بحث حول جماعة الديوان ومظاهر التجديد في شعرهم - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

بحث حول جماعة الديوان ومظاهر التجديد في شعرهم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2010-01-20, 18:19   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
رهوة
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية رهوة
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي بحث حول جماعة الديوان ومظاهر التجديد في شعرهم

السلام عليكم
عاجل: لمن له اي معلومات ان يفيدني









 


قديم 2010-01-29, 00:44   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
الصقرالشمالي
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية الصقرالشمالي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

https://medhatfoda.jeeran.com/m3th/adb%203th/3tha3.htm

:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: ::::::::::::::::::
بحث حول الشعر عند جماعة الديوان. 2009-04-07, 23:14

أفراد جماعة الديوان :


تكونت علاقة صداقة بين عبد الرحمان شكري وابراهيم عبدالقادر المازني وكان للصحافة فضل في تعرف المازني على العقاد.شاركا في تحرير مجلة (البيان) سنة1911 .بالإضافة إلى نشاطات مختلفة جعلت الأديبين "لايكاد يذكر أحدهما دون الآخر"
أما تعارف شكري والعقاد فيرجع الفضل فيه إلى المازني الذي كان في انجلترا وكان يتحدث كثيرا عن شكري. ولما عاد شكري إلى مصر 1913 ثم اللقاء بينه وبين العقاد وبهذا تشكل عقد جماعة الديوان.

العوامل التي شكلت اتجاه جماعة الديوان

وحدة الثقافة.
إتفاق النظرة إلى الأدب.
الإتجاه الجديد الذي أرادوا أن يمنحوه للأدب العربي.
الإشتراك في الظروف الإجتماعية والأدبية.

مفهوم الشعر عند جماعة الديوان

تحدث (وورد زورث)عن العملية الشعرية فقال "لقد قلت أن الشعر إنسياب تلقائي للمشاعر القوية" ويؤكد هذا التحليل مبدأين أساسيين في مذهب الرومنسية :
أولهما :أن الشعر حقا تعبير عن النفس ومشاعرها.
ثانيهما :أن هذا التعبير مطبوع لاتكلف فيه.
وهي نفس الرؤية التي يراها شكري تقريبا في قوله :"انفعالا عصبيا" يسبق عملية الشعر‘وأن الشعر "تدفق الأساليب كالسيل " تدل على الطبع في التعبير الشعري الرومانسي وعند جماعة الديوان.وهكذا تتألف العملية الشعرية من مرحلتين؛الأولى تثور فيها عواطف الشاعر ‘والثانية يتأمل فيها الشاعر عواطفه‘ويضبطها‘ويكوّن منها ماهو أصلح للتعبير الشعري.
فالشعرفي نظر جماعة الديوان كما هو في نظر الرومنسيين الإنجليز. تعبير عن النفس ومشاعرها.وهذه أبرز قضية في مذهب جماعة الديوان . يقول هازلت :"إن أصدق تعريف يمكن أن يعرف به الشعر هو أن الصورة الطبيعية لأي غرض أو حادثة .فإن قوته تولّد الخيال والعاطفة...وتبعث رخامة في الأصوات المعبّر عنها."فالعواطف في نظر جماعة الديوان والرومانسيين الانجليز‘هي المنفذ الوحيد الذي يطل منه الشاعر على العالم الخارجي وشؤونه. وتعبير شكري عن اتصال عواطف الإنسان بالعالم الخارجي أجمل وأعمق من تعبير (هازلت)‘فهو يشبه قلب الإنسان بالأركسترا الكثير الآلات والأنغام‘علاوة على ان شكريا يقسم الشعر بين العواطف الخالصة‘وهي العواطف التي هي تعبير عن مظاهر الوجود. ويدخل في المفهوم الشعري عند جماعة الديوان للعواطف الطبيعية فالطبيعة في نظرهم طبيعتان:
1-طبيعة تحيط بنا ويمكن للشاعر الكبير أن يتصل بها وأن يحول موضوعها بشعره عن طريق الخيال والعواطف.
2-طبيعة توجد في نفس الشاعر‘وهي قدرته على التوفيق بين حياته الباطنية وبين حياته الخارجية التي هي جزء من الحياة العامة.

وظيفة الشعر في نظر جماعة الديوان:
تحدد الرومانسية للشعر هدفين اثنين :
الأول :توفير المتعة للقارئ عن طريق اشتراكه في المتعة الوجدانية التي يحس بها الشاعر.
الثاني: هو الكشف عن الحقيقة في أعمق صورها وأتمها.
وجماعة الديوان تلح في كثير من أقوالها على هذه الوظيفة للشعر .قال شكري:"إن وظيفة الشاعر في الإبانة عن الصلات التي تربط أعضاء الوجود ومظاهره والشعر يرجع إلى طبيعة التأليف بين الحقائق."
ويرى العقاد أن الشعر يطلعك إلى مالم تستطع الوصول إليه من أسرار تكمن وراء مظاهر الأشياء .ويتغلغل بك إلى اللباب ويكشف عن جوهر ما في الحياة.
ويرى العقاد أن الشعر لايعتبر شعرا مالم يكن إنسانيا يعبّر عن ذات الإنسان وأدق أحاسيسه ومشاعره تعبيرا صادقا لاتكلّف فيه ولا تصنع...
يقول:"إن الشاعر العظيم هو من تتجلى من شعره صورة كاملة للطبيعة بجمالها وحبه لها ‘وعلانيتها وأسرارها ‘أو أن يستخلص من مجموعة كلامه فلسفة للحياة ومذهبا في حقائقها وفروضها أيّا كان المذهب."
ويحدثنا العقاد عن الصدق في الشعر بصورة مفصّلة في كتاب (ساعات بين الكتب) فيرى أن الشعر هو التعبير عمّا عاناه الشاعر من تجربة تعبيرا لاجدل فيه ولا تزويق ولاخداع ‘وعنده أن الحد بين الشعر الصادق والزائف يقع في محاولة الشاعر التمويه على السامع بالحلية اللفظية ليشغل السامع بالتزويق فيبعده عن الحقيقة والصدق‘ ويضرب في الشعر الزائف غير الصادق بقول الأندلسي :

وقانا لفحة الرمضاء واد***سقاه مضاعف الغيث العميم
نزلنا دوحه فحنا علينا ***حنو المرضعات على الفطيم
وأشربنا على ظمإ زلالا***ألذ من المدامة للنديم
يصد الشمس أنّا واجهتنا***فيحجبها ويأذن للنسيم
يروع حصاه حالية العذارى***فتلمس جانب العقد النظيم.

يقول : "فهذه أبيات من الشعر البليغ يتسق لها حسن الصياغة وجودة الوصف‘وبساطة الأداء‘إلا بيتا واحدا منها يتطرق إليه اللعب العابث والتزييف المكشوف‘ونعني به البيت الأخير‘مع أنه عند النقاد أروع هذه الأبيات وهو بيت هذه القصيدة‘وهو عندي زائف لأن الصورة التي عرضها الشاعر غريبة عن أصل المعنى كاذبة كل الكذب‘ولا فضل فيها للبراعة والطّلاوة."

وظيفة الشاعر عند جماعة الديوان:
ترى جماعة الديوان أن الشاعر هو رسول الطبيعة ترسله مزودا بالنغمات العذاب كي يصقل بها النفوس ويهذبها ويحركها ويزيدها نورا ونارا ‘فعظم الشاعر في عظم إحساسه بالحياة وفي صدق السريرة الذي هو سبب إحساسه بالحياة‘والشاعر الكبير في نظرهم هو الشاعر الذي يعيش لفنّه الجليل قصيدة رائعة تختلف أنغامها باختلاف حالات الحياة‘ففيها نغمة البؤس والشقاء‘وفيها نغمة النعيم والجذل‘وفيها أنغام الحقد واللئم..."
وهو الذي يتعرف كيف يقتبس من هذه الحالات أنغاما.ويصوغها شعرا‘ وهو الذي له عواطف مثل عواطف الوجود مثل الأمواج والرياح والضياع والنار والكهرباء.إذًا فهذا الشعر (شعر العواطف) يفترق عن شعر الحوادث الإجتماعية إذ لابد للشاعر أن يبلغ إلى أعماق النفس "وأن يضرب على كل وتر من أوتارها".

الصورة الشعرية عند جماعة الديوان :

اهتم أفراد جماعة الديوان بالإحساس والشعور في دراستهم الأدبية اهتماما شديدا وهنا الإهتمام نابع من مفهوم الشعر عندهم‘فالصورة الشعرية في نظرهم إنما تقوم أساسا على هذه الملكات والعواطف الإنسانية نتيجة اتصال الشاعر بالطبيعة؛يتلقى رموزها وصورها ثم يحول هذه الرموز والصور إلى خواطر ورموز مجردة ذاتية‘وفي المرحلة الثالثة تتدخل هذه "الملكة الخالقة" التي تعتمد على الشعور الواسع والدقيق.وبإدراك الشاعر للحديث الرئيسي في مضمون القصيدة وترتيبه للأحداث الثانوية ترتيبا منطقيا وضروريا‘تتشكل هذه الصورة الشعرية التي لم يتحدث عنها أفراد جماعة الديوان.
ومنه فالعناصر الثلاثة: الإحساس والخيال والتشبيه يحتاجها الشاعر في عملية التعبير(1) ‘فالخيال عند جماعة الديوان ضروري وملازم للعاطفة في الشعر.يقول عبدالرحمان شكري:"وبعض القراء يرى أن الشعر مقصور على التشبيه مهما كان الشبه الذي فيه متوهما‘ومثل الشاعر الذي يرمي بالتشبيهات على صحيفته من غير حساب مثل الرسام الذي تغره مظاهر الألوان فيملأ بها رسمه من غير حساب .
وليس الخيال مقصورا على التشبيه‘فإنه يشمل روح القصيدة وموضوعها وخواطرها وقد تكون القصيدة ملأى بالتشبيهات وهي بالرغم من ذلك تدل على ضآلة خيال الشاعر‘وقد تكون خالية من التشبيهات وهي تدل على عظم خياله (...) إن الخيال هو كل ما يتخيله الشاعر من وصف جوانب الحياة وشرح عواطف النفس وحالاتها‘والفكر وتقلباته‘(...) وأن أجمل الشعر ماخلا من التشبيهات البعيدة والمغالطات المعنوية.
أنظر مثلا قول (مويلك) يرثي امرأته وقد خلفت له بنتا صغيرة فقال ييصف حالها بعد موتها :

فلقد تركت صغيرة مرحومة***لم تدر ماجزع عليك فتجزع
فقدت شمائل من لزامك حلوة***فتبيت شهر أهلها وتفجع
وإذا سمعت أنينها في ليلها ***طفقت عليك شئون عيني تدمع.
فهو لم يعلمك شيئا جديدا لم تكن تعرفه ‘ولم يبهر خيالك بالتشبيهات الفاسدة والمغالطات المعنوية ‘لكنه ذكر حقيقة ‘ومهارته في تخيل هذه الحالة ووصفها بدقة‘وهذا أجل التخييل وأجل المعاني الشعرية ماقيل في تحليا عواطف النفس ووصف حركاتها كما يشرح الطبيب الجسم.

وحدة القصيدة :
إن القراء من الجمهور يحكمون على القصيدة بأبيات منها تستهوي نفوسهم‘ إما بحق وإما بباطل لأنهم يعدون كل بيت وحدة تامة وهذا خطأ.فإن قيمة البيت في الصلة بين معناه وبين موضوع القصيدة لأن البيت جزء مكمل‘ ولا يصح أن يكون البيت شاردا خارجا عن مكانه من القصيدة بعيدا عن موضوعها(...) فينبغي أن ننظر إلى القصيدة من حيث هي شيئ فرد كامل‘ لا من حيث هي أبيات مستقلة‘فإننا إذا فعلنا ذلك وجدنا ان البيت قد يكون مما لا يستغر القارئ لغرابته‘وهو بالرغم من ذلك جليل لازم لتمام معنى القصيدة ‘ومثل الشاعر الذي لايعطي وحدة القصيدة خفها. مثل النقاش الذي يجعل نصيب كل أجزاء الصورة التي ينقشها من الضوء نصيبا واحدا.

الوزن والقافية:
وحدثنا العقاد عن رأيه في الوزن والقافية وتطورهما بتطور أغراض الشعر الحديث واطلاع الشعراء المحدثين في الشعر الغربي.وهو حين يدعو للتطور في هذا المجال لايريده مفاجئا ‘وإنما يدعو إليه بروية وتؤدة.
يقول في مقدمة ديوان المازني :
"ولا مكان للريب في أن القيود الصناعية ستجري عليها أحكام التغيير والتنقيح‘فإن أوزاننا وقوافينا أضيق من أن تنفسح لأغرض شاعر تفتحت مغالق نفسه وقرأ الشعر الغربي فرأى كيف ترحب أوزانهم بالأقاصيص المطولة والمقاصد المختلفة‘وكيف تلين في أيديهم القوالب الشعرية فيود عنها ما لا قدرة لشاعر عربي على وضعه في غير قالب النثر."
فما يريده العقاد أن الوزن ضرورة شعرية‘لأنه موسيقى بنائه الفني أما القافية على هذه الصورة الرتيبة فهي بقايا الشعر البدائي‘أو الفن البدائي الذي لايحتمل سوى بعض المعاني الغنائية المحدودة‘ ولا يتسع للموضوعات المفصلة المطولة.

موقف جماعة الديوان من الشعر التقليدي :

وقد حمل أعضاء جماعة الديوان على الشعر التقليدي لأنه يقال في المناسبات لا حسب انفعال الشاعر بموقف معين- يقول شكري : "إن الشاعر الكبير لاينظم إلا في موجات انفعال عاطفي‘فتغلي أساليب الشعر في ذهنه‘وتتضارب العواطف في قلبه‘(...) ثم تتدفق الأساليب الشعرية كالسيل من غير تعقد منه لبعضها دون بعض‘أما في غير هذه النوبات فالشعر الذي يصنعه يأتي فاتر العاطفة قليل الطلاوة والتأثير."
وهذا التصنع لنظم الشعر دون انفعال يغلب على شعراء الصنعة اللفظية‘ والبيانية السطحية (...) وهكذا تخرج الصنعة إلى التكلف في الصور‘ وإلى المبالغات الممجوحة التي لاتعبر عن أحاسيس صادقة ولا تعكس انفعالات جادة.
"ومن اجل ذلك شاع عندهم أن الشعر نوع من الكذب‘وليس أدل على جهلهم وظيفة الشعر من قرنهم الشعر بالكذب‘فليس الشعر كذبا بل هو منظار الحقائق‘ ومفسر لها‘وليست حلاوة الشعر في قلب الحقائق بل في إقامة الحقائق المقلوبة ووضع كل واحدة منها في مكانها."









قديم 2010-01-29, 00:46   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
الصقرالشمالي
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية الصقرالشمالي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

https://medhatfoda.jeeran.com/m3th/adb%203th/3tha3.htm

:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: ::::::::::::::::::

بحث حول الشعر عند جماعة الديوان.

أفراد جماعة الديوان :



تكونت علاقة صداقة بين عبد الرحمان شكري وابراهيم عبدالقادر المازني وكان للصحافة فضل في تعرف المازني على العقاد.شاركا في تحرير مجلة (البيان) سنة1911 .بالإضافة إلى نشاطات مختلفة جعلت الأديبين "لايكاد يذكر أحدهما دون الآخر"
أما تعارف شكري والعقاد فيرجع الفضل فيه إلى المازني الذي كان في انجلترا وكان يتحدث كثيرا عن شكري. ولما عاد شكري إلى مصر 1913 ثم اللقاء بينه وبين العقاد وبهذا تشكل عقد جماعة الديوان.

العوامل التي شكلت اتجاه جماعة الديوان

وحدة الثقافة.
إتفاق النظرة إلى الأدب.
الإتجاه الجديد الذي أرادوا أن يمنحوه للأدب العربي.
الإشتراك في الظروف الإجتماعية والأدبية.

مفهوم الشعر عند جماعة الديوان

تحدث (وورد زورث)عن العملية الشعرية فقال "لقد قلت أن الشعر إنسياب تلقائي للمشاعر القوية" ويؤكد هذا التحليل مبدأين أساسيين في مذهب الرومنسية :
أولهما :أن الشعر حقا تعبير عن النفس ومشاعرها.
ثانيهما :أن هذا التعبير مطبوع لاتكلف فيه.
وهي نفس الرؤية التي يراها شكري تقريبا في قوله :"انفعالا عصبيا" يسبق عملية الشعر‘وأن الشعر "تدفق الأساليب كالسيل " تدل على الطبع في التعبير الشعري الرومانسي وعند جماعة الديوان.وهكذا تتألف العملية الشعرية من مرحلتين؛الأولى تثور فيها عواطف الشاعر ‘والثانية يتأمل فيها الشاعر عواطفه‘ويضبطها‘ويكوّن منها ماهو أصلح للتعبير الشعري.
فالشعرفي نظر جماعة الديوان كما هو في نظر الرومنسيين الإنجليز. تعبير عن النفس ومشاعرها.وهذه أبرز قضية في مذهب جماعة الديوان . يقول هازلت :"إن أصدق تعريف يمكن أن يعرف به الشعر هو أن الصورة الطبيعية لأي غرض أو حادثة .فإن قوته تولّد الخيال والعاطفة...وتبعث رخامة في الأصوات المعبّر عنها."فالعواطف في نظر جماعة الديوان والرومانسيين الانجليز‘هي المنفذ الوحيد الذي يطل منه الشاعر على العالم الخارجي وشؤونه. وتعبير شكري عن اتصال عواطف الإنسان بالعالم الخارجي أجمل وأعمق من تعبير (هازلت)‘فهو يشبه قلب الإنسان بالأركسترا الكثير الآلات والأنغام‘علاوة على ان شكريا يقسم الشعر بين العواطف الخالصة‘وهي العواطف التي هي تعبير عن مظاهر الوجود. ويدخل في المفهوم الشعري عند جماعة الديوان للعواطف الطبيعية فالطبيعة في نظرهم طبيعتان:
1-طبيعة تحيط بنا ويمكن للشاعر الكبير أن يتصل بها وأن يحول موضوعها بشعره عن طريق الخيال والعواطف.
2-طبيعة توجد في نفس الشاعر‘وهي قدرته على التوفيق بين حياته الباطنية وبين حياته الخارجية التي هي جزء من الحياة العامة.

وظيفة الشعر في نظر جماعة الديوان:
تحدد الرومانسية للشعر هدفين اثنين :
الأول :توفير المتعة للقارئ عن طريق اشتراكه في المتعة الوجدانية التي يحس بها الشاعر.
الثاني: هو الكشف عن الحقيقة في أعمق صورها وأتمها.
وجماعة الديوان تلح في كثير من أقوالها على هذه الوظيفة للشعر .قال شكري:"إن وظيفة الشاعر في الإبانة عن الصلات التي تربط أعضاء الوجود ومظاهره والشعر يرجع إلى طبيعة التأليف بين الحقائق."
ويرى العقاد أن الشعر يطلعك إلى مالم تستطع الوصول إليه من أسرار تكمن وراء مظاهر الأشياء .ويتغلغل بك إلى اللباب ويكشف عن جوهر ما في الحياة.
ويرى العقاد أن الشعر لايعتبر شعرا مالم يكن إنسانيا يعبّر عن ذات الإنسان وأدق أحاسيسه ومشاعره تعبيرا صادقا لاتكلّف فيه ولا تصنع...
يقول:"إن الشاعر العظيم هو من تتجلى من شعره صورة كاملة للطبيعة بجمالها وحبه لها ‘وعلانيتها وأسرارها ‘أو أن يستخلص من مجموعة كلامه فلسفة للحياة ومذهبا في حقائقها وفروضها أيّا كان المذهب."
ويحدثنا العقاد عن الصدق في الشعر بصورة مفصّلة في كتاب (ساعات بين الكتب) فيرى أن الشعر هو التعبير عمّا عاناه الشاعر من تجربة تعبيرا لاجدل فيه ولا تزويق ولاخداع ‘وعنده أن الحد بين الشعر الصادق والزائف يقع في محاولة الشاعر التمويه على السامع بالحلية اللفظية ليشغل السامع بالتزويق فيبعده عن الحقيقة والصدق‘ ويضرب في الشعر الزائف غير الصادق بقول الأندلسي :

وقانا لفحة الرمضاء واد***سقاه مضاعف الغيث العميم
نزلنا دوحه فحنا علينا ***حنو المرضعات على الفطيم
وأشربنا على ظمإ زلالا***ألذ من المدامة للنديم
يصد الشمس أنّا واجهتنا***فيحجبها ويأذن للنسيم
يروع حصاه حالية العذارى***فتلمس جانب العقد النظيم.

يقول : "فهذه أبيات من الشعر البليغ يتسق لها حسن الصياغة وجودة الوصف‘وبساطة الأداء‘إلا بيتا واحدا منها يتطرق إليه اللعب العابث والتزييف المكشوف‘ونعني به البيت الأخير‘مع أنه عند النقاد أروع هذه الأبيات وهو بيت هذه القصيدة‘وهو عندي زائف لأن الصورة التي عرضها الشاعر غريبة عن أصل المعنى كاذبة كل الكذب‘ولا فضل فيها للبراعة والطّلاوة."

وظيفة الشاعر عند جماعة الديوان:
ترى جماعة الديوان أن الشاعر هو رسول الطبيعة ترسله مزودا بالنغمات العذاب كي يصقل بها النفوس ويهذبها ويحركها ويزيدها نورا ونارا ‘فعظم الشاعر في عظم إحساسه بالحياة وفي صدق السريرة الذي هو سبب إحساسه بالحياة‘والشاعر الكبير في نظرهم هو الشاعر الذي يعيش لفنّه الجليل قصيدة رائعة تختلف أنغامها باختلاف حالات الحياة‘ففيها نغمة البؤس والشقاء‘وفيها نغمة النعيم والجذل‘وفيها أنغام الحقد واللئم..."
وهو الذي يتعرف كيف يقتبس من هذه الحالات أنغاما.ويصوغها شعرا‘ وهو الذي له عواطف مثل عواطف الوجود مثل الأمواج والرياح والضياع والنار والكهرباء.إذًا فهذا الشعر (شعر العواطف) يفترق عن شعر الحوادث الإجتماعية إذ لابد للشاعر أن يبلغ إلى أعماق النفس "وأن يضرب على كل وتر من أوتارها".

الصورة الشعرية عند جماعة الديوان :

اهتم أفراد جماعة الديوان بالإحساس والشعور في دراستهم الأدبية اهتماما شديدا وهنا الإهتمام نابع من مفهوم الشعر عندهم‘فالصورة الشعرية في نظرهم إنما تقوم أساسا على هذه الملكات والعواطف الإنسانية نتيجة اتصال الشاعر بالطبيعة؛يتلقى رموزها وصورها ثم يحول هذه الرموز والصور إلى خواطر ورموز مجردة ذاتية‘وفي المرحلة الثالثة تتدخل هذه "الملكة الخالقة" التي تعتمد على الشعور الواسع والدقيق.وبإدراك الشاعر للحديث الرئيسي في مضمون القصيدة وترتيبه للأحداث الثانوية ترتيبا منطقيا وضروريا‘تتشكل هذه الصورة الشعرية التي لم يتحدث عنها أفراد جماعة الديوان.
ومنه فالعناصر الثلاثة: الإحساس والخيال والتشبيه يحتاجها الشاعر في عملية التعبير(1) ‘فالخيال عند جماعة الديوان ضروري وملازم للعاطفة في الشعر.يقول عبدالرحمان شكري:"وبعض القراء يرى أن الشعر مقصور على التشبيه مهما كان الشبه الذي فيه متوهما‘ومثل الشاعر الذي يرمي بالتشبيهات على صحيفته من غير حساب مثل الرسام الذي تغره مظاهر الألوان فيملأ بها رسمه من غير حساب .
وليس الخيال مقصورا على التشبيه‘فإنه يشمل روح القصيدة وموضوعها وخواطرها وقد تكون القصيدة ملأى بالتشبيهات وهي بالرغم من ذلك تدل على ضآلة خيال الشاعر‘وقد تكون خالية من التشبيهات وهي تدل على عظم خياله (...) إن الخيال هو كل ما يتخيله الشاعر من وصف جوانب الحياة وشرح عواطف النفس وحالاتها‘والفكر وتقلباته‘(...) وأن أجمل الشعر ماخلا من التشبيهات البعيدة والمغالطات المعنوية.
أنظر مثلا قول (مويلك) يرثي امرأته وقد خلفت له بنتا صغيرة فقال ييصف حالها بعد موتها :

فلقد تركت صغيرة مرحومة***لم تدر ماجزع عليك فتجزع
فقدت شمائل من لزامك حلوة***فتبيت شهر أهلها وتفجع
وإذا سمعت أنينها في ليلها ***طفقت عليك شئون عيني تدمع.
فهو لم يعلمك شيئا جديدا لم تكن تعرفه ‘ولم يبهر خيالك بالتشبيهات الفاسدة والمغالطات المعنوية ‘لكنه ذكر حقيقة ‘ومهارته في تخيل هذه الحالة ووصفها بدقة‘وهذا أجل التخييل وأجل المعاني الشعرية ماقيل في تحليا عواطف النفس ووصف حركاتها كما يشرح الطبيب الجسم.

وحدة القصيدة :
إن القراء من الجمهور يحكمون على القصيدة بأبيات منها تستهوي نفوسهم‘ إما بحق وإما بباطل لأنهم يعدون كل بيت وحدة تامة وهذا خطأ.فإن قيمة البيت في الصلة بين معناه وبين موضوع القصيدة لأن البيت جزء مكمل‘ ولا يصح أن يكون البيت شاردا خارجا عن مكانه من القصيدة بعيدا عن موضوعها(...) فينبغي أن ننظر إلى القصيدة من حيث هي شيئ فرد كامل‘ لا من حيث هي أبيات مستقلة‘فإننا إذا فعلنا ذلك وجدنا ان البيت قد يكون مما لا يستغر القارئ لغرابته‘وهو بالرغم من ذلك جليل لازم لتمام معنى القصيدة ‘ومثل الشاعر الذي لايعطي وحدة القصيدة خفها. مثل النقاش الذي يجعل نصيب كل أجزاء الصورة التي ينقشها من الضوء نصيبا واحدا.

الوزن والقافية:
وحدثنا العقاد عن رأيه في الوزن والقافية وتطورهما بتطور أغراض الشعر الحديث واطلاع الشعراء المحدثين في الشعر الغربي.وهو حين يدعو للتطور في هذا المجال لايريده مفاجئا ‘وإنما يدعو إليه بروية وتؤدة.
يقول في مقدمة ديوان المازني :
"ولا مكان للريب في أن القيود الصناعية ستجري عليها أحكام التغيير والتنقيح‘فإن أوزاننا وقوافينا أضيق من أن تنفسح لأغرض شاعر تفتحت مغالق نفسه وقرأ الشعر الغربي فرأى كيف ترحب أوزانهم بالأقاصيص المطولة والمقاصد المختلفة‘وكيف تلين في أيديهم القوالب الشعرية فيود عنها ما لا قدرة لشاعر عربي على وضعه في غير قالب النثر."
فما يريده العقاد أن الوزن ضرورة شعرية‘لأنه موسيقى بنائه الفني أما القافية على هذه الصورة الرتيبة فهي بقايا الشعر البدائي‘أو الفن البدائي الذي لايحتمل سوى بعض المعاني الغنائية المحدودة‘ ولا يتسع للموضوعات المفصلة المطولة.

موقف جماعة الديوان من الشعر التقليدي :

وقد حمل أعضاء جماعة الديوان على الشعر التقليدي لأنه يقال في المناسبات لا حسب انفعال الشاعر بموقف معين- يقول شكري : "إن الشاعر الكبير لاينظم إلا في موجات انفعال عاطفي‘فتغلي أساليب الشعر في ذهنه‘وتتضارب العواطف في قلبه‘(...) ثم تتدفق الأساليب الشعرية كالسيل من غير تعقد منه لبعضها دون بعض‘أما في غير هذه النوبات فالشعر الذي يصنعه يأتي فاتر العاطفة قليل الطلاوة والتأثير."
وهذا التصنع لنظم الشعر دون انفعال يغلب على شعراء الصنعة اللفظية‘ والبيانية السطحية (...) وهكذا تخرج الصنعة إلى التكلف في الصور‘ وإلى المبالغات الممجوحة التي لاتعبر عن أحاسيس صادقة ولا تعكس انفعالات جادة.
"ومن اجل ذلك شاع عندهم أن الشعر نوع من الكذب‘وليس أدل على جهلهم وظيفة الشعر من قرنهم الشعر بالكذب‘فليس الشعر كذبا بل هو منظار الحقائق‘ ومفسر لها‘وليست حلاوة الشعر في قلب الحقائق بل في إقامة الحقائق المقلوبة ووضع كل واحدة منها في مكانها."









قديم 2010-01-29, 00:47   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
الصقرالشمالي
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية الصقرالشمالي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

جمــــاعة الديــــــوان
اصطلاحا: تطلق على النقاد الثلاثة الذين كونوا "مدرسة الديوان" وهم العقاد، والمازنى، وشكرى من حيث الرؤية الشعرية، والأسس الفنية، لأنهم التقوا فكريا حول مفاهيم نقدية وجمالية متقاربة وقد شكلوا مدرسة نقدية هامة فى تاريخ شعرنا العربى الحديث رغم قصر المدة الزمنية التى جمعت بينهم إنسانيا.
وهناك خطأ يردده كثير من الدارسين- وهو تسمية هذه المدرسة باسم مدرسة "الديوان" نسبة إلى كتاب بنفس العنوان قد أخرجه (العقاد والمازنى) فى جزءين سنة 1921 م هذه التسمية غير صحيحة لأن هذا الكتاب ينقد ويهاجم أكثر من كونه يرسى أسساً فنية، ويضع تقاليد جمالية فالعقاد فيه ينقد شوقى، والمازنى ينقد المنفلوطى، بل وشكرى، ومعنى هذا أن الكتاب هجمة محمومة على أهم من فى الساحة الأدبية من الخصوم والأنصار.
لقد تأثر رواد "مدرسة الديوان النقدية" وهم: (عباس محمود العقاد، وإبراهيم عبد القادر المازنى وعبد الرحمن شكرى) فى نزعتهم الجديدة بالأدب الإنجليزى، وبالشعراء والكتاب الرومانسيين بصفة خاصة، ووقفوا موقف عداء ورفض سافر لشعراء المدرسة الكلاسيكية التى كانوا يسمونها بالمدرسة المحافظة، ويسمون شعراءها بالمقلّدين، وكان رفضهم للتقليد دافعا لهم إلى البحث عن بديل، وقد اطمأنت نفوسهم إلى أشعار الرومانسيين فأخذوا بكثير من مبادئها، والتقوا فى هذا بالخطوط العربية التى كان "مطران" يدعو إليها ويحققها فى شعره وهذه المبادئ هى أنهم:
· طالبوا أن يكون الشعر تجربة شعرية لها طابعها الفردى.
· نزعوا إلى الشعر الوجدانى الذى يحمل سمات صاحبه النفسية، ويبرز شخصيته المتميزة.
· طالبوا بالوحدة الفنية فى القصيدة.
اهتموا بالخيال وأولوه عناية خاصة.
· دعوا إلى ما يعرف بالشعر المرسل، أى أن القصيدة لا تنتهى بقافية موحدة بل ينتهى كل بيت منها بقافية خاصة؛ لأنهم يرون أن القافية الموحدة فيها رتابة مملة لسامع.
· كان لكل منهم طابعه الخاص المرتبط بتجاربه النفسية ومزاجه الخاص.
ولقد نادى العقاد رحمه الله بمبادئ المدرسة فقال موجها الكلام لشوقى: اعلم أيها الشاعر العظيم، أن الشاعر من يشعر بجوهر الأشياء لا من يعددها ويحصى أشكالها وألوانها، وليست مزية الشاعر أن يقول لك عن الشىء ماذا يشبه، وإنما- مزيته أن يقول لك ما هو، ويكشف لك عن لبابه وصلة الحياة به.
ولقد قال العقاد فى مهرجان "شوقى" الذى أقامه المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، يوضح رأيه فى شوقى، ويبين موضع الخلاف بينهما فقال:
· أنه كان علما للمدرسة التى انتقلت بالشعر من دور الجمود والمحاكاة الآلية إلى دور التصرف والابتكار، فجُمعت له جملة المزايا والخصائص التى تفرقت فى عصره.
· ومضى يشرح ذلك فقال: إن البارودى كان يفوقه فى روعة المتانة والفخامة والجزالة، ولكنه عوض ذلك بما يضارعه ويفوقه، وخاصة فى منظوماته الأخيرة، من سلاسة اللفظ وعذوبة العبارة ورقة النغمة الموسيقية.
· كان ينازع السيطرة الأجنبية التى طغت واستبدت، ولم يحجم عن المشاركة فى المواقف الوطنية التى يقتضيها الواجب الوطنى.
· ومضى يشيد بشعره التاريخى قائلا عن قصيدته "كبار الحوادث فى وادى النيل" إنها عمل مستقل المقصد مجتمع الأجزاء يصح أن ينفرد وحده فى بابه، كأنه شريط متسلسل من أشرطة الصور المتحركة يعرض للناظرين مواقف الدول والمناسك والأديان من أقدم عصور وادى النيل.
· وأشاد بمسرحياته ونظمه فى المواعظ والأمثال، ثم قال: كان شوقى عَلما لمدرسة الشعر فى مطلع النهضة الأدبية، التى بدأت فى منتصف القرن التاسع عشر وكان حظ العَلَم فى حالتيه يلتف به شيعته فى معسكره، ويرميه الرماة من المعسكر الآخر، الذى يناجزه ويدعو إلى غير دعوته.
أ. د/ محمد سلام

المراجع
1- الديوان ج 1 الطبعة الثانية- إبريل سنة 1921 م مطبعة السعادة القاهرة.
2- مع العقاد، د. شوقى ضيف، ص 119، ص 120، دار المعارف القاهرة، سنة 1962 م. مرجع الديوان.
3- شعر ناجى الموقف والأداة- د. طه وادى مكتبة النهضة المصرية القاهرة سنة 1976 م.










قديم 2010-01-29, 00:49   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
الصقرالشمالي
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية الصقرالشمالي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

المقدمة:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحـــمـد لله رب العــالميـن، والصــلاة والســـلام على أشـــرف الأنبياء والمرســـلين، ســــيدنا محمـد وعلى آله وصحبه أجمين، ســـــبحانك، لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، رب اشــــرح لي صدري ويسر لي أمري.

أما بعد:

أقدم هذا البحث دراسة حول جماعة الديوان بصفتها مدرسة نقدية هامة شاركت النهضة الأدبية الحديثة في مرحلة التجديد، واعتبارها المساهمة الفعالة في إرساء المقومات النقدية للشعر العربي المعاصر. في هذه الدراسة لمدرسة الديوان وحركتها التجديدية، يجدر العودة إلى مرحلة سابقة عنها لمعرفة كيف كان الشعر والنقد وحالة الأدب بصفة عامة قبلها، ليسهل التعرف على مظاهر التجديد في دعوتها، ومدى فعاليتها في تطبيق الأسس الجديدة على الشعر، وإلى أي مدي يصل هذا التجديد بالشعر العربي التقليدي.

فعلى هذا الأساس تم تقسم البحث إلى فصول ثلاثة، فالفصل الأول تمهيد ضروري للموضوع، وفيه إشارة إلى حال الأدب في عصر ما قبل النهضة، ثم بيان مظاهر النهضة الحديثة، وبوادر التجديد للأدب، والفصل الثاني التعرف على مدرسة الديوان: أعضائها وتكوينها وثقافتها ومجال دعوتها وجذورها، وأهمية دورها في التطور الأدبي، والفصل الثالث عرض شامل لدعوتها ونقدها للأساليب القديمة، وما وضعت من مقومات وأسس نقدية جديدة، وإلى أي مدى كان التطبيق الفعلي لها. ثم خاتمة البحث خلاصة لما سبق عرضه، وأهم النتائج المتحصلة من دراسة الموضوع.

وبالله التوفيق والهداية


--------------------------------------------------------------------------------

الفصل الأول

الأدب العربي الحديث

أولاً: الأدب العربي قبل عصر التجديد:

" النهضة الأدبية في أي عصر من العصور مرتبطة إلى حد كبير بالنواحي السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية والقومية للشعب، ومدينة إلى حد كبير بقيمة الفرد ومدى إحساسه بذاته وشعوره بنفسه كعنصر بشري مؤثر في جميع هذه النواحي ومتأثر بها، والأدب العربي قد عايش هذه الظروف وتأثرت بها على مختلف صورها في عصور مختلفة:

العصر التركي: قد كان الأدب العربي في مصر تحت الحكم المملوكي هامد خامد، وظل في مجتمع أعجم لا يُحفَل به، ولم تكن له ثمة هزات فكرية تؤثر أو هزات اجتماعية أو سـياسية توقظ أو دعوات إصلاحية ترود، وكانت اللغة بقايا مبهمة من تعابير سقيمة، ولم يعد في استطاعة كثير من كتاب أن يسـلموا من اللحن الفاحش، أو يأتوا بالفهم المقبول بل عز عليهم اللفظ الجزل والأسلوب القوي فلجئوا للزخارف والمحسنات.

أيام الحملة الفرنسية: لم تكن حياة الفن أيام الحملة الفرنسية بأحسن مما كان عليه، فلم تؤثر في عواطف الناس وإن كانت قد أثرت في عقولهم، ولم يخرج الشـعر عن حالته السابقة، فبقي مطموراً في أضابير التخلف والتأخر والانعزالية عن مسايرة الركب.

عصر محمد علي: لم يكن بعصر ازدهار للشعر ولا للأدب بنوع عام، فلم يتجه بالنهضة اتجاهاً ثقافياً بقدر ما يكون اتجاهاً مادياً علمياً يهدف إلى التطوير العسكري، وقد استولت الصناعة والسخافة على دواوين شعراء هذا العصر من تأريخ وتطريز وتخميس وتربيع وتضمين ليس فيه قليل معنى ولا عظيم غرض، ولا له بالخيال معرفة، ولا في اللغة نصيب مفيد، إنما هو نماذج قرأوها من عصور قريبة منهم وأخذوها وكأنها غاية الفن وقمة الشعر.

عصر إسماعيل: اهتم بالتعليم والحياة النيابية، وأنشئ دار العلوم وسرت روح الإصلاح في الأزهر، ونهض فن الطباعة، وظهرت حركة إحياء التراث القديم، وانتشرت كتب التراث، وكثرت المدارس الأجنبية وظهرت الدعوات الإصلاحية على يد الأفغاني ومحمد عبده، وتطورت العلوم وتطورت اللغة لتفي بالحـاجة، كما كان النمو القومي، والاتصال بالغرب والاحتكاك عن طريق البعوث، وبدأت الصحافة تتنوع، وتخصص بعضها في الأدب والشعر ونهض بهما ".


--------------------------------------------------------------------------------

ثانياً: النهضة الأدبية الحديثة:

بدأت النهضة الأدبية الحديثة مصاحبة بتطور الشعور القومي تحت وطأة الاحتلال الأجنبي، والرغبة في الاستقلالية الذاتية بالعودة والدعوة إلى إحياء التراث، فكان من العوامل الهامة للنهضة الأدبية الحديثة:

"ظهور المطبعة، إذ أتاحت للباحثين والدارسين أن يطلعوا على كثير من الدواوين الشعرية للشعراء القدامى في العصور الذهبية، ورواد العصر العباسي، وأتيح لهم الوقوف على المؤلفات العلمية والأدبية القديمة التي تدور حول علوم التفسير والحديث والفقه وصناعة الشعر والنثر.

ظهور فن الصحافة، وتمثلت في الصحف اليومية أو مجلات أسبوعية أو شهرية، وكانت تحوي مواد متعددة منها ما يتصل بالسياسة والاقتصاد، وما يتصل بالأدب والنقد، مما رأى فيها الأدباء متنفساً وطريقاً يذيعون من خلاله أدبهم شعراً ونثراً.

إنشـاء المدارس المتخصصة، والمعاهد العلمية النظامية، والمجامع الأدبية واللغوية، إلى جانب ما كان موجوداً وقتئذٍ، فأخرجت طائفة كثيرة من المتخصصين، الذين كان لهم دور بارز في النهوض بالأدب، والرقي في المقاييس النقدية، مما سـاعد على أن تتوارى تدريجياً الثقافة الهابطة الضعيفة التي كانت تعيش معهم إلى عهد قريب.

ظهور جيل من الشـعراء أحيوا في شـعرهم صورة الأدب العربي القديم في عصر ازدهاره وقوته، وهذا العمل تم أولاً على رائد الشعر العربي الحديث محمود سامي البارودي.

تطور حـركة النقد الأدبي، بقيام الأدباء والنقاد ببعث الكتابة النثرية الأدبية في كتاباتهم، إلى جانب بعث طريقة القدماء في تحليل النصوص الأدبية ونقد الأدب".

"في نهاية القرن التاسع عشر قام فريق من الشعراء الذين ورثوا صناعة الشـعر من البارودي بالمناداة إلى ضرورة التجديد استجابة لدواعي العصر، لأن الزمان قد تغير، إذ ليس زمان المحدثين مماثلاً لزمان الأقدمين، فظهر بعض النداءات لشعراء هذه المرحلة، في المرحلة الأخيرة من مراحل شعرهم تدعوا إلى ضرورة الإتيان بشيء جديد يعكس حاجة العصر، من مثل: أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، وخليل مطران، وتعتبر هذه المرحلة مرحلة الانتقال إلى محاولات التجديد"، "إذ كانوا يترسـمون هذا المثل الذي ضربه البارودي، مثل الاحتفاظ بجزالة الأسـلوب ورصانته، أما بعد ذلك فهم يفرضون ثقافتهم وعصورهم على شعرهم وما ينظمون منه".


--------------------------------------------------------------------------------

ثالثاً: المحافظة والتجديد:

( أ ) المحافظون: مفهوم المحافظة:

"تقوم منهجهم على تقليد الشعر العربي في المنحى والأسلوب من شرف المعنى وصحته وجزالة اللفظ واستقامته ونصاعة التركيب، وتعلقت بكل مقوماته. والعودة إلى الآداب العربية القديمة هي مبدأ النهضة الأدبية المعاصرة، وينتظم للمذهب طائفة كبيرة من شعراء النهضة في مقدمتهم: شوقي وحافظ وخليل مطران والرافعي، وكان روادها يتفقون في أن يلتزموا بسلامة الأسلوب وصحته من حيث اللغة والإعراب، ولم يشذوا عن نهج القصيدة العربية، ثم هم بعد ذلك لا يكاد يجمعهم جامع آخر، فإن كلاً منهم يمضي مع ثقافته وفهمه لحقيقة الشعور على حسب ما أتيح له من شاعرية وإبداع".

"فبعضهم فهم المحافظة فهما خاطئاً على أنها الاستناد إلى تراث الأقدمين الحضاري، وترديد مضامين شعرهم وأفكارهم، ولا يخرج الشعر عن سننهم في الأسلوب والتعبير والوزن، فحفظ قاموسهم اللغوي، وفهم بعضهم على أنها سير على نهج من سبق، فألغى نفسه وراح يستفتح الدمن، واستعمل النسيب فتشكا الوجد وبكى الفراق، وبعضهم فهمها على أنها نقل صور الماضي بما فيه، سهوله ونوقه وخيامه وليلاه، فحاكاهم في ذلك كله، ولم يدر أن ذلك هو الجمود والتكرار والفقر والضحالة، وأنه كرر نفس المواقف، ولم يزد، ودعا نفس العواطف ولم يجدد، فهموها من زاوية ضيقة، فحجر على عواطفه وإحساسه وخياله وتجاربه، ليظل محجوزاً بين أحاسيس الأقدمين".

"كانت مدرسة (المحافظين) امتداداً لمدرسة البعث التي رادها البارودي بكل ما يعنيه الامتداد من احتذاء وبعث وتطوير، قد أطلق هذا المصطلح عليها ليس لأن شعراءها مجرد ظلال باهتة أو قوية لمن سبقهم من الشعراء الغابرين أو المحدثين، ولكن لأنهم قد استطاعوا المحافظة على العناصر الصياغية، والشكل الهيكلي للقصيدة، كما هي في عصور تألق الشعر وازدهاره، وعلى الروح العربي المنتمي إلى تراثه الحضاري والفني، ولعل هذه المحافظة على الشكل والروح والانتماء هي التي أعاقت شعرائها عن عالم آخر جديد، ولكنهم مع ذلك قد أعطوا للحركة الشعرية الحديثة من حضورهم التاريخي، ومن ثقافتهم المتنوعة، وإطلالهم بالشعر إلى عوالم جديدة وأجناس أدبية مستحدثة".

(ب) المجددون: ثورة على الجمود والتكرار:

"في العقد الثاني من القرن العشرين، أمام أحداث عالمية ومحلية، الحرب العالمية الأولى، والاحتلال الأجنبي في البلاد العربية، كان لها أثر في إحداث روح متمردة قلقة عند الأدباء، فعبروا عن روح القلق والتمرد والإحساس بالظلم فيما صـاغوه من أدب، فنادوا بضرورة أن يكون الأدب معبراً عنها، غير منفصلة عن أحداث العصر، فانتقدوا شعراء القرن التاسع عشر الذين امتدت بهم الحياة إلى مطلع قرنهم، إضافة إلى ما حصلوه من ثقافات أجنبية، إنجليزية أو فرنسية، كان له أثر في تكوين روح التمرد، ورأوا أن الأدب الأجنبي يؤدي أهدافاً وغايات أوسع مما كان بين أيدي أدباء الجيل السابق، وكذلك فإن الروح الذاتية التي تشيع في الأدب الأجنبي أوحت إليهم أن الأدب هو الذي يكوّن شخصيةً مستقلة للأديب". ولهذا ظهرت عدة اتجاهات مختلفة يمثلها أدباء وشعراء ومدارس.

(ج) المدارس الأدبية الحديثة: تيارات لتعدد المذاهب وتنوع الثقافات:

"ظهرت بوادر التجديد منذ بدأ الشعور القومي يملأ الصدور، وتلفت الشعراء إلى ألوان الشعر العربي وضروبه، فشاركوا في تصوير هموم الشعب وموقعهم من الركب الإنساني، فانتقوا ألواناً تلائم العصر وأسلوب الحياة الجديدة، ويستسيغها طبع التغيير. وتنوعت دعوات التجديد بألوان من المذاهب الفلسفية والنفسـية الغربية وتأثرت بها، وبدأت تطبق بحق أو باطل على الأدب العربي، وراح الشـعراء يفكرون في التجديد ويحاولونه ويدعون إليه. وأول من فكر في التجديد شوقي، إذ نعى على الشعراء تسخير أشعارهم للمديح الذي يغل المواهب، وعاب نجيب الحداد فقدان الشعر العربي للوحدة العضوية، ودعا إلى الوحدة العضوية ومجاراة الطبع، ودعا نجيب شاهين إلى أن يكون الشـعراء عصريين ويدرسوا الشعر الأجنبي، وينبذوا القديم وأغراضه الباطلة،كالمدح والهجاء وبكاء الأطلال وديار الأحبة، وكثيرون غيرهم، ولكن تبدوا هذه الدعوات في هذه الفترة ساذجة.

وظهرت مدرسة (الديوان) تصدر دواوينها الشعرية حاملة بذرة التجديد الحقيقية، ومفهومه الواعي للشعر وغايته ووسائله وصلته بالفنون والحياة، وتجسيده لحس الشاعر، وتصويره لأفكاره وانطباعاته وأعماقه في اتصاله المباشر بالحياة"،"وظهر بعدها أدباء المهجر، وجماعة أبولو، وجماعات أخرى في الساحة الأدبية لا ينتمون إلى مدارس معينة، خاصة النقاد الذين ينتمون للحقل التعليمي". ونظراً للمصادر الثقافية لأدباء ونقاد فترة التجديد "التي تعود إلى منبعين: الثقافة العربية الأصيلة، والثقافة الأجنبية"11،فإن للأخيرة أثرها عند بعض أنصاره بدعوتهم إلى الاحتذاء بالأدب الغربي والتغيير الشامل في الأدب العربي مبتعداً عن الأصول العربية، فبدت ظواهر جديدة تدعوا إلى الواقعية، وامتد إلى الأدب ولغته المظاهر السلبية من التجديد. والفصل التالي نستقل بمدرسة الديوان لما لها السبق في حركة التجديد المنظم في الأدب العربي، وعملها الدأب في الرقي به، والدفاع عن شخصية الأدب العربي وملامحه المستقلة، الذي يعبر عن الحياة بالروح العصرية، والمستمد من المنبع العربي الأصيل.


--------------------------------------------------------------------------------

الفصل الثاني:

الديوان: مدرسة التجديد

أولاً: مدرسة الديوان:

( أ ) التسمية والتأسيس وأعضاء المدرسة:

" جماعة الديوان مصطلح يُطلق على مجموعة من الشعراء النقاد، هم: عبد الرحمن شكري، وعباس العقاد، وإبراهيم المازني،وهذا المصطلح إنما هو نسبة إلى هذا الكتاب النقدي المعنون باسم: "الديوان في النقد"، وهو كتاب ألفه العقاد والمازني فحسب، وإن كانت التسمية تشمل الثلاثة معا".

"عباس محمود العقاد: ولد بأسوان سنة 1889م لأسرة مصرية متوسطة، ولم يكمل دراسته في المدارس الرسمية، بل أخذ يكملها بنفسه، رحل عن بلدته وهو في السادسة عشرة، والتحق ببعض الوظائف الحكومية، ثم تركها إلى القاهرة وعمل بالصحافة، وكتب في جريدة البلاغ الوفدية، فنهض فيها بالمقالة السياسية، مقتبساً كثيراً من آراء المفكرين والفلاسفة الغربيين، وخاصة في مجال الحرية وحقوق الشعب والسياسة، وينقل إلى قرائه مباحث الأدب والنقد الغربية ويشفعها بنظرات تحليلية. أخرج أول دواوينه سنة 1920م، ونال سنة 1960م جائزة الدولة التقديرية في الآداب تنويهاً بأعماله الأدبية، وأهم ما يميزه مواقفه الثابتة في الحياة وفي الآراء الأدبية، توفي سنة 1964م.

إبراهيم عبد القادر المازني: ولد بالقاهرة سنة 1889م، عمل في التعليم والصحافة، عضو المجمع العلمي العربي بدمشق ومجمع اللغة العربية بالقاهرة، نظم الشعر أولاً ثم كتب القصة بأسلوب ضاحك تغلب فيه على كآبته الأصلية، يميل في أسلوبه إلى الدعابة والسخرية وإبراز المفارقات، يؤدي مشاعره وأحاسيسه وأفكاره وانطباعاته بالروح المصرية. توفي بالقاهرة سنة 1949م.

عبد الرحمن شكري: ولد بمدينة بورسعيد سنة 1886م، درس الثانوية، والتحق بمدرسة الحقوق ولكنه فصل منها لتحريضه الطلاب على الإضراب استجابة لزعماء الح** الوطني، فاتجه إلى دراسة الآداب التي كانت تتفق وميوله، ثم التحق بمدرسة المعلمين العليا، وتخرج سنة 1909م، التزم فيها الدرس الصارم في الأدبين العربي والغربي، وذهب في بعثة إلى إنجلترا، عمل في صحيفة الجريدة، كتب فيها عن علاقة الشعر بالفنون ونحوه من الموضوعات التي كانت تعد حينئذٍ جديدة، توفي بالإسكندرية سنة 1958م".

(ب) الخلفية الثقافية للمدرسة:

"حظهم من الثقافة العربية يكاد يكون متفقاً، فالعقاد يقول عن شكري: (لم أعرف قبله ولا بعده أحداً من شعرائنا وكتابنا أوسع منه إطلاعاً على أدب اللغة العربية، وأدب اللغة الإنجليزية، وما يترجم إليها من اللغات الأخرى، ولا أذكر أنني حدثته عن كتاب قرأته إلا وجدت عنده علماً به، وإحاطة بخير ما فيه، وكان يحدثنا عن كتب لم نقرأها ولم نلتفت إليها). ولقد كان إطلاع العقاد مضرب المثل في وسعه، فكان يحيط إحاطة بفروع اللغة العربية وآدابها، عارفاً بدقائقها. والمازني هو اللآخر حظه من العربية أقوى من حظه من الثقافة الإنجليزية.

أما ثقافتهم الأجنبية فهي الأخرى مستوعبة (أوغلت في القراءة الإنجليزية، ولم تقصر قراءتها على أطراف من الأدب الفرنسي، ولم تنس الألمان والطليان والروس والأسبان واليونان واللاتين الأقدمين، ولعلها استفادت من النقد الإنجليزي فوق فائدتها من الشعر وفنون الكتابة الأخرى".

(ج) الاختلاف بين أعضاء المدرسة:

"كان عزم العقاد والمازني أن يصدر الديوان في عشرة أجزاء، ولكن لم يصدر منه إلا جزءان، وكانت خطتهما تقضي بأن يبدأ بتحطيم الأصنام مثل شوقي والمنفلوطي وغيرهما بنقدهم تفصيلياً، حتى إذا تم الهدم بدأوا في نشر آرائهما النقدية البناءة، لكن لماّ لم يظهر من الديوان إلا جزءان فقد ظلت آراؤهما النقدية البنائية مجهولة. ولكن العلاقة فسدت بين شكري والمازني بعد أن عاب شكري على المازني انتحاله لبعض الأشعار الإنجليزية، وكان الرد من جانب المازني فقط، ووقف العقاد إزاء هذه المعركة حيران صامت، خوفاً من فرحة صرعى المذهب القديم، ومن ثم لم يطب نفساً بتلك الجفوة التي حدثت بين صاحبيه فجمعهما ورأب الصدع وعاهدها على أن يكفا، فرضيا بحكمه"، "وانزويا بعدها عن الساحة النقدية وبقي العقاد وحده إلى نهاية عمره يباشر عمله النقدي في صبر ودأب، إلى جانب نشاطه العلمي المتعدد الجوانب".


--------------------------------------------------------------------------------

ثانياً: دور مدرسة الديوان وأثرها:

( أ ) الأهداف:

"حُددت أهداف المدرسة كما يقول العقاد في الديوان: (وأوجر ما نصف به عملنا إن أفلحنا فيه أنه إقامة حد بين عهدين لم يبق مال يسوغ اتصالهما والاختلاط بينهما، وأقرب ما نميز به مذهبنا أنه مذهب إنساني مصري عربي). إذاً فقد كان هدفهم أن يكون لمصر أدب يعبر عن الروح الأصيلة لها يترجم عن طبع الإنسان فيها بلسان عربي وأدب مصري، وعلى نحو ما صور المازني: لقد عز على العقاد وقد رجع إلى مصر القديمة فلم يجد لها شاعر أو واحداً عظيما، يقول: (ونظراً إلى العصور الحديثة بعد الإسلام فلم أعثر بشاعر واحد من مصر)..".

(ب) مجالات الدعوة:

"تنوعت مجالات الدعوة لمدرسة الديوان على النحو التالي:

دراسات نقدية: كما يبدوا في دراسات المازني النقدية في الربع الأول من هذا القرن.

النماذج الشعرية: التي حملت في أطوائها هذه القيم الجديدة.

كتاب الديوان في النقد والأدب: وقد صدر سنة 1921م.

مقالات العقاد وبحوثه".

(ج) الأثر الأدبي:

"لهم آراء نقدية مذكورة في كتب أخرى غير الديوان:

فللعقاد: مقدمات دواوينه الشعرية، ومقدمته لديوان المازني، ومنها كتبه: ساعات بين الكتب، بين الكتاب والناس، مطالعات في الكتب والحياة، يسألونك، اليوميات، اللغة الشاعرة، الشذوذ، أشتات مجتمعات، مراجعات في الآداب والفنون، ابن الرومي حياته وشعره، ودواوينه: يقظة الصباح، وهج الظهيرة، أشباح الأصيل، أشجان الليل، وحي الأربعين، هدية الكروان، عابر سبيل، أعاصير مغرب، ما بعد الأعاصير، وغير ذلك دراسات متعددة حول الأدب والنقد والشعراء.

وللمازني: آراء نقدية كذلك فيما كتبه عن بشار وابن الرومي وحافظ إبراهيم، والمعروف أنه لم يتابع مسيرة النقد الأدبي بعد حدة الاختلاف بينه وبين شكري، إذ انصرف عن الشعر والنقد واتجه إلى الكتابة القصصية والاجتماعية.وله كتب أخرى أهمها: حصاد الهشيم، قبض الروح،الشعر غاياته ووسائله.ومن قصصه:إبراهيم الكاتب،إبراهيم الثاني،صندوق الدنيا،عود على بدء،قبض الريح.

ولشكري: مقدمات لدواوين شعره، ومقالات متفرقة يرسلها بين الحين والحين بعد هجر الجماعة بسبب الخلاف، وانطوى على نفسه بعيداً معتزلاً عن الأضواء، وهذه المقالات مع ما كتبه في مقدمات دواوينه الشعرية تمثل رصيده من النقد الأدبي، وهو رصيد لا بأس به. فمن دواوينه: ضوء الفجر، لآلئ الأفكار، أناشيد الصبا، زهر الربيع، خطرات، الأفنان، أزهار الخريف".

وما يهمنا أكثر الآن هو تلك الآراء النقدية التي دعت إليها مدرسة الديوان، وهو ما ســندرســه في الفصل التالي من هذا البحث.


--------------------------------------------------------------------------------

الفصل الثالث:

مدرسة الديوان: الآراء النقدية وجذورها

أولاً: مبدأ التمرد على الأساليب القديمة:

"قد عملت مدرسة الديوان منذ نشأتها على التمرد في وجه القصيدة العربية التقليدية شكلاً ومضموناً وبناءً ولغة، وربما لأن روادها فتنوا بنماذج الشعر الغربي الذي لا يغرق في هذه القيود، والتي كانت القصيدة العربية اصطنعتها لنفسها أو اصطنعتها لها عصور التخلف والانحطاط والتقليد:

( أ ) في الشكل: ثاروا على نظام القصيدة الطويلة ذات النسق الموحد، وجنحوا إلى شعر المقطوعات، وشعر التوشيح، وشعر تعدد الأصوات، وثاروا على نظام القافية الموحدة، فنوعوا فيها على فترات متقاربة تتردد بين البيتين والأبيات القليلة، بل امتد (شعر شكري) على القافية بكاملها، فألغاها في عديد من قصائده.

(ب) في المضمون: تمردوا على محدودية الفضاء المتناول عن بقية آفاق الوجود، ومحدودية الطموح والانحصار في توافه الأمور. وتمردوا على رضوخ الشاعر حيال ما يراه في الكون من تناقض ونقص، ودعوا إلى ضرورة التعبير عنها، وعن إيقاعها في ذهن الشاعر. وتمردوا على تعالي موضوعات الشعر عن الواقع التاريخي الذي تحياه الجماهير، ورفضوا التفاهة التي غلبت على الحياة والشعر، وخلو الشعر من عناصر التفكير والإحساس، ورفضوا شعر المناسبات، ووصف الأشياء وتعديد أشكالها وألوانها، وعدم الشـعور بجوهرها ونقل هذه الشعور. وتمردوا على بقاء الشعر قيمة لسانية وليس قيمة إنسانية. وتمردا على ضياع المواقف الشخصية في الشعر، وفقدان ذاتية الرؤية وخصوصية الأسلوب، وتمردوا على الغموض وفرقوا بينه وبين العمق، وتمردوا على فساد المعنى بما ينطوي عليه من تعسف وشطط ومبالغة ومخالفة للحقائق، أو الخروج بالفكر عن المعقول، أو قلة جدواه وخلو مغزاه.

(ج) في البناء: رفضوا التفكك الذي يحيل القصيدة إلى مجموع مبدد، لا تربطه وحدة معنوية صحيحة، فنادوا بالوحدة العضوية.

(د) في اللغة: تمردا على ما سمي بلغة الشـعر أو القاموس الشعري، ودعوا إلى تحرير اللغة الشعرية من القوالب الجاهـزة، والأنماط القبلية، وضرورة التعبير عن المضامين الجديدة بلغة قادرة على التحليل والتركيب، واسـتبدال معجم مهجور أو خطابي أو مبتذل أو مكرور بمعجم آخر مأنوس ومتعال على الدلالات الوضعية المحدودة للألفاظ، وتقرب العمل الشعري من حركة العصر وحيوية المعاناة وتأمل الفكر وإشعاء الوجدان".

ثانياً: الآراء النقدية لمدرسة الديوان:

"سجل كل من أعضاء الديوان آراءه النقدية نحو بعض الشعراء والكتاب، إذ نرى العقاد ينقد أحمد شوقي في جزء كبير من الكتاب، كما ينقد مصطفي صادق الرافعي. أما المازني فإنه ينقد زميل له في مدرسته عبد الرحمن شكري، كما ينقد مصطفي لطفي المنفلوطي".

وهذه بعض القضايا النقدية التي دعت إليها مدرسة الديوان:

قضية التشبيه: "يدلي العقاد برأيه في التشبيه الأدبي بصفة عامة: (إن الشاعر هو من يشعر بجوهر الأشياء، لا من يعددها ويحصي أشكالها وألوانها، وليست مزية الشاعر أن يقول لك عن الشيء ماذا يشبه، وإنما مزيته أن يقول ما هو، ويكشف عن لبابه وصلة الحياة به… إن الناس جميعاً يرون الأشكال والألوان محسوسـة بذاتها كما تراها، وإنما ابتدع لنقل الشعور بهذه الأشكال والألوان من نفس إلى نفس)…(الديوان). وقد انتقد شوقي في بعض صور التشبيه في شعره.

الطبع والصنعة: نادى المازني بأن يتحرر الأدب من الصناعة اللفظية، وأن يكون المضمون هو الذي ينبغي أن يعني به الأديب أولاً، لأنه إذا اتضحت له المعاني استقامت له الألفاظ. وقد اتهم المنفلوطي بالصنعة الأسلوبية وبالتكلف في التعبير، ولا يجري على الطبع والسليقة، شاع في أسلوبه كثير من المحسنات البديعية المتكلفة.

صدق الوجدان: ومن آراء شكري ما نادي به بأن يكون الشعر ترجمة عن النفس والوجدان، دون أن يكون الشاعر مشغولاً بغيره مردداً لأقوال سابقيه في معاني شعره: (الشعر هو ما أشعرك، وجعلك تحس عواطف النفس إحساساً شديداً، فالمعاني الشعرية هي خواطر المرء وآراؤه وتجاربه وأحوال نفسه)…".

وحدة القصيدة:"أن تكون القصيدة عملاً فنياً تاماً يكمل فيه تصوير خاطر أو خواطر متجانسة كما يكمل التمثال بأعضائه والصورة بأجزائها واللحن الموسيقي بأنغامه، بحيث إذا اختلف الوضع أو تغيرت النسبة أخل ذلك بوحدة الصنعة وأفسدها. وفيها انتقد العقاد شوقي.

التجربة الشعرية: أن تكون التجربة الشعرية مكوناً من مكونات البناء العام للقصيدة المعاصرة بكل ما تنحني عليه التجربة الشعرية من عناصر العاطفة والحس والعقل والتفكير، والحلم والخيال والإيقاع الموسيقي وبكل ما تعنيه التجربة الشعرية من معايشة واقعها الموضوعي والنفسي والفكري واللغوي". "وترتب على ذلك أن تكون لكل شاعر تجربته الذاتية الخاصة، وذلك حتى يتجنب التقليد والأخذ من الآخرين"22ب.

الوزن والقافية: "نادوا بالتحرر من قيد الوزن والقافية، لأن الالتزام بذلك يؤدي إلى الملل بسبب تكرر نغمة واحدة على الأذن، وإن كان العقاد قد عدل عن ذلك وأصبح من أكبر المناصرين للشعر العامودي مع إباحة التنويع في القصيدة ذات المقطوعات"."أما شكري فقد ألغي القافية في عديد من قصائده، وراد بذلك حركة (الشعر المرسل)، والتي ربما تكون أساساً لحركة (الشعر المتحرر) التي رادها بعد (أبو شادي)، ثم لحركة (الشعر الحر) التي رادها أخيراً جيل الأربعينات".

ثالثاً:جذور المذهب:

"الواقع أن هذا المذهب له جذور عربية في العصر العباسي، وجذور غربية في القرن التاسع عشر في أوروبا. فأما جذوره في الأدب العربي ففي محاولات أبي تمام وابن الرومي، إذ حاولا أن يعمقا النظرة الشعرية في مجال الفكرة كما صنع أبو تمام، وفي مجال التوليد والإصابة في التشبيهات واستنكاره خفايا الطبيعة كما فعل ابن الرومي.كما أن اكثر القضايا النقدية التي أثارها هذه المدرسة ضد شوقي وحافظ لها جذورها في النقد العربي القديم والحديث، فالتفكك والإحالة والتقليد والولوع بالأعراض دون الجواهر قد التفت إليها النقاد كالآمدي والجرجاني وغيرهما، وقضية وحدة القصيدة التي تكلم فيها السابقون مثل: ابن خلدون والحاتمي (من علماء القرن 14ً) والشيخ المرصفي وخليل مطران".

رابعاً: ما قصرت فيه مدرسة الديوان:

"وقفت آراء هذه المدرسة عند باب الشعر الغنائي، ولم تتعد أسوار الشعر الموضوعي أو تقتحمه لتبين لنا رأيها فيه، ولتحدد له أصولاً ومعايير ومناهج تطوره وتنهض به. والمنهج النفسي الذي حاولت مدرسة الديوان تطبيقه في كل شعر وشاعر والاهتمام بظهور شخصية الشاعر في الشعر يعتبر بعداً عن الشعر الموضوعي وقاعدة لا يصح إطلاقها في كل حالة.".

"إن الدعوة الجارفة للقيم النقدية ربما تكون قد نمت من خلال التأصيل النظري لها فحسب، وهم شعراء بالدرجة الأولى لم يستطيعوا -إلا قليلاً- تجسيدها في واقع شعري ممتاز يغري بمتابعتها أو التشيع لها، فانصرفوا يدعون لها دعوة نقدية هائلة حتى استقرت كأساس راسخ من أسس قيمنا النقدية المعاصرة، ولقد حاولوها شعراً، ولكن قامتهم الشعرية كانت أقل من حجم الدعوة المغامرة، ومهما يكن من شيء، فإن مدرسة الديوان نهضت قضية تطور شعرنا المعاصر لأخطر الأدوار شكلاً ومضموناً وبناءً ولغة".


--------------------------------------------------------------------------------

الخاتمة:

ظهر في الأدب العربي الحديث جيل من الشعراء أحيوا صورة الأدب العربي القديم، يترسمون خطا البارودي رائد حركة البعث في المحافظة على الشكل والروح والانتماء، فحال ذلك عن تقديم الجديد في المضمون الأدبي، وتطورت بعدها حركة النقد، فنودي بضرورة التجديد استجابة لدواعي العصر. وللأدب الغربي أثره، فأدخل ألواناً من المذاهب الفلسفية والنفسية الغربية إلى الساحة العربية، كما أوحت الروح الذاتية التي قد شاعت فيه إلى أن الأدب هو الذي يكوّن شخصيةً مستقلة للأديب، فظهرت عدة اتجاهات مختلفة يمثلها أدباء وشعراء، تبعاً لاختلاف مستوى الفكر والإبداع.

وظهرت مدرسة (الديوان) تدعوا إلى التجديد بمفهومه الواعي للشعر وغايته ووسائله، فعملت منذ نشأتها على التمرد في وجه القصيدة العربية التقليدية، فثاروا على نظام القصيدة الطويلة في وحدة النسق والقافية، وتفكك الموضوع أو تعدده في القصيدة الواحدة، وانتقدوا تعالي الشعر عن الواقع التاريخي للحياة، أو بعد عن الروح العصرية وحاجة المجتمع، أو خلوه من عناصر التفكير والشـعور بجواهر الأشياء، أو الغموض وفساد المعنى، أو فقدان المواقف الشخصية وذاتية الرؤية وخصوصية الأسلوب، وبقاء الشعر لغة قديمة مضى عصرها وانزوى.

وضعت المدرسة أسساً قيمة للنقد الأدبي، فدعت إلى التجربة الشعرية والمجاراة للطبع والصدق في الوجدان والإصابة في التشبيه والوحدة في القصيدة والموضوع، ولتعدد المصادر الثقافية لأدباء ونقاد فترة التجديد بين العربية الأصيلة والأجنبية، فقد لقيت الثقافة الغربية بعض الأنصار، تأثروا بها، ودعوا إلى الاحتذاء بالأدب الغربي والتغيير الشامل في الأدب العربي تقليداً بالأدب الغربي بكل ما يحتويه، فبدت ظواهر تدعوا إلى الواقعية والانحلال، وامتدت إلى الأدب ولغته المظاهر السلبية من التجديد. فكما كان لمدرسة الديوان دور مهم في حركة التجديد المنظم في الأدب العربي، كانت هي الواجهة في الدفاع عن شخصية الأدب العربي وملامحه المستقلة المستمد من المنبع العربي الأصيل.

كان عزمها أن يصدر كتاب الديوان في أجزاء عشرة، وخطتها أن تبدأ بالهدم أولاً، ثم تشرع في البناء، لكن لماّ لم يظهر منه إلا جزءان فقد ظلت آراؤها النقدية البنائية مجهولة، ووقفت آراؤها عند الشعر الغنائي، ولم تتعد إلى الشعر الموضوعي لتحدد له أصولاً ومعايير ومناهج، ودعوتها الجارفة للقيم النقدية قد نمت نظرياً، ولكن قَلّمَا استطاعت تجسيدها في واقع شعري بَيّن. وإن كان قد قصرت قامتها الشعرية عما بلغت إليه الدعوة التجديدية، إلا أن آراءها ظلت أسساً راسخة من أسس القيم النقدية الأدبية المعاصرة، وأضحت مدرسة الديوان قضية هامة في نهضة وتطور الشعر العربي الحديث، والأدب العربي المعاصر بشكل عام. والله أعلم.أهـ.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم


--------------------------------------------------------------------------------

المراجع:

_ أحمد حسن الزيات، تاريخ الأدب العربي، الطبعة الرابعة والعشرون، بدون تاريخ، القاهرة: دار نهضة مصر للطبع والنشر.

_ د.أحمد هيكل، تطور الأدب الحديث في مصر، الطبعة الثالثة، بدون تاريخ، القاهرة: دار المعارف.

_ أ.د.سعد عبد المقصود ظلام، مدخل إلى النقد الحديث، الطبعة الأولى، 1404هـ-1989م، القاهرة: دار المنار.

_ د.شوقي ضيف، الأدب العربي المعاصر، الطبعة الثالثة، بدون تاريخ، القاهرة: دار المعارف.

_ د.شوقي ضيف، الفن ومذاهبه في الشعر العربي، الطبعة السابعة، بدون تاريخ، القاهرة: دار المعارف.

_ أ.د.طه أبو كريشة، في النقد العربي الحديث تاريخه وقضاياه، بدون تاريخ، القاهرة: جامعة الأزهر.

_ د.طه عبد الرحيم عبد البر، قضايا النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق، الطبعة الأولى، 1403هـ-1983م،



بحث آخر :
تدفق الينبوع

قراءة نقدية في مدرسة الديوان

أ. د . كريم الوائلي



1

لقد أيقظت المجتمع العربي صدمة اللقاء بالحضارة الغربية إبان الاحتلال الغربي للوطن العربي، وكان رد الفعل الأولي مواجهة عسكرية خسرها الثوار، لأنهم واجهوا جيوشا معدة، وأجهزة متطورة، ومن ثم دفعت المواجهة الحضارية إلى تأمل الذات والآخر، والحاضر والماضي، والواقع والواقع الآخر، فكانت المواقف متفاوتة ومتباينة على النحو الآتي :

مواجهة الحضارة الغربية، وذلك بالعودة إلى التراث، بمعنى استلهامه وإعادة نشره وبعثه من جديد، وكانت هذه المواجهة تعني الاعتداد بالذات الجماعية وبالهوية التراثية، ولكنها تعي التراث بوصفه كتلة مصمتة، وتحاول صياغة الحاضر في ضوئه، دون الأخذ بعين الاعتبار ما طرأ عليه من تغير، وكان لنشر التراث أهمية لأنه دفع إلى وعي جوانب منه، مهدت السبيل إلى دراسته في ضوء رؤى جديدة، بمعنى تجاوز البعث والنشر إلى التأمل والرصد والتطوير .

الاقتباس من الحضارة الغربية، وذلك بالانسلاخ من التراث، والسعي نحو التقدم بمتابعة الحضارة الغربية، في ضوء رؤية علمانية، وتعمد هذه المحاولة إلى إلغاء الماضي بكل ما ينطوي عليه من تصورات، والسعي نحو صياغة الحاضر والمستقبل في ضوء إنجازات حضارة الآخر، لدرجة ظهرت آراء تنادي بكتابة اللغة العربية بحروف لاتينية، وقد رافق ذلك دعوات قطرية وإقليمية، يدعو بعضها إلى المصرية، ويدعو بعضها الآخر إلى الفينيقية ونحوهما .

المجاورة بين إنجازات التراث العربي والحضارة الغربية المعاصرة، بحيث نجدل منهما ضفيرة، وهذه الدعوة ذات طبيعة تلفيقية، لأنها تحاول التوفيق بين الماضي العربي والحاضر الغربي، ويحاول أنصارها تطويع النصوص التراثية لإنجازات الحضارة الغربية .

ولقد أسهمت هذه التيارات في بلورة الوعي وتطويره في مراحله الأولى، وما تبعها من تغيرات، ولقد ترافقت مع بواكير هذه الأفكار أحداث وتطورات هزت المجتمع، فلقد ثار الشعب في سنة 1919 في مصر، وفي سنة 1920 في العراق، إضافة إلى الثورات التي أسهم فيها الثوار في بلاد الشام .

وتزامنت مع هذه التغيرات الفكـرية والأحداث تغيـرات في أنساق المجتمع، توحي بظهور طبقة جديدة « البرجوازية » بسبب نمو بعض القطاعات الصناعية، وانتشار بعض المظاهر الفكرية التي تدل على نمو هذه الطبقة، كما قد بدأت حركات أدبية تجديدية، تدعو إلى التمرد على محاكاة القديم، وتحث على إبداع جديد، كما هو الحال في حركة الشعر المهجري الذي يمثله : جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وايليا أبو ماضي وغيرهم، ومدرسة الديوان التي يمثلها : عباس محمود العقاد وإبراهيم عبد القادر المازني وعبد الرحمن شكري.[1]



2

إن الأساس الذي تصدر عنه مدرسة الديوان تأكيد دعامتين جوهريتين، وهما الفردية والحرية [2] وليس الحديث عن هذين البعدين جديدا على التفكير الرومانسي، في الحضارتين الغربية والعربية، فلقد آمنت الرومانسية بأهمية الفرد، وجعلته حجر الزاوية في تفكيرها، لأن الدعوة إلى الفردية تعني تمردا على حركة الجماعة التي يعلي من شأنها التفكير الإحيائي، ولقد انحاز كل تفكير إلى طبقة معينة، ففي الوقت الذي انحاز فيه التفكير الإحيائي إلى الطبقة الإقطاعية بقيمها ومثلها وآدابها، انحاز الرومانسيون إلى الطبقة البرجوازية بدعوتها إلى الحرية الفردية، ونـزوعها إلى الاقتصاد التنافسي، وتأكيدها أن الحقيقة تكمن في عوالم الإنسان الداخلية . [3]

وقد أكد عباس محمود العقاد أهمية الفرد ودوره في الحياة والآداب والفنون، وتتجلى مظاهر الفردية في تعبير الأديب عن عالمه الداخلي، وان يكون لهذا الأدب أهمية وقيمة، وإن « الأديب الذي لا يمكن العثور على شخصه المفرد الأصيل في أدبه لا يستحق أن يدرسه الدارسون » [4] ويقود هذا التفكير إلى التأكيد على نمط من الأدب وبخاصة في الشعر الغنائي .

أما الحرية فقد أولاها عباس محمود العقاد أهمية خاصة واعتبرها أحد الأركـان الأسـاسية المكـونة لتصـوره، وان قيمة الحرية ترتبط عنده «ارتباطا متينا بقيمة الجمال، بل إنَّ هاتين القيمتين هنا قيمة واحدة » [5] وليس غريبا في ضوء هذا أن نجد الأديب في هذه المرحلة يطالب بحرية، قد تكون محدودة، أو مطلقة لا يخضع فيها الإنسان للأخلاق أو العرف، لأنها تساعده على خلق نظام اجتماعي وسياسي يكسر الثابت من قيم الطبقة الإقطاعية، ويضمن للفرد حقوقه في ديمقراطية ليبرالية، ومن شأن هذه الحرية أن تفسح المجال للذات الفردية في إبداع الأدب « في كل شيء في طريقة التفكير وفي أسلوب التعبير وفي اختيار الموضوع » [6] وتقود الحرية في أحد أبعادها إلى الإيمان المطلق بإمكانات الفرد في ضوء قاعدة البقاء للأصلح، لأنه في « جو هذه الحرية ينمو السامي النبيل ويضـعف المنـحط الهزيل، فيعيش الأصلح، ويموت من ليس أهلا للحياة » [7] .

ولقد أدركت الحركة الرومانسية ـ ومنها مدرسة الديوان ـ أن هناك تطوراً حاصلاً في الأدب، وأن هناك أجيالاً أدبية مختلفة، ولذلك كان العقاد يميز بين ثلاثة أجيال أدبية، يمثل أحمد شوقي مركزها، فهناك جيل سابق لشوقي تتفشى فيه ركة الأسلوب وضعف الصياغة، وان نبوغ الأديب فيه في مدى توفيقه في صياغة «جملة مستوية النسق أو بيت سائغ الجرس فيسير مسير الأمثال وتستعذبه الأفواه لسهولة مجراه على اللسان . وكان سبك الحروف ورصف الكلمات ومرونة اللفظ أصعب ما يعانيه أدباء ذلك العهد لندرة الأساليب ووعورة التعبير باللغة المقبولة » [8] وهو بخلاف الجيل اللاحق الذي تمكن من الاطلاع على دواوين شعراء العربية الكبار ،وقراءة الرسائل الأدبية القديمة، زد على ذلك أن أساليب التعبير طرأ عليها تغير أخذ يميل إلى البساطة و« الحلاوة » بسبب ما فعلته الصحافة، فضلا عن أثر ما تركته النتاجات الغربية المترجمة ولذلك «سهلت الأساليب لكثرة ما وردت على الأسماع فلم تعد مرونة اللفظ معجزة ذات بال، فتعود القارئ أن يبحث عن المعنى بل لا يكفي القارئ المطلع أن يجد المعنى حتى يبحث عن وجهته ومحصله» [9] .

وكان شوقي واحدا من هذا الجيل، ولكن عيبه فيما يرى العقاد أنه بقي محافظا على أسلوب يكرره، ولم يستطع تطوير إنتاجه مع تطور الحياة، وتطور أذواق الناس ،فلقد « تغير جلة القراء فأصبح لا يرضيهم اليوم ما كان فوق الرضى قبل ثلاثين أو عشرين سنة، لا بل قبل عشر سنين، ولا عجب في ذلك ولا في بقائهم على إحلال شوقي محله الأول مع انحدار شعره في نظرهم » [10] .

ومن الطريف في هذا السياق أن يقرن العقاد الإبداع في مرحلة زمنية من حياة الشاعر ،إذ « قلما يرتقي الشاعر بعد الأربعين فإنَّ أخصب أيام الشعر أيام الشباب، إذا ارتقى فإنما يكون ذلك باجتثاث الطبع وإدمان الإطلاع والتزيد من المعرفة » [11] .

وإذا كان للبيئة أثرها في تغير الأذواق فإنَّ ما ينظمه شاعر ـ مثل أحمد شوقي ـ يعد مرفوضا حين يحاكي فيه القدماء، لأن الشاعر القديم قد عبر عن حياته وظروفه وواقعه فكان شعره شعوراً أو تعبيراً عن سليقة، فلقد «كان الرجل في الجاهلية يقضي حياته على سفر : لا يقيم إلا على نية الرحيل، ولا يزال العمر بين تخييم وتحميل . بين نؤى تهيج ذكراه، ومعاهد صبوة تذكي هواه، هجيراه كلما راح أو غدا حبيبة يحن إلى لقائها أو صاحبة يترنم بموقف وداعها . فإذا راح ينظم الشعر في الأغراض التي من أجلها يتابع النوى ويحتمل المشقة ثم تقدم بين يدي ذلك بالنسيب والتشبيب فقد جرى لسانه بعفو السليقة لا خلط فيه ولا بهتان » [12]أما أحمد شوقي فقد جشم نفسه ـ كما يرى العقاد ـ تقليد الشاعر الجاهلي، محاكيا أساليبه وتعابيره وتشبيهاته واستعاراته، بل ان شوقيا يعد متخلفا إذا قورن بأدباء القرنين الثاني والثالث الهجريين، لأن أولئك قد رفضوا تلك السُنة القديمة التي تفرض على الشاعر البكاء على الدمن والطلول [13] وفي ضوء هذا يرفض عباس محمود العقاد التقليد ويتبنى التجديد، ويلخص مفهوم التجديد بعبارة تتصل اتصالا مباشرا بمفهوم التعبير، فالتجديد هو « اجتناب التقليد، فكل شاعر يعبر عن شعوره ويصدق في تعبيره فهو مجدد وإن تناول أقدم الأشياء »[14]وبهذا يضع العقاد العالم الداخلي معيارا لتحديد التقليد والتجديد معا .

ويتعرض عباس محمود العقاد من هذه الزاوية لقضية كانت شائعة في زمانه وهي الشعر العصري، وينقد التصورات التي ترجع عصرية الشاعر إلى معارضة الشاعر القديم أو كونه يلجأ إلى مماثلة القديم « فإن كانت العرب تصف الإبل والخيام والبقاع وصف هو البخار والمعاهد والأمصار، وإن كانوا يشببون في أشعارهم بدعد ولبنى والرباب، ذكر هو اسما من أسماء نساء اليوم، ثم يحور من تشبيهاتهم ويغير من مجازاتهم بما يناسب هذا التحدي » [15] . إن أحمد شوق بفعله هذا يشبه ما كان يفعله الشعراء المقلدون حين يقصد أحدهم الأمير في المدينة « وإنه لعلى خطوات من داره فكأنما قدم عليه من تخوم الصين لكثرة ما يذكر من الفلوات التي اجتازها والمطايا التي انتضاها وحقوق الصبابة التي قضاها . وكان الواحد من هؤلاء يزج بغزله في مطلع كل قصيدة حتى في الكوارث المدلهمة والجوائح الطامة . هؤلاء هم المقلدون الجامدون » [16] .

إن عباس محمود العقاد يرد على أولئك الذين يرون أن الحداثة هي التي تتضمن ذكر المخترعات الحديثة في الشعر، لأن الوصف هنا إنما هو أداء عقلي يصف فيه الشاعر الأشياء الكائنة في الخارج، في حين يرى العقاد أنَّ الإبداع إنما هو تعبير عن تجربة متخلقة في أعماق الشاعر، ولذلك فإنَّ الحداثة الحقيقية عند عباس محمود العقاد تتحقق « عندما يشعر الشاعر أن له شيئا يقوله، ويستحق هذا الشيء أن يقال ،وإن الشاعر الذي يصف الطائرة ليس بالضرورة شاعرا عصريا، والذي يصف الجمل ليس شاعرا قديما . والذي يهمنا حقيقة في تحديد مفهوم الحداثة في الشعر هو كيفية الوصف ورؤية الشاعر إلى الحياة » [17].

إن المعضلة الجوهرية في أداة الوصف التي تفصل الموضوعي عن الذاتي، بل تجعل الذاتي متحكما في الموضوعي، وهو يختلف عن الشيء الموصوف وهو واقع خارج الذات، ولكن العقاد يريد من الشاعر أن يسقط ذاته على الموضوع، ومن ثم يتلون بما هو ذاتي «إن السمة الجوهرية للشعر الحديث هي وصف الشاعر لمشاعره هو وأفكاره » [18] وليس وصفاً للمظاهر الحديثة ،لأنه لا فرق بين من يصف الجمل وبين من يصف الطائرة فكلاهما يصف مظهرا خارجا عن ذاته .



3

يكتنف « مفهوم الشعر » عند الناقد الرومانسي العربي بعدان : أحدهما : يتصل بمبدع النص الأدبي، وثانيهما : يتصل بالنص الأدبي ذاته، ويتداخل هذان البعدان إلى حد كبير، فالشعر ما هو الا تعبير عن الذات، وإن تجليات الذات تنعكس ملامحها وخصائصها في الشعر، ولذلك ألفينا النقاد الرومانسيين يؤكدون هذين المنحيين في أثناء تحدثهم عن الشعر وماهيته، مرة بما يتصل بمنشئ النص ومبدعه، ومرة بما يتميز به النص من خصائص .

فللشعر ـ عند إبراهيم عبد القادر المازني ـ مجال ومدى لا يتجاوزه، وله مادة تحـدده، أما مجاله فهو «العواطف لا العقل والإحساس لا الفكر » [19] فالعاطفة والإحساس صفتان تنتميان إلى العالم الداخلي للمبدع، فهما المجال الذي يصدر عنه الشاعر، ونحن في هذا إزاء تحديد الشعر بمدى اتصاله بالمبدع . وعلى الرغم من أنه يؤكد الخاصية الذاتية في الإبداع فإنه ينفي عن النص الأدبي خصائص الصنعة التي يتميز بها الأدب الإحيائي، وتتجلى في العناية البالغة بالشكل، من حيث الصياغة والتشبيهات والاستعارات المقصودة لذاتها، ومن حيث العناية ببنية لغوية ترجع في جذرها إلى صيغ متكررة تراثية، وإذا كان هذا يوحي بأن النص الأدبي سيكون مرتبطا بنوازع الأديب الذاتية، فإنه سيكون خاليا من الأفكار التي نجدها واضحة لدى الأدباء الإحيائيين ،وبخاصة حين يؤكدون على المناحي الأخلاقية والتعليمية، غير أن الناقد الرومانسي يربط أفكار الأديب بخصوصيته الفردية، وتكون حينئذ معبرة عن عالمه الداخلي ولذلك كان الأدب الرومانسي « يعنى بالفكر على قدر ارتباطه بالإحساس » [20]وكأن المازني يقرن الشعر بالإحساس لدرجة يعده شعرا، فإنَّ الفـكر من أجـل الإحساس شعر أيضا، أما « الفكر لذاته فذلك هو العلم » [21] .

وتحتل « العاطفة » مكانة متميزة لدى المازني فهي مادة الحياة ومادة الشعر أيضا [22]، ولا بد ـ في هذا السياق ـ من « عاطفة يفضي بها إليك الشاعر ويستريح ،أو يحركها في نفسك ويستثيرها » [23] فإذا كانت العاطفة مادة الشعر فإنها غايته، لأنه تتشكل منها الحياة والشعر على السواء، ويزيح من خلالها الشاعر ما يتوقد في أعماقه من انفعال، وإن إفراغه يحقق له تفريجا عن هذا الانفعال . ويرى المازني أن للأشياء حقيقتها الموضوعية، ولها وجودها المستقل عن الوعي، وليست وظيفة الشاعر أن يسوق لك هذه الحقائق بما هي عليه ،إنما يعبر عنها كما تحسه « روحه » .

ويتكئ عباس محمود العقاد على الدلالة اللغوية للشعر لتحديد ماهيته، إذ يرفض أن يكون شاعرا من يزن التفاعيل، فذلك الناظم، وليس الشاعر « من يأتي برائع المجازات وبعيد التصورات، ذلك رجل ثاقب الذهن حديد الخيال، إنما الشاعر من يشعر ويشعر » [24]ان الشعر ليس تشكيلا لغويا مقصودا لذاته، وإنما هو تعبير عن انفعال متوقد في أعماق الشاعر، ولذلك أرجع العقاد الشعر للشعور، وهو خاصية كائنة في الذات الإنسانية.

ويحاول العقاد تجلية مفهوم الشعر من خلال عقد المقارنة بين أداتي الوصف والتعبير، لأن الوصف أداة الأديب التقليدي التي يعمد من خلالها إلى وصف الأشياء، دون أن يكون للذات أو الانفعال أدنى تأثير، أي أن العقل يتدخل بقدر أكبر في تحديد الأشياء، ويميل الأديب ـ من ثم ـ إلى الصياغة الشكلية . إن الشعر التقليدي يتكئ على الحواس في رصد الحياة والطبيعة والموضوعات التي يتعرض لها، سواء أكانت هذه الحواس سمعية أم بصرية، ولذلك كانت عناية الأديب الإحيائي بجزالة الألفاظ ،أي العناية البالغة بوقع الألفاظ الجلي في الأذن، أو أنه يعتمد الصور البصرية الواضحة في المخيلة، ولذلك قال العقاد « إن المحك الذي لا يخطئ في نقد الشعر هو إرجاعه إلى مصدره . فإن كان لا يرجع إلى مصدر أعمق من الحواس فذلك شعر القشور والطلاء، وإن كنت تلمح وراء الحواس شعورا حيا ووجدانا تعود إليه المحسوسات كما تعود الأغذية إلى الدم ونفحات الزهر إلى عنصر العطر فذلك شعر الطبع القوي والحقيقة الجوهرية » [25] .

وإذا كان يشيع لدى المازني مفردات الإحساس والعاطفة فإنَّ عباس محمود العقاد يستخدم مصطلح الشعور ومشتقاته، فالشاعر عنده « من يشعر بجوهر الأشياء لا من يعددها ويحصي أشكالها وألوانها » [26]ولذلك فإنَّ الشاعر يجعل الشعور متحدا بالأشياء ما دام يسعى إلى الكشف عن جواهرها، وليس مجرد واصف لها، ولذلك كان العقاد يعيب على من يقول لك إن هذا الشيء يشبه هذا الشيء، ويتبنى الشاعر الذي يقول لك ما هو الشيء، أي أنه « يكشف لك عن لبابه وصلة الحياة به » [27]ولا يتم هذا إلا بالشعور فهو الذي يمكن الشاعر من إدراك الأشياء وتمثلها ونقلها إلى الآخرين، لأنه « بقوة الشعور وتيقظه وعمقه واتساع مداه ونفاذه إلى صميم الأشياء يمتاز الشاعر على سواه، ولهذا لا لغيره كان كلامه مطربا مؤثرا، وكانت النفوس تواقة إلى سماعه واستيعابه لأنه يزيد الحياة حياة كما تزيد المرآة النور نورا » [28] .



4

ويطلع العقاد على آراء الفيلسوف المتشائم آرثر شوبنهور ويتابعه في «تفضيله الرسم على الصورة ،لأن الأخير يمثل الشيء كما تراه العيون، بينما يظهر الأول السمات الداخلية كما يشعر بها الفنان الماهر والذي يغفل القضية المحسوسة ويتوغل إلى معانيها المجردة »[29] .

ويتوقف عباس محمود العقاد عند موقف شوبنهور من الجمال الفني الذي تتركز مهمته في فصل الشكل « القالب » عن المادة لا أن يحكي لنا الشكل والمادة معا حكاية صحيحة محكمة، لأن الفن موكل بالصور الباقية والنماذج الخالدة لا بالكائنات التي توجد في الحياة مرة واحدة، ثم تمضي لطيتها غير مكررة ولا مردودة ،فإذا أراد المصور أن يمثل إنسانا لفت نظره فليس الذي يعنيه من ذلك الإنسان أنه فرد من أفراد نوعه مستقل بمادته وشكله وعمره ،ولكن الذي يعنيه أنه « قالب » يصلح أن يكون نموذجا عاما لأفراد كثيرين أو للنوع كله » [30]وهذا يعني أن الجمال عند شوبنهور إنما يمثل فكرة سابقة على الوجود المادي، ويعني لديه مفهوما كليا يشمل الجنس ولايعنى بالجزئي والفردي، ويضرب شوبنهور بتماثيل الشمع مثالا على ذلك . لأنها « تنقل لنا الشكل والمادة معا، ومن ثم توهمنا أن الشيء المحكي ذاته ماثل أمام أعيننا، فتختلف بذلك عن أعمال الفن الصادقة التي تبعد بنا عن الشيء الذي يوجد مرة واحدة، ثم لا يعود إلى الوجود أبدا، أعني الفرد، وتقترب بنا إلى الشيء الذي يوجد بلا انقطاع في الزمن الباقي الذي لا نهاية له وفي العدد المطلق الذي لا حصر له وهو « الشكل » أو فكرته » [31] .

وهذا يعني أن الجمال عند شوبنهور يمثل فكرة مجردة وشكلا كليا عن الجزئي والفردي، وإن الذات الإنسانية تتحسس هذا المعنى وتتأمله وتتذوقه، ويتفق العقاد مع شوبنهور في أن هناك فرقا جوهريا بين الصورة الفوتوغرافية واللوحة التي يرسمها الفنان لأن الأولى تنقل صورة الشيء دون أن يكون للفنان أدنى تأثير فيها، في حين تمر الثانية من خلال ذات المبدع، أي أن الصورة الفوتوغرافية « تنقل لنا الشيء الحقيقي كما يبدو في نفس عبقرية واعية تنظر إلى معاني الأشكال المجردة لا إلى مادتها المحسوسة » [32] وعلى الرغم من هذا الاتفاق فإنَّ العقاد يرى أن الجمال حرية وليس « فكرة بعيدة عن عالم الإرادة » والذي يرجح ذلك في تصور العقاد «أن الجمال يتفاوت في نفوسنا ويتفاضل في مقاييس أفكارنا، ولو كان المعول على إدراك «الفكرة »وحدها في تقدير الجمال لوجب أن تكون الأشياء كلها جميلة على حد سواء » [33] .

ويؤكد عباس محمود العقاد « معنوية » الجمال لا« شكليته » لان الأشكال بذاتها لا قيمة لها، إن لم تكن تعبر عن المعاني التي تختفي وراءها، ولذلك يقول « إن الأشكال لا تعجبنا وتجمل في نفوسنا إلا لمعنى تحركه أو لمعنى توحي به، لا فرق في ذلك بين أشكال الوجوه الآدمية والأعضاء الحية وبين مادون ذلك من الصور التي تخفى فيها معاني الحسن أو تبعد الشقة بينها وبين ما تومئ إليه » [34] وهذه الفكرة لا تعدو أن تكون تعديلا لمقولات التراثيين العرب الذين يجعلون المعنى متقدما على اللفظ، وان اللفظ وعاء يحمل المعنى غير أن العقاد يحاول تجلية تصوره من خلال معطيين أحدهما : وظيفة الشيء، وثانيهما : معناه، وهو يرى أن الوظيفة في الحياة تسبق العض والذي يمثلها، والجسم الإنساني نفسه لا يسعك أن تتصوره إلا معبرا عن فكرة أو وظيفة مجردة، و لا قيمة للأعضاء في ذاتها بغير الفكرة التي تعبر عنها والوظيفة التي تؤديها، « فلا فرق في الشكل بين بروز الحدبة على ظهر الأحدب وبروز النهد على صدر الكعاب ! ولكن الحدبة معيبة والنهد مستجمل مرغوب، وما ذاك إلا لاختلاف المعنـى بينهما لا لاختلاف الشكل والصورة ولتباين الوظيفة التي يمثلها كلاهما لا لتباين الحجم والبروز » [35] .

ويحدد المعنى طبيعة الشكل وخصائصه لأن الشكل الجميل « أداة المعنى إلى الظهور ... وأحسن الأشكال وأوفقها هو الشكل الذي تتخطاه إلى دلالته » [36]وإذا كان المعنى يحدد ماهية الشكل ومن ثم تحديد خصائصه الجمالية، فإنَّ المعاني هي التي تحدد الفن وليس الأشكال الملموسة . إن عالم الفن والآداب إنما هو عالم المعاني المجردة، وليس عالم الأشكال المحسوسة، كما أن المعاني وكيفية توظيفها هي التي تحدد إمكانية الإبداع لدى الفنان، فالفنان المبدع قادر بفضل خصائص فطرية « اختيار أشكال تبرز المعاني وتخلو من العيوب التي تحجبها عن الخواطر، أو هو ذلك الإنسان الملهم الذي يوفق لاختيار الأشكال التي تنسينا الأشكال وتؤدي عملها، وما عملها إلا أن تساعد المعنى على الظهور، لا أن تشغل الناظرين بالظواهر عما وراءها من المعاني والدلالات » [37]، وبهذا لا يكون للتناسب والتناسق أثر في تحديد ماهية الجمال في الأجسام والفنون، وإنما يرجع جوهر الجمال إلى حرية الوظيفة وحركة الحياة في الجسم والفن، ويؤكد العقاد أن صفة الجمال قرينة الحرية، ولا يعني هذا أن الحرية لا قيود تحدها، لأننا سنكون إزاء الفوضى، ولذلك فإنَّ سر الجمال في الحياة والفنون محدد بالحرية التي « تظهر بين قيود الضرورات » [38] بمعنى « إنه ليس صحيحاً أن الجمال تناسق، ففي الجسم الإنساني يخضع التناسق لوظيفة الحياة . وهذا هو السبب في أن العضو الجميل هو الذي يلبي متطلبات الحياة، وبذلك يؤكد حرية التوظيف » [39] إن العقاد قد ركز مناقشته هنا على أصل طبيعة الجمال في الحياة والفن وهو « يبدو قد طور نظرية جمال فريدة تتأسس على قـواعد رومـانسية متنوعة وتتأسس على بديهيات مستعارة من العلوم الطبيعية » [40] .

وفي ضوء هذا يرفض العقاد تصور شوبنهور الذي يجعل الجمال منحصرا في الفكرة ويستبدل عبارته « الجمال هو الفكرة » بعبارة «الجمال هو الحرية »، ويؤكد العقاد أننا نستمتع في أثناء النظر إلى الموضوع الذي يظهر الحرية، ونحزن لمظاهر الخضوع تلك، إن حرية الاختيار هي التي تجعل النوع الإنساني أرقى من الحيوان، والحيوان أرقى من النبات، والنبات أرقى من الجماد، وفي الفن فالمحاكاة أمر قبيح مثير للاشمئزاز لأنه نوع من الرق « العبودية »، ويعتقد العقاد أنّ جوهر الجمال في الأدب والحياة متطابق تقريبا، وفي كلتا القضيتين ان الحرية مقوم جوهري لكن الحرية ينبغي الا تعتبر وكأنها غياب الموانع والقواعد . انه لا حرية بدون إعاقات، كما يوضح ذلك العقاد . إن الفنان ينبغي ألا يهمل القيود الإجبارية بل يتغلب عليها وأنْ يستخدمها كنوع من الزخرفة الفنية، إن الجمال هو انتصار الحرية على القيود »[41].

ومن الجدير بالذكر ان العقاد ومعه مدرسة الديوان قد تابعت إنجازات الرومانسية الإنجليزية، فلقد كان عبد الرحمن شكري « متمكنا في اللغة الإنجليزية بحكم دراسته منذ السنة الأولى الابتدائية ... وقد أعجب شكري كل الإعجاب بشعراء الرومانسية الإنجليزية، وردسورث وكولردج وشيلي وبيرون وكيتس وسكوت ،وأخذ يلتهم كل ما أنتجوه في نهم وشراهة » [42] ولا يختلف عنه المازني والعقاد، فلقد تأثر المازني بالأدب الإنجليزي واقتبس منه، كما أن العقاد كان معجبا بالمدرسة الرومانسية الإنجليزية، « وهي مدرسة بيرون ووردسورث، فهي المدرسة التي عنيت بالحياة الإنسانية في أبسط مظاهرها تاركة كل ما يتألق في صفحات التاريخ وهي التي اغرمت بالطبيعة وتذوقها بحدة وحرارة، ووقفت طويلا أمام أقل نتاج للطبيعة تتأمل جماله وتتملى محاسنه، وتستوحيه وتستلهمه ودعت إلى البساطة متجنبة الزخرف والألفاظ الضخمة الرنانة »[43]

ولعل أكثر المفاهيم تكرارا تلك التي تتصل بالتعبير الأدبي، وهم يتابعون فيها مقولات جون كيتس في أن «الشعـر إذا لم ينبعث بصـورة طبيعية كما تنبعث الأوراق من الشـجـرة فمن الخيـر ألا ينبعث على الإطلاق » [44] وكذلك مقولة وردزورث « إن الشعر فيض تلقائي لمشاعر قوية، يتخذ أصولا من عاطفة تستذكر في هدوء، ويتأمل الشاعر تلك العاطفة بنوع من رد الفعل حتى يتلاشى الهدوء تدريجيا وتتولد بالتدريج عاطفة صنو لتلك التي كانت قبل التأمل، وهذه العاطفة الثانية هي نفسها ماثلة في الذهن . وفي هذه الحالة يبدأ النظم متواليا، وفي حال مشابهة لها يستمر مريرة، ولكن مهما يكن نوع العاطفة ودرجتها فإنَّ المسرات المتنوعة الناشئة من عدة أسباب، تعدلها، حتى إن الذهن إذ يصف أية مشاعر، يكون وصفه لها إراديا، إنما يكون على الجملة في حال ابتهاج وسرور » [45] .

ويميز العقاد ـ في هذا السياق ـ بين الشاعر المطبوع والشاعر المقلد، لأن المقلد إنما يحاكي ما سبق أن وصفه القدامى، أو أنه يستخدم أداة ليصف المظاهر والأشياء ،أما الشاعر المبدع أو « المبتدع » على حد تعبيره فهو « من يكون له ينبوع يستقى منه كما استقوا » [46] فقد كان « شعر العرب مطبوعا لا تصنع فيه ،وكانوا يصفون ما وصفوا في أشعارهم، ويذكرون ما ذكروا، لأنهم لو لم ينطقوا به شعرا لجاشت به صدورهم زفيرا، وجرت به عيونهم دمعا، واشتغلت به أفئدتهم فكرا » [47] .

ويؤكد العقاد أهمية العالم الداخلي لإبداع الشعر، فهو يرجع الشعر إلى الإنسان، يقول العقاد : « والشعر الصحيح في أوجز تعريف هو ما يقوله الشاعر، والشاعر في أوجز تعريف هو الإنسان الممتاز بالعاطفة والنظر إلى الحياة وهو القادر على الصياغة الجميلة في إعرابه عن العواطف والنظرات » [48] وبهذا يؤكد العقاد بعدين : أحدهما : الانفعال، وثانيهما : القدرة على الأداء في التعبير، وبهذا يكون الشاعر متميزا على الإنسان العادي بدرجة ما، ولعل هذا التصور الذي أرساه العقاد لا يختلف كثيرا عن تصور وردزورث في قوله : « ما الذي تعنيه كلمة شاعر ؟ ... الشاعر إنسان يتحدث إلى أناسي، إلا أنه إنسان وهب قسطا من الحساسية الحية أكثر من سائر الناس، وحاسة أشد ورقة أعظم، ومعرفة بطبيعة الإنسان أشمل وروحا أوسع إحاطة مما وهبه سائر الناس العاديين » [49] .

ولا يختلف عبد الرحمن شكري عن العقاد في إرجاعه الإبداع الشعري وتحديد ماهيته إلى خاصية كائنة في الذات المبدعة، وإذا كانت عند العقاد ينبوعا يتدفق من ذاته، فإنَّ الشعر عند شكري «كلمات تخرج من النفس بيضاء مشبوبة، وكما أن العاطفة تنطق الشاعر كذلك قد تخرسه شدتها ومن أجل ذلك كانت ذكرى العاطفة والتفكير بها شعرا، وإنما نعني الذكرى التي تعيد العاطفة والتفكير الذي يحييها » [50] .

ويعمد عبد الرحمن شكري إلى تفصيل ذلك حين يحدد ماهية الشعر في ثلاث مكونات هي : العواطف، والخيال، والذوق السليم، « فمن كان ضئيل الخيال أتى شعره ضئيل الشأن، ومن كان ضعيف العواطف أتى شعره ميتا لا حياة له، فإنَّ حياة الشعر في الإبانة عن حركات تلك العواطف وقوته مستخرجة من قوتها وجلاله من جلالها ومن كان سقيم الذوق أتى شعره كالجنين ناقص الخلقة » [51] .

أما المازني فإنه يؤكد خاصية لا تنأى بعيدا عن ينبوع العقاد أو التدفق الطبيعي عند عبد الرحمن شكري، إذ يمثل الشعر بوحا أو إفضاء، إذ يؤكد إبراهيم عبد القادر المازني أنه « لا بد في الشعر من عاطفة يفضي يها إليك الشاعر ويستريح » [52] .

إن هذه التصورات لا تختلف في الحقيقة عن تصورات الرومانسيين الإنجليز، مما دفع ناقدا إلى القول بأن العقاد قد تابع « في تنظيره للشعر الشعراء الرومانسيين الإنجليز الذين أسسوا سيادة « تفوق » الخيال، ـ وعلى حد تعبير شيلي ****ly ـ ويهدف العقاد إلى إزالة غشاوة من تألفه عن إدراكنا الداخلي، ويلزم العقاد مع عبد الرحمن شكري بالجمال الكولردجي ويعتمد على تميز كولوردج بين الخيال والوهم وبين الملاحظة والتأمل »[53] .



5

يصدر عباس محمود العقاد عن رؤية تؤمن بوحدة التجربة الشعورية، وهي جزء من وحدة الذات المتسمة بخصوصيتها واستقلالها، ويعقد العقاد مقارنة بين الأديب الرومانسي الذي تتجلى عنده وحدة التجربة هذه والأديب الإحيائي الذي يفتقر إلى هذه التجربة الشعورية الموحدة، ومن ثم تظهر آثار ذلك واضحة على مستويات عديدة في النصوص الأدبية الرومانسية والإحيائية .

إن الأديب الرومانسي يسقط ذاته على الواقع الذي يعيش فيه، وينفعل به، وتكون تجربته صورة لتفاعل الأديب الذاتي مع موضوعه، وتتميز التجربة بأنها تجربة فردية خاصة، أي أنه لم يقتبس تجربته تلك من آخرين وما دام الأمر كذلك فإنَّ عمله الأدبي يحمل خصائص هذه التجربة الموحدة ويشتمل على قدر أكبر من التوحد والتماسك، وهو بخلاف الأديب الإحيائي الذي لا يعنى بواقعه بمقدار عنايته بمحاكاة تجارب الشعراء السالفين، وتعني المحاكاة تجاور تجارب شعورية متعددة، ليس منها تجربة الشاعر الإحيائي، أي تجربته الفردية الخاصة، ومن ثم يكون النص الأدبي صورة لهذه التجارب المتعددة، ومن الطبيعي أن يكون النص الأدبي مفتقرا إلى الوحدة والتماسك .

ويميز عباس محمود العقاد بين نمطين من أنماط وحدة القصيدة [54] : الوحدة الشكلية، والوحدة المعنوية، أما الأولى فتتصل اتصالا مباشرا بالوزن والقافية، وتنحصـر في إطاريـهما، ويـرى العقـاد أن « القصائد ذات الاوزان والقوافي المتشابهة أكثر من أن تحصى، فإذا اعتبرنا التشابه في الأعاريض وأحرف القافية وحدة معنوية جاز إذن أن ننقل البيت من قصيدة إلى مثلها دون أن يخل ذلك بالمعنى أو الموضوع وهذا ما لا يجوز » [55] في حين تتمثل الوحدة المعنوية بالقصيدة في كونها « عملا فنيا تاما يكمل فيها تصوير خاطر أوخواطر متجانسة كما يكمل التمثال بأعضائه والصورة بأجزائها واللحن الموسيقي بأنغامه بحيث إذا اختلف الوضع أو تغيرت النسبه أخل ذلك بوحدة الصنعة وأفسدها » [56] .

إن وحدة الشكل وحدة خارجية تؤكد مفهوم « الصنعة » الذي بالغ الأدب الإحيائي في العناية بها، وهي وحدة تعنى بتماثل الجانب الشكلي المتمثل في الوزن والقافية، دون العناية بطبيعة التعبير وخصائص الصورة ومدى تناغم ذلك مع التجربة الشعورية، لأن الشاعر هنا ينثر الفكرة ثم يلبسها ما يلائمها من وزن وقافية وتشبيه، ويكمن جمال ذلك بمدى ما يحدثه النص من دهشة بالجرس الموسيقي أو الغرابة في التشبيه والاستعارة، سواء أكان ذلك منسجما مع التجربة الشعورية أم لم ينسجم.

إن وحدة التجربة الشعورية تقود إلى وحدة العمل الأدبي في حين لا تقود محاكاة التجارب الشعرية المختلفة إلا لهذا التراكم للأبيات الشعرية، أي « تفكك » القصيدة على نحو يمكنك أن تقدم بيتا، أو أبيات، وتؤخر بيتا ،أو أبيات، دون أن يحدث ذلك خللا يذكر في القصيدة .

ويسعى العقاد إلى تأكيد التماثل بين القصيدة والكائن الحي لإضفاء سمات التكامل والحياة على القصيدة، وهذا يعني أن أجزاء القصيدة لا تمثل عناصر مستقلة عن بعضها، وإنما تمثل بناء كليا متفاعلا تشبه تماما الكائن الحي .« فالقصيدة الشعرية كالجسم الحي يقوم كل قسم منها مقام جهاز من أجهزته ولا يغني عنه غيره في موضعه إلا كما تغني الأذن عن العين أو القدم عن الكف أو القلب عن المعدة . أوهي كالبيت المقسم لكل حجرة منه مكانها وفائدتها وهندستها، ولا قوام لفن بغير ذلك .... ومتى طلبت هذه الوحدة المعنوية في الشعر فلم تجدها فاعلم أنه ألفاظ لا تنطوي على خاطر مطرد أو شعور كامل الحياة » [57] إن التجربة الشعورية فردية وخاصة، وحين يعبر عنها الأديب تنعكس أثارها الواضحة على العمل الأدبي ذاته ،فيكون ذا سمات فردية خاصة، من جهة أسلوبه وصوره وإيقاعه ونحو ذلك، ولذلك يتميز النص الأدبي لشاعر عن نصوص الشعراء الآخرين، ويتجلى ذلك لدى المبدعين في العصور المختلفة، إذ تتفاوت أساليب الأدباء وتتفاوت صورهم وإيقاعاتهم لاختلاف تجاربهم الشعورية وتباينها، أما لدى الأديب الإحيائي، والمقلدين بعامة ،فإنه يفتقر إلى تجربة شعورية ويعمد إلى محاكاة تجارب المبدعين الآخرين، ومن ثم يتماثل هذا النص الشعري مع النصوص الأدبية الأخرى، ولذلك تتشابه النصوص الأدبية في فترات الاضمحلال )) تشابها في الأسلوب والموضوع والمشرب وتماثلا في روح الشعر وصياغته ... ورأيتهم يحسبون البيت من القصيدة جزءا قائما بنفسه لا عضوا متصلا بسائر أعضائها، فيقولون أفخر بيت وأغزل بيت وأشجع بيت، وهذا بيت القصيد، وواسطة العقد ،كأن الأبيات في القصيدة حبات عقد تشترى كل منها بقيمتها فلا يفقدها انفصالها عن سائر الحبات شيئا من جوهرها وهذا أدل دليل على فقدان الخاطر المؤلف بين أبيات القصيدة وتقطع النفس فيها وقصر الفكرة وجفاف السليقة » [58] .

إن وحدة التجربة الشعورية قادت في تصور العقاد إلى وحدة القصيدة لا تفككها، والى الانسجام بين أبياتها لا التنافر، والى تكامل القصيدة وحياتها، لا نقص القصيدة وموتها، وقاد أخيرا إلى اختلاف النصوص الأدبية لا تماثلها .

6

يدرك الناقد الإحيائي لغة الشعر في ضوء العلاقة بين اللفظ والمعنى، كما يدركها سلفه القديم بأنها علاقة الثوب بالجسم « فالثوب الطويل للقوام الطويل، والثوب العريض للجسم السمين، والمتفنن العبقري يعطي كلا ما يخصه من الصورة أو الألفاظ » [59] أو تأكيد الناقد الإحيائي خصائص معينة في الألفاظ كأن تكون سلسة في النطق وخالية من التنافر والغرابة وأن «يألف بعضها بعضا حتى تكون الكلمات المتوالية منـزلة كلمة واحدة » [60]وهذا التصور لا يختلف في جوهره عن التصورات المطروحة في التراث النقدي، بل إنها صدى لها، فابن طباطبا العلوي « 322 هـ » يرى « أن للمعاني ألفاظا تشاكلها فتحسن فيها وتقبح في غيرها، فهي كالمعرض للجارية الحسناء، التي تزداد حسنا في بعض المعارض دون بعض » [61] أو قوله « يجب أن تكون القصيدة كلها ككلمة واحدة في اشتباه أولها بآخرها، نسجا وحسنا، وفصاحة، وجزالة ألفاظ ودقة معان وصواب تأليف » [62]كما أنَّ قدامة بن جعفر « 326 هـ » يرى « أن المعاني كلها معرضة للشاعر وله أن يتكلم منها في ما أحب وآثر، من غير أن يحظر عليه معنى يروم الكلام فيه، إذ كانت المعاني للشعر بمنـزلة المادة الموضوعة والشعر فيها كالصورة » [63] .

ويمايز عباس محمود العقاد بين لغة الإحيائين ولغة الرومانسيين، إذ تتجلى في الأولى ملامح الصنعة بكل أبعادها وخصائصها، ويطلق عليها العقاد « الزخرف اللفظي » الذي يدل على « التزويق الذي لا يمت إلى الحياة بسبب ولا يعمل فيه غير المسطرة والبركار وذهن هو في الأذهان ضرب من المسطرة والبركار » [64]وهو بهذا يجعل الزخرف وليد صنعة عقلية تتحكم في أبعاده، ومن أجل توضيح ذلك يعقد العقاد مقارنة بين الزخرف اللفظي في الفنون القولية والزخرفة في العمارة العربية في بناياتها القديمة، وعلى الرغم من أنه يؤكد جمال الزخرفة لما فيها « من الرونق ما يجتذب العيون ويستدعي التأمل » [65]فإنه يرى أن الزخرفة والسجع والجناس متماثلة، أحدهما سمعي زماني يتبدى في التماثل والتقابل والتناظر في الجوانب الصوتية في السجع والجناس، والآخر بصري مكاني يتبدى في تمـاثل وتقابـل وتناظر في الزخرفة، وكلا الزخرفين الزماني «السجع و الجناس »، والمكاني « الـزخـرفة » إنما يخلـو من مظـاهـر« الحيـاة النامية من زهر أو ثمر أو قسمات وجه أو مشابه عضو من الأعضاء » [66] .

وعلى الرغم من هذا فإنَّ العقاد يرى أن اللفظ يمثل رمزا للمعنى، وهو بهذا يؤكد ـ على نحو من الأنحاء ـ المقولات التراثية التي تفصل بين اللفظ والمعنى، ولكنه يميز بين دلالات المترادفات لأنها في رأيه لا تتشابه في المدلول[67] .

أما ابراهيم عبد القـادر المازني فيرى أن الألفاظ رموز مجردة « تمر بالسمع فيكتفي العقل منها بلمحة دالة تغنيه عن ( الصورة) ـ إلا أن تريد ذلك فيكون ما أردت ـ ولكن فرقا بين أن تكره الخيال على التصوير وبين أن يجيء ذلك عفوا لا إكراه فيه ولا إجبار (( [68]وعلى الرغم من أنه يحاول إغفال مصطلح « المعنى » فإنَّ النص يتضمنه، بل أكد ذلك بمقولة تتطابق مع مقولات التراثيين حيث اعتبر «الألفاظ أوعية للمعاني فأحسنها أشفها وأشرفها دلالة على المعنى » [69]وهذه تتطابق مع مقولة ابن جني حين تحدث عن الوعاء « اللفظ » والموعى عليه « المعنى » مؤكدا أن العناية من أجل الإبانة والوضوح عن الموعى عليه، أو من أجل ألا تتكدر المعاني الفاخرة بسوء الألفاظ المستخدمة [70] .

ويعمد إبراهيم عبد القادر المازني إلى تقسيم الألفاظ إلى ثلاثة أنماط هي على النحو التالي :

الأول : ويطلق عليه الألفاظ الجامعة، وهي « ألفاظ موضوعة للدلالة على ما هو واقع تحت الحس » [71]، وتتميز بأنها رموز بسيطة « غير مركبة يدركها الذهن على غير كلفة أو مشقة » [72].

الثاني: الألفاظ الموضوعة لوصف الأشياء المحسوسة آنفة الذكر وتتميز بأنها « رموز لأشياء مركبة، أو هي رموز موضوعة لوصف حالات بعينها لا بد للذهن في تصورها من جمع شتيت أجزائها » [73] .

الثالث : ألفاظ موضوعة للجمع بين النوعين المتقدمين، وللدلالة على صلاتها مثل الشرف والحرية والفضيلة وهي « أعوص الجميع وأشدها إعناتا للذهن إذ هو تكلف تفصيل مجملها وبسط موجزها، وما لفظ الشرف إن تأملته إلا عبارة « مختزلة » لو عمدت إلى بسطها وتحليلها لما وجدت مندوحة من ردها إلى النوع الثاني، ثم الأول، قبل أن تستطيع الكشف عن دقائقها وفتح مقفلها، فإنه مما لا شبهة فيه أن أول من قال من الناس « أحب الشرف » إنما كان يعني )) أحب الرجل الشريف » [74] .

إن الألفاظ بأنماطها المختلفة تلك تمثل رموزا للمعاني الكائنة في الذهن، ويرى المازني أن الألفاظ « قاصرة عن العبارة عما في النفس والإحاطة بجميع ما يختلج في الصدر ويدور في الذهن من المعاني .... فإنَّ الألفاظ ليست إلا كإشارات الخرس، تتخيل فيها أغراض صاحبها، وإذا كان هذا كذلك فكيف يمكن أن تكون فيها صور واضحة في الذهن، وهي على ما وصفنا من العجز والقصور ؟ وحسبك دليلا على أن العقل ليكتفي بالإشارة ويجتزيء بيسير الإبانة، إن النظرة قد تقوم مقام اللفظة في نقل المعنى من ذهن إلى ذهن، وإن التلميح قد يكون أبلغ في العبارة من التصريح، واعلم أن إحلال الرموز محل الصور أمر لا بد منه ولا محيد عنه، ولا سيما في العلوم بأنواعها من طبيعة وكيمياء ورياضة وغير ذلك، بل في الشعر والكتابة أيضا »[75].

ويؤكد المازني ضرورة اختيار الألفاظ وحسن اتساقها، لأن المتلقي يقبل ما يرد إليه عند ما يعمد الشاعر إلى حسن اختيار ألفاظه واتساق نظامها، وليست الألفاظ هي بذاتها معيار التفاضل بين الأدباء، لأن « اللفظ من حيث هو لفظ مفرد لا شيء في ذاته ولا معنى له في نفسه، ولكن يكون المعنى وتحصل الفائدة بالتأليف وبضم الألفاظ بعضها إلى بعضـها كاللون في ذاتـه لا يفيدك صـورة ولا يعطيـك شيـئا إلا بعد أن يأتلف مـع سواه » [76] أو « الكلام لا قيمة له من أجل حروفه فإنَّ الألفاظ كلها سواء من حيث هي ألفاظ، وإنما قيمته وفصاحته وبلاغته وتأثيره تكون من التأليف الذي تقع به المزية في معناه لا من أجل جرسه وصداه ....إن الألفاظ ليست إلا واسطة للأداء فلا بد أن يكون وراءها شيء، وإن المرء يرتب المعاني أولا في نفسه ثم يحذو على ترتيبها الألفاظ » [77] إن هذه التصورات تتصل ببعض أبعادها بالتراث النقدي العربي وبخاصة لدى عبد القاهر الجرجاني حيث يقول: « إن الألفاظ لا تتفاضل من حيث هي ألفاظ مجردة ولا من حيث هي كلم مفردة، وإن الألفاظ تثبت لها الفضيلة وخلافها في ملائمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها، أو ما أشبه ذلك مما لا تعلق له بصريح اللفظ، ومما يشهد لذلك أنك ترى الكلـمة تـروقـك وتـؤنسـك في مـوضع، ثم تراها بعينها تثقل عليك وتوحشك في موضع آخر » [78] كما ان هذه التصورات تتصل على نحو وآخر بالحضارة الغربية وبالذات عند ريتشاردز الذي يؤكد أن « الكلمات بمفردها لا « تعني » شيئا ... فهي إذن مجرد أدوات « يشير » بها الشخص المفكر إلى الأشياء ولكن فضلا عن وظيفة الإشارة هذه ،أو الوظيفة الرمزية التي يجب أن تقتصر عليها لغة التفكير العقلي أو الاستدلالي نلاحظ أن للغة وظائف أخرى يمكن جمعها تحت الوظيفة الانفعالية » [79] .

ومن الجدير بالذكر أن إبراهيم عبد القادر المازني يؤكد أن كثرة المحفوظ لا يدل )) على قوة الكاتب أو الشاعر ولكنه قد يكون أيضا من بواعث ضعفه وتخلفه »[80] وكأنه بهذا يكرر مقولة ريتشاردز « إن كمية الألفاظ التي في متناول الشاعر لاتحدد منـزلته بين الشعراء وإنما الذي يحدد مكانته الطريقة التي يستخدم بها هذه الألفاظ، فالمهم هو مدى إحساس الشاعر بطاقة الألفاظ على تعديل بعضها البعض، وتجميع تأثيراتها المتصلة في العقل واتخاذها موضعها المناسب في الاستجابة ككل » [81] .

ويقود الحديث عن اللفظ والمعنى إلى قضية « التوصيل » التي تعرض له القدامى والمحدثون، إذ يكرر المازني ـ هنا ـ مقولة القدامى، فالكلام عنده « مجعول للإبانة عن الأغراض التي في النفوس، وإذا كان كذلك وجب أن يتخير من اللفظ ما كان أقرب إلى الدلالة على المراد وأوضح في الإبانة عن المعنى المطلوب (([82]ك كما أن اللغة لديه )) ليست أكثر من أداة للتعبير عن المعاني والخواطر والخوالج، وإن المرء يتلقاها عن الجماعة التي هو فيها كما يتلقى النسيم الذي يستنشقه، بلا تفكير أو عناء » [83] .

ويميز المازني بين التوصيل والتأثير لأنه يرى أن الغموض ليس غاية يتحقق بها التأثير بالمتلقي، بل يرى أن التأثير يتحقق بالوضوح، ولذلك قال : « إن « التأثير » لا يتأتى الا ببراعة اللفظ ورشاقة العبارة، فقد يكون الكلام حسنا « مؤثرا » ويتفق له ذلك من غير رشاقة ولا نضارة وإنما الألفاظ أوعية للمعاني فأحسنها أشفها وأشرفها دلالة على ما فيها . فقد تبلغ بالعبارة العاطلة مالا تبلغة بالكلام المفوف، بل قد يكون التأنق إذا أسرف فيه الشاعر أو الكاتب أو جهل مواضعه وأخطأ مواقعه، أو تكلف له على غير الحاجة إليه حائلا بينه وبين ما يريد من نفس القارئ » [84] .

إن التحديد السابق للألفاظ إنما يمثل المادة الخام التي يتفاعل معها الأديب لأن التشكيل اللغوي يرتبط بانفعال الشاعر ويكون صورة له، فإن تطابق التشكيل اللغوي مع الانفعال كان الشاعر مبدعا وإلا سيكون فيه نقص وضعف، ولذلك يرى المازني « أن كل عاطفة تستولي على النفس وتتدفق تدفقا مستويا لا تزال تتلمس لغة مستوية مثلها في تدفقها، فإما وفقت اليها واطمأنت، والا أحست بحاجة ونقص قد يعوقان تدفقها الطبيعي، وربما دفعاها إلى مجرى غير طبيعي فيضر ذلك بالجسم والنفس جميعا، كالحامل لا تزال تتمخض حتى تلد » [85] كما يرتبط إلقاء القصيدة بهذا الانفعال الذي كل ما كان عميقا كان « الوزن أظهر وأوضح وأوقع »[86] .



مصادر البحث :

إبراهيم عبد القادر المازني :

بشار بن برد ، عيسى البابي الحلبي ، القاهرة ، 1944 .

الديوان ، دار الشعب ، القاهرة ، د . ت . بالاشتراك مع عباس محمود العقاد .

الشعر غاياته ووسائطه ، مطبعة البوسفور ، القاهرة ، 1915

أحمد الهواري :

نقد الرواية في الأدب العربي الحديث في مصر ، دار المعارف ، مصر ، 1983 .

آرسطو :

فن الشعر ، مع الترجمة العربية القديمة ، وشروح الفارابي وابن سينا وابن رشد ، ترجمة وتحقيق عبد الرحمن بدوي ، دار الثقافة ، بيروت ، 1973 .

أفلاطون :

محاورة )) أيون (( ترجمة صقرخفاجة ، ومراجعة سهير القلماوي ،مكتبة النهضة ، القاهرة ، 1956

الفت كمال الروبي :

نظرية الشعر عند الفلاسفة المسلمين ، دار التنوير ، بيروت ، 1983 .

جابر عصفور :

الصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي، دار المعارف ،القاهرة ، 1980 .

المرايا المتجاورة ، دراسة في نقد طه حسين ، الهيئة المصرية العامة لكتاب ، القاهرة ، 1983 .

جبر ضومط :

فلسفة البلاغة ، المطبعة العثمانية ، بعبدا ، 1898 .

الجرجاني ( علي بن عبد العزيز ) :

الوساطة بين المتنبي وخصومه ، تحقيق : محمد أبو الفضل إبراهيم ، وعلي محمد البجاوي ، دار إحياء الكتب العربية ، القاهرة ، 1966.

ابن جني ( أبو الفتح ) :

الخصائص ، تحقيق محمد علي النجار ، دار الكتب المصرية، القاهرة ، 1952 ـ 1956 .

جلال فاروق الشريف :

الرومانتيكية في الشعر العربي المعاصر في سوريا ، اتحاد الكتاب العرب في سوريا ، دمشق ، 1980 .

ابن خلدون :

تاريخ ابن خلدون ، مؤسسة جما ل، بيروت ، د . ت .

داود سلوم :

اثر الفكر الغربي في الشاعر جميل صدقي الزهاوي ، دراسة ونصوص ، معهد البحوث والدراسات العربية ، بغداد ، 1984 .

ديتشس ( ديفد ):

مناهج النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق ، ترجمة : محمد يوسف نجم ، مراجعة : إحسان عباس ، دار صادر ، بيروت ، 1967 .

رفائيل بطي :

سحر الشعر ، المطبعة الرحمانية ، مصر ، 1922 .

ريتشاردز آ . آ:

العلم والشعر ، ترجمة :مصطفى بدوي ، مراجعة : سهير القلماوي ، مكتبة الانجلو المصرية ، القاهرة ، د. ت.

مباديء النقد الأدبي ، ترجمة : مصطفى بدوي ، مراجعة : لويس عوض ، المؤسسة المصرية العامة للتأليف والنشر ، القاهرة ، 1963

ابن طباطبا العلوي :

عيار الشعر ، تحقيق ،محمد زغلول سلام، منشاة المعارف ، الاسكندرية ، مصر ، 1984 .

عاطف جودة نصر ، الخيال مفهوماته ووظائفه ، الهيئة المصرية للكتاب ، القاهرة ، 1984 .

عباس محمود العقاد :

الديوان، دار الشعب ، القاهرة ، د . ت . بالاشتراك مع إبراهيم عبد القادر المازني .

مراجعات في الآداب والفنون ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، 1966 .

ساعات بين الكتب والناس ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، 1969 .

عبد القاهر الجرجاني :

أسرار البلاغة ، صححه السيد محمد رشيد رضا ، دار المعرفة ، بيروت ، 1981 .

دلائل الإعجاز ، تحقيق : محمد رضوان الداية ، وفايز الداية ، مكتبة دمشق ، 1984 .



علي عباس علوان :

تطور الشعر العربي الحديث في العراق ، وزارة الاعلام العراقية ، بغداد ، 1975 .

عمر الدسوقي :

في الأدب الحديث ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، د .ت .

ابن قتيبة )) عبد الله بن مسلم (( :

الشعر والشعراء ، تحقيق محمد أحمد شاكر ، دار المعارف ، مصر ، 1982 م .

قدامة بن جعفر :

نقد الشعر، دار الكتب العلمية ، بيروت ، د . ت .

كريم الوائلي :

الخطاب النقدي عند المعتزلة ، مصر العربية للنشر ، القاهرة ، 1997 .

المواقف النقدية ، دار العربي ،مصر ، 1986 .

مجدي وهبة وكامل المهندس :

معجم المصطلحات العربية ، مكتبة لبنان ، بيروت ، 1984

محمد غنيمي هلال :

النقد الأدبي الحديث ، دار العودة ، بيروت ، 1984 .

محمد مندور :

النقد والنقاد المعاصرون ، دار القلم، بيروت ، د . ت .

محمود الربيعي :

في نقد الشعر ، دار المعارف ، مصر .



SEMAH , DAVID ;

FOUR EGYPTIAN LITERAY CRITICS , LEIDEN ,E.J BRILL,1974 .



--------------------------------------------------------------------------------

[1] ـ اطلقت مدرسة الديوان على النقاد الثلاثة، لأن العقاد والمازني أصدرا كتابهما الديوان في الأدب والنقد وفيه يسعيان الى هدم القديم، وتأصيل الجديد، وعلى الرغم من أن عبد الرحمن شكري لم يشترك معهما في هذا الكتاب، بل هاجمه المازني فيه، فإنه يعد من مدرسة الديوان لأنهم يصدرون جميعا عن رؤية تكاد تكون مشتركة .

[2] ـ محمد مندور، النقد والنقاد المعاصرون، ص 70 وما بعدها، ود. أحمد الهواري، نقد الرواية في الأدب العربي الحديث في مصر، ص 124 وما بعدها

[3] ـ انظر: كريم الوائلي، المواقف النقدية بين الذات والموضوع، ص 61 وما بعدها، وأحمد الهواري، نقد الرواية العربية الحديثة في مصر، ص 107 ـ 117 . وجلال فاروق الشريف، الرومانتيكية في الشعر المعاصر في سوريا، ص 123 ـ 135 .

[4] ـ محمد مندور، النقد والنقاد المعاصرون، ص 70 .

[5] ـ أحمد الهواري، نقد الرواية في الأدب العربي الحديث في مصر، ص 127 .

[6] ـ كريم الوائلي، المواقف النقدية، ص 127 .

[7] ـ نفسه، ص 6 .

[8] ـ عباس محمود العقاد، وابراهيم عبد القادر المازني، الديوان، ص 12 .

[9] ـ نفسه، ص 13 .

[10] ـ نفسه .

[11] ـ نفسه، ص 13 ـ 14 .

[12] ـ نفسه، ص 40 .

[13] ـ نفسه ،ص 41، ولم يقتصر العقاد على ذلك فحسب إذ أخذ يعدد مظاهر أخرى تقليدية كتكرار القوالب اللفظية والمعاني المسروقة ونحوها، انظر ص 148 وما بعدها .

[14] ـ عباس محمود العقاد، حياة قلم، ص 369 .

[15] ـ روفائيل بطي، سحر الشعر، ص 135 .

[16] ـ عباس محمود العقاد، الديوان، ص 42 .

[17] ـ SEMAH , DAVID ; FOUR EGYPTIAN LITERAY CRITICS ,P 6 .

IBI[18] ـ D , p 7 .

[19] ـ ابراهيم عبد القادر المازني، الشعر غاياته ووسائطه، ص 20 . وقال أيضا « وهل الشعر إلا مرآة القلب، وإلا مظهر من مظاهر النفس، وإلا صور ما ارتسم على لوح الصدر وانتقش في صحيفة الذهن، وإلا مثال ما ظهر لعالم الحس وبروز لمشهد الشاعر » ص 32.

[20] ـ نفسه .

[21] ـ نفسه .

[22] ـ نفسه ص 4 .

[23] ـ نفسه، ص 21 .ويقول في مكان آخر « إن العاطفة هي الأصل » ص 22 .

[24] ـ روفائيل بطي، سحر الشعر، ص 160 .

[25] ـ عباس محمود العقاد، الديوان، ص 21 .

[26] ـ نفسه ،ص 21 ـ 22 . وقد أكد في موضع آخر أن الشعر الحقيقي هو « المترجم عن النفس الانسانية في أصدق علاقاتها بالطبيعة والحياة والخلود » نفسه، ص 129.

[27] ـ نفسه ص 21 .

[28] ـ نفسه ص 22 .

[29] ـ SEMAH , DAVID ; FOUR EGYPTIAN LITERAY CRITICS ,P 8 .

[30] ـ عباس محمود العقاد، مراجعات في الآداب والفنون، ص 56

[31] ـ نفسه ص 57 .

[32] ـ نفسه، ص 58 .

[33] ـ نفسه، ص 57 . وقال « إن الحرية والجمال معنيان لا ينفصلان، ولا يتم أحدهما بمعزل عن الآخر » ص 39 .

[34] ـ عباس محمود العقاد، مراجعات في الأداب والفنون، ص 37 .

[35] ـ نفسه .

[36] ـ نفسه، ص 43،

[37] ـ نفسه .

[38] ـ نفسه ص 49، وقد تحدث العقاد عن الضمور واليبس في كونهما معيبين في عامة الأحياء غير « أننا لا نعيبهما في *** الصيد الهزيل، لأننا إنما ننظر الى ما وراء ذلك من خفة الحركة وسهولة العدو ورشاقة الخطو » ص 38 .

[39] ـ SEMAH , DAVID ; FOUR EGYPTIAN LITERAY CRITICS ,P 5.

_[40] 8 IBID , P

[41] ـ IBID , P 4 .

[42] ـ عمر الدسوقي، في الأدب الحديث، 2 / 242 .

[43] ـ نفسه، 2 /252 ـ 253 .

[44] ـ نقلا من محمود الربيعي، في نقد الشعر، ص 93 ـ 94 و وقد اغنانا عن الحديث المفصل لمظاهر تأثر مدرسة الديوان بالرومانسية الانجليزية، نفسه 10، وانظر : ابراهيم عبد الرحمن، تراث جماعة الديوان النقدية، مجلة فصول، العدد الرابع، 1983، ص 13 وما بعدها.

[45] ـ ديفيد ديتشس، مناهج النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق، ص 526 .

[46] ـ انظر النص في كتاب سحر الشعر، لرفائيل بطي، وقد أكد هذا المعنى ابراهيم عبد القادر المازني الذي يرى أن الشعر « يفجر في النفس ينابيع الفزع والسرور والألم » ديوان المازني، 2 / 18، نقلا عن : علي عباس علوان، تطور الشعر العربي الحديث في العراق ،ص 374 .

[47] ـ انظر النص في كتاب : سحر الشعر، ص 136

[48] ـ عباس محمود العقاد، ساعات بين الكتب والناس، ص 179 .

[49] ـ ديفيد ديتشس، مناهج النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق، ص 524 .

[50] ـ انظر النص في : سحر الشعر سحر الشعر، ص 136، ويقول شكري : « وليس شعر العاطفة بابا جديدا من أبواب الشعر كما ظن بعض الناس، فإنه يشمل كل أبواب الشعر وبعض الناس يقسم الشعر الى أبواب منفردة فيقول باب الحكم وباب الغزل وباب الوصف الخ ولكن النفس إذا فاضت بالشعر أخرجت ما تكنه من الصفات والعواطف المختلفة في القصيدة الواحدة » انظر : سحر الشعر، ص 220 .

[51] ـ نفسه، ص 219 .

[52] ـ ابراهيم عبد القادر المازني، الشعر غاياته ووسائطه، ص 21 .

[53] ـ SEMAH , DAVID ; FOUR EGYPTIAN LITERAY CRITICS ,P 8 .

[54] ـ يرجع وحدة القصيدة تاريخيا الى افلاطون « حين ابرز التشابه بين وحدة الكلام والوحدة العضوية في الأحياء » انظر: مجدي وهبة، وكامل المهندس، معجم المصطلحات العربية، ص 431 . وانظر الوحدات الثلاثة عند ارسطو ص 431 وما بعدها، وانظر حديثا عن الوحدة العضوية في التراث النقدي عند الحاتمي وابن طباطبا العلوي : احسان عباس، تاريخ النقد الأدبي عند العرب، ص 133 وما بعدها، وص 253 وما بعدها، وانظر عن الوحدة العضوية، محمد غنيمي هلال، النقد الأدبي الحديث ،ص 394.

[55] ـ عباس محمود العقاد ،الديوان، ص 130 .

[56] ـ نفسه، ص 130 .

[57] ـ نفسه، ص 130 .

[58] ـ نفسه، ص 131 .

[59] ـ قسطاكي الحمصي ،منهل الوراد في علم الانتقاد، 2 / 131 . ويقول روحي الخالدي، « الأصل في الكلام للمعاني لا للألفاظ، لأن اللفظ قالب أو ظرف للمعنى يتخذه المتكلم أو الكاتب لسبك ما يصوره من نفسه ويشكله في قلبه، فينقل بذلك مقصوده للسامع أو القاريء » انظر كتابه : تاريخ علم الأدب عند الافرنج والعرب وفيكتور هوكو، ص 31 . ومثله ما ذهب اليه جبر ضومط في نصائحه التي يقدمها للشاعر في أن « يناسب بين الألفاظ ومعانيها ما أمكن » انظر كتابه : فلسفة البلاغة، ص 138 .

[60] ـ حسين المرصفي، الوسيلة الأدبية، 2 / 475 .

[61] ـ ابن طباطبا العلوي، عيار الشعر، ص46 .

[62] ـ نفسه، 167 .

[63] ـ قدامة بن جعفر، نقد الشعر، ص 65 .

[64] ـ عباس محمود العقاد، مراجعات في الآداب والفنون، ص 167

[65] ـ نفسه، ص 10 .

[66] ـ نفسه .

[67] ـ انظر : سحر الشعر ص 157 .

[68] ـ ابراهيم عبد القادر المازني، الشعر غاياته ووسائطه، ص 10 .

[69] ـ نفسه، ص 11 .

[70] ـ ابن جني، الخصائص، 1 /312 .

[71] ـ ابراهيم عبد القادر المازني، الشعر غاياته ووسائطه، ص 12 .

[72] ـ نفسه، ص 13 .

[73] ـ نفسه .

[74] ـ نفسه .

[75] ـ نفسه، ص 15 .

[76] ـ ابراهيم عبد القادر المازني، الديوان، ص107 .

[77] ـ نفسه، ص 103 ـ104 .

[78] ـ عبد القاهر الجرجاني، دلائل الاعجاز، ص 40 .

[79] ـ مصطفى بدوي، مقدمته لكتاب : مباديء النقد الأدبي، لريتشاردز، ص 6 .

[80] ـ ابراهيم عبد القادر المازني، الشعر غاياته ووسائطه، ص 37 .

[81] ـ ريتشاردز، العلم والشعر، ص 46 .

[82] ـ ابراهيم عبد القادر المازني، بشار بن برد، ص 27 .

[83] ـ نفسه .

[84] ـ ابراهيم عبد القادر المازني، الشعر غاياته ووسائطه، ص 27 .

[85] ـ نفسه، ص 24 .

[86] ـ نفسه، ص 24 .










قديم 2010-01-29, 01:02   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
الصقرالشمالي
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية الصقرالشمالي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

مدرسة الديوان مؤسسيها وشعراءها(مدرسة العظماء)

مدرسة الديوان:ـ هي أول حركة تجديدية في الشعر العربي
ظهورها:ـ
ظهرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين على يد عباس محمود العقاد وإبراهيم المازني وعبد الرحمن شكري رغم أنه كان لها بوادر قبل ذاك الحين ولكنها لم تتخذ الشكل الجدي إلا بعد إجتماع الثلاثه ألأصدقاء الذين كانوا متأثون بألأدب ألإنجليزي والرزمانسيه في هذا ألأدب على وجه الخصوص بخلاف مدرسة مطران التي كانت متأثرة بألرومنسيه الفرنسيه وهي كانت أيضاً خطوة إنتقاليه من الكلاسيكيه إلى الرومانسيه
سبب تسميتها بهذا ألأسم
سميت مدرسة الديوان نسبة إلى الكتاب الذي ألفه العقاد والمازني ووضعا فيه مبادئ مدرستهم واسمه "الديوان في الأدب والنقد"في عام 1921م حُددت أهداف المدرسة كما يقول العقاد في الديوان: (وأوجز ما نصف به عملنا إن أفلحنا فيه أنه إقامة حد بين عهدين لم يبق مال يسوغ اتصالهما والاختلاط بينهما، وأقرب ما نميز به مذهبنا أنه مذهب إنساني مصري عربي).وسمى الثلاثة (مدرسة الديوان ، أو شعراء الديوان ، أو جماعة الديوان) و من الواضح أن آرائهم الشعرية قد ظهرت قبل ذلك منذ عام 1909 ، وقد نظر هؤلاء إلى الشعر نظرةً تختلف عن شعراء مدرسة الإحياء ، فعبروا عن ذواتهم وعواطفهم ، وما ساد عصرهم ، ودعوا إلى التحرر من الاستعمار وتحمُّل المسئولية ، فهاجموا الإحيائيين الكلاسيكين مثل(شوقي وحافظ والرافعي) .

إتجاهات وسمات هذه المدرسه
دعت جماعة الديوان إلى التمرد على الأساليب القديمة المتبعة في الشعر العربي سواء في الشكل أو المضمون أو البناء أو اللغة
بالإضافه إلى السيمات التي ميزتها وهي
1ـ الدعوة إلى التجديد الشعري في الموضوعات
2ـ الاستعانه بمدرسة التحليل النفسي
3ـ الاستفاد من الادب الغربي
4ـ الاتجاه إلى الشعر الوجداني
5ـ الاطلاع على الشعر العربي القديم

إتجاهات المدرسه:ـ
اتجه رواد هذه المدرسة إلى التجديد عندما وجدوا أنفسهم يمثلون الشباب العربي و هو يشعر بأزمة فرضها الاستعمار علي العالم العربي والذي حاول نشر الفوضى و الجهل بين أبنائه في محاولة منه لتحطيم الشخصية العربية والإسلامية ,عندئذ تصادمت آمالهم الجميلة مع الواقع الأليم الذي لا يستطيعون تغييره فحدث ما يلي لهم :

1ـ الفرار إلى الطبيعة ليبثوا لها آمالهم الضائعة .
2ـ الهروب من عالم الواقع إلى عالم الأحلام .
3ـ التأمل في الكون و التعمق في أسرار الوجود
.

مميزات هذه المدرسه (الخصائص المميزة لهذه المدرسه)
1- الجمع بين الثقافة العربية و الإنجليزية .
2 - التطلع إلى المثل العليا و الطموح .
3 - الشعر عندهم تعبير عن النفس الإنسانية و ما يتصل بها من التأملات الفكرية و الفلسفية .
4 - وضوح الجانب الفكري عندهم مما جعل الفكر يطغي علي العاطفة .
5 - التأمل في الكون و التعمق في أسـرار الوجـود .
6 - القصيدة عندهم كائن حي كالجسم لكل عضو وظيفته .
7 - الوحدة العضوية المتمثلة في وحدة الموضوع و وحدة الجو النفسي .
8 - الصدق في التعبير و البعد عن المبالغات .
9 - استخدام لغة العصر .
10 - ظهور مسحة من الحزن و الألم و التشاؤم و اليأس في شعرهم .
11 - عدم الاهتمام بوحدة الوزن و القافية منعاً للملل و الدعوة إلى الشعر المرسل
12 - الاهتمام بوضع عنوان للقصيدة و وضع عنوان للديوان ليدل علي الإطار العام لمحتواها .
13 - التجديد في الموضوعات غير المألوفة مثل (رجل المرور/ الكواء) .
14 - استخدام طريقة الحكاية في عرض الأفكار والآمال .









قديم 2010-01-29, 01:03   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
الصقرالشمالي
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية الصقرالشمالي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

مدرسة الديوان مؤسسيها وشعراءها(مدرسة العظماء)
مدرسة الديوان:ـ هي أول حركة تجديدية في الشعر العربي
ظهورها:ـ
ظهرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين على يد عباس محمود العقاد وإبراهيم المازني وعبد الرحمن شكري رغم أنه كان لها بوادر قبل ذاك الحين ولكنها لم تتخذ الشكل الجدي إلا بعد إجتماع الثلاثه ألأصدقاء الذين كانوا متأثون بألأدب ألإنجليزي والرزمانسيه في هذا ألأدب على وجه الخصوص بخلاف مدرسة مطران التي كانت متأثرة بألرومنسيه الفرنسيه وهي كانت أيضاً خطوة إنتقاليه من الكلاسيكيه إلى الرومانسيه
سبب تسميتها بهذا ألأسم
سميت مدرسة الديوان نسبة إلى الكتاب الذي ألفه العقاد والمازني ووضعا فيه مبادئ مدرستهم واسمه "الديوان في الأدب والنقد"في عام 1921م حُددت أهداف المدرسة كما يقول العقاد في الديوان: (وأوجز ما نصف به عملنا إن أفلحنا فيه أنه إقامة حد بين عهدين لم يبق مال يسوغ اتصالهما والاختلاط بينهما، وأقرب ما نميز به مذهبنا أنه مذهب إنساني مصري عربي).وسمى الثلاثة (مدرسة الديوان ، أو شعراء الديوان ، أو جماعة الديوان) و من الواضح أن آرائهم الشعرية قد ظهرت قبل ذلك منذ عام 1909 ، وقد نظر هؤلاء إلى الشعر نظرةً تختلف عن شعراء مدرسة الإحياء ، فعبروا عن ذواتهم وعواطفهم ، وما ساد عصرهم ، ودعوا إلى التحرر من الاستعمار وتحمُّل المسئولية ، فهاجموا الإحيائيين الكلاسيكين مثل(شوقي وحافظ والرافعي) .

إتجاهات وسمات هذه المدرسه
دعت جماعة الديوان إلى التمرد على الأساليب القديمة المتبعة في الشعر العربي سواء في الشكل أو المضمون أو البناء أو اللغة
بالإضافه إلى السيمات التي ميزتها وهي
1ـ الدعوة إلى التجديد الشعري في الموضوعات
2ـ الاستعانه بمدرسة التحليل النفسي
3ـ الاستفاد من الادب الغربي
4ـ الاتجاه إلى الشعر الوجداني
5ـ الاطلاع على الشعر العربي القديم

إتجاهات المدرسه:ـ
اتجه رواد هذه المدرسة إلى التجديد عندما وجدوا أنفسهم يمثلون الشباب العربي و هو يشعر بأزمة فرضها الاستعمار علي العالم العربي والذي حاول نشر الفوضى و الجهل بين أبنائه في محاولة منه لتحطيم الشخصية العربية والإسلامية ,عندئذ تصادمت آمالهم الجميلة مع الواقع الأليم الذي لا يستطيعون تغييره فحدث ما يلي لهم :

1ـ الفرار إلى الطبيعة ليبثوا لها آمالهم الضائعة .
2ـ الهروب من عالم الواقع إلى عالم الأحلام .
3ـ التأمل في الكون و التعمق في أسرار الوجود .

مميزات هذه المدرسه (الخصائص المميزة لهذه المدرسه)
1- الجمع بين الثقافة العربية و الإنجليزية .
2 - التطلع إلى المثل العليا و الطموح .
3 - الشعر عندهم تعبير عن النفس الإنسانية و ما يتصل بها من التأملات الفكرية و الفلسفية .
4 - وضوح الجانب الفكري عندهم مما جعل الفكر يطغي علي العاطفة .
5 - التأمل في الكون و التعمق في أسـرار الوجـود .
6 - القصيدة عندهم كائن حي كالجسم لكل عضو وظيفته .
7 - الوحدة العضوية المتمثلة في وحدة الموضوع و وحدة الجو النفسي .
8 - الصدق في التعبير و البعد عن المبالغات .
9 - استخدام لغة العصر .
10 - ظهور مسحة من الحزن و الألم و التشاؤم و اليأس في شعرهم .
11 - عدم الاهتمام بوحدة الوزن و القافية منعاً للملل و الدعوة إلى الشعر المرسل
12 - الاهتمام بوضع عنوان للقصيدة و وضع عنوان للديوان ليدل علي الإطار العام لمحتواها .
13 - التجديد في الموضوعات غير المألوفة مثل (رجل المرور/ الكواء) .
14 - استخدام طريقة الحكاية في عرض الأفكار والآمال .










قديم 2010-01-29, 01:06   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
الصقرالشمالي
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية الصقرالشمالي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

مدرسة الديوان ودورها في النقد الأدبي

المقدمة:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحـــمـد لله رب العــالميـن، والصــلاة والســـلام على أشـــرف الأنبياء والمرســـلين، ســــيدنا محمـد وعلى آله وصحبه أجمين، ســـــبحانك، لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، رب اشــــرح لي صدري ويسر لي أمري.

أما بعد:

أقدم هذا البحث دراسة حول جماعة الديوان بصفتها مدرسة نقدية هامة شاركت النهضة الأدبية الحديثة في مرحلة التجديد، واعتبارها المساهمة الفعالة في إرساء المقومات النقدية للشعر العربي المعاصر. في هذه الدراسة لمدرسة الديوان وحركتها التجديدية، يجدر العودة إلى مرحلة سابقة عنها لمعرفة كيف كان الشعر والنقد وحالة الأدب بصفة عامة قبلها، ليسهل التعرف على مظاهر التجديد في دعوتها، ومدى فعاليتها في تطبيق الأسس الجديدة على الشعر، وإلى أي مدي يصل هذا التجديد بالشعر العربي التقليدي.

فعلى هذا الأساس تم تقسم البحث إلى فصول ثلاثة، فالفصل الأول تمهيد ضروري للموضوع، وفيه إشارة إلى حال الأدب في عصر ما قبل النهضة، ثم بيان مظاهر النهضة الحديثة، وبوادر التجديد للأدب، والفصل الثاني التعرف على مدرسة الديوان: أعضائها وتكوينها وثقافتها ومجال دعوتها وجذورها، وأهمية دورها في التطور الأدبي، والفصل الثالث عرض شامل لدعوتها ونقدها للأساليب القديمة، وما وضعت من مقومات وأسس نقدية جديدة، وإلى أي مدى كان التطبيق الفعلي لها. ثم خاتمة البحث خلاصة لما سبق عرضه، وأهم النتائج المتحصلة من دراسة الموضوع.

وبالله التوفيق والهداية


--------------------------------------------------------------------------------

الفصل الأول

الأدب العربي الحديث

أولاً: الأدب العربي قبل عصر التجديد:

' النهضة الأدبية في أي عصر من العصور مرتبطة إلى حد كبير بالنواحي السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية والقومية للشعب، ومدينة إلى حد كبير بقيمة الفرد ومدى إحساسه بذاته وشعوره بنفسه كعنصر بشري مؤثر في جميع هذه النواحي ومتأثر بها، والأدب العربي قد عايش هذه الظروف وتأثرت بها على مختلف صورها في عصور مختلفة:

العصر التركي: قد كان الأدب العربي في مصر تحت الحكم المملوكي هامد خامد، وظل في مجتمع أعجم لا يُحفَل به، ولم تكن له ثمة هزات فكرية تؤثر أو هزات اجتماعية أو سـياسية توقظ أو دعوات إصلاحية ترود، وكانت اللغة بقايا مبهمة من تعابير سقيمة، ولم يعد في استطاعة كثير من كتاب أن يسـلموا من اللحن الفاحش، أو يأتوا بالفهم المقبول بل عز عليهم اللفظ الجزل والأسلوب القوي فلجئوا للزخارف والمحسنات.

أيام الحملة الفرنسية: لم تكن حياة الفن أيام الحملة الفرنسية بأحسن مما كان عليه، فلم تؤثر في عواطف الناس وإن كانت قد أثرت في عقولهم، ولم يخرج الشـعر عن حالته السابقة، فبقي مطموراً في أضابير التخلف والتأخر والانعزالية عن مسايرة الركب.

عصر محمد علي: لم يكن بعصر ازدهار للشعر ولا للأدب بنوع عام، فلم يتجه بالنهضة اتجاهاً ثقافياً بقدر ما يكون اتجاهاً مادياً علمياً يهدف إلى التطوير العسكري، وقد استولت الصناعة والسخافة على دواوين شعراء هذا العصر من تأريخ وتطريز وتخميس وتربيع وتضمين ليس فيه قليل معنى ولا عظيم غرض، ولا له بالخيال معرفة، ولا في اللغة نصيب مفيد، إنما هو نماذج قرأوها من عصور قريبة منهم وأخذوها وكأنها غاية الفن وقمة الشعر.

عصر إسماعيل: اهتم بالتعليم والحياة النيابية، وأنشئ دار العلوم وسرت روح الإصلاح في الأزهر، ونهض فن الطباعة، وظهرت حركة إحياء التراث القديم، وانتشرت كتب التراث، وكثرت المدارس الأجنبية وظهرت الدعوات الإصلاحية على يد الأفغاني ومحمد عبده، وتطورت العلوم وتطورت اللغة لتفي بالحـاجة، كما كان النمو القومي، والاتصال بالغرب والاحتكاك عن طريق البعوث، وبدأت الصحافة تتنوع، وتخصص بعضها في الأدب والشعر ونهض بهما '.


--------------------------------------------------------------------------------

ثانياً: النهضة الأدبية الحديثة:

بدأت النهضة الأدبية الحديثة مصاحبة بتطور الشعور القومي تحت وطأة الاحتلال الأجنبي، والرغبة في الاستقلالية الذاتية بالعودة والدعوة إلى إحياء التراث، فكان من العوامل الهامة للنهضة الأدبية الحديثة:

'ظهور المطبعة، إذ أتاحت للباحثين والدارسين أن يطلعوا على كثير من الدواوين الشعرية للشعراء القدامى في العصور الذهبية، ورواد العصر العباسي، وأتيح لهم الوقوف على المؤلفات العلمية والأدبية القديمة التي تدور حول علوم التفسير والحديث والفقه وصناعة الشعر والنثر.

ظهور فن الصحافة، وتمثلت في الصحف اليومية أو مجلات أسبوعية أو شهرية، وكانت تحوي مواد متعددة منها ما يتصل بالسياسة والاقتصاد، وما يتصل بالأدب والنقد، مما رأى فيها الأدباء متنفساً وطريقاً يذيعون من خلاله أدبهم شعراً ونثراً.

إنشـاء المدارس المتخصصة، والمعاهد العلمية النظامية، والمجامع الأدبية واللغوية، إلى جانب ما كان موجوداً وقتئذٍ، فأخرجت طائفة كثيرة من المتخصصين، الذين كان لهم دور بارز في النهوض بالأدب، والرقي في المقاييس النقدية، مما سـاعد على أن تتوارى تدريجياً الثقافة الهابطة الضعيفة التي كانت تعيش معهم إلى عهد قريب.

ظهور جيل من الشـعراء أحيوا في شـعرهم صورة الأدب العربي القديم في عصر ازدهاره وقوته، وهذا العمل تم أولاً على رائد الشعر العربي الحديث محمود سامي البارودي.

تطور حـركة النقد الأدبي، بقيام الأدباء والنقاد ببعث الكتابة النثرية الأدبية في كتاباتهم، إلى جانب بعث طريقة القدماء في تحليل النصوص الأدبية ونقد الأدب'.

'في نهاية القرن التاسع عشر قام فريق من الشعراء الذين ورثوا صناعة الشـعر من البارودي بالمناداة إلى ضرورة التجديد استجابة لدواعي العصر، لأن الزمان قد تغير، إذ ليس زمان المحدثين مماثلاً لزمان الأقدمين، فظهر بعض النداءات لشعراء هذه المرحلة، في المرحلة الأخيرة من مراحل شعرهم تدعوا إلى ضرورة الإتيان بشيء جديد يعكس حاجة العصر، من مثل: أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، وخليل مطران، وتعتبر هذه المرحلة مرحلة الانتقال إلى محاولات التجديد'، 'إذ كانوا يترسـمون هذا المثل الذي ضربه البارودي، مثل الاحتفاظ بجزالة الأسـلوب ورصانته، أما بعد ذلك فهم يفرضون ثقافتهم وعصورهم على شعرهم وما ينظمون منه'.


--------------------------------------------------------------------------------

ثالثاً: المحافظة والتجديد:

( أ ) المحافظون: مفهوم المحافظة:

'تقوم منهجهم على تقليد الشعر العربي في المنحى والأسلوب من شرف المعنى وصحته وجزالة اللفظ واستقامته ونصاعة التركيب، وتعلقت بكل مقوماته. والعودة إلى الآداب العربية القديمة هي مبدأ النهضة الأدبية المعاصرة، وينتظم للمذهب طائفة كبيرة من شعراء النهضة في مقدمتهم: شوقي وحافظ وخليل مطران والرافعي، وكان روادها يتفقون في أن يلتزموا بسلامة الأسلوب وصحته من حيث اللغة والإعراب، ولم يشذوا عن نهج القصيدة العربية، ثم هم بعد ذلك لا يكاد يجمعهم جامع آخر، فإن كلاً منهم يمضي مع ثقافته وفهمه لحقيقة الشعور على حسب ما أتيح له من شاعرية وإبداع'.

'فبعضهم فهم المحافظة فهما خاطئاً على أنها الاستناد إلى تراث الأقدمين الحضاري، وترديد مضامين شعرهم وأفكارهم، ولا يخرج الشعر عن سننهم في الأسلوب والتعبير والوزن، فحفظ قاموسهم اللغوي، وفهم بعضهم على أنها سير على نهج من سبق، فألغى نفسه وراح يستفتح الدمن، واستعمل النسيب فتشكا الوجد وبكى الفراق، وبعضهم فهمها على أنها نقل صور الماضي بما فيه، سهوله ونوقه وخيامه وليلاه، فحاكاهم في ذلك كله، ولم يدر أن ذلك هو الجمود والتكرار والفقر والضحالة، وأنه كرر نفس المواقف، ولم يزد، ودعا نفس العواطف ولم يجدد، فهموها من زاوية ضيقة، فحجر على عواطفه وإحساسه وخياله وتجاربه، ليظل محجوزاً بين أحاسيس الأقدمين'.

'كانت مدرسة (المحافظين) امتداداً لمدرسة البعث التي رادها البارودي بكل ما يعنيه الامتداد من احتذاء وبعث وتطوير، قد أطلق هذا المصطلح عليها ليس لأن شعراءها مجرد ظلال باهتة أو قوية لمن سبقهم من الشعراء الغابرين أو المحدثين، ولكن لأنهم قد استطاعوا المحافظة على العناصر الصياغية، والشكل الهيكلي للقصيدة، كما هي في عصور تألق الشعر وازدهاره، وعلى الروح العربي المنتمي إلى تراثه الحضاري والفني، ولعل هذه المحافظة على الشكل والروح والانتماء هي التي أعاقت شعرائها عن عالم آخر جديد، ولكنهم مع ذلك قد أعطوا للحركة الشعرية الحديثة من حضورهم التاريخي، ومن ثقافتهم المتنوعة، وإطلالهم بالشعر إلى عوالم جديدة وأجناس أدبية مستحدثة'.

(ب) المجددون: ثورة على الجمود والتكرار:

'في العقد الثاني من القرن العشرين، أمام أحداث عالمية ومحلية، الحرب العالمية الأولى، والاحتلال الأجنبي في البلاد العربية، كان لها أثر في إحداث روح متمردة قلقة عند الأدباء، فعبروا عن روح القلق والتمرد والإحساس بالظلم فيما صـاغوه من أدب، فنادوا بضرورة أن يكون الأدب معبراً عنها، غير منفصلة عن أحداث العصر، فانتقدوا شعراء القرن التاسع عشر الذين امتدت بهم الحياة إلى مطلع قرنهم، إضافة إلى ما حصلوه من ثقافات أجنبية، إنجليزية أو فرنسية، كان له أثر في تكوين روح التمرد، ورأوا أن الأدب الأجنبي يؤدي أهدافاً وغايات أوسع مما كان بين أيدي أدباء الجيل السابق، وكذلك فإن الروح الذاتية التي تشيع في الأدب الأجنبي أوحت إليهم أن الأدب هو الذي يكوّن شخصيةً مستقلة للأديب'. ولهذا ظهرت عدة اتجاهات مختلفة يمثلها أدباء وشعراء ومدارس.

(ج) المدارس الأدبية الحديثة: تيارات لتعدد المذاهب وتنوع الثقافات:

'ظهرت بوادر التجديد منذ بدأ الشعور القومي يملأ الصدور، وتلفت الشعراء إلى ألوان الشعر العربي وضروبه، فشاركوا في تصوير هموم الشعب وموقعهم من الركب الإنساني، فانتقوا ألواناً تلائم العصر وأسلوب الحياة الجديدة، ويستسيغها طبع التغيير. وتنوعت دعوات التجديد بألوان من المذاهب الفلسفية والنفسـية الغربية وتأثرت بها، وبدأت تطبق بحق أو باطل على الأدب العربي، وراح الشـعراء يفكرون في التجديد ويحاولونه ويدعون إليه. وأول من فكر في التجديد شوقي، إذ نعى على الشعراء تسخير أشعارهم للمديح الذي يغل المواهب، وعاب نجيب الحداد فقدان الشعر العربي للوحدة العضوية، ودعا إلى الوحدة العضوية ومجاراة الطبع، ودعا نجيب شاهين إلى أن يكون الشـعراء عصريين ويدرسوا الشعر الأجنبي، وينبذوا القديم وأغراضه الباطلة،كالمدح والهجاء وبكاء الأطلال وديار الأحبة، وكثيرون غيرهم، ولكن تبدوا هذه الدعوات في هذه الفترة ساذجة.

وظهرت مدرسة (الديوان) تصدر دواوينها الشعرية حاملة بذرة التجديد الحقيقية، ومفهومه الواعي للشعر وغايته ووسائله وصلته بالفنون والحياة، وتجسيده لحس الشاعر، وتصويره لأفكاره وانطباعاته وأعماقه في اتصاله المباشر بالحياة'،'وظهر بعدها أدباء المهجر، وجماعة أبولو، وجماعات أخرى في الساحة الأدبية لا ينتمون إلى مدارس معينة، خاصة النقاد الذين ينتمون للحقل التعليمي'. ونظراً للمصادر الثقافية لأدباء ونقاد فترة التجديد 'التي تعود إلى منبعين: الثقافة العربية الأصيلة، والثقافة الأجنبية'11،فإن للأخيرة أثرها عند بعض أنصاره بدعوتهم إلى الاحتذاء بالأدب الغربي والتغيير الشامل في الأدب العربي مبتعداً عن الأصول العربية، فبدت ظواهر جديدة تدعوا إلى الواقعية، وامتد إلى الأدب ولغته المظاهر السلبية من التجديد. والفصل التالي نستقل بمدرسة الديوان لما لها السبق في حركة التجديد المنظم في الأدب العربي، وعملها الدأب في الرقي به، والدفاع عن شخصية الأدب العربي وملامحه المستقلة، الذي يعبر عن الحياة بالروح العصرية، والمستمد من المنبع العربي الأصيل.


--------------------------------------------------------------------------------

الفصل الثاني:

الديوان: مدرسة التجديد

أولاً: مدرسة الديوان:

( أ ) التسمية والتأسيس وأعضاء المدرسة:

' جماعة الديوان مصطلح يُطلق على مجموعة من الشعراء النقاد، هم: عبد الرحمن شكري، وعباس العقاد، وإبراهيم المازني،وهذا المصطلح إنما هو نسبة إلى هذا الكتاب النقدي المعنون باسم: 'الديوان في النقد'، وهو كتاب ألفه العقاد والمازني فحسب، وإن كانت التسمية تشمل الثلاثة معا'.

'عباس محمود العقاد: ولد بأسوان سنة 1889م لأسرة مصرية متوسطة، ولم يكمل دراسته في المدارس الرسمية، بل أخذ يكملها بنفسه، رحل عن بلدته وهو في السادسة عشرة، والتحق ببعض الوظائف الحكومية، ثم تركها إلى القاهرة وعمل بالصحافة، وكتب في جريدة البلاغ الوفدية، فنهض فيها بالمقالة السياسية، مقتبساً كثيراً من آراء المفكرين والفلاسفة الغربيين، وخاصة في مجال الحرية وحقوق الشعب والسياسة، وينقل إلى قرائه مباحث الأدب والنقد الغربية ويشفعها بنظرات تحليلية. أخرج أول دواوينه سنة 1920م، ونال سنة 1960م جائزة الدولة التقديرية في الآداب تنويهاً بأعماله الأدبية، وأهم ما يميزه مواقفه الثابتة في الحياة وفي الآراء الأدبية، توفي سنة 1964م.

إبراهيم عبد القادر المازني: ولد بالقاهرة سنة 1889م، عمل في التعليم والصحافة، عضو المجمع العلمي العربي بدمشق ومجمع اللغة العربية بالقاهرة، نظم الشعر أولاً ثم كتب القصة بأسلوب ضاحك تغلب فيه على كآبته الأصلية، يميل في أسلوبه إلى الدعابة والسخرية وإبراز المفارقات، يؤدي مشاعره وأحاسيسه وأفكاره وانطباعاته بالروح المصرية. توفي بالقاهرة سنة 1949م.

عبد الرحمن شكري: ولد بمدينة بورسعيد سنة 1886م، درس الثانوية، والتحق بمدرسة الحقوق ولكنه فصل منها لتحريضه الطلاب على الإضراب استجابة لزعماء الحزب الوطني، فاتجه إلى دراسة الآداب التي كانت تتفق وميوله، ثم التحق بمدرسة المعلمين العليا، وتخرج سنة 1909م، التزم فيها الدرس الصارم في الأدبين العربي والغربي، وذهب في بعثة إلى إنجلترا، عمل في صحيفة الجريدة، كتب فيها عن علاقة الشعر بالفنون ونحوه من الموضوعات التي كانت تعد حينئذٍ جديدة، توفي بالإسكندرية سنة 1958م'.

(ب) الخلفية الثقافية للمدرسة:

'حظهم من الثقافة العربية يكاد يكون متفقاً، فالعقاد يقول عن شكري: (لم أعرف قبله ولا بعده أحداً من شعرائنا وكتابنا أوسع منه إطلاعاً على أدب اللغة العربية، وأدب اللغة الإنجليزية، وما يترجم إليها من اللغات الأخرى، ولا أذكر أنني حدثته عن كتاب قرأته إلا وجدت عنده علماً به، وإحاطة بخير ما فيه، وكان يحدثنا عن كتب لم نقرأها ولم نلتفت إليها). ولقد كان إطلاع العقاد مضرب المثل في وسعه، فكان يحيط إحاطة بفروع اللغة العربية وآدابها، عارفاً بدقائقها. والمازني هو اللآخر حظه من العربية أقوى من حظه من الثقافة الإنجليزية.

أما ثقافتهم الأجنبية فهي الأخرى مستوعبة (أوغلت في القراءة الإنجليزية، ولم تقصر قراءتها على أطراف من الأدب الفرنسي، ولم تنس الألمان والطليان والروس والأسبان واليونان واللاتين الأقدمين، ولعلها استفادت من النقد الإنجليزي فوق فائدتها من الشعر وفنون الكتابة الأخرى'.

(ج) الاختلاف بين أعضاء المدرسة:

'كان عزم العقاد والمازني أن يصدر الديوان في عشرة أجزاء، ولكن لم يصدر منه إلا جزءان، وكانت خطتهما تقضي بأن يبدأ بتحطيم الأصنام مثل شوقي والمنفلوطي وغيرهما بنقدهم تفصيلياً، حتى إذا تم الهدم بدأوا في نشر آرائهما النقدية البناءة، لكن لماّ لم يظهر من الديوان إلا جزءان فقد ظلت آراؤهما النقدية البنائية مجهولة. ولكن العلاقة فسدت بين شكري والمازني بعد أن عاب شكري على المازني انتحاله لبعض الأشعار الإنجليزية، وكان الرد من جانب المازني فقط، ووقف العقاد إزاء هذه المعركة حيران صامت، خوفاً من فرحة صرعى المذهب القديم، ومن ثم لم يطب نفساً بتلك الجفوة التي حدثت بين صاحبيه فجمعهما ورأب الصدع وعاهدها على أن يكفا، فرضيا بحكمه'، 'وانزويا بعدها عن الساحة النقدية وبقي العقاد وحده إلى نهاية عمره يباشر عمله النقدي في صبر ودأب، إلى جانب نشاطه العلمي المتعدد الجوانب'.


--------------------------------------------------------------------------------

ثانياً: دور مدرسة الديوان وأثرها:

( أ ) الأهداف:

'حُددت أهداف المدرسة كما يقول العقاد في الديوان: (وأوجر ما نصف به عملنا إن أفلحنا فيه أنه إقامة حد بين عهدين لم يبق مال يسوغ اتصالهما والاختلاط بينهما، وأقرب ما نميز به مذهبنا أنه مذهب إنساني مصري عربي). إذاً فقد كان هدفهم أن يكون لمصر أدب يعبر عن الروح الأصيلة لها يترجم عن طبع الإنسان فيها بلسان عربي وأدب مصري، وعلى نحو ما صور المازني: لقد عز على العقاد وقد رجع إلى مصر القديمة فلم يجد لها شاعر أو واحداً عظيما، يقول: (ونظراً إلى العصور الحديثة بعد الإسلام فلم أعثر بشاعر واحد من مصر)..'.

(ب) مجالات الدعوة:

'تنوعت مجالات الدعوة لمدرسة الديوان على النحو التالي:

دراسات نقدية: كما يبدوا في دراسات المازني النقدية في الربع الأول من هذا القرن.

النماذج الشعرية: التي حملت في أطوائها هذه القيم الجديدة.

كتاب الديوان في النقد والأدب: وقد صدر سنة 1921م.

مقالات العقاد وبحوثه'.

(ج) الأثر الأدبي:

'لهم آراء نقدية مذكورة في كتب أخرى غير الديوان:

فللعقاد: مقدمات دواوينه الشعرية، ومقدمته لديوان المازني، ومنها كتبه: ساعات بين الكتب، بين الكتاب والناس، مطالعات في الكتب والحياة، يسألونك، اليوميات، اللغة الشاعرة، الشذوذ، أشتات مجتمعات، مراجعات في الآداب والفنون، ابن الرومي حياته وشعره، ودواوينه: يقظة الصباح، وهج الظهيرة، أشباح الأصيل، أشجان الليل، وحي الأربعين، هدية الكروان، عابر سبيل، أعاصير مغرب، ما بعد الأعاصير، وغير ذلك دراسات متعددة حول الأدب والنقد والشعراء.

وللمازني: آراء نقدية كذلك فيما كتبه عن بشار وابن الرومي وحافظ إبراهيم، والمعروف أنه لم يتابع مسيرة النقد الأدبي بعد حدة الاختلاف بينه وبين شكري، إذ انصرف عن الشعر والنقد واتجه إلى الكتابة القصصية والاجتماعية.وله كتب أخرى أهمها: حصاد الهشيم، قبض الروح،الشعر غاياته ووسائله.ومن قصصه:إبراهيم الكاتب،إبراهيم الثاني،صندوق الدنيا،عود على بدء،قبض الريح.

ولشكري: مقدمات لدواوين شعره، ومقالات متفرقة يرسلها بين الحين والحين بعد هجر الجماعة بسبب الخلاف، وانطوى على نفسه بعيداً معتزلاً عن الأضواء، وهذه المقالات مع ما كتبه في مقدمات دواوينه الشعرية تمثل رصيده من النقد الأدبي، وهو رصيد لا بأس به. فمن دواوينه: ضوء الفجر، لآلئ الأفكار، أناشيد الصبا، زهر الربيع، خطرات، الأفنان، أزهار الخريف'.

وما يهمنا أكثر الآن هو تلك الآراء النقدية التي دعت إليها مدرسة الديوان، وهو ما ســندرســه في الفصل التالي من هذا البحث.


--------------------------------------------------------------------------------

الفصل الثالث:

مدرسة الديوان: الآراء النقدية وجذورها

أولاً: مبدأ التمرد على الأساليب القديمة:

'قد عملت مدرسة الديوان منذ نشأتها على التمرد في وجه القصيدة العربية التقليدية شكلاً ومضموناً وبناءً ولغة، وربما لأن روادها فتنوا بنماذج الشعر الغربي الذي لا يغرق في هذه القيود، والتي كانت القصيدة العربية اصطنعتها لنفسها أو اصطنعتها لها عصور التخلف والانحطاط والتقليد:

( أ ) في الشكل: ثاروا على نظام القصيدة الطويلة ذات النسق الموحد، وجنحوا إلى شعر المقطوعات، وشعر التوشيح، وشعر تعدد الأصوات، وثاروا على نظام القافية الموحدة، فنوعوا فيها على فترات متقاربة تتردد بين البيتين والأبيات القليلة، بل امتد (شعر شكري) على القافية بكاملها، فألغاها في عديد من قصائده.

(ب) في المضمون: تمردوا على محدودية الفضاء المتناول عن بقية آفاق الوجود، ومحدودية الطموح والانحصار في توافه الأمور. وتمردوا على رضوخ الشاعر حيال ما يراه في الكون من تناقض ونقص، ودعوا إلى ضرورة التعبير عنها، وعن إيقاعها في ذهن الشاعر. وتمردوا على تعالي موضوعات الشعر عن الواقع التاريخي الذي تحياه الجماهير، ورفضوا التفاهة التي غلبت على الحياة والشعر، وخلو الشعر من عناصر التفكير والإحساس، ورفضوا شعر المناسبات، ووصف الأشياء وتعديد أشكالها وألوانها، وعدم الشـعور بجوهرها ونقل هذه الشعور. وتمردوا على بقاء الشعر قيمة لسانية وليس قيمة إنسانية. وتمردا على ضياع المواقف الشخصية في الشعر، وفقدان ذاتية الرؤية وخصوصية الأسلوب، وتمردوا على الغموض وفرقوا بينه وبين العمق، وتمردوا على فساد المعنى بما ينطوي عليه من تعسف وشطط ومبالغة ومخالفة للحقائق، أو الخروج بالفكر عن المعقول، أو قلة جدواه وخلو مغزاه.

(ج) في البناء: رفضوا التفكك الذي يحيل القصيدة إلى مجموع مبدد، لا تربطه وحدة معنوية صحيحة، فنادوا بالوحدة العضوية.

(د) في اللغة: تمردا على ما سمي بلغة الشـعر أو القاموس الشعري، ودعوا إلى تحرير اللغة الشعرية من القوالب الجاهـزة، والأنماط القبلية، وضرورة التعبير عن المضامين الجديدة بلغة قادرة على التحليل والتركيب، واسـتبدال معجم مهجور أو خطابي أو مبتذل أو مكرور بمعجم آخر مأنوس ومتعال على الدلالات الوضعية المحدودة للألفاظ، وتقرب العمل الشعري من حركة العصر وحيوية المعاناة وتأمل الفكر وإشعاء الوجدان'.

ثانياً: الآراء النقدية لمدرسة الديوان:

'سجل كل من أعضاء الديوان آراءه النقدية نحو بعض الشعراء والكتاب، إذ نرى العقاد ينقد أحمد شوقي في جزء كبير من الكتاب، كما ينقد مصطفي صادق الرافعي. أما المازني فإنه ينقد زميل له في مدرسته عبد الرحمن شكري، كما ينقد مصطفي لطفي المنفلوطي'.

وهذه بعض القضايا النقدية التي دعت إليها مدرسة الديوان:

قضية التشبيه: 'يدلي العقاد برأيه في التشبيه الأدبي بصفة عامة: (إن الشاعر هو من يشعر بجوهر الأشياء، لا من يعددها ويحصي أشكالها وألوانها، وليست مزية الشاعر أن يقول لك عن الشيء ماذا يشبه، وإنما مزيته أن يقول ما هو، ويكشف عن لبابه وصلة الحياة به… إن الناس جميعاً يرون الأشكال والألوان محسوسـة بذاتها كما تراها، وإنما ابتدع لنقل الشعور بهذه الأشكال والألوان من نفس إلى نفس)…(الديوان). وقد انتقد شوقي في بعض صور التشبيه في شعره.

الطبع والصنعة: نادى المازني بأن يتحرر الأدب من الصناعة اللفظية، وأن يكون المضمون هو الذي ينبغي أن يعني به الأديب أولاً، لأنه إذا اتضحت له المعاني استقامت له الألفاظ. وقد اتهم المنفلوطي بالصنعة الأسلوبية وبالتكلف في التعبير، ولا يجري على الطبع والسليقة، شاع في أسلوبه كثير من المحسنات البديعية المتكلفة.

صدق الوجدان: ومن آراء شكري ما نادي به بأن يكون الشعر ترجمة عن النفس والوجدان، دون أن يكون الشاعر مشغولاً بغيره مردداً لأقوال سابقيه في معاني شعره: (الشعر هو ما أشعرك، وجعلك تحس عواطف النفس إحساساً شديداً، فالمعاني الشعرية هي خواطر المرء وآراؤه وتجاربه وأحوال نفسه)…'.

وحدة القصيدة:'أن تكون القصيدة عملاً فنياً تاماً يكمل فيه تصوير خاطر أو خواطر متجانسة كما يكمل التمثال بأعضائه والصورة بأجزائها واللحن الموسيقي بأنغامه، بحيث إذا اختلف الوضع أو تغيرت النسبة أخل ذلك بوحدة الصنعة وأفسدها. وفيها انتقد العقاد شوقي.

التجربة الشعرية: أن تكون التجربة الشعرية مكوناً من مكونات البناء العام للقصيدة المعاصرة بكل ما تنحني عليه التجربة الشعرية من عناصر العاطفة والحس والعقل والتفكير، والحلم والخيال والإيقاع الموسيقي وبكل ما تعنيه التجربة الشعرية من معايشة واقعها الموضوعي والنفسي والفكري واللغوي'. 'وترتب على ذلك أن تكون لكل شاعر تجربته الذاتية الخاصة، وذلك حتى يتجنب التقليد والأخذ من الآخرين'22ب.

الوزن والقافية: 'نادوا بالتحرر من قيد الوزن والقافية، لأن الالتزام بذلك يؤدي إلى الملل بسبب تكرر نغمة واحدة على الأذن، وإن كان العقاد قد عدل عن ذلك وأصبح من أكبر المناصرين للشعر العامودي مع إباحة التنويع في القصيدة ذات المقطوعات'.'أما شكري فقد ألغي القافية في عديد من قصائده، وراد بذلك حركة (الشعر المرسل)، والتي ربما تكون أساساً لحركة (الشعر المتحرر) التي رادها بعد (أبو شادي)، ثم لحركة (الشعر الحر) التي رادها أخيراً جيل الأربعينات'.

ثالثاً:جذور المذهب:

'الواقع أن هذا المذهب له جذور عربية في العصر العباسي، وجذور غربية في القرن التاسع عشر في أوروبا. فأما جذوره في الأدب العربي ففي محاولات أبي تمام وابن الرومي، إذ حاولا أن يعمقا النظرة الشعرية في مجال الفكرة كما صنع أبو تمام، وفي مجال التوليد والإصابة في التشبيهات واستنكاره خفايا الطبيعة كما فعل ابن الرومي.كما أن اكثر القضايا النقدية التي أثارها هذه المدرسة ضد شوقي وحافظ لها جذورها في النقد العربي القديم والحديث، فالتفكك والإحالة والتقليد والولوع بالأعراض دون الجواهر قد التفت إليها النقاد كالآمدي والجرجاني وغيرهما، وقضية وحدة القصيدة التي تكلم فيها السابقون مثل: ابن خلدون والحاتمي (من علماء القرن 14ً) والشيخ المرصفي وخليل مطران'.

رابعاً: ما قصرت فيه مدرسة الديوان:

'وقفت آراء هذه المدرسة عند باب الشعر الغنائي، ولم تتعد أسوار الشعر الموضوعي أو تقتحمه لتبين لنا رأيها فيه، ولتحدد له أصولاً ومعايير ومناهج تطوره وتنهض به. والمنهج النفسي الذي حاولت مدرسة الديوان تطبيقه في كل شعر وشاعر والاهتمام بظهور شخصية الشاعر في الشعر يعتبر بعداً عن الشعر الموضوعي وقاعدة لا يصح إطلاقها في كل حالة.'.

'إن الدعوة الجارفة للقيم النقدية ربما تكون قد نمت من خلال التأصيل النظري لها فحسب، وهم شعراء بالدرجة الأولى لم يستطيعوا -إلا قليلاً- تجسيدها في واقع شعري ممتاز يغري بمتابعتها أو التشيع لها، فانصرفوا يدعون لها دعوة نقدية هائلة حتى استقرت كأساس راسخ من أسس قيمنا النقدية المعاصرة، ولقد حاولوها شعراً، ولكن قامتهم الشعرية كانت أقل من حجم الدعوة المغامرة، ومهما يكن من شيء، فإن مدرسة الديوان نهضت قضية تطور شعرنا المعاصر لأخطر الأدوار شكلاً ومضموناً وبناءً ولغة'.


--------------------------------------------------------------------------------

الخاتمة:

ظهر في الأدب العربي الحديث جيل من الشعراء أحيوا صورة الأدب العربي القديم، يترسمون خطا البارودي رائد حركة البعث في المحافظة على الشكل والروح والانتماء، فحال ذلك عن تقديم الجديد في المضمون الأدبي، وتطورت بعدها حركة النقد، فنودي بضرورة التجديد استجابة لدواعي العصر. وللأدب الغربي أثره، فأدخل ألواناً من المذاهب الفلسفية والنفسية الغربية إلى الساحة العربية، كما أوحت الروح الذاتية التي قد شاعت فيه إلى أن الأدب هو الذي يكوّن شخصيةً مستقلة للأديب، فظهرت عدة اتجاهات مختلفة يمثلها أدباء وشعراء، تبعاً لاختلاف مستوى الفكر والإبداع.

وظهرت مدرسة (الديوان) تدعوا إلى التجديد بمفهومه الواعي للشعر وغايته ووسائله، فعملت منذ نشأتها على التمرد في وجه القصيدة العربية التقليدية، فثاروا على نظام القصيدة الطويلة في وحدة النسق والقافية، وتفكك الموضوع أو تعدده في القصيدة الواحدة، وانتقدوا تعالي الشعر عن الواقع التاريخي للحياة، أو بعد عن الروح العصرية وحاجة المجتمع، أو خلوه من عناصر التفكير والشـعور بجواهر الأشياء، أو الغموض وفساد المعنى، أو فقدان المواقف الشخصية وذاتية الرؤية وخصوصية الأسلوب، وبقاء الشعر لغة قديمة مضى عصرها وانزوى.

وضعت المدرسة أسساً قيمة للنقد الأدبي، فدعت إلى التجربة الشعرية والمجاراة للطبع والصدق في الوجدان والإصابة في التشبيه والوحدة في القصيدة والموضوع، ولتعدد المصادر الثقافية لأدباء ونقاد فترة التجديد بين العربية الأصيلة والأجنبية، فقد لقيت الثقافة الغربية بعض الأنصار، تأثروا بها، ودعوا إلى الاحتذاء بالأدب الغربي والتغيير الشامل في الأدب العربي تقليداً بالأدب الغربي بكل ما يحتويه، فبدت ظواهر تدعوا إلى الواقعية والانحلال، وامتدت إلى الأدب ولغته المظاهر السلبية من التجديد. فكما كان لمدرسة الديوان دور مهم في حركة التجديد المنظم في الأدب العربي، كانت هي الواجهة في الدفاع عن شخصية الأدب العربي وملامحه المستقلة المستمد من المنبع العربي الأصيل.

كان عزمها أن يصدر كتاب الديوان في أجزاء عشرة، وخطتها أن تبدأ بالهدم أولاً، ثم تشرع في البناء، لكن لماّ لم يظهر منه إلا جزءان فقد ظلت آراؤها النقدية البنائية مجهولة، ووقفت آراؤها عند الشعر الغنائي، ولم تتعد إلى الشعر الموضوعي لتحدد له أصولاً ومعايير ومناهج، ودعوتها الجارفة للقيم النقدية قد نمت نظرياً، ولكن قَلّمَا استطاعت تجسيدها في واقع شعري بَيّن. وإن كان قد قصرت قامتها الشعرية عما بلغت إليه الدعوة التجديدية، إلا أن آراءها ظلت أسساً راسخة من أسس القيم النقدية الأدبية المعاصرة، وأضحت مدرسة الديوان قضية هامة في نهضة وتطور الشعر العربي الحديث، والأدب العربي المعاصر بشكل عام. والله أعلم.أهـ.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم


--------------------------------------------------------------------------------

المراجع:

_ أحمد حسن الزيات، تاريخ الأدب العربي، الطبعة الرابعة والعشرون، بدون تاريخ، القاهرة: دار نهضة مصر للطبع والنشر.

_ د.أحمد هيكل، تطور الأدب الحديث في مصر، الطبعة الثالثة، بدون تاريخ، القاهرة: دار المعارف.

_ أ.د.سعد عبد المقصود ظلام، مدخل إلى النقد الحديث، الطبعة الأولى، 1404هـ-1989م، القاهرة: دار المنار.

_ د.شوقي ضيف، الأدب العربي المعاصر، الطبعة الثالثة، بدون تاريخ، القاهرة: دار المعارف.

_ د.شوقي ضيف، الفن ومذاهبه في الشعر العربي، الطبعة السابعة، بدون تاريخ، القاهرة: دار المعارف.

_ أ.د.طه أبو كريشة، في النقد العربي الحديث تاريخه وقضاياه، بدون تاريخ، القاهرة: جامعة الأزهر.

_ د.طه عبد الرحيم عبد البر، قضايا النقد الأدبي بين النظرية والتطبيق، الطبعة الأولى، 1403هـ-1983م، القاهرة: مطبعة دار التأليف.










قديم 2010-01-29, 01:08   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
الصقرالشمالي
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية الصقرالشمالي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

التيــــار الــــذاتي جماعـــة الديــــوان

Admin في الثلاثاء ديسمبر 02, 2008 12:21 pm


لم يظهر التيار الذاتي الوجداني إلا مع جماعة الديوان (عباس محمود العقاد، وعبد الرحمن شكري، وعبد القادر المازني)، وجماعة أپولو (أحمد زكي أبو شادي، وأحمد رامي، وأبو القاسم الشابي، ومحمود حسن إسماعيل ، وعبد المعطي الهمشري، والصيرفي، وعلي محمود طه، وعلي الشرنوبي، ومحمود أبو الوفا، وعبد العزيز عتيق…)، والرابطة القلمية في المهجر (إيليا أبو ماضي، وميخائيل نعيمة، وجبران خليل جبران، وإيليا أبو ماضي…) في أواخر العقد الأول من القرن العشرين لأسباب سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية.

وإذا بدأنا بمدرسة الديوان، فإن أصحابها يربطون الشعر بالذات والوجدان مع اختلافات طفيفة بين الشعراء، فالشعر عند العقاد هو المزج بين الشعور والفكر الذهني، وإن كان العقاد يرجح كفة ماهو فكري وعقلي على ماهو وجداني شعوري كما يتجلى ذلك في قصيدته الشعرية “الحبيب” التي غلب فيها المنطق العقلي على ماهو جواني داخلي؛ وهذا ماجعل صلاح عبد الصبور يعتبر العقاد مفكرا قبل أن يكون شاعرا.

أما عبد الرحمن شكري فقد تأمل في أعماق الذات تأملا يتجاوز في غايته حدود الاستجابة للواقع، مستهدفا الوقوف بالشاعر أمام نفسه في أبعادها المختلفة من شعورية ولاشعورية (شعر الاستبطان واستكناه أغوار الذات).

بينما الشعر عند عبد القادر المازني هو كل ما تفيض به النفس من شعور وعواطف وإحساسات وخاصة الإحساس بالألم. ولعل” في هذا الاطمئنان إلى الألم، مايفسر تحول المازني من الشعر إلى النثر، ومن معاناة الألم والضيق باليأس، إلى اعتناق مذهب السخرية من الناس ومن الحياة والموت جميعا.”7

ويتسم الشعر الذاتي عند جماعة الديوان بالتميز والتفرد والتغني بشعر الشخصية. ويعود الاهتمام بالذاتية عند شعراء هذه المدرسة لسببين يتمثلان أولا: في إعادة الاعتبار للذات المصرية، وثانيا: انتشار الفكر الحر بين المثقفين والمبدعين المصريين.

وعلى الرغم من ذلك، فهذا التيار حسب أحمد المعداوي تيار شعري سلبي ليس إلا؛ لأنه بقي أسير الذات ولم يتجاوزها إلى تغيير الواقع:” والحق أن إيمان شعراء هذه الجماعة بقيمة العنصر الذاتي، قد استمد أصوله من أمرين اثنين: أحدهما أن شخصية الفرد المصري كانت تعاني من انهيار تام على مختلف المستويات، وأن طبيعة الفترة التاريخية كانت تتطلب منه أن يعيد الاعتبار إلى ذاته، والآخر تشبعهم بالفكر الحر، الذي بسط ظله على العقل العربي، في تلك الفترة من تاريخ الأمة العربية. ولقد أتاح لهم ذلك التتبع أن يعبروا عن أنفسهم بوصفها قيما إنسانية لها وزنها، وأن يكفوا عن محاولة توكيد الذات بمحاكاة النماذج السابقة، ولكنه لم يتح لهم أن يذهبوا برسالتهم الشعرية إلى أبعد من ذلك، فيرتفعوا إلى مستوى الشعار الذي طرحته المرحلة، وهدفت من ورائه إلى وعي الذات لنفسها ولظروفها، وإلى التأهب لخوض المعركة، بغية تغيير تلك الظروف التي منعت المجتمع العربي من التحول وبناء الغد الأفضل، وهذا هو السر في أن أثر الوجدان في شعر هذه الجماعة كان أثرا سلبيا، يؤثر هدوء الحزن وظلمة التشاؤم على ابتسامة الأمل واستشراف النصر، فحفر بذلك أول قناة مظلمة في طريق الاتجاه الرومانسي الذي أعقب هذا التيار وورث معظم خصائصه التجديدية”.8

وبعد أن قوّم أحمد المعداوي الشعر الإحيائي وشعر جماعة الديوان تقويما سلبيا يسبب انتقاده للذاكرة التراثية و الذاتية المثالية الباكية، انتقل إلى تقويم أدب المهجر الشمالي دون الجنوبي الذي كان يحف شعراؤه حول العصبة الأندلسية.










قديم 2010-01-29, 01:09   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
الصقرالشمالي
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية الصقرالشمالي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

من هو إبراهيم عبدالقادر المازنى؟
إبراهيم عبد القادر المازني شاعر وناقد وصحفي وكاتب روائي وشاعر مصري مهم.

هو إبراهيم بن محمد بن عبد القادر المازني، شاعر مصري من شعراء العصر الحديث، عرف كواحد من كبار الكتاب في عصره كما عرف بأسلوبه الساخر سواء في الكتابة الأدبية أو الشعر واستطاع أن يلمع على الرغم من وجود العديد من الكتاب والشعراء الفطاحل حيث تمكن من أن يوجد لنفسه مكاناً بجوارهم، على الرغم من اتجاهه المختلف ومفهومه الجديد للأدب، فقد جمعت ثقافته بين التراث العربي والأدب الإنجليزي كغيره من شعراء مدرسة الديوان
حاول المازني الإفلات من استخدام القوافي والأوزان في بعض أشعاره فانتقل إلى الكتابة النثرية، وخلف ورائه تراث غزير من المقالات والقصص والروايات بالإضافة للعديد من الدواوين الشعرية، كما عرف كناقد متميز.


النشأة والمجال العملي

ولد المازني في عام 1890م بالقاهرة بجمهورية مصر العربية، ويرجع نسبه إلى قرية " كوم مازن" بمحافظة المنوفية، تخرج من مدرسة المعلمين
عام 1909م وعمل بالتدريس ثم بالصحافة كما عمل في البداية بجريدة الأخبار مع أمين الرافعي، ثم محرر بجريدة السياسة الأسبوعية ، كما عمل
بجريدة البلاغ مع عبد القادر حمزة وغيرهم الكثير من الصحف الأخرى، كما انتشرت كتاباته ومقالاته في العديد من المجلات والصحف الأسبوعية
والشهرية، وعرف عن المازني براعته في اللغة الإنجليزية والترجمة منها إلى العربية فقام بترجمة العديد من الأشعار إلى اللغة العربية، وتم
انتخابه عضواً في كل من مجمع اللغة العربية بالقاهرة، والمجمع العلمي العربي بدمشق.


أسلوبه الأدبي

عمل المازني كثيراً من أجل بناء ثقافة أدبية واسعة لنفسه فقام بالإطلاع على العديد من الكتب الخاصة بالأدب العربي القديم ولم يكتف بهذا بل قام بالإطلاع على الأدب الإنجليزي أيضاً، وعمل على قراءة الكتب الفلسفية والاجتماعية، وقام بترجمة الكثير من الشعر والنثر إلى العربية حتى قال العقاد عنه " إنني لم أعرف فيما عرفت من ترجمات للنظم والنثر أديباً واحداً يفوق المازني في الترجمة من لغة إلى لغة شعراً ونثراً".
• يعد المازني من رواد مدرسة الديوان وأحد مؤسسيها مع كل من عبد الرحمن شكري، وعباس العقاد، عشق الشعر والكتابة الأدبية وعمل في شعره على التحرر من الأوزان والقوافي ودعا كغيره من مؤسسي مدرسة الديوان إلى الشعر المرسل، هذا على الرغم من أننا نجد أنه غلب على شعرهم وحدة القافية، اتجه المازني للنثر وأدخل في أشعاره وكتاباته بعض المعاني المقتبسة من الأدب الغربي، وتميز أسلوبه بالسخرية والفكاهة، فأخذت كتاباته الطابع الساخر وعرض من خلال أعماله الواقع الذي كان يعيش فيه من أشخاص أو تجارب شخصية أو من خلال حياة المجتمع المصري في هذه الفترة، فعرض كل هذا بسلبياته وإيجابياته من خلال رؤيته الخاصة وبأسلوب مبسط بعيداً عن التكلفات الشعرية والأدبية.
• توقف المازني عن كتابة الشعر بعد صدور ديوانه الثاني في عام 1917م، واتجه إلى كتابة القصة والمقال الصحفي .


من أعماله

قدم المازني العديد من الأعمال الشعرية والنثرية المميزة نذكر من أعماله: إبراهيم الكاتب، وإبراهيم الثاني – رواياتان، أحاديث المازني- مجموعة مقالات، حصاد الهشيم، خيوط العنكبوت، ديوان المازني، رحلة الحجاز، صندوق الدنيا، عود على بدء، قبض الريح، الكتاب الأبيض، قصة حياة، من النافذة، الجديد في الأدب العربي بالاشتراك مع طه حسين وآخرين، حديث الإذاعة بالاشتراك مع العقاد وآخرين، كما نال كتاب " الديوان في الأدب والنقد " الذي أصدره مع العقاد في عام 1921م شهرة كبيرة، وغيرها الكثير من القصائد الشعرية، هذا بالإضافة لمجموعات كبيرة من المقالات، كما قام بترجمة مختارات من القصص الإنجليزي، توفى المازني في عام 1949م.

له مجموعة مجموعة من الكتب من بينها :• حصاد الهشيم(في النقد).
قبض الريح.
• صندوق الدنيا(في السياسة والاجتماع) .
• خيوط العنكبوت.
• إبراهيم الكاتب
• عود على البدء
• في الطريق
يعد المازني من كبار كتاب عصره وبرز من بين كبار الكتاب في ذلك العصر امثال العقاد والرافعي وطه حسين

ومن قصائد المازني:

قصيدة أمطروا الدمع عليه لا الندي
قصيدة سأهد كالحمام في رياض
قصيدة ما أفصح اللحظ يا حبيبي
قصيدة ما أضعت الهوي ولا خنتك الغيب
قصيدة هيهات يحنو علي قلبي معذبه
قصيدةغش الأرض في شباب الزمان
قصيدة نعدأنفاسه ونحسبها
قصيدة دعني خلياي إذا استوفيت أيامي
جماعة الديوان
أطلق عليها هذا الاسم نسبة إلى الكتاب النقدي الذي أصدره عباس محمود العقّاد وإبراهيم عبد القادر المازني (1921م) وشاركهما في تأسيس هذه الجماعة عبد الرحمن شكري




خصائص مدرسة الديوان

شعراء الديوان متأثرون بالرومانسية الإنجليزية
• لا يلتزموا بوحدة القصيدة والقافية
• عدم الإسراف في استخدام الصور والمحسنات
• يستمدون الصور من بيئتهم الجديدة
• يستخدمن لغة العصر لا يحاكون القدماء في أغراضهم
• الوحدة العضوية
• الخصائص الفنية لجماعة الديوان
• الجمع بين الثقافتين الإنجليزية والعربية
• التطلع للمثل والطموح
• الشعر عندهم تعبير عن النفس الإنسانية
• وضوح الجانب الفكري مما يطغي علي العاطفة
• التأمل في الكون والتعمق في اسرار الوجود
• الصدق في التعبير والبعد عن المبالغات
• الاهتمام بوضع عنوان للقصيدة









قديم 2010-01-29, 01:12   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
الصقرالشمالي
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية الصقرالشمالي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

بحث عن حياة الشاعر عبد الرحمن شكري

عبدالرحمن شكري شاعر مصري ولد في بورسعيد. تعلّم في المدارس الحديثة ثم التحق بكلية الحقوق، ولكنه تركها ليدرس في دار المعلمين. تخرج عام 1909م، ثم أرسل في بعثة إلى إنجلترا لمدة ثلاث سنوات، حيث حصل على درجة في الأدب الإنجليزي. اشتغل بعد عودته بالتدريس حتى تقاعده عام 1934م. وقد اتسمت شخصيته بالخجل والانطواء، بخلاف صاحبيه المازني والعقاد.

أرسى شكري مع زميليه العقاد والمازني دعائم مدرسة الديوان. انظر: الشعر (جماعة الديوان). التي حملت لواء التجديد في كتابة الشعر، واتخذت من نقدها للشاعر أحمد شوقي ميدانًا للتطبيق. وتقوم دعوتها على تجديد في الشعر يشمل الشكل والمضمون، حتى يكون الشعر أقدر على التعبير عن أحاسيس الشاعر وذاتيته، وهي بهذه الدعوة تخالف منهج شعراء العربية الكبار آنذاك.

كتب شكري أولى قصائده وهو طالب عام 1904م، وبعد عودته من البعثة أصدر بين عامي 1913 و1919م ستة دواوين، ثم مرت بعد ذلك فترة صمت وعزلة في حياته لاتفسير لهما حتى عام 1935م، حيث عاد إلى كتابة الشعر والإسهام ببعض المقالات. ولكن النقاد يرون أن شعره في هذه الفترة أقل جودة عن شعره السابق.

حرص شكري على أن ينبع شعره من وجدانه، كما حرص على مايعرف بالوحدة العضوية في القصيدة. وهي قيمة تعني تلازم أجزاء القصيدة ونموها نموًا يشبه نمو الكائن الحي، بحيث لايمكن الحذف منها أو التقديم والتأخير دون أن تختل، وقد صار لهذه القيمة شأن كبير في كتابة الشعر العربي الحديث ونقده بعد ذلك.

لم يخرج شكري عن عروض الشعر العربي وإن كان يجمع بين التأثر بالشعراء العباسيين مثل: بشار وأبي تمام والمعري من ناحية، وبعض الشعراء الرومانسيين الإنجليز أمثال: شيلي وبايرون. ويلاحظ كثير من النقاد غلبة التشاؤم الشديد على شعره.

جمع شعره عام 1960م في ديوان بعنوان: ديوان عبدالرحمن شكري. وله بعض الأعمال النثرية، غير أنها أقل درجة عن شعره، منها: الاعتراف؛ وحديث إبليس؛ الثمرات؛ والصحائف.

وتعد قصيدته التي يخاطب فيها الريح من أجمل شعره، إذ يصدر فيها عن حزن عميق وتجربة صادقة مفعمة بالكآبة والأسى، يقول فيها:

ياريحُ أيُّ زئير فيك يُفْزعني كما يروع زئير الفاتك الضاري
ياريحُ أيُّ أنين حنَّ سامِعُهُ فهل بُليت بفقد الصَّحب والجار
ياريح مَالك بين الخلق موحشة مثل الغريب، غريب الأهل والدار
أم أنت ثكلى أصاب الموت واحدها تظلُّ تبغي يَدَ الأقدار بالثارِ


وأما شعره الوطني فقد خرج به عن شعر المناسبات إلى لون من التعبير يصدر عن ذاته وانفعالاته الخاصة:

وكم من أمة تخشى الزوالا على الأيام أدركها الزوالُ
تحاذر أن تغيرّها الليالي فيودي حالها ويجيء حالُ
وبين الدهر والدول استباقٌ وبعض الناس يعوزه المجالُ
وأحكامُ الوجود لها مسيلٌ مسيلُ السيل يُهلْكُ إذ يسيلُ
فإن تسْدُدْ طريق السيل تَهْلك ولايُغني البكاءُ ولا العويل









قديم 2010-01-29, 01:15   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
الصقرالشمالي
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية الصقرالشمالي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

https://www.marefa.org/index.php/%D8%...B2%D9%86%D9%8A

:::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::: :::::::::::::::::::::::::::::::::::

صفحات من حياة عبد القادر المازني...
لعله من ابرز الشخصيات المبدعة والنجوم الساطعة فى تاريخ الأدب المصري إنه (عبد القادر المازنى) الشاعر و الروائى والناقد المحلل بل ورسام الشخصيات البارع الذى يجمع بين الواقعية و الخيال السخرية و الفكاهة و الحزن, لم يعش ببرج عاجى بل اندمج بمجتمعه وعبر عن آماله سواء فى ابداعاته الأدبية أو مقالاته الصحفيه تاركَاَ تراثاَ سوف يظل يمجد ذاكراه.

محيط: هبة رجاء الدين

في سيرة أديب

ولد ابراهيم عبد القادر المازنى فى يوم الثلاثاء 19أغسطس 1890 بقرية (كومو مازن) بمحافظة المنوفية وترجع جذوره إلى قبيلة بنى مازن وهى من اشهر القبائل العربية بأرض الحجاز,وهاجر فرع من هذه القبيلة إلى مصر واندمج بالسلالة المصرية لتصبح عائلة المازنى مصرية تماماَ, فأصبح المازنى بذلك مصرى الجنسية.

وقد اتم ابراهيم دراسته الإبتدائية بالقرية التى كان يقطن بها, ثم التحق بالتعليم الثانوى فى التوفيقية الخديوية ثم التحق بكلية الطب ولكنه لم يستطع الاستمرار بها حيث كان مرهف الحس ولم يستطع تحمل مناظر التشريح وما إلى ذلك وقد كان وترك كلية الطب والتحق بكلية الحقوق ولكنه تركها أيضا لأن مصروفاتها كثيرة ثم انتقل إلى مدرسة المعلمين وقد تخرج منها عام 1909 ليعمل فى التدريس لمدة عشرة سنوات قضى منها خمسة فى مدارس الوزارة وخمساَ فى المدارس الحرة.

أبيه زير نساء وأمه "سيدة الدنيا"
كان والد عبد القادر المازنى مدرساَ للغة العربية ثم عمل محاميا شرعياَ كما كان مسئولاَ عن الشئون الشرعية فى القصر الملكى كما كان يتسم بأنه مزواج يعشق النساء وخاصة التركيات لجمالهن, ولأنه كان دائم السفر إلى اسطنبول أتاح له ذلك الزواج من عدد كبير من هؤلاء النساء التركيات وقد توفى الوالد عندما كان إبراهيم فى التاسعة من العمر , اما عن والدة إبراهيم فعلى الرغم من أن زوجها توفى وهى تناهز الثلاثين عاماَ إلى أنها رفضت أن تتزوج مرة أخرى وعاشت فترة كبيرة من الزمن تقدر ب32سنة باقية على ذكرى زوجها والذى ألمها كثيراَ بكثرة زواجاته, وقد كان يصفها المازنى كثيراَ بأنها (سيدة الدنيا) حيث أن لها مواقف مشرفة ومؤثرة فى حياته فقد أصرت أن يستكمل تعليمه وذلك بعد أن إقترح أخيه الأكبر أن يترك إبراهيم دراسته ليذهب للعمل حيث أن وضعهم المادى كان متأزماً وذلك لأن اخيه الأكبر ورث عن والده حب النساء فبدد ثروة أبيه فى أقل من عام لتعيش أسرة المازنى على الستر و الكفاف.

جميع ما سبق أثر في شخصية أديبنا حيث تعذب بعد أن بدد (أخوه الأكبر ثروة أبيهم ).. وكان ينظر إلى المرفهين فى أسى ويقول (ما ضر لو زادت الدنيا مرفها مدللا آخر.. أكانت تخرب ؟ .. أكان لابد لصلاحها أن أشقى وأتعذب هذا العذاب الغليظ ؟).. ويعترف المازنى بأن أستاذه الأول كان الفقر الذى أمده بالقوة والقدرة على الكفاح وعلمه التسامح والرفق والعطف وإيثار الحسنى، كما عوده ضبط النفس وحبب إليه الفقراء ..

وكان يقول «لو وسعنى أن أملأ الدنيا سروراً واغتباطاً لفعلت، فإنى عظيم الرثاء للخلق وأحسب أن هذا تعليل ميلى للفكاهة» وكان حلم حياته أن يربح من الكتابة مبلغاً يكفى لبناء دار لأولاده ولكنه لم يستطع تحقيق هذا الحلم البسيط ، وظل طوال الوقت يسكن وسط المقابر فى مدافن الإمام الشافعى وذلك طلباً للعزلة ولضيق ذات اليد . وقيل إنه سقط ليلاً فى مقبرة مفتوحة فاصطدم بالجثث مما أصابه بحالة من الفزع الرهيب . وقد دفعه الفقر إلى العمل الدائم والدائب حيث يقول «أقوم من النوم لأكتب وآكل وأنا أفكر فيما أكتب فألتهم لقمة وأخط سطرا أو بعض سطر وأنام فأحلم أنى اهتديت إلى موضوع وأفتح عينى فإذا بى قد نسيته وأشتاق أن ألاعب أولادى فيصدنى أن الوقت ضيق لا ينفسح للعب وأن على أن أكتب» . ولذلك فقد عاش دائم الخوف على نفسه ودائم الخوف من الناس.

يقول النقاد أنه اجتمع الفقر مع إعاقاته الجسدية والنفسية ليجعلوا كتاباته سوداوية حيث لايرى إلا الجانب القاتم كما كان عدميا لا تستوقفه غير النهايات؛ حيث كان الموت هو موضوعه الأثير فى قصائد ديوانه وفى عناوين كتبه وقد غلف كل هذا بالسخرية والفكاهة لدرجة أنه قد كتب رثاء لنفسه قال فيه :

أيهـــا الزائــر قبـرى اتل ما خط أمامـك
ها هنا فاعلم عظامى ليتها كانت عظامك


المرأة والحب بحياة المازنى

لعبت المراءة دور كبير فى حياة المازنى بدءاَ من والدته والتى كان لها دوراَ كبير ومؤثر بحياته حيث كانت صامدة قوية, وقد وضعها فى مرتبة (النموذج الأعلى) لمل يجب ان تكون عليه المرأة , ونرى ايضاَ أن زوجته قد أثرت بحياته وأثرت على ملامح شخصيته حيث أنه تزوج فى عام 1910 أى بعد تخرجه بعام واحد وبعد 11 عام رحلت زوجته بشكل مفاجئ وتركت له آلاما كبيرة وصدمة لا توصف كما تركت له ابنة اسمها (مندورة) كان يحبها إلى درجة العشق والوله وقد تفرغ لرعايتها لمدة سبع سنوات كاملة ثم رحلت هذه البنت بشكل مفاجئ ليدخل الرجل فى شرنقة من الحزن والشجن وكتب فى هذه الابنة الراحلة رثاء كثيراً أدمى القلوب وفجر أنهار الدموع.

تزوج المازنى بعد رحيل ابنته وتمنى أن ينجب بنتاً أخرى إلى جانب أولاده الذكور ، وقد جاءت الابنة بالفعل ولكنها رحلت مثل أختها لتترك قلب أبيها أطلالاً. وكان المازنى يؤكد أن المرأة أقوى من الرجل بقوة حيلتها وقوة جمالها وكان يرى الجمال روحاً وليس جسماً ورغم كثرة ما تردد عن غزواته النسائية إلا أنه لم يقل لأي امرأة (أحبك) اعتقاداً منه بأن هذه الكلمة سوف تجعله عبداً للمرأة التي ستسمعها منه. قد كان يستعذب التحدث عن شعوره بالضعف والنقص أمام النساء وكان يستعذب الحط من نفسه وليس هذا على سبيل (الماسوشية) أو (لذة تعذيب الذات) ولكنه كان يفعل ذلك لأنه على ثقة من قدراته .

أما عن الحب فى حياة المازنى فقد عرف الحب لأول مرة وهو فى الثالثة عشرة من عمره مع بنت الجيران فى السيدة زينب بعد أن أنقذ لها قطتها من فوق الشجرة وأصيب نتيجة هذه المغامرة ببعض الجروح البسيطة ، وكان يجاهر بحب هذه الصبية وسط الأهل والجيران .. وعندما شب عن الطوق راح يكثر من مغامراته النسائية حتى ولو من باب (الصيت ولا الغنى) وذلك كسلاح جديد يؤكد به لنفسه وللآخرين أنه ليس (أقل) من غيره بل إنه يتفوق عليهم .. وقد أحصى العقاد حبيبات المازنى ووجد أنهن 17 حبيبة.

-
يقول:


مرَّتْ عشاءً بيَ فتّانةٌ.. يا حُسنَها لو أنَّ حسناً يدومْ
والجوُّ ساجٍ شاحبٌ بدرُهُ.. كأنّما أضناه طولُ الوجوم
فقلتُ يا غادةُ: أذكرتِني .. أحلامَ عيشٍ نسختْها الهموم
أمثلُ هذا الحسنِ لمّا يزلْ .. في عالم الشرِّ القديم العميم؟
ألم يزل (كوبيدُ) ذا صولةٍ .. يرمي فيُدْمي كلَّ قلبٍ سليم؟
قالتْ: ومَنْ (كوبيدُ) هذا الذي .. تذكره مقترناً بالكُلوم؟
فقلتُ: هذا ولد مولعٌ .. بصيدِ أكبادِ الورى كالغريم
فتمتمتْ عائذةً باسمِهِ .. من كلِّ شيطانٍ خبيث رجيم !

ومن الطريف بحياة المازنى العاطفية مغامرة عجيبة تعرض لها حيث استطاع شاب اسمه عبد الحميد رضا أن يوقع المازنى فى (فخ عاطفى) عندما أعطاه رسالة ادعى أنها من فتاة اسمها (فاخرة) وقد انطلت الحيلة على المازنى وظل يتبادل الرسائل العاطفية الساخنة مع هذه السيدة المزعومة ورغم أنه تشكك بعض الشىء إلى أنه تمادى فى هذه المغامرة حتى أخذ عبد الحميد رضا رسائل المازنى إلى إحدى المجلات ونشرها وكانت فضيحة مدوية .. ورغم هذا فقد كان المازنى يعتبر نفسه (دونجوانا) لا يبارى وقد كتب العقاد قصيدة عن المغامرات العاطفية مطلعها :


أنت فى مصر دائم التمهيد
بين حب عفى وحب جديد


أصدقاء المازني

أما عن الصداقة بحياة المازنى فقد كان له أصدقاء كثيرون أمثاله كتاب ونقاد ومبدعون وكانت علاقاته بهم متواترة فكان من أصدقائه شوقى والعقاد وعبد الرحمن شكرى وكتب ذات مرة مجموعة من المقالات فى جريدة السياسة عن مسرحيات شوقى الشعرية وقد قسا كثيراً على شوقى وقال عنه (قطعة متلكئة من قديم الزمن) .. كما اختلف هو والعقاد مع عبد الرحمن شكرى وهاجماه بعنف لدرجة أن المازنى وصفه بـ (صنم الألاعيب) مما دفع شكرى إلى الهرب إلى الإسكندرية ليعيش فى عزلة تامة .

كما أنه اشترك مع العقاد سنة1921فى كتاب"الديوان"وهاجم فيه شعر حافظ و شوقى وهاجمه عبد الرحمن شكرى فى مقدمة الجزء الخامس من ديوانه واتهمة بالاختلاس من الشعراء الغربيين وعندما اخرج المازنى كتاب الديوان مع العقاد هاجمه وكتب فيه فصلين بعنوان "صمم الألاعيب ".

المازنى فكاهى ساخر ولكن ......

كان المازنى قصير القامة جداَ حيث كان طوله لا يتجاوز 150سم مما جعله أقرب الى القزم وذلك غير أنه كان غير مستقبم فى مشيته بسب كسر مضاعف أصاب ساقه وترك له عاهة مستديمة جعلته (يعرج) فى مشيته مما استلزم (تفصيل حزام) بشكل معين حتى لايظهر هذا العرج بوضوح, ولهذا لجأ لسلاح آخر وهو السخرية اللاذعة من هذه الأشياء التى يعانى منها , فكان دائم الحديث عن تشويهاته الجسدية فى محاولة منه لمنع الآخرين من السخرية منه ، ونجده أيضاَ يصادق العقاد طويل القامة ويظل يذكر ذلك الوضع المضحك ويسخر منه فقد كان يصف نفسه بجوار العقاد بالرقم (10), ومع كل هذه السخرية والفكاهة فقد اتسمت كتاباته باليأس والحزن والرومانسية وكان يعزى نفسه بالتأكيد على أن الكاتب والفنان يجب أن يكون على يقين بأنه (ناقص) وسوف يبقى كذلك ومع هذا فقد كانت السخرية الوجه الآخر لروحه القلقة المعذبة .

السياسة لا تخدم الأديب

ورغم أن المازنى كان شخصية مرحة ساخرة الا أنه كان لديه قضيته التى يؤمن بها وهى انتماؤه وحسه الوطنى وقد اشترك مع د. محمد حسين هيكل ومحمد عبدالله عنان فى وضع كتاب اسمه (السياسة المصرية والانقلاب الدستورى) يهاجمون فيه الحكم الديكتاتورى لصدقى باشا . رغم هذا الحس الوطنى الواعى إلا أنه لم ينجح فى استثمار السياسة كما أن السياسة لم تخدمه، ففى الوقت الذى اختار العقاد أن يكون وفديا وأن يصبح كاتب الوفد الأول ..

وقف المازنى فى الجانب الذى لا يربح حيث وقف فى خندق الأحرار الدستوريين وهو ملىء بكبار المثقفين مثل أحمد لطفى السيد - طه حسين - محمد حسين هيكل - محمود عزمى وغيرهم إضافة إلى أنه لم يشارك فى معاركهم السياسية ورغم أنه كتب كثيراً فى جريدة (السياسة) لسان حال الأحرار الدستوريين إلا أنه كتب فى البلاغ وهى وفدية، ولكن المحصلة أن السياسة لم تخدمه كما خدمت العقاد وطه حسين ورغم هذا فقد كانت بعض آرائه السياسية (سابقة للعصر) حيث كان من أوائل الذين دعوا للوحدة العربية واعتبرها ضرورة محتمة لسلامة الشعوب العربية وأمنها وقد كتب فى عام 1935 مقالا بعنوان (القومية العربية) .. ولذلك فإن المازنى - عكس كثير من معاصريه - قد استمد شهرته من الأدب والكتابة فقط . كما كان المازني واحداً من أهم أعمدة النهضة الثقافية العربية وأهم الأصوات التى نادت بتجديد الثقافة العربية بتحويلها إلى عملة تنفع الناس .

روائى مبدع وصحفى بارع

بدأت إبداعاته بالشعر والصحافة حيث قرر فى عام 1919 بالتوقف عن التدريس والتفرغ للعمل بالصحافة.. ولم تكن الصحافة جديدة عليه فقد نشر مقالاته وقصائده فى العديد من الصحف منذ أن كان طالباً فى المعلمين - وعندما عمل بالتدريس لم ينقطع عن الصحافة وواصل النشر فى صحف كثيرة مثل الدستور ، الجريدة ، البيان ، عكاظ الأسبوعية ، الأفكار ، وادى النيل ، الأهالى ، وقد عين محرراَ بجريدة الأخبار ثم محرراَ بجريدة "السياسة الاسبوعية" ثم رئيساَ لتحرير جريدة السياسة اليومية ثم رئيساَ لتحرير جريدة "الأتحاد" كما انتخب وكيلاَ لمجلس نقابة الصحفين عام1941.

وقد علا نجم المازني عندما شارك صديقيه العقاد وعبد الرحمن شكرى فى الإعلان عند مدرسة الديوان فى الشعر؛ تلك المدرسة التى قامت على مهاجمة القديم المتمثل فى شعر حافظ وشوقى، وقد ألف المازنى والعقاد كتاب (الديوان) لوضع الأسس النظرية لهذه المدرسة التى تعد ثورة فى الشعر وتدعو إلى تنوع القوافى لتنوع الموسيقى ، كما تدعو إلى أن يكون الشعر تعبيراً عن الشاعر وأن تكون القصيدة ذات وحدة موضوعية بدلا من وحدة البيت كما يجب ألا تكون القصيدة تقليداً أو معارضة لشاعر قديم مهما كان شأنه).

تأثر المازنى كثيراً بأشعار ابن الرومى وعارضه فى بعض قصائده كما تأثر كثيراً بعدد من شعراء الغرب مثل شيلى - بيرنز - ميلتون - هينى .. وكان دائم التطوير والتجديد فى الأفكار والموضوعات مع الالتزام التام بالصدق فى التعبير ، وذلك على حساب الشكل الفنى والأساليب والعبارات ، ورغم هذا فقد كان يجد صعوبة فى تطويع الشعر لأفكاره خصوصاً قوافيه التى كانت تضطره إلى استخدام ألفاظ غريبة ومشتقات شاذة مما ألجأه إلى شرحها فى ديوانيه الأول والثانى ويرجع ذلك إلى تمسكه باللغة التقليدية فى بداية حياته ..

إلا أنه كان يرى الشعر ترجمة حميمة عن النفس وكشفا عن مكنوناتها ورغم أنه قد هجر الشعر فى سن السادسة والعشرين وهى سن صغيرة إلا أن (إنجازه الشعرى) لا يستهان به ؛ حيث أصدر ديوانه فى ثلاثة أجزاء ، صدر الجزء الأول منها عام 1914 كما كتب العديد من الكتب عن الشعر والشعراء مثل (شعر حافظ) ثم حصاد الهشيم - قبض الريح ، وفى هذين الكتابين دراسات عن العديد من الشعراء مثل المتنبى - ابن الرومى .. وله كتاب عن الشاعر (بشار بن برد) .. وفى كل هذه الكتب كان يقدم دراسات نفسية واجتماعية وتاريخية أى أنه كان يقدم العصر بكامله وكان هذا لوناً جديداً فى الدراسات الأدبية .

ساهم المازني كثيرا في تحديث الأدب المصرى والعربى وكانت السياسة التي رسمها وآخرون أن يكون الأدب تعبيراً عن الكاتب وتصويراً لما يجول فى نفسه وعقله ، والأهم أن المازني كان صاحب أسلوب لم يستطع أحد أن يستنسخه بعد أن استطاع أن يجعل من اللهجة المصرية لغة عربية فصيحة ؛ حيث وضع علامات الإعراب على حروف هذه اللهجة وجعل من ألفاظها اللينة الجميلة كلمات ناصعة فى معجم جديد للغة ليتكلم بها الناس كما كان حريصا على استخدام الفصحى بعد أن جعل العامية مطية لها وخادماً فى موكبها ، وكان أسلوبه خالياً من كل العثرات و(الكلكعة) .


تراث لا يستمع للاتهامات

ورغم تميز وتفرد المازنى فيما أبدعه إلا أن بعض النقاد قد اتهموه بسرقة بعض أجزاء روايته "إبراهيم الكاتب" من رواية (سانين) للأديب الروسى (يباشيف) كما اتهمه بعض النقاد بسرقة مسرحيته الوحيدة التى كتبها بعنوان (غريزة امرأة) من مسرحية (الشاردة) للأديب الإنجليزى (جو لسور ذى) . ولكن مثل هذه الاتهامات لم تؤثر كثيراً على المحصلة النهائية لإنجاز المازنى الذى كان من أبرع كتاب النصف الأول من القرن العشرين خاصة فى مقدرته على السخرية من الدنيا ومن الناس ومن نفسه .

كما كان من أوائل الذين قاموا بتعريف الأدب الغربى إلى قراء العربية وذلك نتيجة إجادته الرائعة للترجمة وقد ترجم العديد من الكتب المهمة مثل رباعيات الخيام - الآباء والأبناء لتور جنيف - سانين لآرتز يباشيف ، كما قدم ملخصات لروائع الأدب العالمى ونشرها فى مجلة (الصباح) لصاحبها مصطفى القشاش . وإضافة إلى كل هذا فقد كان صاحب الدعوة إلى إيجاد منهج جديد فى دراسة الأدب العربى والدعوة إلى نظرة جديدة إلى الأدب المصرى وقد توج دعوته بدراسة الأدب العربى وتاريخه دراسة متأنية بترتيب العصور وذلك عندما كان فى الخمسين من عمره .

- أخرج المازني أكثر من أربعين كتاباَ فى الإبداع والنقد من أشهرها :

(
فى الطريق - صندوق الدنيا - الشعر غاياته ووسائله - من أحاديث المازنى - رحلة الحجاز - ميدو وشركاه - أقاصيص - من الناقد - ع الماشى - حديث الإذاعة) والغريب أن كل هذا الإبداع لم يشفع للمازنى لكى يحصل على أية جائزة !! ومن الواضح أنه كان مستشعراً لهذا الوضع الغريب فكتب يقول «عصرنا عصر تمهيد يقوم أبناؤه بقطع هذه الجبال التى سدت الطريق وتسوية الأرض لمن يأتون بعدهم .. وبعد أن تسوى الطريق يأتى نفر من بعدنا ويسيرون إلى آخره ويقيمون على جانبه القصور شامخة باذخة فيذكرون بقصورهم وننسى نحن الذين شغلوا بالتمهيد عن التشييد» .

عندما قدمه العقاد لكى يتبوأ مكانه فى مجمع اللغة العربية وصفه بالعبقرية فى النثر والشعر ، كما كان المازنى يكتب لأنه يحب الكتابة لذاتها وكان يرى الفن تعبيراً عن الحياة بما فيها من فردية وحرية وإبداع... وباختصار فقد كان المازنى فيلسوف الحياة والفردية والحرية .. وكان يتعامل مع الإنسان على أنه حيوان (فنى) يهتم بالجمال إلى جوار المنفعة .


وإذا كان المازنى (النموذج) لما يمكن أن تفعله العقد النفسية والجسدية مع المبدع الموهوب إلا أنه قد كسر بعض المسلَّمات فى سلوكيات أصحاب هذه العقد حيث كان من سماته الجميلة (التواضع) الشديد فرغم أن الذين يعانون من عقد نفسية لا بد وأن يصيبهم الغرور والتعالى كنوع من التعويض إلا أن المازنى كان شديد التواضع ، وكان ضد النجومية وشعبوى الهوى ولذلك تحققت له الجماهيرية الواسعة .

"ومات الفتى المازنى"
بعد رحلة مثيرة من العطاء أصيب المازنى فى سنواته الأخيرة بهاجس الموت ثم مات بعد انتشار البولينا فى الدم .. ورحل فى عام 1949 عن عمر يناهز التاسعة والخمسين .
كتب يقول ذات مساء :


مات الفتى المازنى ثم أتى من مـازن غيره على الأثر

وكان يعنى ولادته مرة أخرى بعد اليأس فلاشك أننا بصدد شخصية عظيمة مبدعة تستحق منا كل تقدير وتستحق أن يذكرها التاريخ دوما.










قديم 2010-01-29, 01:22   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
الصقرالشمالي
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية الصقرالشمالي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

عباس العقاد"شعره وحياته" https://www.alsakher.com/vb2/showthread.php?t=106293

عباس محمود العقاد https://www.khayma.com/salehzayadneh/...qad/3aqqad.htm

عباس محمود العقاد، (1889-1964) هو أحد أهم الأدباء المصريين في العصر الحديث.

حياته
ولد العقاد في أسوان في 29 شوال 1306 هـ - 28 يونيو 1889، وتخرج من المدرسة الإبتدائية سنة 1903.

أسس بالتعاون مع إبراهيم المازني وعبد الرحمن شكري "مدرسة الديوان"، وكانت هذه المدرسة من أنصار التجديد في الشعر والخروج به عن القالب التقليدي العتيق.

عمل العقاد بمصنع للحرير في مدينة دمياط، وعمل بالسكك الحديدية لأنه لم ينل من التعليم حظا وافرا حيث حصل على الشهادة الإبتدائية فقط، لكنه في الوقت نفسه كان مولعا بالقراءة في مختلف المجالات، وقد أنفق معظم نقوده على شراء الكتب، والتحق بعمل كتابي بمحافظة قنا، ثم نقل إلى محافظة الشرقية مل العقاد العمل الروتيني، فعمل بمصلحة البرق، ولكنه لم يعمر فيها كسابقتها، فاتجه إلى العمل بالصحافة مستعينا بثقافته وسعة إطلاعه، فاشترك مع محمد فريد وجدي في إصدار صحيفة الدستور، وكان إصدار هذه الصحيفة فرصة لكي يتعرف العقاد بسعد زغلول ويؤمن بمبادئه. وتوقفت الصحيفة بعد فترة، وهو ماجعل العقاد يبحث عن عمل يقتات منه، فاضطر إلى إعطاء بعض الدروس ليحصل على قوت يومه

لم يتوقف إنتاجه الأدبي أبدا، رغم ما مر به من ظروف قاسية؛ حيث كان يكتب المقالات ويرسلها إلى مجلة فصول، كما كان يترجم لها بعض الموضوعات.

أما عن أعماله الفكرية الأدبية فهي كثيرة للغاية ويصعب حصرها، لكن بداية ظهوره في الإنتاج الأدبي كان في سنة 1916، يتمثل ديوانه في عشرة أجزاء هي : هداية الكروان، أعاصير مغرب، وحي الأربعين، عابر السبيل، يقظة الصباح، وهج الظهيرة، أشباح الأصيل، أشجان الليل، وحي الأربعين، بعد الأعاصير، مابعد البعد .

من أشهر أعمال العقاد سلسلة العبقريات الاسلامية التي تناولت بالتفصيل سير أعلام الإسلام، مثل: عبقرية محمد، عبقرية عمر، عبقرية خالد، عبقرية الإمام، عبقرية الصديق، وغيرها.

ولم يكتب إلا رواية واحدة هي "سارة"، ومن أهم مؤلفاته أيضا: الفلسفة القرآنية، والله، وإبليس، الانسان في القران الكريم ومراجعات في الأدب والفنون.

منحه الرئيس المصري جمال عبد الناصر جائزة الدولة التقديرية في الآداب غير أنه رفض تسلمها، كما رفض الدكتوراة الفخرية من جامعة القاهرة.

اشتهر بمعاركه الفكرية مع الدكتور زكي مبارك والأستاذ محمود شاكر والدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)، وكان الأستاذ سيد قطب يقف في صف العقاد.

تقدير العقاد
اخْتير العقاد عضوًا في مجمع اللغة العربية بمصر سنة 1940، واخْتير عضوًا مراسلا في مجمع اللغة العربية بدمشق، ونظيره في العراق، وحصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب سنة 1959

وتُرجمت بعض كتبه إلى اللغات الأخرى، فتُرجم كتابه المعروف "الله" إلى الفارسية، ونُقلت عبقرية محمد وعبقرية الإمام علي، وأبو الشهداء إلى الفارسية، والأردية، والملاوية، كما تُرجمت بعض كتبه إلى الألمانية والفرنسية والروسية.

وأطلقت كلية اللغة العربية بالأزهر اسمه على إحدى قاعات محاضراتها , وسمي بأسمه أحد أشهر شوارع القاهرة وهو شارع عباس العقاد الذي يقع في مدينة نصر

شعره
1 - ديوان من دواوين . 2 - وحى الاربعين . 3 - هدية الكروان . 4 - عابر سبيل .

مؤلفاته
تجاوزت مؤلفات العقاد مائة كتاب ، شملت جوانب مختلفة من الثقافة الإسلامية, والأجتماعية بالإضافة إلى مقالاته العديدة التي تبلغ الآلاف في الصحف والدوريات, ومن هذه الكتب:

الله جل جلاله - كتاب يبحث في نشأة العقيدة الإلهية .
إبراهيم أبو الانبياء .
عبقرية المسيح في التاريخ وكشوف العصر الحديث
العبقريات الاسلامية : عبقرية محمد - عبقرية الصديق - عبقرية خالد - عبقرية عمر - عبقرية الامام على .
داعي السماء بلال.
الصديقة بنت الصديق.
الحسين أبو الشهداء .
عمرو بن العاص.
معاوية بن أبي سفيان.
فاطمة الزهراء.
الفاطميون.
حقائق الإسلام وأباطيل خصومه.
الفلسفة القرآنية.
التفكير فريضة إسلامية.
مطلع النور.
الديمقراطية في الإسلام.
الإنسان في القرآن الكريم.
الإسلام في القرن العشرين.
مايقال عن الإسلام.
أنا.
أفيون الشعوب.
هذه الشجرة.
جحا الضاحك المضحك.
غراميات العقاد.
روح عظيم المهاتما غاندي.
حياة قلم.
سارة (الرواية الوحيدة التي كتبها)
طوالع البعثة المحمدية.
خلاصة اليومية والشذور.
مذهب ذوي العاهات.
لا شيوعية ولا استعمار.
سعد زغلول.
ابن الرومي: حياته من شعره.
الصهيونية وقضية فلسطين.


العقاد.. رحلة قلم*

شباب وإباء
تبوأ العقاد مكانة عالية في النهضة الأدبية الحديثة ندر من نافسه فيها، فهو يقف بين أعلامها، وكلهم هامات سامقة، علمًا شامخًا وقمة باذخة، يبدو لمن يقترب منه كالبحر العظيم من أي الجهات أتيته راعك اتساعه، وعمقه، أو كقمة الهرم الراسخ لا ترقى إليه إلا من قاعدته الواسعة، واجتمع له ما لم يجتمع لغيره من المواهب والملَكَات، فهو كاتب كبير، وشاعر لامع، وناقد بصير، ومؤرخ حصيف، ولغوي بصير، وسياسي حاذق، وصحفي نابه، ولم ينل منزلته الرفيعة بجاه أو سلطان، أو بدرجات، وشهادات، بل نالها بمواهبه المتعددة، وهمته العالية، ودأبه المتصل، عاش من قلمه وكتبه، وترفع عن الوظائف والمناصب لا كرها فيها، بل صونًا لحريته واعتزازًا بها، وخوفًا من أن تنازعه الوظائف عشقه للمعرفة.

وحياة العقاد سلسلة طويلة من الكفاح المتصل والعمل الدءوب، صارع الحياة والأحداث وتسامى على الصعاب، وعرف حياة السجن وشظف العيش، واضطهاد الحكام، لكن ذلك كله لم يُوهِنْ عزمه أو يصرفه عما نذر نفسه له، خلص للأدب والفكر مخلصًا له، وترهب في محراب العلم؛ فأعطاه ما يستحق من مكانة وتقدير.

المولد والنشأة
في مدينة أسوان بصعيد مصر، وُلِدَ عباس محمود العقاد في يوم الجمعة الموافق (29 من شوال 1306هـ= 28 من يونيو 1889)، ونشأ في أسرة كريمة، وتلقى تعليمه الابتدائي بمدرسة أسوان الأميرية، وحصل منها على الشهادة الابتدائية سنة (1321هـ= 1903م) وهو في الرابعة عشرة من عمره.

وفي أثناء دراسته كان يتردد مع أبيه على مجلس الشيخ أحمد الجداوي، وهو من علماء الأزهر الذين لزموا جمال الدين الأفغاني، وكان مجلسه مجلس أدب وعلم، فأحب الفتى الصغير القراءة والاطلاع، فكان مما قرأه في هذه الفترة "المُسْتَطْرَف في كل فن مستظرف" للأبشيهي، و"قصص ألف ليلة وليلة"، وديوان البهاء زهير وغيرها، وصادف هذا هوى في نفسه، ما زاد إقباله على مطالعة الكتب العربية والإفرنجية، وبدأ في نظم الشعر.

ولم يكمل العقاد تعليمه بعد حصوله على الشهادة الابتدائية، بل عمل موظفًا في الحكومة بمدينة قنا سنة (1323هـ= 1905م) ثم نُقِلَ إلى الزقازيق سنة (1325هـ= 1907م) وعمل في القسم المالي بمديرية الشرقية، وفي هذه السنة توفي أبوه، فانتقل إلى القاهرة واستقر بها.

الاشتغال بالصحافة

زيارة طلبة الكلية العسكرية للعقاد في مكتبه
ضاق العقاد بحياة الوظيفة وقيودها، ولم يكن له أمل في الحياة غير صناعة القلم، وهذه الصناعة ميدانها الصحافة، فاتجه إليها، وكان أول اتصاله بها في سنة (1325هـ= 1907م) حين عمل مع العلامة محمد فريد وجدي في جريدة الدستور اليومية التي كان يصدرها، وتحمل معه أعباء التحرير والترجمة والتصحيح من العدد الأول حتى العدد الأخير، فلم يكن معهما أحد يساعدهما في التحرير.

وبعد توقف الجريدة عاد العقاد سنة (1331هـ= 1912م) إلى الوظيفة بديوان الأوقاف، لكنه ضاق بها، فتركها، واشترك في تحرير جريدة المؤيد التي كان يصدرها الشيخ علي يوسف، وسرعان ما اصطدم بسياسة الجريدة، التي كانت تؤيد الخديوي عباس حلمي، فتركها وعمل بالتدريس فترة مع الكاتب الكبير إبراهيم عبد القادر المازني، ثم عاد إلى الاشتغال بالصحافة في جريدة الأهالي سنة (1336هـ= 1917م) وكانت تَصْدُر بالإسكندرية، ثم تركها وعمل بجريدة الأهرام سنة (1338هـ= 1919م) واشتغل بالحركة الوطنية التي اشتغلت بعد ثورة 1919م، وصار من كُتَّابها الكبار مدافعًا عن حقوق الوطن في الحرية والاستقلال، وأصبح الكاتب الأول لحزب الوفد، المدافع عنه أمام خصومه من الأحزاب الأخرى، ودخل في معارك حامية مع منتقدي سعد زغلول زعيم الأمة حول سياسة المفاوضات مع الإنجليز بعد الثورة.

وبعد فترة انتقل للعمل مع عبد القادر حمزة سنة (1342هـ= 1923م) في جريدة البلاغ، وارتبط اسمه بتلك الجريدة، وملحقها الأدبي الأسبوعي لسنوات طويلة، ولمع اسمه، وذاع صيته واُنْتخب عضوا بمجلس النواب، ولن يَنسى له التاريخ وقفته الشجاعة حين أراد الملك فؤاد إسقاط عبارتين من الدستور، تنص إحداهما على أن الأمة مصدر السلطات، والأخرى أن الوزارة مسئولة أمام البرلمان، فارتفع صوت العقاد من تحت قبة البرلمان على رؤوس الأشهاد من أعضائه قائلا: "إن الأمة على استعداد لأن تسحق أكبر رأس في البلاد يخون الدستور ولا يصونه"، وقد كلفته هذه الكلمة الشجاعة تسعة أشهر من السجن سنة (1349هـ= 1930م) بتهمة العيب في الذات الملكية.

وظل العقاد منتميًا لحزب الوفد حتى اصطدم بسياسته تحت زعامة مصطفى النحاس باشا في سنة ( 1354هـ= 1935م) فانسحب من العمل السياسي، وبدأ نشاطُه الصحفي يقل بالتدريج وينتقل إلى مجال التأليف، وإن كانت مساهماته بالمقالات لم تنقطع إلى الصحف، فشارك في تحرير صحف روزاليوسف، والهلال، وأخبار اليوم، ومجلة الأزهر.

مؤلفات العقاد

المستقبل في عيون مفكر
عُرف العقاد منذ صغره بنهمه الشديد في القراءة، وإنفاقه الساعات الطوال في البحث والدرس، وقدرته الفائقة على الفهم والاستيعاب، وشملت قراءاته الأدب العربي والآداب العالمية فلم ينقطع يومًا عن الاتصال بهما، لا يحوله مانع عن قراءة عيونهما ومتابعة الجديد الذي يصدر منهما، وبلغ من شغفه بالقراءة أنه يطالع كتبًا كثيرة لا ينوي الكتابة في موضوعاتها حتى إن أديبًا زاره يومًا، فوجد على مكتبه بعض المجلدات في غرائز الحشرات وسلوكها، فسأله عنها، فأجابه بأنه يقرأ ذلك توسيعًا لنهمه وإدراكه، حتى ينفذ إلى بواطن الطبائع وأصولها الأولى، ويقيس عليها دنيا الناس والسياسة.

وكتب العقاد عشرات الكتب في موضوعات مختلفة، فكتب في الأدب والتاريخ والاجتماع مثل: مطالعات في الكتب والحياة، ومراجعات في الأدب والفنون، وأشتات مجتمعة في اللغة والأدب، وساعات بين الكتب، وعقائد المفكرين في القرن العشرين، وجحا الضاحك المضحك، وبين الكتب والناس، والفصول، واليد القوية في مصر.

ووضع في الدراسات النقدية واللغوية مؤلفات كثيرة، أشهرها كتاب "الديوان في النقد والأدب" بالاشتراك مع المازني، وأصبح اسم الكتاب عنوانًا على مدرسة شعرية عُرفت بمدرسة الديوان، وكتاب "ابن الرومي حياته من شعره"، وشعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي، ورجعة أبي العلاء، وأبو نواس الحسن بن هانئ، واللغة الشاعرية، والتعريف بشكسبير.

وله في السياسة عدة كتب يأتي في مقدمتها: "الحكم المطلق في القرن العشرين"، و"هتلر في الميزان"، وأفيون الشعوب"، و"فلاسفة الحكم في العصر الحديث"، و"الشيوعية والإسلام"، و"النازية والأديان"، و"لا شيوعية ولا استعمار".

وهو في هذه الكتب يحارب الشيوعية والنظم الاستبدادية، ويمجد الديمقراطية التي تكفل حرية الفرد، الذي يشعر بأنه صاحب رأي في حكومة بلاده، وبغير ذلك لا تتحقق له مزية، وهو يُعِدُّ الشيوعية مذهبًا هدَّامًا يقضي على جهود الإنسانية في تاريخها القديم والحديث، ولا سيما الجهود التي بذلها الإنسان للارتفاع بنفسه من الإباحية الحيوانية إلى مرتبة المخلوق الذي يعرف حرية الفكر وحرية الضمير.

وله تراجم عميقة لأعلام من الشرق والغرب، مثل "سعد زغلول، وغاندي وبنيامين فرانكلين، ومحمد علي جناح، وعبد الرحمن الكواكبي، وابن رشد، والفارابي، ومحمد عبده، وبرناردشو، والشيخ الرئيس ابن سينا".

وأسهم في الترجمة عن الإنجليزية بكتابين هما "عرائس وشياطين، وألوان من القصة القصيرة في الأدب الأمريكي".

إسلاميات العقاد
انعقاد مجمع اللغة العربية برئاسةلطفي السيد ولحظةانفعال من العقاد
تجاوزت مؤلفات العقاد الإسلامية أربعين كتابًا، شملت جوانب مختلفة من الثقافة الإسلامية، فتناول أعلام الإسلام في كتب ذائعة، عرف كثير منها باسم العبقريات، استهلها بعبقرية محمد، ثم توالت باقي السلسلة التي ضمت عبقرية الصديق، وعبقرية عمر، وعبقرية علي، وعبقرية خالد، وداعي السماء بلال، وذو النورين عثمان، والصديقة بنت الصديق، وأبو الشهداء وعمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان، وفاطمة الزهراء والفاطميون.

وهو في هذه الكتب لا يهتم بسرد الحوادث، وترتيب الوقائع، وإنما يعني برسم صورة للشخصية تُعرِّفنا به، وتجلو لنا خلائقه وبواعث أعماله، مثلما تجلو الصورة ملامح من تراه بالعين.

وقد ذاعت عبقرياته واُشتهرت بين الناس، وكان بعضها موضوع دراسة الطلاب في المدارس الثانوية في مصر، وحظيت من التقدير والاحتفاء بما لم تحظ به كتب العقاد الأخرى.

وألَّف العقاد في مجال الدفاع عن الإسلام عدة كتب، يأتي في مقدمتها: حقائق الإسلام وأباطيل خصومه، والفلسفة القرآنية، والتفكير فريضة إسلامية، ومطلع النور، والديمقراطية في الإسلام، والإنسان في القرآن الكريم، والإسلام في القرن العشرين وما يقال عن الإسلام.

وهو في هذه الكتب يدافع عن الإسلام أمام الشبهات التي يرميه بها خصومه وأعداؤه، مستخدمًا علمه الواسع وقدرته على المحاجاة والجدل، وإفحام الخصوم بالمنطق السديد، فوازن بين الإسلام وغيره وانتهى من الموازنة إلى شمول حقائق الإسلام وخلوص عبادته وشعائره من شوائب الملل الغابرة حين حُرِّفت عن مسارها الصحيح، وعرض للنبوة في القديم والحديث، وخلص إلى أن النبوة في الإسلام كانت كمال النبوات، وختام الرسالات وهو يهاجم الذين يدعون أن الإسلام يدعو إلى الانقياد والتسليم دون تفكير وتأمل، ويقدم ما يؤكد على أن التفكير فريضة إسلامية، وأن مزية القرآن الأولى هي التنويه بالعقل وإعماله، ويكثر من النصوص القرآنية التي تؤيد ذلك، ليصل إلى أن العقل الذي يخاطبه الإسلام هو العقل الذي يعصم الضمير ويدرك الحقائق ويميز بين الأشياء.

وقد رد العقاد في بعض هذه الكتب ما يثيره أعداء الإسلام من شبهات ظالمة يحاولون ترويجها بشتى الوسائل، مثل انتشار الإسلام بالسيف، وتحبيذ الإسلام للرق، وقد فنَّد الكاتب هذه التهم بالحجج المقنعة والأدلة القاطعة في كتابه "ما يقال عن الإسلام".

شاعرية العقاد
لم يكن العقاد كاتبًا فذا وباحثًا دؤوبًا ومفكرًا عميقًا، ومؤرخًا دقيقًا فحسب، بل كان شاعرًا مجددًا، له عشرة دواوين، هي: يقظة الصباح، ووهج الظهيرة، وأشباح الأصيل، وأعاصير مغرب، وبعد الأعاصير، وأشجان الليل، ووحي الأربعين، وهدية الكروان، وعابر سبيل، وديوان من دواوين، وهذه الدواوين العشرة هي ثمرة ما يزيد على خمسين عامًا من التجربة الشعرية.

ومن أطرف دواوين العقاد ديوانه "عابر سبيل" أراد به أن يبتدع طريقة في الشعر العربي، ولا يجعل الشعر مقصورًا على غرض دون غرض، فأمور الحياة كلها تصلح موضوعًا للشعر؛ ولذا جعل هذا الديوان بموضوعات مستمدة من الحياة، ومن الموضوعات التي ضمها الديوان قصيدة عن "عسكري المرور" جاء فيها:

متحكم في الراكبـــين

وما لــــه أبدًا ركوبة

لهم المثوبة من بنــانك

حين تأمر والعقـــوبة

مُر ما بدا لك في الطـريق

ورض على مهل شعوبه

أنا ثائر أبدًا وما فـــي

ثورتي أبدًا صعـــوبة

أنا راكب رجلي فـــلا

أمْرٌ عليَّ ولا ضريبة

تقدير العقاد
لقي العقاد تقديرا وحفاوة في حياته من مصر والعالم العربي، فاخْتير عضوًا في مجمع اللغة العربية بمصر سنة (1359هـ= 1940م) فهو من الرعيل الأول من أبناء المجمع، واخْتير عضوًا مراسلا في مجمع اللغة العربية بدمشق، ونظيره في العراق، وحصل على جائزة الدولة التقديرية في الآداب سنة (1379هـ= 1959م).

وتُرجمت بعض كتبه إلى اللغات الأخرى، فتُرجم كتابه المعروف "الله" إلى الفارسية، ونُقلت عبقرية محمد وعبقرية الإمام علي، وأبو الشهداء إلى الفارسية، والأردية، والملاوية، كما تُرجمت بعض كتبه إلى الألمانية والفرنسية والروسية.

وكان أدب العقاد وفكره ميدانًا لأطروحات جامعية تناولته شاعرًا وناقدًا ومؤرخًا وكاتبًا، وأطلقت كلية اللغة العربية بالأزهر اسمه على إحدى قاعات محاضراتها، وبايعه طه حسين بإمارة الشعر بعد موت شوقي، وحافظ إبراهيم، قائلا: "ضعوا لواء الشعر في يد العقاد، وقولوا للأدباء والشعراء أسرعوا واستظلوا بهذا اللواء، فقد رفعه لكم صاحبه".

وقد أصدرت دار الكتب نشرة بيلوجرافية وافية عن مؤلفات العقاد، وأصدر الدكتور حمدي السكوت أستاذ الأدب العربي بالجامعة الأمريكية كتابًا شاملا عن العقاد، اشتمل على بيلوجرافية لكل إنتاج العقاد الأدبي والفكري، ولا تخلو دراسة عن الأدب العربي الحديث عن تناول كتاباته الشعرية والنثرية.

واشْتُهر العقاد بصالونه الأدبي الذي كان يعقد في صباح كل جمعة، يؤمه تلامذته ومحبوه، يلتقون حول أساتذتهم، ويعرضون لمسائل من العلم والأدب والتاريخ دون الإعداد لها أو ترتيب، وإنما كانت تُطْرح بينهم ويُدلي كل منهم بدلوه، وعن هذه الجلسات الشهيرة أخرج الأستاذ أنيس منصور كتابه البديع " في صالون العقاد".

وفاة العقاد
ظل العقاد عظيم الإنتاج، لا يمر عام دون أن يسهم فيه بكتاب أو عدة كتب، حتى تجاوزت كتُبُه مائةَ كتاب، بالإضافة إلى مقالاته العديدة التي تبلغ الآلاف في بطون الصحف والدوريات، ووقف حياته كلها على خدمة الفكر الأدبي حتى لقي الله في (26 من شوال 1383هـ= 12 من مارس 1964م).
*أحمد تمام

من مصادر الدراسة:
نعمات أحمد فؤاد: قمم أدبية ـ عالم الكتب ـ القاهرة ـ 1984م.
جمال الدين الرمادي: من أعلام الأدب المعاصر ـ دار الفكر العربي ـ القاهرة ـ بدون تاريخ.
محمد رجب البيومي: النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين ـ دار القلم ـ دمشق 1415 هـ= 1995م).
شوقي ضيف: مع العقاد ـ دار المعارف ـ القاهرة ـ بدون تاريخ.
محمد مهدي علام: المجمعيون في خمسين عامًا ـ الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية، القاهرة (1406هـ= 1986م).
مجلة الهلال ـ عدد خاص عن العقاد.










قديم 2010-01-29, 01:23   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
الصقرالشمالي
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية الصقرالشمالي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

نبذه عن الاديب عباس محمود العقاد تاريخه و اعماله

عباس العقاد في شبابه'

عباس محمود العقاد (29 شوال1306 ه = 28 يونيو1889 - 26 شوال1383 ه= 12 مارس1964م) مفكر و شاعر وناقد مصري ولد بمدينة أسوان في 28/6/1889، وتخرج من المدرسة الابتدائية سنة 1903. أسس بالتعاون مع إبراهيم المازنيوعبد الرحمن شكريمدرسة الديوان، وكانت هذه المدرسة من أنصار التجديد في الشعر والخروج به عن القالب التقليدي العتيق.
وعمل العقاد بمصنع للحرير في مدينة دمياط وعمل بالسكك الحديدية؛ لأنه لم ينل من التعليم حظا وافرا؛ حيث حصل على الشهادة الابتدائية فقط، لكنه في الوقت نفسه كان مولعا بالقراءة في مختلف المجالات، وقد أنفق معظم نقوده على شراء الكتب، والتحق بعمل كتابي بمحافظة قنا، ثم نقل إلى محافظة الشرقية.
مل العقاد العمل الروتيني، فعمل بمصلحة البرق، ولكنه لم يعمر فيها كسابقتها، فاتجه إلى العمل بالصحافة مستعينا بثقافته وسعة إطلاعه، فاشترك مع "محمد فريد وجدي" في إصدار صحيفة الدستور، وكان إصدار هذه الصحيفة فرصة لكي يتعرف العقاد بسعد زغلول ويؤمن بمبادئه، وتوقفت الصحيفة بعد فترة، وهو ما جعل العقاد يبحث عن عمل يقتات منه، فاضطر إلى إعطاء بعض الدروس ليحصل على قوت يومه.
ولم يتوقف إنتاجه الأدبي أبدا، رغم ما مر به من ظروف قاسية؛ حيث كان يكتب المقالات ويرسلها إلى مجلة فصول، كما كان يترجم لها بعض الموضوعات.
أما عن أعماله الفكرية الأدبية فهي كثيرة للغاية ويصعب حصرها، لكن بداية ظهوره قي الإنتاج الأدبي كان في سنة 1916، مع ديوانه الشعري الأول، وصدر له بعد ذلك مجموعات شعرية، مثل: هداية الكروان، وأعاصير المغرب، وحي الأربعين، وعابر سبيل.

عباس العقاد في كبره

ومن أشهر أعمال العقاد سلسلة العبقريات الاسلامية التي تناولت بالتفاصيل سير أعلام الإسلام، مثل: عبقرية محمد، وعبقرية عمر، وعبقرية خالد، وغيرها.. ولم يكتب إلا رواية واحدة هي "سارة"، ومن أهم مؤلفاته أيضا: الفلسفة القرآنية، والله، وإبليس، الانسان في القران الكريم ومراجعات في الأدب والفنون.
وقد منحه الرئيس المصري جمال عبد الناصر جائزة الدولة التقديرية في الآداب غير أنه رفض تسلمها. وتوفي العقاد سنة 1964.

*التفكير فريضة إسلامية

يواصل العقاد حديثه عن العقل وموقعه في الاسلام، فيقول أن القرآن الكريم لا يذكر العقل إلا في مقام التعظيم والتنبيه الى وجوب العمل به والرجوع اليه، ولا تأتي الاشارة اليه عارضة ولا مقتضبة في سياق الآية، بل هي تأتي في كل موضع من مواضعها مؤكدة جازمة باللفظ والدلالة، وتتكرر في كل معرض من معارض الأمر والنهي التي يحث فيها المؤمن على تحكيم عقله أو يلام فيها المنكر على اهمال عقله، وقبول الحجر عليه. ويضيف العقاد: أنه لا يأتي تكرار الاشارة الى العقل بمعنى واحد من معانيه التي يشرحها النفسانيون من أصحاب العلوم الحديثة. بل هي تشمل وظائف الانسان العقلية على اختلاف أعمالها وخصائصها، وتتعمد التفرقة بين هذه الوظائف والخصائص في مواطن الخطاب ومناسباته، فلا ينحصر خطاب العقل في العقل الوازع أي الذي يحول بين صاحبه وما يشتهيه على أساس أخلاقي، ولا في العقل المدرك ولا في العقل الذي يناط به التأمل الصادق، والحكم الصحيح، بل يعم الخطاب في الآيات القرآنية كل ما يتسع له الذهن الانساني من خاصة أو وظيفة، وهي كثيرة لا موجب لتفصيلها في هذا المقام المجمل، إذ هي جميعا مما يمكن أن يحيط به العقل الوازع، والعقل المدرك، والعقل المفكر الذي يتولى الموازنة والحكم على المعاني والأشياء.

[تحرير] مؤلفاته
  • "الله"
  • عبقرية محمد.
  • عبقرية الصديق.
  • عبقرية عمر.
  • عبقرية عثمان
  • عبقرية الامام علي
  • عبقرية خالد
  • داعي السماء بلال
  • الصديقة بنت الصديق
  • أبو الشهداء
  • عمرو بن العاص
  • معاوية بن أبي سفيان
  • فاطمة الزهراء
  • الفاطميون
  • حقائق الإسلام وأباطيل خصومه
  • الفلسفة القرآنية
  • التفكير فريضة إسلامية
  • مطلع النور
  • الديمقراطية في الإسلام
  • الإنسان في القرآن الكريم
  • الإسلام في القرن العشرين
  • ما يقال عن الإسلام
  • أنا
  • أفيون الشعوب
  • هذه الشجرة
  • جحا الضاحك المضحك
  • غراميات العقاد
  • روح عظيم المهاتما غاندي
  • حياة قلم
  • سارة









قديم 2010-01-29, 01:25   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
الصقرالشمالي
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية الصقرالشمالي
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

المقدمـــــــــة:
كان الأستاذ عباس محمود العقاد رجلاً واسع الإطلاع قوي الشخصية عنيد الرأي واضح البيان رائع الأسلوب متعدد الجوانب صادق الشاعرية مقبلاً على الحياة ذائع الصيت. فكان الكاتب السياسي والناقد الحاذق والمؤرخ الكبير والشاعر المحلق. ومنذ أن لمع اسمه على صفحات الدستور الأسبوعية التي كان محمد فريد وجدي يرأس تحريرها حتى وفاته كان العقاد خصب الإنتاج متتابع النشاط ذا وجود فعال في الساحة الأدبية بلا مراء.
الموضـــــــــــــــــوع :

كانت بداية هذا العبقري في أرض أسوان بجنوب وادي الكنانة في اليوم الأول من شهر يوليو سنة 1889م من أبوين يجدر الإشارة إليهما لما لهما من كثير الصلة بطباع الأديب ا لكبير، وقد روى الأستاذ الجبلاوي أن صورة العقاد أقرب إلى صورة والدته وكان الأستاذ الجبلاوي قد عرف العقاد سنة 1920م أي بعد وفاة والد العقاد بعشر سنوات. وكان والد العقاد واسمه محمود إبراهيم مصطفى العقاد مديراً لإدارة المحفوظات بمديرية أسوان وقد اشتهر بالتقوى وكرم العنصر وعرف بالتنظيم في عمله وقد تسلم محفوظات الإدارة وهي في أسوأ حال فعكف على تنظيمها وترتيبها حتى أصبح من اليسير الاستدلال على ما تفرق من أوراقها المكدسة.
أما والدة العقاد فقد عرفت بالنشاط والتقوى. وجده لأمه هو محمد أغا الشريف ويعزى نسبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض المراجع بينما يعزوه أحد المراجع إلى العباس بن عبدالمطلب.
وكان العقاد يرسل لها بانتظام ثلث راتبه من الكتابة الصحفية وعاشت حتى عام 1949م حيث ماتت والعقاد في الستين من عمره.
دخل العقاد المدرسة بأسوان وكان مشتهراً بالتقدم في دروسه إلا أنه ترك الدراسة بعد حصوله على الشهادة الابتدائية. وانكب على كتب الأدب يقرؤها مشتغلاً بالتدريس وقد بلغ من نبوغه أن الامام محمد عبده زار المدرسة وقرأ ما كتبه الطالب العقاد فأعجب بذلك وقال: ما أحرى أن يكون هذا كاتباً بعد. وعندما كان العقاد في الخامسة عشرة من عمره يدرس التقى لأول مرة بالزعيم مصطفى كامل رحمه الله.
يقول العقاد: «رأيت مصطفى كامل لأول مرة وأنا في الخامسة عشرة كنت ببلدتي في أسوان اشتغل مع زملائي بإحدى الدعوات المحلية وهي دعوة التطوع للتعليم بالمدارس الأهلية. وخرج مصطفى كامل ذات صباح يتمشى على شاطىء النيل ومعه الكاتبة الفرنسية مدام جوليت والإنجليزية مسز يونج فدعاه صاحب المدرسة الأهلية. ودخل مصطفى كامل السنة الرابعة وفيها درس اللغة العربية - يقصد العقاد أنه كان المدرس - فجلس مكان التلميذ الذي يكتب على اللوحة وأملى بيت أبي العلاء:
والمرء ما لم تعد نفعاً إقامته
غيم حمى الشمس لم يمطر ولم يسر
وطلب من التلميذ شرح معناه فتلعثم التلميذ فاسعفت التلميذ معتذراً بأن الغيم الذي لا يمطر في أسوان ولا يسير نعمة محبوبة وأن الغيم الممطر وغير الممطر عندنا قليل».وفي عام 1905م والعقاد في السادسة عشرة يذهب العقاد إلى القاهرة وبدأ في مقابلة الإعلام فالتقى في تلك السنة يعقوب صروف وجورجي زيدان ومحمد فريد الزعيم الوطني.
وبدأت مقالاته تظهر على صفحات اللواء وكذلك قصائده. إلا أن أهم منعطف في حياته هو عمله في صحيفة الدستور الأسبوعية. تعرف العقاد على الأستاذ محمد فريد وجدي وكان كاتباً إسلامياً قديراً نابه الذكر وكان يعد العدة لإصدار صحيفة أسبوعية ناطقة باسم الحزب الوطني شأنها شأن اللواء. وكان وجدي بحاجة إلى من يساعده في التحرير. فتقدم العقاد بالطلب ووافق وجدي على طلبه. وصدر العدد الأول من الصحيفة عام 1907م. وقد أعطى العقاد جهده تحريراً وكتابة معجباً بسعة اطلاع وجدي وتسامحه في الرأي. وفي نفس العام تعرف العقاد على سعد زغلول الذي كان يومها وزيراً للمعارف. وأجرى العقاد بعد التعارف حديثاً مع سعد زغلول ووافق محمد فريد وجدي على نشرها رغم عدم رضا الحزب الوطني عن سياسة سعد زغلول في وزارة المعارف. واستمر العقاد ينشر المقالات وتعرف على صديقه الأستاذ إبراهيم عبدالقادر المازني الذي شاركه في الكتابة في الدستور وفجعت مصر عام 1908م بوفاة مصطفى كامل واستمر العقاد في عمله بالدستور حتى عام 1910م فترك العمل وتوفي والده في ذلك العام.
وأصدرت دار الهلال للعقاد أول كتبه «خلاصة اليومية» عام 1912 وكذلك الشذور عام 1913هـ والإنسان الثاني عام 1913م. وفي عام 1913 م أصدر عبدالرحمن شكري الجزء الثاني من ديوانه فكتب له العقاد مقدمة قيمة. وفي عام 1914م قدم الجزء الأول من ديوان المازني. وجاء دور العقاد ليخرج أول دواوينه عام 1916م وهو «يقظة الصباح». وقد احتوى الديوان على قصائد عديدة منها «فينوس على جثة أدونيس» وهي مترجمة عن شكسبير وقصيدة «الشاعر الأعمى» و«العقاب الهرم» و«خمارويه وحارسه» و«رثاء أخ» و«ترجمة لقصيدة الوداع» للشاعر الاسكتلندي برنز، ومن ذلك اليوم شجر الخلاف بين شداة الأدب. فالجميع متفق على مكانة العقاد في النثر والنقد إلا أن شاعرية العقاد كانت مثار الخلاف فمنهم من يرى أن لشعر العقاد مكانة عالية ومن أولئك د. طه حسين وإبراهيم عبدالقادر المازني وعبدالرحمن شكري وعبدالرحمن صدقي وعلي أدهم وسيد قطب. ومنهم من رأى أن الرجل متوسط القامة في الشعر من أمثال ما رون عبود ومحمد مندور. وقصيدة «الحب الأول» في ديوان «يقظة الصباح» من أعظم قصائد الديوان وهي قصيدة طويلة يعارض به ابن الرومي. وقد أعجب بها كثير من النقاد بينما يرى آخرون أنه سطا فيها على كثير من شعراء التصوف الإسلامي يقول فيها العقاد:

يا من يراني غريقاً في محبته
وجدا ويسألني هل أنت غصان
واصنيعة الحب أبديه وأكتمه
ومن عنيت به عن ذاك غفلان
لي في محياك أشعار أضن بها
على امرىء فخره عرش وأيوان
على محياك من وشى الصبا.. روع
وللمحبين أحداق وأعيان
إن الجسوم مثناه جوارحها
إلا القلوب فصيغت وهي أحدان
لكل قلب قرين يستتب به
خَلق وخُلق فهل يرضيك نقصان


وتقوم الحرب العالمية الأولى وينفى سعد من البلاد وتتوثق صداقة العقاد مع زعيم الوفد ويصبح كاتب الوفد الأول ويصيب شهرة مدوية في البلاد. وفي هذه الأثناء رجع شوقي من المنفى وبدأ العقاد في تأليف كتاب «الديوان في النقد والأدب».. للهجوم على شوقي وقد اشترك المازني معه في تأليف الكتاب الذي صدر عام 1921م، وقد بدأ العقاد في الهجوم على شوقي متناولاً قصيدة شوقي في رثاء مصطفى كامل وهي قصيدة مطولة. وقد حاول العقاد تأصيل منهج حديث لنقد الشعر يقول العقاد: اعلم - أيها الشاعر العظيم أن الشاعر من يشعر بجوهر الأشياء لا من يعددها ويحصي أشكالها وألوانها وان ليست مزية الشاعر أن يقول لك عن الشيء ماذا يشبه وإنما مزيته أن يقول ما هو ويكشف عن لبابه وصلة الحياة به. وليس هم الناس من القصيدة أن يتسابقوا في أشواط البصر والسمع وإنما همهم أن يتعاطفوا ويودع أحسهم وأطبعهم في نفس إخوانه زبدة ما رآه وما سمعه وخلاصة ما استطابه أو كرهه».وأصبح الكاتب ذائع الصيت واسع الشهرة في أنحاء العالم العربي ويصل صوته جهيراً إلى أدباء المهجر من أمثال ميخائيل نعيمة الذي أرسل إلى الشاب العقاد كتابه «الغربال» ليكتب له مقدمته فيوافق العقاد وتصدر الطبعة الأولى في دار الهلال. وفي عام 1922م أصدر العقاد كتابه «الفصول». وقد وضع الكاتب قلمه في ركاب سعد زغلول والثناء عليه.
وفي عام 1923م كتب العقاد في صحيفة الأخبار التي رأس تحريرها أمين الرافعي.
وفي عام 1926م وقع الأديب العقاد في حب سارة وهو حب عاثر قصته أشبه بقصة آلام مزتر وقد سجلها العقاد بعد ذلك في قصته «سارة». وأما سارة فقد ذكر اسمها الحقيقي الأستاذ علي أدهم في مقاله في الهلال وكذلك عامر العقاد في كتابه عن عمه، وأحب العقاد في نفس الوقت مي زيادة التي كان يتردد على صالونها، الصالون الذي قال عنه إسماعيل صبري:

إن لم أمتع بمي ناظري غدا
أنكرت صبحك يا يوم الثلاثاء


وانتهت القصتان بألم مرير عاشه العقاد طوال حياته. وقد رثى حبه مع مي بعد أن علم بهيامها بمعاصرها اللبناني جبران خليل جبران. يقول العقاد:

ولد الحب لنا وامزحتاه
وقضى في مهده واأسفاه
مات لم يدرج ولم يلعب ولم
يشهد البلوى ولم يعرف أباه
ليته عاش فأما إذ.. قضى
فليكن برداً على القلب جواه
أشكر الموت وأشكوه معاً
غال حبي قبلما تنمو قواه
غاله وهو صغير قبلما
تكبر البلوى به يوم نواه
كنت أرجوه لليلى كلما
لجت الحيرة بي تحت دجاه
كنت أرجوه ليومي كلما
عزني في مطلع الشمس هداه


وبدأ العقاد مقالاته في البلاغ الأسبوعية منذ صدورها سنة 1923م فكتب مقالاً أسبوعياً حتى عام 1929م وفي أثناء هذه المقالات توفي سعد زغلول صديقه. وأصدر كتابه «ابن الرومي» حائزاً اعجاب النقاد والقراء.. وبعد شهر من صدور الكتاب أدخل العقاد السجن بتهمة العيب في الذات الملكية. فلبث في سجن قرة ميدان لمدة تسعة أشهر وبعد خروجه توجه إلى قبر صديقه سعد زغلول منشداً قصيدته:

إلى الذاهب الباقي ذهاب مجدد
وعند ثرى سعد مثاب ومسجد
وكنت جنين السجن تسعة أشهر
منها أنذا في ساحة الخلد أولد


وخرج من غيابة السجن متابعاً مواقفه حتى حصل الخلاف بينه وبين مصطفى النحاس. ففي عام 1933م قامت وزارة توفيق نسيم فأيدها مصطفى النحاس وهاجمها العقاد.فاستدعى مصطفى النحاس باشا العقاد لمقابلته بمنزل النحاس بالأسكندية.ووصل العقاد وكان معه محمد طاهر الجبلاوي. وعند المقابلة كان هذا الحوار:
مصطفى النحاس: لماذا تحمل على الوزارة يا أستاذ.. يا عقاد؟
العقاد: لأنها انحرفت عن الطريق السوي وتماطل في إعادة الدستور وتعمل لصالح الإنجليز.
النحاس: ولكن الوفد يؤيد هذه الوزارة.
العقاد: لن أقف وقفة الاغضاء عن مساوىء الوزارة.
النحاس: أنا زعيم الأمة أؤيد الوزارة فما عساك تصنع يا عباس يا عقاد.
العقاد: أنت زعيم الأمة لأن هؤلاء انتخبوك ولكنني كاتب الشرق بالحق الإلهي.
النحاس: إن الوزارة باقية ما دام الوفد يؤيدها.
العقاد: لن تنتهي برية هذا القلم إلا وقد انتهى أجل هذه الوزارة.
وكانت النهاية بين العقاد وحزب الوفد وقد حارب الوفد العقاد فمنع من الكتابة في البلاغ الأسبوعي، فكتب العقاد في الجهاد والأهرام في الثلاثينيات.
وفي الثلاثينيات أصدر العقاد «تذكار جيتي» و«ديوان وحي الأربعين» و«حياة سعد زغلول» سنة 1936م. ومن أهم ما أصدر في الثلاثينيات قصته الذائعة الصيت «سارة» التي سجل فيها هيامه بسارة وحبه لهند. وهند في الرواية هي الأديبة مي زيادة. ويبدو أن العقاد لم تزل نفسه تنبض بحب سارة. انظر إلى قوله «لونها كلون الشهد المصفى يأخذ من محاسن الألوان البيضاء والسمراء والحمراء والصفراء في مسحة واحدة. وعيناها نجلاوان وطفاوان تخفيان الأسرار ولا تخفيان النزعات فيهما خطفة الصقر ودعة الحاجة. وفمها فم الطفل الرضيع لولا ثنايا تخجل العقد النضيد في تناسق وانتظام ولها ذقن كطرف الكمثرى الصغيرة واستدارة وجه وبضاضة جسم».
وتقوم الحرب العالمية الثانية ويقف الأديب موقفاً معادياً للنازية جلب له المتاعب. وأعلنت أبواق الدعاية النازية اسمه بين المطلوبين للعقاب.. وما ان اجتاحت جنود روميل الصحراء واقتربت من أرض مصر حتى تخوف العقاد لما لمقالاته النارية من وقع على النازية تلك المقالات التي جمعها بعد ذلك في كتابين هما «هتلر في الميزان» و«الحرب العالمية الثانية» فآثر العقاد السلامة وسافر عام 1943م إلى السودان حيث احتفى به أدباء السودان حفاوة بليغة. وهزم النازي ورجع العقاد إلى قاهرته.
وبعد الحرب، بدأ العقاد سلسلة كتبه الإسلامية حيث أصدر بين نهاية الحرب وأوائل سنة 1950م عدداً منها مثل «عبقرية محمد صلى الله عليه وسلم« و«مطلع النور» و«عبقرية الصديق» و«عبقرية عمر» و«بلال مؤذن السماء» و«عبقرية الإمام» وغيرها.وفي 23 يوليو 1952م انتهى حكم أسرة محمد علي باشا وقد تميزت فترة الخمسينيات عند العقاد بمزيد من الكتب الإسلامية مثل «ما يقال عن الإسلام» و«الإسلام في القرن العشرين» و«المرأة في القرآن».
الخاتمـــــــــــة :

وهكذا نرى أن الأستاذ عباس محمود قدم الكثير من الأعمال للأدب العربي وقد أنهيت هذا البحث والحمدلله وارجوا أن أفيد به بإذن الله , استودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



المصــــــــادر :

https://www.al-jazirah.com.sa/2002jaz/jul/3/cu4.htm

https://www.khayma.com/salehzayadneh/poets/3aqqad/3aqqad.htm

https://membres.lycos.fr/lyceemaroc2/ARABE/8n.html









 

الكلمات الدلالية (Tags)
التحديد, الديوان, جماعة, شعرهم, ومظاهر

أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 15:36

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2023 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc