق عليها ليبدأ في تكوين مكتبته، فإن لم يجد،فعليه أن يستعيرها من مكتبة المدرسة أو المكتبة البلدية أو مكتبة المركز الثقافي، ولذا يجب العناية بتزويد هذه المكتبات بالكتب الأدبية، ومنها الرواية الجزائرية والعربية والمعربة وبكتب السيرة والتراجم.

n ويتمثل عمل الأستاذ في تقديم بعض نماذج بناء الشخصية ودراستها، واستخلاص التقنيات والقواعد التي تساعد التلميذ على فهم العمليتين، وإجراء التمارين التطبيقية ومن نافلة القول، أن التطبيق يجري دائما في المنزل، وخارج الحصة، ولا ضرورة لتصحيح أوراق التلاميذ كلها، بل يصحح بعضها في كل مرة، ويقرأ التلاميذ بالتداول بحوثهم وعروضهم في القسم، ويسألهم زملاؤهم ويناقشونهم فيما قالوه بعد العرض.




تـمـهـيـد

لكتاب الشخصية

للكاتب عبد الله خمّار

بناء الرواية

كيف تنشأ الرواية أو المسرحية؟ إنها فكرة أو مجموعة أفكار يريد الكاتب إيصالها إلى الناس، وهي تمثل حجر الزاوية التي تبنى عليها الرواية أو المسرحية، وموضوعها وشخصياتها وأحداثها هي تجسيد لهذه الفكرة وإقامة لهذا البناء.

الفرق بين الفكرة والموضوع:
قد يتناقش مجموعة من الناس حول موضوع من المواضيع، وليكن موضوع المرأة مثلا، فيبدي الأول فكرته أو وجهة نظره في هذا الموضوع مؤيدا مساواة المرأة للرجل في جميع المجالات ودون قيد أو شرط، ويبدي الثاني فكرة مخالفة لفكرة الأول تماما، ويقف الثالث موقفا وسطا منها، ويتحفظ الرابع على بعض الأعمال والنشاطات التي لايمكن للمرأة ممارستها في رأيه، وهكذا لو أتيح لكل منهم أن يكتب رواية لكان الموضوع واحدا هو المرأة، ولكن فكرة كل منهم عنه تختلف عن فكرة الآخر.

وهكذا بالنسبة إلى موضوع الجريمة فهناك من يحمل المجتمع وحده مسؤولية انحراف الشباب وما نشأ عنه من السرقة وتعاطي المخدرات والقتل، ويعزو ذلك إلى الظلم الاجتماعي والفقر والفروق الطبقية. وهناك من يتشبث بعامل الوراثة والنزعة الإجرامية الفطرية التي يجب أن تكبح ويلقى المجرمون أشد العقاب. وهناك من يأخذ في الحسبان العامليْن كليهما بنسب متفاوتة، فالموضوع واحد ولكل فكرته ووجهة نظره، وهذا ينطبق على كافة المواضيع.

واختلاف آراء الكتاب حول الموضوع الواحد يؤدي بالضرورة إلى اختلافهم في طرح هذا الموضوع وعرضه بالطريقة التي تتلاءم مع وجهة نظرهم عنه، وذلك باختيار كل منهم للشخصيات والمواقف والأحداث التي تجسد فكرتهن وتبلغ رسالته.

العناصر الهامة في بناء الشخصية:
ولكل شخصية في الرواية والمسرحية مقومات جسمية وعقلية ونفسية واجتماعية تنعكس على هيئتها وسلوكها وطباعها وأخلاقها، يبرز لنا الكاتب أهم ملامحها ويرينا ما فيها من مزايا وعيوب. كما أن لكل شخصية غاية تسعى إليها ودافعا يحثها على تحقيق هذه الغاية، وبما أن الشخصيات تختلف في طباعها وأخلاقها وغاياتها ودوافعها، فلا بد أن يحدث الصدام والصراع بينها، وتحول العقبات دون غاياتها وأهدافها خلال أحداث الرواية أو المسرحية.

الشخصية الحسنة والشخصية السيئة:
فالشخصية التي تفوق مزاياها عيوبها من الناحية الأخلاقية والاجتماعية، وتكون غايتها ودوافعها، ووسيلتها إلى تحقيق هذه الغاية نبيلة هي شخصية مستقيمة تحظى بحبنا واحترامنا والشخصية التي تفوق عيوبها مزاياها، وتكون غايتها أو دوافعها أو وسيلتها إلى

تحقيق هذه الغاية دنيئة هي شخصية منحرفة تستوجب سخطنا عليها وخوفنا من شرورها.

العلاقات الإنسانية:
وعلاقات الصدام والصراع بين بعض هذه الشخصيات، وبعضها الآخر، أو علاقات الوئام والانسجام تشكل العلاقات الإنسانية التي تتسم بالتوتر أحيانا وبالانفراج أحيانا أخرى. وهذه العلاقات هي التي تتسبب في تأزم الأحداث وتعقدها في الرواية والمسرحية، حيث تظهر قدرة الكاتب على نسجها في حبكة فنية يبدو فيها تسلسل الأحداث تسلسلا منطقيا من بدايتها إلى نهايتها.

المخطط الكلاسيكي لبناء الرواية والمسرحية:
ويتضمن المخطط التقليدي لمسار الرواية والمسرحية مايأتي:

1- العرض التمهيدي: وفيه يقدم الكاتب شخصياته وأهم مقوماتها من مزايا وعيوب وغاياتها ودوافعها ويوضح مابينها من علاقات، كما يبين موضوع الرواية أو المسرحية وفكرتها.

2- الفعل الصاعد: ويتضمن الأحداث المتسلسلة التي تبدأ بالتأزم وتكوّن: أ- الأزمات الصغرى. ب- الأزمة الرئيسية، وهكذا يتصاعد الفعل ويتأزم حتى يصل إلى الذروة، ونرى في هذا الفعل الصاعد الوسيلة أو الوسائل التي تقوم بها الشخصية للتغلب على العقبات.

3- العقدة: وهي بلوغ الأحداث المتمثلة في الأزمات الصغرى والأزمة الرئيسية ذروتها، حيث تتعقد العلاقات بين الشخصيات إلى درجتها القصوى.

4- الفعل النازل: ويتضمن الأحداث المتسلسلة التي تبدأ بفك العقدة شيئا فشيئا حتى تصل إلى الحل.

5- النتيجة: وفيها نرى الشخصيات بعد التغير الذي أصابها، والعلاقات الجديدة بعد التغير الذي طرأ عليها، ويكون الجمهور قد تلقى رسالة الكاتب وهضم فكرته، وحكم نهائيا على الشخصية أو الشخصيات.

ومن الطبيعي أن يتزامن بناء الشخصيات وتطورها مع بناء العلاقات وتغيرها، وبناء الموضوع وتوالي الأحداث.

ويمكن للكاتب أن يبدأ روايته أو مسرحيته من أي موضع في هذا المخطط، ثم يعود بنا عن طريق استعادة الذكريات، أو حوار الشخصيات إلى ذكر المراحل السابقة.

ارتباط الأحداث بالشخصيات أو بالعلاقات:

ومما تجدر الإشارة إليه أن الفعل الصاعد بما فيه من أزمات صغرى وأزمة رئيسية تمثل العقبات التي تعترض سبيل الشخصية في سعيها إلى تحقيق غايتها، إن كانت الرواية أو المسرحية تعتمد على مسيرة حياة الشخصية، وتمثل الأزمات وسوء التفاهم التي تتميز بها العلاقات بين الشخصيات إن كان موضوع الرواية يعالج إحدى العلاقات الإنسانية.

العناصر الأساسية في الرواية:
ومهما كان الأسلوب الذي تكتب به المسرحية أو الرواية، وسواء أكان تقليديا يعتمد على الحبكة أي التسلسل المنطقي في تأزم الأحداث والعقدة والحل، أم كان استعراضا لشرائح من الحياة الاجتماعية لا تلتزم الأسلوب التقليدي، وسواء اعتمد الكاتب تسلسل الأزمنة أو خلط بينها، فلا بد في أي رواية أو مسرحية من بناء العناصر الأساسية الثلاثة: الشخصيات والعلاقات الإنسانية، والمواضيع التي هي كل لا يتجزأ ولانستطيع أن نفصل إحداها عن الأخرى. وسنركز في هذا الكتاب على دراسة هذه العناصر، بعد أن انصب اهتمامنا في كتاب "فن الكتابة تقنيات الوصف" على الوصف الخارجي والداخلي للشخصيات ووصف الأحداث والزمان، ثم وصف الأمكنة بدءا من الغرفة فالمنزل فالأماكن العامة فالحي فالقرية فالمدينة وانتهاء بالمشاهد الطبيعية.

الدراسة والبناء:
والدراسة من الأدب الوصفي لا الإبداعي وهي تعتمد على ما أورده الكاتب مقيدة بآرائه، محدودة بخياله، ولا مجال للدارس بأن يطلق العنان لمخيلته فيورد ما لم يرده الكاتب، ويستنتج ما لم يصرح أو يلمح به، ولكننا لن نهمل الأدب الإبداعي فسوف نتحدث عن بناء الشخصية قبل دراستها، ونتيح الفرصة للقارئ بأن يبني شخصياته بنفسه، من خلال التمارين المطلوبة منه، ونطالبه بنسج بعض العلاقات الإنسانية ومعالجة بعض المواضيع ونجمع في ذلك بين الأدبين الوصفي والإبداعي، بين التركيب والتحليل، بين البناء والدراسة.

ماذا نعني بالدراسة؟
دراسة موضوع هي فحصه من جميع جوانبه لمعرفته معرفة تامة . وإدراك ميزاته ونقائصه. ودراسة نص تعني فحصه بتحليله إلى عناصره الأولية، والحكم على مبناه ومعناه، أما الدراسة التي نعنيها هنا فلها ثلاثة أنواع:

أ ـ دراسة الشخصية:
وتتم بتحليل هذه الشخصية إلى عناصرها الأولية التي بناها الكاتب منها، وهي (تأثير البيئة عليها، ذكاؤها، ثقافتها، طباعها ومزاجها، قيمها الخ...) ثم نرى تأثير هذه العناصر في سلوك هذه الشخصية من خلال دوافعها وغاياتها ووسائلها .

ب ـ دراسة العلاقات الإنسانية: وذلك بتحديد هذه العلاقات (صداقة، حب، زواج، تنافس، عداوة، الخ...) ومعرفة بداية نشوئها في الرواية والأساس الذي بنيت عليه ودراسة خط سيرها منذ بدايتها حتى نهايتها ثم نرى إن تميزت بالانسجام والوفاق أو بالتوتر والصراع، ونحكم عليها بالنجاح أو بالإخفاق.

ج ـ دراسة مواضيع الرواية: وتتم بدراسة كل موضوع طرحه الكاتب على حدة، حيث نجمع عناصره المتناثرة في الرواية كلها، ونكون منه موضوعا.

ولكي نوضح ما قلناه سابقا نأخذ مثالا من ثلاثية محمد ديب، فإذا أخذنا شخصية عمر ودرسناها من خلال ما قدمه الكاتب لنا من معلومات عن مظهره الجسمي وجوانبه العقلية والنفسية أي ذكائه وطباعه وسلوكه مع الآخرين، ثم قيمنا هذه الشخصية عبر نظرة الكاتب لها في الرواية، فقد قمنا بدارسة الشخصية.

وإذا درسنا علاقة عمر مع أمه وإخوته وما طرأ عليها من تغيير منذ بداية الرواية حتى نهايتها، فقد قمنا بدراسة العلاقة الإنسانية.

وإذا درسنا عمر كطفل ودرسنا معه كل ما يتعلق بالأطفال في الرواية، ظروفهم، تعليمهم، ماذا يفعلون في أوقات فراغهم، فقد انتقلنا إلى دراسة المواضيع.

ونأخذ مثالا آخر عن الزواج، فإذا درسنا علاقة الزواج بين السيد أحمد عبد الجواد وأمينة في رواية نجيب محفوظ بين القصرين، فهذا يندرج ضمن العلاقات الإنسانية.

وإذا درسنا كل علاقات الزواج في الرواية أو في الثلاثية، فهذا يدخل في دراسة الموضوع. لأن الهدف يختلف فنحن سنستنتج من خلال هذه الدراسة نظرة الكاتب للزواج ورأيه فيه.

وإذا درسنا السيد أحمد عبد الجواد بمفرده، فهذا يعني أننا ندرس شخصيته.

أما خطوات الدراسة فهي:
1. جمع المعلومات الواردة في الرواية أو المسرحية فإن كانت دراسة للعلاقة الإنسانية جمعنا كل ما يتعلق بهذه العلاقة من قريب أو بعيد وأهملنا كل ما عداه، وإذا كانت دراسة للشخصية، جمعنا كل ما يتعلق بها: مقوماتها، غاياتها، مواقفها في الرواية. وإذا كانت الدراسة لموضوع من المواضيع، جمعنا كل ما يتعلق بهذا الموضوع، بما في ذلك العلاقات الإنسانية المتصلة به.

2. تصنيف هذه المعلومات المجموعة وتبويبها، بحيث يسهل علينا استخدامها في الدراسة.

3. وضع مخطط للدراسة ينسجم مع المخطط العام لدراسة العلاقات الإنسانية، أو الشخصية أو المواضيع، ويتلاءم في الوقت نفسه مع ما لدينا من معلومات، فنحن في الدراسة نعتمد على معلومات الكاتب وآرائه، ولا يمكن أن نضيف شيئا من عندنا.

4. صوغ الدراسة وفق المخطط الموضوع والاستشهاد على كل حكم نطلقه أو فكرة نناقشها بشاهد من الرواية أو المسرحية.

وبما أن هذه الدراسة ستشمل الرواية والمسرحية معا فلا بد أن نبدأ بخلاصة قصيرة عن الفروق بينهما.

الفرق بين الرواية و المسرحية:
بما أن دراسة الشخصيات، والعلاقات الإنسانية، والمواضيع هي عناصر مشتركة بين الرواية والمسرحية فكلا الفنين يقدم قصة يتوفر فيها الزمان والمكان والشخصيات والحبكة والأحداث والعقدة والحل، إلا أن كلا منهما يقدمها بصورة مغايرة للآخر، فالمضمون واحد والاختلاف محصور في الشكل ونستطيع أن نوجز أهم نقاط الاختلاف فيما يأتي:

1. كاتب المسرحية مقيد بزمان محدد، وهو زمان عرض المسرحية، فعليه أن يعرض الشخصيات ويطورها ويقدم للجمهور العقدة والحل في هذا الزمن المحدد وهو ما يقارب الساعتين عموما، تنقص أحيانا أو تزيد قليلا. أما الروائي فهو غير مقيد بزمن معين ويستطيع أن يستوفي الوقت اللازم، للكشف عن دخيلة شخصياته وصفاتها، ودوافعها، ويبين لنا حاضرها وماضيها. وفيما يختصر المسرحي ماضي الشخصية في جمل وربما في كلمات فالروائي مثلا يمكن أن يقدم لنا بطلته التي تزوجت ثلاث مرات متتالية ويقدم لنا بصورة مفصلة تجربتها مع أزواجها المتعاقبين بينما يقدم لنا المسرحي تجربتها الحالية ويلخص لنا تجربتيها السابقتين بحوار مختصر.

2. كاتب المسرحية مقيد بالمكان وهو محصور بديكور محدد ومكان محدد، وحركة محددة، فلا يستطيع أن يغير المكان في كل لحظة، فالديكور والحركة يجب أن يتلاءما مع الفصول والمشاهد المحددة في المسرحية، بينما الروائي لديه حرية الحركة وتبديل المكان، وأبطاله يركبون القطارات والطائرات والبواخر والسيارات، ويتحركون بحرية بين القارات والمدن.

3. الروائي حر في عرض الأحداث بالطريقة التي يريدها، فهو يستعمل الحوار تارة، ويعلق على الأحداث تارة أخرى، ويلجأ إلى أسلوب الرسائل أو استعادة الذكريات، أما المسرحي فهو مقيد بالحوار، ولا يستطيع أن يلجأ إلى مناجاة الذات "المنولوج" إلا نادرا، لذا فهو مضطر أن يسرد بالحوار وحده أحداث الرواية، ويرسم شخصياتها ويعرض مواضيعها، ويوصل مغزاها إلى الجمهور، أما تعليقاته فموجهة إلى المخرج، لتحديد ألبسة الشخصيات، وديكور الأمكنة التي تجري فيها المشاهد لذلك يجب أن يكون الحوار في المسرحية مركزا ودقيقا وبعيدا عن الحشو.

وما يستفيده المسرحي إذن هو عدم احتياجه للوصف الخارجي لأبطاله لأن الجمهور يراهم على المسرح ويرى زينتهم ولباسهم، وكذلك الأمكنة التي تمثل ديكور المشاهد، إلى جانب حركة الشخصيات، وانفعالاتهم التي تبدو على وجوههم

4. كثيرا ما يتقيد كاتب المسرحية بوحدة الموضوع لأنه لا يستطيع أن يعالج مواضيع عديدة في زمن تقديم المسرحية، بينما يستطيع كاتب الرواية معالجة عدة مواضيع في روايته.

ولكن هذا الاختلاف بين الفنين، لا يؤثر على العناصر التي نتحدث عنها وهي تحليل الشخصيات والعلاقات الإنسانية، والمواضيع فهي موجودة في الشكلين الأدبيين كليهما.










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-23, 21:43   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
سطايفية بكل فخر
مشرف منتدى التقنيّة، ومنتديات الثقافة الطبيّة والعلوم
 
الصورة الرمزية سطايفية بكل فخر
 

 

 
الأوسمة
موضوع مميز العضو المميز المواضيع المميزة 2014 
إحصائية العضو










افتراضي

الفصـل الأول

من كتاب الشخصية

للكاتب عبد الله خمّار



بناء الشخصية
مادام من المتعذر على الإنسان إن لم نقل من المستحيل أن يعيش وحيدا، فعليه أن يفهم من حوله، و كما يدرس ما حوله، من ظواهر الطبيعة ليستطيع فهمها والانتفاع بخيراتها، واتقاء شروها وكوارثها، عليه أن يدرس من حوله لنفس الغاية، وهي الانتفاع بالخير، الموجود في الإنسان، واتقاء الشر الذي يأتي منه، وكل منا بحاجة إلى فهم الآخرين ليستطيع التعامل معهم في حياته ومهنته.

علم الشخصية : ومن هنا فقد بدأ التفكير بدارسة الشخصية بطريقة علمية تجريبية منذ أواخر القرن التاسع عشر، ونشأ في علم النفس علم خاص يسمى علم الشخصية يدرس فيه الإنسان، مركزا في الوقت نفسه على الفروق الفردية وعلى تشابهه مع غيره من الأفراد، ولما كانت هناك جوانب متعددة للشخصية، منها ماهو فطري أو غريزي، ومنها ما يكتسب من البيئة والثقافة، وكذلك أنواع مختلفة من السلوك، فقد اختلف الباحثون في الشخصية في تغليبهم جانبا على جانب، أو في تركيزهم على عنصر دون آخر، فبعضهم يؤكد في نظرياته على الغرائز والقوى الفطرية التي تحدد سلوك الفرد وتجعله حتميا، فيما يؤكد غيرهم على الجوانب الاجتماعية والتربية في تفسير سلوك الفرد وإمكانية تعديله .

الشخصية في الرواية :
وقد انعكس هذا الاختلاف على كتاب الرواية الذين يركز بعضهم على البعد الجسمي حيث تحدد استعدادات الإنسان الجسمية والفطرية مسيرة حياته، ويعتقد بعضهم أن البعد النفسي هو الأهم حيث أن سلوك الفرد تحدده عوامل نفسية معقدة قد لا يفهمها ولا يعرفها الفرد نفسه. ويركز هؤلاء على الدوافع واللاشعور. كما يركز آخرون على البعد الاجتماعي والبيئة والتربية مؤكدين أن الإنسان نتاج مجتمعه، حيث يوجهون أصابع الاتهام في السلوكات السيئة التي يقوم بها الأفراد إلى المجتمع، فهو في رأيهم، المسؤول الأول والأخير عن فساد الأفراد.

ونحن في دراستنا للشخصية نعتمد على رسم الكاتب لها ولأبعادها ولمميزاتها، ونقيم أفعالها وفقا لرؤيته سواء أكانت نتيجة تأثير الوراثة والفطرة، أو تأثير البيئة الاجتماعية والظروف، ولايحق لنا أن نستنتج مالم يرده الكاتب، أما مناقشته في الشخصية إن كانت مقنعة أم لا فهذا حكم نقدي منفصل يمكن أن نقدمه بعد دراستها أو تحليلها.

ومادامت دراسة الشخصية هي تحليل لعناصرها، فيجب أن نعرف كيف بنى الروائي شخصيته من هذه العناصر.

خلق الشخصية :
ترى كيف يخلق الكاتب شخصيته؟ حينما تتولد فكرة الرواية أو المسرحية لدى الكاتب يبدأ بتخيل الشخصيات المناسبة للتعبير عن هذه الفكرة وحبك الأحداث التي تتصل بها. إنه يتخيل أبطاله يحسون ويتكلمون ويتحركون، وتبدأ ملامحهم بالاتضاح له. وكثيرا ما يستعير الكاتب نماذج شخصياته من الواقع، فيأخذ بعض الملامح من الناس الذين يعرفهم حق المعرفة، ويمزجها بملامح أخرى من خياله. واستعمال نماذج من الحياة الواقعية يجعل الشخصية أكثر إقناعا، لذلك كان من أسرار نجاح الكتاب في البداية أن يكتبوا عن موضوع يحسنونه، وأن يختاروا أشخاصا لهم أساس وجذور في الواقع دون أن ينقلوا السمات كما هي بل يجروا عليها بعض التعديلات، فإذا أراد الكاتب تصوير شخصية الأم أو الأب في الرواية أو المسرحية فليس هناك مانع من أن يأخذ بعض ملامح أمه أو أبيه وبعض سجاياهما ثم يكمل الشخصية بملامح من عنده حتى لا يظهر التشابه.

ملف الشخصيــة :
وحين يتخيل الكاتب شخصيات الرواية يبدأ بفتح ملف لكل شخصية يصفها فيه وصفا دقيقا وكأنها شخصية حقيقية، ويضع لها سيرة وتاريخا ونسبا ولا يفوته شيء من الوصفين الخارجي والداخلي بما في ذلك البيئة التي عاش فيها هذا الإنسان، والمدارس التي تلقى فيها تعليمه، والأمراض التي أصابته في صغره، وقصص الحب التي عاشها قبل أحداث الرواية، وحين يصبح للشخصية تاريخ ووجود يختار منه الكاتب ماهو ضروري للقارئ لمتابعة أحداث الرواية ويهمل الباقي.

مقومات الشخصية:
ويهتم الكاتب بإبراز بعض ميزات أو عيوب الشخصية وأبعادها الجسمية والنفسية والاجتماعية ذات العلاقة بالرواية، وهذه أهم العناصر التي يكون الكاتب منها شخصيته:

أ- البعد الجسمي: وهو شكل الإنسان وطوله أو قصره، وحسنه ووسامته أو دمامته، واستدارة وجهه أو استطالته وبروز أنفه أو صغره وطول عنقه أو قصره، وبدانته أو نحافته، ولون بشرته وعينيه وشعره وأسنانه، ونظافته أو قذارته، ورائحته الطيبة أو الكريهة، ونعومة بشرته أو خشونتها، وعذوبة صوته او قبحه ونوع ثيابه وجدتها أو رثاثتها وبين هذا أو ذاك يكون أواسط الناس أجساما.

ب- البعدان النفسي والاجتماعي: ويعني علماء النفس بالبعد النفسي الجانبين العقلي والانفعالي الوجداني، وبالجانب الاجتماعي التربية والبيئة، ولكن هذه الأبعاد متداخلة فيما بينها يؤثر كل منها في الآخر ويتأثر، والثياب تعبر عن ذوق صاحبها وبيئته ومستواه الاجتماعي في الوقت نفسه.

ويعتمد الكاتب في وصف البعدين النفسي والاجتماعي على إبراز بعض هذه المقومات:

1. البيئة الطبيعية والاجتماعية: فهي تؤثر في طباع الفرد وسلوكه وأخلاقه فالبيئة الصحراوية تختلف عن الجبلية، وبيئة المدن غير بيئة الريف، وبيئة الأسرة المتمسكة بالقيم تتميز عن بيئة الأسرة المنحلة وهكذا.

2. الذكاء: هو المظهر العقلي للإنسان، وهو فطري وراثي ولكن له أثرا كبيرا في نجاح الإنسان.

3. الثقافة: نتاج رقي المجتمع وعصارة حضارته، وخلاصة مثله وقيمه ومحك تقدمه وتخلفه، وحظ الناس منها يختلف من شخص إلى آخر، فهناك المفكر والمثقف والمتعلم ونصف المتعلم والأمي والجاهل.

4. المستوى الاجتماعي: من الفقر والغنى وموقع الشخصية في السلم الاجتماعي والوظيفي والطبقي.

5. الجانب الانفعالي الوجداني: هو الجانب الثاني من المظهر النفسي. (الجانب الأول هو الذكاء) وهو أعقد الجوانب وأكثرها غموضا في شخصية الإنسان إذ يشمل سماته الوراثية الأخرى غير العقلية كخفة الروح أو الظل والمزاج والطباع ومايصدر عنها من عواطف وانفعالات ودوافع.

ملخص لبعض القواعد المستعملة في وصف الشخصية:
أما القواعد التي يستعملها الكاتب في الوصفين الخارجي والداخلي لشخصيته فهي:

1. التركيز على ما يميز الشخصية عن غيرها، وإبراز ما يشد الانتباه إليها في المظهر الجسمي سواء أكان مزيه (طول الجسم، حسن الوجه، سعة العينين... إلخ) أو علامة فارقة (شامة على الخد، طول الشعر، حركة مميزة عند المشي... إلخ).

2. التركيز على مايميز الشخصية عن غيرها من مزايا أو عيوب نفسية أو خلقية (الذكاء، الشجاعة، الكرم، القناعة أو الغباء، الجبن، البخل، الجشع والطمع، الاتزان والهدوء أو العصبية والانفعال)، ويجب أن تكون هذه الصفات منسجمة مع موضوع الرواية.

3. المنهجية في وصف الجسم والانطلاق من العام إلى الخاص أو من الخاص إلى العام. (أن يبدأ بالمظهر العام للشخصية كطول القامة أو اعتدالها ثم ينتقل إلى وصف الأجزاء فيبدأ بالوجه ثم ينتقل إلى العينين فالأنف فالفم...إلخ وقد يبدأ بالأجزاء فيصف العينين وينتقل إلى الأنف فالفم فالوجه فالقامة).

4. استعمال بعض عناصر الوصف الخارجية المناسبة لوصف الجسم:

الأشكال والألوان والأضواء والظلال، الأصوات، الروائح، الطعوم، الملموسات.

5. المزج بين الوصفين الخارجي والداخلي للشخصية فهما كل لا يتجزأ.

6. وصف الشخصية أثناء الحركة والانفعال ليكون الوصف حيويا.

7. الوصف التدريجي للشخصية وتقديمها على مراحل وربط الوصف بالأحداث دفعا لملل القارئ.

8. استعمال ما يناسب الرواية من أساليب الوصف الداخلي وهي:

أ- الوصف المباشر الذي يقوم به الكاتب نفسه.

ب- الوصف بالمقارنة لإظهار التناقض بين شكلين أو طبعين أو خلقين.

جـ- الوصف بالحوار أو الرأي، حيث نكشف صفات الشخصية ومميزاتها من خلال حوارها مع الآخرين ومما تبديه من آراء.

د- الوصف بالفعل ونكتشف صفات الشخصية من خلال أفعالها وسلوكها وعلاقاتها الإنسانية بالآخرين.

هـ- الوصف من خلال مناجاة النفس: ونكشف بعض صفات الشخصية من خلال حديثها مع نفسها.

و- اليوميات، وتفصح الشخصيات عن نفسها من خلال اليوميات التي تكتبها.

ز- الرسائل، ونكشف بعض صفات الشخصية من خلال الرسائل التي تكتبها.

9. استعادة الذكريات: تتذكر الشخصية الأحداث الماضية ويكشف لنا ذلك عن بعض صفاتها.

ويلجأ الكاتب إلى هذه الأساليب لوصف شخصياته أثناء الحوار والفعل والانفعال والحركة ليتجنب الوصف المباشر الممل.

عناصر أساسية في بناء الشخصية الروائية:
واختلاف الناس في النشأة والتكوين والثقافة والذكاء والأمزجة والطباع يؤدي إلى اختلافهم في الغايات والدوافع والوسائل، وهي مما يجب إبرازه بوضوح في بناء الرواية.

قد يهمل الكاتب الجانب الجسمي فيصفه وصفا مجملا دون تفصيل، وقد لايذكر من مقومات الشخصية إلا المهم والضروري لفهم أحداث المسرحية أو الرواية، ولكنه لايستطيع أن يهمل العناصر الثلاثة التي تحدثنا عنها لأنها تكشف لنا عن طبيعة الشخصيات الأنانية أو الغيريّة وتظهر لنا مبادئهم وقيمهم الخلفية والروحية، أو المادية والانتهازية.

الغايات:
لكل شخصية واقعية أو روائية غاية تسعى إليها، فهناك من يسعى إلى الجاه والثروة وهناك من يسعى إلى المنصب والسلطة، وهناك من يسعى إلى التفوق في العلم أو الصناعة او التجارة أو الأدب أو الفن، وهناك من يسعى إلى كسب لقمة العيش له ولأسرته، وهناك من يسعى إلى إذلال الغير أو استعباده.

وهناك من يعيش كالحيوان لاغاية له إلا انتهاب اللذات الحسية، أي أنه يعيش ليأكل. وميول الإنسان وطباعه وثقافته هي التي تحدد غايته وأهدافه.

الدوافع:
قد تتفق الغايات وتختلف الدوافع فهناك من يسعى إلى السلطة بدافع خدمة بلده ومجتمعه، وهناك من يسعى إليها بدافع الكسب الشخصي واستغلال النفوذ. هناك من يسعى إلى المال للتمتع به ومساعدة غيره، وهناك من يسعى إليه للتحكم في الآخرين أو لمجرد جمعه، ودافع الأول حب المجتمع، ودافع الثاني حب نفسه أو حب المال. وقد تكون الدوافع دنيئة كحب الانتقام أو إيذاء الآخرين بدافع عنصري أو طائفي أو حزبي...إلخ. وحتى الغاية النبيلة كعمل الخير تفقد قيمتها إذا كان الدافع إليها أنانيا كحب الظهور.

الوسائل:
هي ما تقوم به الشخصية الواقعية في الحياة لتحقيق غاياتها، وماتقوم به الشخصية الروائية من أفعال خلال أحداث الرواية للتغلب على العقبات التي تحول دون تحقيق مآربها، وقد يتفق الناس في الغايات ويختلفون في الوسائل، فهناك من يسعى إلى السلطة بوسائل شريفة، ويصل إليها عن طريق الانتخاب النزيه، وهناك من يسعى إليها بوسائل دنيئة ويصل إليها بالغش والتزوير، وهناك من يحصل على المال بالكد والتعب، ومن يحصل عليه بالاختلاس والسرقة وهكذا... فالوسائل قد تكون شريفة وقد تكون دنيئة، وقد تكون واضحة وقد تكون مشبوهة. وإذا كانت الميول والطباع والثقافة تحدد الغايات، فأخلاق الإنسان ومبادئه هي التي تتحكم في دوافعه وتحدد وسائله.

واختلاف غايات الناس ودوافعهم ووسائلهم هي التي تسبب الصدام بينهم في الواقع وفي الرواية. والشخصية البنّاءة في الحياة هي التي تكون غاياتها ودوافعها نبيلة ووسائلها شريفة، لأنها تساهم في بناء المجتمع وإعلاء قيمه، والشخصية الهدّامة هي ما كانت إحدى هذه العناصر أو كلها دنيئة لأنها تساهم في هدم المجتمع.

تصنيف الشخصيات:
ونحن نصنف الشخصيات الحقيقية تصنيفات كثيرة أولها أخلاقي، فنقول عنها خيرة ومستقيمة وبناءة تبعا لسلوكها، وعملها لصالح المجتمع وأفراده وعلى العكس من ذلك ننعت العاملة ضد المجتمع بالشريرة والهدامة والمنحرفة ممّن يرتكبون جرائم السرقة والغش والاختلاس والتزوير وتهريب المخدرات.

وهناك التصنيف النفسي للشخصية وهو كونها سوية أو غير سوية. فالشخصية غير السوية هي التي تعاني من اضطرابات نفسية وأمراض تؤثر على سلوكها مع من حولها وماحولها، فتتحول إلى شخصية عدوانية أو زاهدة في الحياة، ولكن الشخصية السوية مائة بالمائة نادرة الوجود، ومعظم الناس يتعرضون في حياتهم لمشاكل وأزمات تؤثر على سلوكهم، وإن لم تصل إلى حد المرض.

وهناك التصنيف الذي يعتمد على الأبراج، فيقسم الناس حسب سلوكهم تجاه الحياة إلى إيجابيين وسلبيين، فالسلبي من يترك الأقدار تسير مصيره، والإيجابي من يخطط ويضع كل ثـقله لتغيير مجرى الأحداث سواء في العمل أو الحب أو السياسة. وليس معنى ذلك أن السلبي لايعمل، بل إنه يقوم بعمله ويترك الباقي للظروف، أما الإيجابي فيحاول تغيير هذه الظروف لمصلحته. والإنسان نفسه قد يكون إيجابيا أحيانا وسلبيا أحيانا أخرى.

وهناك تصنيف يعتمد على الصفة البارزة عند الإنسان، فقد تكون غالبة على طبعه حيث يكون حليما أو شجاعا أو أنانيا أو مستبدا. وقد تكون هذه الصفة غالبة على مزاجه فيكون انطوائيا أو منبسطا، مرحا أو كئيبا. وقد تكون غالبة على عواطفه فيكون عطوفا أو حقودا. وقد تكون غالبة على تربيته فيكون مائعا أو اتكاليا. وقد تكون غالبة على وسائله في تحقيق غاياته فيكون انتهازيا أو وصوليا.

وسنحاول الجمع بين هذه التصنيفات، وسنعتمد على الصفة او الصفات البارزة في الإنسان لتقييم الشخصية، ونبين إذا كانت سلبية أو إيجابية في تعاملها كما نبين إن كانت مستقيمة أو منحرفة وبناءة أو هدامة فيما يتعلق بغاياتها ودوافعها ووسائلها. فالشخصية المستبدة مثلا هي شخصية منحرفة وهدامة وغير سوية، والشخصية العطوفة هي شخصية خيرة وسوية وإيجابية ومستقيمة في الوقت نفسه وهكذا...

وحين ينتهي الكاتب من خلق الشخصية أو الشخصيات المحورية، يجعلها تتفاعل مع بعضها بعضا من خلال العلاقات الإنسانية والأحداث، ويجب أن تسلك الشخصية وفقا لتكوينها وطباعها ومزاجها، فلا يمكن لشخصية شجاعة أن تتصرف تصرفا جبانا إلا في ظروف خاصة يقتنع بها القارئ، ولا يمكن لشخصية عاطفية يتحكم فيها هواها الجامح أن تفكر تفكيرا عقليا منطقيا وهكذا... وتتغير ملامح كثير من الشخصيات في نهاية الرواية نحو الأحسن أو نحو الأسوأ.

ويجب أن يكون ماثلا في أذهاننا أن الشخصية التي يخلقها الكاتب ترتبط ارتباطا عضويا بالموضوع الذي ينوي معالجته، ومنسجمة مع الشخصيات الأخرى في الرواية (ولا نعني هنا الانسجام في العلاقة، بل مع موضوع الرواية) فحين تصور نجيب محفوظ شخصية أحمد عبد الجواد كنموذج للشخصية المتسلطة في المنزل، كان لا بد أن يتصور معه المرأة والأولاد ليظهر تسلطه، وكان لا بد أن يتصور سلوكه خارج المنزل وبالتالي أن يتصور أصدقاءه وجلسات الأنس والطرب ليظهر ازدواجيته.

وهذا يعني أن الشخصية تولد وموضوعها معها، وتولد ضمن بيئة وليس في فراغ، ثم تنمو ضمن علاقتها مع الشخصيات الأخرى. ويجب أن تكون طباعها ومزاجها وتكوينها منسجمة مع غاياتها ووسائلها، فلا يمكن أن ننقل مثلا محجوب عبد الدائم بطل رواية القاهرة الجديدة و نضعه بدلا من السيد أحمد عبد الجواد في رواية بين القصرين والعكس صحيح .فبناء الشخصية هو جزء من البناء القصصي للرواية فيها.

نموذج من بناء الشخصية

الشخصية القيادية: حميد سراج: أراد محمد ديب أن يبرز أهمية القائد السياسي من خلال شخصية مناضل قيادي سياسي يهتم بما يجري في بلاده، ويريد تنظيم هذا الشعب المظلوم المضطهد الأعزل، الذي يشكل قوة كبرى إذا تنظم سواء في المدن أو في الريف، ويتمتع هذا المناضل بتجربة اكتسبها من ثقافته ومن سفره إلى الخارج واطلاعه على ما يجري في العالم وهو خبير أيضا بمشاكل بلاده كما أنه مثقف ويريد نشر الثقافة والوعي في بلاده التي يسود فيها الجهل، وهو إلى جانب ذلك فصيح وجريء وشجاع، خبير بالرجال، ويحترم الآخرين ويؤمن بالشورى لا بسياسة القطيع، مليء بالعزيمة والتصميم لا يثنيه عن إرادته شيء، قوي الاحتمال الجسمي والنفسي، ليس له دافع سوى حب وطنه و أهله، وليس له هدف إلا نصرة بلاده الجزائر.

هذه باختصار هي الصفات التي يريد محمد ديب أن يستعملها في بناء شخصية حميد سراج، وقبل أن نرى كيف فعل الكاتب ذلك نحاول التعريف بإيجاز بروايته.

تعريف بالثلاثية:

صور لنا محمد ديب في ثلاثيته الرائعة حالة المجتمع الجزائري في الثلاثينات والأربعينات قبل وبعد الحرب العالمية الثانية، وقد ملأها بالشخصيات التي تمثل شرائح المجتمع بأفكاره ومعاناته وطموحاته وأخلاقه وميوله وتضم ثلاثة أجزاء: الدار الكبيرة وتعالج مشاكل سكان مدينة تلمسان، والحريق وتتحدث عن مشاكل الريف، والنول ويعرض فيها أوضاع العمال الحرفيين. وشخصياتها تمثل المواطنين المسحوقين كسكان دار سبيطار ومنهم عيني وابنها عمر والفلاحين المدافعين عن أرضهم بادعدوش وسليمان مسكين وبن أيوب. ومن العمال عكاشة ومن الفلاحين المتعاونين مع الفرنسيين قره علي ثم حميد سراج الذي يمثل شريحة المناضلين السياسيين الذين كانوا يسعون لتنظيم الشعب وقيادته في الكفاح ضد الاستعمار.

إختلاف الغايات في الثلاثية:

وإذا تفحصنا غايات بعض الشخصيات في الثلاثية نجد أن غاية "عيني" التي تمثل المرأة الجزائرية، وهي الأرملة الفقيرة التي تسكن غرفة واحدة في دار سبيطار، هي سد رمق أولادها الثلاثة، وأمها الكسيحة المقعدة، وكان دافعها إلى ذلك هو الأمومة نحو أولادها والبنوة نحو أمها، أي أنها كانت تحمل في عنقها مسؤولية عائلة، ووسيلتها في صراعها ضد الفقر والجوع والظلم، هي العمل ليل نهار على آلتها لتخيط الأحذية لقاء قروش قليلة، فغاية عيني ودافعها نبيلان ووسيلتها شريفة

أما غاية "عمر" الذي يمثل الطفولة فهي أن يشبع جوعه، وأن يلعب ويتعلم، وهي غايات مستحيلة في ظل الاستعمار والظلم (وسوف نتحدث عن ذلك في دراستنا لموضوع الطفولة في الباب الثالث). وغاية "حميد سراج" هي تحقيق غايات "عيني" و "عمر" والجزائريين كلهم، وذلك بتنظيم كفاح الشعب كله من عمال وفلاحين من أجل تحريرهم من الفقر والجوع والظلم والاستعمار، ودافعه حب الجزائريين ووسيلته الكفاح والنضال وهما من أشرف الوسائل. أما غاية المستعمرين والمعمرين الأوروبيين فهي استنزاف جهد الطبقة الفقيرة من العمال، ومصادرة أراضي الفلاحيين وامتلاكها وجعلهم أجراء في أرضهم، والدافع هو المصلحة الخاصة والأنانية والعنصرية، والوسائل هي القمع والسجن والتعذيب، ومصادرة الأراضي وإحراق البيوت. وفيما يتعلق بشخصية "قره علي" الملاك الصغير الذي تنحصر غايته في أن يصبح ملاكا كبيرا، بدافع الأنانية وحب المال والغنى، ووسيلته خيانة وطنه وأهله والتعاون مع المعمرين والسلطات الاستعمارية ضد أقرانه الفلاحين. وبهذا نرى أن الصدام يحدث بين حميد سراج الذي يحاول تحقيق غايات الشعب الجزائري في العيش في ظل الحرية والكرامة واستغلال خيرات بلاده، وبين المعمرين والمتعاونين معهم الذين يحاولون الإبقاء على امتيازاتهم التي نهبوها بالقوة والاغتصاب.

وبما أننا بصدد الحديث عن بناء شخصية حميد سراج فالخطوة الأولى التي يتبعها الكاتب هي وضع مخطط لهذا البناء قبل الشروع فيه، ولنفترض أن الكاتب وضعه كما يأتي:

1. الفكرة المستهدفة من خلق شخصية حميد سراج هي إبراز أهمية السياسي الصالح في تنظيم الشعب وقيادة كفاحه.

2. الشخصية المطلوب بناؤها إذن هي شخصية خيرة وبناءه يجب التركيز فيها على إبراز مزاياها التي تؤهلها للقيادة.

3. عرض مقومات الشخصية في نص استهلالي يظهر أهم هذه المزايا: الذكاء، الشجاعة، سعة التجربة، الثقافة، الفصاحة، التأثير في الناس، الهدوء والحزم.

4. الغاية: تحرير الوطن.

5. الوسيلة: تنظيم الشعب وقيادة كفاحه.

6. الدافع: حب الوطن وحب أهله وقومه.

7. علاقته بمن حوله: علاقة حب واحترام بالنسبة إلى قومه. وعلاقة عداء وصدام بالنسبة إلى السلطات الاستعمارية.

8. إيراد نصوص تؤكد هذه الصفات التي أوردها الكاتب في النص الاستهلالي،وتضيف مزايا أخرى: مثل قدرته على تنظيم العمال والفلاحين إيمانه بالديمقراطية، صموده أمام التعذيب...إلخ.

9. العوائق التي واجهها في سبيل تحقيق غايته، ونجاحه في بعضها وإخفاقه في بعضها الآخر، والبرهنة على فكرة الكاتب عند سجن حميد سراج فقد أصبحت الجماهير ضائعة خرساء حين غاب القائد.

10.كسب تعاطف القارئ من خلال إبراز تضحية حميد سراج وحبه لوطنه وقومه وبعده عن الأنانية والمكاسب الشخصية.

مخطط بناء الشخصية:

يضع الكاتب مخططا لكل شخصية من شخصياته في الرواية ويرسم العلاقات بينها. ومخطط بناء الشخصية في الروايات الكلاسيكية هو جزء من حبكة الرواية، حيث نجد فيه مقدمة هي النص الاستهلالي الذي يعرض فيه الكاتب مقومات الشخصية وعلاقاتها، ثم عرضا يبين مسار هذه الشخصية وغايتها والعوائق التي قابلتها ووسائلها للتغلب على هذه العوائق.

وأخيرا النتيجة التي تبرهن على فكرة الكاتب التي استهدفها من خلق الشخصية. فالمخطط إذن منطقي ومنسوج بعناية ضمن حبكة الرواية. وقد يمثل بالنسبة إلى بعض الشخصيات الرئيسية حبكة الرواية نفسها.

مقومات شخصية حميد سراج:

وقد وضع الكاتب أهم مقومات شخصيته في نص يتجاوز طوله الصفحتين، وصف فيه حميد سراج وصفا مباشرا مبرزا علاقته بمن حوله ثم بين لنا في النصوص الأخرى من الرواية والتي تمثل أهم أحداث الرواية سعي حميد سراج لتحقيق غايته والوسائل التي استعملها في هذا الكفاح. وقد مهد الكاتب لنصه الاستهلالي بجعل اسم حميد سراج يتكرر أمامنا في المدرسة وفي دار سبيطار.

بدء الحديث عن حميد سراج:

تبدأ الرواية في المدرسة حيث نرى عمر والأطفال جائعين يتنافسون من أجل قطعة خبز، (راجع موضوع الطفولة المدروس في الباب الثالث). وجوع الأطفال معناه جوع الشعب بكامله، ولا ينقلنا محمد ديب من المدرسة إلى دار سبيطار قبل أن يعرفنا على ما يدرسه التلاميذ بلغة غير لغتهم، فهم يدرسون أن وطنهم فرنسا وأمهم فرنسا، و حين حدثهم أستاذهم الجزائري عن حب الوطن وأن كل من يحب وطنه يسمى وطنيا، تذكر عمر حميد سراج وملاحقة الشرطة له، وتساءل من هو الوطني حقا حميد سراج أم الأستاذ؟.

الجوع في دار سبيطار:

وحين نرى دار سبيطار ونرى كيف يعيش سكانها في بؤس وجوع ولا سيما الأطفال نحس بحاجة هذا الشعب إلى الشخصيات القيادية التي تتولى تنظيمه والدفاع عن حقوقه:

وفي اللحظة التي نفتقد فيها من يحس بآلام هذا الشعب تأتي الشرطة للبحث عن حميد سراج في دار سبيطار ويعود هذا الاسم إلى ذاكرتنا مرة ثانية:

"إن رجال الأمن يحتلون فناء المنزل. وهاهم أولاء يتوجهون بالكلام إلى السكان قائلين: لاتخافوا... لاتخافوا على أنفسكم. فنحن ماجئنا لنؤذيكم. وإنما نحن نؤدي واجبنا. في أي غرفة يسكن حميد سراج؟ وفتش رجال الشرطة غرفة أخته فاطمة، وفتشوا كتبه وأوراقه، ولم يعثروا عليه"

ص 40

وأخذ جميع من في دار سبيطار يتحدث عنه، وهنا يقدم لنا الكاتب هذا النص الذي يعرض فيه مقومات شخصية بطله، وقد وضعنا له بعض العناوين الفرعية لإبراز هذه المقومات.

صمته وتحفظه:

"في الأوقات الأولى، لم يشعر أحد بوجود هذا الرجل الذي مايزال شابا. لقد سكن هذا البيت منذ قليل. تمَّ مجيئه إلى هذا المنزل بغير ضجة. لم يسمعه أحد يتكلم. كان لايظهر نفسه إلا في كثير من التحفظ، وقد عُدَّ ذلك منه آية من آيات التهذيب، شيء غريب. لقد كان يلتزم الصمت، وحقا لم يكن ينتبه إليه أحد."

التمهيد لبيئته ونشأته:

"ولكن حين عرف في المنزل أنه آت من تركيا، انصبت الأعين كلها عليه حتى لكأن كل فرد يستغرب كيف لم يلاحظ فيه ذلك من قبل."

وصفه الخارجي (الجسمي):

"كان مظهر حميد سراج ينم عن سنينه الثلاثين."

مزج الوصف الخارجي بالداخلي للدلالة على مزاجه الهادئ وطبعه الحازم وتجربته (الصفات القيادية):

"لم يكن بالمرء من حاجة إلى ملاحظة مرهفة حتى يدرك أنه رجل رأى كثيرا، وعاش كثيرا، كما يقال. كان في هيئته هدوء وحزم، على غير استخفاف. مع ذلك، كان يتكلم بصوت خافت جميل الوقع في الأذن، بطيء بعض البطء."

تتمة وصفه الخارجي (الجسمي):

"وهو قصير القامة، ولكنه ممتلىء الجسم."

تتمة وصفه الداخلي( التناقض مظهره ومخبره):

"إن المرء يتوقع أن تكون استجاباته سريعة، وأن يكون كلامه متدفقا طلقا. حتى إذا رأى مشيته البطيئة، وحركاته الثقيلة القوية، وسمع صوته المتحفظ، شعر بشيء من الاستغراب."

نشأته وهجرته وغموض حياته (البيئة):

"إن حياته تبدو لمن يقاربونه ملأى بالأسرار. لقد أخذ إلى تركيا وهو مايزال صبيا صغيرا في الخامسة من عمره، وذلك أثناء الهجرة الكبرى التي جعلت عددا كبيرا من الناس في بلادنا يهرب إلى تركيا إبان حرب 1914، حين جعل التجنيد إجباريا.

وفي تركيا اختفى حميد سراج وهو في الخامسة عشرة من عمره، لايعرف إلا الله أين اندس، وغاب بضع سنين، دون أن يرسل شيئا من أنبائه لا لأبويه ولا لأخته الوحيدة التي بقيت في الجزائر. وعادت أسرته من تركيا دون أن تعرف شيئا عن المصير الذي آل إليه."

ملاحقة الشرطة له بسبب نشاطه السياسي: (صفاته القيادية):

"وفي ذات يوم ظهر، وأخذت الشرطة تراقب روحاته وغدواته".

مزج الوصف الخارجي بالداخلي: (تأثيره في الناس: صفاته القيادية):

"إن أغرب ما فيه هو تعبير عينيه الخضراوين الصافيتين أشد الصفاء اللتين يبدو أنهما تنفذان في الناس والأشياء نفاذا عميقا. وكان صوته، حين يتكلم، يثبت الكلمات التي يلوح أن نظرته الغريبة تقرؤها في الأفق البعيد."

تتمة الوصف الخارجي (الجسم):

"..إن غضونا تخدد وجهه منذ الآن، وإن شعر رأسه يتساقط، فيتسع من ذلك جبينه، ويبدو عاليا علوا كبيرا."

مزج الوصف الخارجي (الثياب) بالداخلي (ثقافته ونشره المعرفة):

"كان يندر أن لا يرى المرء في جيوب سترته العريضه القديمة الرمادية كتبا كانت أغلفتها وصفحاتها تنفصل ولكنها لاتضيع، لأن حميدا لا يدعها تضيع أبدا. وهو الذي أعار عمر ذلك الكتاب الذي عنوانه "الجبال والرجال". فراح الصبي يفك رموزه في صبر وأناة، صفحة بعد صفحة، دون أن تخور عزيمته، واحتاج إلى أربعة أشهر لإتمام قراءته."

الوصف الداخلي (تثقيفه لنفسه):

"كانت الجارات يسألن في أول الأمر:

· أين تعلم القراءة؟

ثم يضحكن مقهقهات. فتجيبهن فاطمة، أخته، بقولها:

· تعلم القراءة بنفسه، وحده... فإذا كنتن لاتصدقن ذلك، فما عليكن إلا أن تجئن لترين..

فكن يقتربن من عتبة الباب، فتمد الطلعات منهن رؤوسهن من وراء تقويرة الستارة التي تغطي الباب، ثم يتراجعن بسرعة خجلات. في الليل إنما كان يقرأ حميد سراج على ضوء مصباح صغير. إن الليل هو فترة الهدوء. إن جو الهياج في دار سبيطار يتطامن منذ الساعة الثامنة من المساء إن المرء ينتظر هذه اللحظة ليتنفس الصعداء."

انفراده بالثقافة وجهل من حوله من النساء والرجال (صفاته القيادية):

"في هذه اللحظة كانت النساء تمضي تتلصص على حميد في كثير من الأحيان. إنه ما ينفك يقرأ، وكن يرجعن من هذا التلصص راكضات، بحركات كأنها حركات سرب من الطيور روع.. وأثوابهن تحف حفيفا كبيرا.

· نعم، صحيح.

· رأيناه بأعيننا.

وكن يضحكن لا لأن شكا يراودهن الآن بل لأنهن يرين أنه أمر مستغرب أن يقرأ رجل كتبا. لماذا ينفرد هو بهذا، بين جميع الرجال الذين يعرفنهم؟ هذه الكتب الكبيرة ذات الصفحات الكثيرة المطروسة بإشارات مرصوفة سوداء صغيرة، كيف يمكن أن يفهم منها المرء شيئا؟

قالت إحدى النساء لفاطمة:

· غريب أخوك يا فاطمة. إنه ليس كرجالنا؟ فلماذا؟ لعله يريد أن يصبح عالما؟.

فانفجرت النساء ضاحكات مقهقهات."

إحترام النساء له (صفاته القيادية):

"ولكنهن شعرن نحو حميد بمزيد من الاحترام، شعرن نحوه بإحترام جديد لايستطعن هنَّ أنفسهن أن يفهمنه، احترام يضاف إلى الاحترام الذي يشعرن به فطرة تجاه كل رجل. أصبحن ينظرن إلى حميد نظرتهن إلى رجل يملك قوة مجهولة. وتعاظم الاعتبار الذي يتمتع به حميد في نظرهن تعاظما لايكاد يتصوره الخيال."

احترام الرجال (صفاته القيادية):

"وكان أزواجهن يحيون حميد باحترام كبير أيضا. إن العلم يتمتع في بلادنا بتقديس عظيم، تقديس يبلغ من العظم أن أناسا من أدعياء العلم يستغلونه بسهولة، كما يستغله أناس من أدعياء النبوة."

الثلاثية (الدار الكبيرة) ص 56، 57، 58،59

بدأ الكاتب إذن بناء شخصيته بهذا الوصف المباشر الذي أوردناه كما هو، ولم نتصرف فيه إلا بوضع العناوين الفرعية لتوضيح وإبراز مقومات شخصية حميد سراج، والتي يمكن أن نلخصها فيمايأتي:

1- وصفه الخارجي (البعد الجسمي):

أ- الجسم: قصير القامة، ممتلئ الجسم، عيناه خضراوان صافيتان معبرتان. بدأ الصلع في رأسه، ووجهه مليء بالغضون، صوته عذب.

ب- العمر: ثلاثون عاما.

جـ- الثياب: سترة عريضة رمادية قديمة.

2- الوصف الداخلي (بعداه النفسي والإجتماعي):

أ- بيئته: من أسرة مهاجرة إلى تركيا، قضى شبابه في تركيا ولا نعرف شيئا عن تكوينه هناك قبل أن يعود إلى الجزائر.

ب- ذكاؤه: تدل على ذكائه عيناه المعبرتان واستفادته من تجاربه. رجل رأى كثيرا وعاش كثيرا، ونجاحه في تثقيف نفسه بنفسه.

جـ- ثقافته: لايحمل شهادات فقد تثقف ذاتيا، وهو يقرأ باستمرار وجيوب سترته كانت تحتوي الكتب التي يطالعها ويعيرها للناس.

د- الجانب الانفعالي الوجداني:

I- مزاجه: هادئ (كان في هيئته هدوء وحزم).

Ii- إنفعالاته: بطيئة تدل على عدم عصبيته (مشيتة بطيئة، وحركاته ثقيلة، وصوته بطيء).

Iii- عواطفه: إن مراقبة الشرطة وملاحقاتها له تدلنا على حبه لوطنه وقومه كما نلمح ذلك من حبه لنشر العلم بين من حوله، أعار عمر كتاب "الجبال والرجال".

Vi- طباعه وصفاته: متحفظ، مهذب، بعيد عن الثرثرة، حازم، فصيح، صوته يثبت الكلمات التي يلوح أن نظرته تقرؤها في الأفق البعيد، عيناه لهما تأثير على من حوله "تنفذان في الناس والأشياء نفاذا عميقا"، شجاع ويدل على ذلك ملاحقة الشرطة له.

V- دوافعه: حب الوطن، وحب قومه وحب المعرفة.

3- الغاية: تحرير الوطن: نستنتج ذلك من ملاحقة الشرطة له بحثا عن وثائق ومناشير.

4- الدافع: حب وطنه ومجتمعه.

5- الوسائل: نشر العلم والمعرفة عن طريق إعارة الكتب، وتوزيع المناشير لتوعية الشعب، وسوف تتضح الغايات والوسائل أكثر من خلال الأحداث والمواقف في الرواية.

6- علاقاته بالآخرين: علاقة حب واحترام تربطه بمواطنيه جميعا رجالا ونساءً، لأنهم يقدسون العلم، وعلاقة عداء مع الشرطة التي تمثل السلطة الاستعمارية.

وهذه المقومات كلها تؤهله للقيادة النقابية والسياسية، وتحرك عواطف القارئ للتعاطف معه، إعجابا به، وخوفا عليه من السلطات الاستعمارية. والملاحظ أن الكاتب لم يحرص على أن يقدمه لنا شابا وسيما كأبطال ألف ليلة وليلة، فليست الوسامة هي التي تحرك العواطف بل الغايات النبيلة والتضحية من أجلها، وهذا النص إذن هو حجر الأساس الذي يبني الكاتب عليه شخصية حميد، وسوف يرينا الكاتب بعض هذه الصفات، ويعرفنا على الوسائل التي اتبعها في تحقيق غاياته، والعقبات التي واجهها. وقد يضيف صفات اخرى لم نرها في هذا النص خلال أحداث الرواية فبناء الشخصية لاينتهي إلا بانتهاء دورها في الرواية. وهذا جدول لهذه الأحداث مع بيان وظيفة كل حدث.

الحدث
وظيفته
أسلوب الكاتب

1. خطبة حميد سراج في اجتماع عمالي
إظهار فصاحنه وجرأته ومعرفته بمشاكل الفلاحين
الوصف بالقول أو بالرأي: معرفة غايات حميد سراج من خلال أقواله

2. أوضاع الريف الجزائري والإضراب
إظهار حالة الفلاحيين السيئة وتأثير خطب حميد سراج
الوصف المباشر

3. اتهام حميد سراج بتحريض الفلاحين
بيان قدرته على التنظيم وعداء المعمرين والمتعاونين معهم له
الوصف بالحوار

4. حميد سراج في الريف يناقش الفلاحين
إظهار ديمقراطية حميد سراج وإيمانه بالحوار البناء
الوصف بالحوار

5. اعتقال حميد سراج وتعذيبه
إظهار صموده ووحشية المستعمرين
الوصف بالفعل

6. تذكره في السجن كيف استطاع تخليص طفل مسكين من ثلاث فرنسيين كانوا يضربونه ويعذبونه
إظهار شجاعته وقوته وحمايته للضعيف
الوصف باستعادة الذكريات

7. أحلام وكوابيس حميد سراج في السجن
التعرف على جوانب هامة من شخصيته
الوصف بواسطة الأحلام

8. نفي حميد سراج إلى الصحراء وتلخيص أخته فاطمة لمزاياه
إبراز غاياته النبيلة، وصفاته القيادية
الوصف المباشر بطريقة الاستفهام الإنكاري

9. تفكير عمر في حميد سراج في آخر الرواية
أهمية القائد وخوف الجماهير وصمتها في غيابه
الوصف بالرأي


ولا نستطيع أن نورد نماذج من كل ما تقدم، ولكننا نورد بعضا منها، لتوضيح بناء شخصية حميد سراج، آملين أن يراجع القارئ الكريم الرواية ليتعرف على أبعاد الشخصية كلها.

حميد سراج الخطيب الجريء (الوصف من خلال الرأي):

يمرعمر مصادفة بالمقر الواقع في شارع "باس" فيجده مزدحما بالناس، ويرى حميد سراج يخطب في الفلاحين ويعجب بفصاحته وجرأته.

"إن العمال الزراعيين أصبحوا لا يستطيعون أن يعيشوا بهذه الأجور الزهيدة التي يتقاضونها، إنهم سيتظاهرون بقوة".

وضرب الخطيب على ذلك أمثلة بأراض يعرفها الفلاحون. "يجب أن نتخلص من هذا البؤس"، إن عباراته الواضحة تدخل الطمأننية إلى النفس، إن كل ما يقوله حق، إن رجلا يتحدث على هذا النحو، يثق الناس به، ليس فيما يسوقه من حجج أي شيء من هوى أو غرض.

"العمال الزراعيون هم أولى ضحايا الاستغلال الذي يعيث في بلادنا فسادا".

إن لهجته تطلب من كل فرد من الأفراد أن يفهم، فما يظل شيء من الأشياء غامضا. يجب توضيح كل أمر وتبديد كل إبهام، قال الخطيب "إن العمال الزراعيين مقبلون على معارك كبيرة. إن لهجة الخطيب هي لهجة من يخاطب كل فرد من أفراد الجمهور على حدة، فهو يتحدث بالأمر إلى هذا، ثم إلى ذاك، ثم إلى الثالث، وهكذا دواليك".

يقول المستوطنون: "إن سكان البلاد لا يعملون إلا إذا ماتوا جوعا، فمتى ملكوا ما يسدون به جوع يوم واحد، حملهم كسلهم على ترك العمل، ولكن الحق أن الفلاحين إنما يعملون حتى الآن من أجل هؤلاء المستوطنين، إن هؤلاء المستوطنين يسرقونهم. إنهم يسرقون العمال، ولا يمكن أن تستمر الحياة على هذه الحال".

قال عمر بينه وبين نفسه: صحيح. وفجأة ارتعش لقد رأى حميد سراج. إن حميد سراج هو الذي يتكلم. إنه هو.. هو حميد.

هذه الكلمات التي تشرح الواقع، هذه الكلمات التي تعلن ما يعرف جميع الناس. غريب حقا أن يوجد بين رجالنا من يقولها، غريب أن يوجد بين رجالنا من يقولها على هذا النحو الهادئ الواضح، من غير أي تردد."

الدار الكبيرة ص 101 ـ 102

فصاحته وجرأته ومعرفته مشاكل الفلاحين :

لقد أكد الكاتب صفتين رأيناهما في النص الأساسي هما الفصاحة والتأثير في الناس وأضاف إلى بناء شخصيته صفات جديدة هي معرفة مشاكل الفلاحين والجرأة والشجاعة في عرضها، والقدرة على مخاطبة العمال بلغتهم، وحبه للعدالة، ودفاعه عن المستضعفين. وهكذا يدعم صفات حميد سراج القيادية ويظهر لنا غايته وهي الدفاع عن حقوق العمال.

أوضاع الريف الجزائري والإضراب:

ويواصل محمد ديب بناء شخصيته فينقلنا إلى الريف لنرى المأساة التي يعاني منها الفلاحون؛ ونرى تأثير حميد وخطاباته هناك، وهذه مقتطفات من الحدث الثاني:

"كل شيء قد بدأ بذلك الإضراب الذي قام به العمال الزراعيون في شهر شباط الماضي. كان المزارعون في بني بوبلان الأعلى يشاهدون الأحداث التي تقوم في السهل كأنها لا تتصل بهم ولا تعنيهم. إنهم هادئون صامتون لا يقولون شيئا. ألوف الهكتارات من الأرض كانت تصير ملك مستوطن واحد من الفرنسيين. وهؤلاء المستوطنون جميعا سواء: لقد وصلوا إلى هذه البلاد بأحذية مثقبة نعالها. إن الناس هناك ما يزالون يذكرون الحالة التي كانوا عليها حين توافدوا إلى هذه البلاد. وهاهم أولاء يملكون مساحات من الأرض لا تعد ولا تحصى، وسكان بني بوبلان في أثناء ذلك تقطر أجسامهم عرقا ودما من أجل أن يزرعوا قطعة صغيرة من الأرض، جيلا بعد جيل. فهذا يملك حمارا أو حمارين، و ربما ملك بغلا، وهذا يملك بقرة أو بقرتين، ورب مزارع من المزراعين، مثل بن أيوب، يضم اسطبله بقرتين كبيرتين من الأبقار النورمندية. مامن أحد من بني بوبلان الأعلى كان يتصور أن هذه الحياة سيطرأ عليها تبدل.

ثم إذا بهذا العالم الصغير الراكن الساكن الهادئ يتحرك، لقد قام الفلاحون بإضرابهم. إن البلاد تفيق، تخرج عن ركودها، فتسير في أول الأيام سيرا بطيئا، سير من صحا من نوم طويل ثقيل. إنها تسير في طريق الحياة".

الحريق 188

اتهام حميد سراج:

ولم يدم الإضراب مدة طويلة، واعتقل اثنان من الفلاحين، وغيرهم من مناطق أخرى، و أشارت أصابع الاتهام في تنظيم هذا الإضراب إلى حميد سراج، وهاهو قره علي أحد عملاء الفرنسيين يهاجمه في حديث مع المزراعين:

"وأحس قره بنشوة الظفر، فأشرق وجهه، وتابع يقول:

-نعم، وليس هناك من سبيل إلى حماية أنفسنا من هؤلاء الناس إلا أن يعتقلوا... أو أن يعتقل بعضهم على الأقل، أعني أصحاب الرؤوس الصلبة، الذين يدفعونهم، الذين يقودونهم، أما الباقون فهم قطيع يقاد وليس له رأي، خراف. وإنما المجرم الأكبر. المجرم الرئيسي هو حميد سراج. إن حميد سراج هو الذي ألقى في نفوسهم هذه الأمور، إنهم أناس ابرياء، فلاحو بلادنا. لا يمكن أن يخطر الشر ببالهم من تلقاء أنفسهم. إنهم حملان يقودها حميد سراج إلى المسلخ، هذه هي النتيجة التي سيصلون إليها".

الحريق ص 203

دوره القيادي في تنظيم الفلاحين:

ونعرف من هذين النصين ما يجري في الريف، ونعرف أهمية حميد سراج القائد في تنظيم الفلاحين من خلال ما قاله "قره" عميل الفرنسيين الذي طالب باعتقاله، ولكن قره أخطأ في شيء واحد، وهو أن الفلاحين ليسوا أبقارا ولا يقادون كالقطيع، حيث أن حميد سراج يعاملهم كواحد منهم ويحاورهم ويتشاورون معا ليكون القرار قرارهم.

حميد سراج في الريف (الوصف من خلال الحوار):

وها نحن نراه في بني بوبلان جالسا معهم تحت شجرة قديمة من أشجار التوت يتناقشون في موضوع توحيد جهود الفلاحين وسكان المدن بكل ديموقراطية وعلى قدم المساواة:

"قال حميد سراج :

إنما نحن اجتمعنا لنتناقش معا في هذه المسائل، فليس الغرض من هذا الاجتماع أن يلقي واحد منا خطبا طويلة وأن ينصت له الآخرون. يجب أن يشارك كل واحد في المناقشة وأن يبدي رأيه.

صاح بادعدوش:

-هذه فكرة عظيمة. و لكن هل في وسع الجميع أن يعبروا عن رأي؟ إذا كنت تقصد الشيوخ فنعم ذلك أن للشيوخ حكمة وتجربة. أما الآخرون، الآخرون، فهل هم كذلك؟.

قال بادعودش ذلك وقطب حاجبيه تحديا وهو يطوف بنظراته على الحضور.

قال بعضهم: -فلنبدأ المناقشة، لقد تأخرنا كثيرا.

الحريق ص 251

ديموقراطيته وإيمانه بالحوار:

ويضيف الكاتب ميزة أخرى لشخصيته التي يستمر في بنائها وهي: الشورى وبالتعبير المستعمل الآن الديموقراطية وذلك يحتاج إلى تواضع وصبر وأناة وسماع آراء الغير واحترامها ومناقشتهم بالحجة، ونعرف أنه يعمل لتوحيد جمهور العمال في المدن والريف، وهذا من قبيل الوصف بالفعل.

الوصف بمناجاة النفس( معرفته بالرجال)

وذلك من خلال حديثه مع نفسه معجبا بأحد الفلاحين مظهرا خبرته ومعرفته بالرجال:

"فلما وصل بن أيوب إلى مكان الاجتماع حياه الحاضرون في أدب، وأعجب حميد سراج بما يلوح في وجه هذا الرجل العجوز الذي لا يعرفه من أمارات النبل والشهامة.

قال حميد سراج بينه وبين نفسه:

إن به ما بأصائل الخيل من قوة وصلابة. على أن مسحة من الحزن كانت تغشى نظرة الرجل العجوز، عجب لها حميد سراج".

الحريق ص 247

تعذيبه (الوصف من خلال الفعل):

ثم نرى حميد سراج في السجن يتعرض لأبشع أنواع التعذيب: لاشتراكه في تنظيم الفلاحين والعمال والتحضير لإضرابهم:

"وانهمرت الضربات عليه انهمار المطر، ترنح حميد، وانقذف إلى جانب، فعاد وجهه شاحبا، قال : "أقذار" .

وفي هذه اللحظة نفسها سقط على الأرض.تركهم يضربونه ولكنه حاول أن يحمي نفسه، حتى لا يجهزوا عليه إجهازا تاما، وكانت الضربات تدوي في رأسه، في جسمه فاستولى عليه خدر. أصبح لا يحس وجود أنفه ولا عينيه. غير أنه يشعر بأذنيه تحترقان احتراقا و كان دمه يسيل رطبا حارا".

الحريق ص 282

تحمله وصبره:

ولكنه قاوم التعذيب ولم ينبس ببنت شفة:

"لقد استجوبوه عدة مرات: سألوه هل يعرف أحدا من الأشخاص الذين سموهم له. فكان لا يجيب بشيء فيأخذون بضربه، ثم يستأنفون الإستجواب".

الحريق ص 283

غايته وأهدافه:

ونسمع بعد ذلك "أن حميد سراج نقل مع أشخاص آخرين إلى معسكر من معسكرات الاعتقال بالصحراء".

وقد بين الكاتب لنا غايته وأهدافه صراحة على لسان أخته فاطمة بعد أن أظهرها من خلال مواقفه وأقواله وأعماله:

"أرأيت كيف كان هذا الرجل؟ لايتوقف عن الركض من مكان إلى مكان حتى لقد ذهب إلى خارج البلاد. كان يسافر من مدينة إلى مدينة، ويطوف البلاد قرية قرية، ويتجول في الريف لايدع منه ركنا، ويتحدث إلى الناس أثناء ذلك كله. إن هذا الرجل لم يكن يسعى إلى ربح، ولم يكن ينشد نفعا. لم يكن يهدف من اعماله إلى مصلحة لنفسه، إنه لم يجن في يوم من الأيام قرشا واحدا. ولوشاء، مع ذلك لأثرى، ولجمع الملايين إلى الملايين، ولحظى بكثير من الإعتبار والجاه".

الحريق ص 338.

تلخيص صفاته:

وتابعت كلامها ملخصة مزاياه:

"-أليس مثقفا من كبار المثقفين؟ إن الناس جميعا يعرفون ذلك، كان ينصر الضعيف دائما، وكان يعين الناس بما يسدي إليهم من نصائح، بث في الرجال شجاعة الحياة .كان دائما إلى جانب الفقراء، وتحدى السلطات من أجل أن يساعد أقرانه... ما الذي يمكن أن يؤخذ عليه؟ ماذا يمكن أن يقال عن رجل مثله؟ وهاهو الآن في السجن".

الحريق ص 338

وكما سمعنا اسمه لأول مرة في الرواية من عمر، وهو يتساءل أيهما الوطني حميد سراج أم الأستاذ؟ نسمع آخر ذكر له في ختام الثلاثية على لسان عمر بعد أن تأثر به وعرف قدره وقيمته:

"وفكر عمر بعد ذلك في حميد سراج. لكأن صوت شعب بأسره قد سكت منذ سجن حميد سراج في معسكر من معسكرات الاعتقال، أصبح المرء لا يرى بعد ذلك إلا جماهير خرساء، خائفة. أصبحت هذه الجماهير على حين فجأة، تحس بخطر كانت جاهلة به، وازداد حذر الناس".

ص 549

ويؤكد الكاتب هنا على صفاته القيادية، وعلى أهمية القائد فمنذ سجن حميد أصبحت الجماهير "خرساء خائفة" لأنها بحاجة إلى قائد أو قيادة تنظمها، وهو ما قامت به جبهة التحرير الوطني في ثورة نوفمبر 1954.

نجاح الكاتب في بناء شخصيته:

ونستطيع أن نقيس مدى نجاح الكاتب في بناء الشخصية الإيجابية بمعيارين يتصل كل منهما بالآخر اتصالا وثيقا: أولهما تعاطف القارئ مع الشخصية تعاطف محبة وإعجاب عند نجاحه. وإشفاق عليه ورثاء لحالته عند إخفاقه، وثانيهما وصول فكرة الكاتب إلى القارئ واقتناعه بها. والتعاطف مع الشخصية التي تمثل فكرة الكاتب هو في حد ذاته اقتناع بها. ويجب أن نشير إلى أن الشخصية لاتكون مقنعة بحشد المزايا، وإبراز المواقف البطولية والمبدئية، بل بكونها شخصية واقعية، تبدو قريبة منا، وتتحرك بيننا وكأنها من لحم ودم. خلقها خيال مبدع خلقا فنيا بعيدا عن الحماس والدعاية لأن الشخصية لن تنجح بمجرد إلباسها ثوبا وطنيا أو أخلاقيا.










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-23, 21:43   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
ben kharroub
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

سابحث وان وجدته ستجده هنا ان شاء الله










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-23, 21:45   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
سطايفية بكل فخر
مشرف منتدى التقنيّة، ومنتديات الثقافة الطبيّة والعلوم
 
الصورة الرمزية سطايفية بكل فخر
 

 

 
الأوسمة
موضوع مميز العضو المميز المواضيع المميزة 2014 
إحصائية العضو










افتراضي

الفصل الثاني

من كتاب الشخصية

للكاتب عبد الله خمّار



نماذج أخرى من بناء الشخصية

1- الشخصية المستهترة (مرنرع الثاني والملك فاروق): كتب نجيب محفوظ في بدايات حكم الملك الشاب فاروق في مصر ووجود قوات الاحتلال الإنجليزي فيه، روايتين سياسيتين وعاطفيتين في الوقت نفسه، استوحاهما من تاريخ الفراعنة. قدم في الرواية الأولى وهي «كفاح طيبة» شخصية أحمس الأمير الشاب المكافح الذي استطاع بشجاعته وحسن قيادته وسياسته استعادة ملك أبيه وأجداده من الهكسوس وطردهم من مصر. ولم يكن ليتأتى له ذلك لو لم يتمتع بصفات القيادة، وهي الشجاعة والشورى والحلم والرزانة، وتغليب مصلحة بلاده على عواطفه الشخصية. مما يذكرنا بصفات حميد سراج رغم اختلاف الزمان والمكان، فكلاهما يتفقان في الغاية وهي تحرير الوطن، وفي الدافع وهو حب وطنهم وقومهم، وفي الوسيلة وهي الكفاح رغم اختلاف الأدوات والنتائج، وفي مقومات الشخصية التي تجعل كلا منهما قائدا ناجحا. وقدم في الرواية الثانية «رادوبيس» شخصية «مرنرع الثاني» الذي تسيره أهواؤه وتتحكم فيه عواطفه، فيضعها فوق مصلحة بلاده وشعبه، وهو فوق ذلك مستبد برأيه لا يقبل مشورة أحد. غضوب وجموح في غضبه، والشخصيتان في سن الملك فاروق تقريبا. صدرت رادوبيس في عام 1943 وكفاح طيبة في عام 1944 وكان عمر الملك فاروق أربعة وعشرين عاما. إحداهما شخصية إيجابية استعادت عرشا مغتصبا، والثانية شخصية سلبية أضاعت عرشا مكتسبا. وكأنه يقول له ولكل حاكم ومسؤول: هذان نموذجان وطريقان وهذه عاقبة كل منهما، فاختر لنفسك أحدهما وأنت مسؤول عن اختيارك. ولكي يجسد هذه الشخصية لابد أن يضع مخططا لها.

مخطط بناء شخصية مرنرع الثاني:

لنفرض أن الكاتب وضعه كما يأتي:

1.الفكرة المستهدفة من خلق شخصية مرنرع هي أن الحاكم أو المسؤول الذي يستهتر بالمسؤولية، وتتحكم فيه أهواؤه وعواطفه ولا يرعى مصالح الشعب، لا يكون أهلا للحكم، فيثور عليه الناس بعد تمجيدهم له، ويكرهوه بعد أن أحبوه، ويخلعوه بعدما بايعوه.

2.الشخصية المطلوب بناؤها إذن هي شخصية سلبية يجب التركيز فيها على إبراز العيوب التي تؤدي إلى فشل الحاكم أو المسؤول ونقمة الناس عليه.

3.عرض مقومات الشخصية في نص استهلالي يظهر أهم هذه العيوب: جموح العواطف وشدة الاندفاع، حبه للنساء، التبذير.

4.الغاية: التمتع بالحياة وباللهو والحب والنساء.

5.الدافع: جموح العاطفة وتسلط الأهواء.

6.الوسيلة: تبذير الأموال العامة.

7.إيراد نصوص أخرى تؤكد هذه الصفات وتضيف صفات أخرى: الاستبداد بالرأي، سرعة غضبه، استهتاره بالمسؤولية.



8.علاقته بمن حوله:

أ- علاقته بالشعب: حب وتمجيد وإجلال له في بداية حكمه، ثم تنقلب الأمور بعد سنة من حكمه إلى نقمة وثورة عليه.

ب- علاقته بالكهنة: علاقة صدام لأنه يريد انتزاع آراضي المعابد منهم.

جـ- علاقته برادوبيس: علاقة حب ووئام.

د- علاقته بزوجته نيتوقريس: علاقة تتراوح بين الحب والصدام والإشفاق.

9.النهاية التي وصل إليها نتيجة تصرفاته.

10.تحريك عواطف القارئ وجعله يشعر بالنفور من تصرفات مرنرع، ويشعر بالإشفاق عليه عندما يعترف بأخطائه ويواجه الموت بشجاعة من خلال الوصف وسرد الأحداث.

الوصف بواسطة الحوار:

بدأ الكاتب بناء شخصيته بنص استهلالي، نسمع فيه حديث الناس المجتمعين في انتظار موكب الملك في عيد النيل، ومنه نعرف أهم مقومات شخصيته مرنرع الثاني وعلاقته بمن حوله:

"وقال آخر باهتمام: هذه أول مرة يسعدني الرب برؤية فرعون.

فقال له صاحبه: أما أنا فقد رأيته يوم التتويج العظيم منذ أشهر في نفس المكان.

·أنظر إلى تماثيل أجداده الاماجد.

·سترى أنه قريب الشبه بجده محتمساوف الأول...

·ما أجمل هذا.

·أجل... أجل... إن فرعون شاب جميل، لا نظير له في طوله الفارع، وحسنه الباهر...

وتساءل أحد المتحدثين قائلا: ترى ماذا يخلف حكمه؟… أمسلات ومعابد، أم ذكريات غزو في الشمال والجنوب؟.

·إن صدق حدسي فهي الثانية...

·ولمه؟

·لأنه شاب عظيم البأس.

فهز الآخر رأسه بحذر وقال:

·يقال: إن شبابه من نوع جامح، وإن جلالته ذو أهواء عنيفة، يغرم بالحب ويهوى الإسراف والبذخ. ويندفع في سبيله كالريح العاصفة... فضحك المستمع ضحكة خافتة، وهمس قائلا:

·وهل في ذلك ما يدعو إلى العجب؟. ما أكثر المصريين الذين يغرمون بالحب ويهوون الإسراف والبذخ... فما بالك بفرعون.

·صه... صه...، أنت لا تدري من الأمر شيئا، ألم تعلم أنه اصطدم برجال الكهنوت منذ اليوم الأول لتوليته العرش؟. إنه يريد المال لينفقه في تشييد القصور، وغرس البساتين، والكهنة يطالبون بنصيب الآلهة والمعابد كاملا، لقد منحهم آباء الملك نفوذا وثراء، والملك الشاب ينظر إلى هذا بعين الطمع.

·حقا إنه لأمر محزن أن يبدأ الملك حكمه بالاصطدام.

·أجل... ولا تنسى أن خنوم حتب، رئيس الوزراء والكاهن الأكبر، رجل حديدي الإرادة، شديد المراس. وهناك أيضا كاهن منف، تلك المدينة المجيدة التي لحقها الأفول على عهد هذه الأسرة الجليلة.

فارتاع الرجل لهذه الأخبار التي تصك أدنيه لأول مرة، قال:

- إذا فلندع الأرباب جميعا أن تلهم الرجال الحكمة والأناة والرأي السديد.

فقال الآخرون بإخلاص صادر من الأعماق: آمين... آمين.

ولاحت من أحد الواقفين التفاتة إلى النيل، فلكز صاحبه بمرفقه قائلا:

·أنظر أيها الصديق إلى النهر... لمن يا ترى هذه السفينة الجميلة الآتية من جزيرة بيجة، كأنها الشمس صاعدة من الأفق الشرقي؟.

الأعمال الكاملة (3) رادوبيس ص369

مقومات شخصية فرعون:

لجأ محفوظ في هذا النص إلى تقنية الحوار ليعرفنا بشخصية "مرنرع الثاني" وقد استخدم هذه التقنية ببراعة فائقة. فحديث الناس الذين يلتقون في الأعياد الوطنية والدينية حديث عفوي. وهم يجتمعون اليوم في عيد النيل في طرقات العاصمة "أبو" لرؤية موكب فرعون ومتابعة مراسيم الاحتفال. وهم في هذا العام يتحدثون عن فرعون الجديد، ويعطون آراءهم عنه، ويتنبؤون بما سيصنع. والمتحاورون لا يعرف بعضهم بعضا، ولا يعرف القارئ عنهم شيئا سوى أنهم من جمهور الشعب الذي أتى إلى العاصمة من كل أنحاء مصر لمتابعة الاحتفال. ويعرف القارئ خصائصه منهم دون تكلف أو تدخل من الراوي، وبصورة غير مباشرة، فما الذي يخبرنا به هذا الحوار؟.

1- الوصف الخارجي: يخبرنا أولا أنه شاب ملفت للنظر بطوله وجماله: "إن فرعون شاب جميل لانظير له في طوله الفارغ وحسنه الجاهر".

2- الوصف الداخلي:

أ- النشأة والبيئة: ويخبرنا ثانيا أنه حفيد محمتساوف الأول أي أنه من الأسرة السادسة التي يعلمنا التاريخ أنها عاشت بين 2423 و2280 ق.م ونعرف إذن أنه ملك من سلالة ملوك، ربِّيَ في القصور ليحكم، وقد توِّج منذ أشهر في المكان نفسه.

ب- الذكاء: لا يشير هذا النص إلى ذكائه، لأنه ليس ملفتا للنظر كصفاته الأخرى.

جـ- ثقافته: لا يشير النص إليها إلا أنه من الواضح أن ثقافته هي ثقافة الأمراء في عصره.

د- المستوى الاجتماعي: واضح في النص فهو ملك البلاد.

هـ- الجانب الانفعالي الوجداني:

I-المزاج والانفعالات والعواطف: من ذوي المزاج الغضوبي حسب تصنيف أبوقراط الذين يتميزون بالانفعال.

Ii-الطباع والسلوك:

أ‌-قوته وشجاعته: يعلمنا النص أنه شجاع وقوي وأن الجانب الحربي فيه يغلب الجانب الفني والثقافي والديني:

"وتساءل أحد المتحدثين قائلا: ترى ماذا يخلف حكمه؟… أمسلات ومعابد، أم ذكريات غزو في الشمال والجنوب؟

-إن صدق حدسي فهي الثانية…

-ولمه؟

-لأنه شاب عظيم البأس"

أ‌-إسرافه وتبذيره: "يغرم بالحب ويهوى البذخ والإسراف ".

جـ- قلة تدينه: "إنه يريد المال لينفقه في تشييد القصور، وغرس البساتين، والكهنة يطالبون بنصيب الآلهة والمعابد كاملا".

د- حبه للنساء: "إن جلالته ذو أهواء عنيفة يغرم بالحب".

I-الغاية المعلنة في النص: استعادة أموال المعابد والتمتع بها وذلك بتشييد القصور وغرس البساتين (غاية حسية).

الدافع: الطمع وإشباع أهوائه في الإنفاق والتبذير والحب.
"لقد منحهم آباء الملك نفوذا وثراء، والملك الشاب ينظر إلى هذا بعين الطمع".

الوسيلة: استعمال القوة لمصادرة الأموال والاصطدام بالكهنة.
3- علاقاته بمن حوله:

أ- علاقته بالكهنة: علاقة صدام لأنه يريد الحد من نفوذهم بتجريدهم من أموال المعابد.

ب- علاقته بالناس: علاقة حب وتمجيد، فهو ملك جديد يتنبؤون بما سيصنع ويدعون له وللكهنة " بالحكمة والأناة والرأي السديد" وينتهي النص ببداية الحديث عن السفينة الآتية من جزيرة بيجة، كتمهيد للحديث عن صاحبتها "رادوبيس" وقد استعمل الكاتب تقنية الحوار نفسها في تقديم شخصيتها من خلال حديث الناس عنها أثناء الاحتفال. ولنترك "رادوبيس" الآن جانبا، فليس هذا مجال الحديث عنها، ولنعد إلى النص فنستنتج منه أن الجانب الانفعالي الوجداني طغى على الجانب العقلي في شخصية فرعون، مما أثر في دوافعه، وحين تكون الدوافع عاطفية وانفعالية تتأثر بها الغايات والوسائل، ويصبح السلوك انعكاسا للعواطف والانفعالات، لا نتيجة منطقية للتفكير السليم والرأي السديد. وحتى الطباع الحسنة تنقلب إلى طباع سيئة تبعا لذلك فالشجاعة تصبح تهورا مادام صاحبها "يندفع في سبيله كالريح العاصفة".

الحبكة المزدوجة:

وبما أن حبكة الرواية المزدوجة تعتمد على علاقة الحب التي نشأت بين "فرعون" و "رادوبيس" وتطورها من جهة، وعلى علاقة الصدام بينه وبين الكهنة من جهة أخرى يورد الكاتب نصا آخر أثناء وصفه للاحتفال يمهد فيه لتطور الأحداث في الجهتين:

الوصف المباشر:

"ووقف فرعون في عجلته منتصب القامة، مهيب الطلعة، كأنه تمثال من الجرانيت لا يميل يمنة ولا يسرة، ويصوب بصره إلى الأفق البعيد غير ملتفت إلى الخلق جميعا، ولا إلى هتافهم الصاعد من أعماق القلوب.

وكان يضع على رأسه تاج مصر المزدوج، ويقبض بيده على السوط الملكي، وبالأخرى على العصا المعقوفة، وقد ارتدى فوق لباسه الملكي كساء من جلد النمر احتفالا بالعيد الديني.

وأفعمت القلوب حماسة وسعادة، فتعالى الهتاف، فكاد لشدته أن يفزع الطير المحلق في السماء، وأثار الحماس رادوبيس نفسها فدبت فيها حياة فجائية. وأضاء وجهها بنور بهيج، وصفقت يداها الرخصتان.

وأفلت من بين الأصوات الهاتفة صوت يصيح على عجلة: "ليحيا صاحب القداسة خنوم حتب"، فردد هتافه عشرات الأصوات، وأحدث هتافه انزعاجا وأهاج ضجة شديدة، وتلفت الناس يبحثون عن الجسور الذي هتف باسم رئيس الوزراء على مسمع من فرعون الشاب، والجماعة التي ناصرت هذا التحدي العجيب!...".

ص 376

العلاقتان الأساسيتان:

وهذا النص هو وصف مباشر أظهر لنا الكاتب في الفقرة الأولى منه كبرياء فرعون، وهتاف الجماهير "الصاعد من أعماق القلوب"، والمعبر عن حبهم له، كما أتم وصفه الخارجي بوصف ثيابه، وقد عرفنا سابقا طوله ووسامته. ثم أرانا مشاعر رادوبيس وهي ترى فرعون للمرة الأولى في الموكب وكيف "دبت فيها حياة فجائية، وأضاء وجهها بنور بهيج، وصفقت يداها الرخصتان". إنه الإعجاب بوسامته وعظمته، والإعجاب نوع من الحب، وفي هذه الحالة هو بداية الحب.

وانتقل الكاتب من "رادوبيس" إلى الأصوات التي عكرت صفو الاحتفال، وهتفت، باسم رئيس الوزراء وكبير الكهنة "خنوم حتب" بدلا من أن تهتف باسم فرعون. وهذا النص إذن يؤسس لتطور العلاقتين: علاقة حب فرعون ورادوبيس، وعلاقة صدامه مع الكهنة، كما يبين لنا موقع الأغلبية العظمى من الجماهير فهي تحبه وتهتف له من الأعماق في بداية حكمه.

وبعد أن أرانا الكاتب "فرعون" من خلال نظرة الناس إليه وحديثهم عنه، ثم من خلال الوصف المباشر،تابع بناء شخصيته فأرانا إياه على الطبيعة عبر أفعاله وأقواله وانفعالاته وسلوكه فيما يقارب العشرين مشهدا تظهر استبداده برأيه وغضبه على من يخالفه أثناء حواره مع الملكة "نيتوقريس"، ومستشاريه المقربين: كبير حجابه "سوفخاتب" ورئيس حرسه "طاهو" ورئيس وزرائه "خنوم حتب" الذي عزله لأنه عارض رأيه في مصادرة أراضي المعابد، ووضع بدلا منه "سوفخاتب" كبير الحجاب. وأبرز استهتاره بالمسؤولية وتبذيره الأموال العامة، بعد وقوعه في حب الغانية الراقصة "رادوبيس" التي كان ينفق ذهب مصر وفضتها في تزيين قصرها الذي انصرف فيه إلى ملذاته بدلا من الاهتمام بمشاكل المملكة. كما يبين لنا لجوء فرعون إلى الكذب والتآمر في صراعه مع الكهنة لتعبئه جيش قوي بحجة تمرد مزعوم في الجنوب. ولكن الكهنة كشفوا خطته فألبوا جماهير الشعب التي هتفت ضده بعد عام واحد من حكمه، وأصبحت تمقته بعد حبها له لأنه خيب ظنها فيه. وقد اعترف فرعون بأخطائه أمام تمثال أبيه، وهي فضيلة يبرزها الكاتب ضمن فضائله القيادية القليلة ومنها حقنه للدماء ورفضه قتال الشعب، وسحبه للحرس، وشجاعته في مواجهة الموت حيث أصابه سهم مسموم قاتل وجهه أحد المتمردين، ومن ضمن فضائله أيضا طلبه الصفح وهو يحتضر من الملكة "نيتوقريس" والسماح بنقله إلى قصر "رادوبيس" التي مات بين يديها في مشهد عاطفي مؤثر، يؤكد فيه الكاتب على الصبغة العاطفية لشخصية "مرنرع الثاني".

وهذه بعض النماذج التي تظهر بعض الصفات التي بنى عليها شخصيته:

1- سرعة انفعاله وشدة غضبه:

"عاد الموكب الملكي إلى السراي الفرعونية، وظل الملك يحافظ على جلاله وهدوئه، إلى أن خلا إلى نفسه، فتبدى الغضب على وجهه الجميل بصورة وحشية، وجبت لها قلوب الجواري اللاتي يخلعن ثيابه، فانتفخت أوداجه وتصلبت عضلات جسمه، وكان سريع الانفعال شديد الغضب، لا تطمئن نفسه حتى تنزل العقاب الصارم بمن أثارها، وكان يدوي في أذنيه الهتاف الأخرق، فيظنه إنذارا جريئا موجها إلى رغباته، فيشتد به الغضب وينذر بالويل والثبور"

ص 378

وكان عليه أن ينتظر ساعة كاملة، قبل أن يستقبل رجال مملكته الرسميين الذين جاءوا من أقصى البلاد للاشتراك في عيد النيل، ولكنه لم يستطع صبرا، فهرع كالريح الهوجاء إلى جناح الملكة، واقتحم بابها بعنف، وكانت الملكة نيتوقريس جالسة بين وصيفاتها، تلوح في عينيها الصافيتين آي السلام والطمأنينة، فلما رأى الوصيفات الملك، وشاهدن الغضب يصرخ في وجهه، وقفن مرتبكات مضطربات، وانحنين له وللملكة، وانسحبن مسرعات لا يلوين على شيء... ولبثت الملكة جالسة هنيهة، ترمقه بعينين هادئتين، ثم قامت في جلال، ودنت منه، ثم شبت على أطراف قدميها وقبلت كتفه.

ص378

2- اعتباره الحلم ضعفا:

ونرى ذلك في حواره مع الملكة نيتوقريس:

-أغاضب أيضا يا مولاي؟

كان يحس بالحاجة القصوى إلى إنسان يطلعه على النار الموقدة في دمائه، فارتاح إلى سؤالها وقال بشدة:

-كما ترين يانيتوقريس!

وكانت الملكة تشعر شعورا قويا بعد درايتها بأخلاقه، بأن واجبها الأول هو أن تذهب عنه حدة الغضب إذا أهاجه، فقالت بهدوء وهي تبتسم إليه:

-الحلم أحرى بالملك

ولكنه هز كتفيه العريضين استخفافا وقال:

-أتوصيني بالحلم أيتها الملكة؟ إنه لثوب زائف يتقنع به الضعفاء.

فقالت الملكة في تألم ظاهر:

-مولاي... لماذا تضيق بالفضائل ذرعا؟"

ص 379

3- استبداده برأيه:

ويؤكد لنا الكاتب استبداده برأيه في مناسبات كثيرة وهاهو كبير الوزراء "خنوم حتب" يطلب من كبير الحجاب "سوفخاتب" أن يعرض على فرعون طلبات والتماسات هامة بإعادة أراضي المعابد بعد أن صادرها الملك:

"فحدجه الحاجب بنظرة فاحصة وقال:

-لعلها تمس موضوع أراضي المعابد.

فالتمعت عينا الوزير بنور خاطف، وقال:

-هو ذلك يا سيدي.

فقال سوفخاتب بسرعة:

-إن فرعون لا يريد أن يسمع جديدا حول هذا الموضوع. لأن جلالته قال فيه كلمته الأخيرة.

-إن السياسة لا تعرف كلمة أخيرة"

ص 404

ويؤكد محفوظ مرة أخرى على استبداده برأيه وكرهه أن يعارضه أحد في حواره مع نيتوقريس التي رجته أن يعيد أراضي المعابد:

"واحتدم الغيظ في قلب الملك. لأنه لم يكن يجد عذرا لإنسان لا يصدع بأمره في السر والعلانية. ولا يحتمل أن يرى إنسان غير مايرى" ص 448

وقد عزل رئيس الوزراء "خنوم حتب" لمعارضته له، وعين بدلا منه "سوفخاتب" كبير الحجاب.

4- استهتار بالمسؤولية:

ويتابع الكاتب بناء شخصية "مرنرع الثاني" فيكشف لنا عن صفة هامة أخرى هي استهتاره بمسؤولية الحكم وهاهو يزور قصر "رادوبيس" للمرة الأولى بعد أن خطف النسر صندلها الذهبي، ورماه في حجره، وتعرف مستشاراه على صاحبته من الرسوم التي كانت عليه، فتشوق لمعرفتها وترك اجتماعا رسميا هاما في القصر ليرى صاحبة الصندل:

"-كان ينبغي أن أكون مجتمعا برئيس الوزراء الآن، والحق يارادوبيس أنني منذ حادثة النسر فريسة للعمل الشاق، وكنت أبيت نية زيارة قصرك، ولكن لا أجد فرصة مواتية، ولما رأيت هذا المساء يكاد يلحق بالذي سبقه أجلت اجتماعا هاما ريثما أشاهد صاحبة الصندل الذهبي."

واستولت الدهشة على رادوبيس، وتمتمت قائلة "مولاي" وكانت تعجب من استهتاره الذي دفعه إلى تأجيل اجتماع هام من الاجتماعات التي تبرم فيها مصائر المملكة، لكي يشاهد امرأة شغل قلبه بها ساعة ووجدت عمله جميلا ساحرا لا نظير له بين أعمال العشاق وشعر الشعراء".

ص 423

5- انصرافه إلى ملذاته وشهواته:

وحين أصبح سوفخانب رئيسا للوزراء ترك أمور المملكة بين يديه وانصرف إلى الاستمتاع بحبه الجديد، وإشباع شهواته:

"وأحس فرعون في العهد الجديد بطمأنينة، فسكن غضبه، وترك الأمور بين يدي الرجل الذي يثق به، وولى وجهه نحو المرأة التي استولت على نفسه وقلبه وحواسه، ففي جوارها كان يشعر بطيب الحياة وبهجة الدنيا وأفراح النفس"

ص 451

6- تبذيره أموال الدولة:

ولم يكفه أن منحها الوقت المخصص للأمور العامة، فقد أخذ يغدق عليها وعلى قصرها أموال الدولة:

"وذاع على إثر ذلك أن فرعون يهوى غانية القصر الأبيض ببيجة وأنه يبيت لياليه في قصرها. ثم شوهد الصناع يساقون إلى قصرها جماعات جماعات. ورئيت زرافات العبيد حاملة فاخر الأثاث وثمين الجواهر. وتهامس الكبراء بأن قصر رادوبيس يتحول إلى مثوى من الذهب والمرجان. وأن أركانه تشهد هوى جامحا يتقاضى مصر أموالا لا تعد ولا تحصى".

ص 438

7- غضب الشعب وثورته عليه:

وقد تحول شعورالشعب الذي كان يهتف باسمه بعد سنة من حكمه إلى مقت: "وجمد الملك في مكانه، وتراجع الوزير وراءه، وجعلا ينظران في صمت محزن إلى الجموع التي لا يحصيها العد، وهي تهدر كالوحوش، وتلوح مهددة بسلاحها، وتهتف بأصوات كالرعد: "العرش لنيتوقريس" "ليسقط الملك العابث".وكانت جنود الحرس تطلق السهام من خلف الأبراج فتستقر في المقاتل , ورد الثائرون بسيل عرم من الأحجار والأخشاب والسهام."

ص 504

8- الاعتراف بالأخطاء :

ووقف الملك أمام تمثال أبيه وقال:

"لقد أورثتني ملكا عظيما ومجدا أثيلا، فما صنعت بهما؟ لم يكد يمضي عام على توليتي حتى شارفت الدمار. واأسفاه لقد أذللت عرشي موطئا للنعال، وجعلت اسمي مضغة الأفواه، واكتسبت لنفسي اسما جديدا لم يطلق على فرعون من قبل، هو الملك العابث."

وانحنى رأسي الملك الشاب مثقلا خزينا ،ولبث ينظر إلى الأرض بعينين مظلمتين ثم رفعهما إلى تمثال والده، وتمتم:" لعلك وجدت في حياتي ما أخجلك، ولكنك لن تخجل من موتي أبدا" ص 506





التاريخ يعيد نفسه :

هل تنبأ "محفوظ" بمصير فاروق عند كتابته لهذه الرواية، أم كان يحذره من هذا المصير؟ ومهما يكن جواب هذا السؤال فإن الملك فاروق حوصر في قصره يوم 23 يوليو 1952 وخلع عن العرش للأسباب نفسها التي حوصر من أجلها "مرنرع الثاني": الجري وراء الملذات، وتبذير أموال الدولة، والاستبداد بالرأي والاستهتار بالمسؤولية .مصداقا لقول ابن زريق:

أعطيتُ ملكاً فلم أحسنْ سياسته كذاكَ من لا يسوسُ الملكَ يُخلعُهُ

لقد بنى محفوظ شخصيته لتكون عبرة لكل حاكم وكل مسؤول في كل زمان ومكان وعلى كافة المستويات.

نجاح الكاتب في بناء شخصيته :

ويعتمد نجاح الكاتب في بناء هذه الشخصية المنحرفة على قدرته في تحريك عواطفنا وإظهار نفورنا من العيوب، وإظهار تعاطفنا مع بعض المزايا التي لديها، فليست هنالك شخصية كلها مزايا أو كلها عيوب، ونجاحها في تحريك عواطفنا يعني نجاح الكاتب في إقناعنا بفكرته، كما يعني أن الشخصية مقنعة من الناحية الفنية.

2- الشخصية الضائعة : مصطفى سعيد و أخطار التكوين في الخارج :
أراد الطيب صالح أن يظهر خطورة سفر أبناء دول العالم الثالث إلى الغرب للدراسة في سن مبكرة وأن يبرز دور الأسرة الأساسي وكذلك دور اللغة الأم والمجتمع في تربية النشء وإقامة التوازن في شخصياتهم بين العقل والوجدان، إذ يتولى الغرب عند دراستهم فيه تكوين عقولهم ولا يستطيع تكوين وجدانهم وعواطفهم، لأن المدرسة تثقف العقل، أما الأخلاق والعواطف فتكونها الأسرة والمجتمع والتراث والوطن وهم بعيدون عن أسرهم ودخلاء على المجتمع، ومنقطعو الصلة بتراثهم وغرباء عن وطنهم.

تبهرهم الحضارة الغربية بعلمها وتكنلوجيتها، وتستهويهم الحرية الكاملة التي لا يجدونها في مجتمعاتهم ، فينحرفون ويضيعون في متاهات اللذة والخمر والجنس دون أن يجدوا وازعا أو رادعا.فبنى شخصية مصطفى سعيد لينقل إلينا رسالة يحذر فيها من مغبة تكوين العقل و إهمال الوجدان.

مخطط بناء شخصية مصطفى سعيد :
لنفرض أن الكاتب وضعه كما يأتي:

1- الفكرة المستهدفة من حلق الشخصية، هي ضياع شباب العالم الثالث الذين ذهبوا إلى التكوين في الخارج في سن مبكرة، وانحرافهم عن الغاية التي أرسلوا من أجلها، وبقاء معظمهم هنالك وانقطاع صلتهم بمجتمعاتهم وحضارتهم.

2- الشخصية المطلوب بناؤها هي إذن شخصية سلبية يجب التركيز فيها على إبراز عيوب التكوين في الخارج في سن مبكرة والاهتمام بالعقل وإغفال الوجدان.

3- عرض مقومات الشخصية في نصوص مختلفة وبصورة تدريجية و ليس في نص استهلالي "كما رأينا في الأمثلة السابقة"، وذلك من خلال حكاية مصطفى سعيد جزء من قصة حياته للراوي، واكتشاف الراوي الأجزاء الأخرى من خلال زيارة مكتبة مصطفى والاطلاع على أوراقه ومراسلاته لمن عرفوه.وأهم هذه العيوب هي انعدام التوازن بين ذكائه وتفوقه العقلي والعلمي من جهة، ونقص تكوين عواطفه وعدم تشبعه بحضارة بلد وقيمها وأخلاقها من جهة أخرى.

4- الغاية: كانت غاية مصطفى سعيد التفوق العلمي، ثم انحرف عن هذه الغاية لتحكم أهوائه فيه، وعدم وجود وازع من وجدان أو رادع من خلق يكبح جماحه.

5- الدافع: الطموح العلمي في البداية. ثم أصبح الدافع تسلط الأهواء.

6- الوسيلة: كانت الوسيلة هي السفر إلى الخارج للدراسة، ثم أصبحت وسيلته تعاطي الخمر واستدراج النساء.

7- علاقته بمن حوله: علاقة شاذة ومنحرفة مع النساء، تقوم على الجنس لا على العواطف.

8- النهاية التي وصل إليها نتيجة تصرفاته وسجنه في إنكلترا.

9- ندمه وعودته إلى السودان ووصيته بأن يتكون أولاده في بلادهم، وأن يتشبعوا بحضارة قومهم، ثم اختفاؤه في ظروف غامضة.

10- تحريك عواطف القارئ وجعله ينفر من التصرفات المشينة التي قام بها مصطفى سعيد ، ويشعر بالشفقة عليه لما عاناه في الغربة بعيدا عن أمه ووطنه من خلال الوصف وسرد الأحداث.

وسنبرز أهم جزء في هذا البناء وهو الخلل وفقدان التوازن بين الجانبين العقلي والوجداني

ذكاؤه:
والعنصر الأول في هذا البناء ذكاؤه الخارق:"كان أشهر طالب في كلية غردون" كان نابغة في كل شيء لم يكن يوجد شيء يستعصي على ذهنه العجيب. كان المدرسون يكلموننا بلهجة ويكلمونه بلهجة أخرى خصوصا مدرسو اللغة الإنجليزية، كأنما كانوا يلقون الدرس له وحده دون بقية التلاميذ"

موسم الهجرة إلى الشمال ص 68

ولكن ذكاء مصطفى سعيد كان باردا، لا حرارة إنسانية فيه، لذلك قتل زوجته الإنجليزية بكل برودة و دون أن يشعر بأنه يرتكب جرما أو يحس بالندم، وحكم عليه بالسجن في إنجلترا.

تذكرت ما قاله القاضي قبل أن يصدر الحكم في الأولدبيلي. قال له:

"إنك يا مستر مصطفى سعيد، رغم تفوقك العلمي، رجل غبي، إن في تكوينك الروحي بقعة مظلمة، لذلك فإنك قد بددت أنبل طاقة يمنحها الله للناس: طاقة الحب"

نفس المصدر ص 70
الأم الغريبة:

ما أسباب هذه البقعة المظلمة يا ترى؟
كان يتم الأب وكانت علاقته بأمه علاقة عجيبة "حين أرجع الآن بذاكرتي. أراها بوضوح، شفتاها الرقيقتان مطبقتان في حزم، وعلى وجهها شيء مثل القناع. كثيف كأن وجهها صفحة بحر. هل تفهم؟ ليس له لون واحد بل ألوان متعددة، تظهر وتغيب، وتتمازج، لم يكن لنا أهل. كنا أنا وهي أهلاً بعضنا لبعض كانت كأنها شخص غريب جمعتني به الظروف صدفة في الطريق. لعلني كنت مخلوقا غريباً، أو لعل أمي كانت غريبة لا أدري"

ص 43

أترى السبب حرمانه من عاطفة هذه الأم ذات القناع العجيب الكثيف؟ إنها لا توحي إلينا بالقسوة بل بالغرابة وربما كانت كما قال المأمور جارية من الجنوب:

"ويقال إن أمه كانت رقيقا من الجنوب من قبائل الزاندي أو الباريا الله أعلم، الناس الذين ليس لهم أصل"

ص 69
فإذا صح أنها كانت "رقيقا" من هذه القبائل فمعنى ذلك أنها عانت الكثير، والمعاناة الشديدة تجفف العواطف.

والنص الذي يحدد علاقته بأمه مهم جدا في بناء شخصيته وفي بناء القصة فالعلاقة بينهما ليست علاقة أم بابنها بل علاقة غريبين جمعهما طريق.

ونراهما مرة أخرى في اليوم الأول الذي قرر أن يدخل المدرسة وهو صغير، ويخبرها بذلك بعد عودته، ويحس بأنها أرادت أن تضمه إلى صدرها، ولكن شيئا أعاقها ترى ما هو هذا الشيء؟ ويبقى السؤال بل جواب. ويبقى أمر هذه الأم لغزا محيرا:

" عدت إلى أمي في الظهر فسألتني أين كنت فحكيت لها القصة. نظرت إليّ برهة نظرة غامضة، كأنها أرادت أن تضمني إلى صدرها، فقد رأيت وجهها يصفو برهة، وعيناها تلمعان، وشفتيها تفتران كأنها تريد أن تبتسم، أو تقول شيئا لكنها لم تقل شيئا. وكانت تلك نقطة تحول في حياتي. كان ذلك أول قرار اتخذته بمحض إرادتي"

ص 45

إن أمه ترمز إلى السودان في زمن الاستعمار الإنجليزي، فهي عاجزة عن أن تقدم لأبنائها العلوم التي يطلبونها ويحتاجون إليها ولا تستطيع أن تمنعهم من الذهاب إلى الخارج ليتعلموا وعاجزة حتى عن إظهار عواطفها ويروي لنا مصطفى سعيد أيضا أنه لم يكن يتأثر مثل بقية الأطفال :

"إلا أنني منذ صغري كنت أحس بأنني… أنني مختلف، أقصد أنني لست كبقية الأطفال في سني، لا أتأثر بشيء، لا أبكي إذا ضربت، لا أفرح إذا أثنى علي المدرس في الفصل، لا أتألم لما يتألم له الباقون. كنت مثل شيء مكور من المطاط، تلقيه في الماء فلا يبتل، ترميه على الأرض فيقفز"

ص 44
تفوقه العقلي :

أما العنصر الهام الآخر في تكوينه وفي بناء شخصيته فهو كما قلنا سابقا ذكاؤه الخارق وهذا ما نستنتجه من تفوقه في الدراسة:

"طويت المرحلة الأولي في عامين، وفي المدرسة اكتشفت ألغازاً أخرى، منها اللغة الإنكليزية، فمضى عقلي يعض ويقطع، كأسنان محراث، والجمل تتراءى لي كأنها معادلات رياضية، والجبر والهندسة كأنها أبيات شعر. العالم الواسع في دروس الجغرافيا أراه رقعة شطرنج"

ص 46

وانتهت المرحلة الوسطى، وزود بمنحة دراسية إلى القاهرة وهو في الثانية عشرة من عمره فلم تكن في السودان مرحلة ثانوية في تلك الأيام، وأخبر أمه بذلك:

"ذهبت إلي أمي وحدثتها نظرت إلي مرة أخرى، تلك النظرة الغريبة. افترت شفتاها لحظة كأنها تريد أن تبتسم ،ثم أطبقتهما وعاد وجهها كعهده قناعا كثيفا بل مجموعة أقنعة .ثم غابت قليلا وجاءت بصرة وضعتها في يدي وقالت لي :"لو أن أباك عاش لما اختار لك غير ما اخترته لنفسك. افعل ما تشاء سافر أو ابق، أنت وشأنك. إنها حياتك، وأنت حر فيها. في هذه الصرة مال تستعين به. كان ذلك وداعنا. لا دموع ولا قبل ولا ضوضاء.مخلوقان سارا شطرا من الطريق معاً، ثم سلك كل منهما في سبيله. وكان ذلك في الواقع آخر ما قالته لي، فإنني لم أرها بعد ذلك. بعد سنوات طويلة، وتجارب عدة،تذكرت تلك اللحظة وبكيت".

ص46

لقد كانت أمه تظن أنها تصنع خيرا بسماحها له بالسفر، وربما لم تكن تظن أنها لن تراه بعد الآن. وهاهو يفقد الصلة بأمه نهائيا فلن يراها بعد الآن، كما تنقطع علاقته ببلده وصلته الروحية به وبحضارته وتراثه ويصبح تكوينه منذ سن الثانية عشرة أوربيا بحتا. ويقضي ثلات سنوات في المدرسة الإنجليزية بالقاهرة، ثم يرسل إلى لندن في الخامسة عشرة فيتخرج من الجامعة، ويعين وهو في الرابعة والعشرين من عمره محاضرا للاقتصاد في جامعة لندن.



تكوينه الإنكليزي:

لقد كان تكوينه العلمي إنكليزيا مئة بالمئة، وكانت فصاحة لغته تجلب الانتباه. ويحدثنا المأمور المتقاعد وكان أحد زملائه في المدرسة عن ذلك:

"نحن كنا ننطق الكلمات الإنكليزية كأنها كلمات عربية لا نستطيع أن نسكن حرفين متتاليين. أما مصطفى سعيد كان يعوج فمه، ويمط شفتيه، وتخرج الكلمات من فمه كما تخرج من أفواه أهلها. كان ذلك يملؤنا غيظا وإعجابا في الوقت نفسه، وكنا نطلق عليه بخليط من الإعجاب والحقد "الإنكليزي الأسود".

ص 68

ويقول لنا مصطفى سعيد نفسه حين وصل إلى لندن:

"لكن اللغة ليست لغتي، تعلمت فصاحتها بالممارسة".

ص 50

لقد كان تكوينه منذ السابعة من عمرة أجنبيا مئة بالمئة والزائر لمكتبته المنزلية الضخمة يجد فيها كتب الاقتصاد والتاريخ والأدب وعلم الحيوان والجيولوجيا والرياضيات والفلك والدين ولكنها بالإنجليزية. كما أنه كتب كتبا في السياسة والاقتصاد عن الاستعمار واقتصاد الاستعمار وأفريقيا، كتبا كثيرة باللغة الإنجليزية التي يحسنها،ثم انغمس في حمأة الغرائز والجنس وقتل زوجته الإنجليزية "حين مورس" عمدا من دون سبب واضح. لقد وصل إلى أعلى مستوى علمي، ولكنه لم يجد رادعا من خلق ولا وازعا من دين يكبح جماحه، مصداقا لقول حافظ إبراهيم:

لا تحسبن العلم ينفع وحده ما لم يتوج ربه بخلاق

فاستسلم لغرائزه وعواطفه الجامحة، والغرائز والعواطف بحاجة إلى تربية تهذبها، وأخلاق تحميها ومصطفى سعيد يقول لنا بعد ذلك في أوراقه:

"نعلم الناس لنفتح أذهانهم ونطلق طاقاتهم المحبوسة، ولكننا لا نستطيع أن نتنبأ بالنتيجة"

ص 141
آراء الآخرين فيه :

ويورد لنا الكاتب آراء الآخرين فيه لإبراز هذا الخلل في شخصيته، فهذه "مسز ربنسن" التي تولت الإشراف عليه في القاهرة واعتبرته كابنها تقول في رسالة إلى راوي القصة:

"مسكين موزي" تقصد مصطفى سعيد "إنه كان طفلا معذبا"
ص 138

وتقول عنه أيضا في الرسالة نفسها:

"وكان لموزي عقل عبقري، ولكنه كان متهورا. كان غير قادر على تقبل السعادة أو إعطائها إلا لمن أحبهم وأحبوه حبا حقيقيا مثل "ركي" تقصد زوجها"

ص 138

وهي تعترف بدوره الهام في الكتب الكثيرة التي كتبها عن الاستعمار في إفريقيا وتعد بإدراج ذلك في الكتاب التي تؤلفه عن حياتها هي وزجها ومصطفى سعيد : "وسأكتب عن الدور العظيم الذي لعبه موزي في لفت الأنظار هنا إلى البؤس الذي يعيش فيه أبناء قومه تحت وصايتنا كمستعمرين"

ص 139
وكانت تحس رغم ذلك بخلل في شخصيته وهو يخبرنا أنها كانت تقول له: "أنت يا مستر سعيد إنسان خال تماما من المرح" صحيح أنني لم أكن أضحك.وتضحك مسز روبنسن وتقول لي: "ألاتستطيع أن تنسى عقلك أبدا"

ص 48
وهاهو بروفسور "ماكسول فستركين" أستاذ في الجامعة يقول له منتقدا سلوكه وتربيته وليس عمله: "أنت يا مستر سعيد خير مثال على أن مهمتنا الحضارية في إفريقيا عديمة الجدوى، فأنت بعد كل المجهودات التي بذلناها في تثقيفك كأنك تخرج من الغابة لأول مرة "

ص 99
لقد استطاعت المدرسة الإنجليزية تثقيف عقله، ولكن تربية الوجدان مهمة الأم والبيت والأهل والمجتمع والوطن وقد حرم منهم جميعا مند سن الثانية عشرة. إنه كنبتة اقتلعت من جذورها وهي صغيرة، وزرعت في تربة غريبة فتكونت تكوينا شاذا. وهاهو أستاذه نفسه يدافع عنه في المحكمة قائلا: "مصطفى سعيد ياحضرات المحلفين إنسان نبيل، استوعبت عقله حضارة الغرب لكنها حطمت قلبه"

ص 54

بين جمود العواطف والإحساس بالغربة والضياع:

لم يكن مصطفى سعيد في البداية يدرك قيمة العاطفة أو يحس بأهميتها ولم يكن يعرف معنى الغربة وهاهو يخبرنا عن لحظة مغادرته مصر إلى إنجلترة لمتابعة الدراسة:

"كنت في الخامسة عشرة، يظنني من يراني في العشرين، متماسكا على نفسي كأنني قربه منفوخة. ورائي قصة نجاح فذ في المدرسة. كل سلاحي هذه المدية الحادة في جمجمتي، وفي صدري إحساس بارد جامد كأن جوف صدري مصبوب بالصخر"

ص 48
ولكنه أدرك متأخرا وقبل أن يرتكب جريمة قتل زوجته، معنى الوحدة والضياع والغربة:

"أحسست بالذل والضياع، وفجأة تذكرت أمي… رأيت وجهها واضحا في مخيلتي، وسمعتها تقول لي: إنها حياتك وأنت حر فيها. وذكرت نبأ وفاة أمي حين وصلني قبل تسعة أشهر، وجدني سكرانا في أحضان امرأة. لا أذكر الآن أي امرأة كانت. ولكني تذكرت بوضوح أنني لم أشعر بأي حزن كأن الأمر لا يعنيني في كثير ولا قليل. تذكرت هذا وبكيت من أعماق قلبي، بكيت حتى ظننت أنني لن أكف عن البكاء أبدا".

ص 147
لقد كانت السنوات التي قضاها في إنجلترا فترة طويلة من الغربة الروحية والجمود العاطفي، أفقدته حتى الإحساس بما حوله من جمال طبيعي وأدبي وفني :"ثلاثون عاما كان شجر الصفصاف يبيض ويخضر ويصفر في الحدائق، وطير الوقواق يغني للربيع كل عام. ثلاثون عاما وقاعة "ألبرت" تغص كل ليلة بعشاق "بيتهوفن وباخ" والمطابع تخرج آلاف الكتب في الفن والفكر. مسرحيات برنارد شو تمثل في الرويال كورت "الهيماركت". كانت "إيدت ستول" تغرد بالشعر، ومسرح "البرنس أف ويلز" يفيض بالشباب والألق. البحر في مده وجزره في "بورنمث و براتين" ومنطقة البحيرات تزدهي عاما بعد عام. الجزيرة مثل لحن عذب سعيد حزين في تحول سرابي مع الفصول. ثلاثون عاما وأنا جزء من كل هذا، أعيش فيه ولا أحس جماله الحقيقي"

ص 56
وصيته المتعلقة بأولاده:

ولذا نجد مصطفى سعيد يستفيد مما حدث له حتى لا يتكرر مع أولاده، لقد أعطته أمه الحرية وهو صغير، وحرمته من حنانها فماذا فعل بحريته؟ وماذا فعل بذكائه الخارق وتفوقه العلمي مادام بعيدا عن قومه ومجتمعه، وهاهو بعد عودته للسودان وزواجه وإنجابه يختفي فجأة بصورة غامضة، ويترك لراوي أحداث القصة رسالة يوصيه فيها بأولاده ومما جاء فيها:

"ولكنني أطلب منك أن تؤدي هذه الخدمة لرجل لم يسعد بالتعرف إليك كما ينبغي، أن تشمل أهل بيتي برعايتك و أن تكون عونا ومشيرا ونصيحا لولديّ، وأن تجنبهما ما استطعت مشقة السفر. جنبهما مشقة السفر. وساعدهما أن ينشآ نشأة عادية ويعملا عملا مفيدا ".

ص 78
ويضيف قائلا: "إذا نشآ مشبعين بهواء هذا البلد وروائحه وألوانه وتاريخه ووجوه أهله وذكريات فيضاناته وحصاداته وزراعاته فإن حياتي ستحتل مكانها الصحيح كشيء له معنى إلى جانب معان كثيرة أخرى أعمق مدلولا".

ص 78

لقد طلب مصطفى سعيد من صديقه أن يجنب ابنيه غربة المكان وغربة العاطفة والروح، وكرر مرتين في طلبه أن يجنبهما مشقة السفر.كما طلب منه أن ينشآ نشأة عادية في بيئتهما وبلدهما، وأن يعملا عملا مفيدا. لقد أراد الخلاص لولديه والاستقرار النفسي والروحي وأن يتشبعا بروح بلدهما وحضارتها وأراد أن يجنبهما التمزق بين الحضارتين العربية الإسلامية والأوربية. أما هو فقد فات أوان خلاصه ،وستبقى روحه قلقة غير مستقرة، وهاهو يقول عن نفسه في الرسالة نفسها: "لاجدوى من خداع النفس ذلك النداء البعيد مازال يتردد في أذني وقد ظننت أن حياتي وزواجي هناسيسكتانه، ولكن لعلي خلقت هكذا، أو أن مصيري هكذا ،مهما يكن معنى ذاك لا أدري. إنني أعرف بعقلي ما يجب فعله، الأمر الذي جربته في هذه القرية مع هؤلاء القوم السعداء، ولكن أشياء مبهمة في روحي وفي دمي تدفعني إلى مناطق بعيدة تتراءى لي ولايمكن تجاهلها واحسرتي إذا نشأ ولداي، أحدهما، أوكلاهما، وفيهما جرثومة هذه العدوى،عدوى الرحيل"

ص 79

واختفى مصطفى سعيد، ولم يعرف أحد هل انتحر أم عاد إلى لندن، أم ذهب إلى بلاد أخرى، المهم أنه ركز على تكون ولديه في بلدهما ليتشبعا بأصالتها. وعاب على الذين يرون الحياة بمنظار الحضارة الغربية وحده فهاهو يقول في كراسة قصة حياته التي لم يتسنى له أن يكتبها وفي صفحة الإهداء: "إلى الذين يرون بعين واحدة، ويتكلمون بلسان واحد،ويرون الأشياء إما سوداء أو بيضاء، إما شرقية أو غربية"

ص 40
إنها دعوة صريحة للأصالة والمعاصرة، ولكن الأجيال يجب أن تتشبع بروح حضارتها أولا لتعرف من هي قبل أن تتصل بالآخر، وإلا ضاعت، ولم ينفعها التقدم العلمي والتكنولوجي إذا فقدت الهوية.










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-23, 21:45   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
ben kharroub
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي

تبحث عن فن الكتابة عبدالله خمار ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-23, 21:46   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
سطايفية بكل فخر
مشرف منتدى التقنيّة، ومنتديات الثقافة الطبيّة والعلوم
 
الصورة الرمزية سطايفية بكل فخر
 

 

 
الأوسمة
موضوع مميز العضو المميز المواضيع المميزة 2014 
إحصائية العضو










افتراضي

3- مكبث والطموح المدمر :رأى شسكبير أن اكثر أسباب الفتن والحروب في عصره وفي كل عصر هو الطموح السياسي، فالطموح حين لا تحده الأخلاق، يتسبب في سفك الدماء وخراب المدن، فكتب مسرحية مكبث المستوحاة من تاريخ اسكتلنده وهي قصة قائد حوله طموحه إلى آلة فتاكة للقتل وسفك الدماء، وجعله يسقط شيئا فشيئا من النبل إلى النذالة. فالكاتب يحذر من الطموح غير المشروع، حيث تبرر فيه الغاية الوسيلة، ومهما كانت الغاية شريفة لا يمكن أن يبررها الغدر والقتل وسفك الدماء.

لقد عرفنا دافع مكبث، فما غايته؟ وما الوسائل التي استعملها للوصول إلى هذه الغاية؟ لنتابع بناء شخصية مكبث.

مخطط بناء شخصية مكبث:

لنفرض أن الكاتب وضعه كما يأتي:

1- الفكرة المستهدفة من خلق شخصية مكبث هي التحذير من الطموح السياسي غير المشروع المدمر للفرد والأمم.

2- الشخصية المطلوب بناؤها إذن هي شخصية سلبية يجب التركيز فيها على إبراز العواقب التي تنجم عن الطموح السياسي اللاشرعي من إراقة للدماء وتدمير للبناء وإزهاق للأرواح وكذب وغش و تآمر للاحتفاظ بالمكتسبات غير الشرعية.

3- عرض مقومات الشخصية في مشاهد استهلالية تظهر نمو بذرة الطموح عند مكبث كما تظهر فضائله الأخرى.

4- إبراز تأثير ليدي مكبث على زوجها، وانتزاع طيبته من قلبه وتحريضه على القتل في سبيل تحقيق طموحه.

5- الغاية: الملك وهي غاية نبيلة.

6- الدافع: الطموح "غير المشروع" لأن مكبث لا يحق له الملك.

7- الوسيلة: دنيئة وهي قتل الملك ومحاولة استئصال العائلة الملكية كلها.

8- إيراد نصوص أخرى تظهر استمراره في إراقة الدماء للاحتفاظ بالملك.

9- نهاية مكبث المأساوية.

10- تحريك عواطف القارئ وجعله ينفر من تصرفات مكبث وزوجته من خلال الوصف وسرد الأحداث.





ملاحظة هامة حول بناء الشخصية في المسرحية :

لا يتوسع كاتب المسرحية في إظهار مقومات شخصيته في النص الاستهلالي، وإنما يقدم أبرزها وما هو ضروري وأساسي لفهم المسرحية، وماله صلة وثيقة بموضوعها وأحداثها، لأن الوقت لا يتسع له أن يعرض المقومات كلها من خلال الحوار وحده.

مكبث القوي الشجاع:

لقد حارب مكبث ضد ملك النرويج وضد الخونة أعداء ملك اسكتلندة بشجاعة كبيرة وقوة فائقة وانتصر عليهم وكان شريكه في هذا الانتصار القائد الشجاع بانكو، وقد اجتزأنا من المشهد الثاني في الفصل الأول ما يظهر لنا شجاعة مكبث وقوته الخارقة وفيه نجد الملك دنكن ملك اسكتلنده وابنيه مالكولم ودونالبين والنبيل لينوكس يسألون ضابطا جريحا عن أنباء المعركة، ويحدثهم عن شجاعة مكبث:

دنكن: ماذاك الرجل المضرج بالدم؟ بوسعه اخبارنا، كما يبدو من سوء حاله، بأحدث مراحل العصيان.

مالكولم: هذا هو الضابط الذي قاوم الأسر، كما هو قمين بالجندي الباسل الصلب، مرحبا بالصديق الشجاع، أدل للملك بما تعرفه عن المعمعة كما كانت حين تركتها.

الرائد : لقد ظلت بين بين: كسباحين ماهرين يتشبث كلاهما بالآخر فيخنقان بعضهما، والجائر مكدونالد وما أجدره بالتمرد، إذ لتلك الغاية راحت نذالات الطبيعة المتكاثرة تنغل عليه "من جزر الغرب يأتيه مدد من المشاة والخيالة، وربة الحظ ابتسمت لعصيانه اللعين وبانت كبغي تهوى متمردا. ولكن ضعفه ظل باديا، لأن مكبث الجرئ" وما أحقه بهذا النعت "يزدري بربة الحظ، وبسيفه المسلول الذي يبخر الدم منه لكثرة ما ضرب، يشق طريقه، وهو للشجاعة حبيبها، حتى يجابه العبد. ولم يصافحه أو يودعه حتى قده قدا من السرة إلى الشدقين، وغرز رأسه على شرفات قلعتنا مكبث متبوع بالعاصفة.ص 7

وهكذا بدأ شكسبير بناء شخصية مكبث بإظهار قوته وشجاعته وقدرته على سفك الدماء وإن كان ذلك في خدمة الملك الشرعي.

نبوءة الساحرات : ويعود مكبث قائد ملك اسكوتلندا وابن عمه والملقب أمير غلامس مع زميله القائد بانكو منتصرين في المعركة ضد ملك النرويج ويريان في الطريق ثلاث ساحرات يسلمن عليهما سلاما فيه نبوءة لمكبث:

ساحرة 1 : سلاما يا مكبث، سلاما يا أمير غلامس

ساحرة 2 : سلاما يا مكبث، سلاما يا أمير كودور

ساحرة 3 : سلاما يا مكبث، يا ملكا فيما بعد

ويطلب بانكو بنوءتهن أيضا فيقلن له:

ساحرة 1 : أقل شأنا من مكبث وأعظم .

ساحرة 2 : أقل منه سعادة، ولكن أسعد بكثير .

ساحرة 3 : ستلد الملوك، وإن يفتك أنت الملك.

وهكذا كانت نبوءة الساحرات أن يصبح "مكبث" أمير كودور ثم ملكا أما "بانكو" فلن يكون ملكا ولكن الملوك سيكونون من نسله.

ويعجب مكبث لأنه الآن أمير غلامس، ولكن أمير كودور حي يرزق فكيف يبشر بهذا اللقب، وبعد اختفاء الساحرات يأتي رسول من الملك ليبشره بأنه أصبح أمير كودور، لأن الأمير الحالي خان الملك وتعاون مع الأعداء الزويجيين، وتبدأ بذرة الشر التي بذرتها الساحرات في نفس مكبث بالنمو.

ولقد تحققت النبوءة الأولى فماذا عن الثانية و هي الملك؟

ويرسل رسالة إلى زوجته بما حدث، فتعاهد نفسها على تحقيق هذه النبوءة، وأن تدخل في قلب زوجها بعض القسوة اللازمة من أجل تحقيق ذلك.

ليدي مكبث "بعد قراءة الرسالة:

أمير غلامس أنت، وكودر، ولسوف تكون.

ما وعدت به، ولكنني أخشى طبعك.

إنه أملأ مما ينبغي بحليب الإنسانية.

فلا يتشبث بأدنى الطرق، أنت تريد العظمة،

ولست خاليا من الطموح، ولكنك خال.

من الشر الذي لا بد أن يصبحه. ما تريده شامخا،

ولكن لا تريد أن تكسب عن غير حق.

تريد يا غلامس العظيم ذاك الذي.

يصرخ بك أن "افعل كذا" إن أردته،

لا الذي تتمنى لو أنه لا يفعل، أسرع إلي.

فأصب حيويتي في أذنك.

وأطرد بجرأة لساني.

كل ما يعوقك عن المستدير الذهبي "التاج".

الذي يبدو وأن القدر والعون الخارق.

كليهما قد توجاك به .

صفات مكبث في هذا النص :
إن زوجته ليدي مكبث تعرفه حق المعرفة، تعرف أنه طموح، ولكنه طيب وليس لديه من الشر ما يجعله يحقق طموحه. يريد التاج و لكنه يريده دون غش. هذا لا يمكن أن يكون، لذلك تتعهد زوجته على فعل كل ما بوسعها لتشجيعه على الوصول إلى العرش بأي طريقة.

وتأتي الفرصة حين يزور الملك "دنكن" قصر مكبث، ويستضيفه مع زوجته لليلة واحدة ولكن زوجته تحثه على قتل الملك في هذه اللية ليتولى العرش، ويتردد مكبث ولكنها تلومه وتعتبر أن التراجع عن تحقيق طموحه جبن.

ونلاحظ في هذا المشهد قسوة ليدي مكبث وتأثيرها الكبير على زوجها مكبث:

ليدي ماكبث: أمخمورا كان ذاك الأمل الذي.

ألبسته نفسك؟ وهل غرق في النوم بعد ذلك؟

وهل استيقظ الآن مخطوف اللون شاحبا.

لماذا قد فعل بملء حريته؟ من الآن فصاعدا.

هكذا سأعتبر حبك، هل يخيفك.

أن تكون في فعلك وشجاعتك

ما أنت في التمني؟ أتشتهي أن تنال.

ذاك الذي تعتبره زينة الحياة.

وتحيا جبانا في اعتبار نفسك.

جاعلا "لا أجرؤ" تتبع "يا ليتني"

كالقطة المسكينة في المثل الشائع.

مكبث : أرجوك كفى.

إني أجرؤ على أي فعل يليق برجل.

ومن يجرؤ أكثر مني فهو ليس برجل.

ليدي مكبث: أي وحش إذن كان.

ذاك الذي جعلك تعلمني بهذه المغامرة؟

عندما جرأت على ذلك، كنت حقا رجلا.

وتقنعه ليدي مكبث بخطتها في تقديم الخمر لحارسيه ليسكرا وعند ئد يقتلان الملك ويلطخان بالدم حارسيه المخمورين:

مكبث: لا تلدي إلا الذكور من الأولاد

لأن معدنك الجسور يجب ألا يصنع.

شيئا إلا الرجال… لن يصدق الجميع.

عندما نلطخ بالدم مرافقيه المأخوذين بالنوم.

في حجرته، ونستعمل خنجريهما.

أنهما هما الفاعلان؟

ليدي مكبث: ومن يجرأ على تصديق أي شيء آخر

عندما نجأر بالحزن والفجيعة.

على موته؟

مكبث: لقد صممت، ولسوف أشد.

كل عضو في الجسد لهذه الفعلة الرهيبة.

هيا، واخدعي الزمان بأجمل المظاهر:

على الوجه الكذوب أن يخفي ما يعلم القلب الكذوب.

إنه مبدأ الغاية تبرر الوسيلة هنا، فالغاية نبيلة والوسيلة إليها دنيئة. والشريف لا يقبل الوصول إلى الغاية الشريفة بالوسيلة الدنيئة. حقا إن المظاهر خداعة، فقد استسلم الملك للنوم في قصر قائده ومضيفه وابن عمه، ونفذ مكبث الخطة بحذا فيرها، وحينما اكتشف موت الملك في الصباح تظاهر بالغضب وقتل الحارسين، وبدأ طوفان الدم في هذه الرواية الدموية يجري في سبيل طموح رجل وامرأة. وقد أعانته زوجته في الانتصار على صراعه الداخلي والتغلب على طيبته وبذور الخير فيه. ويتابع سلسلة القتل فيقتل بانكو زميله القائد حسدا من أن يكون الملك في نسله كما تنبأت الساحرات، ثم يحاول قتل ابن الملك دونالبين وابنه فيقتل الأول وينجو الابن ثم يحاول قتل النبيل مكدف بعد تحذير الساحرات له منه، فيهرب مكدف ويقتل مكبث زوجته وأطفاله، ولكن هذا الدم الذي يجري يسبب لمكبث وزوجته هوسا وعذابا نفسيا، فهو يرى شبح القتيل بانكو دائما أمامه. وهي ترى يديها دائما ملطخة بالدم وتحاول أن تمسحهما، وتنتهي المسرحية بمأساة بطلها. التي نأمل أن يكتشفها القارئ بنفسه ولكننا أردنا أن نبين أن مقومات الشخصية في هذه المسرحية قد تغيرت بسبب الطموح السياسي المدمر، وبينما كان مكبث في بداية المسرحية يضع شجاعته وقوته في خدمة الملك الشرعي لأنه خير وطيب، أصبح في ختامها إنسانا شريرا يسفك دماء الأبرياء ليحافظ على العرش. واختيار شكسبير لشخصية تاريخية ليس المقصود به الماضي، بل المقصود به الطموح المدمر الحاضر دائما في كل زمان وهو الذي يتسبب في الحروب والانقلابات والمؤامرات في شتى بقاع العالم. وهو من العوامل الرئيسية في تغير خط الشخصية.

قواعد بناء الشخصية:

ونحاول الآن بعد استعراضنا لبعض نماذج بناء الشخصية، استخلاص بض القواعد المبسطة التي تستعين بها يا عزيزي القارئ في بناء شخصياتك، والمرحلة الأولى هي وضع مخطط لها بالإجابة عن تسعة أسئلة:

1- ما نوع الفكرة التي تستهدفها أو تتوخاها من خلق هذه الشخصية "إن كانت شخصية رئيسية"، أو ماذا تمثل في سياق الرواية إن كانت ثانوية. ويجب أن تكون الفكرة واضحة لديك قبل أن تخلق الشخصية.

2- ما نوع الشخصية التي تعبر عن هذه الفكرة. هل هي بناءة خيرة أم منحرفة هدامة؟ وذلك تبعا لما تمثله في الرواية ونوع المزايا أو العيوب التي تعبر عن هذه الفكرة. فعيوب البيئة والتربية قد تورث نموذج الشخصية الضعيفة التي لا تستطيع تحمل المسؤولية لأنها تعودت على الدلال وتلبية رغباتها أو الشخصية الفاسدة الأخلاق إذا تربت في بيئة منحلة. وعيوب الطباع كثيرة منها البخل والأنانية والجبن والانتهازية وعيوب المزاج التشاؤم والسوداوية والتشكيك في الآخرين. وعيوب العاطفة قوتها وتحكمها في العقل أو برودتها وانعدامها…الخ. وعكس ذلك المزايا التي تقوم على حسن التربية والنشأة، وجودة الطباع، واعتدال العواطف والمزاج...الخ.

3- ما أهم مقومات الشخصية الجسمية والنفسية والاجتماعية؟ "أنظر مقومات الشخصية في بداية الفصل الأول" والتركيز طبعا على مزايا الشخصية أو عيوبها ولكن إبراز المزايا لا يعني أن الشخصية خالية من العيوب، وإبراز العيوب لا يعني أن الشخصية خالية من المزايا فالإنسان ليس ملاكا كريما ولا شيطانا رجيما. ولكن إبراز المزايا التي لها علاقة بأحداث الرواية ضروري في الشخصية الإيجابية، وإبراز العيوب ضروري في الشخصية السلبية.

4- ما غايتها في الرواية؟ "لكل شخصية غاية سياسية أو اجتماعية أو ثقافية أو علمية أو أدبية أو مادية" وهل الغاية سامية أو دنيئة؟ "فخدمة الوطن مثلا غاية سامية، وخيانته من أجل المادة غاية دنيئة" ويجب أن ترسم غاية الشخصية بوضوح. وإن كانت ضائعة بلاغاية فيجب أن يستنتج القارىء ذلك بسهولة.

5- ماذا دافعها؟ "وطني، علمي، إنساني، دافع الأمومة أو أناني، مصلحي، عنصري...الخ."

6- ما وسائلها؟ "شريفة مستقيمة واضحة أم دنيئة ملتوية غامضة، تعتمد على الصراحة والصدق أم على الغش والكذب والقتل…الخ ومن الطبيعي أن ترتبط الغاية والدافع والوسائل بمبادئ الشخصية وأخلاقها وتربيتها، فصاحب المبادئ المثلى غايتة ودافعه ووسائله نبيلة والعكس صحيح.

7- ما علاقتها بمن حولها؟ "من معها؟ علاقات الحب والود والوئام لاتفاق الغايات. ومن ضدها؟ علاقات الخصام والتوتر والصدام لاختلاف الغايات" وضح العلاقات من خلال الأحداث.

8- هل نجحت أم أخفقت في غايتها؟ "حدد مصير الشخصية في آخر الرواية بصورة منطقية".

9- ما العاطفة التي تثيرها في القارئ؟ "حب، إعجاب، احترام، إشفاق، نفور، غضب، كره…الخ" بين نوع العاطفة التي تريد نقلها إلى القارئ.

مرحلة التنفيذ :
ثم تأتي مرحلة التنفيذ حسب الخطوات الآتية:

1- اعرض أهم المزايا أو العيوب في نص استهلالي أو في المشاهد المسر حيه الأولى أو اعرضها بالتدريج من خلال سرد الأحداث.

2- بين أهم علاقات الشخصية مع غيرها في هذا النص أو في نص آخر يتبعه أو في المشاهد المسرحية الأولى، مع تلميح إلى اختلاف الغايات و بداية الصدام.

3- أكمل مسيرة الشخصية بنصوص أخرى تؤكد هذه المقومات وتضيف إليها، كما تبين تطور العلاقات بين الشخصيات . وتظهر وسائل الشخصية في تحقيق غايتها ومواقفها في أحداث الرواية من خلال استعمال أساليب الوصف الداخلي.(راجع ملخصا لبعض القواعد المستعملة في وصف الشخصية بداية الفصل الأول).

4- حرك عواطف القارئ نحو الشخصية أو ضدها بمشاعر الحب والإعجاب أو الاحترام أو الإشفاق أو النفور أو الغضب أو الكره بالتركيز على مزاياها أو عيوبها ومواقفها النبيلة أو الدنيئة وعواطفها وانفعالاتها السامية أو الوضيعة من خلال الوصف وسرد الأحداث.

ملاحظة : قد تتحول الشخصية من خلال تجاربها وعلاقاتها من شخصية إيجابية إلى شخصية سلبية والعكس صحيح فالشخصية الروائية كالشخصية الواقعية تتغير وتتطور وتنحرف، وتندم وتعترف بأخطائها أو تأخذها العزة بالإثم وتتمادى في غيها.

ملاحظة : يضع الكاتب لكل شخصية في الرواية مخططا، ثم يرسم بينها علاقات الوئام والصدام من خلال تطور الأحداث، واتفاق الغايات أو اختلافها، ولابد من مخطط للشخصية مهما كان دورها ثانويا في الرواية، ولكنه لا يشتمل على المقومات كلها بل على العناصر الضرورية لفهم أحداث الرواية، وكلما ظهرت شخصية جديدة في الرواية قدم لنا الكاتب أبرز ملامحها باستعمال الوصف المباشر أو أحد أساليب الوصف الداخلي.

تحويل الشخصية الحقيقية إلى روائية :
وبالطريقة نفسها نحول الشخصية الحقيقية التاريخية أو المعاصرة إلى شخصية روائية أو مسرحية بوضع مخطط نبرز فيه مزاياها أو عيوبها ونرسم علاقاتها بمن حولها، ونسلط الضوء على غاياتها ودوافعها ووسائلها، كما فعل محفوظ في رواياته الفرعونية، وشكسبير في رواياته المستوحاة من التاريخ الأوربي لتعريف شبابنا بشخصياته العظيمة ليقتدي بها، ويأخد العبرة مما حدث للشخصيات السلبية في المجالات السياسية والاجتماعية والعلمية.










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-23, 21:47   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
سطايفية بكل فخر
مشرف منتدى التقنيّة، ومنتديات الثقافة الطبيّة والعلوم
 
الصورة الرمزية سطايفية بكل فخر
 

 

 
الأوسمة
موضوع مميز العضو المميز المواضيع المميزة 2014 
إحصائية العضو










افتراضي

الفصل الثالث

من كتاب الشخصية

للكاتب عبد الله خمّار





الشخصية الجاهزة والنامية والصراعان الخارجي والداخلي
الناس معادن منها الثمين ومنها الخسيس، والتجربة هي الأتون الذي تنصهر فيه هذه المعادن ويعاد تشكيلها من جديد، فبعضها تزداد قيمته، وبعضها تزداد خساسته، وبعضها يبقى على حاله لا يتغير فيه شيئ. هناك من تسمو بهم التجارب فيخرجون منها أقوياء ونزهاء، ولو أنهم ضعفوا وأخطأوا وانحرفوا في البداية، وهناك من تدفعهم التجربة والمعاناة إلى تبرير شرورهم، وضعف نفوسهم، فيدعون أن الحياة غابة لايعيش فيها إلا الأقوياء، وساحة حرب تباح فيها كل الأسلحة ولا مكان فيها للمبادئ السامية.

والشخصيات في الرواية لاتختلف عن الشخصيات الحقيقية في تأثرها بالتجارب التي تمر بها في أحداث الرواية سلبا أو إيجابا وفي تطورها بسموها أو انحدارها، والشخصية التي نراها في ختام الرواية ليست هي نفسها التي نراها في بدايتها، والتغير الحاصل هو نتيجة هذه التجربة بخيرها وشرها، لذلك نسميها الشخصية النامية لأنها تنمو من خلال الأحداث، ولا نستطيع التنبؤ بسلوكها لأنه غير معروف أو محدد، والتجربة كثيرا ما تقودها إلى صراع داخلي بين الخير والشر أما الشخصية التي لا تتأثر بما يمر بها من تجارب في أحداث الرواية، وتظل كما هي لا تتغير في بداية الرواية ونهايتها فهي الشخصية الجاهزة لأنها ذات نمط واحد يتكرر بإستمرار.

الشخصية النامية:
ولنبدأ بهذا المثال عن الشخصية النامية:

جان فالجان (فيكتور هيغو):
"لقد كان كما سبق منا القول، جاهلا، ولكنه لم يكن أبله. كان النور الطبيعي مضاء في ذات نفسه، وضاعف البؤس، وللبؤس أيضا ضياؤه، تلك الأشعة القليلة التي أنارت عقله، ففي الأصفاد وتحت السياط، وفي حجيرة الحبس المظلمة، وفي غمرة الإعياء، وتحت شمس السجن المحرقة، وفوق الألواح الخشبية التي تشكل سرر المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة، كان يلتفت إلى ضميره ويفكر.لقد أقام من نفسه هو محكمة، وشرع يحاكم نفسه بنفسه.

لقد أدرك أنه لم يكن رجلا بريئا عوقب ظلما، لقد اعترف بأنه ارتكب عملا متطرفا يوجب اللوم، وبأنه كان من الجائز أن لا يضن عليه بالرغيف لو طلبه، وبأنه كان من الخير على أية حال لو اعتصم بالصبر في انتظار الرحمة، أو في انتظار العمل، وبأن قول المرء: "وهل استطيع أن أنتظر حتى أكون جائعا، ليس حجة على الإطلاق، وبأن من النادر جدا في المحل الأول، أن يموت المرء جوعا بالمعنى الحرفي".

البؤساء ص 154

لقد سرق جان فالجان، ومن أجل رغيف سجن وهرب من السجن وزيدت المدة حتى أصبح محكوما بالأشغال الشاقة، وأصبح في نظر القانون مجرما عريقا. ولكننا نراه هنا يحاكم نفسه بنفسه، ولا يتنصل من مسؤوليته، إنه صراع في داخله ينتصر فيه النور على الظلمة والخير على الشر. وهو لا يفتأ يفاجئنا ويدهشنا بأعماله، فمن سرقة الشمعدانات إلى التوبة النصوح على يد الأسقف، ثم اشتغاله بالصناعة ليصبح من رجالها الكبار، ويصبح اسمه العمدة مادلين، ثم يغامر بحياته ومستقبله حين رفع العربة التي رزحت فوق فوشلوفان. فشخصية فالجان ذات أبعاد متعددة، وهو يتغير ونحو الأفضل دائما، وباختصار فإن جان فالجان الذي نراه في آخر الرواية يختلف اختلافا كليا عن جان فالجان الذي رأيناه في أولها. وهذا مثال آخر عن الشخصية النامية.

تيناردييه وزوجته (فيكتور هيغو):

"من كان تيناردييه هذا و زوجته؟

سوف نجتزئ بكلمة نقولها هنا، وفيما بعد سنكمل الصورة، كانا ينتسبان إلى تلك الطبقة النغلة المؤلفة من أناس أجلاف، ارتفعت بهم الأيام، ومن أناس أذكياء هبطت بهم الأيام، والتي تقع بين ما ندعوه الطبقة الوسطى، وما ندعوه الطبقة الدنيا، والتي تجمع بعض خطيئات الثانية، إلى رذائل الأولى كلها تقريبا، من غير أن تملك حوافز العمل الكريمة، وسجايا البورجوازي الباعثة على الاحترام.

كانا من تلك الطبائع القزمة التي إذا اتفق أن مستها نار كالحة، أمست في سهولة، ذات ضخامة هائلة. كانت المرأة في أعماقها، بهيمة شرسة، وكان الرجل في أعماقه وغدا محتالا، وكان كلاهما في أعلى الدرجات، قادرا على ذلك الضرب من التقدم البشع الممكن تحقيقه في اتجاه الشر. إن ثمة نفوسا تزحف مثل عقرب الماء (السرطان) زحفا موصولا نحو الظلمة، راجعة القهقرى في الحياة، بدلا أن تتقدم فيها، مصطنعة ما تم لها من تجارب لكي تزيد تشوهها الذاتي، فكل يوم يمر بها يجعلها أكثر سوءا وأكثر انحدارا نحو الرذيلة المتكاثفة، هذا الرجل وهذه المرأة، كانا من أصحاب هذه النفوس".

البؤساء 262

هذا الوصف لتيناردييه وزوجته، يبين لنا السمة المميزة لهما وهي الشر، وإذا قرأنا رواية البؤساء نجد كل أعمالهما منذ التقائنا بهما، تقوم على الشر، وتنطوي على الخبث، في سرقة تيناردييه لأموال الجنود الأموات في ساحة المعركة وخواتمهم وساعاتهم، وفي خداع الإثنين فانتين فيما ترسله المسكينة لهم لتربية كوزيت. في محاولتهما سرقة جان فالجان والاعتداء عليه...الخ. إنهما شخصيتان انحدرتا إلى الدرك الأسفل ولم يعد بإمكانهما الصعود، لقد تغيرتا منذ بداية الرواية ولكن نحو الأسوأ دائما.

الشخصية الجاهزة التي تتحول إلى نامية:
قد نجد شخصية تظل جاهزة طيلة أحداث الرواية أو المسرحية ولكن قبل أن يسدل الستار نراها تتبدل وتصبح نامية. وهذا التبدل الذي يحدث هو تبدل درامي مفاجئ يدهشنا، ليس لأننا لا نتوقعه فحسب. بل لأنه مخالف كذلك لطبيعة الشخصية، وهذا مثال للشخصية وهي جاهزة:

المفتش جافير (فيكتور هيغو):

"كان رواقيا، جديا، كالح الوجه، كان حالما كئيبا، وكان وضيعا ومتشامخا مثل جميع المتعصبين، كانت نظرته باردة، وكانت ثاقبة مثل المخرز. كانت حياته كلها مفرغة في هاتين الكلمتين: اليقظة والمراقبة.

لقد رسم خطا مستقيما عبر أشد الأشياء التواء في العالم. كان ضميره رهن جدواه، وكان دينه رهن واجباته، وكان جاسوسا كما يكون غيره من الناس كاهنا. والويل لمن يقدر له أن يقع بين يديه ! كان خليقا به أن يعتقل أباه لوفر من سجن المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة، ويشي بأمه إذا خالفت الحكم الذي يفرض عليها الإقامة في مكان بعينه بعد الخروج من السجن. وكان خليقا به أن يفعل هذا بمثل ذلك الضرب من الارتياح الباطني الذي ينبثق من الفضيلة، كانت حياته حياة حرمان وعزلة، وإنكار ذات، وعفة؛ حياة لا تعرف اللهو البتة، كانت هي الواجب العنيد، الحقود، المستغرق في عمله كشرطي... ترصد لا يرحم، وإخلاص ضار، وجاسوس بوليسي قاس رخامي القلب".

البؤساء (1) ص 290

هذا هو جافير، لا يعرف إلا طريقا مستقيما واحدا هو القانون وما يلائم القانون، إنه لا يعرف في الواجب أباه ولا أمه، ولايتورع عن سجنهما لو خالفا القانون، والقانون في نظره هو العدل وهو الأخلاق وهو الفضيلة؟ وماذا لو أخطأ القانون؟ لا يمكن للقانون أن يخطئ في نظر جافير، ونحن نراه هكذا شخصية جاهزة، ذات فكرة محددة ثابتة وهدف واحد لا يحيد عنه وهو مطاردة من يخالفون القانون.

لذا نراه منذ البدء يطارد "جان فالجان" المحكوم بالأشغال الشاقة، ولا يكلف نفسه عناء السؤال: لماذا حوكم وسجن؟ وماهي تهمته؟ وهل هو مظلوم؟ فهو ليس قاضيا. إنه مفتش بوليس وعليه التنفيذ لا التفكير، وتثبت هذه الصورة في أذهاننا، ونتنبأ دائما بما سيفعله جافير حين نراه، فهو لا يفكر بعقله ولا بقلبه، بل يفكر من خلال بذلته وواجبه.

ويمسك المتمردون أثناء فتنة باريس بجافير، ويقيدونه، ثم يقررون قتله، ويتطوع "جان فالجان" الذي كان حاضرا بالتكفل بمهمة قتله، ويخرجه وهو مقيد، ويحدثه جان فالجان وهما في الخارج بعيدا عن المتمردين، ويستسلم جافير لقدره بشجاعة:

"وأجاب جافير: -خذ بثأرك"

وأخرج جان فالجان من جيبه سكينا، وفتحها.

وصاح جافيـــر:

- "مدية! أنت على حق، هذا يلائمك أكثر"

وقطع جان فالجان السير الجلدي المطوق لعنق جافير، ثم قطع الحبال المطوقة لمعصميه، ثم انحنى، وقطع الحبل المكبل لقدميه، ثم انتصب وقال له:

- "أنت طليق السراح"

ولم يذهل جافير في يسر. ومع ذلك، وبرغم سيطرته الكاملة على نفسه فإنه لم يستطع أن ينجو من بعض الانفعال. لقد ظل فاغر الفم جامدا لا حراك فيه".

"ومضى في سبيله في اتجاه الأسواق، وأتبعه جان فالجان بصره، وبعد بضع خطوات التفت جافير وصاح مخاطبا جان فالجان:

- "أنت توقع السأم في نفسي. ليتك قتلتني"

البؤساء (5) ص 102 ـ 103

وهذه الكلمة الأخيرة ذات دلالة، وجافير يقصدها حقا، لأن إطلاق سراحه أزعجه فقد أتى من شخص ظل يطارده من سنوات، وهاهو يظفر به ويطلقه. ولو لم يتقابل جافير وفالجان مرة أخرى لظل جافير على حاله، و لكنهما تقابلا مرة أخرى وقبض جافير على فالجان.

ويبدأ الصراع الداخلي في نفسه. طلب منه جان فالجان مهلة ليصعد إلى البيت ويرتب بعض الأمور و يعود، ونفاجأ بقبول جافير واندهش له، وفيما هو متكئ على الحاجز الواقع فوق تيارات نهر السين، كان يدور في صدره وللمرة الأولى في حياته صراع داخلي عنيف:

الصراع بين الضمير والواجب (هيغو):

"وأسند جافير مرفقيه إلى الحاجز، مطوقا ذفنه بيديه، وفيما كانت أصابعه منشبة ميكانيكيا في لحية عارضيه، أنشأ يفكر.

كان يعتمل في أعماق وجوده شيء جديد، ثورة، كارثة، وكان فيها ما يدعو إلى فحص الضمير.كان جافير يقاسي آلاما رهيبة.

فمنذ بضع ساعات وجافير في حال غير طبيعية، كان قلقا مشغول البال، وكان ذهنه الشديد الصفاء في عماه، قد فقد شفافيته، كان ثمة سحابة في هذا البلور. لقد استشعر جافير أن الواجب كان قد شرع يضعف في ضميره، ولم يكن في ميسوره أن يخفي ذلك عن نفسه، فحين التقى جان فالجان، في كثير من عدم التوقع، فوق شاطئ الـ "سين" كان في ذات نفسه شيء من الذئب، الذي يمسك بفريسته من جديد، والكلب الذي يعثر على صيده كرة أخرى.

هناك طريقان لا طريق واحد:

لقد رأى أمامه طريقين متماثلين في الاستقامة، ولكنه رأى طريقين، وقد روعه ذلك. روعه هو، هو الذي لم يعرف قط في حياته غير طريق مستقيم واحد، وكان مما أورثه الألم الممض أن هذين الطريقين كانا متناقضين. إن واحدا من هذين الطريقين الإثنين ينفي الآخر. أي الطريقين هو الطريق الصحيح؟ كانت حالته تمتنع على الوصف.

بين الواجب والدوافع الشخصية: كان الذي جندله أن يكون مدينا بحياته لشرير، وأن يرتضي ذلك الدين ويفيه، وأن يكون، بالرغم منه، على مستوى واحد مع هارب من العدالة، وأن يبادله خدمة بخدمة، وأن يجيز له أن يقول: "امض لسبيلك!" ويقول له هو، بدوره: "أنت مطلق السراح!... وأن يضحي بالواجب، تلك الفريضة العمومية، على مذبح الدوافع الشخصية، وأن يستشعر في هذه الدوافع الشخصية شيئا عموميا أيضا، وربما شيئا ساميا، وأن يخون المجتمع لكي يكون وفيا لضميره، وأن تتحقق هذه الاستحالات كلها، وأن تتراكم عليه هو.

كان شيء قد أثار دهشته: أن يكون جان فالجان قد غفر له، وكان شيء قد حجره: أن يكون هو، جافير، قد غفر لجان فالجان.

أين كان؟ والتمس نفسه، فلم يجد نفسه.

الحيـــرة:

ما الذي يتعين عليه أن يفعله الآن؟ أيسلم جان فالجان إلى السلطات؟ إن ذلك شر. أيترك جان فالجان طليقا؟ إن ذلك شر أيضا. ففي الحال الأولى يهبط رجل السلطة إلى أحط من درك الرجل المحكوم عليه بالأشغال الشاقة، وفي الحال الثانية يرتفع الرجل المحكوم عليه بالأشغال الشاقة إلى مستوى أعلى من مستوى القانون ويدوسه بقدمه، وفي كلتا الحالين عار عليه، هو جافير. وأيا كانت الطريق التي سيسلكها فثمة زلة. إن للأقدار بعض الحدود القصوى المتحدرة على المستحيل، والتي لا تعدو الحياة أن تكون وراءها، هوة ليس غير، كان جافير قد بلغ واحدا من تلك الحدود القصوى.

البؤساء (5) ص 234

لقد رأى جافير وللمرة الأولى طريقين مستقيمين لا طريقا واحدا، ورأى أن القبض على جافير يعد شرا مثل إطلاق سراحه، وبهذا أصبح جافير شخصية نامية يعاني من الصراع الداخلي ويفكر ويختار، ولكنه مع ذلك لم يختر أحد الطريقين بل اختار طريقا ثالثا هو الهروب من المواجهة.

الانتحار:

"وكان الموطن الذي اتكأ جافير عنده، كما يذكرالقارئ، واقعا فوق تيارات السين تماما، على خط عمودي فوق تلك الدوامة الرهيبة التي تنحل ثم تنعقد ثانية مثل لولب لا نهاية له.

"وفجأة رفع جافير قبعته ووضعها على حافة الرصيف، وبعد لحظة بدا واقفا على الحافة شكل أسود كان خليقا بعابر سبيل متأخر أن يحسبه عن بعد شبحا من الأشباح. وانحنى ذلك الشكل نحوالـ "سين" ثم انتصب وسقط في الظلمات على نحو عمودي، وسمع هدير موج خافت. وكان الظلام وحده في مكنون تشنجات ذلك الشكل المربد الذي اختفى تحت الماء".

البؤساء (5) 250

لقد كان جافير خلال أحداث الرواية كلها شخصية جاهزة وتحول في أواخرها إلى شخصية نامية، ولكن توازنه اختل، ورؤيته تضببت، ولم يستطع احتمال هذا التغيير، واختار الانتحار، في اللحظة التي حدث له هذا التغيير.

الشخصيات التي مرت بنا: أما الشخصيات التي مرت بنا في حديثنا عن بناء الشخصية، فكلها شخصيات نامية بدءا من حميد سراج ذي الصفات القيادية والتجربة الكبيرة إلى مكبث الذي غيره طموحه نحو الأسوأ فأصبح سفاحا يسفك الدماء، ومرنرع الذي اعترف بأخطائه،ومصطفى سعيد الذي تحول من محاضر في إحدى الجامعات الإنجليزية إلى مزارع في السودان، فهذه الشخصيات كلها نراها مختلفة في نهاية الرواية عنها في بدايتها، إنها تنمو وتتغير ولكن نحو الأحسن أحيانا كحميد سراج الذي اكتسب خبرة وازداد عزما وتصميما، ومصطفى سعيد الذي حاول التلاؤم مع مجتمعه أو نحو الأسوأ مثل مكبث ومرنرع الثاني، وتيناردييه وزوجته.

ولاشك أن براعة الكاتب تكمن في خلق الشخصيات النامية وإظهار التغيرات والتطورات التي أصابتها، وإبراز معاناتها وتعرضها إلى الصراع الداخلي وانتصارها أو انهزامها أما الشخصيات الجاهزة فيمكن وصفها في عبارة واحدة. وليس من الضروري أن تكون شخصيات الرواية كلها نامية فكثير من الروائيين يلجأ إلى خلق الشخصيات الجاهزة إذا لم تكن رئيسية، وليست معنية بالتجارب التي توفرها الأحداث، كشخصية الطبيب أو الممرضة ذات البعد الواحد، حيث لانرى إلا وجهها الإنساني المضحي براحته دائما من أجل المرضى، أو شخصية ضابط الشرطة الذي يلاحق المجرمين ليل نهار ويسهر على أمن المواطنين دون كلل أو ملل، وشخصية الإمام الذي يمثل الفضيلة دائما ويعظ ويرشد زاهدا في متاع الدنيا، أما إذا أصبحت إحدى هذه الشخصيات محورية أو أساسية في الرواية، فلابد أن نرى وجوهها المتعددة، فنرى في الطبيب مثلا وجهه الإنساني وجهه الآخر المادي أو المصلحي ونرى أهواءه ونزعاته وصراعاته الداخلية، وفي ضابط الشرطة الصراعات الداخلية التي يتعرض لها نتيجة للضغوط الأسرية والاجتماعية والوظيفية... وهكذا.

يجدر بنا التذكير بأن أبطال كثير من الروايات هم من الشخصيات الجاهزة كأبطال بعض من روايات ديكنز ومنها "أوليفر تويست" مثلا، و لايقوم البناء القصصي في هذه الروايات على نمو الشخصيات وتطورها بل على تطور الأحداث، حيث تمثل بعض هذه الشخصيات الجاهزة الخير وبعضها يمثل الشر ويجري الصراع بينهما لينتصر الخير في النهاية، ومن البديهي أن هذه الروايات تحفل بالصراع الخارجي ولا يوجد فيها صراع داخلي.

الشخصية الجاهزة في الكوميديا:
وكثيرا ما تستعمل الشخصية الجاهزة أو النمطية في الروايات أو المسرحيات الفكاهية، ولكي نقرب هذه الشخصية إلى الأذهان نأخذ مثالا عنها من الجزائر شخصيات "بوبقرة" الذي يمثل نمط الريفي الساذج، و"موح باب الواد" الذي يمثل فتوات الأحياء القديمة في العاصمة، و"قاسي تيزي وزو" و"قريقش" و"المفتش الطاهر" ومساعده والشخصية الرائعة التي خلقها الرحابنة "سبع" في لبنان وهي شخصية الساذج الأهوج الذي يخفق دائما في الحب، وشخصية "غوار الطوشة" و"حسني البورظان" و"أبو صياح" في سوريا، وشخصية "أبو لمعة الأصلي" و"كشكش بيه" والعمدة الصعيدي "عبد الرحيم بيه" وابنه "عبد الموجود" في مصر، وغيرها في البلاد العربية الأخرى وأنا لا أتحدث عن الممثلين الذين يقومون بهذه الأدوار فكلهم ممثلون كبار ومحترفون، ولكن أتحدث عن هذه الشخصيات النمطية الجاهزة، التي يحبها الجمهور ويضحك معها وعليها لسذاجتها وطيبتها، وتكرارها للحركات والكلمات نفسها أحيانا. وتكرار جملة أو لازمة مثير للضحك كما نعلم. وكثير من الممثلين يخافون من هذه الأدوار لأن الجمهور إذا تعود عليهم فيها، لا يريد أن يراهم إلا من خلالها فيظلون حبيسين فيها.

الصراع الخارجي:
يتمثل الصراع الخارجي في تنازع المصالح والأهواء والعواطف، وكثيرا ما تكون أسبابه السعي إلى الفوز بإحدى "السلطات الثلاثة": كرسي الحكم والمال والجمال، فسعي مكبث من أجل كرسي الحكم دفعه إلى القتل والصراع مع خصومه، وصراع فرعون مع الكهنة كان من أجل المال والجمال. وسعي تينادرييه وزوجته وصراعهما مع جان فلجان وغيره كان وراءه المال. وهناك أسباب أخرى، مثل كفاح حميد سراج والشعب الجزائري من أجل الحرية التي لاتقدر بثمن، وصراع المفتش جافير ممثل القانون مع الخارجين عنه، والصراع بين الخير والشر، وبين المبادئ والمصالح في كثير من الروايات. وكل أسباب الصراع هذه سببها اختلاف الغايات بين الشخصيات في الرواية أو المسرحية.

الصراع الداخلي:
أما الصراع الداخلي، فهو ذاك الذي يحدث داخل النفس البشرية، بين دافعين متناقضين، كل واحد منهما يدفعها في طريق، فتكون أمام اختيار صعب، وامتحان عسير. وقد يكون الدافعان واجبين كما رأينا عند جافير: واجبه نحو وظيفته وواجبه نحو من أنقذه، أو بين الواجب والعاطفة أو يكون الصراع بين عاطفتين، أو بين المبادئ والمصالح، وللصراع الداخلى دور هام في بناء الشخصية، وتطور الأحداث فيها فنتيجته حاسمة بالنسبة إلى الشخصية حيث تسمو نتيجة هذا الصراع بها نحو الأعلى أو تنحدر بها نحو الهاوية حسب ما اختارته لنفسها.

1- الملكة نيتوقريس (نجيب محفوظ): غيب الباب الوزير، ووجدت الملكة نفسها وحيدة في البهو الكبير، فأسندت رأسها المتوج إلى ظهر العرش، وأغلقت جفنيها، وتنهدت تنهدا عميقا، صعد أنفاسا حارة مكتوية بحرقة الحزن والألم، فلشد ما تتصبر وتتجلد، حتى أن أدنى الناس إليها لا يدري بألسنة اللهيب التي تحترق بها أحشاؤها بغير رحمة...

وقد ظلت تطالع الناس بوجه هادئ يكتنفه الصمت كأبي الهول.

وما كانت تجهل من الأمر شيئا، فقد شاهدت المأساة من بدء فصولها، ورأت الملك يتردى في الهاوية، ويذهب فريسة لهواه الجامح، ويهرع إلى تلك المرأة -التي شاد بحسنها كل لسان- لا يلوي على شيء وأصابها سهم سام في عزة نفسها وسويداء عواطفها، ولكنها لم تبد حراكا، ونشب في صدرها صراع عنيف بين المرأة ذات القلب، والملكة ذات التاج، وأثبتت التجربة أنها كأبيها قوية الشكيمة، فصهر التاج القلب، وخنقت الكبرياء الحب، فانطوت على نفسها الحزينة سجينة خلف الستائر، وهكذا خسرت المعركة، وخرجت منها مهيضة الجناح، وما رمت عن قوسها سهما واحدا".

رادوبيس ص 444

2- مديرة ملجأ الأيتام "تشارلز ديكنز": "إن ما قيمته سبعة بنسات ونصف بنس من الطعام ليشكل غذاء صالحا كاملا لطفل لما يشب بعد عن الطوق. ففي ميسور هذه السبعة بنسات ونصف البنس أن تكفل للطفل أشياء كثيرة كافية لأن تثقل معدته، وتوفر له اسباب الرفاهية.

وكانت الأنثى العجوز امرأة، ذات حكمة وخبرة: كانت تعرف ما الذي ينفع الأطفال، وكانت تدرك إدراكا جد دقيق ما الذي ينفعها هي. وهكذا سخرت القسط الأعظم من الجعل الأسبوعي لمصلحتها هي، وأسلمت الجيل "الأبرشي" الصاعد إلى حياة أشد ضنكا من تلك التي حددت له في الأصل، موجدة بذلك وراء الدرك الأسفل دركا أشد إمعانا في السفلية، ومقيمة الدليل على أنها فيلسوفة عملية من الطراز الأول.

والناس كلهم يعرفون قصة ذلك الفيلسوف العملي الآخر الذي كانت له فلسفة عظيمة تقول بأن في إمكان الفرس أن تحيا من غير طعام، والذي أثبت صحة فلسفته هذه بأن قصر غذاء الفرس على قشة واحدة في اليوم الواحد، وكان خليقا به من غير ريب أن يجعل من فرسه حيوانا مفعما بالنشاط والحيوية من غير أن يقدم إليها أي طعام البتة لو لم تمت قبل أربع وعشرين ساعة من تناولها أول جراية موفورة من الهواء النقي خصصت لها. ومن سوء طالع الفلسفة العملية الخاصة بتلك الأنثى التي عهد بأوليفر تويست إلى رعايتها الوافية أن تطبيق نظامها هي كانت تلازمه في العادة نتيجة مماثلة.

إذ ما أن يناضل طفل للاحتفاظ برمقه، في رعايتها، على أصغر جزء ممكن من أهزل طعام ممكن، ويوفق إلى ذلك حتى يحدث -وياللتمرد الجموح! في كل ثماني حالات ونصف من أصل عشر حالات. واحد من أمرين: إما أن يلم به السقم بسبب من الحرمان والبرد. أو يقع في النار بسبب من الإهمال أو يختنق نصف اختناق مصادفة واتفاقا. وفي كل من الحالات على تنوعها كان المخلوق الصغير البائس يدعى، عادة، إلى عالم آخر لكي يجمع إلى آبائه وأجداده الذين لم يعرفهم في هذه الدنيا البتة".

أوليفر توسيت (1) ص 8


منتديات مجلة المزيونة خياطة ستوب الالكتروني عالم الجن منتدى كتب الكترونية بنك المعلومات خدمات حكومية بحوث علمية تحاضير عروض بوربوينت قصائد خواطر مقالات قصص منتدى الطب التداوي بالاعشاب تطوير الذات ريجيم منتدى حوامل الحياة الزوجية رياض الاطفال كروشية خياطه ازياء تسريحات مكياج العناية بالبشرة الطبخ مقبلات حلويات ديكور تصاميم معمارية اثاث عالم الحيوانات تغريدات صور انمي
#11
January 17, 2012, 11:48 AM
حنان عبدالرحمن





الفصل الرابع

من كتاب الشخصية

للكاتب عبد الله خمّار



دراسة الشخصية الروائية

كيف ندرس الشخصية :

دراسة الشخصية هي أن نقوم بعكس ما يفعله الكاتب تماما، فالكاتب يضع أساس عناصر شخصيته ثم يبنيها ويربطها بالرواية ربطا عضويا، ونحن نحاول تفكيك هذا البناء إلى عناصره الأولية من خلال النصوص. وكما قلنا سابقا : الدراسة فحص وتحليل، ونحن نفكك البناء إلى عناصره لنستطيع فهمه .

لابدّ للطبيب النفسي من أن يستعرض مقومات شخصية مريضه، ومسيرة حياته منذ الصغر ليحدد العامل أو العوامل التي أدت إلى اختلاف الشخصية أو انحرافها، وإن دارس السيرة لابد أن يقوم بنفس العمل ليعرف سر عبقرية صاحب السيرة والعامل أو العوامل التي أدت إلى نبوغه. فالخطوة الأولى إذن هي التحليل والثانية هي التعليل، ونحن سنقوم بالعمل نفسه حيث نحلل الشخصية إلى مقوماتها الأساسية، ثم نقيمها تقييما اجتماعيا معللين سلوكها الإيجابي أو السلبي، ولابد إذن من وضع مخطط واضح يتضمن الخطوتين.

مخطط دراسة الشخصية:

ومخطط الدراسة الذي نقترحه لأحد أبطال إحدى الروايات، أو أحد شخوصها الثانوية هو:

أ‌-تحليل شخصيته: بالإجابة عن الأسئلة الآتية:

1-من هو؟ استخلاص مقوماته الجسمية والنفسية والاجتماعية:

أولا: مظهره الخارجي (الجسم والثياب).

ثانيا: تكوينه النفسي والاجتماعي:

أ‌- نشأته وبيئته، ب- ذكاؤه، ج- ثقافته،

د- الجانب الانفعالي الوجداني: I- مزاجه،

ii- انفعالاته، iii- عواطفه، vi-طباعه وسلوكه.

2-ماذا يريد؟ غايته في الرواية، وهل هي سامية أم دنيئة؟

3-ما دوافعه؟ هل هي نبيلة أم وضيعة؟

4-ما وسائله؟ هل هي شريفة وواضحة أم حقيرة وملتوية؟ عرض أهم مواقفه وأعماله في الرواية.

5-ما طبيعة علاقاته بمن حوله؟ علاقات الوئام والانسجام أو التوتر والصدام بسبب توافق الغايات أو اختلافها.

ب- تقييمه الإجمالي:

1-تقييم الأعمال التي قام بها في الرواية وأثرها في بناء أو هدم المجتمع.

2-تحديد نوع الشخصية بناء على العنصر السابق. هل هي بناءة أو هدامة؟ إيجابية أو سلبية؟

3-تحديد دور الفرد ودور المجتمع من خلال الأسرة والمدرسة والبيئة والظروف المشجعة أو المعيقة وإبراز فضله في الأعمال العظيمة، ومسؤوليته عن الأعمال السيئة وهل هو جان أم ضحية.

4-إبراز رسالة الكاتب وهدفه من خلق الشخصية.

مرحلة التنفيذ:

وعند تنفيذ هذا المخطط نتبع الخطوات الآتية:

1- جمع المعلومات عن الشخصية المدروسة، ورصد كل ما قامت به من أقوال وأفعال، وما كتبته من رسائل ويوميات، وكل ما قيل عنها. والمعلومات كلها موجودة بين دفتي الرواية، فليست هناك صعوبة في جمعها.

2-تصنيفها وتنظيمها وتبويبها وفق العناصر الواردة في تحليل الشخصية: المقومات-الغاية-الدوافع-الوسائل من خلال الأعمال والمواقف.

3-كتابة الموضوع وذلك بتلخيص المقومات في فقرة دون حاجة للاستشهاد، والغاية والدوافع في فقرة وأعماله في الرواية في فقرتين، وعلاقاته بمن حوله في فقرة واحدة أو فقرتين مع بعض الاستشهادات المختصرة.

4-كتابة التقييم الإجمالي للشخصية بناء على القناعة المستنتجة من تحليلها مع بعض الاستشهادات المختصرة.

5-بدء الموضوع بمقدمة تعرف باسم الشخصية واسم الرواية واسم الكاتب (ينصب الاهتمام في هذا الموضوع على التعريف بالشخصية الروائية، أما التعريف بالكاتب فيتم في حصة دراسة الشخصية الحقيقية).

التقييم الإجمالي للشخصية:

ونتوقف قليلا عند التقييم الإجمالي للشخصية، فهو أهم عنصر في الدراسة لأن العناصر الأخرى إن هي إلا تصنيف وتبويب للمعلومات الواردة في الرواية، أما التقييم، فهو الحكم على الشخصية من خلال المعطيات الموجودة لدينا، ونحن في موقف القاضي. فلدينا من جهة أعمال هذه الشخصية التي قامت بها خلال الرواية، ومن جهة أخرى لدينا عوامل مختلفة، قد يكون أحدها أو بعضها مسؤولا عن هذه الأعمال الجليلة أو الدنيئة، وهذه العوامل هي:

1-البعد الجسمي.

2-البعدان النفسي والاجتماعي:

أ- النشأة والتربية. ب- الذكاء. جـ- الثقافة. د- المزاج والانفعالات والعواطف. هـ- الطباع. و- الظروف المحيطة بالشخصية.

فهذه مجتمعة هي التي تكون الفرد تكوينا صالحا أو طالحا. وجزء منها كما هو واضح وراثي فطري، وجزء منها تتعهده الأسرة والمجتمع.

وهذه العوامل التي ذكرناها هي التي تحدد غاية الشخصية ودوافعها ووسائلها، فالنشأة الطيبة، والتكوين الجيد، والطباع الحميدة لا يمكن أن تنتج شخصية لها غايات أو دوافع أو وسائل دنيئة، إلا إذا أحاطت بها ظروف قاهرة غلبتها على أمرها.

الظروف المحيطة بالشخصية:

ونعني بها عوامل خارجية عن نطاق الشخصية، فقد يكون أحد العوامل تحريض أشخاص آخرين في المسرحية والرواية أو إغواؤهم الشخصية على اتخاذ موقف هام أو سلوك مسلك خاطئ. وقد يكون العامل الظروف المادية الصعبة المحيطة برب الأسرة الذي يحتاج إلى إطعام الأفواه الجائعة والتي قد تدفعه إلى الاختلاس، والظروف النفسية التي تحيط بامرأة مطلقة تدفعها إلى الزواج بأول طالب أو إلى الانحراف. والظروف الاجتماعية المحيطة بالعاطل عن العامل والذي يجد أبواب العمل لا تفتح إلا بمفاتيح الرشوة والمحسوبية... وهكذا يجب في تقييم الشخصية أن نضع هذه الظروف في الحسبان لنعرف تأثيرها الإيجابي أو السلبي على الشخصية.

وإذا أردنا أن نستشهد على ذلك بما مر بنا، نستعرض مثالين: حميد سراج ومكبث، وقد كانت ظروف حميد سراج صعبة من ملاحقة الشرطة له إلى اتهامه وسجنه ثم تعذيبه ونفيه إلى الصحراء. وهذه الظروف الضاغطة التي يمكن ان تثني بعض الناس عن غايتهم، لم تثبط من عزمه وظل صامدا نفسيا مؤمنا بمبادئه التي ناضل من أجلها، لذلك حين نقيمه نأخذ في الحسبان تعرضه لهذه التجربة المريرة فيزيد ذلك من وزنه، ويرفع ذلك من قدره في تقييمنا له.

وأما مكبث فقد كان للعوامل الخارجية تأثير كبير على ما قام به من عمل، ولا يعني هذا أنه لا يتحمل وزر أعماله، فبذرة الطموح كان لها وجود في نفسه، ولكنها كانت نائمة فأيقظتها الساحرات، وتعهدتها زوجته ليدي مكبث بالرعاية والسقاية حتى آتت أكلها. ولو لم تظهر الساحرات لظل مكبث بطلا شجاعا مستقيما، ولو لم تشجعه ليدي مكبث على سلوك طريق الشر والقتل والخيانة لما حدث ما حدث، لذلك فإن الساحرات وليدي مكبث يتقاسمن المسؤولية معه، دون أن ينقص ذلك من مسؤوليته عن جرائمه شيئا، فهن المحرضات وهو المنفذ. وربما يشعر القارئ مع ذلك بأنهن المجرمات الحقيقيات، ومكبث كان مجرد دمية تحركت بإرادتهن. أو ربما يشعر أن جريمته أكبر لأنه لم يكن جاهلا ولا غبيا فمسؤوليته أعظم من مسؤوليات الساحرات وزوجته لأنه المنفذ الفعلي.

مسؤولية القارئ:

ومهما يكن من أمر فللقارئ الدارس أن يستنتج ما يريد، ويقيم الشخصية كما يراها هو، ولكن من خلال المعطيات الموجودة لديه، فهو القاضي وعليه أن يقرأ ملف الشخصية بإمعان، ويحدد مسؤولية كل من الشخصية والأسرة، ثم المجتمع، وكذلك مسؤولية الأشخاص الآخرين في العمل الذي تقوم به الشخصية سلبا أو إيجابا ثم يصدر الحكم.

نموذج للدراسة:

ونقترح الآن نموذجا مدروسا لشخصية محجوب عبد الدائم في رواية "القاهرة الجديدة" لنجيب محفوظ.

مخطط الدراسة:

أ‌-تحليل شخصيته

1-من هو محجوب عبد الدائم؟ مقوماته (تلخص فيما بعد في فقرة واحدة): أولا: بعده الجسمي. ثانيا: بعداه النفسي والاجتماعي: أ- نشأته وبيئته، ب- ذكاؤه، جـ- ثقافته، د-الجانب الانفعالي الوجداني: I-مزاجه، ii - انفعالاته، iii – عواطفه، iv – طباعه.

2-ماذا يريد؟ غايته في الرواية.

3-ما دوافعه؟

4-ما وسائله؟ من خلال أعماله ومواقفه في الرواية.

5-ما طبيعة علاقاته بمن حوله؟

ب-تقييمه الإجمالي:

وسوف نتحدث عن مقوماته وغايته ودوافعه بشيء من التفصيل، أما الوسائل فسنتحدث عنها دون ذكر الأعمال والمواقف لضيق المجال. كما نورد نموذجا واحدا من علاقاته، وهو علاقته بوالديه، وسنورد كل ذلك ملخصا في الموضوع النموذجي المقترح.

الخطوة الأولى: جمع المعلومات وتصنيفها حسب المخطط السابق:

أولا- بعده الجسمي (مظهره الخارجي):

لم يكن محجوب عبد الدائم وسيما، وكان جحوظ عينيه يجعله أقرب إلى الدمامة دون أن يصل إلى حد القبح.

"كان محجوب عبد الدائم كمأمون رضوان- طولا ونحافة، إلا أنه شاحب مفلفل الشعر، يميز وجهه جحوظ عينيه العسليتين، وصعود شعيرات حاجبيه إلى أعلى، هذا إلى نظرة متقلبة يوحي بريقها بالتحدي والسخرية، ولم يكن به كصاحبيه جمال، ولم يكن بقسماته كذلك قبح منفر".

القاهرة الجديدة ص. 732



أما عمره فكان كأقرانه يقارب الرابعة والعشرين:

"كانوا من طلبة الليسانس يشارفون الرابعة والعشرين، وتلوح في وجهوهم عزة النضوج والعلم".

ص. 718

وكانت ثيابه تنم عن فقره، وهاهو عندما يزور أسرة أحد أقربائه الميسورين "حمديس بك" يفكر في أن ثيابه المزرية ستلفت نظرتهم:

"وأيقن أنه لن تخفى عليهم رثاثة هيئته، ولكنه تلقى هذه الحقيقة بالاستهانة".

ص. 757

ثانيا- بعداه النفسي والاجتماعي (الوصف الداخلي):



أ- بيئته:



وقد نشأ في بلدة القناطر، وكان أبواه طيبين ولكنهما لم يتمكنا من القيام بواجبهما في تربيته.



أما أمه فكانت :

"تحب ابنها حب عبادة، وقد تضاعف هذا الحب بعد وفاة شقيقتيه في ميعة الصبا، ولكنها لم تترك أثرا يذكر في تكوينه وتربيته، وكانت لا تجد في حياتها من تكلمه فعاشت كالبكم في صمت و جهالة".

ص 742



وأما أبوه فكان :

"يواصل العمل في الشركة من الصباح حتى ما بعد العشاء، يهرع بعد ذلك إلى حلقات الأذكار حتى منتصف الليل، فكان لا يكاد يرى ابنه وكان رجلا مجدا دؤوبا مخلصا لبيئته، وصورة منها، لا يشذ عنها في شيء"

"وكان كزوجه لا يكاد يعرف الراحة، فلم يهنأ بحياته الزوجية، واقتصرت رعايته لابنه على إلزامه القيام ببعض فرض دينه مستعينا بالعصا في أحايين كثيرة، لذلك نشأ محجوب على خوف أبيه وانطلق إلى الشارع الذي أتم تربيته وتكوينه، و لذلك كانت صلته بوالديه واهية باهتة".

ص 742

وقد أهمل أبواه تربيته جهلا لا تقصيرا مبعثه الأنانية والاستهتار لذلك تولى الشارع تنشأته وتربيته:

"فهو مدين بنشأته للشارع والفطرة، كان والداه طيبين جاهلين، ولظروفهما الخاصة، أتم تكوينه في طرق البلدة "القناطر". وكان لداته صبية اشرار ينطلقون على فطرتهم بلا وازع ولا تهذيب، فسُبَّ وقذف واعتدِيَ عليه، وتردى إلى الهاوية، ولما انتقل إلى جو جديد ـ المدرسة، أخذ يدرك أنه كان يحيا حياة قذرة، وعانت نفسه مرارة العار والخوف والقلق والتمرد، ثم وجد نفسه في بيئة جديدة، طالبا من طلاب العلم بالجامعة، ورأى حوله شبانا مهذبين يطمحون إلى الآمال البعيدة". ص. 733

ب- ذكاؤه:

وقد كان محجوب ذكيا يدل على ذلك وصوله إلى الجامعة وتخرجه منها في عهد كانت فيه حكرا على قلة قليلة من الطلبة المتفوقين، ويقارن الكاتب ذكاءه بذكاء سالم الإخـشيدي ابن قريته، والموظف الكبير:

"وربما كانا لا يختلفان اختلافا جوهريا في شيء فهما في الذكاء سواء".

ص. 738

جـ- ثقافته:

نتعرف عليه وقد قارب التخرج من كلية الآداب فثقافته جامعية إذن، ونعرف أنه كان ملما باللغات وذلك حين ذهب إلى الإخـشيدي طلبا لمساعدته المادية، فسأل :

"-هل تجيد الفرنسية أو الإنجليزية؟

وشعر محجوب بخيبة رجاء لأنه كان يتوقع شيئا غير هذا السؤال، ولم يدر ما حكمة توجيهه إليه، ولكنه أجاب قائلا:

-نعم أجيدهما"

ص. 765

وأرسله الإخشيدي إلى مجلة "النجمة" فقام بترجمة بعض الأعمال لقاء أجر:

"وكلفه الرجل بترجمة بعض المختارات نظير أجر خمسين قرشا في الشهر" ص.773

كما أننا نتعرف على شيئ من ثقافته من خلال معرفته بآراء الفلاسفة وعلماء الاجتماع:

"فهو يعجب بقول ديكارت: "أنا أفكر فأنا موجود".

ص. 732

"ويعجب كذلك بما يقوله الاجتماعيون من أن المجتمع خالق القيم الأخلاقية والدينية جميعا".

ص. 732

فهو إذن مطلع على ثقافة عصره ، ويحسن ثلاث لغات.



د- الجانب الانفعالي الوجداني:

I - مزاجه:

كان من أصحاب المزاج الغضوبي ذوي الانفعالات السريعة والعنيفة:

"ثم غلبته موجة غضب مفاجئة، فاحمر وجهه الشاحب، واضطربت أرنبه أنفه، فود لو يستطيع أن يقذف القاهرة بأحجار الأهرام الهائلة، وتحركت قدماه ومازال يأكله الغضب".

ص. 772

ii- انفعالاته:
وكان إذا غضب يكور قبضته معبرا عن استيائه وسخطه:

"وقد ثار بخوفه وكور قبضته غاضبا"

ص. 850

ولا أدل على مزاجه الغضوبي العصبي من تلك المقارنة بينه وبين سالم الإخشيدي:

"وهما في الأخلاق أو عدم الأخلاق سواء، ولكنهما جد مختلفين في الأعصاب: فسالم الإخشيدي يزن كلامه وزنا دقيقا، ولم يعرف عنه أنه مس مبدأ من المبادئ أو خلقا من الأخلاق بكلمة سوء، أما محجوب فعلى حذره سخر من كل شيئ".

ص . 738

iii - عواطفه:

من الطبيعي أن يكون صاحب المزاج الغضوبي عاطفيا، وقد كان محجوب كذلك ولكن عواطفه لم تنصب على الحب بقدر ما انصبت على الكره والحقد، أما الحب فلم يكن يحب إلا نفسه:

"وطحنه الجوع طعنا، واشتد هزاله، وشحوب وجهه، حتى خاف على نفسه التي يحبها أكثر من الدنيا جميعا، أو التي يحبها وحدها دون الدنيا جميعا". ص. 753

وكانت عاطفته نحو أبويه غريبة عجية:

"وإذا أخفق في الحصول على وظيفة فالجوع لن يتهدده وحده هذه المرة ولكن يهدد والديه معه، وهو لا يشفق عليهما بقدر ما يشفق من مضايقتهما له، فما العمل؟". ص. 774

ولم يكن يستطيع أن يحس نحو أي امرأة بالحب، لأنه لا يستطيع أن يسمو إلى هذه العاطفة النبيلة: فإحسان شحاتة كانت تثير شهوته وليس حبه، و"تحية" ابنة "حمديس بك" قريبه الغني أيقظت لديه عواطف إعجاب ممزوجة بالرغبة في السيطرة عليها:

"وقد سعرت عواطفه وهيجت طموحه، بيد أنها لم تثر شهوته كما فعلت إحسان، ولا أيقظت في نفسه عاطفة سامية، فلا عهد له بالعواطف السامية ، ولكن حركت به إعجابا مقرونا بالحنق، ورغبة ممزوجة بالتحدي، فشعر في أعماقه بنزوح قاس إلى السيطرة عليها".

ص.757

أما الحقد فلديه منه ما يكفي الناس جميعا، و هاهو وقد امتلأ قلبه بالحقد من جراء الغيرة والحسد حين مشاهدة مأمون رضوان ثم علي طه وخطيبته:

"وكان يرقب الطريق من نافذته، فرأى مأمون رضوان وهو يغادر الدار في مشيته العسكرية، ولاحظ إيماءة الهوى بشرفة الدار الصغيرة القديمة ثم رأى العاشقين الشابين "علي وإحسان" يوافي أحدهما الآخر إلى شارع رشاد باشا، وشيع كل واحد منهم جميعا بـ "طظ" مفعمة سخرية وحقدا ، فسخريته تضمر دائما حقدا".

ص. 731



iv - طباعه:

كان أنانيا شهوانيا طموحا يدفعه طموحه أو فلنقل جشعه إلى السخط على واقعه والعمل على تغييره بكل الوسائل ومع ذلك فقد كان واثقا من نفسه جسورا أو جريئا أو فلنقل صفيقا في تحقيق مآربه.

ولأنه لم يحب إلا نفسه كما رأينا، ولا عهد له بالعواطف السامية فقد كانت لذائذه حسية:

"وراح - وهو يتناول طعامه -يذكر ما يقال عن سير متصوفي الهنود، وعجب كيف يقاومون الجوع تلك المقاومة الخارقة، وكيف يصبرون علىآلام ذلك الصبر المر، ويجدون في هذا وذاك لذة عالية! رباه.. لشد ما احتارت هذه الكلمة البديعة "اللذة" بين أمزجة البشر! أما هو فلذاته بينة، وحرمانه بين كذلك".

ص. 752

وأول هذه اللذات: الطعام:

"وكان بطبعه عظيم الشهية يتناول في إفطاره صحيفة فول ورغيفا غير البصل والمخلل".

ص . 750

وهو لا يرى في المرأة عموما إلا اللذة الحسية:

"وقد رأى إحسان شحاتة، وطالما أثارت بركان شهوته، رآها - كما يرى أي امرأة أخرى - صدرا وذراعا وساقين"

ص. 732

وكان سخطه يشمل كل شيء في حياته فهو غير راض عن شكله وخلقته ووالديه الفقيرين، وتمنى لو كان ابن أحد أقربائه الأغنياء:

"لماذا قدر له أن يولد في ذلك البيت؟ وما ذا ورث عن والديه سوى الهوان والفقر والدمامة؟ اليس من الظلم أن يرسف في هذه الأغلال قبل أن يرى النور؟ ولو كان ابن حمديس بك مثلا، لكان له جسم غير هذا الجسم ووجه غير هذا الوجه، وحظ غير هذا الحظ، ولذاق الطمأنينة والسلام".

ص. 744

وكان يكره كل شاب وسيم أنيق لأنه يشعره بالنقص ويذكره بدمامته :

"أما فاضل فشاب أنيق جميل ، نبيل المنظر ، فكرهه من النظرة الأولى لأناقته وجماله ونبله".

ص. 756

أما علي طه فهو يحسده ليسر حاله وجماله ، وحب خطيبته إحسان شحاتة له:

"ولعل إنسانا ما لم يثر حسده كما يثيره هذا الشاب الجيمل الموفق"

ص. 736

2-غايته:

وغايته تحددها لنا بوضوح فلسفته في الحياة:

"كان صاحب فلسفة استعارها من عقول مختلفة كما شاء هواه، وفلسفته الحرية كما يفهمها هو، وطظ أصدق شعار لها، وهي التحرر من كل شيئ؛ من القيم والمثل والعقائد والمبادئ ، من التراث الاجتماعي عامة! وهو القائل لنفسه ساخرا: "إن أسرتي لن تورثني شيئا أسعد به فلا يجوز أن أرث عنها ما أشقى به!" وكان يقول أيضا: "إن أصدق معادلة في الدنيا هي: الدين + العلم + الفلسفة + الأخلاق = طظ".

ص. 732

وكان لا يعد نفسه شريرا لأنه لا يؤمن أصلا بالخير والشر:

"إنه ينكر الخير والشر معا، ويكفر بالمجتمع الذي صنعهما، ويؤمن بنفسه فقط. يوجد لذيذ ومؤلم، ونافع وضار، أما خير وشر فمحض وهم باطل".

ص. 852

فهو لم يتأثر بعلي ومأمون رضوان وأحمد بدير، ولم يقتد بهم في سلوكهم أو يؤمن بمثلهم العليا، بل اختار طريقا مغايرا تماما، طريقا شقه من قشور الفلسفة، لا لبابها:

"ولكنه عثر كذلك على نزعات غريبة وآراء لم تدر له بخلد. عثر على موضة الإلحاد والتفسيرات التي يبشر بها علماء النفس والاجتماع للدين والأخلاق والظاهرات الاجتماعية الأخرى، و سر بها سرورا شيطانيا، وجمع من نخالتها فلسفة خاصة اطمأن بها قلبه الذي نهكه الشعور بالضعة، لقد كان وغدا ساقطا فصار في غمضة عين فيلسوفا"

ص 733

و كان يرى أن:

"من الجهالة والحمق أن يقف مبدأ أو قيمة حجر عثرة في سبيل نفسه وسعادتها".

ص 732

وغايته الوحيدة في حياته :

"اللذة و القوة بأيسر السبل والوسائل، ودون مراعاة لخلق أو دين أو فضيلة".

ص. 732



3- الدافع:

ومن الطبيعي أن يكون دافعه أنانيا محضا، وهو حب نفسه إلى درجة المرض:

"فهو يعجب بقول ديكارت: "أنا أفكر فأنا موجود". ويتفق معه على أن النفس أساس الوجود، ثم بعد ذلك إن نفسه أهم ما في الوجود وسعادتها هي كل ما يعنيه". ص. 732

4- الوسيلة:

وهو انتهازي ووصولي، وكل وسيلة عنده مبررة لتحقيق غايته مهما كانت دنيئة وهو يصرح دونما حرج باستهانته بالمبادئ:

"دارت المناظرة حول "المبادئ" وهل هي ضرورية للإنسان أم الأولى أن يتحرر منها:

فقال علي طه مخاطبا مأمون رضوان:

ـ نحن متفقان على ضرورة المبادئ للإنسان، هي البوصلة التي تهتدي بها السفينة وسط المحيط..

فقال محجوب عبد الدائم بهدوء و رزانة: ـ طظ .."

ص 720



ولا يتورع عن أن يقتدي بإبليس ويجعله أسوته ومثله الأعلى:

"الحرية المطلقة" طظ المطلقة.. ليكن لي أسوة حسنة في إبليس.. الرمز الكامل للكمال المطلق.. هو التمرد الحق، والكبرياء الحق، والطموح الحق، والثورة على جميع المبادئ".

ص 737

ونكتفي بإيراد نموذج عن علاقاته بمن حوله:

علاقته بوالديه:

وكانت علاقته بوالديه علاقة غريبة أيضا تنطلق من أنانيته المفرطة وحين مرض والده لم يحزن عليه ولكن خاف أن يموت وينقطع المال الذي ينفقه عليه في الدراسة:

"كان يحب أمه أكثر من أبيه، ولكنه بات على استعداد دائما لأن يخضع صلته بهما لفلسفته المدمرة التي لا تبقي على شيء، فلم يكن حزنه حزنا على والده بقدر ما كان إشفاقا على الرجل الذي ينفق عليه ثلاثة جنيهات كل شهر".

ص 742

ابتزازه لوالديه:

وبدلا أن يترك الدراسة ويعين أباه نصف المشلول في الإنفاق على البيت أصر على الدراسة، وأخذ أبوه يرسل له جنيها واحدا بدلا من الثلاثة يقتطعه من المكافأة التي أخذها عند خروجه من العمل. والتي لا تكفي للإنفاق على البيت أكثر من ثلاثة أو أربعة أشهر. وتخرج محجوب في هذه الفترة، وأخذ يبحث عن وظيفة يعيش منها، وكان يفكر في نفسه بالطبع أولا وأخيرا وإذا فكر فيهما فخوفا على نفسه من مضايقتهما:

"وإذا أخفق في الحصول على وظيفة فالجوع لن يتهدده وحده هذه المرة، ولكن يتهدد والديه معه، وهو لا يشفق عليهما بقدر ما يشفق من مضايقتهما له، فما العمل؟".

ص. 774

إهماله لهما:

ولكنه حصل على وظيفة مرتبها محترم، ومع ذلك لم يرسل شيئا إلى والديه رغم علمه بحاجتهما الماسة، وبظروفهما المادية القاسية التي قد تؤدي إلى طردهما من السكن:

"وذكره المرتب بوالديه اللذين ينتظران على لهفة نصيبهما من مرتبه، لاشك أن مكافأة والده نفذت، ولعله يبيع الآن أثاث البيت كما فعل هو في فبراير الماضي؛ وسيعجز حتما عن أداء إجارة المسكن، وربما وجد والداه نفسيهما بلا مأوى ولاطعام، ما عسى أن يفعل؟

كان حكيما بلا ريب حين قرر أن يخفي عن والده تعيينه، وقد احتاط للأمر فرجا الإخشيدي ألا يذيع الخبر في القناطر حتى لا يعلم به أحد قبل الوقت المناسب. و لكن متى يجيء الوقت المناسب؟.

ص 839

كذبه على أبيه:

ولم يتوقف عند هذا الحد بل بلغت به الجرأة، وهو يعمل مديرا لمكتب الوزير ويسكن في شقة فخمة، أن يكذب على أبيه مدعيا بأنه لم يوفق بعد في العثور على عمل:

"بل عاد محجوب يذكر والديه ويتساءل عما ينبغي أن يصنع بهما وكان هذه المرة ذا عزيمة صادقة فكتب خطابا لأبيه يعرب له عن أسفه لعجزه عن معاونته، وذكر له أنه لا يني عن البحث عن عمل، ووعده بفرج قريب".

ص 843

الخطوة الثانية:تحرير الموضوع

وبعد أن حللنا شخصية محجوب عبد الدائم إلى عواملها الأولية، نختصر ما أورده الكاتب مفصلا، فنلخص المقومات في فقرة واحدة دون حاجة للاستشهاد، ونلخص العوامل الأخرى مع بعض الاستشهادات المختصرة، ونختم موضوعنا بالتقييم الإجمالي للشخصية، وهو كما ذكرنا أهم العناصر في الدراسة، لأنه يعتمد على فهمنا لها ولسلوكها ولظروفها، ويبين في الوقت نفسه رفقنا أو قسوتنا في الحكم، لذلك يجب أن نتوخى العدل فيه، دون تهاون أو ظلم.

وفي هذا التقييم نشير إلى أهم المقومات في تكوين الشخصية وتحدد مسؤولية كل منها مع ذكر الاستشهادات المناسبة، لذلك لم يكن من الضروري الاستشهاد عند تلخيص المقومات.

وهذا نموذج للموضوع المقترح:

الشخصية الوصولية (نجيب محفوظ):

المقدمة:

قدم لنا نجيب محفوظ في روايته القاهرة الجديدة نماذج لخمس شخصيات مختلفة في نشأتها وتكوينها، وجعلنا نرافقهم وهم طلبة لنتعرف على مبادئهم وطموحهم وسلوكهم ومشاكلهم ثم نرافقهم بعد تخرج أربعة منهم من الجامعة. ومكان الرواية وزمنها هو القاهرة في الثلاثينيات. أما الأشخاص فهم: مأمون رضوان ذو الاتجاه الإسلامي، وعلي طه ذو الميول الاشتراكية وخطيبته إحسان شحاتة التائهة بين عواطف الحب الصادق وإغواء المال، وأخيرا محجوب عبد الدائم محور هذه الدراسة.

العرض:

محجوب عبد الدائم شاب ريفي من طلبة الليسانس في الآداب، في الرابعة والعشرين من عمره طويل نحيف، لا يميزه جمال ولا قبح نشأ في بلدة القناطر، وكان أبواه طيبين جاهلين، قاما بكل ما يمكنهما لتنشئته وتعليمه. لم يحسنا تربيته عن جهل لا عن تقصير، فرباه الشارع تربية قذرة لم تفلح المدرسة ولا الجامعة في محو آثارها السيئة.

ملم إلى جانب العربية بالإنجليزية والفرنسية، سريع الانفعال والغضب يغلب على عواطفه الحقد والبغض، وهو فوق كل ذلك أناني، شهواني، طموح إلى حد الجشع.

وقد تمحورت غاية محجوب حول إسعاد نفسه، والحصول على "اللذة والقوة بأيسر السبل والوسائل، ودون مراعاة لخلق أو دين أو فضيلة"

ص. 732

ودافعه أناني محض، وهو حب نفسه لدرجة المرض، لذلك لم يكن يأبه للمبادئ والقيم، وكان يجعل من إبليس قدوته ومثله الأعلى "ليكن لي أسوة حسنة في إبليس" الرمز الكامل للكمال المطلق… هو التمرد الحق، والكبرياء الحق، والطموح الحق والثورة على جميع المبادئ"

ص. 737

وهكذا قامت أعماله كلها على هذا الأساس. وإذا استعرضنا أهمها نجد أنه أعد مخطط مقال عن "إكرام نيروز" رئيسة دار الضريرات، وهي ابنة رجل من صنائع الاحتلال الإنجليزي، مستهترة تغرم بالشبان وتتستر وراء هذا المشروع الخيري، ولكنه وصفها بأنها من أسرة عريقة في الوطنية، وبالزوجة الوفية والأم المثالية، مما يكشف نفاقه وزيفه. كما نجده يتحرش بقريبته الثرية تحية حمديس، ويحاول الاعتداء عليها عندما دعاها لزيارة الآثار لولا أنها صدته بقوة. ومن تصرفاته الباعثة على الدهشة إخفاؤه خبر حصوله على الوظيفة ذات الراتب المحترم عن أبيه وأمه، وكانا في حاجة ماسة إلى المال، كي لا يرسل لهما شيئا، وادعاؤه في الرسالة بأنه مازال يبحث عن عمل.

ولكن أخس أعماله وأحقرها قبوله الزواج من إحسان شحاتة عشيقة قاسم بك فهمي لقاء وظيفة سكرتير عنده. وموافقته على أن يسكن في شقة يؤثثها العشيق، على أن يترك له يوما في الأسبوع يقضيه قاسم بك في المنزل مع إحسان زوجة محجوب الذي يتغيب عن المنزل في ذلك اليوم: "وبدت الحقيقة سافرة، وأدرك ما يراد به، وعرف ثمن الوظيفة الفاخرة"

ص. 794

ولم يعان إلا للحظة مما يمكن أن نسميه صراعا داخليا:

"لقد تضرج وجهه بالاحمرار، وأحس بالحرارة تسري في رأسه، فجعل يستصرخ ما جبل عليه من جسارة واستهانة وفجور. أجل ما الذي يخجله؟… ما الذي يؤلمه؟.. أيؤمن بالزواج؟ أيؤمن بالعفة؟".

ص. 794

ولابد لنا من الإشارة إلى أن الظروف كانت قاسية عليه، فلم يعد بإمكان والده إرسال المال له. والحصول على وظيفة يحتاج إما إلى رشوة، وإما إلى من يتوسط له من أصحاب الجاه، فقد وصل المجتمع إلى حد من الفساد، أصبحت الوظيفة فيه تباع لمن يدفع أكثر، ومن ليس لديه جاه يشفع له، أو مال يشتري به الوظيفة، فلا أمل له في الحصول عليها وإن كان من أصحاب الكفاءة، وقد عجلت هذه الظروف في قبوله لهذا العرض.

واستمر محجوب في الهبوط إلى الدرك الأسفل فأخذ يستغل زوجته لتحقيق مآربه، ويطلب منها أن تستغل علاقتها بقاسم بك لمصلحتهما ورفع مستواهما المادي، ويوصيها بذلك قبل مغادرته الشقة لتأمين الخلوة المطلوبة: "إنه الآن يذعن لرغباتك فلا تفلتن من بين يديك هذه الفرصة الجميلة، الفرصة السعيدة لا تسنح في العمر مرتين". ص. 838

وانعكست غايته ودوافعه ووسائله الدنيئة على علاقته بمن حوله، فكانت علاقته بأبويه علاقة غريبة، وحين مرض أبوه وعجز عن العمل، لم يترك الدراسة لإعانته، بل أصر على أن يرسل له أبوه ما يستطيع ليتم الدراسة، وكان خائفا من انقطاع ما يرسله له أبوه كل شهر:

"فلم يكن حزنه حزنا على والده بقدر ما كان إشفاقا على الرجل الذي ينفق عليه ثلاثة جنيهات كل شهر".

ص. 742

وحين حصل على الوظيفة لم يرسل لوالديه شيئا رغم علمه بظروفهما التي قد تؤدي إلى جوعهما وطردهما من السكن.

"وذكره المرتب بوالديه اللذين ينتظران على لهفة نصيبهما من مرتبه، لاشك أن مكافأة والده نفذت، ولعله يبيع الآن أثاث البيت كما فعل هو في فبراير الماضي، وسيعجز حتما عن أداء اجارة المسكن، وربما وجد والداه نفسيهما بلا مأوى ولا طعام".

ص. 839

أما علاقته بصديقيه مأمون وعلي فكانت علاقة أخذ منه وعطاء منهما كما هي الحال في علاقاته كلها فهو يطلب منهما المعونة عند الحاجة، ولكنه لا يؤمن بالصداقة "وما الصداقة إلا إحدى الفضائل التي كفر بها؟".

ص. 737

بل لا يتردد في إيذاء صديقيه إذا اقتضى الأمر" إنه مع ذلك يحسدهما ويمقتهما ولايتردد عن إبادتهما لو وجد في ذلك نفعا".

ص. 737

إن علاقته بزوجته بدأت باستغلالها، وهي علاقة ينقصها الحب "وأين الحب؟ الفتاة تشاركه آماله وتحسن معاشرته، ولكنه يشعر أنها تؤدي واجبا بإخلاص. إنها كالموظف الذي يحب وظيفته دون عمله بالذات، أو هو لا يحبه ولا يكرهه". ص. 852

وقد انتهت قصة محجوب نهاية سيئة بفضيحة كبرى، حضرها أبوه واكتشف كذبه ونفاقه، حين جاءت زوجة الوزير قاسم بك إلى الشقة وضبطت زوجها مع زوجة محجوب، وبحضور أبيه الذي عجب من نذالته وانعدام غيرته وشهامته فتبرأ منه، وأقيل قاسم بك من الوزارة ونقل محجوب إلى أسوان بعد إلغاء ترقيته، ولكنه مع ذلك لم يستشعر الندم ولم يعترف بالخطأ رغم يأسه وقنوطه.

التقييم الإجمالي:

كتب نجيب محفوظ روايته هذه حين لاحظ انتشار ظاهرة الوصولية والانتهازية في المدن، ولا سيما في القاهرة، فأراد أن يدق ناقوس الخطر، وأن يحذر من تفشيهما ولا سيما أن أصحابهما يبررون لأنفسهم سلوكهم وتصرفهم المنحرف بحجة أن النظام الإداري في ذلك الوقت يقوم على الفساد والمحسوبية والرشوة، ولا يمكن للفرد أن يجد وظيفة إلا إذا كان من أبناء العائلات المعروفة أو صهرا لها أوله شفيع أو قريب منها. وفي هذا الجو الموبوء يبرر ضعاف الخلق لأنفسهم كل تنازل عن المبادئ، وكل انحراف، إذ يجب أن يسلك الإنسان في رأيهم أقصر السبل لتحقيق مصالحه. ويقولون: "أنت في غابة وإن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب" وليس من الضروري أن تكون ذئبا، كن ثعلبا، أو إحدى الزواحف المهم أن تكون عمليا وتحقق مآربك، أما المبادئ فيجب أن تترك للفلاسفة والناس النظريين.

ومحجوب عبد الدائم واحد من هؤلاء، وجد ميزان القيم مختلا في بلده فكفر بها لا بالميزان، ورأى أن الفرص غير متكافئة، فقام بعدة تنازلات لكي يقتنصها، و"من يهن يسهل الهوان عليه" كما يقول المتبني، ولكن هل هذا يبرر لمحجوب صنيعه؟





تضحية أهله من أجله وعقوقه :

صحيح أن أهله أهملوا تربيته وقصروا فيها لجهلهم، "كان والداه طيبين جاهلين، ولظروفهما الخاصة أتم تكوينه في طرق البلدة "القناطر"". ولكنهم لم يقصروا في حبهم له، وإحاطته بالرعاية المادية والمعنوية حتى تخرج من الجامعة، وباعوا ما فوقهم وما تحتهم لينفقوا عليه، فالحب والرعاية لا ينقصانه، ولولا ذلك لما استطاع أن يتم دراسته الجامعية في القاهرة، بما يوفر والداه من قوتهم من أجله، ولكان أجيرا أو صبي بقال.

مساعدة أصدقائه له:

ولم يقصر أصدقاؤه في حبهم ورعايتهم له وعطفهم عليه ومساعدته في وقت الشدة، وقد احتضنوه رغم فقره وعاملوه معاملة الند للند.

مسؤولية محجوب:

أما أن يكون تأثير الشارع و الصبية الأشرار فيه أكبر من هذا الحب والحنان والرعاية فالعيب في فطرته لا في بيئته، فالأسرة والأصدقاء جزء من البيئة فكيف تأثر بلداته الأشرار، ولم يتأثر بأبويه الطيبين وما صنعاه من أجله، وكذلك بأصدقائه المهذبين وما قدموه له من خير. "وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان"؟ قال لنا الكاتب: "فهو مدين بنشأته للشارع والفطرة"

ص. 733

وقد فطر على الأنانية، والأنانية أم الشرور. وأنانيته هي التي جعلته يحقد على أصدقائه ويحسدهم بدل أن يفرح لهم ويغبطهم، وأنانيته هي التي قادته إلى فلسفة "التحرر من كل شي، "من القيم والمثل والعقائد والمبادئ" وأن يرى "أن" من الجهالة والحمق أن يقف مبدأ أو قيمة حجر عثرة في سبيل نفسه وسعادتها." وأنانيته هي التي جعلت منه انتهازيا يرضى أن يتنازل عن عرضه وشرفه من أجل الوظيفة والمال. ولكن إلى أين قاده كل هذا؟ إلى الهاوية والضياع، لأنه كسر البوصلة التي كان يمكن أن يهتدي بها وسط المحيط. لقد جعل من الحبال المتينة التي تربطه بأهله وأصدقائه خيوطا واهية:



"ولكنه يشعر بالغربة والوحدة، وبأنه في واد والدنيا كلها في واد. أجل لم يرع صداقة إنسان، ولكن أكثر من إنسان رعى صداقته فهيأ له شعور الأنس بالناس. أما الآن فالخيوط الواهية التي تصله بالناس تنقصف واحدا إثر واحد، ويهوي إلى وحدة عميقة".

ص. 831

شخصية سلبية :

ونستطيع القول إن شخصية عبد الدائم هدامة ومنحرفة بالمعنى الأخلاقي والاجتماعي ، فهي تساهم في تحطيم القيم الخلفية وانحلال الروابط الاجتماعية بسلوكها الشاذ المنحرف .

المغزى الذي أراده الكاتب ومسؤولية المجتمع:

هذه رسالة الكاتب وهي منذرة ومحذرة من تفشي ظاهرة اسمها محجوب عبد الدائم في زمانه وزماننا وكل زمان، في القاهرة وعندنا وفي كل مكان. إلا أن الكاتب لا يحمله وحده وزر أعماله بل يحمل المجتمع الذي يشجع أمثال هؤلاء ويغريهم، جزءا من التبعة، ونراه يقول على لسان علي طه مخاطبا مأمون رضوان:

"وصاحبنا البائس وحش وفريسة معا، فلا تنس نصيب المجتمع من جريرته، وهناك مئات من المؤمنين يشقى الملايين لإسعادهم، فليست جريمتهم دون جريمة صاحبنا التعس، فالمجتمع الذي نعيش فيه يغري بالجريمة، يبد أنه يحمي طائفة المجرمين الأقوياء وينهال على الضعفاء".

ص. 876

الخاتمة:

فلابد إذن من إصلاح المجتمع وتصحيح قيمه ومعاييره حتى لا ينتج أمثال هؤلاء. ولابد من الاهتمام بتربية الفرد في الأسرة والمدرسة، وتزويده بالقيم الخلقية البناءة إلى جانب العلم والمعرفة لتقيه من الشذوذ والانحراف.

دراسة الشخصية المسرحية:

تدرس الشخصية المسرحية بالطريقة نفسها، حيث يستخرج الدارس أهم مقومات الشخصية، التي أوردها المؤلف من خلال الحوار، كما يستخرج غايتها ودافعها ووسائلها، ثم يقيمها تقييما إجماليا حسب المعطيات المتوفرة لديه، ولابد من قراءة الحوار قراءة دقيقة، فكل كلمة فيه عن الشخصية مكتوبة بعناية لتساهم في رسمها وتوضيح علاقاتها وغايتها ودافعها ووسائلها.

دراسة جانب واحد أو أكثر من الشخصية:

يمكن أن يطلب من التلميذ دراسة جانب واحد أو أكثر من الشخصية، فقد يتصل السؤال بالغاية والوسيلة لا بدراسة الشخصية كلها وهذه بعض الأمثلة:

1.ادرس الغاية التي كان يسعى إليها محجوب عبد الدائم، ودوافعه، والوسائل التي استخدمها للوصول إلى غايته

أو يتعلق السؤال بعلاقاته:

2.ادرس علاقاته بمن حوله، واستنتج منها نوع شخصيته وقيمها.

أو يتعلق بعلاقة واحدة هي علاقته بأبويه:

3.ادرس علاقته بأبويه، وقيمه بناء على هذه العلاقة.

أو يتعلق بعلاقة الصداقة:

4.بين نظرته إلى الصداقة، وادرس علاقته بأصدقائه وقيمه بناء على هذه العلاقة.

أو يتعلق بعلاقته بالمرأة:

5.بين نظرته إلى المرأة، وعلاقته بزوجته إحسان شحاتة، وقيمه بناء على هذه العلاقة.

أو تأثير النشأة والأسرة على سلوكه:

6.ادرس مدى تأثير نشأته وتربية أسرته على سلوكه.

أو تأثير الظروف الاجتماعية:

7.ادرس مدى تأثير الظروف الاجتماعية القاسية التي أحاطت به على سلوكه.

أو تأثير الفطرة.

8.ادرس مدى تأثير فطرته ومزاجه وطباعه على سلوكه.

كما يمكن دراسة جانب واحد أو أكثر من الشخصية المسرحية، وهذا مثال:

"أغوت الساحرات "مكبث" وأطمعته في الملك، وحرضته زوجته "ليدي مكبث" على قتل الملك. فهل يمكن اعتباره ضحية إغواء الساحرات وتحريض زوجته؟ حدد مسؤولية كل منهم في هذه الجريمة من خلال قراءتك للرواية، واستشهد بالأمثلة المناسبة.

وهذا النوع من الأسئلة هو محدد ومركز، ويمكن مجموعات التلاميذ من الاشتراك في دراسة شخصية واحدة وكل منهم يدرسها من جانب، وقد تتفق الآراء وقد تختلف، ولابد أن يأتي النقاش المثمر والحجج المقنعة، بالنتيجة المرجوة. ولابد من وضع مخطط للإجابة قبل الشروع فيها.

مسؤولية الأستاذ:

ولكن هذا النوع من الأسئلة يحتاج إلى ثقافة الأستاذ وتعمقه في قراءة الروايات الموجودة لدى التلاميذ وفهم شخصياتها ودوافعها ليختار منها الأسئلة المناسبة حول الشخصية. وإننا لنرجو في المستقبل أن تعد بعض الروايات والمسرحيات الجزائرية والعربية والعالمية خصيصا للمدرسة، حيث تضاف إليها بعض الشروح والأسئلة المناسبة عن الشخصيات والعلاقات والمواضيع، كما يحدث في البلدان الأخرى.

مخطط الموضوع:

أما مخطط هذا النوع من المواضيع فيبدأ بمقدمة قصيرة تعرف بالرواية، ثم بتلخيص مقومات الشخصية وغايتها ودوافعها، ولكن علينا أن نستشهد بنصوص من الرواية عند مناقشة الموضوع، للاحتجاج بها في عرض آرائنا. ولا يمكن التلخيص في مثل هذا الموضوع بل لابد من معالجته معالجة وافية.

الانطلاق من النص:

كما يمكننا الانطلاق من نص روائي لدراسة بعض جوانب الشخصية المتصلة بالنص، وقد أوردنا نموذجا مدروسا لذلك في الفصل الخامس.

تمرين:

1. تحدث محفوظ في روايته "القاهرة الجديدة" عن ظاهرة محجوب عبد الدائم سنة 1930 فهل ما زالت هذه الظاهرة موجودة في مصر في الألفية الثانية؟ وهل هي موجودة الآن في الجزائر؟ وضح، وعلل معنى وجودها، إن وجدت.

2. ما الآفات الاجتماعية التي تساعد على انتشار ظاهرة عبد الدائم. هل هي الرشوة أو الجهوية أو المحسوبية أو الجهل وسوء التربية؟ وضح وعلل.

3. كيف يمكن الحد من انتشار هذه الظاهرة في مجتمعنا؟ و ما الجهة المسؤولة عن مكافحتها، هل هم: السياسيون أو علماء الاجتماع أو رجال القانون أو رجال الفكر والفن والأدب أو الصحافيون والإعلاميون أو أئمة المساجد؟ وضح رأيك وعلله.










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-23, 21:48   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
سطايفية بكل فخر
مشرف منتدى التقنيّة، ومنتديات الثقافة الطبيّة والعلوم
 
الصورة الرمزية سطايفية بكل فخر
 

 

 
الأوسمة
موضوع مميز العضو المميز المواضيع المميزة 2014 
إحصائية العضو










افتراضي

الفصل الخامس

من كتاب الشخصية

للكاتب عبد الله خمّار



طرق أخرى لدراسة الشخصية

نموذج مدروس:الشاعر للطاهر وطار

أوردنا في نهاية الفصل السابق بعض الطرق لدراسة جانب أو أكثر من الشخصية وذكرنا من بينها الانطلاق من نص روائي لدراسة الجانب أو الجوانب المتعلقة بهذا النص، وهذا نموذج لدراسة إحدى شخصيات الروائي الأستاذ الطاهر وطار:

اقرأ النص الآتي بإمعان ثم أجب عن السؤال الذي يليه:

قال "الشاعر" وهو بطل رواية "الشمعة والدهاليز" في مطلعها، وعلى التحديد في الصفحة الثانية منها ما يأتي:

"أنا هذا المجرم الذي تتمثل جريمته في فهم الكون على حقيقته، وفي فهم ما يجري حوله قبل حدوثه، أتحول إلى دهليز مظلم متعدد الجوانب والسراديب والأغوار، لا يقتحمه مقتحم، مهما حاول، وهذا عقابا لجميع الآخرين على تفاهتهم، على تفاهة اللعبة في يد اللاعب.

أكون أحد أضرحة بني آجدار بتاهرت، عندما يدخل الداخل من الدهليز، يجد قبالته ثلاث قاعات مفصول بعضها عن بعض بدهليز طوله بضعة أمتار، ويتفرع من أولى هذه القاعات عن اليمين وعن اليسار دهليزان متشابهان، يفضيان إلى هيكل ثان مركب بدوره من خمس قاعات تربط بينها دهاليز، وتحيط بالهيكل الأول الذي يحيط به بدوره هيكل ثالث، دهاليز تنطلق من مدخل الضريح، ويشتمل على ثماني قاعات كبيرة،وأربع صغيرة كائنة بالأركان، ويربط بينها دهاليز".

الشمعة والدهاليز ص9

السؤال:

وضح قصد الشاعر، وعلل سلوكه من خلال دراستك لأهم مقومات شخصيته في الرواية.

وللإجابة عن هذا السؤال لابد أن نقوم بثلاث مراحل:

1.قراءة النص من جديد قراءة متأنية ومحاولة فهم مدلوله.

2.الاستعانة بقراءة الرواية لفهم النص.

3.قراءة ثانية مرفقة بملاحظات توضح أبرز مقومات الشخصية وتوضح غايتها ودوافعها ووسائلها وأهم مواقفها مع تدوين أماكن الاستشهادات وأرقام الصفحات.

4.وضع مخطط للموضوع يتضمن الإجابة عن العناصر الواردة في السؤال.

5.كتابة الموضوع واختيار الاستشهادات المناسبة، مما أورده الكاتب عن الشخصية في الرواية، وإهمال ما لا صلة له بذلك.

مخطط الموضوع:

1.مقدمة قصيرة للتعريف بالرواية.

2.العرض:

أ- مقومات شخصية الشاعر (تستخرج بالطريقة نفسها التي استخرجنا بها مقومات شخصية عبد الدائم وتلخص في فقرة واحدة).

ب- غاية الشاعر ودوافعه (تلخص في فقرة واحدة).

جـ- أسباب عزلته الواردة في النص:

I-معاناته الفكرية.

Ii-معاناته اللغوية.

Iii-معاناته من محاولات طمس الهوية.

Iv-معاناته من النفاق وازدواجية الخطاب.

V-مرضه النفسي.

Vi-لجوؤه إلى العزلة.

Vii-معنى عزلة المثقف من خلال النص.

3. الخاتمة: فقرة تلخص مصير الشاعر، أو أي خاتمة مناسبة أخرى.

الشخصية الميدئية (الطاهر وطار):

قدم لنا الطاهر وطار في روايته "الشمعة والدهاليز" ثلاث شخصيات رئيسية: "الشاعر" وهو مثقف ماركسي اشتراكي في الرابعة والأربعين، نشأ في أحضان الثورة، وكان يقوم بالمهمات الثورية منذ صغره. و"عمار بن ياسر" وهو الاسم الحركي لمثقف إسلامي مهندس في النفط في الثلاثين من عمره، وقيادي في الحركة الإسلامية. و"زهيرة" فتاة وصلت في تعليمها إلى مستوى التاسعة أساسي،ترتدي الجلباب وتؤمن مثل أمها بكرامات الأولياء وتجلياتهم في أشكال مختلفة، ومن خلال أسرتها نطل على عالم المرأة والأسرة الجزائرية الشعبية في مدينة الجزائر.

ثلاثة أشخاص، وثلاثة أجيال، وثلاث عوالم مختلفة في الثقافة والفكر والاتجاه. رجلان وامرأة في هذه الرواية التي تحاول أن تحلل أسباب الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية واللغوية، ومسألة الهوية في الجزائر. كما توضح طموحات وممارسات ومشاكل هذه الأجيال، والعلاقات القائمة فيما بينها.

أما "الشاعر" صاحب النص فكان نحيفا هزيلا مهملا لهندامه يعمل كأستاذ جامعي في أحد المعاهد، ويسكن وحده في سكن وظيفي تابع له لأنه أعزب، وقد نشأ في أسرة فقيرة ريفية زمن الاستعمار، وقد التحق أبوه وعمه بالثورة وحرصا على إكماله التعليم، وقد تابع دراسته الثانوية في المدرسة الفرنسية الإسلامية. ويلخص لنا الشاعر شخصيته وثقافته بهذه العبارة "شاعر باللغة الفرنسية، ومهندس أدرّس علم الاجتماع، وأحب كل ما يمتن لغتي العربية، أما ما عدا ذلك فلا أهمية له" ص27. وهو شجاع القلب والرأي مزهو بتفوقه العلمي، يميل إلى العزلة ويقضي جل وقته في المطالعة بالعربية والفرنسية وفي التحليل والمناقشة. أما انفعالاته فكانت انفعالات شاعر، فهو يتكلم أحيانا بصوت عال دون أن يكون هناك من يسمعه، ويضحك من أعماقه، ويبكي بالدموع وينوح، ويرقص تعبيرا عن حبه للجزائر "رقصة مرواح الخيل". وكانت عواطفه نحو زهيرة المرأة التي أحبها وحاصرته عيناها السوداوان صوفية لا حسية.

أما غايته فلم تكن شخصية في يوم من الأيام، وهو يعرفنا بأنه نذر حياته لخدمة الفقراء:

هؤلاء جماهير، جماهير كادحة، وسواء أكانت على خطأ أو على صواب، هل يجوز لمثقف ثوري مثلي كرس حياته لخدمة الجماهير والدفاع عن قضاياها أن يقف ضدهم؟" ص18

ولو سعى وراء مصلحة شخصية لكان له ما أراد، ولكنه تربى في بيئة تؤثر مصلحة الوطن على مصالحها:

"نخبة تستكين للفرنسية وللسلطة وللمال، أنا بإمكاني أن أبقى ضمن هذه النخبة لو كانت لدي مصلحة شخصية ما، ولو لم آت من حيث أتيت، لو لم تكن العارم ابنة خالتي (وقد أسرت ضابطا فرنسيا أثناء الثورة بفطنتها وإيمانها) ولم يكن المختار عما لي، ولم تكن أمي هي أمي" ص 139

فغايته إذن تحقيق العدل في بلاده الجزائر ورفاه أبنائها. وكان دافعه حب بلاده وحب المعرفة وكلاهما يمثل المصلحة العامة: "منذ صباه كان عبارة عن مهر ملجم تركبه المصلحة العامة" ص 30

وبعد أن عرفنا مقومات الشاعر، نعود إلى النص، ولكي نفهمه جيدا ونعرف أسبابه. نستعرض ما عاناه الشاعر في هذا المجتمع الذي أحبه ونذر نفسه له، فقد عانى من الازدواجية في الفكر واللغة والخطاب السياسي، ما جعل قدرته على الاحتمال تنهار. ولكنه لا ينحرف كمحجوب عبد الدائم، ولكنه يمرض نفسيا ويصاب بخلل ذهني لا أخلاقي، وهذه أمثلة عن بعض ما عاناه:

معاناته الفكرية:

وجد الشاعر نفسه بين نقيضين، طرف يريد أن ينسلخ من أصالته انسلاخا كاملا، ملغيا التاريخ وقاطعا صلته بجذور الماضي، وطرف يريد أن يعود بالزمن قرونا سحيقة منكرا ظروف وشروط العصر الذي يعيش فيه، وتساءل عن صلته بهؤلاء وهؤلاء:

"صعدت من ساحة أول ماي، ساحة الدعوة، يومها، والهتافات تملأ أذني: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله، عليها نحيا، وعليها نموت، وعليها نلقى الله". مهموما، مغموما، روحي أثقل من أن يحملها جسدي، يعذبها سؤال محير بدأ يطل علي مثيرا مستفزا منذ مدة طويلة:

هل يمكن أن تكون بيني وبين هؤلاء الناس صلة ما؟ هل ينبغي أن تكون بيني وبين هؤلاء الناس صلة ما؟.

الآخرون

الطرف الآخر، أولئك الذين دخلوا دهليز الثقافة الفرنسية، ونمط الحياة الغربية، وأغلقوا على أنفسهم يحتمون بالظلمة، رافضين أن تنفذ أية شمعة حولهم، قرروا فيما بينهم وبين أنفسهم أن هذا البلد انقسم مرة وإلى الأبد قسمين: الماضي والمستقبل.

الماضي البعيد والقريب يتوجب الانسلاخ منه بكل ما فيه، تماما مثلما يفعل الثعبان، وهو يتخلص من جلده.

المستقبل، هو إغماض العينين في الدهليز، والاستسلام لوهج نور موهوم، لشمعة تقود إلى العصر" ص 42

معاناته اللغوية:

وهو حين يريد أن يعبر عن مشاعره، يحس أن اللغة الفرنسية التي يتقنها لا تستطيع أن تسعفه في وصف نساء بلاده:

"كان يتفادى التحدث عن المرأة إلا بما توحي به اللغة الفرنسية التي يكتب بها، والتي يحس أنها لا تستطيع أن تتنازل لملامح أمه أو خالته، أو حتى العارم "بنت خالته" لأن عليه في الآن الواحد أن يستحضر وأن يستبعد المخزون المترسب من لامارتين وراسين ومونتسكيو ورامبو وفيكتور هيغو. لا يستحضره لأنه قرأه وأحبه ورسب في ذاكرته، وتشكل وجدانا تجريديا في أعماقه، تطل أزميرالدة، العبارات التي سكنتها أزميرالدة، وهو يتخيل العارم، فلا ينطبق الوصف على الموصوف، ولا الرسم على المرسوم فيعدل عن ذلك" ص 101

أما العربية لغته التي يحبها فقد تعلمها بصورة قوالب جامدة، ولا يستطيع التعبير بها:

"حاول أن يكتب باللغة العربية، أن يقول على غرار شعراء المعلقات، وفحول شعراء الغزل، لكن الانغلاق في لغة القاموس التي يتلقاها في شكل متخلف جدا بالنسبة للغة الفرنسية جعلته يعدل".

معاناته من محاولات طمس هوية الجزائر:

وهو يرى هوية بلاده مهددة يحاول الكثيرون طمسها بوسائل عديدة بعد الاستقلال، ويكشف خطورة مخططاتهم:

"يحضره ألف ألف واحد ممن يتبجحون بجهلهم، ممن يحلو لهم ان يبادروا إلى القول، وهم يبتسمون، إنهم لا يعرفون اللغة العربية.

يحضره مديروه على مر السنوات المنصرمة، فرنسيين أولاد فرنسيين، لا يرحمون وطنهم ولا يشفقون عليه.

اللهم أسوأ إمام في هذا البلد، يحافظ على الهوية، ولا أحسن عالم يؤدي بالأمة إلى متاهات الاغتراب. يجهز على هذه الأمة وعلى ما تبقى منها" ص 186

معاناته من النفاق وازدواجية الخطاب:

أصبح المسؤولون السياسيون يتقنون ازدواجية الخطاب، فهم يقولون أشياء ويمارسون أشياء أخرى، وقد أرهقه هذا النفاق:

"تحدثوا باسم الاشتراكية، تحدثوا باسم الرأسمالية، تحدثوا باسم الإسلام والإيمان، تحدثوا باسم اللائكية والإلحاد حاولوا، أن يجعلوا من بلدنا الآمن قاعة كبرى في مستشفى، جمعوا فيها كل المرضى، وراحوا يحقنون كل مريض بالدواء الذي يلائم مرضه.

هكذا هيئ لهم، لكن المرضى تبينوا أنهم مصابون بمرض واحد، هو هذا الخطاب الكاذب، هذا النفاق الذي فقد كل مذاق وطعم له" ص 75

مرضه بسبب هذه المعاناة:

ولكن ازدواجية الخطاب ليست وقفا علينا، وهاهو يصاب بالاكتئاب بعد عودته من زيارة بلغاريا بعد أن صدم من انهيار القيم التي كان يؤمن بها طيلة حياته، بسبب ضعف أصحابها أمام إغواء "الدولار" وسقوط "الجمهورية الفاضلة" التي كان يحلم بقيامها على الاشتراكية والعدل وتكافؤ الفرص ويسعى من أجل تحقيقها، وهاهو يستعيد أيام مرضه، ويصف اليأس والقنوط الذي أصاباه:

"قد يكون عاودني المرض. قال في نفسه، وانهمك يستعيد أيام المحنة الكبرى. خواء. خواء. يأس. يأس. قنوط. قنوط.

بذلك عاد من زيارة لبلغاريا ضمن وفد، لم ير من خلال السكر ما رآه، كل شيء يتفسخ. الشعر ينسل ويتساقط. الجلد يتقشر. اللحم يتحلل. العظم يتفتت.

ما أن يلوح دولار واحد في الأفق حتى ينهار الإنسان الذي ظل يمطرك كذبا بوابل من المثل والقيم اللينينية الماركسية".

وليس هذا في بلغاريا فقط بل عندنا وفي بولونيا والاتحاد السوفيتي:

"يباع لينين وماركس وإنغلز بالورقة الخضراء، وبحبة علك أمريكية، ويباع الوطن والعالم أجمع بسروال جنز أو بعلبة مساحيق زينة مصنوعة في الغرب" ص 161

وقد تفاقم عنده المرض حتى أخذ يخرج إلى الشارع حافيا معلنا عن خيبة أمله في انتشار الكذب وانحسار الصدق:

"حلق رأسه بالموس. مشى حافيا. ظل فترة غير وجيزة يحدث نفسه في الشارع لاعنا كل كذب على الأرض.

كتب لكل من يعرفهم يقول لهم، إن الحياة التي بشر بها الحواريون والقديسون والشهداء والصالحون، لا يمكن ان تنبني إلا بالصدق، وما الصدق إلا الشهادة، وما داموا أحياء فهم سفهاء" ص 159

اختلال القيم والموازين:

وهاهو يفصح للطبيب عن بعض ما بداخله، ونعرف أن انهيار القيم الماركسية في الدول الشرقية، ما هو إلا جزء من هذه الأسباب، لأن القيم عندنا بدأت بالانهيار قبل ذلك بكثير، وبالتحديد بعد الاستقلال:

"حفاظ بعض سور من القرآن صاروا معلمين وأساتذة. دكتور، يحتل مقعدا في الجامعة، يتخرج عليه باحثون وباحثات، ليس له شهادة الثانوية العامة. لا يعرف حسابات الزوايا القائمة والحادة والمنفرجة، لا يعرف ما إذا كان المتوازيان يلتقيان أم لا. يجهل درجة ذوبان الحديد والفضة والنحاس، وباقي المعادن. ومع ذلك هو دكتور دولة، أستاذ "قد الدنيا" كما يقول المصريون" ص 160

لقد اختلت كل الموازين والمعايير:

"الجهل يعم. السطحية تعم. الدجل يطغى. الفكر يتفكك، أشبه ما يكون بكبة الخيط، تتدحرج من فوق إلى أسفل، وبشمعة تحترق في دهليز مغلق ومهمل" ص 160

العزلة الإرادية:

إنه يرى ما يجري ويعرف خطورته وعواقبه، ولكنه مهمش لا حول له ولا قوة فالجهل والسطحية والدجل هي السائدة والمثقف الحقيقي لا قيمة له، لقد فقد الثقة فيمن حوله لكذبهم ونفاقهم، وهذا كله هو الذي دفعه إلى العزلة الإرادية أو الموت الإرادي فقد حول نفسه إلى جثة وحول بيته إلى ضريح. ولكنه يعتبر الآخرين أيضا جثثا متحركة لا حياة فيها، وهاهو يبرر لزائر رفضه استقباله في منزله:

"تعلم أنني أرفض الاستقبال في منزلي. في الضريح، وفي الحالات العادية لا نضع جثتين معا. أعتقد ان ذلك لن يتكرر منك" ص 177

ولعل معظم الأسباب التي دفعته إلى العزلة، دفعت غيره من أمثال "عمار بن ياسر" إلى النزول إلى الشارع.

معنى عزلة المثقف من خلال النص:

حين يموت المثقف ينطفئ مصباح العقل، وتتيه الجماهير في دهاليز الظلمة، وحين يموت الشاعر ينطفئ مصباح القلب، وتخمد جذوة المشاعر، ويصبح الناس جثثا متحركة لا عقل ينظم معاييرها، ولا قلب يفتح الدروب ويقيم الجسور بينها على الحب والاحترام والعطف والرحمة. يصبح الناس همجا بلا ضابط ودمى تافهة يحركها لاعب حاذق من وراء الستار.

وهذا الموت الإرادي لبطل الرواية، وهو المثقف والشاعر معا، نتج عن أن الناس لا يحسون بوجوده، فلا يستنيرون بعقله، ولا يستفيدون بقلبه، وهو الذي يعرف ما سيحدث لأنه يرى المقدمات أمامه ويستطيع استخلاص النتائج.

إنهم همج يريدون أن يعيشوا بلا قيم وبلا عواطف، ولذلك همشوا المثقف والشاعر. هم الذين عزلوه قبل أن يعتزل، وهم الذين قتلوه قبل أن يدخل إلى ضريحه.

إنه الشاعر روح هذا الشعب والمعبر عن آماله وآلامه، تسميه "زهيرة" في الرواية "هرون الرشيد" الذي يمثل اتحاد العرقين العربي والبربري في أعظم الخلفاء العباسيين، وفي أوج الحضارة العربية الإسلامية، فأبوه المهدي العباسي القرشي وأمه الخيزران الجارية البربرية الداهية، وتظنه أحيانا جدها "سيدي بولزمان" الولي الصالح الصوفي الذي ينتقل عبر الأمكنة والأزمنة وقد تجلى لها في صورة "الشاعر". ولا عجب أن يكون الشاعر هذا كله فهو بعقله وتحليله وبحثه عن الحقيقة وريث للمفكرين الكبار: المعتزلة وإخوان الصفاء وابن رشد. وهو بشاعريته وصدقه وصوفيته وريث "ابن عربي والسهر وردي والخيام والعدوية والحلاج". إنه رمز الحضارة العربية الإسلامية في الجزائر، وعزلته تعني انحطاطها.

خروجه من العزلة:

وقد أخرجه من عزلته عاطفتان الحب والصداقة، فقد بدآ يعيدان الثقة إلى نفسه.أما الحب فهو حب زهيرة "شمعة دهليزه". الشمعة الوحيدة، التي انبثق نورها في دهليزه والتي يتمنى أن لا تنطفئ" ص 12، وقد انفتح الضريح وخرج الشاعر ليعود إلى الحياة من جديد:

"فالمسألة مهما كان الأمر، تعنيه، منذ قرر أن ينغمر ويخوض مع الخائضين بسببها" ص 12.

وأما الصداقة فهي صداقته لعمار بن ياسر المثقف الإسلامي الذي نزل إلى الشارع للأسباب نفسها التي دفعته إلى العزلة:

"وقد كان يتعاطف معه، شعر بالتجاوب معه، ووجد في بقايا الخلاسية هذه، ما يوحي بأصالته كجزائري. فيه شيء من كل شيء. إفريقية على أبيض متوسطية، عروبة على بربرية. فقرر في نفسه أن يتجاوز حدود التحفظ مع هذا الشاب وأن يرفع قليلا الستار الحديدي لباب الدهليز" ص 27

الخاتمة:

وحين تحرك الشاعر يريد أن يحمل مصباح العقل إلى الجماهير الثائرة الغاضبة، حتى لا تتيه في الظلمات، وان يشحنها بنبض قلبه الصادق ليحصنها من النفاق والخطاب المزدوج، تحركت الأيدي الخفية وقتلته فعلا هذه المرة، قتلت جسمه. ولكن هل استطاعت أن تقتل روحه؟.

لو فعلت ذلك لما وصلت إلينا هذه الرواية. وتلك مسألة أخرى خارجة عن نطاق موضوعنا.










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-23, 21:49   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
سطايفية بكل فخر
مشرف منتدى التقنيّة، ومنتديات الثقافة الطبيّة والعلوم
 
الصورة الرمزية سطايفية بكل فخر
 

 

 
الأوسمة
موضوع مميز العضو المميز المواضيع المميزة 2014 
إحصائية العضو










افتراضي

الفصل السادس

من كتاب الشخصية

للكاتب عبد الله خمّار



دراسة الشخصية الحقيقية

غايات العظماء ووسائلهم

ولكن ما الذي يجعل من العظيم عظيما يستحق أن تدون سيرته وأن تدرس؟ إنما يختلف العظماء عن سائر الناس بالغايات والوسائل،فغاية الناس العاديين إسعاد أنفسهم وأسرهم وتربية أولادهم تربية صالحة،إلى جانب خدمة مجتمعهم بوظائفهم ومهنهم، وهي غاية نبيلة ولكنها محدودة في الأسرة والمهنة. ووسيلتهم إلى ذلك العمل الجاد بأمانة وإخلاص، وهي وسيلة شريفة ما في ذلك شك.ولكن غاية العظماء تتجاوز أنفسهم وأسرهم ووظائفهم إلى مجتمعاتهم وإلى الإنسانية جمعاء، فتصبح غاية العظيم السياسية إعلاء شأن بلاده أو تحريرها من الاستعمار، والعلمية اختراع آلة مفيدة للإنسان، أو دواء يخفف عنه آلام المرض وهكذا بالنسبة للغايات الأدبية والفنية وغيرها.

وقديما قال المتنبي:

على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ وتأتي على قدر الكرام المكارمُ

وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائمُ

شرح ديوان المتنبي (4) عبد الرحمن البرقوفي ص 94
فالصغير يرى صغار الغايات كبيرة لا يستطيع القيام بها،والعظيم يرى كبار الغايات صغيرة على همته وعزمه،مهما كلفته من عناء وتعب. وقد يضعف الجسم أمام هذه الغايات، ولكن النفس تظل قوية لا تتوقف عن العمل.

وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسامُ
المصدر السابق ص64
ولا يستطيع كثير من الناس دفع ثمن العظمة الباهظ، الذي لا يشترى إلا بالجهد والدم والعرق ولولا ذلك لأصبح الناس كلهم عظاما.

لولا المشقة ساد الناس كلهُمُ الجود يفقر والإقدام قتالُ
المصدر السابق (3) ص406
غاية العظماء وغاية الشهداء:

وهكذا ينذر العظماء حياتهم لقضايا بلادهم أو للعلم أو للأدب أو للفن ويخدمون الإنسانية بمختلف الوسائل الشريفة والنظيفة والخلاقة، ويغنون تراثها بمآثرهم وأعمالهم واختراعاتهم وأشعارهم ورواياتهم ولوحاتهم وتماثيلهم.وهذا ما يميز العظماء عنا، ويجعلنا ننظر إليهم نظرة إجلال وتقدير واحترام. فغايتهم إسعاد المجتمع كله، ووسيلتهم البذل والعطاء والتضحية بالنفس أحيانا،وبالمال أخرى، وبالجهد والوقت، وهذا ما يجب أن نبرزه في حياة كل عظيم:غايته ووسائله التي تترجم إلى مآثره وإنجازاته كلها.

ومن أجل ذلك نعد الشهداء الذين بذلوا دمائهم في سبيل أوطانهم عظماء، فقد كانت غايتهم تحرير أوطانهم، وهي غاية وطنية نبيلة، ووسيلتهم الجود بالنفس، والشاعر العربي يقول:

"والجود بالنفس أقصى غاية الجودِ"

لماذا ندرس سيرة العظماء؟
ونحن ندرس سيرة العظماء لسببين: الأول هو ذكر مآثرهم في المجال الذي أبدعوا فيه، عرفانا بجميلهم على مجتمعهم أو على الإنسانية جمعاء. والثاني هو اقتداء الشباب بهم، وليس معنى ذلك أن يصبح الشاب نسخة عنهم، فلا يمكن أن يكون ثان لعمر بن الخطاب أو علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، أو للأمير عبد القادر الجزائري والحداد وابن باديس والإبراهيمي رحمهم الله، ولكننا نقتدي بهم قي سلوكهم وأخلاقهم ومثابرتهم، لا في وسائلهم وأساليبهم فلكل عصرمشاكله وأساليبه في مواجهتها. وعلى الإنسان أن يكون ابن عصره، فيفيد مجتمعه، ومن أراد أن يقلدهم دون النظر إلى فارق العصر،فقد ظلم نفسه، وظلم أمته، وظلمهم أيضا، لأنه يحسب عليهم، وقد كانوا روادا في عصرهم، بينما يبقى متحجرا يطبق أساليب زمنهم لا أساليب زمنه.

خطوات دراسة الشخصية الحقيقية:

إن دراسة الشخصية الحقيقية هي مهمة كاتب السيرة أو الترجمة والخطوات التي يتبعها في دراسته للشخصيات التاريخية والمعاصرة هي جمع المعلومات والوثائق المتوفرة عن بيئتها ونشأتها.. أقوالها أفعالها مبادئها، علاقاتها الإنسانية المختلفة، تأثيرها فيما حولها، أي كل ما يتعلق بها، ثم تصنيف هذه البيانات والتحقق من مصادرها، ومقارنة ما هو متناقض منها ونبذ مالا يصمد أمام الواقع ثم تحليلها واستخلاص النتائج.

منهجية الترجمة:

ومن الضروري إذن أن يكون كاتب السيرة أو الترجمة منهجيا في تصنيفه، موضوعيا فيما يورده من معلومات.

وهذا نص من كتاب جرجي زيدان من سلسلة أعلام العرب يبين فيه مؤلفه عبد الغني حسن طريقة "زيدان" في ترجمته للأعلام والمشاهير:

"وجرى زيدان في الترجمة على نهجه المعروف من التحري والضبط، ولم يكتف بالنقل والسماع في الترجمة للأموات، ولكنه في الترجمة للأحياء من معاصريه اعتمد على المعاينة والخبرة والمعرفة الشخصية، وندعه يقول في هذا بعبارته: "وقد بذلنا الجهد في تحري أعمال هؤلاء المشاهير ومناقبهم من أوثق المصادر، وأصدق الروايات، مع ما خبرناه بنفسنا ممن عاصرناهم وعرفناهم"

تراجم مشاهير الشرق: جرجي زيدان-ج2 ص1
وتمتاز تراجم زيدان بأنه يذكر في صدر كل ترجمة تاريخ ميلاد المترجم له، وتاريخ وفاته،ولم يكن يخل بهذه القاعدة إلا حين يترجم لواحد من الأحياء كما فعل في ترجمته للخديوي عباس الثاني، أو حين لايصل إلى علمه تاريخ ميلاد المترجم له .

ونستطيع أن نصنف كتب التراجم والسير إلى أربعة أقسام:

1- السيرة الطويلة التي لا تترك شاردة ولا واردة إلا أحصتها، وأهمها سيرة النبي صلى الله عليه وسلم،وأشهر من كتب فيها ابن هشام وذلك في أربعة مجلدات، ثم السير الشعبية المليئة بالبطولات والتي تصل إلى حد الحكايات الخرافية،مثل سيرة عنترة، وسيرة الملك اليمني سيف بن ذي يزن، وكلها قديمة.

2- الكتب التي تختص بالترجمة لشخص واحد وكلها حديثة كالعبقريات للعقاد:مثل "عبقرية محمد" و"عبقرية عمر" و"عبقرية علي" ومحمد بن أبي شنب للشيخ عبد الرحمن جيلالي، والشيخ عبد الحميد بن باديس للدكتور رابح تركي وغيرها.

3- الكتب التي تترجم لمجموعة الأعلام، مثل: الشعر والشعراء لابن قتيبة ترجم لمائتين وستة من الشعر، وطبقات فحول الشعر لابن سلام الجمي، والأغاني لأبي فرج الأصفهاني الذي ترجم فيه للمغنيين والشعراء وبعض الخلفاء والوزراء، والفهرست لابن النديم ويورد فيها ا سماء الكتب وأخبار مؤلفيها ومعجم الأدباء لياقوت الحموي وكلها قديمة أما معجم الأعلام للشاعر السوري خير الدين الزركلي، فهو حديث ظهر في أواخر الخمسينات وأما في الجزائر فنجد كتاب "البستان"ُ لابن مريم المديوني في القرن الخامس عشر الميلادي وقد خصص معظمه لرجالات تلمسان من علماء وموظفين وأولياء صالحين، و"تعريف الخلف برجال السلف" لأبي القاسم محمد الحفناوي في بداية هذا القرن. ومعجم مشاهير المغاربة من إعداد فرقة البحث في جامعة الجزائر بإشراف الدكتور أبو عمران الشيخ رئيس الفرقة وأعضاء الفرقة هم: زهير إحدادن، علي الإدريسي، جلول حلمو، علي علواش، محمد الشريف قاهر،مالحة بن ابراهيم. أما "كتاب تاريخ الجزائر الثقافي" للدكتور سعد الله فهو كتاب شامل تعد التراجم جزءا هاما منه.

4- السيرة الذاتية: وسنتحدث عنها في حينها.

أمثلة عن سير الكتب والتراجم:

وإذا استعرضنا خطة بعض كتب السير والتراجم نجدها تؤرخ لصاحب السيرة منذ ولادته إلى وفاته، مبينة نشأته وتكوينه وثقافته وذكاءه، وصفاته، وعلاقته بمن حوله، وما قام به من أعمال ومآثر، وما تركته من مؤلفات تبين غايته وأهدافه في الحياة، ودوافعه ووسائله. ثم تلخص ذلك في تقييم إجمالي لشخصيته، فهذا عباس محمود العقاد يتبع خطة في العبقريات تشمل ذلك كله، ففي "عبقرية عمر" رضي الله عنه. نجده يصنف ترجمته حسب النقاط الآتية:

"عبقري"، رجل ممتاز، صفاته، مفتاح شخصيته، إسلامه، عمر والدولة الإسلامية، عمر والحكومة العصرية، عمر والنبي (ص)، عمر والصحابة، ثقافة عمر، عمر في بيته، صورة مجملة.

عبقرية عمر ص240
وفي عبقرية الإمام علي يصنف ترجمته حسبما يأتي:

"صفاته، مفتاح شخصيته، إسلامه، عصر الإمام، البيعة، سياسته، حكومته، النبي والإمام والصحابة، ثقافته، في بيته، صورة مجملة"

عبقرية الإمام علي ص232
كما نجد الشيخ عبد الرحمن الجيلالي يصنف ترجمة محمد بن أبي شنب وفق ما يأتي:

"أصله وأسرته، نشأته ودراسته،رحلته في طلب العلم، معارفه واجتهاده ومناصبه، مرضه الأخير ووفاته، صفاته الذاتية، أخلاقه وسجاياه، آثاره ومؤلفاته، ويختم الكتاب ببعض آثاره ورسائله وما كتب عنه"

محمد بن أبي شنب، حياته وآثاره

أهمية المراجع:

ولكن كتابة السيرة والتراجم تحتاج إلى مراجع يجمع منها الكاتب عناصر بحثه، فإذا كانت المراجع قليلة ونادرة صعبت مهمة الباحث، ويوضح لنا المؤرخ أبو القاسم سعد الله بعض جوانب هذه المشكلة التي واجهته عند إعداد مؤلفه "محمد العيد آل خليفة، رائد الشعر الجزائري في العصر الحديث فيقول في الصفحة الثامنة من المقدمة:

"ويجب أن أذكر هنا أن أكبر أزمة واجهتني هي أزمة المراجع، فإن المكتبة العربية-كما قلت- تكاد تخلو من الكتب الأدبية عن الجزائر، وقد جعلني هذا أعاني من مشقة في البحث، ولاسيما في الجزء الخاص بحياة الشاعر الشخصية لأن الشاعر-كما سيرى القارئ-كان منصرفا إلى التفاعل مع الأحداث التي تعيشها بلاده ووطنه الكبير، ولا يلتفت إلى ذاته يغنيها، ومشاكله يعرضها، وحياته يفلسفها إلى قليلا، لذلك اعتمدت على شعره وعلى المشافهة والرواية، ومع ذلك أذكر أن "الشهاب" و"البصائر" كانتا أهم مراجع لي -بعد الديوان- إذ فيها نشر شعره، وعرفه القراء وأهديت إليه الألقاب الكبيرة، وزفت إليه تحايا الإعجاب والتقدير، وكذلك استفدت من كتاب "شعراء الجزائر في العصر الحاضر" لمحمد الهادي السنوسي "فوائد جمة".

وقد شق على الكاتب أن يرى الباحثين العرب يهملون أدب الجزائر القديم والحديث، أو يقدمون من كتبوا بالفرنسية على أنهم هم وحدهم أدباء الجزائر:

"وكان يعز علي حقا كذلك أن أرى بعض الباحثين العرب يقدموا من كتبوا بالفرنسية من الجزائريين على أن هم أدباء الجزائر العربية، وقصاصوها وشعراؤها ومفكروها. وكنت آسف حقا أيضا حين أرى بعض المتخصصين في الآداب العربية من أساتذة الجامعة والمعاهد العالية لا يتعرضون لأدب الجزائر القديم أو الحديث، ولا يستشهدون لأدبائها وشعرائها حين يدرسون قضية هامة شملت الوطن العربي جميعا في وقت ما بالأفراح أو الدموع".

المصدر نفسه ص6
ولعل هذا من العوامل التي دفعته إلى كتابة موسوعته الضخمة الرائعة "تاريخ الجزائر الثقافي" في عشرة أجزاء.

ومما يأكد قلة المراجع وندرتها، أن أبا القاسممحمد الحفناوي في الجزء الأول من كتابه الشهير "تعريف الخلف برجال السلف" اضطر أن يترجم لبعض الأعلام في سطر واحد أو سطرين مكتفيا بذكر الاسم وأحيانا بإضافة تاريخ الوفاة وهذه أمثلة:

العلامة أحمد النقاوسي البجائي

قال تلميذه أبو زيد عبد الرحمن الثعالبي: شيخنا الإمام المحقق الجامع بين علم المنقول والمعقول، ذو الأخلاق المرضية والأحوال الصالحة السنية.

ص345
أحمد بن يعقوب العبادي

أحمد بن محمد بن يعقوب العجيسي الشهير بالعبادي، يكنى أبا العباس، توفى في تلمسان سنة 867 هـ

المصدر نفسه والصفحة نفسها
سليمان الوهراني

سليمان الحميدي الوهراني أبو الربيع.

قال القلصادي في "رحلته" :اجتمعت به فيها، وكان فقيها إماما.

المصدر نفسه ص446
وغني عن القول، أن هذه الترجمة لا تعرفنا بالمترجم لها، لأن المؤلف لم يستطع الحصول على معلومات عنه، فاكتفى بذكره.

مسؤولية أبناء المغرب العربي:

ويحمل الدكتور سعد الله أهل المغرب العربي جزءا من المسؤولية عن إهمالهم الشعر وعدم اهتمامهم بتدوين ما أنتجته قرائح شعرائهم ولاسيما في العهد العثماني:

"فدواوين المنداسي وابن علي وابن عمار والمقراني وابن حمادوش والمانجلاتي وابن سحنونوابن الشاهد وأضرابهم لم تنشر أو تعرف بعد. وكل ما نعرفه عن هذا الشاعر أو ذاك هو بعض الأبيات أو القصائد المثبتة عرضا في أحد المصادر التاريخية أو الفقهية أو المتفرقة في الوثائق العامة، ولعل هذه الظاهرة، ظاهرة الإهمال للشعر وأهله، تؤكد ما ذهب إليه ابن خلدون من أهل أن المغرب العربي قد أضاعوا رواية أشعارهم وأخبارهم فأضاعوا أنسابهم وأحسابهم".

تاريخ الجزائر الثقافي (2).د.أبو القاسم سعد الله. ص247

حاجتنا إلى دراسة أعلامنا:

وما أحوجنا في الجزائر إلى دراسة شخصياتنا العظيمة التي ظلت أعمالها محجوبة طيلة العهد الاستعماري، ويستحسن التركيز في القسم على تكليف بعض التلاميذ بالاهتمام بالشخصيات المحلية التاريخية في المنطقة والتعريف بها، وليس هذا من قبيل الإقليمية بل لأن شخصيات المنطقة، لن تجد أحسن من أبنائها لجمع المعلومات عنها بسهولة ويسر، وتكليف جزء آخر بالاهتمام بالشخصيات الوطنية، وجزء منهم بالتعريف بالشخصيات العربية الإسلامية ثم بالشخصيات العالمية الإنسانية التي أثرت الحضارة الإنسانية في كل المجالات، على أن تكون هذه الدراسة علمية وموضوعية.

مخطط الدراسة:

وإليك المخطط الذي نقترحه للدراسة وهو لا يختلف عما رأيناه في دراسة الشخصيات الروائية، وليس المقصود منه تدريب التلاميذ على كتابة السيرة بمعناها الفني، بل تدريبهم على البحث وجمع المعلومات وتصنيفها ثم استغلالها في كتابة الدراسة:

أ- تحليل المترجم له بالإجابة عن الأسئلة الآتية:

1- من هو؟ استخلاص مقوماته الجسمية والنفسية والاجتماعية:

أولا- مظهره الخارجي(الجسم والثياب).

ثانيا- تكوينه النفسي والاجتماعي:

أ-مولده ونشأته وأسرته وبيئته وعصره.

ب- ثقافته(تعليمه وأساتذته).

ج-ذكاؤه.

د-الجانب الانفعالي الوجداني:

I- مزاجه.ii-انفعالاته.iii-عواطفه.vi-طباعه وسلوكه.

2- ماذا يريد؟ غايته في الحياة: علمية،دينية- أدبية- قومية-إنسانية.

3- ما دوافعه؟ شخصية- اجتماعية-إنسانية..الخ.

4- ما وسائله؟ هل هي شريفة أم دنيئة.

أولا-أعماله ومآثره.

ثانيا-مواقفه.

ثالثا-آثاره إن وجدت:مؤلفات شعرية أم نثرية.

5- ما طبيعة علاقاته بمن حوله؟ علاقات الوئام والانسجام أو التوتر والصدام بسبب توافق الغايات أو اختلافها.

ب-تقييمه الإجمالي:

1-تقييم الأعمال التي قام بها وأثرها فيمن حوله وفي مجتمعه وفي الإنسانية.

2-إبراز دوره ودور المجتمع (بما فيه دور الأسرة والأساتذة والأحداث) في ظهوره ونبوغه. فالمجتمع له دور في حياة الفرد، كما أن للفرد دورا في تقدم المجتمع، وعلى سبيل المثال تعميم التعليم بعد الاستقلال جعل كثيرا منا يتمون تعليمهم الثانوي والجامعي، ولولا الاستقلال لكان أكثرنا الآن خماسين ورعيانا.

ما يجب إبرازه:

وما تجدر الإشارة إليه أننا نركز في ترجمتنا للقائد السياسي على صفاته القيادية، وأعماله في هذا المجال، وفي ترجمتنا للعام إلى صفاته العلمية ومساهمته وآثاره في هذا الميدان، وكذلك بالنسبة للفنان أو الأديب، فنبرز في كل منهم الجانب الذي نبغ وأبدع فيه.

ما يطلب من التلميذ:

هناك نوعان من تمارين الدراسة ينتظران التلميذ:

1-النوع الأول هو اختيار كتاب مطبوع عن سيرة أو ترجمة أحد العظماء من الجزائريين أو العرب أو من عظماء الإنسانية في مختلف مجالاتها العلمية والطبية والأدبية والفلكية.أو في أي مجال آخر، فيلخص بيئة الكاتب ومولده ونشأته في فقرة، ثم يلخص صفاته العلمية أو السياسية أو الأدبية في فقرة.

ويخصص فقرة لتلخيص أهدافه ومبادئه ودوافعه، وفقرة أو فقرتين لأهم أعماله ومآثره ومؤلفاته يظهر فيها نبل وسائله، وفقرة أخرى لعلاقاته بمن حواه، ويقدم لموضوعه بفقرة أخرى يتحدث فيها عن العصر الذي نشأ فيه ويختمه بتقييمه وتقييم أعماله مبرزا تأثيره في مجتمعه أو في الإنسانية، مبينا سر نبوغه ودور فطرته ودور أسرته وأساتذته في ذلك، ولبد من ذكر تاريخ الوفاة إذ لم تكن الشخصية على قيد الحياة.ولا يعني هذا تلخيص الكتاب، بل فهمه وتقديم أهم ما في حياة المترجم له من خلال المخطط المذكور آنفا.

2-النوع الثاني هو اختيار شخصية محلية علمية أو أدبية لم يطبع عنها كتاب فعلى التلميذ أن يحاول جمع مصادر البحث من الشخصية نفسها ومن أعمالها المطبوعة، ومن الحوار مع الناس عنها، وأن يكتب عنها دراسة مفصلة وفق المخطط المذكور. ثم يقرأ ملخصا عن هذه الدراسة في القسم.

طرق أخرى لدراسة الشخصية:

ويمكن لنا بالطبع دراسة جانب واحد أو أكثر من جوانب الشخصية، كأن ندرس عدالة عمر بن الخطاب، أو بلاغة علي رضي الله عنهما، أو مراسلات الأمير عبد القادر، ويمكن أن تشترك مجموعة من التلاميذ في دراسة شخصية واحدة، يدرس كل منهم جانبا من جوانبها المتعددة.

شخصية الشيخ الإبراهيمي

ونورد هنا مقتطفات من الترجمة الذاتية للشيخ محمد البشير الابراهيمي الذي تعتبر سيرته مع رفاق دربه الإمام عبد الحميد بن باديس والعربي التبسي والطيب العقبي ومبارك الميلي وغيرهم جزءا مشرقا من تاريخ الجزائر لما كان لهم من أثر مع أمثالهم من الوطنيين المخلصيين في التصدي لمخطط الاستعمار في فرنسة الجزائر، وما كان لهم من فضل في إحياء اللغة العربية وفتح المدارس لتعليمها.

قسم الشيخ حياته إلى خمس مراحل؛ ونورد مقتطفات عن المرحلتين الأولى والأخيرة لأهميتهما وارتباطهما ارتباطا وثيقا فالأولى تلقى فيها العلم بالعربية، والأخيرة نشر فيها العلم والتعليم بالعربية:

1 ـ المرحلة الأولى:

تحدث فيها الشيخ عن تاريخ ولادته سنة 1889 وقبيلته، أولاد ابراهيم التي يرجع نسبها إلى إدريس بن عبد الله الجزم الأول للأشراف الأدارسة الذي جاء إلى المغرب الأقصى بعد وقعة "فخ" بين العلويين والعباسيين.

"وبيتنا إحدى البيوتات التي حفظت رسم العلم و توارثته قرونا من لدن خمول بجاية وسقوطها في القرن التاسع الهجري، وقد كانت بجاية دار هجرة للعلم، وخصوصا للأقاليم المتاخمة لها مثل إقليمنا، وقد خرج من عمود نسبنا بالذات في هذه القرون الخمسة علماء في العلوم العربية، ونشروها بهمة واجتهاد في الأقاليم المجاورة لإقليمنا، ومنهم من هاجر إلى القاهرة في سبيل الاستزادة من العلم و التوسع فيه ـ على صعوبة الهجرة إذ ذاك ـ ومن آثار الاتصال بالقاهرة أنهم بعد رجوعهم سموا أبناءهم بأسماء كبار مشايخ الأزهر، وأنا أدركت في فروع بيتنا من تسمى بالأمير والصاوي والخرشي والسنهوري".

آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي (5) ص272
ثم تحدث عن تعلمه في الصغر، ومعلميه الأوائل ونورد للفائدة الكتب التي كان يقرؤها والتي كانت متداولة بين من ينهلون العلم لنتعرف على بعض مصادر معرفته:

"فما بلغت تسع سنين من عمري حتى كنت أحفظ القرآن مع فهم مفرداته وغريبه: وكنت أحفظ معه ألفيه ابن مالك ومعظم الكافية له، و ألفية ابن معطي الجزائري، وألفيتي الحافظ العراقي في السبر والأثر، وأحفظ جمع الجوامع في الأصول، وتلخيص المفتاح للقاضي القزويني، ورقم الحلل في نظم الدول لابن الخطيب، وأحفظ الكثير من شعر أبي عبد الله بن خميس التلمساني شاعر المغرب والأندلس في المائة السابعة، وأحفظ رسائل معظم بلغاء الأندلس مثل ابن الشهيد، وابن برد وابن أبي الخصال، و أبي المطرف بن أبي عميرة، وابن الخطيب، ثم لفتني عمي إلى دواوين فحول المشارقة، ورسائل بلغائهم، فحفظت صدرا من شعر المتبني ثم استوعبته بعد رحلتي إلى الشرق، وصدرا من شعر الطائيين، وحفظت ديوان الحماسة، وحفظت كثيرا من رسائل سهل بن هارون وبديع الزمان، وفي عنفوان هذه الفترة كنت حفظت بإرشاد عمي كتاب كفاية المتحفظ للأجدابي الطرابلسي، وكتاب الألفاظ الكتابية للهمداني، وكتاب الفصيح لثعلب، وكتاب إصلاح المنطق ليعقوب السكيت، وهذه الكتب الأربعة هي التي كان لها معظم الأثر في ملكتي اللغوية".

آثار الإمام محمد البشير الابراهيمي (5) ص273

وكانت المرحلة الخامسة هي أهم مرحلة في حياة الشيخ وحياة الجزائر، وقد بدأها بلقائه مع الإمام الشيخ عبد الحميد بن باديس:

"كان من تدابير الأقدار الإلهية للجزائر، ومن مخبئات الغيوب لها أن يرد علي بعد استقراري بالمدينة المنورة سنة وبضعة أشهر أخي ورفيقي في الجهاد بعد ذلك الشيخ عبد الحميد بن باديس أعلم علماء الشمال الإفريقي ولا أغالي، وباني النهضات العلمية والأدبية والاجتماعية والسياسية للجزائر.

وبيت ابن باديس في قسنطينة بيت عريق في السؤدد والعلم ينتهي نسبه في سلسلة كعمود الصبح إلى المعز بن باديس مؤسس الدولة الصنهاجية الأولى التي خلفت الأغالبة على مملكة القيروان"

المصدر نفسه ص 278

ويروي الشيخ أن الليالي التي كانا يجتمعان فيها طيلة الأشهر الثلاثة التي مكثها ابن باديس بالمدينة، خصصت لوضع أسس جمعية العلماء:

"وأشهد الله على أن تلك الليالي من سنة 1913 ميلادية هي التي وضعت فيها الأسس الأولى لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي لم تبرز للوجود إلا في سنة 1931".

المصدر نفسه الصفحة نفسها

وتحدث الشيخ عن عمل ابن باديس وجهوده في فتح المدارس ونشر العلم، ثم التحاقه به بعد حلوله بالجزائر وتوطد الصلة بينه وبين ابن باديس ما بين سنتي 1920 ـ 1930 التي كانت فترة إعداد لتأسيسها وإعلانها في شهر مايو سنة 1931: بمناسبة احتفالات فرنسا بالذكرى المئوية لاحتلال الجزائر.

"فانتخب المجلس الإداري من رجال أكفاء جمعتهم وحدة المشرب ووحدة الفكر، ووحدة المنازع الاجتماعية والسياسية، ووحدة المنازع الاجتماعية والسياسية، ووحدة المناهضة للاستعمار، وقد وكل المجتمعون ترشيحهم إلينا فانتخبوهم بالإجماع، وانتخبوا ابن باديس رئيسا، وكاتب هذه الأسطر وكيلا نائبا عنه، وأصبحت الجمعية حقيقة واقعة قانونية وجاء دور العمل".

المصدر نفسه ص 281

وقد توزع العلماء الكبار على عواصم المقاطعات ليشرف كل منهم على مدارس المقاطعة فبقي الشيخ ابن باديس في قسنطينة، وتوجه الشيخ الإبراهمي إلى تلمسان والشيخ الطيب العقبي إلى الجزائر، وفي سنة 1940 نفت السلطات الاستعمارية الشيخ البشير إلى الصحراء وتوفي الشيخ ابن باديس، وانتخب الشيخ البشير بالإجماع رئيسا للجمعية وهو في المنفى، وقد نشرت الجمعية التعليم بالعربية في الجزائر وبلغ عدد المدارس الابتدائية العربية في سنة 1952 أربعمائة وزيادة، وفتح معهد ابن باديس للتعليم الثانوي في قسنطينة، وبلغ عدد تلامذته في السنة الأولى ما يزيد عن الألف، ونورد في هذه العجالة ما سجله الشيخ عن أثر الأعمال التي قام بها مع إخوانه:

"أثر أعمالنا في الشعب بارز لا ينكره حتى أعداؤنا من الاستعماريين، وخصومنا من إخواننا السياسيين، فمن آثار نابث الوعي واليقظة في الشعب حتى أصبح يعرف ماله وما عليه، ومنها إحياء تاريخ الإسلام وأمجاد العرب التي كان الاستعمار يسد عليه منافذ شعاعها، حتى لا يتسرب إليها شيء من ذلك الشعاع، ومنها تطهير عقائد الإسلام وعباداته من أوضار الضلال و الابتداع. وإبراز فضائل الإسلام، وأولها الاعتماد على النفس، وإيثار العزة والكرامة، والنفور من الذلة والاستكانة والاستسلام ، ومنها أخذ كل شيء بالقوة، ومنها العمل، هذه الكلمة الصغيرة التي تنطوي تحتها جميع الفضائل، ومنها المال والنفس في سبيل الدين والوطن، و منها نشر التحابب والتآخي بين أفراد المجتمع، ومنها التمسك بالحقائق لا بالخيالات والأوهام، فكل هذه الفضائل كان الاستعمار يغطيها عن قصد لينساها المسلمون على مر الزمان، بواسطة التجهيل وانزواء العقل والفكر"

المصدر نفسه ص 287










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-23, 21:50   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
سطايفية بكل فخر
مشرف منتدى التقنيّة، ومنتديات الثقافة الطبيّة والعلوم
 
الصورة الرمزية سطايفية بكل فخر
 

 

 
الأوسمة
موضوع مميز العضو المميز المواضيع المميزة 2014 
إحصائية العضو










افتراضي

خاتمة كتاب الشخصية

للكاتب عبد الله خمّار



وبعد.

فهذه بعض نماذج الشخصية التي حاول فيها الكتاب والروائيون والمسرحيون تسليط النفس على النفس الإنسانية وإظهار ما فيها من قوة وضعف، وخير وشر، وإيثار وأنانية، كما أظهروا لنا العواطف الإنسانية، من خلال قلوب تنبض بحب من حولها إلى قلوب تعمر بالكراهية والحقد. وكشفوا لنا عن طباع هذه الشخصيات التي تتراوح بين الشجاعة والإباء والتضحية، وبين الجبن والخسة والنذالة، كما بينوا لنا غايتها ودوافعها ووسائلها، وبعضها نبيلة تهدف إلى رفعة الرد والمجتمع أو عضها دنيئة تضع مصلحة صاحبها فوق كل اعتبار.

وقد أضيف إليها بعض نماذج شخصياتنا العظيمة نراها في كفاحها لتحقيق غاياتها النبيلة السياسة والوطنية والعلمية والأدبية والفنية،ومآثرها التي خلدتها..

ولم يكن هدفنا أن يدرس التلميذ الشخصية الروائية، كما تدرس العناصر في المختبرات، أو أن يدرس سيرة عظمائه دراسة موضوعية مجردة من العواطف، وإنما أدرنا تقريب الشخصيات الروائية من التلميذ ليرى محاسنها وعيوبها، صورته وصورة من حوله، فيعجب بالمحاسن ويشمئز من العيوب، ويكون عادلا في تقييمه، يلتمس لأصحابها كالقاضي بعض الظروف المخففة عما ارتكبوه من أخطاء.

ويرى شخصياته العظيمة بعينه وبعقله وقلبه، فيتغاضى عن لحظات الضعف ويسجل المآثر الرائعة ويخلدها ويقتدي بها.










رد مع اقتباس
قديم 2016-01-23, 21:52   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
سطايفية بكل فخر
مشرف منتدى التقنيّة، ومنتديات الثقافة الطبيّة والعلوم
 
الصورة الرمزية سطايفية بكل فخر
 

 

 
الأوسمة
موضوع مميز العضو المميز المواضيع المميزة 2014 
إحصائية العضو










افتراضي

مصادر ومراجع كتاب الشخصية

للكاتب عبد الله خمّار



1- الإبراهيمي، أحمد طالب
آثار الإمام محمد بشير الإبراهيمي/ جمع وتقديم د. أحمد طالب الإبراهيمي-بيروت: دار الغرب الإسلامي،1997.- خمسة مجلدات.

2- الإدلبي، إلفة

دمشق يا بسمة الحزن / إلفة الإدلبي .- دمشق: وزارة الثقافة والإرشاد القومي، 1980
3- البيريس، ر. م

تاريخ الرواية الحديثة / ر.- م . البيريس؛ ترجمة جورج سالم .- بيروت، باريس: منشورات بحر المتوسط: منشورات عويدات، 1982
4- البرقوقي، عبد الرحمن

شرح ديوان المتنبي / عبد الرحمن البرقوقي .- بيروت: دار الكتاب العربي، 1980 .- أربعة أجزاء في مجلدين
5- بسفيلد، روجر. م

فن الكاتب المسرحي / روجرم . بسفيلد؛ ترجمة دريني خشبة .- القاهرة: مكتبة نهضة مصر، 1964
6- بن هدوقة، عبد الحميد
نهاية الأمس / عبد الحميد بن هدوقة .- الجزائر: الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، 1975
7- بولتون، مارجوري
تشريح المسرحية/مارجوري بولتون، ترجمة :دريني خشبة.- القاهرة: مكتبة الأنجلو مصرية،1962.-( الألف كتاب،406،بإشراف وزارة التعليم العالي)

8- تادرس، خليل حنا
نجيب محفوظ الأسطورة الخالدة/ خليل حنا تادرس.- القاهرة: مطبعة النصر، 1989

9- الجيلالي، عبد الرحمن بن محمد
محمد بن أبي شنب:حياته وآثاره: عبد الرحمن بن محمد الجيلالي.-الجزائر:المؤسسة الوطنية للكتاب،1983

10- حسن، محمد عبد الغني
جرجي زيدان/محمد عبد الغني حسن.-القاهرة:الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر،1970.-(أعلام العرب،90)

11- الحفناوي، أبو القاسم محمد
تعريف الخلف برجال السلف/أبو القاسم محمد الحفناوي، تقديم محمد رؤوف القاسمي الحسني .- الجزائر: موفم للنشر،1991.- جزآن.- (الأنيس:سلسلة العلوم الإنسانية بإشراف علي الكنز).

12- خرابتشينكو، م
ذات الكاتب الإبداعية / م . خرابتشينكو؛ ترجمة نوفل نيوف، عاطف أبو حمزة .- دمشق: وزارة الثقافة والإرشاد القومي، 1980
13- خمّار، عبد الله
فن الكتابة:تقنيات الوصف / عبد الله خمّار .ـ الجزائر : دار الكتاب العربي، 1998
14- ديب، محمد
الدار الكبيرة: الحريق: النول / محمد ديب؛ ترجمة الدكتور سامي الدروبي .- بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، 1968
15- ديكنز، تشارلز
أوليفر تويست / تشارلز ديكنز ؛ تقديم ف. عماري .- الجزائر: موفم للنشر، 1990 .- جزآن
16- رابح، تركي
1- الشيخ عبد الحميد بن باديس: فلسفته وجهوده في التربية والتعليم/ د. تركي رابح.- الجزائر: الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، 1970

17- ريكاردو، جان
قضايا الرواية الحديثة / جان ريكاردو؛ ترجمة صياح الجهيم .- دمشق: وزارة الثقافة والإرشاد القومي، 1977
18- السبيعي، عدنان
علم النفس / عدنان السبيعي، عدله مأمون توبان، معروف زريق، عبد الرحمن نحلاوي .- دمشق: وزارة التربية السورية، 1967
19- سعد الله، أبو القاسم
شارل هنري تشرشل/حياة الأمير عبد القادر، ترجمه وقدم له وعلق عليه د. أبو القاسم سعد الله.-الجزائر:الشركة الوطنية للنشر والتوزيع،1982.-(أعلام المغرب)

20- سعد الله، أبو القاسم
محمد العيد آل خليفة: رائد الشعر الجزائري في العصر الحديث / أبو القاسم سعد الله .- القاهرة: دار المعارف بمصر، 1961
21- سعد الله، أبو القاسم
تاريخ الجزائر الثقافي:من القرن العاشر إلى القرن الرابع عشر الهجري (16-20م )/د.أبو القاسم سعد الله.-الجزائر:الشركة الوطنية للنشر والتوزيع،1981.-جزآن

22- شكسبير، وليم
مكبث متبوع بالعاصفة/وليم شكسبير، تقديم د.أبو العيد دودو.- الجزائر: موفم للنشر،1994.- الأنيس: السلسلة الأدبية بإشراف مصطفى سواق

23- الشماع، نعيمة
الشخصية/د. نعيمة الشماع.-القاهرة: معهد البحوث والدراسات العربية، 1977

24- صالح، الطيب
موسم الهجرة إلى الشمال / الطيب صالح؛ تقديم توفيق بكار .- الجزائر: الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، تونس : دار الجنوب للنشر ، 1979
25- عباس، إحسان
فن السيرة/ د. إحسان عباس.- بيروت: دار بيروت للطباعة والنشر، 1956

26- عدد من الباحثين
الموسوعة العربية الميسرة / عدد كبير من الباحثين .- القاهرة: دار الشعب، 1987
27- العسلي، بسام

محمد المقراني وثورة 1871 الجزائرية/بسام العسلي .- ط 3.- بيروت: دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع،199.- (جهاد شعب الجزائر،5)

28- العقاد، عباس محمود
عبقرية الإمام علي / عباس محمود العقاد .- بيروت: دار الكتاب العربي، 1967
29- العقاد، عباس محمود
عبقرية عمر / عباس محمود العقاد .- بيروت: دار الكتاب العربي، 1969
30- عيد، رجاء
قراءة في أدب نجيب محفوظ: رؤية نقدية/ د. رجاء عيد.- الاسكندرية: منشأة المعارف، 1989

31- فرعون، مولود
الدروب الوعرة / مولود فرعون؛ ترجمة: د. حنفي بن عيسى .- الجزائر: المؤسسة الوطنية للكتاب، 1990
32- كامل، فؤاد
الموسوعة الفلسفية المختصرة / نقلها عن الإنجليزية فؤاد كامل، جلال العشري، عبد الرشيد الصادق، راجعها وأشرف عليها وأضاف شخصيات إسلامية الدكتور زكي نجيب محمود .- القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية
33- محفوظ، نجيب
الأعمال الكاملة / نجيب محفوظ .- بيروت: المكتبة العالمية الجديدة، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، [د.ت.].- ثمانية مجلدات
34- مديرية التكوين في وزارة التعليم الابتدائي والثانوي
دروس في التربية وعلم النفس / مديرية التكوين في وزارة التعليم الابتدائي والثانوي .- الجزائر: المديرية الفرعية للتكوين، 1973-1974
35- ميليت، فرد ب
فن المسرحية / فرد ب .ميليت، جيرالد ايدس بنتلي، ترجمة صدقي حطاب .- بيروت: دار الثقافة بالاشتراك مع مؤسسة فرنكلين للطباعة والنشر، 1966
36- هيغو، فيكتور
البؤساء / فيكور هيغو؛ ترجمة منير البعلبكي .- بيروت: دار العلم للملايين، 1956 .- خمس مجلدات
37- وطار، الطاهر
الشمعة والدهاليز / الطاهر وطار .- الجزائر: منشورات التبيين. الجاحظية، 1995










رد مع اقتباس
إضافة رد

الكلمات الدلالية (Tags)
كتاب ، خمار ، تقنية ، وصف


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 20:37

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc